الهشاشة المالية هي قابلية النظام المالي للسقوط في الأزمات المالية. يُعرف فرانكلين ألين ودوغلاس غيل الهشاشة المالية بأنها الدرجة التي «يكون للصدمات الصغيرة تأثيرات كبيرة بشكل غير متناسب عندها». كتب كل من روغر لاغونوف وستايسي شريفت: «في الاقتصاد الكلي، يُستخدم مصطلح (الهشاشة المالية) للإشارة إلى قابلية النظام المالي للدخول في أزمات مالية واسعة النطاق نتيجة صدمات اقتصادية صغيرة وروتينية».[1][2][3]

مصادر الهشاشة المالية عدل

لماذا يعاني النظام المالي من الهشاشة في المقام الأول؟ لماذا تختار المصارف استخدام هيكل رأس المال الذي يجعلها عرضة للأزمات المالية؟ هناك وجهتي نظر حول الهشاشة المالية واللتان تتفقان مع وجهتي النظر حول أصول الأزمات المالية. طبقًا للتوازن الأساسي/ الجوهري أو وجهة نظر دورة الأعمال، تنشأ الأزمات المالية من ضعف أساسيات الاقتصاد، ما يجعله أكثر عرضة للسقوط خلال وقت الضغط مثل أوقات الركود. وطبقًا لتحقيق الذات أو وجهة نظر توازن البقع الشمسية، قد يكون مُعرضًا دومًا للدخول في الأزمات المالية التي نتجت بدايتها عن بعض الوقائع الخارجية العشوائية، أو ببساطة نتيجة عقلية القطيع.[4]

وجه نظر البقع الشمسية عدل

دايموند- ديبفغ عدل

في نموذج دايموند وديبفغ القياسي، إن الأنظمة المالية عرضة للأزمات المالية في شكل السحب غير الاعتيادي للودائع نتيجة الطبيعة المصرفية. تعمل المصارف كوسيط مالي بين المودعين والمقترضين. يحتاج المودعون إلى الوصول الفوري لودائعهم، بينما لا يستطيع المقترضون تسديد ديونهم عند الطلب. يخلق ذلك هشاشة جوهرية فلا يمكن إسالة أصول المصرف في حال الأزمة للدفع لجميع المودعين. ويجعل ذلك الضغط النظام الاقتصادي عرضة للتغيرات المفاجئة في طلب المال بواسطة المودعين، ما ينتج عنه سحب غير اعتيادي للودائع.[5]

دايموند- رغان عدل

جادل الاقتصاديان دوغلاس دايموند وراغورام راغان بأن تبني المصارف بنيةً هشة عن قصد كوسيلة التزام. بموجب هذا الرأي، لا يود المودعون عادة أن يثقوا في المصارف لأنهم يخشون أن يحاول البنك تجنب السداد، أو محاولة السداد بقيمة أقل عندما يرغبون في سحب أموالهم. قد يحاول البنك فعل ذلك، ومع هذا، إن لم يكن لديه أصول سائلة كافية لتغطية جميع مستحقات المودعين، فإن رفض دفع المبلغ المحدد لأي مودع سيحث الآخرين لتجربة سحب أموالهم أيضًا، ويوقف جميع القروض المقدمة للمصرف فعليًا.. تخضع المصارف بكامل إراداتها لمخاطر السحب غير الاعتيادي للودائع، لذلك يثق المودعون في إقراضها، لأنهم يدركون أن المصرف لن يكون قادرًا على الفرار بأموالهم.[6]

لاغونوف- شريفت عدل

جادل الاقتصاديان روغر لاغونوف وستايسي شريفت بأن الهشاشة المالية تنشأ عن مَحافظ المستثمرين المترابطة. إذا كان لدى المستثمرين محافظ مترابطة فإن سحب أحد المستثمرين أمواله، سيُفشل الاستثمار، ويخسر المستثمر الآخر أيضًا، وأي حدث يؤدي إلى تغيير المستثمرين لمحافظهم قد يتسبب في خسائر للآخرين. إذا كانت هذه الخسائر كبيرة بما يكفي لتحفيز المزيد من التغييرات في المحفظة في ما بعد، فإن التغيير الطفيف قد يؤدي إلى سلسلة من الخسائر.[7]

