مستخدم:عماد الصغير الدمشقي/ملعب

الاقتباس من القرآن

هل يجوز دمج شعر المديح النبوي مع القرآن الكريم ، مثلاً مولاي صل على من بخلقه قد علا يكفيك قول الله : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم ﴾([1]) قد تسامى فعلى ما اجتمع في الخلق خير إلا عليه اشتملا هو سيد الكونين وأكمل من اكتملا .

الجواب : والله الموفق للصواب

هذا يسمى الاقتباس ، وهو مختلف في جوازه بين العلماء بحسب نوعه واستعماله .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 16 ، 17 ) : الاقتباس على نوعين :

أحدهما : ما لم ينقل فيه المقتبَس ( بفتح الباء ) عن معناه الأصلي ، ومنه قول الشاعر :

        قد كان ما خفت أن يكونا ...  إنا إلى الله راجعونا

وهذا من الاقتباس الذي فيه تغيير يسير ؛ لأن الآية ﴿ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾([2]) .

والثاني : ما نقل فيه المقتبَس عن معناه الأصلي كقول ابن الرومي :

لئن أخطأتُ في مدحِـ ك ما أخطأتَ في منعي

لقد أنزلتُ حاجاتي " بوادٍ غير ذي زرع "

فقوله " بواد غير ذي زرع " : اقتباس من القرآن الكريم ، فهي وردت في القرآن الكريم بمعنى " مكة المكرمة " ، إذ لا ماء فيها ولا نبات ، فنقله الشاعر عن هذا المعنى الحقيقي إلى معنى مجازي ، هو : " لا نفع فيه ولا خير " .

حكم الاقتباس :

جاء في " الموسوعة الفقهية" ( 6 / 17 ، 18 ) : " يرى جمهور الفقهاء جواز الاقتباس في الجملة ، إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية ، تحسيناً للكلام ، أما إن كان كلاماً فاسداً : فلا يجوز الاقتباس فيه من القرآن ، وذلك ككلام المبتدعة ، وأهل المجون ، والفحش .

قال الحافظ السيوطي : لم يتعرض له المتقدمون ، ولا أكثر المتأخرين من الشافعية ، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم ، واستعمال الشعراء له قديماً وحديثاً ، وقد تعرض له جماعة من المتأخرين ، فسئل عنه الشيخ العز بن عبد السلام فأجازه ، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها : ( وجهت وجهي ... إلخ ) ، وقوله : ( اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً إقض عني الدين وأغنني من الفقر ) .

وفي سياق الكلام لأبي بكر رضي الله عنه " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .

وفي حديث لابن عمر رضي الله عنهما " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " .

وقد اشتهر عند المالكية تحريمه ، وتشديد النكير على فاعله ، لكن منهم من فرَّق بين الشِّعر فكره الاقتباس فيه ، وبين النثر فأجازه ، وممن استعمله في النثر من المالكية : القاضي عياض ، وابن دقيق العيد ، وقد استعمله فقهاء الحنفية في كتبهم الفقهية .

ونقل السيوطي عن " شرح بديعية " ابن حجة أن الاقتباس ثلاثة أقسام :

الأول : مقبول ، وهو ما كان في الخطب والمواعظ والعهود .

والثاني : مباح ، وهو ما كان في الغزل والرسائل والقصص .

والثالث : مردود ، وهو على ضربين .

أحدهما : اقتباس ما نَسبه الله إلى نفسه ، بأن ينسبه المقتبِس إلى نفسه ، كما قيل عمن وقع على شكوى بقوله : " إن إلينا إيابهم ، ثم إن علينا حسابهم " !! .

والآخر : تضمين آية في معنى هزل ، أو مجون .

قال الحافظ السيوطي : وهذا التقسيم حسن جدّاً ، وبه أقول " انتهى .

وأما إدخال آية أو بعضها في الإنشاد أو الغناء مع تلحينها فالجمهور على التحريم .

أقول : واجتناب ذلك وتركه متعين خروجاً من خلاف العلماء خشية الإثم لمن كان من أهل التقوى والورع

وفي فتاوى المعاصرين : مما لا يجوز الاقتباس من القرآن فيه ، لا شعراً ، ولا نثراً ، :

1 - ما أضافه الله إلى نفسه مما تكلم به سبحانه وتعالى ، مثل ﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْك ﴾([3]) .

2. ما أقسم الله به من مخلوقاته ، كما في قول بعضهم :

" والتين والزيتون ... وطور سينين ... وهذا البلد المحزون " .

3. ما خوطب به الرب جل وعلا ، فيخاطب به غيره كما وقع في كتابٍ لعبد الرحمن المرشدي إلى القضاة ، جاء فيه : " يا أعدل قاضٍ به عماد الدين , آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين " .

4. ما يتبادر إلى السامع أنه من القرآن ، مع تغيير بعض الكلمات ، كقول أحدهم :

" والنجم إذا هوى ... ما ضل يراعك وما غوى ... علَّمه شديد القوى , ذو مرة فاستوى " .

5. ومنه ما يعد محاكاة للقرآن واستعمالاً له في غير معناه ، كقول النبيه يمدح القاضي الفاضل :

" لا تسمِّه وعداً بغير نوال ... إنه كان وعده مفعولاً " .

والأرجح بأن غناء القرآن مع الألحان حرام ، لأن آيات القرآن الكريم أنزلت للتعبّد ، وهي تتلى بخشوع وإخبات ، وغناؤها مع الألحان لا ينسجم مع جو القداسة الذي ينبغي أن تحاط به .

[1])) : الآية رقم ( 4 ) من سورة القلم .

[2])) : الآية رقم ( 156 ) من سورة البقرة .

[3])) الآية رقم ( 12 ) من سورة طه .

قائمة التصفح عماد الصغير الدمشقي إخطاران ملاحظات (1)