تسمح لك هذه الصفحة بفحص المتغيرات التي تم إنشاؤها بواسطة عامل تصفية إساءة الاستخدام لإجراء تغيير فردي.

المتغيرات المولدة لهذا التغيير

متغيرقيمة
عدد التعديلات للمستخدم (user_editcount)
1
اسم حساب المستخدم (user_name)
'مبارك أباعزي'
عمر حساب المستخدم (user_age)
931466
المجموعات (متضمنة غير المباشرة) التي المستخدم فيها (user_groups)
[ 0 => '*', 1 => 'user' ]
ما إذا كان المستخدم يعدل من تطبيق المحمول (user_app)
false
ما إذا كان المستخدم يعدل عبر واجهة المحمول (user_mobile)
false
المجموعات العامة التي ينتمي إليها الحساب (global_user_groups)
[]
هوية الصفحة (page_id)
0
نطاق الصفحة (page_namespace)
2
عنوان الصفحة (بدون نطاق) (page_title)
'105.67.132.67/ملعب'
عنوان الصفحة الكامل (page_prefixedtitle)
'مستخدم:105.67.132.67/ملعب'
فعل (action)
'edit'
ملخص التعديل/السبب (summary)
'بنية التصادي والتضايف في أسطورة "حمو نامير" الأمازيغية '
نموذج المحتوى القديم (old_content_model)
''
نموذج المحتوى الجديد (new_content_model)
'wikitext'
نص الويكي القديم للصفحة، قبل التعديل (old_wikitext)
''
نص الويكي الجديد للصفحة، بعد التعديل (new_wikitext)
'أسطورة "حمو نامير" الأمازيغية بنية التصادي والتضايف مبارك أباعزي من مسلمات النقد الأدبي الحديث أن النصوص جميعَها تُكرّر بعضها بعضا بصيغ وأشكال مختلفة؛ فهي استنساخ مستمر بعبارة رولان بارث ، وانعكاس لبعضها على بعض وانتقالات في سلم الكلام بعبارة مالارمي ، ومحاكاة حسب نورثروب فراي ، وامتصاص وهدم حسب جوليا كريستيفا ، وتعالي نصّي بعبارة جيرار جنيت ، وتحويل من خطاب إلى آخر ومن نص إلى آخر حسب تزفيتان تودوروف ، وعملية انتقاء للأنساق بتعبير فولفغانغ إيزر ، وتجديد للسياق حسب نورمان فاركلوف ، ولفٌّ لفظي حسب عبارة مايكل ريفاتير ، وغير ذلك من التحديدات المتقاربة. إن التناص إذن قدر أيّ نص، فهو حتمي ولا محيد عنه. ولما كان الأمر كذلك، يبدو من الصعوبة تقبّل النص وفهمه إلا في حال معرفة المتلقي بشبكة النصوص التي يضمرها. ومن النصوص التي تهمنا في سياقنا هذا الأساطير التي عد مايكل ريفاتير معرفتَها علامة على امتلاك الكفاءة الأدبية التي "تقوم على معرفة القارئ بالأنساق الوصفية وبالموضوعات وبأساطير مجتمعه، وبنصوص أخرى قبل كل شيء. وكلما وجدت ثغرات أو تكثيفات في النص- كالأوصاف الناقصة أو التلميحات أو الشواهد-، فإن هذه الكفاءة الأدبية هي وحدها التي ستُمَكِّن القارئ من الاستجابة كما ينبغي ومن استكمال الجزئيات الناقصة أو إضافتها" . فالنص حامل لرموز ذات مرجعية أسطورية، لذلك يظل معناه مستغلقا حتى يتم تفعيل مضامين هذه الأسطورة أو تلك تبعا لما يستدعيه النص، ووفقا لما يسميه براون ويول بـ" ملامح السياق المستثارة"، أي المعارف الخلفية التي يستثيرها السياق اللفظي، فـ "انطلاقا من مضمون النص، يمكن للمحلل أن يحدد مبدئيا، ملامح السياق التي تنعكس صراحة على النص بوصفه السجل الشكلي الذي يتمثل فيه القول. سنسمي تلك الملامح من السياق التي تنعكس مباشرة على النص، والتي تحتاج إلى أن نعود إليها لتأويل النص، "ملامح السياق المستثارة"" . وسنحاول في هذه الدراسة أن نقارب أسطورة "حمو نامير" من باب تفاعلها مع غيرها من الأساطير. دون أن يعني ذلك أننا نعتبر تأثيرها في غيرها أو تأثرها به مسلمة، بل إن معالجتنا تبتعد عن المستوى التكويني للأسطورة لتقف عند حدود التناص على مستوى القارئ؛ أي ترسبات الأساطير المغايرة التي تتحكم في تأويل القارئ وتفاعله مع النص قيد الدراسة. المتن الحكائي لأسطورة "حمو نامير" هناك، في مكان ما من الأرض، أرملة وحيدة، لا تملك أنيسا ولا قريبا سوى ابنها "حمو". لقد مات زوجها منذ زمن، وأصبح ابنها فأل المستقبل الآتي. لذلك حرصت على تنشئته وتربيته؛ فمنذ استطاع أن يستعمل رجليه في المشي، علمته كيف يسير في اتجاه المسجد، فهناك سيتعلم ما يسعفه في ضمان القوت، وهناك سيعرف ما يشفع له ولها ولأبيه في الآخرة. مضت سنوات وأصبح حمو شابا شديد الوسامة. وجهه وضّاء مثل السماء، ومثل القمر. كلما مر من طريق في اتجاهه إلى المسجد، تطل الفتيات من الفرجات ومن فوق السطوح لرؤيته، لعل إحداهن تظفر منه بنظرة فيقع في حبها. لكن ذلك لا يحدث أبدا، فتربيته التي شبّ عليها تمنعه من ذلك. ذات يوم، وهو يرفع اللوح أمام وجه الفقيه حتى يستظهر ما حفظ، لمح بقعة حناء مدورة على راحة يده، فغضب غضبا شديدا، ونهره قائلا: "هل أنت فتاة حتى تضع الحناء على يدك؟". اعتذر حمو، واستغرب كيف أنه لم يفطن إلى وجود الحناء في يده. وحين عاد، لام أمه على الأمر لوما شديدا على ما فعلته به. غير أن الأم بدأت بمعاقبته فورا على وضعه للحناء في يده. ظلت الهواجس تفعل فعلها به ما بقي من النهار إلى الليل؛ تساءل في نفسه: "إذا كانت أمي لم تخضب يدي بالحناء، فمن فعل؟". وحين حلّ موعد نومه غفى، لكن نومه كان متقطعا. وما أن فتح عينيه في الصباح المبكر حتى وجههما إلى يده؛ واستغرب من تجدد الحناء فيها، إذ ظهر وكأنه قد وُضع في الحين. وما كان لديه من حلّ سوى إخفاء يده عن الجميع. حين وصل الوقت المعلوم؛ وقت استظهار المحفوظ، لم يأبه الفقيه للّوح، بل قبض على يده مباشرة، وفك أصابعه المقبوضة، وما أن رأى الحناء حتى التقط عصاه الطويلة فانهال عليه بريح من السياط، ولم يتوقف إلا حين نال منه التعب. قال له وصدره يعلو وينخفض: "يوم غد، تعال من جديد واضعا الحناء في يدك كالفتاة، وسيحدث لك أقسى مما حدث". وتمر الأيام وحمو يظل يتلقى السياط، وطالما حاول أن يقنع الفقيه بأنّ لا دخل له في ما يحدث له دون جدوى. لكن الفقيه في اليوم السابع فكر: "ماذا لو...؟". في اليوم السابع، دخل حمو المسجد على وجل، مستعدا لتلقي العقاب كالعادة. لكن ملامح الفقيه ظهر منها ما لم يكن يظهر، فهي ملامح تميل إلى حب الاستكشاف لا إلى سادية التعذيب. ولما جلس أمامه لينال العقاب الأبدي، بادره الفقيه بالقول: "إن كان ما تقوله صحيحا، فعليك أن تفعل الآتي: ..". عاد حمو إلى منزله. في الليل، في الموعد المعتاد، توجه إلى غرفته، واستلقى على السرير، واضعا يده المخضبة داخل إناء، وتظاهر بالنوم، وانتظر ما سيحدث. قبل الفجر بوقت قصير، وكان قد غفى، أحس بيد تقبض على يده، وحاول جاهدا أن يغالب النوم، حتى عزم على الأمر، وقبض على اليد الآثمة التي سببت له كل ذلك العذاب المبين. ولما أنار الغرفة، وقد بذل من الجهد ما استطاع حتى لا تتملص منه تلك اليد، بقي ساهما، وقد ارتخت يده، والدهشة تكاد تغميه؛ فتاة شديدة الجمال لم ير قبلها أجمل منها، لا بين فتيات القرية ولا حتى في أحلامه. - من تكونين.. لا يمكن أن تكوني إلا ملاكا؟! أجابته بصوت ملائكي: - لقد أصَبت يا حمو.. أنا ملاك.. - ولم تضعين الحناء على يدي؟ - لأنني أحبك. غمرت السعادة قلب حمو، وطلب من "تانيرت" الزواج، ووافقت على الفور، لكنها اشترطت عليه شرطين؛ الأول أن يبني لها سبع غرف، كل واحدة تنفتح على الأخرى، وتفتح كلها بمفتاح واحد، والثاني ألا يعرف أحد، كان من كان، بزواجهما. وكان الحب قد بلغ بقلبه كل مبلغ، وقبل شرطيها دون تفكير. في أحد الأيام، أرادت تانيرت أن تتذوق طعم لحم الغزال، فاستيقظ حمو باكرا وذهب لاصطياد غزال. وفي ذلك اليوم، خرجت أمه للقاء نساء القرية من صديقاتها، فجعلنها تقتنع بأن تقتحم منزل حمو وتتعرف على زوجته التي ظل يخفيها عنها، فعادت على الفور، واقتحمت الغرفة تلوى الغرفة حتى وصلت إلى الغرفة السابعة، ورأت تانيرت وقد امتلأ وجهها بالفرحة معتقدة أنه حمو الذي عاد، لكنها ما أن رفعت رأسها إليه حتى رأت المرأة، أمَّ حمو. ولفرط ما أحست الأم بالغبن من حمو الذي تركها من أجل تانيرت، راحت تكيل لها وابلا من الشتائم، حتى انصرفت مزمجرة بكلام غير مفهوم. وظلت تانيرت على حالها، وبكت كثيرا حتى امتلأت الغرف السبع بدموعها. حين عاد حمو من الصيد، كانت في محيّاه فرحة لا تضاهى كعادته حين يتخيل ملامح الفرحة على وجه تانيرت. لكنه حين فتح الغرفة الأولى أحس بالماء تحت رجليه، وفكر أن تانيرت تقوم بغسل الغرف، وتوجس أمرا خطيرا؛ إذ كلما ولج غرفة يجد الماء يعلو شيئا فشيئا، وحين وصل الغرفة السابعة رأى وجه تانيرت بين السقف ودموعها التي ما زالت تنهمر من عينيها وتملأ الغرفة. قالت له مستنجدة: "أرجوك يا حمو.. أنقذني.. افتح نافذة السقف". وحالما فتحها تحولت تانيرت إلى حمامة، وحلقت بعيدا. مرت سنوات وحمو على حالة من الكمد والإحساس بالضيم. وذات يوم رآى نسرٌ ما آل إليه حاله من البؤس واليأس، فعرض عليه خدمته؛ أن يوصله إلى السماء السابعة حيث تانيرت، شرط أن يهبه قبل دخول كل سماء قطعة لحم وشربة دم من فرسه. ورغم شدة حبه لفرسه، إلا أن شوقه إلى تانيرت قد بلغ به كل مبلغ، وقبِل عرضَ النسر. وهكذا ظل حمو يعلو ويعلو فوق كل سماء، وقبل دخولهما في السماء السابعة انفلتت من يده قطعة اللحم وشربة الدم الأخيرتان، فاضطر إلى اقتطاعهما من جسده. وحين ذاقهما النسر أحس بطعمهما الآدميين، وفطن للخديعة، فتخلص من حمو وهوى من السماء. غير أن النسر تسرب إلى قلبه ذبيب الشفقة، فنزل والتقط حمو قبل أن يصل إلى السماء السادسة، فأخذه وولجا السماء السابعة، واستقبلته تانيرت بما يليق به من فرحة اللقاء بعد الفراق. جالت تانيرت بحمو في كل أصقاع السماء السابعة، وتعرف على كائناتها وأشيائها. وحين وصلا إلى صخرة مدورة، نبهته تانيرت إلى أن من حقه أن يفعل ما يشاء، وأن يلمس ما يريد، ما عدا تلك الصخرة، فيُمنع عليه منعا باتا أن يزحزحها من مكانها. مرت الأيام الطوال، وظل حمو على حاله من الابتهاج والفرحة، إلى اليوم الذي أحس فيه بالملل من تجواله الطويل، ولمح تلك الصخرة، وغلبه الفضول لما يختفي وراءها. فأقبل عليها وحركها قليلا، فبدت فرجة صغيرة، ما أن اقترب منها حتى رأى أمه، التي أصبحت عمياء من فرط بكائها عليه، تنتحب وبين يديها أضحية العيد وهي تقول: "يا ليتك هنا يا حمو.. ليتك هنا لتذبح الأضحية". بين الدمعة والأخرى، أدخل حمو رأسه من الفرجة، وخرج منها وهو يقول: "أنا آت يا أماه.. أنا آت". وبين كل سماء وأخرى، يتفتت جسد حمو شيئا فشيئا حتى تناثر في السماوات، ولم يصل منه إلى الأرض سوى قطرتيْ دم، سقطت الأولى على عنق الأضحية فذبحتها، وسقطت الثانية على عين الأم فأعادت إليها بصرها. الأسطورة أمّ النصوص إن الأسطورة، بوصفها "مغامرة العقل الأولى"، تمثل المنجز الإبداعي الأول الذي أنجزه الإنسان القديم. لذلك نجد أن العقل يطلق فيها العنان لتفكيره، فينزع نزوعا إلى الميتافزيقا، ويميل ميلا إلى الإغراب والتعجيب إلى درجة يمكن فيها التكهن بالبنيات الذهنية والتصورات التي تشغل الإنسان القديم؛ فلاشك أن الباحث سيخلص إلى أن الإنسان القديم مهووس بالماورائيات، وأنه كائن متوجس وخائف من قوى يحس أنها تفوقه وتتفوق عليه، ومنها الظواهر الفيزيائية الكونية مثل الريح، والبراكين، والزلازل، وغيرها من الظواهر التي لم يكن يملك لها، يومئذ، تفسيرا. لذلك تظهر في الأسطورة أسماء الآلهة التي صنعها الخيال الجامح، وجعل الإنسان القديم نفسه عابدا لها، وأضحى بذلك ممتلكا لتفسيرات لما يحدث حواليه، كأن يفسر حلول القحط وغياب الأمطار بغضب زيوس، أو موت الحبيبة بغضب إيروس، وقس على ذلك بخصوص دور الآلهات جمعيها. فالأسطورة "حكاية مقدسة، يلعب أدوارها الآلهة وأنصاف الآلهة، أحداثها ليست مصنوعة أو متخيلة، بل وقائع حصلت في الأزمنة الأولى المقدسة [..]. والأسطورة، حكاية مقدسة تقليدية. بمعنى أنها تنتقل من جيل إلى جيل، بالرواية الشفهية. مما يجعلها ذاكرة الجماعة، التي تحفظ قيمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها، وتنقلها للأجيال المتعاقبة، وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس. فهي الأداة الأقوى في التثقيف والتطبيع والأداة التي ترسخ من خلالها ثقافة ما وجودها واستمرارها عبر الأجيال وحتى في فترات شيوع الكتابة" . وقد نبه الباحث سعيد المولودي إلى أن الأسطورة، التي اعتبر لغتها "لغة عليا" على غرار جون كوهن وبول فاليري وأحمد محمد المعتوق، تضم "كثيرا من عناصر الخلق الفني، باقترابها أو تماسها أحيانا مع الشعر أو مع السحر، أو ما يتصل بهما، أو ما ينضوي تحت ظلال الطقس الديني. وتاريخ الأدب الأمازيغي قد يتلبس بتاريخ الأسطورة الذي قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه تلاشى أو اندثرت معالمه، والبحث أيضا في هذا المنحى أساسي، من حيث إنه محطة انطلاق لدراسة أشكال الوعي الحضاري الأمازيغي، وعلاقاتها بالتطور المحتمل لكل الأنساق المعرفية والأدبية، وعلاقاتها بالذاكرة الجمعية، بهدف الوصول إلى كشف أشكال التستر أو الاختباء التي تمارسها كل التمثلات الأسطورية التي تخترق أو تترسب في فضاءات السيرورة الثقافية" . ومن هنا يصح أن نعتبر الأسطورة أم النصوص، فهي البدء، والعتبة، والشراع المفتوح على كل الأجناس الأدبية. ورغم أن وجود الأدب رهين بموت الأسطورة على مستوى الإنتاج، إلا أنها تظل تفرض ذاكرتها على ذريتها التي أوفت لها ما تستحقه من وفاء الأمومة. فالأسطورة مخيال اجتماعي لم يملك الناس طريقا لتصريفه غير طريقها، وفيها تتصادى الأفكار والتخيلات والمخاوف، ومن هذا المنظور يجب أن تُقرأ. إن الإنسان يقيس حياته بقدرته على إنتاج الأسطورة لا بمدى عمره لحظة الممات، وبذلك يكون الفعل التخييلي للأسطورة، سواء في إنتاجها من لدن إنسان/ جماعة مجهولة الهوية، أو في فعل إعادة الإنتاج المتحصل من استهلاك أحداث الأسطورة أو تأويلها، تمطيطا للزمن الجسدي ليصير زمنا هيوليا ممتدا إلى اللامنتهى، لذلك سيتم النظر إليها هنا بوصفها "إطارا فكريا يكشف للناقد الدلالات التي يحملها تكرار صيغ معينة في آداب الشعوب المختلفة عبر الزمن، تلك الصيغ التي تشكل في الأخير رموزا مترسبة في اللاوعي الإنساني" . الأسطورة والمنعطف الأجناسي ولعل ما يسَّرَ لأسطورة حمو نامير فعل التأثير في مختلف الأجيال استمدادها لأساليب الجمال من الأدب؛ إذ تحولت إلى نص أدبي طافح بمظاهر الأدبية، متوافر على قدر مهم من مفاتن الجمال القادرة على استدراج القارئ إلى مسرح "اللذة النصية" على حد تعبير رولان بارث. فالأسطورة بهذا المعنى "نص أدبي، وضع في أبهى حلة فنية ممكنة، وأقوى صيغة مؤثرة في النفوس، وهذا مما زاد في سيطرتها وتأثيرها" . لقد تحولت أسطورة حمو نامير إلى أدب، وإلى أدب شعبي تحديدا. وهي في ذلك تختلف عن الأساطير اليونانية التي لم يسمعها المتلقي من الشعب، بل سمعها من أدباء امتلكوا ناصية التعبير الأدبي مثل هيرودوت وهوميروس، فيما أن الأسطورة الأمازيغية ما زالت تُسمع من الشعب، ولم يستطع أي نص أن يهيمن على التقبل الأدبي لها. لقد عبّد هذا التحول طريق الاستيحاء الأدبي؛ لأن انعطافها جهة الأدب حوّل أنظار قرائها النموذجيين، المبدعين على وجه التحديد، إلى مظهر أدبيتها، إلى مبناها لا إلى متنها، إلى التعبير لا المحتوى، إلى الشكل لا المضمون، وإلى التلفظ الملفوظ لا الملفوظ الملفوظ، على أساس أن المبنى والتعبير والشكل والتلفظ الملفوظ تفيد كيفية تشكل المتن والمحتوى والمضمون والملفوظ الملفوظ. وبتعبير وجيز، صار تحول الأسطورة إلى أدب يطرح سؤال "كيف قالت؟" وليس "ماذا قالت؟". تصادي الأساطير وتضايفها يتفاعل المتن الأسطوري مع السياقات الثقافية والاجتماعية التي أُنتج فيها، ومع شبكة نصوص أخرى، مما يعني أننا إزاء تناص المتناص. وتجدر الإشارة إلى أن النسخة الوحيدة الموجودة من أسطورة حمو نامير هي تلك التي حدث فيها انعطاف وتحول من الطابع الأسطوري المحض الذي يحافظ على جميع تفاصيلها كما كانت في الزمن الغابر إلى الأسطورة ذات الطابع الأدبي الجمالي. ولعل هذا ما جعلها تتأثر كلّ مرة بالسياقات الجديدة التي قيلت فيها، في الأزمنة المختلفة، والأمكنة المتباينة، إذ يحملها الرواة عواطفهم وقناعاتهم وهمومهم. ومن مظاهر تناص أسطورة حمو نامير تفاعلها مع "ألف ليلة وليلة"؛ فقد ورد في الموسوعة الأمازيغية التي أعِدت بتوصية من اليونسكو إلى أن "ألف ليلة وليلة" قد أثّرت في أسطورة حمو نامير . وأشار الباحث محمد ابزيكا إلى أنها تشبه، في بعض تفاصيلها، حكاية النسر والغيلم التي وردت في ألف ليلة وليلة . كما أشار عبد الله بونفور إلى الفكرة ذاتها . ونعتقد أن التأثير، إن كان محتملا، فسيمَسُّ الصيغة المتقدمة من الحكاية التي تفاعلت مع الأوضاع الثقافية المتجددة نظرا للطابع الشفوي للثقافة الأمازيغية الذي يحول دون الحفاظ على صيغة ثابتة للحكاية. ويَعتبِر محمد ابزيكا أن أسطورة حمو نامير "شبيهة بأسطورة نركسيس اليونانية، والفرق يكمن في أسماء الأشخاص وحبكة بعض الأحداث، فنركسيس جميل مثل أحمد أونامير، اشتهته جميع فتيات مدينة (أثينا)، لكنه يعرض عنهن حتى تضجرت السماء من آهات المعجبات والمتمنيات، فأحبته إلهة [..] واكتشف ناركسيس جمال وجهه على صفحة بركة مائية فعشق ذاته ورمى بنفسه في البركة ومات ونبتت على رفاته زهرة النرجس" . ومن المتفاعلات النصية التي لاحظها الباحث محمد ابزيكا أيضا علاقة الأم بالابن، وفي ذلك يقول: "أما العلاقة بين الأم وابنها فقد تكررت في الأساطير والأديان كذلك إلى درجة أصبحت معها رموزا. فالإله تموز [..] هو ابن الآلهة عشتروت، وقد كان تموز في البداية ابنها ثم تحول إلى زوجها. وفي بعض الحضارات يتخلى الإله الذكر لابنه عن مركزه ودوره فيغدو الابن حبيب أمه" . وهذا ما عززه عبد الله بونفور، إذ حاول الربط بين أحداث الأسطورة، خصوصا منها ما يرتبط بعلاقة الأم بالابن، وأسطورة أوديب، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما تكمن أساسا في حب الأم، رغم اختلاف طبيعة هذا الحب، واختلاف اللغة والثقافة . ولا يقتصر تفاعل الأسطورة على التناص مع الأساطير المنتمية إلى ثقافة مختلفة، بل تتناص أيضا مع الحكايات الأمازيغية نفسها في شكل من أشكال التناص الداخلي؛ ومن الأمثلة الدالة على ذلك الحكاية القبائلية الموسومة بـ"محمد ابن الأمَة وإخوته الستة"، فهي تتفاعل معها من خلال تنافر الاتجاهات؛ وهذا ما يوضحه محمد أوسوس في النص الآتي: "تبدو هذه الحكاية كما لو أنها تعاكس اتجاه حكاية حمو نامير [..]