وجه النظر الأساسية عدل

روبرت فان أوردر عدل

تباحث الاقتصادي روبرت فان أوردر في عام 2006 حول أن التغيرات الصغيرة في الأساسيات الاقتصادية يمكن أن تحث على تغييرات كبيرة في أسعار الأصول والهيكل المالي، نتيجة لمشكلة تفاوت المعلومات في الأسواق المالية. وفقًا لفان أوردر، يمكن للمقرضين اختيار منح قروض للمقترضين مباشرة من خلال الأسواق المالية مثل البورصة، أو التعامل من خلال وسيط مالي مثل المصرف. تكون المصارف أكثر قدرة على التحقق من جودة المقترضين، ولكنها تحصّل رسومًا مقابل خدماتها على شكل عائدات أقل للمودعين ثم عائدات كاملة على الاستثمارات. تسمح الأسواق المالية للمقرضين التحايل على المصارف وتجنب رسومها، ولكنهم يفتقدون قدرة المصارف على التحقق من جودة المقترضين. طبقًا لفان أوردر، يتسبب التغيير البسيط في الأساسيات الاقتصادية والذي يجعل المقترضين أكثر قلقًا حول الأسواق المالية في نقل بعض المقترضين لمدخراتهم من الأسواق المالية إلى المصارف. سيرفع ذلك التغيير تكاليف الاقتراض في الأسواق المالية، والذي يمكن أن يحث المقترضين ذوي الجودة المرتفعة لتجربة تحصيل القروض من المصارف بدلًا من الأسواق المالية. يمكن أن يتسبب ذلك في كرة الثلج إذ يتوقف جميع المقترضين الجيدين عن أخذ قروض من الأسواق المالية، وحث المقرضين على الاستمرار في فرض رسوم أعلى على الذين يستمرون في حث المزيد من المقترضين على التغيير. تُسمى هذه العملية التغيير السالب اللولبي، ويمكن أن تؤدي إلى انهيار الأسواق المالية. ربما يحدث التأثير المضاد أيضًا، مؤديًا إلى تغيير واسع النطاق لهيكل رأس المال في الاتجاه الآخر.[8]

ألين- غالي عدل

شرح فرانكلين ألين ودوغلاس غالي الهشاشة المالية على أنها التأثيرات الكبيرة من الصدمات الصغيرة. وكوّنا هذه الفكرة بالنظر إلى حالة الاقتصاد عندما يقترب حجم الصدمات المالية من الصفر. وأظهرا أنه سيكون هناك تقلبات كبيرة ناشئة عن هذه الصدمات المالية الصغيرة جدًا حتى في ذلك الاقتصاد. في رأيهم، المصارف هي مؤسسات مقاسمة المخاطر إذ تعمل الودائع على تأمين المودعين ضد عدم الحصول على الأموال. حتى الصدمات الصغيرة جدًا قد تؤدي إلى تغييرات في الأسعار المعززة ذاتيًا.[3]

كفالة الإنقاذ المالية عدل

قد يكون توقع المصارف بتوفير الحكومة لكفالة إنقاذ مالية في حالة حدوث الأزمات المالية سببًا آخر لتبني المصارف لهيكل مالي هش. هذا مثال على الخطر الأخلاقي، منذ دخول المصرف في سلوك خطر نتيجة لاعتقاده أنه يمتلك تأمينًا ضد مخاطر التأمين السلبي. إذا كان من المُرجح تدخل الحكومة وتقليل الخسائر التي يتعرض لها المصرف، فسيكون لدى المصرفيين حافز لاتخاذ المزيد من المخاطر، وزيادة الهشاشة المالية للنظام المصرفي. بشكل عام، كفالة الإنقاذ المالية هي الاستجابة المثلى لصانعي السياسات بمجرد حدوث الأزمة، وذلك لأن كفالة الإنقاذ المالية ستقلل التأثيرات السلبية للأزمة على الاقتصاد. قبل حدوث الأزمة، سيميل صانعي السياسات لإقناع المصارف بعدم تقديم كفالة لهم في حال حدوث الأزمة، إذًا لن تتبنى المصارف هيكل رأس مال هش. بالرغم من ذلك، في حال أعلن صانعو السياسات أنهم لن يقدموا كفالة للمصارف عند حدوث الأزمة، فلن يصدقهم المصرفيون بسبب توقعاتهم العقلانية أن صانعي السياسات سيدفعون كفالة لهم عند حدوث الأزمة. صرح صانعو السياسات أن سياسة عدم وجود كفالات إنقاذ المالية في حال حدوث الأزمة ليست ذات مصداقية، بالتالي ستتحمل المصارف المخاطر الإضافية عند غياب وسيلة التزام.

