فاطمة بنت الأحمر

أميرة أندلسية في مملكة غرناطة

فاطمة بنت محمد بن الأحمر (ق. 1260 - 26 فبراير 1349/ 749 هـ) هي أميرة أندلسية نصرية وُلدت وعاشت في مملكة غرناطة، آخر دولة إسلامية في الأندلس وشبه الجزيرة الأيبيرية عمومًا. هي ابنة السلطان محمد الثاني، تزوجت من ابن عم والدها أبي سعيد فرج بن إسماعيل، وهي والدة أبي الوليد إسماعيل الأول الذي أصبح سلطانًا بعد خلع أخيها غير الشقيق أبي الجيوش نصر بن محمد. كانت منخرطة في حكومة ابنها، وبلغ نشاطها السياسي ذروته خلال حكم حفيديها أبي عبد الله محمد الرابع وأبي الحجاج يوسف الأول، وكلاهما اعتلى العرش في سن مبكرة. قارنت المؤرخة الحديثة ماريا خيسوس روبيرا ماتا دورها بدور ماريا دي مولينا، معاصرتها التي أصبحت وصية على عرش ملوك قشتالة، وعزا المؤرخ برايان كاتلوس بقاء سلالة بني بنصر جزئيًا إلى «رؤيتها وثباتها».

فاطمة بنت الأحمر
معلومات شخصية
الاسم الكامل فاطمة بنت محمد الثاني
الميلاد 1260م
غرناطة
الوفاة 26 فبراير 1349/ 749 هـ (العمر 87)
غرناطة
مكان الدفن قصر الحمراء
الديانة الإسلام
الزوج أبو سعيد فرج بن إسماعيل
الأولاد أبو الوليد إسماعيل الأول
الأب أبو عبد الله محمد الثاني
إخوة وأخوات أبو عبد الله محمد الثالث، أبو الجيوش نصر بن محمد
عائلة بنو نصر
اللغات العربية  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات

خلفية عدل

 
خريطة لمملكة غرناطة تصور أكبر مدنها وبلداتها.

كانت مملكة غرناطة آخر دولة إسلامية في الأندلس وشبه الجزيرة الإيبيرية عمومًا، أسسها جد فاطمة، أبو عبد الله محمد الأول، في ثلاثينيات القرن الثاني عشر الميلادي، وتوالى ملوك الأسرة النصرية (بنو نصر أو بنو الأحمر) على حكمها قرابة قرنين.[1] نجحت الإمارة في الحفاظ على استقلالها باتباعها مجموعة من المناورات الدبلوماسية والعسكرية، على الرغم من كونها محاطة بدولٍ أكبر منها، وهي مملكة قشتالة المسيحية من الشمال والدولة المرينية المسلمة في المغرب. دخلت غرناطة في تحالفات متقطعة مع كلتا الدولتين سالفتي الذكر، كما خاضت حروبًا معهما، وفي بعض الأحيان شجعتهما على قتال بعضهما البعض من أجل تجنب هيمنة أي منهما.[2]

لا تظهر السجلات التاريخية أن النساء كُنَّ يُشاركن علنًا في سياسة المملكة.[3] ولكن عمليًا كانت النساء يُشاركن أحيانًا في الأنشطة السياسية، وخاصة وراء الكواليس. وبسبب الوفيات المبكرة المتكررة للسلاطين عن طريق الاغتيالات أو في المعارك، كانت النساء في بعض الأحيان أوصياء على العرش، أو يدافعن عن أحقية أبنائهن أو أحفادهن في تولي العرش، كما شاركن في التعامل مع الممالك المجاورة.[4]

سيرتها عدل

 
نحت شعار "لا غالب إلا الله" لمملكة غرناطة على جدران قصر الحمراء.

نشأتها عدل

هي فاطمة بنت السلطان محمد أبي عبد الله ابن السلطان الغالب بالله،[ar 1] ولدت فاطمة عام 659 هـ (1260 أو 1261) في عهد جدها أبي عبد الله محمد الأول، والدها هو محمد الثاني وريث العرش والذي أصبح سلطانًا فيما بعد، وكانت والدتها نزهة من أبناء عمومة والدها.[5] وأخوها محمد الثالث السلطان فيما بعد (مواليد 1257[6]) وأخوها غير الشقيق نصر من أم أخرى مسيحية تُدعى شمس الضحى.[7] عُرف والدها محمد بالفقيه، بسبب سعة إطلاعه، وتعليمه، وتفضيله للعلماء والأطباء وعلماء الفلك والفلاسفة والشعراء.[5][8] حيث كان يرعى الأنشطة الفكرية، ويهتم بتعليم أبنائه. أصبحت فاطمة خبيرة في نسخ كتب علماء المسلمين، وكانت عالمة بالأنساب،[ar 1] بينما درس أخويها محمد ونصر الشعر وعلم الفلك.[5] ومن المحتمل أنها تلقت تعليمها بشكل خاص في قصر الحمراء.[8]