، ففيها ينزل محمد ابن الأَمَة إلى الأرض السفلى ليلتحق بعجوز وحيدة تاركا زوجته الشابة، بينما أونامير يلتحق بالسماء السابعة ليلتحق بزوجته الشابة تانيرت تاركا أمه العجوز وحيدة على الأرض، فيما تتفقان في كيفية الالتحاق بالعالم المرغوب (الأرض بالنسبة لمحمد، السماء بالنسبة لأونامير)، بالركوب على متن النسر [..] وتزويده بشرائح من اللحم عند بلوغ كل طبقة، وسقوط الأخيرة منها، فيضطران لاقتطاعها من جسديهما (الساق بالنسبة لمحمد، والدراع بالنسبة لأونامير)، وتفطن النسر لطعمها غير العادي (المالح) فيهددهما بإسقاطهما لولا عطفه واعترافه بالفضل" . ولعل أهم المتفاعلات النصية على الإطلاق المتفاعل الديني الذي يحضر بمظاهره المختلفة؛ مثل الفقيه، وحفظ القرآن، والشفاعة في الآخرة، وغير ذلك. ورغم هذا الحضور الذي لا غبار عليه، حاول الباحث محمد جودات أن يقرأ الأسطورة قراءة سماها بـ"الإسلامية"، إذ يناقش التناص الديني من خلال ما أسماه بـ"أسلمة الأسطورة"، وهذه القراءة، في نظره، بديل عن القراءات الغربية التي تمثلها المتفاعلات المشار إليها سلفا. ومما أشار إليه أن نساء القرية في الأسطورة لهن علاقة تناصية بنساء القرية في سورة يوسف. كما أن حدث استعادة الأم لبصرها بواسطة نقطة الدم التي سقطت في عينيها يتناص مع ثوب يوسف الذي ألقِي على أبيه يعقوب فارتد بصيرا . وهذه القراءة جعلته يتوصل في آخر المطاف إلى حضور البعد الثقافي الإسلامي في الأسطورة . والحقيقة أن الأسطورة، ورغم توغلها في القدم، "تكيفت في أوجهها الحالية المتوفرة مع ما تشبع به المجتمع من أبعاد المرجعية الدينية الإسلامية" . لذلك يحتمل أن تتفاعل مع المستجدات الثقافية للإنسان الأمازيغي، خصوصا أن حكاية الأسطورة تتنوع في بعض تفاصيلها ليس تبعا لتعدد البلدان المغاربية فحسب، بل لتعدد مناطق البلد الواحد أيضا، وهذا يتيح المجال لاحتمال تغيّر بعض تفاصيل الحكاية وفق ما استَحدث في حياة الإنسان الأمازيغي من تجليات ثقافية جديدة، واستجابتها، تبعا لذلك، للمتغيرات الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع الذي أنتجها. وفي هذا السياق يقول فراس السواح إن الأسطورة "ظاهرة جمعية تعبر عن تأملات الجماعة وحكمتها وخلاصة ثقافتها، ولا يمنع هذا الطابع الجمعي أن يقوم الأفراد بإعادة صياغة الحكايات الأسطورية وفق صنعة أدبية تتماشى وروح عصرهم" . وقد وضح فراس السواح الكيفية التي يتدخل بها الإنسان في صياغة النصوص القديمة قائلا إن الأسطورة، باعتبارها فنا أدبيا وحكمة، يُنظر إليها "على أنها تراكم لنتاج الفكر الإنساني المبدع في مجال الأدب. فالأمثال الصغيرة التي يرويها حكيم القوم، سوف تروى مرات ومرات. ولن يقاوم الراوي رغبته الملحة والمشروعة في الإضافة إليها من عناصر جديدة نابعة من خياله الخاص ومن ظروف اجتماعية مستجدة، تحيط الراوي الجديد" . إن الأسطورة تعبير عن جوهر الإنسان، أي إنسان ، وقد توصل الأنثروبولوجي فريز إلى "وحدة العقل الإنساني عن طريق توظيف مجموعة ضخمة من الأساطير المتشابهة من بيئات مختلفة لدراسة الفكر الإنساني" . كما أن يونغ كان قد "اكتشف الرموز التي كررها الإنسان في كل زمان ومكان، وسماها بالنماذج الأصلية وتوصل عن طريقها إلى إثبات وحدة التراث الإنساني، ومن هنا سمى النقد الأسطوري باسم آخر هو النقد النموذجي الأصلي. والنماذج الأصلية (الجذور) عند يونغ هي قوى نفسية هاجعة في اللاوعي الإنساني الجماعي الذي يستمد مكوناته من الموروث الإنساني العام. ويذهب في التأكيد على أهمية الأسطورة إلى حد الادعاء بأن المجتمع الذي يفقد أساطيره يعاني كارثة أخلاقية تعادل فقدان الإنسان روحه. وقد عالج يونغ الفروقات العرقية التي تؤثر على صيغ الأساطير ومضامينها، وهي فروقات تتجلى في النفسيات الجماعية التي تندرج في الأخير تحت النفسانية الإنسانية، ويتدرج سلم هذه الفروقات تصاعديا كالتالي: عائلي، قبلي، قومي، عرقي، جماعي، إنساني. والفروقات المذكورة تخف تصاعديا وتثقل تنازليا. والاتجاه التصاعدي هو الذي اختاره فرويد قبل يونغ عندما اعتبر الأسطورة حلما جماعيا يحتاج إلى تأويل". وعموما فهذه الملاحظات لا تعني أسبقية هذه الأسطورة أو تلك على الأخرى، لأن ذلك سيؤدي إلى حديث معجز في الأصل والبداية، وهو حديث يؤدي إلى طريق مسدود، لأن الأساطير كلَّها على نفس مستوى القدم، ولا يمكن اعتبار ما تجدد في الأسطورة دليلا على حداثتها. إن كون الطريق مسدودا يعني في آخر الأمر أن النص الأصل ممتنع على التحديد، وأن أسطورة حمو نامير مُنجز إنساني لا يمنع من أن يتقارب مع منجز إنساني آخر بغض الطرف عن اختلاف الأمكنة؛ فإذا كان ممكنا الحديث عن تقاربات بين الأساطير، فليس من باب أسبقيتها أو تأثيرها الفعلي على بعضها؛ فطالما كانت النصوص اجترارا لبعضها البعض، ليس لأنها تجترها فعلا، بل لأن الإنسان يدور في فلك واحد من الاستيهامات والتخيلات. فبخصوص أسطورة حمو نامير "لا نستطيع أن نقر أن هذه الحكايات [يقصد مجموعة من الحكايات منها حكاية حمو نامير] رويت في الأصل كما وصلت إلينا الآن، بل لابد أن تكون قد تعرضت للتآكل والتعديل والبتر بسبب التداول المنتشر وأقدمية الاستعمال" . ولا يتوقف تفاعل الأسطورة عند حدود التأثر، فأسطورة حمو نامير تلقي بظلالها على كل الأجناس الأدبية الأمازيغية، من رواية، ومسرح، وشعر. فكما تم تحويلها إلى فيلم، تم تحويلها أيضا إلى أغنية، وإلى رواية. مما يدل على توافرها على قوة سرية أتاحت لها هذا التأثير الذي تم تصريفه في مختلف التعبيرات الفنية. لقد ألهمت الأسطورة الروائي عبد العزيز بوراس حتى أفرد لها رواية خاصة، سماها بـ"ءوميين ن حمو نامير" [حكاية حمو نامير] ، وفيها استثمر أحداث الأسطورة ومططها تمطيطا يستجيب للطول الذي يقتضيه الجنس الروائي. كما شمل تأثير الأسطورة الجنس المسرحي أيضا، خصوصا المسرحية التي تحمل اسم الأسطورة نفسه، أي "حمو ءونامير" التي كتبها الطيب بلوش ومحمد أفولاي. وتشير الباحثة نجاة نصري إلى أن الأسطورة اقتحمت أيضا الرواية الأمازيغية المكتوبة باللغة الفرنسية، ممثلة في نصوص محمد خير الدين، رواية "النباش" و"أسطورة وحياة أغنشيش"، و"الجسد السالب" على وجه الخصوص . كما أن الصافي مومن علي استوحاها في القصة الطويلة الموسومة بـ"تغري ن تبرات" [قراءة الرسالة] من خلال البطل الذي يحمل اسم "حمو"، ومن خلال الشوق إلى الأم الذي تجسد في حنين حمو إلى أمه في الأسطورة والقصة معا؛ فإذا كان حمو قد رأى أمه من خلال تلك الفرجة في السماء السابعة، فإن حمو في القصة قد رآها من خلال الحلم . وقد انتقل تأثير الأسطورة إلى النصوص المكتوبة باللغة العربية أيضا، ومن هذه النصوص ديوان "تانيرت" للشاعر إدريس الملياني، وفيها عمل على استحضار الموروث الثقافي الأمازيغي في صيغ شعرية. كما استطاعت الأسطورة أن تقتحم مجال الموسيقى أيضا؛ فقد حوّل المغني عمر واهروش حكاية الأسطورة إلى أبيات شعرية، غناها في حدود تسع وثلاثين دقيقة. ورغم أنه لم يتصرف في المادة الحكاية، ولم يقم بتحوير النص وفق غايات جديدة، بل اكتفى بعمل التحويل من النثر إلى الشعر، إلا أنه حمّلها كل معاني الأسى النابع من حياة الاستحالة التي طبعت حياة بطل الأسطورة حمو نامير. ولا شك أن النصوص السابقة هي غيض من فيض؛ لأن الاطلاع على كل النصوص الأمازيغية في بلدان شمال أفريقيا يفوق قدرة الباحث الواحد، آملين أن يدل المذكور على غير المذكور. نخلص مما تقدم إلى أن أسطورة "حمو نامير" تتفاعل تناصيا مع غيرها من الأساطير الغربية والمشرقية، وأنها أثرت في ما جاء بعدها من نصوص أدبية مثل الشعر والمسرح والرواية، وإبداعات فنية مثل السينما والغناء. وقد تبين أن تفاعلها التناصي مع غيرها من الأساطير ليس وليد تفاعل عيني وأصيل، بل هو نتيجة للتفاعلات الطبيعية بين رؤى الإنسان للوجود التي تتوارد بين الأذهان من زاوية الصدفة والعادة. - رولان بارط، درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993، ص.36. - جوليا كريسطيفا، علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997، ص.80. - نورثروب فراي، تشريح النقد،، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991، ص.120. - جوليا كريسطيفا، علم النص، ص.79. - جيرار جينيت، مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985، ص.90. - تزفيطان طودوروف، الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990، ص.76. - فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الناشر الأول بألمانيا (Suhrkamp Verlag)، ط. 1، 1998، الدار البيضاء، ص.11. - نورمان فاركلوف، تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009، ص.112. - مايكل ريفاتير، دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997، ص.229. - نفسه، ص.12. - ج.ب. براون و ج.يول، تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997، ص.91. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988، ص.19. - سعيد المولودي، "مقدمة نظرية لتاريخ الأدب الأمازيغي"، ضمن كتاب: "تاريخ الأدب الأمازيغي؛ مدخل نظري"، تنسيق محمد أقضاض، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2006، ص.81. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980، ص.205. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.20. - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994, P.2083. ينظر أيضا: جمال أبرنوص، تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016، ص.42، 43. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.223. - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996, P119 - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.218، 219. - نفسه، ص.219. - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, P119 ; 124. - محمد أوسوس، دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008، ص.172. - محمد جودات، الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015، ص.45. - نفسه، ص.44. - محمد المدلاوي المنبهي، رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012، ص.113. - فراس السواح، دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994، ص.58. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.13. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص..205 - نقلا عن: محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.205. - نفسه، ص.207. - نفسه، ص.213. - عبد العزيز بوراس، ءوميين ن حمو نامير، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، الرباط، 1991. - Najate Nerci, Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009 P.178. - KHADIJA MOUHSINE, La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014, P.101. - إدريس الملياني، تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. المراجع - أبرنوص، جمال: تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016. - إيزر، فولفغانغ: التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الدار البيضاء، ط. 1، 1998. - أوسوس، محمد: دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008. - بارط، رولان: درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993. - براون، ج.ب ويول، ج: تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997. - ابزيكا، محمد: الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980. - تزفيطان، طودوروف: الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990. - جودات، محمد: الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015. - جينيت، جيرار: مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985. - ريفاتير، مايكل: دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997. - السواح، فراس: مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988. - السواح، فراس: دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994. - فاركلوف، نورمان: تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009. - فراي، نورثروب: تشريح النقد، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991. - كريسطيفا، جوليا: علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997. - المدلاوي، محمد المنبهي: رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012. - الملياني، إدريس: تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. - Bounfour, Abdellah: HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996. - MOUHSINE, KHADIJA: La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014. - Nerci, Najate: Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009. - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994.'
فرق موحد للتغييرات المصنوعة بواسطة التعديل (edit_diff)
'@@ -1,0 +1,118 @@ +أسطورة "حمو نامير" الأمازيغية +بنية التصادي والتضايف +مبارك أباعزي + +من مسلمات النقد الأدبي الحديث أن النصوص جميعَها تُكرّر بعضها بعضا بصيغ وأشكال مختلفة؛ فهي استنساخ مستمر بعبارة رولان بارث ، وانعكاس لبعضها على بعض وانتقالات في سلم الكلام بعبارة مالارمي ، ومحاكاة حسب نورثروب فراي ، وامتصاص وهدم حسب جوليا كريستيفا ، وتعالي نصّي بعبارة جيرار جنيت ، وتحويل من خطاب إلى آخر ومن نص إلى آخر حسب تزفيتان تودوروف ، وعملية انتقاء للأنساق بتعبير فولفغانغ إيزر ، وتجديد للسياق حسب نورمان فاركلوف ، ولفٌّ لفظي حسب عبارة مايكل ريفاتير ، وغير ذلك من التحديدات المتقاربة. +إن التناص إذن قدر أيّ نص، فهو حتمي ولا محيد عنه. ولما كان الأمر كذلك، يبدو من الصعوبة تقبّل النص وفهمه إلا في حال معرفة المتلقي بشبكة النصوص التي يضمرها. ومن النصوص التي تهمنا في سياقنا هذا الأساطير التي عد مايكل ريفاتير معرفتَها علامة على امتلاك الكفاءة الأدبية التي "تقوم على معرفة القارئ بالأنساق الوصفية وبالموضوعات وبأساطير مجتمعه، وبنصوص أخرى قبل كل شيء. وكلما وجدت ثغرات أو تكثيفات في النص- كالأوصاف الناقصة أو التلميحات أو الشواهد-، فإن هذه الكفاءة الأدبية هي وحدها التي ستُمَكِّن القارئ من الاستجابة كما ينبغي ومن استكمال الجزئيات الناقصة أو إضافتها" . + فالنص حامل لرموز ذات مرجعية أسطورية، لذلك يظل معناه مستغلقا حتى يتم تفعيل مضامين هذه الأسطورة أو تلك تبعا لما يستدعيه النص، ووفقا لما يسميه براون ويول بـ" ملامح السياق المستثارة"، أي المعارف الخلفية التي يستثيرها السياق اللفظي، فـ "انطلاقا من مضمون النص، يمكن للمحلل أن يحدد مبدئيا، ملامح السياق التي تنعكس صراحة على النص بوصفه السجل الشكلي الذي يتمثل فيه القول. سنسمي تلك الملامح من السياق التي تنعكس مباشرة على النص، والتي تحتاج إلى أن نعود إليها لتأويل النص، "ملامح السياق المستثارة"" . +وسنحاول في هذه الدراسة أن نقارب أسطورة "حمو نامير" من باب تفاعلها مع غيرها من الأساطير. دون أن يعني ذلك أننا نعتبر تأثيرها في غيرها أو تأثرها به مسلمة، بل إن معالجتنا تبتعد عن المستوى التكويني للأسطورة لتقف عند حدود التناص على مستوى القارئ؛ أي ترسبات الأساطير المغايرة التي تتحكم في تأويل القارئ وتفاعله مع النص قيد الدراسة. +المتن الحكائي لأسطورة "حمو نامير" +هناك، في مكان ما من الأرض، أرملة وحيدة، لا تملك أنيسا ولا قريبا سوى ابنها "حمو". لقد مات زوجها منذ زمن، وأصبح ابنها فأل المستقبل الآتي. لذلك حرصت على تنشئته وتربيته؛ فمنذ استطاع أن يستعمل رجليه في المشي، علمته كيف يسير في اتجاه المسجد، فهناك سيتعلم ما يسعفه في ضمان القوت، وهناك سيعرف ما يشفع له ولها ولأبيه في الآخرة. +مضت سنوات وأصبح حمو شابا شديد الوسامة. وجهه وضّاء مثل السماء، ومثل القمر. كلما مر من طريق في اتجاهه إلى المسجد، تطل الفتيات من الفرجات ومن فوق السطوح لرؤيته، لعل إحداهن تظفر منه بنظرة فيقع في حبها. لكن ذلك لا يحدث أبدا، فتربيته التي شبّ عليها تمنعه من ذلك. +ذات يوم، وهو يرفع اللوح أمام وجه الفقيه حتى يستظهر ما حفظ، لمح بقعة حناء مدورة على راحة يده، فغضب غضبا شديدا، ونهره قائلا: "هل أنت فتاة حتى تضع الحناء على يدك؟". اعتذر حمو، واستغرب كيف أنه لم يفطن إلى وجود الحناء في يده. وحين عاد، لام أمه على الأمر لوما شديدا على ما فعلته به. غير أن الأم بدأت بمعاقبته فورا على وضعه للحناء في يده. +ظلت الهواجس تفعل فعلها به ما بقي من النهار إلى الليل؛ تساءل في نفسه: "إذا كانت أمي لم تخضب يدي بالحناء، فمن فعل؟". وحين حلّ موعد نومه غفى، لكن نومه كان متقطعا. وما أن فتح عينيه في الصباح المبكر حتى وجههما إلى يده؛ واستغرب من تجدد الحناء فيها، إذ ظهر وكأنه قد وُضع في الحين. وما كان لديه من حلّ سوى إخفاء يده عن الجميع. +حين وصل الوقت المعلوم؛ وقت استظهار المحفوظ، لم يأبه الفقيه للّوح، بل قبض على يده مباشرة، وفك أصابعه المقبوضة، وما أن رأى الحناء حتى التقط عصاه الطويلة فانهال عليه بريح من السياط، ولم يتوقف إلا حين نال منه التعب. قال له وصدره يعلو وينخفض: "يوم غد، تعال من جديد واضعا الحناء في يدك كالفتاة، وسيحدث لك أقسى مما حدث". وتمر الأيام وحمو يظل يتلقى السياط، وطالما حاول أن يقنع الفقيه بأنّ لا دخل له في ما يحدث له دون جدوى. لكن الفقيه في اليوم السابع فكر: "ماذا لو...؟". +في اليوم السابع، دخل حمو المسجد على وجل، مستعدا لتلقي العقاب كالعادة. لكن ملامح الفقيه ظهر منها ما لم يكن يظهر، فهي ملامح تميل إلى حب الاستكشاف لا إلى سادية التعذيب. ولما جلس أمامه لينال العقاب الأبدي، بادره الفقيه بالقول: "إن كان ما تقوله صحيحا، فعليك أن تفعل الآتي: ..". +عاد حمو إلى منزله. في الليل، في الموعد المعتاد، توجه إلى غرفته، واستلقى على السرير، واضعا يده المخضبة داخل إناء، وتظاهر بالنوم، وانتظر ما سيحدث. قبل الفجر بوقت قصير، وكان قد غفى، أحس بيد تقبض على يده، وحاول جاهدا أن يغالب النوم، حتى عزم على الأمر، وقبض على اليد الآثمة التي سببت له كل ذلك العذاب المبين. ولما أنار الغرفة، وقد بذل من الجهد ما استطاع حتى لا تتملص منه تلك اليد، بقي ساهما، وقد ارتخت يده، والدهشة تكاد تغميه؛ فتاة شديدة الجمال لم ير قبلها أجمل منها، لا بين فتيات القرية ولا حتى في أحلامه. +- من تكونين.. لا يمكن أن تكوني إلا ملاكا؟! +أجابته بصوت ملائكي: +- لقد أصَبت يا حمو.. أنا ملاك.. +- ولم تضعين الحناء على يدي؟ +- لأنني أحبك. +غمرت السعادة قلب حمو، وطلب من "تانيرت" الزواج، ووافقت على الفور، لكنها اشترطت عليه شرطين؛ الأول أن يبني لها سبع غرف، كل واحدة تنفتح على الأخرى، وتفتح كلها بمفتاح واحد، والثاني ألا يعرف أحد، كان من كان، بزواجهما. وكان الحب قد بلغ بقلبه كل مبلغ، وقبل شرطيها دون تفكير. +في أحد الأيام، أرادت تانيرت أن تتذوق طعم لحم الغزال، فاستيقظ حمو باكرا وذهب لاصطياد غزال. وفي ذلك اليوم، خرجت أمه للقاء نساء القرية من صديقاتها، فجعلنها تقتنع بأن تقتحم منزل حمو وتتعرف على زوجته التي ظل يخفيها عنها، فعادت على الفور، واقتحمت الغرفة تلوى الغرفة حتى وصلت إلى الغرفة السابعة، ورأت تانيرت وقد امتلأ وجهها بالفرحة معتقدة أنه حمو الذي عاد، لكنها ما أن رفعت رأسها إليه حتى رأت المرأة، أمَّ حمو. ولفرط ما أحست الأم بالغبن من حمو الذي تركها من أجل تانيرت، راحت تكيل لها وابلا من الشتائم، حتى انصرفت مزمجرة بكلام غير مفهوم. وظلت تانيرت على حالها، وبكت كثيرا حتى امتلأت الغرف السبع بدموعها. +حين عاد حمو من الصيد، كانت في محيّاه فرحة لا تضاهى كعادته حين يتخيل ملامح الفرحة على وجه تانيرت. لكنه حين فتح الغرفة الأولى أحس بالماء تحت رجليه، وفكر أن تانيرت تقوم بغسل الغرف، وتوجس أمرا خطيرا؛ إذ كلما ولج غرفة يجد الماء يعلو شيئا فشيئا، وحين وصل الغرفة السابعة رأى وجه تانيرت بين السقف ودموعها التي ما زالت تنهمر من عينيها وتملأ الغرفة. قالت له مستنجدة: "أرجوك يا حمو.. أنقذني.. افتح نافذة السقف". وحالما فتحها تحولت تانيرت إلى حمامة، وحلقت بعيدا. +مرت سنوات وحمو على حالة من الكمد والإحساس بالضيم. وذات يوم رآى نسرٌ ما آل إليه حاله من البؤس واليأس، فعرض عليه خدمته؛ أن يوصله إلى السماء السابعة حيث تانيرت، شرط أن يهبه قبل دخول كل سماء قطعة لحم وشربة دم من فرسه. ورغم شدة حبه لفرسه، إلا أن شوقه إلى تانيرت قد بلغ به كل مبلغ، وقبِل عرضَ النسر. وهكذا ظل حمو يعلو ويعلو فوق كل سماء، وقبل دخولهما في السماء السابعة انفلتت من يده قطعة اللحم وشربة الدم الأخيرتان، فاضطر إلى اقتطاعهما من جسده. وحين ذاقهما النسر أحس بطعمهما الآدميين، وفطن للخديعة، فتخلص من حمو وهوى من السماء. غير أن النسر تسرب إلى قلبه ذبيب الشفقة، فنزل والتقط حمو قبل أن يصل إلى السماء السادسة، فأخذه وولجا السماء السابعة، واستقبلته تانيرت بما يليق به من فرحة اللقاء بعد الفراق. +جالت تانيرت بحمو في كل أصقاع السماء السابعة، وتعرف على كائناتها وأشيائها. وحين وصلا إلى صخرة مدورة، نبهته تانيرت إلى أن من حقه أن يفعل ما يشاء، وأن يلمس ما يريد، ما عدا تلك الصخرة، فيُمنع عليه منعا باتا أن يزحزحها من مكانها. +مرت الأيام الطوال، وظل حمو على حاله من الابتهاج والفرحة، إلى اليوم الذي أحس فيه بالملل من تجواله الطويل، ولمح تلك الصخرة، وغلبه الفضول لما يختفي وراءها. فأقبل عليها وحركها قليلا، فبدت فرجة صغيرة، ما أن اقترب منها حتى رأى أمه، التي أصبحت عمياء من فرط بكائها عليه، تنتحب وبين يديها أضحية العيد وهي تقول: "يا ليتك هنا يا حمو.. ليتك هنا لتذبح الأضحية". +بين الدمعة والأخرى، أدخل حمو رأسه من الفرجة، وخرج منها وهو يقول: "أنا آت يا أماه.. أنا آت". وبين كل سماء وأخرى، يتفتت جسد حمو شيئا فشيئا حتى تناثر في السماوات، ولم يصل منه إلى الأرض سوى قطرتيْ دم، سقطت الأولى على عنق الأضحية فذبحتها، وسقطت الثانية على عين الأم فأعادت إليها بصرها. +الأسطورة أمّ النصوص +إن الأسطورة، بوصفها "مغامرة العقل الأولى"، تمثل المنجز الإبداعي الأول الذي أنجزه الإنسان القديم. لذلك نجد أن العقل يطلق فيها العنان لتفكيره، فينزع نزوعا إلى الميتافزيقا، ويميل ميلا إلى الإغراب والتعجيب إلى درجة يمكن فيها التكهن بالبنيات الذهنية والتصورات التي تشغل الإنسان القديم؛ فلاشك أن الباحث سيخلص إلى أن الإنسان القديم مهووس بالماورائيات، وأنه كائن متوجس وخائف من قوى يحس أنها تفوقه وتتفوق عليه، ومنها الظواهر الفيزيائية الكونية مثل الريح، والبراكين، والزلازل، وغيرها من الظواهر التي لم يكن يملك لها، يومئذ، تفسيرا. +لذلك تظهر في الأسطورة أسماء الآلهة التي صنعها الخيال الجامح، وجعل الإنسان القديم نفسه عابدا لها، وأضحى بذلك ممتلكا لتفسيرات لما يحدث حواليه، كأن يفسر حلول القحط وغياب الأمطار بغضب زيوس، أو موت الحبيبة بغضب إيروس، وقس على ذلك بخصوص دور الآلهات جمعيها. فالأسطورة "حكاية مقدسة، يلعب أدوارها الآلهة وأنصاف الآلهة، أحداثها ليست مصنوعة أو متخيلة، بل وقائع حصلت في الأزمنة الأولى المقدسة [..]. والأسطورة، حكاية مقدسة تقليدية. بمعنى أنها تنتقل من جيل إلى جيل، بالرواية الشفهية. مما يجعلها ذاكرة الجماعة، التي تحفظ قيمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها، وتنقلها للأجيال المتعاقبة، وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس. فهي الأداة الأقوى في التثقيف والتطبيع والأداة التي ترسخ من خلالها ثقافة ما وجودها واستمرارها عبر الأجيال وحتى في فترات شيوع الكتابة" . +وقد نبه الباحث سعيد المولودي إلى أن الأسطورة، التي اعتبر لغتها "لغة عليا" على غرار جون كوهن وبول فاليري وأحمد محمد المعتوق، تضم "كثيرا من عناصر الخلق الفني، باقترابها أو تماسها أحيانا مع الشعر أو مع السحر، أو ما يتصل بهما، أو ما ينضوي تحت ظلال الطقس الديني. وتاريخ الأدب الأمازيغي قد يتلبس بتاريخ الأسطورة الذي قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه تلاشى أو اندثرت معالمه، والبحث أيضا في هذا المنحى أساسي، من حيث إنه محطة انطلاق لدراسة أشكال الوعي الحضاري الأمازيغي، وعلاقاتها بالتطور المحتمل لكل الأنساق المعرفية والأدبية، وعلاقاتها بالذاكرة الجمعية، بهدف الوصول إلى كشف أشكال التستر أو الاختباء التي تمارسها كل التمثلات الأسطورية التي تخترق أو تترسب في فضاءات السيرورة الثقافية" . +ومن هنا يصح أن نعتبر الأسطورة أم النصوص، فهي البدء، والعتبة، والشراع المفتوح على كل الأجناس الأدبية. ورغم أن وجود الأدب رهين بموت الأسطورة على مستوى الإنتاج، إلا أنها تظل تفرض ذاكرتها على ذريتها التي أوفت لها ما تستحقه من وفاء الأمومة. فالأسطورة مخيال اجتماعي لم يملك الناس طريقا لتصريفه غير طريقها، وفيها تتصادى الأفكار والتخيلات والمخاوف، ومن هذا المنظور يجب أن تُقرأ. إن الإنسان يقيس حياته بقدرته على إنتاج الأسطورة لا بمدى عمره لحظة الممات، وبذلك يكون الفعل التخييلي للأسطورة، سواء في إنتاجها من لدن إنسان/ جماعة مجهولة الهوية، أو في فعل إعادة الإنتاج المتحصل من استهلاك أحداث الأسطورة أو تأويلها، تمطيطا للزمن الجسدي ليصير زمنا هيوليا ممتدا إلى اللامنتهى، لذلك سيتم النظر إليها هنا بوصفها "إطارا فكريا يكشف للناقد الدلالات التي يحملها تكرار صيغ معينة في آداب الشعوب المختلفة عبر الزمن، تلك الصيغ التي تشكل في الأخير رموزا مترسبة في اللاوعي الإنساني" . +الأسطورة والمنعطف الأجناسي +ولعل ما يسَّرَ لأسطورة حمو نامير فعل التأثير في مختلف الأجيال استمدادها لأساليب الجمال من الأدب؛ إذ تحولت إلى نص أدبي طافح بمظاهر الأدبية، متوافر على قدر مهم من مفاتن الجمال القادرة على استدراج القارئ إلى مسرح "اللذة النصية" على حد تعبير رولان بارث. فالأسطورة بهذا المعنى "نص أدبي، وضع في أبهى حلة فنية ممكنة، وأقوى صيغة مؤثرة في النفوس، وهذا مما زاد في سيطرتها وتأثيرها" . +لقد تحولت أسطورة حمو نامير إلى أدب، وإلى أدب شعبي تحديدا. وهي في ذلك تختلف عن الأساطير اليونانية التي لم يسمعها المتلقي من الشعب، بل سمعها من أدباء امتلكوا ناصية التعبير الأدبي مثل هيرودوت وهوميروس، فيما أن الأسطورة الأمازيغية ما زالت تُسمع من الشعب، ولم يستطع أي نص أن يهيمن على التقبل الأدبي لها. +لقد عبّد هذا التحول طريق الاستيحاء الأدبي؛ لأن انعطافها جهة الأدب حوّل أنظار قرائها النموذجيين، المبدعين على وجه التحديد، إلى مظهر أدبيتها، إلى مبناها لا إلى متنها، إلى التعبير لا المحتوى، إلى الشكل لا المضمون، وإلى التلفظ الملفوظ لا الملفوظ الملفوظ، على أساس أن المبنى والتعبير والشكل والتلفظ الملفوظ تفيد كيفية تشكل المتن والمحتوى والمضمون والملفوظ الملفوظ. وبتعبير وجيز، صار تحول الأسطورة إلى أدب يطرح سؤال "كيف قالت؟" وليس "ماذا قالت؟". +تصادي الأساطير وتضايفها +يتفاعل المتن الأسطوري مع السياقات الثقافية والاجتماعية التي أُنتج فيها، ومع شبكة نصوص أخرى، مما يعني أننا إزاء تناص المتناص. وتجدر الإشارة إلى أن النسخة الوحيدة الموجودة من أسطورة حمو نامير هي تلك التي حدث فيها انعطاف وتحول من الطابع الأسطوري المحض الذي يحافظ على جميع تفاصيلها كما كانت في الزمن الغابر إلى الأسطورة ذات الطابع الأدبي الجمالي. ولعل هذا ما جعلها تتأثر كلّ مرة بالسياقات الجديدة التي قيلت فيها، في الأزمنة المختلفة، والأمكنة المتباينة، إذ يحملها الرواة عواطفهم وقناعاتهم وهمومهم. +ومن مظاهر تناص أسطورة حمو نامير تفاعلها مع "ألف ليلة وليلة"؛ فقد ورد في الموسوعة الأمازيغية التي أعِدت بتوصية من اليونسكو إلى أن "ألف ليلة وليلة" قد أثّرت في أسطورة حمو نامير . وأشار الباحث محمد ابزيكا إلى أنها تشبه، في بعض تفاصيلها، حكاية النسر والغيلم التي وردت في ألف ليلة وليلة . كما أشار عبد الله بونفور إلى الفكرة ذاتها . ونعتقد أن التأثير، إن كان محتملا، فسيمَسُّ الصيغة المتقدمة من الحكاية التي تفاعلت مع الأوضاع الثقافية المتجددة نظرا للطابع الشفوي للثقافة الأمازيغية الذي يحول دون الحفاظ على صيغة ثابتة للحكاية. + ويَعتبِر محمد ابزيكا أن أسطورة حمو نامير "شبيهة بأسطورة نركسيس اليونانية، والفرق يكمن في أسماء الأشخاص وحبكة بعض الأحداث، فنركسيس جميل مثل أحمد أونامير، اشتهته جميع فتيات مدينة (أثينا)، لكنه يعرض عنهن حتى تضجرت السماء من آهات المعجبات والمتمنيات، فأحبته إلهة [..] واكتشف ناركسيس جمال وجهه على صفحة بركة مائية فعشق ذاته ورمى بنفسه في البركة ومات ونبتت على رفاته زهرة النرجس" . +ومن المتفاعلات النصية التي لاحظها الباحث محمد ابزيكا أيضا علاقة الأم بالابن، وفي ذلك يقول: "أما العلاقة بين الأم وابنها فقد تكررت في الأساطير والأديان كذلك إلى درجة أصبحت معها رموزا. فالإله تموز [..] هو ابن الآلهة عشتروت، وقد كان تموز في البداية ابنها ثم تحول إلى زوجها. وفي بعض الحضارات يتخلى الإله الذكر لابنه عن مركزه ودوره فيغدو الابن حبيب أمه" . وهذا ما عززه عبد الله بونفور، إذ حاول الربط بين أحداث الأسطورة، خصوصا منها ما يرتبط بعلاقة الأم بالابن، وأسطورة أوديب، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما تكمن أساسا في حب الأم، رغم اختلاف طبيعة هذا الحب، واختلاف اللغة والثقافة . +ولا يقتصر تفاعل الأسطورة على التناص مع الأساطير المنتمية إلى ثقافة مختلفة، بل تتناص أيضا مع الحكايات الأمازيغية نفسها في شكل من أشكال التناص الداخلي؛ ومن الأمثلة الدالة على ذلك الحكاية القبائلية الموسومة بـ"محمد ابن الأمَة وإخوته الستة"، فهي تتفاعل معها من خلال تنافر الاتجاهات؛ وهذا ما يوضحه محمد أوسوس في النص الآتي: "تبدو هذه الحكاية كما لو أنها تعاكس اتجاه حكاية حمو نامير [..]، ففيها ينزل محمد ابن الأَمَة إلى الأرض السفلى ليلتحق بعجوز وحيدة تاركا زوجته الشابة، بينما أونامير يلتحق بالسماء السابعة ليلتحق بزوجته الشابة تانيرت تاركا أمه العجوز وحيدة على الأرض، فيما تتفقان في كيفية الالتحاق بالعالم المرغوب (الأرض بالنسبة لمحمد، السماء بالنسبة لأونامير)، بالركوب على متن النسر [..] وتزويده بشرائح من اللحم عند بلوغ كل طبقة، وسقوط الأخيرة منها، فيضطران لاقتطاعها من جسديهما (الساق بالنسبة لمحمد، والدراع بالنسبة لأونامير)، وتفطن النسر لطعمها غير العادي (المالح) فيهددهما بإسقاطهما لولا عطفه واعترافه بالفضل" . +ولعل أهم المتفاعلات النصية على الإطلاق المتفاعل الديني الذي يحضر بمظاهره المختلفة؛ مثل الفقيه، وحفظ القرآن، والشفاعة في الآخرة، وغير ذلك. ورغم هذا الحضور الذي لا غبار عليه، حاول الباحث محمد جودات أن يقرأ الأسطورة قراءة سماها بـ"الإسلامية"، إذ يناقش التناص الديني من خلال ما أسماه بـ"أسلمة الأسطورة"، وهذه القراءة، في نظره، بديل عن القراءات الغربية التي تمثلها المتفاعلات المشار إليها سلفا. ومما أشار إليه أن نساء القرية في الأسطورة لهن علاقة تناصية بنساء القرية في سورة يوسف. كما أن حدث استعادة الأم لبصرها بواسطة نقطة الدم التي سقطت في عينيها يتناص مع ثوب يوسف الذي ألقِي على أبيه يعقوب فارتد بصيرا . وهذه القراءة جعلته يتوصل في آخر المطاف إلى حضور البعد الثقافي الإسلامي في الأسطورة . +والحقيقة أن الأسطورة، ورغم توغلها في القدم، "تكيفت في أوجهها الحالية المتوفرة مع ما تشبع به المجتمع من أبعاد المرجعية الدينية الإسلامية" . لذلك يحتمل أن تتفاعل مع المستجدات الثقافية للإنسان الأمازيغي، خصوصا أن حكاية الأسطورة تتنوع في بعض تفاصيلها ليس تبعا لتعدد البلدان المغاربية فحسب، بل لتعدد مناطق البلد الواحد أيضا، وهذا يتيح المجال لاحتمال تغيّر بعض تفاصيل الحكاية وفق ما استَحدث في حياة الإنسان الأمازيغي من تجليات ثقافية جديدة، واستجابتها، تبعا لذلك، للمتغيرات الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع الذي أنتجها. وفي هذا السياق يقول فراس السواح إن الأسطورة "ظاهرة جمعية تعبر عن تأملات الجماعة وحكمتها وخلاصة ثقافتها، ولا يمنع هذا الطابع الجمعي أن يقوم الأفراد بإعادة صياغة الحكايات الأسطورية وفق صنعة أدبية تتماشى وروح عصرهم" . +وقد وضح فراس السواح الكيفية التي يتدخل بها الإنسان في صياغة النصوص القديمة قائلا إن الأسطورة، باعتبارها فنا أدبيا وحكمة، يُنظر إليها "على أنها تراكم لنتاج الفكر الإنساني المبدع في مجال الأدب. فالأمثال الصغيرة التي يرويها حكيم القوم، سوف تروى مرات ومرات. ولن يقاوم الراوي رغبته الملحة والمشروعة في الإضافة إليها من عناصر جديدة نابعة من خياله الخاص ومن ظروف اجتماعية مستجدة، تحيط الراوي الجديد" . +إن الأسطورة تعبير عن جوهر الإنسان، أي إنسان ، وقد توصل الأنثروبولوجي فريز إلى "وحدة العقل الإنساني عن طريق توظيف مجموعة ضخمة من الأساطير المتشابهة من بيئات مختلفة لدراسة الفكر الإنساني" . +كما أن يونغ كان قد "اكتشف الرموز التي كررها الإنسان في كل زمان ومكان، وسماها بالنماذج الأصلية وتوصل عن طريقها إلى إثبات وحدة التراث الإنساني، ومن هنا سمى النقد الأسطوري باسم آخر هو النقد النموذجي الأصلي. والنماذج الأصلية (الجذور) عند يونغ هي قوى نفسية هاجعة في اللاوعي الإنساني الجماعي الذي يستمد مكوناته من الموروث الإنساني العام. ويذهب في التأكيد على أهمية الأسطورة إلى حد الادعاء بأن المجتمع الذي يفقد أساطيره يعاني كارثة أخلاقية تعادل فقدان الإنسان روحه. وقد عالج يونغ الفروقات العرقية التي تؤثر على صيغ الأساطير ومضامينها، وهي فروقات تتجلى في النفسيات الجماعية التي تندرج في الأخير تحت النفسانية الإنسانية، ويتدرج سلم هذه الفروقات تصاعديا كالتالي: عائلي، قبلي، قومي، عرقي، جماعي، إنساني. والفروقات المذكورة تخف تصاعديا وتثقل تنازليا. والاتجاه التصاعدي هو الذي اختاره فرويد قبل يونغ عندما اعتبر الأسطورة حلما جماعيا يحتاج إلى تأويل". +وعموما فهذه الملاحظات لا تعني أسبقية هذه الأسطورة أو تلك على الأخرى، لأن ذلك سيؤدي إلى حديث معجز في الأصل والبداية، وهو حديث يؤدي إلى طريق مسدود، لأن الأساطير كلَّها على نفس مستوى القدم، ولا يمكن اعتبار ما تجدد في الأسطورة دليلا على حداثتها. إن كون الطريق مسدودا يعني في آخر الأمر أن النص الأصل ممتنع على التحديد، وأن أسطورة حمو نامير مُنجز إنساني لا يمنع من أن يتقارب مع منجز إنساني آخر بغض الطرف عن اختلاف الأمكنة؛ فإذا كان ممكنا الحديث عن تقاربات بين الأساطير، فليس من باب أسبقيتها أو تأثيرها الفعلي على بعضها؛ فطالما كانت النصوص اجترارا لبعضها البعض، ليس لأنها تجترها فعلا، بل لأن الإنسان يدور في فلك واحد من الاستيهامات والتخيلات. فبخصوص أسطورة حمو نامير "لا نستطيع أن نقر أن هذه الحكايات [يقصد مجموعة من الحكايات منها حكاية حمو نامير] رويت في الأصل كما وصلت إلينا الآن، بل لابد أن تكون قد تعرضت للتآكل والتعديل والبتر بسبب التداول المنتشر وأقدمية الاستعمال" . +ولا يتوقف تفاعل الأسطورة عند حدود التأثر، فأسطورة حمو نامير تلقي بظلالها على كل الأجناس الأدبية الأمازيغية، من رواية، ومسرح، وشعر. فكما تم تحويلها إلى فيلم، تم تحويلها أيضا إلى أغنية، وإلى رواية. مما يدل على توافرها على قوة سرية أتاحت لها هذا التأثير الذي تم تصريفه في مختلف التعبيرات الفنية. +لقد ألهمت الأسطورة الروائي عبد العزيز بوراس حتى أفرد لها رواية خاصة، سماها بـ"ءوميين ن حمو نامير" [حكاية حمو نامير] ، وفيها استثمر أحداث الأسطورة ومططها تمطيطا يستجيب للطول الذي يقتضيه الجنس الروائي. كما شمل تأثير الأسطورة الجنس المسرحي أيضا، خصوصا المسرحية التي تحمل اسم الأسطورة نفسه، أي "حمو ءونامير" التي كتبها الطيب بلوش ومحمد أفولاي. وتشير الباحثة نجاة نصري إلى أن الأسطورة اقتحمت أيضا الرواية الأمازيغية المكتوبة باللغة الفرنسية، ممثلة في نصوص محمد خير الدين، رواية "النباش" و"أسطورة وحياة أغنشيش"، و"الجسد السالب" على وجه الخصوص . +كما أن الصافي مومن علي استوحاها في القصة الطويلة الموسومة بـ"تغري ن تبرات" [قراءة الرسالة] من خلال البطل الذي يحمل اسم "حمو"، ومن خلال الشوق إلى الأم الذي تجسد في حنين حمو إلى أمه في الأسطورة والقصة معا؛ فإذا كان حمو قد رأى أمه من خلال تلك الفرجة في السماء السابعة، فإن حمو في القصة قد رآها من خلال الحلم . +وقد انتقل تأثير الأسطورة إلى النصوص المكتوبة باللغة العربية أيضا، ومن هذه النصوص ديوان "تانيرت" للشاعر إدريس الملياني، وفيها عمل على استحضار الموروث الثقافي الأمازيغي في صيغ شعرية. كما استطاعت الأسطورة أن تقتحم مجال الموسيقى أيضا؛ فقد حوّل المغني عمر واهروش حكاية الأسطورة إلى أبيات شعرية، غناها في حدود تسع وثلاثين دقيقة. ورغم أنه لم يتصرف في المادة الحكاية، ولم يقم بتحوير النص وفق غايات جديدة، بل اكتفى بعمل التحويل من النثر إلى الشعر، إلا أنه حمّلها كل معاني الأسى النابع من حياة الاستحالة التي طبعت حياة بطل الأسطورة حمو نامير. ولا شك أن النصوص السابقة هي غيض من فيض؛ لأن الاطلاع على كل النصوص الأمازيغية في بلدان شمال أفريقيا يفوق قدرة الباحث الواحد، آملين أن يدل المذكور على غير المذكور. +نخلص مما تقدم إلى أن أسطورة "حمو نامير" تتفاعل تناصيا مع غيرها من الأساطير الغربية والمشرقية، وأنها أثرت في ما جاء بعدها من نصوص أدبية مثل الشعر والمسرح والرواية، وإبداعات فنية مثل السينما والغناء. وقد تبين أن تفاعلها التناصي مع غيرها من الأساطير ليس وليد تفاعل عيني وأصيل، بل هو نتيجة للتفاعلات الطبيعية بين رؤى الإنسان للوجود التي تتوارد بين الأذهان من زاوية الصدفة والعادة. + + + + + - رولان بارط، درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993، ص.36. + - جوليا كريسطيفا، علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997، ص.80. + - نورثروب فراي، تشريح النقد،، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991، ص.120. + - جوليا كريسطيفا، علم النص، ص.79. + - جيرار جينيت، مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985، ص.90. + - تزفيطان طودوروف، الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990، ص.76. + - فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الناشر الأول بألمانيا (Suhrkamp Verlag)، ط. 1، 1998، الدار البيضاء، ص.11. + - نورمان فاركلوف، تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009، ص.112. + - مايكل ريفاتير، دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997، ص.229. + - نفسه، ص.12. + - ج.ب. براون و ج.