من ناحية أخرى، جادل بعض الاقتصاديين بأن وجود كفالات إنقاذ مالية ستجبر المصارف على تحمل مخاطر أكثر مما تريد. في عام 2007، نُقل عن تشارلز برنس المدير التنفيذي لسيتي جروب قوله: «طالما أن الموسيقى تعزف، عليك النهوض والرقص». بشكل أكثر رسمية، جادل الاقتصاديان إيمانويل فرحي وغان تيرول بأن استجابة السياسة للأزمة تعطي فوائد أكثر للمصارف التي اتخذت المزيد من النفوذ. ونظرًا لهذا، تمتلك المصارف حافزًا لتقليد المصارف الأخرى، وبالتالي تصل إلى خسائرها الأسوأ عندما يفعل كل شخص آخر ذلك، ومن ثم الاستفادة القصوى من كفالة الإنقاذ المالية والسياسات الأخرى. هذا يقود المصارف إلى تبني هيكل رأس مال هش بشكل خاص، لذلك ستسقط جميعها معًا.

العلاقة بأنظمة أسعار الصرف عدل

تُعتبر العلاقة بأنظمة أسعار الصرف جانبًا مهمًا من الهشاشة المالية للنظام العالمي. يصف باري إيشينغرين وريكاردو هاوسمان ثلاثة آراء حول العلاقة بين أنظمة أسعار الصرف والهشاشة المالية. يتعلق أول رأي بالمخاطر الاعتبارية الناتجة عن اعتقاد المشاركين في السوق أن الحكومة ستوفر كفالات إنقاذ مالية في حالة الأزمة. يُعد سعر الصرف الثابت شكلًا للضمان غير الصريح، ويقود المشتركين في السوق إلى توقع تلك الكفالات. الرأي الثاني؛ نتيجة لانعدام الثقة في عملة دولة ما، فلن يتمكن المقترضون في تلك الدولة الساعون للتمويل من الاقتراض طويل الأجل، أو الاقتراض من المقرضين الدوليين بعملة تلك الدولة أبدًا. ومع ذلك، غالبًا ما تكون عائدات مشروع المقترض بالعملة المحلية. هذا مصدر للهشاشة المالية، لأن الانخفاض في سعر الصرف سيتسبب في أزمة دين، فالدين بالعملة الأجنبية سيصبح أكثر تكلفة. ثالث رأي يعتقد أنَ السبب الأساسي للهشاشة المالية العالمية هو قلة مؤسسات تطبيق العقود بين الأطراف. ذلك الافتقار للعقود القوية يجعل المقرضين مرتابين من المقترضين، ويمكن أن يثير أزمة إذا شك المقرضون بأن المقترضين لن يسددوا ديونهم.[9]

تقليل الهشاشة المالية عدل

فُحصت الهشاشة المالية الطبيعية للنظام المصرفي من قبل كثير من الاقتصاديين كتأييد مهم للنظام الصرفي المصمم لتقليل الهشاشة المالية.[10][11]

قواطع الدائرة عدل

بحث العديد من الاقتصاديين منهم غوزيف ستيغلز حول استخدام محددات رأس المال لتعمل كقواطع الدائرة، لتفادي انتشار الأزمات من دولة إلى أخرى، وهي عملية تُسمى العدوى المالية. بموجب نظام مقترح واحد، يمكن أن تقسم الدول إلى مجموعات لها تدفقات رأسمالية حرة بين أعضاء المجموعة، وليس بين المجموعات. وسيُنشأ نظام يمكّن من قطع التدفقات الرأسمالية للدول المتضررة تلقائيًا من أجل عزل الأزمة في حال حدوثها. صُمم هذا النظام في الشبكات الكهربائية مثل شبكات الطاقة، والتي عادة ما تكون مُدمجة بشكل جيد لتجنب العجز نتيجة ارتفاع الطلب غير العادي على الكهرباء في أحد أجزاء الشبكة، ولكن قواطع الدائرة لديها تمنع تلف الشبكة -في جزء واحد من الشبكة- من التسبب في انقطاع التيار الكهربائي في جميع المنازل المتصلة عبر الشبكة.[12]

