مستخدم:زياد عبدالله بوزيد/ملعب

دعوة المظلوم

عدل

من كتاب الأدب النبوي ، تأليف المرحوم محمد عبدالعزيز الخولي استاذ الشريعة الاسلامية بمدرسة دار العلوم سابقا

الحديث 26 عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا الى اليمن ، فقال : اتق دعوة المظلوم ، فانها ليس بينها وبين الله حجاب . رواه البخاري ومسلم

اللغة : الاتقاء : الحذر ، وأصله اتخاذ الوقاية مما يضر . والحجاب : الحاجز المانع حسيا أو معنويا ، وهو في الأصل مصدر حجبه يحجبه حجيبا وحجابا اذا منعه وستره .

الشرع : هذا الحديث قطعة من وصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه الى اليمن سنه عشر قاضيا عليها ، أو واليا ، قال له : (( انك ستأـي قوما أهل كتاب فاذا جئتهم فادعهم الى أن يشهدوا أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، فان هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة ، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فان هم أطاعوا لك بذلك فاياك وكرائم أموالهم -نفائسها-واتق دعوة المظلوم ...))الخ

دعوة المظلوم على ظالمه دعوة حقة ، وانها لانتصار من ظلمه [ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ماعليهم من سبيل ] وهي دعوة حارة سخنت من نار الغضب صادرة من أعماق النفس ، فكانت في السماء متصعدة ، شأن الهواء اذا سخن ، بعيدة المدى ، شأن القنبلة اذا طلقت من مدفع بعيد الغور ، فما تزال تشق أجواز الفضاء لا يحجبها حاجب ولا يردها صاد حتى تصل الى السماء ، فتخترق طبقاتها ، وتنفذ من بنائها ، فيتقبلها ربها بردا وسلاما لمن دعا ، ونارا وجحيما لمن ظلمه ، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم استنبط هذا المعنى من قوله تعالى [ لايحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم ، وكان الله سميعا عليما ] فالدعوة مشروعة بقوله [ الا من ظلم ] ومقبولة مسموعة بتعقيب الاستثناء بقوله [ وكان الله سميعا عليما ] وقد جاء في حديث رواه أحمد بسند حسن ، قبول دعوة المظلوم وان كان فاجرا ، وأن فجوره على نفسه ، لايقف دون دعوته . وجاء في الحديث الصحيح أن اجابة الدعاء على ثلاث مراتب : اما أن يجاب الداعي الى ماطلب ، واما أن يدخر له أفضل منه ، واما أن يدفع عنه السوء مثله ، فلا تعجب اذا لم تجب الى عين ماطلبت وقد ظلمت ، فان الله عليم حكيم قد تقتضي حكمته عدم الاجابه الى ما سألت [ والله يعلم وأنتم لاتعلمون ] .

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم واليه وعامله ، وبعيثه وقاضية من دعوة المظلوم ، وأمره أن يتخذ من دونها وقاية ، وما اتقاؤها الا بتجنب أسبابها ، فلا يظلم أحدا ممن تحت ولايته في نفسه بايذاء ، أو في ماله بانتقاص كأن يأخذ في الزكاة كرائم أمواله ، ونجائب حيوانه ، دون الوسط من ذلك ، فيوغر صدره ويسن لسانه ، ويبعث بدعوة المظلوم من قلبه ، ولا يحابي في عمله الأغنياء ، ويعرض عن الفقراء ، ولا يعفو عن ظالم لمكانه أو وجاهة ، ولا يقبل رشوة أو شفاعة في باطل ، وان كان قاضيا تجنب المحاباة ووزع المساواة ، وأخذ للضعيف من القوي ، وتحرى الحق في قضائه ، والعدل في أحكامه ، الى غير ذلك من أداب الولاة والقضاة ، فليكن قاضي الجنة ، والامام العادل الذي يظله الله في ظله يوم لاظل الا ظله .

فيا ايها القضاة والولاة ، ويا أيها الحكام والرعاة ، خولكم الله رعية وجعل تحت أيديكم حقوقا وأمانات ، فاتقوا الله فيها ، وأدوا الأمانات لأهلها ، ولا تنقصوا أحدا حقه ، ولاتبخسوا عاملا عمله ، ولا تسلبوا مجدا أمله [ ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها ، واذا حكمنم بين الناس أن تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا ] واعلموا أن من ظلمتم أو خذلتم فالله ناصره ومعينه ، ووليه وكفيله ، وانه لمتقبل دعوته ، ومستمع شكايته ، ومنتقم ممن ظلمه وأخذ له منه حقه ، فاتقوا الديان ، واحذروا النكال [ ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ] .