يول، تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997، ص.91. + - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988، ص.19. + - سعيد المولودي، "مقدمة نظرية لتاريخ الأدب الأمازيغي"، ضمن كتاب: "تاريخ الأدب الأمازيغي؛ مدخل نظري"، تنسيق محمد أقضاض، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2006، ص.81. + - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980، ص.205. + - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.20. + - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994, P.2083. +ينظر أيضا: جمال أبرنوص، تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016، ص.42، 43. + - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.223. + - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996, P119 + - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.218، 219. + - نفسه، ص.219. + - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, P119 ; 124. + - محمد أوسوس، دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008، ص.172. + - محمد جودات، الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015، ص.45. + - نفسه، ص.44. + - محمد المدلاوي المنبهي، رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012، ص.113. + - فراس السواح، دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994، ص.58. + - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.13. + - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص..205 + - نقلا عن: محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.205. + - نفسه، ص.207. + - نفسه، ص.213. + - عبد العزيز بوراس، ءوميين ن حمو نامير، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، الرباط، 1991. + - Najate Nerci, Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009 P.178. + - KHADIJA MOUHSINE, La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014, P.101. + - إدريس الملياني، تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. + +المراجع +- أبرنوص، جمال: تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016. +- إيزر، فولفغانغ: التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الدار البيضاء، ط. 1، 1998. +- أوسوس، محمد: دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008. +- بارط، رولان: درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993. +- براون، ج.ب ويول، ج: تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997. +- ابزيكا، محمد: الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980. +- تزفيطان، طودوروف: الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990. +- جودات، محمد: الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015. +- جينيت، جيرار: مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985. +- ريفاتير، مايكل: دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997. +- السواح، فراس: مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988. +- السواح، فراس: دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994. +- فاركلوف، نورمان: تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009. +- فراي، نورثروب: تشريح النقد، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991. +- كريسطيفا، جوليا: علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997. +- المدلاوي، محمد المنبهي: رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012. +- الملياني، إدريس: تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. + +- Bounfour, Abdellah: HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996. +- MOUHSINE, KHADIJA: La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014. +- Nerci, Najate: Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009. +- ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994. '
حجم الصفحة الجديد (new_size)
45332
حجم الصفحة القديم (old_size)
0
الحجم المتغير في التعديل (edit_delta)
45332
السطور المضافة في التعديل (added_lines)
[ 0 => 'أسطورة "حمو نامير" الأمازيغية', 1 => 'بنية التصادي والتضايف', 2 => 'مبارك أباعزي', 3 => '', 4 => 'من مسلمات النقد الأدبي الحديث أن النصوص جميعَها تُكرّر بعضها بعضا بصيغ وأشكال مختلفة؛ فهي استنساخ مستمر بعبارة رولان بارث ، وانعكاس لبعضها على بعض وانتقالات في سلم الكلام بعبارة مالارمي ، ومحاكاة حسب نورثروب فراي ، وامتصاص وهدم حسب جوليا كريستيفا ، وتعالي نصّي بعبارة جيرار جنيت ، وتحويل من خطاب إلى آخر ومن نص إلى آخر حسب تزفيتان تودوروف ، وعملية انتقاء للأنساق بتعبير فولفغانغ إيزر ، وتجديد للسياق حسب نورمان فاركلوف ، ولفٌّ لفظي حسب عبارة مايكل ريفاتير ، وغير ذلك من التحديدات المتقاربة.', 5 => 'إن التناص إذن قدر أيّ نص، فهو حتمي ولا محيد عنه. ولما كان الأمر كذلك، يبدو من الصعوبة تقبّل النص وفهمه إلا في حال معرفة المتلقي بشبكة النصوص التي يضمرها. ومن النصوص التي تهمنا في سياقنا هذا الأساطير التي عد مايكل ريفاتير معرفتَها علامة على امتلاك الكفاءة الأدبية التي "تقوم على معرفة القارئ بالأنساق الوصفية وبالموضوعات وبأساطير مجتمعه، وبنصوص أخرى قبل كل شيء. وكلما وجدت ثغرات أو تكثيفات في النص- كالأوصاف الناقصة أو التلميحات أو الشواهد-، فإن هذه الكفاءة الأدبية هي وحدها التي ستُمَكِّن القارئ من الاستجابة كما ينبغي ومن استكمال الجزئيات الناقصة أو إضافتها" .', 6 => ' فالنص حامل لرموز ذات مرجعية أسطورية، لذلك يظل معناه مستغلقا حتى يتم تفعيل مضامين هذه الأسطورة أو تلك تبعا لما يستدعيه النص، ووفقا لما يسميه براون ويول بـ" ملامح السياق المستثارة"، أي المعارف الخلفية التي يستثيرها السياق اللفظي، فـ "انطلاقا من مضمون النص، يمكن للمحلل أن يحدد مبدئيا، ملامح السياق التي تنعكس صراحة على النص بوصفه السجل الشكلي الذي يتمثل فيه القول. سنسمي تلك الملامح من السياق التي تنعكس مباشرة على النص، والتي تحتاج إلى أن نعود إليها لتأويل النص، "ملامح السياق المستثارة"" .', 7 => 'وسنحاول في هذه الدراسة أن نقارب أسطورة "حمو نامير" من باب تفاعلها مع غيرها من الأساطير. دون أن يعني ذلك أننا نعتبر تأثيرها في غيرها أو تأثرها به مسلمة، بل إن معالجتنا تبتعد عن المستوى التكويني للأسطورة لتقف عند حدود التناص على مستوى القارئ؛ أي ترسبات الأساطير المغايرة التي تتحكم في تأويل القارئ وتفاعله مع النص قيد الدراسة.', 8 => 'المتن الحكائي لأسطورة "حمو نامير"', 9 => 'هناك، في مكان ما من الأرض، أرملة وحيدة، لا تملك أنيسا ولا قريبا سوى ابنها "حمو". لقد مات زوجها منذ زمن، وأصبح ابنها فأل المستقبل الآتي. لذلك حرصت على تنشئته وتربيته؛ فمنذ استطاع أن يستعمل رجليه في المشي، علمته كيف يسير في اتجاه المسجد، فهناك سيتعلم ما يسعفه في ضمان القوت، وهناك سيعرف ما يشفع له ولها ولأبيه في الآخرة.', 10 => 'مضت سنوات وأصبح حمو شابا شديد الوسامة. وجهه وضّاء مثل السماء، ومثل القمر. كلما مر من طريق في اتجاهه إلى المسجد، تطل الفتيات من الفرجات ومن فوق السطوح لرؤيته، لعل إحداهن تظفر منه بنظرة فيقع في حبها. لكن ذلك لا يحدث أبدا، فتربيته التي شبّ عليها تمنعه من ذلك.', 11 => 'ذات يوم، وهو يرفع اللوح أمام وجه الفقيه حتى يستظهر ما حفظ، لمح بقعة حناء مدورة على راحة يده، فغضب غضبا شديدا، ونهره قائلا: "هل أنت فتاة حتى تضع الحناء على يدك؟". اعتذر حمو، واستغرب كيف أنه لم يفطن إلى وجود الحناء في يده. وحين عاد، لام أمه على الأمر لوما شديدا على ما فعلته به. غير أن الأم بدأت بمعاقبته فورا على وضعه للحناء في يده.', 12 => 'ظلت الهواجس تفعل فعلها به ما بقي من النهار إلى الليل؛ تساءل في نفسه: "إذا كانت أمي لم تخضب يدي بالحناء، فمن فعل؟". وحين حلّ موعد نومه غفى، لكن نومه كان متقطعا. وما أن فتح عينيه في الصباح المبكر حتى وجههما إلى يده؛ واستغرب من تجدد الحناء فيها، إذ ظهر وكأنه قد وُضع في الحين. وما كان لديه من حلّ سوى إخفاء يده عن الجميع.', 13 => 'حين وصل الوقت المعلوم؛ وقت استظهار المحفوظ، لم يأبه الفقيه للّوح، بل قبض على يده مباشرة، وفك أصابعه المقبوضة، وما أن رأى الحناء حتى التقط عصاه الطويلة فانهال عليه بريح من السياط، ولم يتوقف إلا حين نال منه التعب. قال له وصدره يعلو وينخفض: "يوم غد، تعال من جديد واضعا الحناء في يدك كالفتاة، وسيحدث لك أقسى مما حدث". وتمر الأيام وحمو يظل يتلقى السياط، وطالما حاول أن يقنع الفقيه بأنّ لا دخل له في ما يحدث له دون جدوى. لكن الفقيه في اليوم السابع فكر: "ماذا لو...؟".', 14 => 'في اليوم السابع، دخل حمو المسجد على وجل، مستعدا لتلقي العقاب كالعادة. لكن ملامح الفقيه ظهر منها ما لم يكن يظهر، فهي ملامح تميل إلى حب الاستكشاف لا إلى سادية التعذيب. ولما جلس أمامه لينال العقاب الأبدي، بادره الفقيه بالقول: "إن كان ما تقوله صحيحا، فعليك أن تفعل الآتي: ..".', 15 => 'عاد حمو إلى منزله. في الليل، في الموعد المعتاد، توجه إلى غرفته، واستلقى على السرير، واضعا يده المخضبة داخل إناء، وتظاهر بالنوم، وانتظر ما سيحدث. قبل الفجر بوقت قصير، وكان قد غفى، أحس بيد تقبض على يده، وحاول جاهدا أن يغالب النوم، حتى عزم على الأمر، وقبض على اليد الآثمة التي سببت له كل ذلك العذاب المبين. ولما أنار الغرفة، وقد بذل من الجهد ما استطاع حتى لا تتملص منه تلك اليد، بقي ساهما، وقد ارتخت يده، والدهشة تكاد تغميه؛ فتاة شديدة الجمال لم ير قبلها أجمل منها، لا بين فتيات القرية ولا حتى في أحلامه. ', 16 => '- من تكونين.. لا يمكن أن تكوني إلا ملاكا؟!', 17 => 'أجابته بصوت ملائكي:', 18 => '- لقد أصَبت يا حمو.. أنا ملاك..', 19 => '- ولم تضعين الحناء على يدي؟', 20 => '- لأنني أحبك.', 21 => 'غمرت السعادة قلب حمو، وطلب من "تانيرت" الزواج، ووافقت على الفور، لكنها اشترطت عليه شرطين؛ الأول أن يبني لها سبع غرف، كل واحدة تنفتح على الأخرى، وتفتح كلها بمفتاح واحد، والثاني ألا يعرف أحد، كان من كان، بزواجهما. وكان الحب قد بلغ بقلبه كل مبلغ، وقبل شرطيها دون تفكير.', 22 => 'في أحد الأيام، أرادت تانيرت أن تتذوق طعم لحم الغزال، فاستيقظ حمو باكرا وذهب لاصطياد غزال. وفي ذلك اليوم، خرجت أمه للقاء نساء القرية من صديقاتها، فجعلنها تقتنع بأن تقتحم منزل حمو وتتعرف على زوجته التي ظل يخفيها عنها، فعادت على الفور، واقتحمت الغرفة تلوى الغرفة حتى وصلت إلى الغرفة السابعة، ورأت تانيرت وقد امتلأ وجهها بالفرحة معتقدة أنه حمو الذي عاد، لكنها ما أن رفعت رأسها إليه حتى رأت المرأة، أمَّ حمو. ولفرط ما أحست الأم بالغبن من حمو الذي تركها من أجل تانيرت، راحت تكيل لها وابلا من الشتائم، حتى انصرفت مزمجرة بكلام غير مفهوم. وظلت تانيرت على حالها، وبكت كثيرا حتى امتلأت الغرف السبع بدموعها.', 23 => 'حين عاد حمو من الصيد، كانت في محيّاه فرحة لا تضاهى كعادته حين يتخيل ملامح الفرحة على وجه تانيرت. لكنه حين فتح الغرفة الأولى أحس بالماء تحت رجليه، وفكر أن تانيرت تقوم بغسل الغرف، وتوجس أمرا خطيرا؛ إذ كلما ولج غرفة يجد الماء يعلو شيئا فشيئا، وحين وصل الغرفة السابعة رأى وجه تانيرت بين السقف ودموعها التي ما زالت تنهمر من عينيها وتملأ الغرفة. قالت له مستنجدة: "أرجوك يا حمو.. أنقذني.. افتح نافذة السقف". وحالما فتحها تحولت تانيرت إلى حمامة، وحلقت بعيدا.', 24 => 'مرت سنوات وحمو على حالة من الكمد والإحساس بالضيم. وذات يوم رآى نسرٌ ما آل إليه حاله من البؤس واليأس، فعرض عليه خدمته؛ أن يوصله إلى السماء السابعة حيث تانيرت، شرط أن يهبه قبل دخول كل سماء قطعة لحم وشربة دم من فرسه. ورغم شدة حبه لفرسه، إلا أن شوقه إلى تانيرت قد بلغ به كل مبلغ، وقبِل عرضَ النسر. وهكذا ظل حمو يعلو ويعلو فوق كل سماء، وقبل دخولهما في السماء السابعة انفلتت من يده قطعة اللحم وشربة الدم الأخيرتان، فاضطر إلى اقتطاعهما من جسده. وحين ذاقهما النسر أحس بطعمهما الآدميين، وفطن للخديعة، فتخلص من حمو وهوى من السماء. غير أن النسر تسرب إلى قلبه ذبيب الشفقة، فنزل والتقط حمو قبل أن يصل إلى السماء السادسة، فأخذه وولجا السماء السابعة، واستقبلته تانيرت بما يليق به من فرحة اللقاء بعد الفراق.', 25 => 'جالت تانيرت بحمو في كل أصقاع السماء السابعة، وتعرف على كائناتها وأشيائها. وحين وصلا إلى صخرة مدورة، نبهته تانيرت إلى أن من حقه أن يفعل ما يشاء، وأن يلمس ما يريد، ما عدا تلك الصخرة، فيُمنع عليه منعا باتا أن يزحزحها من مكانها. ', 26 => 'مرت الأيام الطوال، وظل حمو على حاله من الابتهاج والفرحة، إلى اليوم الذي أحس فيه بالملل من تجواله الطويل، ولمح تلك الصخرة، وغلبه الفضول لما يختفي وراءها. فأقبل عليها وحركها قليلا، فبدت فرجة صغيرة، ما أن اقترب منها حتى رأى أمه، التي أصبحت عمياء من فرط بكائها عليه، تنتحب وبين يديها أضحية العيد وهي تقول: "يا ليتك هنا يا حمو.. ليتك هنا لتذبح الأضحية". ', 27 => 'بين الدمعة والأخرى، أدخل حمو رأسه من الفرجة، وخرج منها وهو يقول: "أنا آت يا أماه.. أنا آت". وبين كل سماء وأخرى، يتفتت جسد حمو شيئا فشيئا حتى تناثر في السماوات، ولم يصل منه إلى الأرض سوى قطرتيْ دم، سقطت الأولى على عنق الأضحية فذبحتها، وسقطت الثانية على عين الأم فأعادت إليها بصرها.', 28 => 'الأسطورة أمّ النصوص', 29 => 'إن الأسطورة، بوصفها "مغامرة العقل الأولى"، تمثل المنجز الإبداعي الأول الذي أنجزه الإنسان القديم. لذلك نجد أن العقل يطلق فيها العنان لتفكيره، فينزع نزوعا إلى الميتافزيقا، ويميل ميلا إلى الإغراب والتعجيب إلى درجة يمكن فيها التكهن بالبنيات الذهنية والتصورات التي تشغل الإنسان القديم؛ فلاشك أن الباحث سيخلص إلى أن الإنسان القديم مهووس بالماورائيات، وأنه كائن متوجس وخائف من قوى يحس أنها تفوقه وتتفوق عليه، ومنها الظواهر الفيزيائية الكونية مثل الريح، والبراكين، والزلازل، وغيرها من الظواهر التي لم يكن يملك لها، يومئذ، تفسيرا.', 30 => 'لذلك تظهر في الأسطورة أسماء الآلهة التي صنعها الخيال الجامح، وجعل الإنسان القديم نفسه عابدا لها، وأضحى بذلك ممتلكا لتفسيرات لما يحدث حواليه، كأن يفسر حلول القحط وغياب الأمطار بغضب زيوس، أو موت الحبيبة بغضب إيروس، وقس على ذلك بخصوص دور الآلهات جمعيها. فالأسطورة "حكاية مقدسة، يلعب أدوارها الآلهة وأنصاف الآلهة، أحداثها ليست مصنوعة أو متخيلة، بل وقائع حصلت في الأزمنة الأولى المقدسة [..]. والأسطورة، حكاية مقدسة تقليدية. بمعنى أنها تنتقل من جيل إلى جيل، بالرواية الشفهية. مما يجعلها ذاكرة الجماعة، التي تحفظ قيمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها، وتنقلها للأجيال المتعاقبة، وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس. فهي الأداة الأقوى في التثقيف والتطبيع والأداة التي ترسخ من خلالها ثقافة ما وجودها واستمرارها عبر الأجيال وحتى في فترات شيوع الكتابة" .', 31 => 'وقد نبه الباحث سعيد المولودي إلى أن الأسطورة، التي اعتبر لغتها "لغة عليا" على غرار جون كوهن وبول فاليري وأحمد محمد المعتوق، تضم "كثيرا من عناصر الخلق الفني، باقترابها أو تماسها أحيانا مع الشعر أو مع السحر، أو ما يتصل بهما، أو ما ينضوي تحت ظلال الطقس الديني. وتاريخ الأدب الأمازيغي قد يتلبس بتاريخ الأسطورة الذي قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه تلاشى أو اندثرت معالمه، والبحث أيضا في هذا المنحى أساسي، من حيث إنه محطة انطلاق لدراسة أشكال الوعي الحضاري الأمازيغي، وعلاقاتها بالتطور المحتمل لكل الأنساق المعرفية والأدبية، وعلاقاتها بالذاكرة الجمعية، بهدف الوصول إلى كشف أشكال التستر أو الاختباء التي تمارسها كل التمثلات الأسطورية التي تخترق أو تترسب في فضاءات السيرورة الثقافية" .', 32 => 'ومن هنا يصح أن نعتبر الأسطورة أم النصوص، فهي البدء، والعتبة، والشراع المفتوح على كل الأجناس الأدبية. ورغم أن وجود الأدب رهين بموت الأسطورة على مستوى الإنتاج، إلا أنها تظل تفرض ذاكرتها على ذريتها التي أوفت لها ما تستحقه من وفاء الأمومة. فالأسطورة مخيال اجتماعي لم يملك الناس طريقا لتصريفه غير طريقها، وفيها تتصادى الأفكار والتخيلات والمخاوف، ومن هذا المنظور يجب أن تُقرأ. إن الإنسان يقيس حياته بقدرته على إنتاج الأسطورة لا بمدى عمره لحظة الممات، وبذلك يكون الفعل التخييلي للأسطورة، سواء في إنتاجها من لدن إنسان/ جماعة مجهولة الهوية، أو في فعل إعادة الإنتاج المتحصل من استهلاك أحداث الأسطورة أو تأويلها، تمطيطا للزمن الجسدي ليصير زمنا هيوليا ممتدا إلى اللامنتهى، لذلك سيتم النظر إليها هنا بوصفها "إطارا فكريا يكشف للناقد الدلالات التي يحملها تكرار صيغ معينة في آداب الشعوب المختلفة عبر الزمن، تلك الصيغ التي تشكل في الأخير رموزا مترسبة في اللاوعي الإنساني" .', 33 => 'الأسطورة والمنعطف الأجناسي', 34 => 'ولعل ما يسَّرَ لأسطورة حمو نامير فعل التأثير في مختلف الأجيال استمدادها لأساليب الجمال من الأدب؛ إذ تحولت إلى نص أدبي طافح بمظاهر الأدبية، متوافر على قدر مهم من مفاتن الجمال القادرة على استدراج القارئ إلى مسرح "اللذة النصية" على حد تعبير رولان بارث. فالأسطورة بهذا المعنى "نص أدبي، وضع في أبهى حلة فنية ممكنة، وأقوى صيغة مؤثرة في النفوس، وهذا مما زاد في سيطرتها وتأثيرها" .', 35 => 'لقد تحولت أسطورة حمو نامير إلى أدب، وإلى أدب شعبي تحديدا. وهي في ذلك تختلف عن الأساطير اليونانية التي لم يسمعها المتلقي من الشعب، بل سمعها من أدباء امتلكوا ناصية التعبير الأدبي مثل هيرودوت وهوميروس، فيما أن الأسطورة الأمازيغية ما زالت تُسمع من الشعب، ولم يستطع أي نص أن يهيمن على التقبل الأدبي لها.', 36 => 'لقد عبّد هذا التحول طريق الاستيحاء الأدبي؛ لأن انعطافها جهة الأدب حوّل أنظار قرائها النموذجيين، المبدعين على وجه التحديد، إلى مظهر أدبيتها، إلى مبناها لا إلى متنها، إلى التعبير لا المحتوى، إلى الشكل لا المضمون، وإلى التلفظ الملفوظ لا الملفوظ الملفوظ، على أساس أن المبنى والتعبير والشكل والتلفظ الملفوظ تفيد كيفية تشكل المتن والمحتوى والمضمون والملفوظ الملفوظ. وبتعبير وجيز، صار تحول الأسطورة إلى أدب يطرح سؤال "كيف قالت؟" وليس "ماذا قالت؟".', 37 => 'تصادي الأساطير وتضايفها', 38 => 'يتفاعل المتن الأسطوري مع السياقات الثقافية والاجتماعية التي أُنتج فيها، ومع شبكة نصوص أخرى، مما يعني أننا إزاء تناص المتناص. وتجدر الإشارة إلى أن النسخة الوحيدة الموجودة من أسطورة حمو نامير هي تلك التي حدث فيها انعطاف وتحول من الطابع الأسطوري المحض الذي يحافظ على جميع تفاصيلها كما كانت في الزمن الغابر إلى الأسطورة ذات الطابع الأدبي الجمالي. ولعل هذا ما جعلها تتأثر كلّ مرة بالسياقات الجديدة التي قيلت فيها، في الأزمنة المختلفة، والأمكنة المتباينة، إذ يحملها الرواة عواطفهم وقناعاتهم وهمومهم.', 39 => 'ومن مظاهر تناص أسطورة حمو نامير تفاعلها مع "ألف ليلة وليلة"؛ فقد ورد في الموسوعة الأمازيغية التي أعِدت بتوصية من اليونسكو إلى أن "ألف ليلة وليلة" قد أثّرت في أسطورة حمو نامير . وأشار الباحث محمد ابزيكا إلى أنها تشبه، في بعض تفاصيلها، حكاية النسر والغيلم التي وردت في ألف ليلة وليلة . كما أشار عبد الله بونفور إلى الفكرة ذاتها . ونعتقد أن التأثير، إن كان محتملا، فسيمَسُّ الصيغة المتقدمة من الحكاية التي تفاعلت مع الأوضاع الثقافية المتجددة نظرا للطابع الشفوي للثقافة الأمازيغية الذي يحول دون الحفاظ على صيغة ثابتة للحكاية.', 40 => ' ويَعتبِر محمد ابزيكا أن أسطورة حمو نامير "شبيهة بأسطورة نركسيس اليونانية، والفرق يكمن في أسماء الأشخاص وحبكة بعض الأحداث، فنركسيس جميل مثل أحمد أونامير، اشتهته جميع فتيات مدينة (أثينا)، لكنه يعرض عنهن حتى تضجرت السماء من آهات المعجبات والمتمنيات، فأحبته إلهة [..] واكتشف ناركسيس جمال وجهه على صفحة بركة مائية فعشق ذاته ورمى بنفسه في البركة ومات ونبتت على رفاته زهرة النرجس" . ', 41 => 'ومن المتفاعلات النصية التي لاحظها الباحث محمد ابزيكا أيضا علاقة الأم بالابن، وفي ذلك يقول: "أما العلاقة بين الأم وابنها فقد تكررت في الأساطير والأديان كذلك إلى درجة أصبحت معها رموزا. فالإله تموز [..] هو ابن الآلهة عشتروت، وقد كان تموز في البداية ابنها ثم تحول إلى زوجها. وفي بعض الحضارات يتخلى الإله الذكر لابنه عن مركزه ودوره فيغدو الابن حبيب أمه" . وهذا ما عززه عبد الله بونفور، إذ حاول الربط بين أحداث الأسطورة، خصوصا منها ما يرتبط بعلاقة الأم بالابن، وأسطورة أوديب، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما تكمن أساسا في حب الأم، رغم اختلاف طبيعة هذا الحب، واختلاف اللغة والثقافة .', 42 => 'ولا يقتصر تفاعل الأسطورة على التناص مع الأساطير المنتمية إلى ثقافة مختلفة، بل تتناص أيضا مع الحكايات الأمازيغية نفسها في شكل من أشكال التناص الداخلي؛ ومن الأمثلة الدالة على ذلك الحكاية القبائلية الموسومة بـ"محمد ابن الأمَة وإخوته الستة"، فهي تتفاعل معها من خلال تنافر الاتجاهات؛ وهذا ما يوضحه محمد أوسوس في النص الآتي: "تبدو هذه الحكاية كما لو أنها تعاكس اتجاه حكاية حمو نامير [..]