الالتزام الضريبي عدل

كما فُسر أعلاه، يعتقد الكثير من الاقتصاديين أن الهشاشة المالية تنشأ عندما يتحمل الوكلاء الماليون، مثل المصارف، الكثير من الالتزامات أو السيولة مقارنة بسيولة أصولهم. لاحظ أن سيولة الأصول دالة لدرجة التمويل الثابت المتاح للمشاركين في السوق. ونتيجة لذلك، فإن الاعتماد على تمويل رخيص وقصير الأجل يخلق مخاطر خارجية سلبية «بيروتي وسواريز عام 1201». يقترح بعض الاقتصاديين أن تفرض الحكومة ضريبة، أو تحد من تلك الالتزامات لتقليل تلك المخاطر المفرطة. اقترح بيروتي وسواريز «عام 2009» فرض رسوم بيغوفية احتياطية على التمويل قصير المدى غير المستقر، بينما استهدف شين «عام 2010» التدفقات الأجنبية غير المستقرة. وقد دعم آخرون هذا الأسلوب.[13]

متطلبات رأس المال عدل

تُعد شكلًا آخر للتنظيم المالي صُمم لتقليل الهشاشة المالية من أنظيم ميزانيات المصرف مباشرةً من خلالها.

المراجع عدل

  1. ^ Krugman، Paul (4 فبراير 2011). "Another Kind of Financial Fragility". The New York Times. مؤرشف من الأصل في 2019-09-30.
  2. ^ Lagunoff، Roger؛ Stacey Schreft (2001). "A Model of Financial Fragility". Journal of Economic Theory. ج. 99 ع. 1–2: 220–264. CiteSeerX:10.1.1.199.8934. DOI:10.1006/jeth.2000.2733.
  3. ^ أ ب Allen، Franklin؛ Douglas Gale (ديسمبر 2004). "Financial Fragility, Liquidity, and Asset Prices". Journal of the European Economic Association. ج. 2 ع. 6: 1015–1048. CiteSeerX:10.1.1.207.3882. DOI:10.1162/jeea.2004.2.6.1015.
  4. ^ Krugman, Paul, "Balance Sheets, the Transfer Problem, and Financial Crises", Draft 1999, http://web.mit.edu/krugman/www/FLOOD.pdf نسخة محفوظة 14 مارس 2021 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ Diamond DW, Dybvig PH (1983). "Bank runs, deposit insurance, and liquidity". Journal of Political Economy. ج. 91 ع. 3: 401–419. CiteSeerX:10.1.1.434.6020. DOI:10.1086/261155. Reprinted (2000) Fed Res Bank Mn Q Rev 24 (1), 14–23. نسخة محفوظة 14 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  6. ^ Diamond، Douglas؛ Raghuran Rajan (أبريل 2001). "Liquidity Risk, Liquidity Creation, and Financial Fragility: A Theory of Banking". The Journal of Political Economy. ج. 109 ع. 2: 287–327. CiteSeerX:10.1.1.674.246. DOI:10.1086/319552.
  7. ^ Lagunoff، Roger؛ Stacey Schreft (أغسطس 1999). "Financial Fragility with Rational and Irrational Exuberance". Journal of Money, Credit and Banking. ج. 31 ع. 3: 531–560. CiteSeerX:10.1.1.194.5557. DOI:10.2307/2601071. JSTOR:2601071.
  8. ^ Van Order، Robert (أبريل 2006). "A Model of Financial Structure and Financial Fragility". Journal of Money, Credit, and Banking. ج. 38 ع. 3: 565–585. DOI:10.1353/mcb.2006.0047.
  9. ^ Eichengreen، Barry؛ Ricardo Hausmann. "Exchange Rates and Financial Fragility". NBER Working Paper Series ع. WP 7418. مؤرشف من الأصل في 2019-11-02.
  10. ^ Krugman، Paul (11 يناير 2010). "Too big to fail fail?". The New York Times. مؤرشف من الأصل في 2019-10-01.
  11. ^ Stein، Jeremy (2010). "Securitization, Shadow Banking, and Financial Fragility". Daedalus. ج. 139 ع. 4: 41–51. DOI:10.1162/DAED_a_00041.
  12. ^ Stiglitz، Joseph (مايو 2010). "Capital Flows, Contagion, and Regulatory Responses". American Economic Review: Papers and Proceedings. ج. 100 ع. 2: 388–392. DOI:10.1257/aer.100.2.388.
  13. ^ Keister، Todd (سبتمبر 2010). "Bailouts and Financial Fragility" (PDF). Federal Reserve Bank of New York Staff Reports ع. 473. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2012-09-10.