، ففيها ينزل محمد ابن الأَمَة إلى الأرض السفلى ليلتحق بعجوز وحيدة تاركا زوجته الشابة، بينما أونامير يلتحق بالسماء السابعة ليلتحق بزوجته الشابة تانيرت تاركا أمه العجوز وحيدة على الأرض، فيما تتفقان في كيفية الالتحاق بالعالم المرغوب (الأرض بالنسبة لمحمد، السماء بالنسبة لأونامير)، بالركوب على متن النسر [..] وتزويده بشرائح من اللحم عند بلوغ كل طبقة، وسقوط الأخيرة منها، فيضطران لاقتطاعها من جسديهما (الساق بالنسبة لمحمد، والدراع بالنسبة لأونامير)، وتفطن النسر لطعمها غير العادي (المالح) فيهددهما بإسقاطهما لولا عطفه واعترافه بالفضل" .', 43 => 'ولعل أهم المتفاعلات النصية على الإطلاق المتفاعل الديني الذي يحضر بمظاهره المختلفة؛ مثل الفقيه، وحفظ القرآن، والشفاعة في الآخرة، وغير ذلك. ورغم هذا الحضور الذي لا غبار عليه، حاول الباحث محمد جودات أن يقرأ الأسطورة قراءة سماها بـ"الإسلامية"، إذ يناقش التناص الديني من خلال ما أسماه بـ"أسلمة الأسطورة"، وهذه القراءة، في نظره، بديل عن القراءات الغربية التي تمثلها المتفاعلات المشار إليها سلفا. ومما أشار إليه أن نساء القرية في الأسطورة لهن علاقة تناصية بنساء القرية في سورة يوسف. كما أن حدث استعادة الأم لبصرها بواسطة نقطة الدم التي سقطت في عينيها يتناص مع ثوب يوسف الذي ألقِي على أبيه يعقوب فارتد بصيرا . وهذه القراءة جعلته يتوصل في آخر المطاف إلى حضور البعد الثقافي الإسلامي في الأسطورة .', 44 => 'والحقيقة أن الأسطورة، ورغم توغلها في القدم، "تكيفت في أوجهها الحالية المتوفرة مع ما تشبع به المجتمع من أبعاد المرجعية الدينية الإسلامية" . لذلك يحتمل أن تتفاعل مع المستجدات الثقافية للإنسان الأمازيغي، خصوصا أن حكاية الأسطورة تتنوع في بعض تفاصيلها ليس تبعا لتعدد البلدان المغاربية فحسب، بل لتعدد مناطق البلد الواحد أيضا، وهذا يتيح المجال لاحتمال تغيّر بعض تفاصيل الحكاية وفق ما استَحدث في حياة الإنسان الأمازيغي من تجليات ثقافية جديدة، واستجابتها، تبعا لذلك، للمتغيرات الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع الذي أنتجها. وفي هذا السياق يقول فراس السواح إن الأسطورة "ظاهرة جمعية تعبر عن تأملات الجماعة وحكمتها وخلاصة ثقافتها، ولا يمنع هذا الطابع الجمعي أن يقوم الأفراد بإعادة صياغة الحكايات الأسطورية وفق صنعة أدبية تتماشى وروح عصرهم" . ', 45 => 'وقد وضح فراس السواح الكيفية التي يتدخل بها الإنسان في صياغة النصوص القديمة قائلا إن الأسطورة، باعتبارها فنا أدبيا وحكمة، يُنظر إليها "على أنها تراكم لنتاج الفكر الإنساني المبدع في مجال الأدب. فالأمثال الصغيرة التي يرويها حكيم القوم، سوف تروى مرات ومرات. ولن يقاوم الراوي رغبته الملحة والمشروعة في الإضافة إليها من عناصر جديدة نابعة من خياله الخاص ومن ظروف اجتماعية مستجدة، تحيط الراوي الجديد" . ', 46 => 'إن الأسطورة تعبير عن جوهر الإنسان، أي إنسان ، وقد توصل الأنثروبولوجي فريز إلى "وحدة العقل الإنساني عن طريق توظيف مجموعة ضخمة من الأساطير المتشابهة من بيئات مختلفة لدراسة الفكر الإنساني" . ', 47 => 'كما أن يونغ كان قد "اكتشف الرموز التي كررها الإنسان في كل زمان ومكان، وسماها بالنماذج الأصلية وتوصل عن طريقها إلى إثبات وحدة التراث الإنساني، ومن هنا سمى النقد الأسطوري باسم آخر هو النقد النموذجي الأصلي. والنماذج الأصلية (الجذور) عند يونغ هي قوى نفسية هاجعة في اللاوعي الإنساني الجماعي الذي يستمد مكوناته من الموروث الإنساني العام. ويذهب في التأكيد على أهمية الأسطورة إلى حد الادعاء بأن المجتمع الذي يفقد أساطيره يعاني كارثة أخلاقية تعادل فقدان الإنسان روحه. وقد عالج يونغ الفروقات العرقية التي تؤثر على صيغ الأساطير ومضامينها، وهي فروقات تتجلى في النفسيات الجماعية التي تندرج في الأخير تحت النفسانية الإنسانية، ويتدرج سلم هذه الفروقات تصاعديا كالتالي: عائلي، قبلي، قومي، عرقي، جماعي، إنساني. والفروقات المذكورة تخف تصاعديا وتثقل تنازليا. والاتجاه التصاعدي هو الذي اختاره فرويد قبل يونغ عندما اعتبر الأسطورة حلما جماعيا يحتاج إلى تأويل". ', 48 => 'وعموما فهذه الملاحظات لا تعني أسبقية هذه الأسطورة أو تلك على الأخرى، لأن ذلك سيؤدي إلى حديث معجز في الأصل والبداية، وهو حديث يؤدي إلى طريق مسدود، لأن الأساطير كلَّها على نفس مستوى القدم، ولا يمكن اعتبار ما تجدد في الأسطورة دليلا على حداثتها. إن كون الطريق مسدودا يعني في آخر الأمر أن النص الأصل ممتنع على التحديد، وأن أسطورة حمو نامير مُنجز إنساني لا يمنع من أن يتقارب مع منجز إنساني آخر بغض الطرف عن اختلاف الأمكنة؛ فإذا كان ممكنا الحديث عن تقاربات بين الأساطير، فليس من باب أسبقيتها أو تأثيرها الفعلي على بعضها؛ فطالما كانت النصوص اجترارا لبعضها البعض، ليس لأنها تجترها فعلا، بل لأن الإنسان يدور في فلك واحد من الاستيهامات والتخيلات. فبخصوص أسطورة حمو نامير "لا نستطيع أن نقر أن هذه الحكايات [يقصد مجموعة من الحكايات منها حكاية حمو نامير] رويت في الأصل كما وصلت إلينا الآن، بل لابد أن تكون قد تعرضت للتآكل والتعديل والبتر بسبب التداول المنتشر وأقدمية الاستعمال" .', 49 => 'ولا يتوقف تفاعل الأسطورة عند حدود التأثر، فأسطورة حمو نامير تلقي بظلالها على كل الأجناس الأدبية الأمازيغية، من رواية، ومسرح، وشعر. فكما تم تحويلها إلى فيلم، تم تحويلها أيضا إلى أغنية، وإلى رواية. مما يدل على توافرها على قوة سرية أتاحت لها هذا التأثير الذي تم تصريفه في مختلف التعبيرات الفنية.', 50 => 'لقد ألهمت الأسطورة الروائي عبد العزيز بوراس حتى أفرد لها رواية خاصة، سماها بـ"ءوميين ن حمو نامير" [حكاية حمو نامير] ، وفيها استثمر أحداث الأسطورة ومططها تمطيطا يستجيب للطول الذي يقتضيه الجنس الروائي. كما شمل تأثير الأسطورة الجنس المسرحي أيضا، خصوصا المسرحية التي تحمل اسم الأسطورة نفسه، أي "حمو ءونامير" التي كتبها الطيب بلوش ومحمد أفولاي. وتشير الباحثة نجاة نصري إلى أن الأسطورة اقتحمت أيضا الرواية الأمازيغية المكتوبة باللغة الفرنسية، ممثلة في نصوص محمد خير الدين، رواية "النباش" و"أسطورة وحياة أغنشيش"، و"الجسد السالب" على وجه الخصوص . ', 51 => 'كما أن الصافي مومن علي استوحاها في القصة الطويلة الموسومة بـ"تغري ن تبرات" [قراءة الرسالة] من خلال البطل الذي يحمل اسم "حمو"، ومن خلال الشوق إلى الأم الذي تجسد في حنين حمو إلى أمه في الأسطورة والقصة معا؛ فإذا كان حمو قد رأى أمه من خلال تلك الفرجة في السماء السابعة، فإن حمو في القصة قد رآها من خلال الحلم . ', 52 => 'وقد انتقل تأثير الأسطورة إلى النصوص المكتوبة باللغة العربية أيضا، ومن هذه النصوص ديوان "تانيرت" للشاعر إدريس الملياني، وفيها عمل على استحضار الموروث الثقافي الأمازيغي في صيغ شعرية. كما استطاعت الأسطورة أن تقتحم مجال الموسيقى أيضا؛ فقد حوّل المغني عمر واهروش حكاية الأسطورة إلى أبيات شعرية، غناها في حدود تسع وثلاثين دقيقة. ورغم أنه لم يتصرف في المادة الحكاية، ولم يقم بتحوير النص وفق غايات جديدة، بل اكتفى بعمل التحويل من النثر إلى الشعر، إلا أنه حمّلها كل معاني الأسى النابع من حياة الاستحالة التي طبعت حياة بطل الأسطورة حمو نامير. ولا شك أن النصوص السابقة هي غيض من فيض؛ لأن الاطلاع على كل النصوص الأمازيغية في بلدان شمال أفريقيا يفوق قدرة الباحث الواحد، آملين أن يدل المذكور على غير المذكور.', 53 => 'نخلص مما تقدم إلى أن أسطورة "حمو نامير" تتفاعل تناصيا مع غيرها من الأساطير الغربية والمشرقية، وأنها أثرت في ما جاء بعدها من نصوص أدبية مثل الشعر والمسرح والرواية، وإبداعات فنية مثل السينما والغناء. وقد تبين أن تفاعلها التناصي مع غيرها من الأساطير ليس وليد تفاعل عيني وأصيل، بل هو نتيجة للتفاعلات الطبيعية بين رؤى الإنسان للوجود التي تتوارد بين الأذهان من زاوية الصدفة والعادة.', 54 => '', 55 => '', 56 => '', 57 => '', 58 => ' - رولان بارط، درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993، ص.36.', 59 => ' - جوليا كريسطيفا، علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997، ص.80.', 60 => ' - نورثروب فراي، تشريح النقد،، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991، ص.120.', 61 => ' - جوليا كريسطيفا، علم النص، ص.79.', 62 => ' - جيرار جينيت، مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985، ص.90.', 63 => ' - تزفيطان طودوروف، الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990، ص.76.', 64 => ' - فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الناشر الأول بألمانيا (Suhrkamp Verlag)، ط. 1، 1998، الدار البيضاء، ص.11.', 65 => ' - نورمان فاركلوف، تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009، ص.112.', 66 => ' - مايكل ريفاتير، دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997، ص.229.', 67 => ' - نفسه، ص.12.', 68 => ' - ج.ب. براون و ج.يول، تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997، ص.91.', 69 => ' - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988، ص.19.', 70 => ' - سعيد المولودي، "مقدمة نظرية لتاريخ الأدب الأمازيغي"، ضمن كتاب: "تاريخ الأدب الأمازيغي؛ مدخل نظري"، تنسيق محمد أقضاض، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2006، ص.81.', 71 => ' - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980، ص.205. ', 72 => ' - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.20.', 73 => ' - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994, P.2083. ', 74 => 'ينظر أيضا: جمال أبرنوص، تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016، ص.42، 43.', 75 => ' - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.223.', 76 => ' - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996, P119 ', 77 => ' - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.218، 219.', 78 => ' - نفسه، ص.219.', 79 => ' - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, P119 ; 124.', 80 => ' - محمد أوسوس، دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008، ص.172.', 81 => ' - محمد جودات، الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015، ص.45.', 82 => ' - نفسه، ص.44.', 83 => ' - محمد المدلاوي المنبهي، رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012، ص.113.', 84 => ' - فراس السواح، دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994، ص.58.', 85 => ' - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.13.', 86 => ' - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص..205', 87 => ' - نقلا عن: محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.205.', 88 => ' - نفسه، ص.207. ', 89 => ' - نفسه، ص.213.', 90 => ' - عبد العزيز بوراس، ءوميين ن حمو نامير، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، الرباط، 1991.', 91 => ' - Najate Nerci, Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009 P.178.', 92 => ' - KHADIJA MOUHSINE, La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014, P.101.', 93 => ' - إدريس الملياني، تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005.', 94 => '', 95 => 'المراجع', 96 => '- أبرنوص، جمال: تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016.', 97 => '- إيزر، فولفغانغ: التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الدار البيضاء، ط. 1، 1998.', 98 => '- أوسوس، محمد: دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008.', 99 => '- بارط، رولان: درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993.', 100 => '- براون، ج.ب ويول، ج: تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997.', 101 => '- ابزيكا، محمد: الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980.', 102 => '- تزفيطان، طودوروف: الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990.', 103 => '- جودات، محمد: الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015.', 104 => '- جينيت، جيرار: مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985. ', 105 => '- ريفاتير، مايكل: دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997.', 106 => '- السواح، فراس: مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988.', 107 => '- السواح، فراس: دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994.', 108 => '- فاركلوف، نورمان: تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009.', 109 => '- فراي، نورثروب: تشريح النقد، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991.', 110 => '- كريسطيفا، جوليا: علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997.', 111 => '- المدلاوي، محمد المنبهي: رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012.', 112 => '- الملياني، إدريس: تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005.', 113 => '', 114 => '- Bounfour, Abdellah: HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996. ', 115 => '- MOUHSINE, KHADIJA: La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014.', 116 => '- Nerci, Najate: Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009.', 117 => '- ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994.' ]
السطور المزالة في التعديل (removed_lines)
[]
نص الصفحة الجديد، مجردا من أية تهيئة (new_text)
'أسطورة "حمو نامير" الأمازيغية بنية التصادي والتضايف مبارك أباعزي من مسلمات النقد الأدبي الحديث أن النصوص جميعَها تُكرّر بعضها بعضا بصيغ وأشكال مختلفة؛ فهي استنساخ مستمر بعبارة رولان بارث ، وانعكاس لبعضها على بعض وانتقالات في سلم الكلام بعبارة مالارمي ، ومحاكاة حسب نورثروب فراي ، وامتصاص وهدم حسب جوليا كريستيفا ، وتعالي نصّي بعبارة جيرار جنيت ، وتحويل من خطاب إلى آخر ومن نص إلى آخر حسب تزفيتان تودوروف ، وعملية انتقاء للأنساق بتعبير فولفغانغ إيزر ، وتجديد للسياق حسب نورمان فاركلوف ، ولفٌّ لفظي حسب عبارة مايكل ريفاتير ، وغير ذلك من التحديدات المتقاربة. إن التناص إذن قدر أيّ نص، فهو حتمي ولا محيد عنه. ولما كان الأمر كذلك، يبدو من الصعوبة تقبّل النص وفهمه إلا في حال معرفة المتلقي بشبكة النصوص التي يضمرها. ومن النصوص التي تهمنا في سياقنا هذا الأساطير التي عد مايكل ريفاتير معرفتَها علامة على امتلاك الكفاءة الأدبية التي "تقوم على معرفة القارئ بالأنساق الوصفية وبالموضوعات وبأساطير مجتمعه، وبنصوص أخرى قبل كل شيء. وكلما وجدت ثغرات أو تكثيفات في النص- كالأوصاف الناقصة أو التلميحات أو الشواهد-، فإن هذه الكفاءة الأدبية هي وحدها التي ستُمَكِّن القارئ من الاستجابة كما ينبغي ومن استكمال الجزئيات الناقصة أو إضافتها" . فالنص حامل لرموز ذات مرجعية أسطورية، لذلك يظل معناه مستغلقا حتى يتم تفعيل مضامين هذه الأسطورة أو تلك تبعا لما يستدعيه النص، ووفقا لما يسميه براون ويول بـ" ملامح السياق المستثارة"، أي المعارف الخلفية التي يستثيرها السياق اللفظي، فـ "انطلاقا من مضمون النص، يمكن للمحلل أن يحدد مبدئيا، ملامح السياق التي تنعكس صراحة على النص بوصفه السجل الشكلي الذي يتمثل فيه القول. سنسمي تلك الملامح من السياق التي تنعكس مباشرة على النص، والتي تحتاج إلى أن نعود إليها لتأويل النص، "ملامح السياق المستثارة"" . وسنحاول في هذه الدراسة أن نقارب أسطورة "حمو نامير" من باب تفاعلها مع غيرها من الأساطير. دون أن يعني ذلك أننا نعتبر تأثيرها في غيرها أو تأثرها به مسلمة، بل إن معالجتنا تبتعد عن المستوى التكويني للأسطورة لتقف عند حدود التناص على مستوى القارئ؛ أي ترسبات الأساطير المغايرة التي تتحكم في تأويل القارئ وتفاعله مع النص قيد الدراسة. المتن الحكائي لأسطورة "حمو نامير" هناك، في مكان ما من الأرض، أرملة وحيدة، لا تملك أنيسا ولا قريبا سوى ابنها "حمو". لقد مات زوجها منذ زمن، وأصبح ابنها فأل المستقبل الآتي. لذلك حرصت على تنشئته وتربيته؛ فمنذ استطاع أن يستعمل رجليه في المشي، علمته كيف يسير في اتجاه المسجد، فهناك سيتعلم ما يسعفه في ضمان القوت، وهناك سيعرف ما يشفع له ولها ولأبيه في الآخرة. مضت سنوات وأصبح حمو شابا شديد الوسامة. وجهه وضّاء مثل السماء، ومثل القمر. كلما مر من طريق في اتجاهه إلى المسجد، تطل الفتيات من الفرجات ومن فوق السطوح لرؤيته، لعل إحداهن تظفر منه بنظرة فيقع في حبها. لكن ذلك لا يحدث أبدا، فتربيته التي شبّ عليها تمنعه من ذلك. ذات يوم، وهو يرفع اللوح أمام وجه الفقيه حتى يستظهر ما حفظ، لمح بقعة حناء مدورة على راحة يده، فغضب غضبا شديدا، ونهره قائلا: "هل أنت فتاة حتى تضع الحناء على يدك؟". اعتذر حمو، واستغرب كيف أنه لم يفطن إلى وجود الحناء في يده. وحين عاد، لام أمه على الأمر لوما شديدا على ما فعلته به. غير أن الأم بدأت بمعاقبته فورا على وضعه للحناء في يده. ظلت الهواجس تفعل فعلها به ما بقي من النهار إلى الليل؛ تساءل في نفسه: "إذا كانت أمي لم تخضب يدي بالحناء، فمن فعل؟". وحين حلّ موعد نومه غفى، لكن نومه كان متقطعا. وما أن فتح عينيه في الصباح المبكر حتى وجههما إلى يده؛ واستغرب من تجدد الحناء فيها، إذ ظهر وكأنه قد وُضع في الحين. وما كان لديه من حلّ سوى إخفاء يده عن الجميع. حين وصل الوقت المعلوم؛ وقت استظهار المحفوظ، لم يأبه الفقيه للّوح، بل قبض على يده مباشرة، وفك أصابعه المقبوضة، وما أن رأى الحناء حتى التقط عصاه الطويلة فانهال عليه بريح من السياط، ولم يتوقف إلا حين نال منه التعب. قال له وصدره يعلو وينخفض: "يوم غد، تعال من جديد واضعا الحناء في يدك كالفتاة، وسيحدث لك أقسى مما حدث". وتمر الأيام وحمو يظل يتلقى السياط، وطالما حاول أن يقنع الفقيه بأنّ لا دخل له في ما يحدث له دون جدوى. لكن الفقيه في اليوم السابع فكر: "ماذا لو...؟". في اليوم السابع، دخل حمو المسجد على وجل، مستعدا لتلقي العقاب كالعادة. لكن ملامح الفقيه ظهر منها ما لم يكن يظهر، فهي ملامح تميل إلى حب الاستكشاف لا إلى سادية التعذيب. ولما جلس أمامه لينال العقاب الأبدي، بادره الفقيه بالقول: "إن كان ما تقوله صحيحا، فعليك أن تفعل الآتي: ..". عاد حمو إلى منزله. في الليل، في الموعد المعتاد، توجه إلى غرفته، واستلقى على السرير، واضعا يده المخضبة داخل إناء، وتظاهر بالنوم، وانتظر ما سيحدث. قبل الفجر بوقت قصير، وكان قد غفى، أحس بيد تقبض على يده، وحاول جاهدا أن يغالب النوم، حتى عزم على الأمر، وقبض على اليد الآثمة التي سببت له كل ذلك العذاب المبين. ولما أنار الغرفة، وقد بذل من الجهد ما استطاع حتى لا تتملص منه تلك اليد، بقي ساهما، وقد ارتخت يده، والدهشة تكاد تغميه؛ فتاة شديدة الجمال لم ير قبلها أجمل منها، لا بين فتيات القرية ولا حتى في أحلامه. - من تكونين.. لا يمكن أن تكوني إلا ملاكا؟! أجابته بصوت ملائكي: - لقد أصَبت يا حمو.. أنا ملاك.. - ولم تضعين الحناء على يدي؟ - لأنني أحبك. غمرت السعادة قلب حمو، وطلب من "تانيرت" الزواج، ووافقت على الفور، لكنها اشترطت عليه شرطين؛ الأول أن يبني لها سبع غرف، كل واحدة تنفتح على الأخرى، وتفتح كلها بمفتاح واحد، والثاني ألا يعرف أحد، كان من كان، بزواجهما. وكان الحب قد بلغ بقلبه كل مبلغ، وقبل شرطيها دون تفكير. في أحد الأيام، أرادت تانيرت أن تتذوق طعم لحم الغزال، فاستيقظ حمو باكرا وذهب لاصطياد غزال. وفي ذلك اليوم، خرجت أمه للقاء نساء القرية من صديقاتها، فجعلنها تقتنع بأن تقتحم منزل حمو وتتعرف على زوجته التي ظل يخفيها عنها، فعادت على الفور، واقتحمت الغرفة تلوى الغرفة حتى وصلت إلى الغرفة السابعة، ورأت تانيرت وقد امتلأ وجهها بالفرحة معتقدة أنه حمو الذي عاد، لكنها ما أن رفعت رأسها إليه حتى رأت المرأة، أمَّ حمو. ولفرط ما أحست الأم بالغبن من حمو الذي تركها من أجل تانيرت، راحت تكيل لها وابلا من الشتائم، حتى انصرفت مزمجرة بكلام غير مفهوم. وظلت تانيرت على حالها، وبكت كثيرا حتى امتلأت الغرف السبع بدموعها. حين عاد حمو من الصيد، كانت في محيّاه فرحة لا تضاهى كعادته حين يتخيل ملامح الفرحة على وجه تانيرت. لكنه حين فتح الغرفة الأولى أحس بالماء تحت رجليه، وفكر أن تانيرت تقوم بغسل الغرف، وتوجس أمرا خطيرا؛ إذ كلما ولج غرفة يجد الماء يعلو شيئا فشيئا، وحين وصل الغرفة السابعة رأى وجه تانيرت بين السقف ودموعها التي ما زالت تنهمر من عينيها وتملأ الغرفة. قالت له مستنجدة: "أرجوك يا حمو.. أنقذني.. افتح نافذة السقف". وحالما فتحها تحولت تانيرت إلى حمامة، وحلقت بعيدا. مرت سنوات وحمو على حالة من الكمد والإحساس بالضيم. وذات يوم رآى نسرٌ ما آل إليه حاله من البؤس واليأس، فعرض عليه خدمته؛ أن يوصله إلى السماء السابعة حيث تانيرت، شرط أن يهبه قبل دخول كل سماء قطعة لحم وشربة دم من فرسه. ورغم شدة حبه لفرسه، إلا أن شوقه إلى تانيرت قد بلغ به كل مبلغ، وقبِل عرضَ النسر. وهكذا ظل حمو يعلو ويعلو فوق كل سماء، وقبل دخولهما في السماء السابعة انفلتت من يده قطعة اللحم وشربة الدم الأخيرتان، فاضطر إلى اقتطاعهما من جسده. وحين ذاقهما النسر أحس بطعمهما الآدميين، وفطن للخديعة، فتخلص من حمو وهوى من السماء. غير أن النسر تسرب إلى قلبه ذبيب الشفقة، فنزل والتقط حمو قبل أن يصل إلى السماء السادسة، فأخذه وولجا السماء السابعة، واستقبلته تانيرت بما يليق به من فرحة اللقاء بعد الفراق. جالت تانيرت بحمو في كل أصقاع السماء السابعة، وتعرف على كائناتها وأشيائها. وحين وصلا إلى صخرة مدورة، نبهته تانيرت إلى أن من حقه أن يفعل ما يشاء، وأن يلمس ما يريد، ما عدا تلك الصخرة، فيُمنع عليه منعا باتا أن يزحزحها من مكانها. مرت الأيام الطوال، وظل حمو على حاله من الابتهاج والفرحة، إلى اليوم الذي أحس فيه بالملل من تجواله الطويل، ولمح تلك الصخرة، وغلبه الفضول لما يختفي وراءها. فأقبل عليها وحركها قليلا، فبدت فرجة صغيرة، ما أن اقترب منها حتى رأى أمه، التي أصبحت عمياء من فرط بكائها عليه، تنتحب وبين يديها أضحية العيد وهي تقول: "يا ليتك هنا يا حمو.. ليتك هنا لتذبح الأضحية". بين الدمعة والأخرى، أدخل حمو رأسه من الفرجة، وخرج منها وهو يقول: "أنا آت يا أماه.. أنا آت". وبين كل سماء وأخرى، يتفتت جسد حمو شيئا فشيئا حتى تناثر في السماوات، ولم يصل منه إلى الأرض سوى قطرتيْ دم، سقطت الأولى على عنق الأضحية فذبحتها، وسقطت الثانية على عين الأم فأعادت إليها بصرها. الأسطورة أمّ النصوص إن الأسطورة، بوصفها "مغامرة العقل الأولى"، تمثل المنجز الإبداعي الأول الذي أنجزه الإنسان القديم. لذلك نجد أن العقل يطلق فيها العنان لتفكيره، فينزع نزوعا إلى الميتافزيقا، ويميل ميلا إلى الإغراب والتعجيب إلى درجة يمكن فيها التكهن بالبنيات الذهنية والتصورات التي تشغل الإنسان القديم؛ فلاشك أن الباحث سيخلص إلى أن الإنسان القديم مهووس بالماورائيات، وأنه كائن متوجس وخائف من قوى يحس أنها تفوقه وتتفوق عليه، ومنها الظواهر الفيزيائية الكونية مثل الريح، والبراكين، والزلازل، وغيرها من الظواهر التي لم يكن يملك لها، يومئذ، تفسيرا. لذلك تظهر في الأسطورة أسماء الآلهة التي صنعها الخيال الجامح، وجعل الإنسان القديم نفسه عابدا لها، وأضحى بذلك ممتلكا لتفسيرات لما يحدث حواليه، كأن يفسر حلول القحط وغياب الأمطار بغضب زيوس، أو موت الحبيبة بغضب إيروس، وقس على ذلك بخصوص دور الآلهات جمعيها. فالأسطورة "حكاية مقدسة، يلعب أدوارها الآلهة وأنصاف الآلهة، أحداثها ليست مصنوعة أو متخيلة، بل وقائع حصلت في الأزمنة الأولى المقدسة [..]. والأسطورة، حكاية مقدسة تقليدية. بمعنى أنها تنتقل من جيل إلى جيل، بالرواية الشفهية. مما يجعلها ذاكرة الجماعة، التي تحفظ قيمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها، وتنقلها للأجيال المتعاقبة، وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس. فهي الأداة الأقوى في التثقيف والتطبيع والأداة التي ترسخ من خلالها ثقافة ما وجودها واستمرارها عبر الأجيال وحتى في فترات شيوع الكتابة" . وقد نبه الباحث سعيد المولودي إلى أن الأسطورة، التي اعتبر لغتها "لغة عليا" على غرار جون كوهن وبول فاليري وأحمد محمد المعتوق، تضم "كثيرا من عناصر الخلق الفني، باقترابها أو تماسها أحيانا مع الشعر أو مع السحر، أو ما يتصل بهما، أو ما ينضوي تحت ظلال الطقس الديني. وتاريخ الأدب الأمازيغي قد يتلبس بتاريخ الأسطورة الذي قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه تلاشى أو اندثرت معالمه، والبحث أيضا في هذا المنحى أساسي، من حيث إنه محطة انطلاق لدراسة أشكال الوعي الحضاري الأمازيغي، وعلاقاتها بالتطور المحتمل لكل الأنساق المعرفية والأدبية، وعلاقاتها بالذاكرة الجمعية، بهدف الوصول إلى كشف أشكال التستر أو الاختباء التي تمارسها كل التمثلات الأسطورية التي تخترق أو تترسب في فضاءات السيرورة الثقافية" . ومن هنا يصح أن نعتبر الأسطورة أم النصوص، فهي البدء، والعتبة، والشراع المفتوح على كل الأجناس الأدبية. ورغم أن وجود الأدب رهين بموت الأسطورة على مستوى الإنتاج، إلا أنها تظل تفرض ذاكرتها على ذريتها التي أوفت لها ما تستحقه من وفاء الأمومة. فالأسطورة مخيال اجتماعي لم يملك الناس طريقا لتصريفه غير طريقها، وفيها تتصادى الأفكار والتخيلات والمخاوف، ومن هذا المنظور يجب أن تُقرأ. إن الإنسان يقيس حياته بقدرته على إنتاج الأسطورة لا بمدى عمره لحظة الممات، وبذلك يكون الفعل التخييلي للأسطورة، سواء في إنتاجها من لدن إنسان/ جماعة مجهولة الهوية، أو في فعل إعادة الإنتاج المتحصل من استهلاك أحداث الأسطورة أو تأويلها، تمطيطا للزمن الجسدي ليصير زمنا هيوليا ممتدا إلى اللامنتهى، لذلك سيتم النظر إليها هنا بوصفها "إطارا فكريا يكشف للناقد الدلالات التي يحملها تكرار صيغ معينة في آداب الشعوب المختلفة عبر الزمن، تلك الصيغ التي تشكل في الأخير رموزا مترسبة في اللاوعي الإنساني" . الأسطورة والمنعطف الأجناسي ولعل ما يسَّرَ لأسطورة حمو نامير فعل التأثير في مختلف الأجيال استمدادها لأساليب الجمال من الأدب؛ إذ تحولت إلى نص أدبي طافح بمظاهر الأدبية، متوافر على قدر مهم من مفاتن الجمال القادرة على استدراج القارئ إلى مسرح "اللذة النصية" على حد تعبير رولان بارث. فالأسطورة بهذا المعنى "نص أدبي، وضع في أبهى حلة فنية ممكنة، وأقوى صيغة مؤثرة في النفوس، وهذا مما زاد في سيطرتها وتأثيرها" . لقد تحولت أسطورة حمو نامير إلى أدب، وإلى أدب شعبي تحديدا. وهي في ذلك تختلف عن الأساطير اليونانية التي لم يسمعها المتلقي من الشعب، بل سمعها من أدباء امتلكوا ناصية التعبير الأدبي مثل هيرودوت وهوميروس، فيما أن الأسطورة الأمازيغية ما زالت تُسمع من الشعب، ولم يستطع أي نص أن يهيمن على التقبل الأدبي لها. لقد عبّد هذا التحول طريق الاستيحاء الأدبي؛ لأن انعطافها جهة الأدب حوّل أنظار قرائها النموذجيين، المبدعين على وجه التحديد، إلى مظهر أدبيتها، إلى مبناها لا إلى متنها، إلى التعبير لا المحتوى، إلى الشكل لا المضمون، وإلى التلفظ الملفوظ لا الملفوظ الملفوظ، على أساس أن المبنى والتعبير والشكل والتلفظ الملفوظ تفيد كيفية تشكل المتن والمحتوى والمضمون والملفوظ الملفوظ. وبتعبير وجيز، صار تحول الأسطورة إلى أدب يطرح سؤال "كيف قالت؟" وليس "ماذا قالت؟". تصادي الأساطير وتضايفها يتفاعل المتن الأسطوري مع السياقات الثقافية والاجتماعية التي أُنتج فيها، ومع شبكة نصوص أخرى، مما يعني أننا إزاء تناص المتناص. وتجدر الإشارة إلى أن النسخة الوحيدة الموجودة من أسطورة حمو نامير هي تلك التي حدث فيها انعطاف وتحول من الطابع الأسطوري المحض الذي يحافظ على جميع تفاصيلها كما كانت في الزمن الغابر إلى الأسطورة ذات الطابع الأدبي الجمالي. ولعل هذا ما جعلها تتأثر كلّ مرة بالسياقات الجديدة التي قيلت فيها، في الأزمنة المختلفة، والأمكنة المتباينة، إذ يحملها الرواة عواطفهم وقناعاتهم وهمومهم. ومن مظاهر تناص أسطورة حمو نامير تفاعلها مع "ألف ليلة وليلة"؛ فقد ورد في الموسوعة الأمازيغية التي أعِدت بتوصية من اليونسكو إلى أن "ألف ليلة وليلة" قد أثّرت في أسطورة حمو نامير . وأشار الباحث محمد ابزيكا إلى أنها تشبه، في بعض تفاصيلها، حكاية النسر والغيلم التي وردت في ألف ليلة وليلة . كما أشار عبد الله بونفور إلى الفكرة ذاتها . ونعتقد أن التأثير، إن كان محتملا، فسيمَسُّ الصيغة المتقدمة من الحكاية التي تفاعلت مع الأوضاع الثقافية المتجددة نظرا للطابع الشفوي للثقافة الأمازيغية الذي يحول دون الحفاظ على صيغة ثابتة للحكاية. ويَعتبِر محمد ابزيكا أن أسطورة حمو نامير "شبيهة بأسطورة نركسيس اليونانية، والفرق يكمن في أسماء الأشخاص وحبكة بعض الأحداث، فنركسيس جميل مثل أحمد أونامير، اشتهته جميع فتيات مدينة (أثينا)، لكنه يعرض عنهن حتى تضجرت السماء من آهات المعجبات والمتمنيات، فأحبته إلهة [..] واكتشف ناركسيس جمال وجهه على صفحة بركة مائية فعشق ذاته ورمى بنفسه في البركة ومات ونبتت على رفاته زهرة النرجس" . ومن المتفاعلات النصية التي لاحظها الباحث محمد ابزيكا أيضا علاقة الأم بالابن، وفي ذلك يقول: "أما العلاقة بين الأم وابنها فقد تكررت في الأساطير والأديان كذلك إلى درجة أصبحت معها رموزا. فالإله تموز [..] هو ابن الآلهة عشتروت، وقد كان تموز في البداية ابنها ثم تحول إلى زوجها. وفي بعض الحضارات يتخلى الإله الذكر لابنه عن مركزه ودوره فيغدو الابن حبيب أمه" . وهذا ما عززه عبد الله بونفور، إذ حاول الربط بين أحداث الأسطورة، خصوصا منها ما يرتبط بعلاقة الأم بالابن، وأسطورة أوديب، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما تكمن أساسا في حب الأم، رغم اختلاف طبيعة هذا الحب، واختلاف اللغة والثقافة . ولا يقتصر تفاعل الأسطورة على التناص مع الأساطير المنتمية إلى ثقافة مختلفة، بل تتناص أيضا مع الحكايات الأمازيغية نفسها في شكل من أشكال التناص الداخلي؛ ومن الأمثلة الدالة على ذلك الحكاية القبائلية الموسومة بـ"محمد ابن الأمَة وإخوته الستة"، فهي تتفاعل معها من خلال تنافر الاتجاهات؛ وهذا ما يوضحه محمد أوسوس في النص الآتي: "تبدو هذه الحكاية كما لو أنها تعاكس اتجاه حكاية حمو نامير [..]، ففيها ينزل محمد ابن الأَمَة إلى الأرض السفلى ليلتحق بعجوز وحيدة تاركا زوجته الشابة، بينما أونامير يلتحق بالسماء السابعة ليلتحق بزوجته الشابة تانيرت تاركا أمه العجوز وحيدة على الأرض، فيما تتفقان في كيفية الالتحاق بالعالم المرغوب (الأرض بالنسبة لمحمد، السماء بالنسبة لأونامير)، بالركوب على متن النسر [..] وتزويده بشرائح من اللحم عند بلوغ كل طبقة، وسقوط الأخيرة منها، فيضطران لاقتطاعها من جسديهما (الساق بالنسبة لمحمد، والدراع بالنسبة لأونامير)، وتفطن النسر لطعمها غير العادي (المالح) فيهددهما بإسقاطهما لولا عطفه واعترافه بالفضل" . ولعل أهم المتفاعلات النصية على الإطلاق المتفاعل الديني الذي يحضر بمظاهره المختلفة؛ مثل الفقيه، وحفظ القرآن، والشفاعة في الآخرة، وغير ذلك. ورغم هذا الحضور الذي لا غبار عليه، حاول الباحث محمد جودات أن يقرأ الأسطورة قراءة سماها بـ"الإسلامية"، إذ يناقش التناص الديني من خلال ما أسماه بـ"أسلمة الأسطورة"، وهذه القراءة، في نظره، بديل عن القراءات الغربية التي تمثلها المتفاعلات المشار إليها سلفا. ومما أشار إليه أن نساء القرية في الأسطورة لهن علاقة تناصية بنساء القرية في سورة يوسف. كما أن حدث استعادة الأم لبصرها بواسطة نقطة الدم التي سقطت في عينيها يتناص مع ثوب يوسف الذي ألقِي على أبيه يعقوب فارتد بصيرا . وهذه القراءة جعلته يتوصل في آخر المطاف إلى حضور البعد الثقافي الإسلامي في الأسطورة . والحقيقة أن الأسطورة، ورغم توغلها في القدم، "تكيفت في أوجهها الحالية المتوفرة مع ما تشبع به المجتمع من أبعاد المرجعية الدينية الإسلامية" . لذلك يحتمل أن تتفاعل مع المستجدات الثقافية للإنسان الأمازيغي، خصوصا أن حكاية الأسطورة تتنوع في بعض تفاصيلها ليس تبعا لتعدد البلدان المغاربية فحسب، بل لتعدد مناطق البلد الواحد أيضا، وهذا يتيح المجال لاحتمال تغيّر بعض تفاصيل الحكاية وفق ما استَحدث في حياة الإنسان الأمازيغي من تجليات ثقافية جديدة، واستجابتها، تبعا لذلك، للمتغيرات الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع الذي أنتجها. وفي هذا السياق يقول فراس السواح إن الأسطورة "ظاهرة جمعية تعبر عن تأملات الجماعة وحكمتها وخلاصة ثقافتها، ولا يمنع هذا الطابع الجمعي أن يقوم الأفراد بإعادة صياغة الحكايات الأسطورية وفق صنعة أدبية تتماشى وروح عصرهم" . وقد وضح فراس السواح الكيفية التي يتدخل بها الإنسان في صياغة النصوص القديمة قائلا إن الأسطورة، باعتبارها فنا أدبيا وحكمة، يُنظر إليها "على أنها تراكم لنتاج الفكر الإنساني المبدع في مجال الأدب. فالأمثال الصغيرة التي يرويها حكيم القوم، سوف تروى مرات ومرات. ولن يقاوم الراوي رغبته الملحة والمشروعة في الإضافة إليها من عناصر جديدة نابعة من خياله الخاص ومن ظروف اجتماعية مستجدة، تحيط الراوي الجديد" . إن الأسطورة تعبير عن جوهر الإنسان، أي إنسان ، وقد توصل الأنثروبولوجي فريز إلى "وحدة العقل الإنساني عن طريق توظيف مجموعة ضخمة من الأساطير المتشابهة من بيئات مختلفة لدراسة الفكر الإنساني" . كما أن يونغ كان قد "اكتشف الرموز التي كررها الإنسان في كل زمان ومكان، وسماها بالنماذج الأصلية وتوصل عن طريقها إلى إثبات وحدة التراث الإنساني، ومن هنا سمى النقد الأسطوري باسم آخر هو النقد النموذجي الأصلي. والنماذج الأصلية (الجذور) عند يونغ هي قوى نفسية هاجعة في اللاوعي الإنساني الجماعي الذي يستمد مكوناته من الموروث الإنساني العام. ويذهب في التأكيد على أهمية الأسطورة إلى حد الادعاء بأن المجتمع الذي يفقد أساطيره يعاني كارثة أخلاقية تعادل فقدان الإنسان روحه. وقد عالج يونغ الفروقات العرقية التي تؤثر على صيغ الأساطير ومضامينها، وهي فروقات تتجلى في النفسيات الجماعية التي تندرج في الأخير تحت النفسانية الإنسانية، ويتدرج سلم هذه الفروقات تصاعديا كالتالي: عائلي، قبلي، قومي، عرقي، جماعي، إنساني. والفروقات المذكورة تخف تصاعديا وتثقل تنازليا. والاتجاه التصاعدي هو الذي اختاره فرويد قبل يونغ عندما اعتبر الأسطورة حلما جماعيا يحتاج إلى تأويل". وعموما فهذه الملاحظات لا تعني أسبقية هذه الأسطورة أو تلك على الأخرى، لأن ذلك سيؤدي إلى حديث معجز في الأصل والبداية، وهو حديث يؤدي إلى طريق مسدود، لأن الأساطير كلَّها على نفس مستوى القدم، ولا يمكن اعتبار ما تجدد في الأسطورة دليلا على حداثتها. إن كون الطريق مسدودا يعني في آخر الأمر أن النص الأصل ممتنع على التحديد، وأن أسطورة حمو نامير مُنجز إنساني لا يمنع من أن يتقارب مع منجز إنساني آخر بغض الطرف عن اختلاف الأمكنة؛ فإذا كان ممكنا الحديث عن تقاربات بين الأساطير، فليس من باب أسبقيتها أو تأثيرها الفعلي على بعضها؛ فطالما كانت النصوص اجترارا لبعضها البعض، ليس لأنها تجترها فعلا، بل لأن الإنسان يدور في فلك واحد من الاستيهامات والتخيلات. فبخصوص أسطورة حمو نامير "لا نستطيع أن نقر أن هذه الحكايات [يقصد مجموعة من الحكايات منها حكاية حمو نامير] رويت في الأصل كما وصلت إلينا الآن، بل لابد أن تكون قد تعرضت للتآكل والتعديل والبتر بسبب التداول المنتشر وأقدمية الاستعمال" . ولا يتوقف تفاعل الأسطورة عند حدود التأثر، فأسطورة حمو نامير تلقي بظلالها على كل الأجناس الأدبية الأمازيغية، من رواية، ومسرح، وشعر. فكما تم تحويلها إلى فيلم، تم تحويلها أيضا إلى أغنية، وإلى رواية. مما يدل على توافرها على قوة سرية أتاحت لها هذا التأثير الذي تم تصريفه في مختلف التعبيرات الفنية. لقد ألهمت الأسطورة الروائي عبد العزيز بوراس حتى أفرد لها رواية خاصة، سماها بـ"ءوميين ن حمو نامير" [حكاية حمو نامير] ، وفيها استثمر أحداث الأسطورة ومططها تمطيطا يستجيب للطول الذي يقتضيه الجنس الروائي. كما شمل تأثير الأسطورة الجنس المسرحي أيضا، خصوصا المسرحية التي تحمل اسم الأسطورة نفسه، أي "حمو ءونامير" التي كتبها الطيب بلوش ومحمد أفولاي. وتشير الباحثة نجاة نصري إلى أن الأسطورة اقتحمت أيضا الرواية الأمازيغية المكتوبة باللغة الفرنسية، ممثلة في نصوص محمد خير الدين، رواية "النباش" و"أسطورة وحياة أغنشيش"، و"الجسد السالب" على وجه الخصوص . كما أن الصافي مومن علي استوحاها في القصة الطويلة الموسومة بـ"تغري ن تبرات" [قراءة الرسالة] من خلال البطل الذي يحمل اسم "حمو"، ومن خلال الشوق إلى الأم الذي تجسد في حنين حمو إلى أمه في الأسطورة والقصة معا؛ فإذا كان حمو قد رأى أمه من خلال تلك الفرجة في السماء السابعة، فإن حمو في القصة قد رآها من خلال الحلم . وقد انتقل تأثير الأسطورة إلى النصوص المكتوبة باللغة العربية أيضا، ومن هذه النصوص ديوان "تانيرت" للشاعر إدريس الملياني، وفيها عمل على استحضار الموروث الثقافي الأمازيغي في صيغ شعرية. كما استطاعت الأسطورة أن تقتحم مجال الموسيقى أيضا؛ فقد حوّل المغني عمر واهروش حكاية الأسطورة إلى أبيات شعرية، غناها في حدود تسع وثلاثين دقيقة. ورغم أنه لم يتصرف في المادة الحكاية، ولم يقم بتحوير النص وفق غايات جديدة، بل اكتفى بعمل التحويل من النثر إلى الشعر، إلا أنه حمّلها كل معاني الأسى النابع من حياة الاستحالة التي طبعت حياة بطل الأسطورة حمو نامير. ولا شك أن النصوص السابقة هي غيض من فيض؛ لأن الاطلاع على كل النصوص الأمازيغية في بلدان شمال أفريقيا يفوق قدرة الباحث الواحد، آملين أن يدل المذكور على غير المذكور. نخلص مما تقدم إلى أن أسطورة "حمو نامير" تتفاعل تناصيا مع غيرها من الأساطير الغربية والمشرقية، وأنها أثرت في ما جاء بعدها من نصوص أدبية مثل الشعر والمسرح والرواية، وإبداعات فنية مثل السينما والغناء. وقد تبين أن تفاعلها التناصي مع غيرها من الأساطير ليس وليد تفاعل عيني وأصيل، بل هو نتيجة للتفاعلات الطبيعية بين رؤى الإنسان للوجود التي تتوارد بين الأذهان من زاوية الصدفة والعادة. - رولان بارط، درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993، ص.36. - جوليا كريسطيفا، علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997، ص.80. - نورثروب فراي، تشريح النقد،، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991، ص.120. - جوليا كريسطيفا، علم النص، ص.79. - جيرار جينيت، مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985، ص.90. - تزفيطان طودوروف، الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990، ص.76. - فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الناشر الأول بألمانيا (Suhrkamp Verlag)، ط. 1، 1998، الدار البيضاء، ص.11. - نورمان فاركلوف، تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009، ص.112. - مايكل ريفاتير، دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997، ص.229. - نفسه، ص.12. - ج.ب. براون و ج.يول، تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997، ص.91. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988، ص.19. - سعيد المولودي، "مقدمة نظرية لتاريخ الأدب الأمازيغي"، ضمن كتاب: "تاريخ الأدب الأمازيغي؛ مدخل نظري"، تنسيق محمد أقضاض، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2006، ص.81. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980، ص.205. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.20. - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994, P.2083. ينظر أيضا: جمال أبرنوص، تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016، ص.42، 43. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.223. - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996, P119 - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.218، 219. - نفسه، ص.219. - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, P119 ; 124. - محمد أوسوس، دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008، ص.172. - محمد جودات، الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015، ص.45. - نفسه، ص.44. - محمد المدلاوي المنبهي، رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012، ص.113. - فراس السواح، دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994، ص.58. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.13. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص..205 - نقلا عن: محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.205. - نفسه، ص.207. - نفسه، ص.213. - عبد العزيز بوراس، ءوميين ن حمو نامير، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، الرباط، 1991. - Najate Nerci, Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009 P.178. - KHADIJA MOUHSINE, La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014, P.101. - إدريس الملياني، تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. المراجع - أبرنوص، جمال: تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016. - إيزر، فولفغانغ: التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الدار البيضاء، ط. 1، 1998. - أوسوس، محمد: دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008. - بارط، رولان: درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993. - براون، ج.ب ويول، ج: تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997. - ابزيكا، محمد: الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980. - تزفيطان، طودوروف: الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990. - جودات، محمد: الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015. - جينيت، جيرار: مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985. - ريفاتير، مايكل: دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997. - السواح، فراس: مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988. - السواح، فراس: دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994. - فاركلوف، نورمان: تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009. - فراي، نورثروب: تشريح النقد، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991. - كريسطيفا، جوليا: علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997. - المدلاوي، محمد المنبهي: رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012. - الملياني، إدريس: تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. - Bounfour, Abdellah: HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996. - MOUHSINE, KHADIJA: La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014. - Nerci, Najate: Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009. - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994.'
مصدر HTML المعروض للمراجعة الجديدة (new_html)
'<div class="mw-parser-output"><p>أسطورة "حمو نامير" الأمازيغية بنية التصادي والتضايف مبارك أباعزي </p><p>من مسلمات النقد الأدبي الحديث أن النصوص جميعَها تُكرّر بعضها بعضا بصيغ وأشكال مختلفة؛ فهي استنساخ مستمر بعبارة رولان بارث ، وانعكاس لبعضها على بعض وانتقالات في سلم الكلام بعبارة مالارمي ، ومحاكاة حسب نورثروب فراي ، وامتصاص وهدم حسب جوليا كريستيفا ، وتعالي نصّي بعبارة جيرار جنيت ، وتحويل من خطاب إلى آخر ومن نص إلى آخر حسب تزفيتان تودوروف ، وعملية انتقاء للأنساق بتعبير فولفغانغ إيزر ، وتجديد للسياق حسب نورمان فاركلوف ، ولفٌّ لفظي حسب عبارة مايكل ريفاتير ، وغير ذلك من التحديدات المتقاربة. إن التناص إذن قدر أيّ نص، فهو حتمي ولا محيد عنه. ولما كان الأمر كذلك، يبدو من الصعوبة تقبّل النص وفهمه إلا في حال معرفة المتلقي بشبكة النصوص التي يضمرها. ومن النصوص التي تهمنا في سياقنا هذا الأساطير التي عد مايكل ريفاتير معرفتَها علامة على امتلاك الكفاءة الأدبية التي "تقوم على معرفة القارئ بالأنساق الوصفية وبالموضوعات وبأساطير مجتمعه، وبنصوص أخرى قبل كل شيء. وكلما وجدت ثغرات أو تكثيفات في النص- كالأوصاف الناقصة أو التلميحات أو الشواهد-، فإن هذه الكفاءة الأدبية هي وحدها التي ستُمَكِّن القارئ من الاستجابة كما ينبغي ومن استكمال الجزئيات الناقصة أو إضافتها" . </p> <pre>فالنص حامل لرموز ذات مرجعية أسطورية، لذلك يظل معناه مستغلقا حتى يتم تفعيل مضامين هذه الأسطورة أو تلك تبعا لما يستدعيه النص، ووفقا لما يسميه براون ويول بـ" ملامح السياق المستثارة"، أي المعارف الخلفية التي يستثيرها السياق اللفظي، فـ "انطلاقا من مضمون النص، يمكن للمحلل أن يحدد مبدئيا، ملامح السياق التي تنعكس صراحة على النص بوصفه السجل الشكلي الذي يتمثل فيه القول. سنسمي تلك الملامح من السياق التي تنعكس مباشرة على النص، والتي تحتاج إلى أن نعود إليها لتأويل النص، "ملامح السياق المستثارة"" . </pre> <p>وسنحاول في هذه الدراسة أن نقارب أسطورة "حمو نامير" من باب تفاعلها مع غيرها من الأساطير. دون أن يعني ذلك أننا نعتبر تأثيرها في غيرها أو تأثرها به مسلمة، بل إن معالجتنا تبتعد عن المستوى التكويني للأسطورة لتقف عند حدود التناص على مستوى القارئ؛ أي ترسبات الأساطير المغايرة التي تتحكم في تأويل القارئ وتفاعله مع النص قيد الدراسة. المتن الحكائي لأسطورة "حمو نامير" هناك، في مكان ما من الأرض، أرملة وحيدة، لا تملك أنيسا ولا قريبا سوى ابنها "حمو". لقد مات زوجها منذ زمن، وأصبح ابنها فأل المستقبل الآتي. لذلك حرصت على تنشئته وتربيته؛ فمنذ استطاع أن يستعمل رجليه في المشي، علمته كيف يسير في اتجاه المسجد، فهناك سيتعلم ما يسعفه في ضمان القوت، وهناك سيعرف ما يشفع له ولها ولأبيه في الآخرة. مضت سنوات وأصبح حمو شابا شديد الوسامة. وجهه وضّاء مثل السماء، ومثل القمر. كلما مر من طريق في اتجاهه إلى المسجد، تطل الفتيات من الفرجات ومن فوق السطوح لرؤيته، لعل إحداهن تظفر منه بنظرة فيقع في حبها. لكن ذلك لا يحدث أبدا، فتربيته التي شبّ عليها تمنعه من ذلك. ذات يوم، وهو يرفع اللوح أمام وجه الفقيه حتى يستظهر ما حفظ، لمح بقعة حناء مدورة على راحة يده، فغضب غضبا شديدا، ونهره قائلا: "هل أنت فتاة حتى تضع الحناء على يدك؟". اعتذر حمو، واستغرب كيف أنه لم يفطن إلى وجود الحناء في يده. وحين عاد، لام أمه على الأمر لوما شديدا على ما فعلته به. غير أن الأم بدأت بمعاقبته فورا على وضعه للحناء في يده. ظلت الهواجس تفعل فعلها به ما بقي من النهار إلى الليل؛ تساءل في نفسه: "إذا كانت أمي لم تخضب يدي بالحناء، فمن فعل؟". وحين حلّ موعد نومه غفى، لكن نومه كان متقطعا. وما أن فتح عينيه في الصباح المبكر حتى وجههما إلى يده؛ واستغرب من تجدد الحناء فيها، إذ ظهر وكأنه قد وُضع في الحين. وما كان لديه من حلّ سوى إخفاء يده عن الجميع. حين وصل الوقت المعلوم؛ وقت استظهار المحفوظ، لم يأبه الفقيه للّوح، بل قبض على يده مباشرة، وفك أصابعه المقبوضة، وما أن رأى الحناء حتى التقط عصاه الطويلة فانهال عليه بريح من السياط، ولم يتوقف إلا حين نال منه التعب. قال له وصدره يعلو وينخفض: "يوم غد، تعال من جديد واضعا الحناء في يدك كالفتاة، وسيحدث لك أقسى مما حدث". وتمر الأيام وحمو يظل يتلقى السياط، وطالما حاول أن يقنع الفقيه بأنّ لا دخل له في ما يحدث له دون جدوى. لكن الفقيه في اليوم السابع فكر: "ماذا لو...؟". في اليوم السابع، دخل حمو المسجد على وجل، مستعدا لتلقي العقاب كالعادة. لكن ملامح الفقيه ظهر منها ما لم يكن يظهر، فهي ملامح تميل إلى حب الاستكشاف لا إلى سادية التعذيب. ولما جلس أمامه لينال العقاب الأبدي، بادره الفقيه بالقول: "إن كان ما تقوله صحيحا، فعليك أن تفعل الآتي: ..". عاد حمو إلى منزله. في الليل، في الموعد المعتاد، توجه إلى غرفته، واستلقى على السرير، واضعا يده المخضبة داخل إناء، وتظاهر بالنوم، وانتظر ما سيحدث. قبل الفجر بوقت قصير، وكان قد غفى، أحس بيد تقبض على يده، وحاول جاهدا أن يغالب النوم، حتى عزم على الأمر، وقبض على اليد الآثمة التي سببت له كل ذلك العذاب المبين. ولما أنار الغرفة، وقد بذل من الجهد ما استطاع حتى لا تتملص منه تلك اليد، بقي ساهما، وقد ارتخت يده، والدهشة تكاد تغميه؛ فتاة شديدة الجمال لم ير قبلها أجمل منها، لا بين فتيات القرية ولا حتى في أحلامه. - من تكونين.. لا يمكن أن تكوني إلا ملاكا؟! أجابته بصوت ملائكي: - لقد أصَبت يا حمو.. أنا ملاك.. - ولم تضعين الحناء على يدي؟ - لأنني أحبك. غمرت السعادة قلب حمو، وطلب من "تانيرت" الزواج، ووافقت على الفور، لكنها اشترطت عليه شرطين؛ الأول أن يبني لها سبع غرف، كل واحدة تنفتح على الأخرى، وتفتح كلها بمفتاح واحد، والثاني ألا يعرف أحد، كان من كان، بزواجهما. وكان الحب قد بلغ بقلبه كل مبلغ، وقبل شرطيها دون تفكير. في أحد الأيام، أرادت تانيرت أن تتذوق طعم لحم الغزال، فاستيقظ حمو باكرا وذهب لاصطياد غزال. وفي ذلك اليوم، خرجت أمه للقاء نساء القرية من صديقاتها، فجعلنها تقتنع بأن تقتحم منزل حمو وتتعرف على زوجته التي ظل يخفيها عنها، فعادت على الفور، واقتحمت الغرفة تلوى الغرفة حتى وصلت إلى الغرفة السابعة، ورأت تانيرت وقد امتلأ وجهها بالفرحة معتقدة أنه حمو الذي عاد، لكنها ما أن رفعت رأسها إليه حتى رأت المرأة، أمَّ حمو. ولفرط ما أحست الأم بالغبن من حمو الذي تركها من أجل تانيرت، راحت تكيل لها وابلا من الشتائم، حتى انصرفت مزمجرة بكلام غير مفهوم. وظلت تانيرت على حالها، وبكت كثيرا حتى امتلأت الغرف السبع بدموعها. حين عاد حمو من الصيد، كانت في محيّاه فرحة لا تضاهى كعادته حين يتخيل ملامح الفرحة على وجه تانيرت. لكنه حين فتح الغرفة الأولى أحس بالماء تحت رجليه، وفكر أن تانيرت تقوم بغسل الغرف، وتوجس أمرا خطيرا؛ إذ كلما ولج غرفة يجد الماء يعلو شيئا فشيئا، وحين وصل الغرفة السابعة رأى وجه تانيرت بين السقف ودموعها التي ما زالت تنهمر من عينيها وتملأ الغرفة. قالت له مستنجدة: "أرجوك يا حمو.. أنقذني.. افتح نافذة السقف". وحالما فتحها تحولت تانيرت إلى حمامة، وحلقت بعيدا. مرت سنوات وحمو على حالة من الكمد والإحساس بالضيم. وذات يوم رآى نسرٌ ما آل إليه حاله من البؤس واليأس، فعرض عليه خدمته؛ أن يوصله إلى السماء السابعة حيث تانيرت، شرط أن يهبه قبل دخول كل سماء قطعة لحم وشربة دم من فرسه. ورغم شدة حبه لفرسه، إلا أن شوقه إلى تانيرت قد بلغ به كل مبلغ، وقبِل عرضَ النسر. وهكذا ظل حمو يعلو ويعلو فوق كل سماء، وقبل دخولهما في السماء السابعة انفلتت من يده قطعة اللحم وشربة الدم الأخيرتان، فاضطر إلى اقتطاعهما من جسده. وحين ذاقهما النسر أحس بطعمهما الآدميين، وفطن للخديعة، فتخلص من حمو وهوى من السماء. غير أن النسر تسرب إلى قلبه ذبيب الشفقة، فنزل والتقط حمو قبل أن يصل إلى السماء السادسة، فأخذه وولجا السماء السابعة، واستقبلته تانيرت بما يليق به من فرحة اللقاء بعد الفراق. جالت تانيرت بحمو في كل أصقاع السماء السابعة، وتعرف على كائناتها وأشيائها. وحين وصلا إلى صخرة مدورة، نبهته تانيرت إلى أن من حقه أن يفعل ما يشاء، وأن يلمس ما يريد، ما عدا تلك الصخرة، فيُمنع عليه منعا باتا أن يزحزحها من مكانها. مرت الأيام الطوال، وظل حمو على حاله من الابتهاج والفرحة، إلى اليوم الذي أحس فيه بالملل من تجواله الطويل، ولمح تلك الصخرة، وغلبه الفضول لما يختفي وراءها. فأقبل عليها وحركها قليلا، فبدت فرجة صغيرة، ما أن اقترب منها حتى رأى أمه، التي أصبحت عمياء من فرط بكائها عليه، تنتحب وبين يديها أضحية العيد وهي تقول: "يا ليتك هنا يا حمو.. ليتك هنا لتذبح الأضحية". بين الدمعة والأخرى، أدخل حمو رأسه من الفرجة، وخرج منها وهو يقول: "أنا آت يا أماه.. أنا آت". وبين كل سماء وأخرى، يتفتت جسد حمو شيئا فشيئا حتى تناثر في السماوات، ولم يصل منه إلى الأرض سوى قطرتيْ دم، سقطت الأولى على عنق الأضحية فذبحتها، وسقطت الثانية على عين الأم فأعادت إليها بصرها. الأسطورة أمّ النصوص إن الأسطورة، بوصفها "مغامرة العقل الأولى"، تمثل المنجز الإبداعي الأول الذي أنجزه الإنسان القديم. لذلك نجد أن العقل يطلق فيها العنان لتفكيره، فينزع نزوعا إلى الميتافزيقا، ويميل ميلا إلى الإغراب والتعجيب إلى درجة يمكن فيها التكهن بالبنيات الذهنية والتصورات التي تشغل الإنسان القديم؛ فلاشك أن الباحث سيخلص إلى أن الإنسان القديم مهووس بالماورائيات، وأنه كائن متوجس وخائف من قوى يحس أنها تفوقه وتتفوق عليه، ومنها الظواهر الفيزيائية الكونية مثل الريح، والبراكين، والزلازل، وغيرها من الظواهر التي لم يكن يملك لها، يومئذ، تفسيرا. لذلك تظهر في الأسطورة أسماء الآلهة التي صنعها الخيال الجامح، وجعل الإنسان القديم نفسه عابدا لها، وأضحى بذلك ممتلكا لتفسيرات لما يحدث حواليه، كأن يفسر حلول القحط وغياب الأمطار بغضب زيوس، أو موت الحبيبة بغضب إيروس، وقس على ذلك بخصوص دور الآلهات جمعيها. فالأسطورة "حكاية مقدسة، يلعب أدوارها الآلهة وأنصاف الآلهة، أحداثها ليست مصنوعة أو متخيلة، بل وقائع حصلت في الأزمنة الأولى المقدسة [..]. والأسطورة، حكاية مقدسة تقليدية. بمعنى أنها تنتقل من جيل إلى جيل، بالرواية الشفهية. مما يجعلها ذاكرة الجماعة، التي تحفظ قيمها وعاداتها وطقوسها وحكمتها، وتنقلها للأجيال المتعاقبة، وتكسبها القوة المسيطرة على النفوس. فهي الأداة الأقوى في التثقيف والتطبيع والأداة التي ترسخ من خلالها ثقافة ما وجودها واستمرارها عبر الأجيال وحتى في فترات شيوع الكتابة" . وقد نبه الباحث سعيد المولودي إلى أن الأسطورة، التي اعتبر لغتها "لغة عليا" على غرار جون كوهن وبول فاليري وأحمد محمد المعتوق، تضم "كثيرا من عناصر الخلق الفني، باقترابها أو تماسها أحيانا مع الشعر أو مع السحر، أو ما يتصل بهما، أو ما ينضوي تحت ظلال الطقس الديني. وتاريخ الأدب الأمازيغي قد يتلبس بتاريخ الأسطورة الذي قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه تلاشى أو اندثرت معالمه، والبحث أيضا في هذا المنحى أساسي، من حيث إنه محطة انطلاق لدراسة أشكال الوعي الحضاري الأمازيغي، وعلاقاتها بالتطور المحتمل لكل الأنساق المعرفية والأدبية، وعلاقاتها بالذاكرة الجمعية، بهدف الوصول إلى كشف أشكال التستر أو الاختباء التي تمارسها كل التمثلات الأسطورية التي تخترق أو تترسب في فضاءات السيرورة الثقافية" . ومن هنا يصح أن نعتبر الأسطورة أم النصوص، فهي البدء، والعتبة، والشراع المفتوح على كل الأجناس الأدبية. ورغم أن وجود الأدب رهين بموت الأسطورة على مستوى الإنتاج، إلا أنها تظل تفرض ذاكرتها على ذريتها التي أوفت لها ما تستحقه من وفاء الأمومة. فالأسطورة مخيال اجتماعي لم يملك الناس طريقا لتصريفه غير طريقها، وفيها تتصادى الأفكار والتخيلات والمخاوف، ومن هذا المنظور يجب أن تُقرأ. إن الإنسان يقيس حياته بقدرته على إنتاج الأسطورة لا بمدى عمره لحظة الممات، وبذلك يكون الفعل التخييلي للأسطورة، سواء في إنتاجها من لدن إنسان/ جماعة مجهولة الهوية، أو في فعل إعادة الإنتاج المتحصل من استهلاك أحداث الأسطورة أو تأويلها، تمطيطا للزمن الجسدي ليصير زمنا هيوليا ممتدا إلى اللامنتهى، لذلك سيتم النظر إليها هنا بوصفها "إطارا فكريا يكشف للناقد الدلالات التي يحملها تكرار صيغ معينة في آداب الشعوب المختلفة عبر الزمن، تلك الصيغ التي تشكل في الأخير رموزا مترسبة في اللاوعي الإنساني" . الأسطورة والمنعطف الأجناسي ولعل ما يسَّرَ لأسطورة حمو نامير فعل التأثير في مختلف الأجيال استمدادها لأساليب الجمال من الأدب؛ إذ تحولت إلى نص أدبي طافح بمظاهر الأدبية، متوافر على قدر مهم من مفاتن الجمال القادرة على استدراج القارئ إلى مسرح "اللذة النصية" على حد تعبير رولان بارث. فالأسطورة بهذا المعنى "نص أدبي، وضع في أبهى حلة فنية ممكنة، وأقوى صيغة مؤثرة في النفوس، وهذا مما زاد في سيطرتها وتأثيرها" . لقد تحولت أسطورة حمو نامير إلى أدب، وإلى أدب شعبي تحديدا. وهي في ذلك تختلف عن الأساطير اليونانية التي لم يسمعها المتلقي من الشعب، بل سمعها من أدباء امتلكوا ناصية التعبير الأدبي مثل هيرودوت وهوميروس، فيما أن الأسطورة الأمازيغية ما زالت تُسمع من الشعب، ولم يستطع أي نص أن يهيمن على التقبل الأدبي لها. لقد عبّد هذا التحول طريق الاستيحاء الأدبي؛ لأن انعطافها جهة الأدب حوّل أنظار قرائها النموذجيين، المبدعين على وجه التحديد، إلى مظهر أدبيتها، إلى مبناها لا إلى متنها، إلى التعبير لا المحتوى، إلى الشكل لا المضمون، وإلى التلفظ الملفوظ لا الملفوظ الملفوظ، على أساس أن المبنى والتعبير والشكل والتلفظ الملفوظ تفيد كيفية تشكل المتن والمحتوى والمضمون والملفوظ الملفوظ. وبتعبير وجيز، صار تحول الأسطورة إلى أدب يطرح سؤال "كيف قالت؟" وليس "ماذا قالت؟". تصادي الأساطير وتضايفها يتفاعل المتن الأسطوري مع السياقات الثقافية والاجتماعية التي أُنتج فيها، ومع شبكة نصوص أخرى، مما يعني أننا إزاء تناص المتناص. وتجدر الإشارة إلى أن النسخة الوحيدة الموجودة من أسطورة حمو نامير هي تلك التي حدث فيها انعطاف وتحول من الطابع الأسطوري المحض الذي يحافظ على جميع تفاصيلها كما كانت في الزمن الغابر إلى الأسطورة ذات الطابع الأدبي الجمالي. ولعل هذا ما جعلها تتأثر كلّ مرة بالسياقات الجديدة التي قيلت فيها، في الأزمنة المختلفة، والأمكنة المتباينة، إذ يحملها الرواة عواطفهم وقناعاتهم وهمومهم. ومن مظاهر تناص أسطورة حمو نامير تفاعلها مع "ألف ليلة وليلة"؛ فقد ورد في الموسوعة الأمازيغية التي أعِدت بتوصية من اليونسكو إلى أن "ألف ليلة وليلة" قد أثّرت في أسطورة حمو نامير . وأشار الباحث محمد ابزيكا إلى أنها تشبه، في بعض تفاصيلها، حكاية النسر والغيلم التي وردت في ألف ليلة وليلة . كما أشار عبد الله بونفور إلى الفكرة ذاتها . ونعتقد أن التأثير، إن كان محتملا، فسيمَسُّ الصيغة المتقدمة من الحكاية التي تفاعلت مع الأوضاع الثقافية المتجددة نظرا للطابع الشفوي للثقافة الأمازيغية الذي يحول دون الحفاظ على صيغة ثابتة للحكاية. </p> <pre>ويَعتبِر محمد ابزيكا أن أسطورة حمو نامير "شبيهة بأسطورة نركسيس اليونانية، والفرق يكمن في أسماء الأشخاص وحبكة بعض الأحداث، فنركسيس جميل مثل أحمد أونامير، اشتهته جميع فتيات مدينة (أثينا)، لكنه يعرض عنهن حتى تضجرت السماء من آهات المعجبات والمتمنيات، فأحبته إلهة [..] واكتشف ناركسيس جمال وجهه على صفحة بركة مائية فعشق ذاته ورمى بنفسه في البركة ومات ونبتت على رفاته زهرة النرجس" . </pre> <p>ومن المتفاعلات النصية التي لاحظها الباحث محمد ابزيكا أيضا علاقة الأم بالابن، وفي ذلك يقول: "أما العلاقة بين الأم وابنها فقد تكررت في الأساطير والأديان كذلك إلى درجة أصبحت معها رموزا. فالإله تموز [..] هو ابن الآلهة عشتروت، وقد كان تموز في البداية ابنها ثم تحول إلى زوجها. وفي بعض الحضارات يتخلى الإله الذكر لابنه عن مركزه ودوره فيغدو الابن حبيب أمه" . وهذا ما عززه عبد الله بونفور، إذ حاول الربط بين أحداث الأسطورة، خصوصا منها ما يرتبط بعلاقة الأم بالابن، وأسطورة أوديب، مشيرا إلى أن العلاقة بينهما تكمن أساسا في حب الأم، رغم اختلاف طبيعة هذا الحب، واختلاف اللغة والثقافة . ولا يقتصر تفاعل الأسطورة على التناص مع الأساطير المنتمية إلى ثقافة مختلفة، بل تتناص أيضا مع الحكايات الأمازيغية نفسها في شكل من أشكال التناص الداخلي؛ ومن الأمثلة الدالة على ذلك الحكاية القبائلية الموسومة بـ"محمد ابن الأمَة وإخوته الستة"، فهي تتفاعل معها من خلال تنافر الاتجاهات؛ وهذا ما يوضحه محمد أوسوس في النص الآتي: "تبدو هذه الحكاية كما لو أنها تعاكس اتجاه حكاية حمو نامير [..]، ففيها ينزل محمد ابن الأَمَة إلى الأرض السفلى ليلتحق بعجوز وحيدة تاركا زوجته الشابة، بينما أونامير يلتحق بالسماء السابعة ليلتحق بزوجته الشابة تانيرت تاركا أمه العجوز وحيدة على الأرض، فيما تتفقان في كيفية الالتحاق بالعالم المرغوب (الأرض بالنسبة لمحمد، السماء بالنسبة لأونامير)، بالركوب على متن النسر [..] وتزويده بشرائح من اللحم عند بلوغ كل طبقة، وسقوط الأخيرة منها، فيضطران لاقتطاعها من جسديهما (الساق بالنسبة لمحمد، والدراع بالنسبة لأونامير)، وتفطن النسر لطعمها غير العادي (المالح) فيهددهما بإسقاطهما لولا عطفه واعترافه بالفضل" . ولعل أهم المتفاعلات النصية على الإطلاق المتفاعل الديني الذي يحضر بمظاهره المختلفة؛ مثل الفقيه، وحفظ القرآن، والشفاعة في الآخرة، وغير ذلك. ورغم هذا الحضور الذي لا غبار عليه، حاول الباحث محمد جودات أن يقرأ الأسطورة قراءة سماها بـ"الإسلامية"، إذ يناقش التناص الديني من خلال ما أسماه بـ"أسلمة الأسطورة"، وهذه القراءة، في نظره، بديل عن القراءات الغربية التي تمثلها المتفاعلات المشار إليها سلفا. ومما أشار إليه أن نساء القرية في الأسطورة لهن علاقة تناصية بنساء القرية في سورة يوسف. كما أن حدث استعادة الأم لبصرها بواسطة نقطة الدم التي سقطت في عينيها يتناص مع ثوب يوسف الذي ألقِي على أبيه يعقوب فارتد بصيرا . وهذه القراءة جعلته يتوصل في آخر المطاف إلى حضور البعد الثقافي الإسلامي في الأسطورة . والحقيقة أن الأسطورة، ورغم توغلها في القدم، "تكيفت في أوجهها الحالية المتوفرة مع ما تشبع به المجتمع من أبعاد المرجعية الدينية الإسلامية" . لذلك يحتمل أن تتفاعل مع المستجدات الثقافية للإنسان الأمازيغي، خصوصا أن حكاية الأسطورة تتنوع في بعض تفاصيلها ليس تبعا لتعدد البلدان المغاربية فحسب، بل لتعدد مناطق البلد الواحد أيضا، وهذا يتيح المجال لاحتمال تغيّر بعض تفاصيل الحكاية وفق ما استَحدث في حياة الإنسان الأمازيغي من تجليات ثقافية جديدة، واستجابتها، تبعا لذلك، للمتغيرات الثقافية والاجتماعية والدينية للمجتمع الذي أنتجها. وفي هذا السياق يقول فراس السواح إن الأسطورة "ظاهرة جمعية تعبر عن تأملات الجماعة وحكمتها وخلاصة ثقافتها، ولا يمنع هذا الطابع الجمعي أن يقوم الأفراد بإعادة صياغة الحكايات الأسطورية وفق صنعة أدبية تتماشى وروح عصرهم" . وقد وضح فراس السواح الكيفية التي يتدخل بها الإنسان في صياغة النصوص القديمة قائلا إن الأسطورة، باعتبارها فنا أدبيا وحكمة، يُنظر إليها "على أنها تراكم لنتاج الفكر الإنساني المبدع في مجال الأدب. فالأمثال الصغيرة التي يرويها حكيم القوم، سوف تروى مرات ومرات. ولن يقاوم الراوي رغبته الملحة والمشروعة في الإضافة إليها من عناصر جديدة نابعة من خياله الخاص ومن ظروف اجتماعية مستجدة، تحيط الراوي الجديد" . إن الأسطورة تعبير عن جوهر الإنسان، أي إنسان ، وقد توصل الأنثروبولوجي فريز إلى "وحدة العقل الإنساني عن طريق توظيف مجموعة ضخمة من الأساطير المتشابهة من بيئات مختلفة لدراسة الفكر الإنساني" . كما أن يونغ كان قد "اكتشف الرموز التي كررها الإنسان في كل زمان ومكان، وسماها بالنماذج الأصلية وتوصل عن طريقها إلى إثبات وحدة التراث الإنساني، ومن هنا سمى النقد الأسطوري باسم آخر هو النقد النموذجي الأصلي. والنماذج الأصلية (الجذور) عند يونغ هي قوى نفسية هاجعة في اللاوعي الإنساني الجماعي الذي يستمد مكوناته من الموروث الإنساني العام. ويذهب في التأكيد على أهمية الأسطورة إلى حد الادعاء بأن المجتمع الذي يفقد أساطيره يعاني كارثة أخلاقية تعادل فقدان الإنسان روحه. وقد عالج يونغ الفروقات العرقية التي تؤثر على صيغ الأساطير ومضامينها، وهي فروقات تتجلى في النفسيات الجماعية التي تندرج في الأخير تحت النفسانية الإنسانية، ويتدرج سلم هذه الفروقات تصاعديا كالتالي: عائلي، قبلي، قومي، عرقي، جماعي، إنساني. والفروقات المذكورة تخف تصاعديا وتثقل تنازليا. والاتجاه التصاعدي هو الذي اختاره فرويد قبل يونغ عندما اعتبر الأسطورة حلما جماعيا يحتاج إلى تأويل". وعموما فهذه الملاحظات لا تعني أسبقية هذه الأسطورة أو تلك على الأخرى، لأن ذلك سيؤدي إلى حديث معجز في الأصل والبداية، وهو حديث يؤدي إلى طريق مسدود، لأن الأساطير كلَّها على نفس مستوى القدم، ولا يمكن اعتبار ما تجدد في الأسطورة دليلا على حداثتها. إن كون الطريق مسدودا يعني في آخر الأمر أن النص الأصل ممتنع على التحديد، وأن أسطورة حمو نامير مُنجز إنساني لا يمنع من أن يتقارب مع منجز إنساني آخر بغض الطرف عن اختلاف الأمكنة؛ فإذا كان ممكنا الحديث عن تقاربات بين الأساطير، فليس من باب أسبقيتها أو تأثيرها الفعلي على بعضها؛ فطالما كانت النصوص اجترارا لبعضها البعض، ليس لأنها تجترها فعلا، بل لأن الإنسان يدور في فلك واحد من الاستيهامات والتخيلات. فبخصوص أسطورة حمو نامير "لا نستطيع أن نقر أن هذه الحكايات [يقصد مجموعة من الحكايات منها حكاية حمو نامير] رويت في الأصل كما وصلت إلينا الآن، بل لابد أن تكون قد تعرضت للتآكل والتعديل والبتر بسبب التداول المنتشر وأقدمية الاستعمال" . ولا يتوقف تفاعل الأسطورة عند حدود التأثر، فأسطورة حمو نامير تلقي بظلالها على كل الأجناس الأدبية الأمازيغية، من رواية، ومسرح، وشعر. فكما تم تحويلها إلى فيلم، تم تحويلها أيضا إلى أغنية، وإلى رواية. مما يدل على توافرها على قوة سرية أتاحت لها هذا التأثير الذي تم تصريفه في مختلف التعبيرات الفنية. لقد ألهمت الأسطورة الروائي عبد العزيز بوراس حتى أفرد لها رواية خاصة، سماها بـ"ءوميين ن حمو نامير" [حكاية حمو نامير] ، وفيها استثمر أحداث الأسطورة ومططها تمطيطا يستجيب للطول الذي يقتضيه الجنس الروائي. كما شمل تأثير الأسطورة الجنس المسرحي أيضا، خصوصا المسرحية التي تحمل اسم الأسطورة نفسه، أي "حمو ءونامير" التي كتبها الطيب بلوش ومحمد أفولاي. وتشير الباحثة نجاة نصري إلى أن الأسطورة اقتحمت أيضا الرواية الأمازيغية المكتوبة باللغة الفرنسية، ممثلة في نصوص محمد خير الدين، رواية "النباش" و"أسطورة وحياة أغنشيش"، و"الجسد السالب" على وجه الخصوص . كما أن الصافي مومن علي استوحاها في القصة الطويلة الموسومة بـ"تغري ن تبرات" [قراءة الرسالة] من خلال البطل الذي يحمل اسم "حمو"، ومن خلال الشوق إلى الأم الذي تجسد في حنين حمو إلى أمه في الأسطورة والقصة معا؛ فإذا كان حمو قد رأى أمه من خلال تلك الفرجة في السماء السابعة، فإن حمو في القصة قد رآها من خلال الحلم . وقد انتقل تأثير الأسطورة إلى النصوص المكتوبة باللغة العربية أيضا، ومن هذه النصوص ديوان "تانيرت" للشاعر إدريس الملياني، وفيها عمل على استحضار الموروث الثقافي الأمازيغي في صيغ شعرية. كما استطاعت الأسطورة أن تقتحم مجال الموسيقى أيضا؛ فقد حوّل المغني عمر واهروش حكاية الأسطورة إلى أبيات شعرية، غناها في حدود تسع وثلاثين دقيقة. ورغم أنه لم يتصرف في المادة الحكاية، ولم يقم بتحوير النص وفق غايات جديدة، بل اكتفى بعمل التحويل من النثر إلى الشعر، إلا أنه حمّلها كل معاني الأسى النابع من حياة الاستحالة التي طبعت حياة بطل الأسطورة حمو نامير. ولا شك أن النصوص السابقة هي غيض من فيض؛ لأن الاطلاع على كل النصوص الأمازيغية في بلدان شمال أفريقيا يفوق قدرة الباحث الواحد، آملين أن يدل المذكور على غير المذكور. نخلص مما تقدم إلى أن أسطورة "حمو نامير" تتفاعل تناصيا مع غيرها من الأساطير الغربية والمشرقية، وأنها أثرت في ما جاء بعدها من نصوص أدبية مثل الشعر والمسرح والرواية، وإبداعات فنية مثل السينما والغناء. وقد تبين أن تفاعلها التناصي مع غيرها من الأساطير ليس وليد تفاعل عيني وأصيل، بل هو نتيجة للتفاعلات الطبيعية بين رؤى الإنسان للوجود التي تتوارد بين الأذهان من زاوية الصدفة والعادة. </p><p><br /> </p><p><br /> </p> <pre> - رولان بارط، درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993، ص.36. - جوليا كريسطيفا، علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997، ص.80. - نورثروب فراي، تشريح النقد،، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991، ص.120. - جوليا كريسطيفا، علم النص، ص.79. - جيرار جينيت، مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985، ص.90. - تزفيطان طودوروف، الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990، ص.76. - فولفغانغ إيزر، التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الناشر الأول بألمانيا (Suhrkamp Verlag)، ط. 1، 1998، الدار البيضاء، ص.11. - نورمان فاركلوف، تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009، ص.112. - مايكل ريفاتير، دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997، ص.229. - نفسه، ص.12. - ج.ب. براون و ج.يول، تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997، ص.91. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988، ص.19. - سعيد المولودي، "مقدمة نظرية لتاريخ الأدب الأمازيغي"، ضمن كتاب: "تاريخ الأدب الأمازيغي؛ مدخل نظري"، تنسيق محمد أقضاض، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2006، ص.81. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980، ص.205. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.20. - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994, P.2083. </pre> <p>ينظر أيضا: جمال أبرنوص، تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016، ص.42، 43. </p> <pre> - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.223. - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996, P119 - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.218، 219. - نفسه، ص.219. - Abdellah Bounfour, HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, P119&#160;; 124. - محمد أوسوس، دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008، ص.172. - محمد جودات، الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015، ص.45. - نفسه، ص.44. - محمد المدلاوي المنبهي، رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012، ص.113. - فراس السواح، دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994، ص.58. - فراس السواح، مغامرة العقل الأولى، ص.13. - محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص..205 - نقلا عن: محمد ابزيكا، الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، ص.205. - نفسه، ص.207. - نفسه، ص.213. - عبد العزيز بوراس، ءوميين ن حمو نامير، منشورات الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، الرباط، 1991. - Najate Nerci, Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009 P.178. - KHADIJA MOUHSINE, La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014, P.101. - إدريس الملياني، تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. </pre> <p>المراجع - أبرنوص، جمال: تيبولوجية الشعر الأمازيغي التقليدي، مكتبة سلمى الثقافية، تطوان، ط.2، 2016. - إيزر، فولفغانغ: التخييلي والخيالي، تر.حميد لحمداني، الجلالي الكدية، الدار البيضاء، ط. 1، 1998. - أوسوس، محمد: دراسات في الفكر الميثي الأمازيغي، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، د.ط، 2008. - بارط، رولان: درس السيميولوجيا، تر.عبد السلام بنعبد العالي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.3، 1993. - براون، ج.ب ويول، ج: تحليل الخطاب، تر.محمد لطفي الزليطني ومنير التريكي، النشر العلمي والمطابع- جامعة الملك سعود، الرياض، د.ط، 1997. - ابزيكا، محمد: الوجه والقناع في ثقافتنا الشعبية، منشورات جمعية الجامعة الصيفية، أكادير، 1980. - تزفيطان، طودوروف: الشعرية، تر.شكري المبخوث ورجاء سلامة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1990. - جودات، محمد: الواقعي والأسطوري في الثقافة الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، البحرين، الثقافة الشعبية للدراسات والبحوث والنشر، ع.31، 2015. - جينيت، جيرار: مدخل إلى جامع النص، تر.عبد الرحمان أيوب، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.1، 1985. - ريفاتير، مايكل: دلائليات الشعر، تر. محمد معتصم، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط.1، 1997. - السواح، فراس: مغامرة العقل الأولى، دار الكلمة، بيروت، ط.11، 1988. - السواح، فراس: دين الإنسان؛ بحث في ماهية الدين ونشأ الدافع الديني، دار علاء الدين، دمشق، ط.1، 1994. - فاركلوف، نورمان: تحليل الخطاب؛ التحليل النصي في البحث الاجتماعي، تر.طلال وهبة، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط.1، 2009. - فراي، نورثروب: تشريح النقد، تر. محمد عصفور، منشورات الجامعة الأردنية، عمان، د. ط، 1991. - كريسطيفا، جوليا: علم النص، تر.فريد الزاهي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط.2، 1997. - المدلاوي، محمد المنبهي: رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون، جامعة محمد الخامس، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، الرباط، د.ط، 2012. - الملياني، إدريس: تانيرت، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، ط.1، 2005. </p><p>- Bounfour, Abdellah: HEMMU U NAMIR OU L’OEDIPE BERBERE, Etudes et Documents Berberes, 14, 1996. - MOUHSINE, KHADIJA: La littérature berbère (amazighe) écrite aujourd’hui, IN: LANGUES ET LITTÉRATURE BERBÈRES, Photocity Edisioni, Napoli, 2014. - Nerci, Najate: Le mythe d’Ounamir, Asinag, IRCAM, 3, 2009. - ENCYCLOPEDIE BERBÈRE, XIV, ÉDISUD, France, 1994. </p> '
ما إذا كان التعديل قد تم عمله من خلال عقدة خروج تور (tor_exit_node)
false
طابع زمن التغيير ليونكس (timestamp)
1633878904