زواجها من أبي سعيد فرج عدل

تولى والدها محمد الثاني العرش عام 1273م بعد وفاة محمد الأول. تزوجت فاطمة من أبي سعيد فرج بن إسماعيل، ابن عمها ومستشار والدها. ولد أبو سعيد عام 1248، وهو ابن إسماعيل والي مالقة وشقيق مؤسس إمارة بني نصر في غرناطة محمد الأول. عندما مات إسماعيل، أحضر محمد الأول فرج إلى القصر حيث أصبح صديقًا لمحمد الثاني.[9] تذكر المراجع أن زواج فاطمة من أبي سعيد كان في عام 664 هـ (1265/1266 قبل اعتلاء محمد الثاني العرش)، لكن المؤرخة المعاصرة ماريا خيسوس روبيرا ماتا تشكك في دقة هذا التاريخ؛ لصغر سن فاطمة في ذلك الوقت، وتقترح أن تاريخ الزواج الصحيح كان أقرب إلى ولادة الطفل الأول للزوجين إسماعيل في 3 مارس 1279م.[10] سنة 1279، عين محمد الثاني أبا سعيد واليًا على مالقة.[11][12] غادر أبو سعيد إلى مالقة في 11 فبراير، بينما بقيت فاطمة على الأرجح في قصر الحمراء نظرًا لأنها تأخرت في حملها.[13] ثم بعد إنجابها انتقلت فاطمة إلى مالقة، حيث رعت أطفالها هناك.[14] أنجبت ابن آخر لاحقًا وهو محمد، وله أربعة أبناء: يوسف وفرج ومحمد وإسماعيل، وجميعهم غادروا غرناطة، وعاشوا في شمال إفريقيا.[15][16]

عهدا مُحمد الثالث ونصر عدل

تولى محمد الثالث العرش بعد وفاة والده عام 1302؛ وكانت فاطمة على علاقة جيدة مع شقيقها، وظل زوجها واليًا على مالقة طوال فترة حكمه.[17] لكن قاد أخاهما غير الشقيق أبو الجيوش نصر تمردًا داخل القصر على محمد الثالث، انتهى بالإطاحة بمحمد المذكور عام 1309، واعتلى نصر العرش مكانه.[14] فساءت علاقة فاطمة وزوجها مع السلطان الجديد.[17][7] ومع انخفاض شعبية حكمه، تحالف زوجها مع فصائل تسعى للإطاحة به.[7] وقاد أبو سعيد تمردًا عام 1311، ساعيًا إلى تنصيب ابنهما إسماعيل.[18][19] وأٌعلن التمرد باسم إسماعيل، كونه ابن فاطمة وحفيد محمد الثاني، وبالتالي اعتُبر أحق من أبيه بالعرش.[19] هزمت قواتهم قوات السلطان في المعركة، لكن تمكن السلطان نصر من التراجع إلى العاصمة غرناطة والاحتماء بها،[18] وحاصر أبو سعيد العاصمة؛ لكنه كان يفتقر إلى الإمدادات اللازمة لحملة مطولة، وعندما اكتشف أن نصر قد تحالف مع فرديناند الرابع ملك قشتالة، سعى أبو سعيد إلى التراجع والدعوة للتصالح مع السلطان والاحتفاظ بمنصبه واليًا على غرناطة.[18]

خوفًا من انتقام السلطان نصر؛ أبرم أبو سعيد صفقة مع المرينيين، كان من المقرر أن يتنازل فيها عن مالقة مقابل حكم مدينة سلا في المغرب. ولما علم أهل مالقة بذلك اعتبروه خائنًا، فقاموا وخلعوه لصالح ابنه إسماعيل.[20] وسجت إسماعيل أبيه أبي سعيد في كارتاما بعد الاشتباه في محاولته الفرار من مالقة، ثم نقله لاحقًا إلى شلوبينية حيث توفي عام 1320.[21] ومع سيطرة ابن فاطمة على المدينة، ساعدته في تنظيم تمرد آخر ضد السلطان نصر،[7] واستعانا بحليف أبي سعيد القديم، عثمان بن أبي العلاء، رئيس مشيخة الغزاة.[7] وتضخم جيش إسماعيل أثناء تقدمه نحو غرناطة، وفتح سكان العاصمة أبواب المدينة له.[21] وأصبح السلطان نصر محاصرًا في قصر الحمراء، ووافق على التنازل عن العرش والانتقال إلى وادي آش.[21] تولى إسماعيل العرش في فبراير 1314، ودخلت فاطمة القصر بصفتها الملكة الأم.[22] ساعدت فاطمة ابنها إسماعيل في الشؤون السياسية، تقول روبيرا ماتا: «كانت موهوبة بصفات عظيمة مثل زوجها».[23] تعرض إسماعيل لمحاولة اغتيال من قبل أحد أقاربه عام 1325م، أُحضر إلى قصر فاطمة قبل أن يموت متأثرًا بجراحه.[24]

جدة السلطان عدل

بعد وفاة إسماعيل، ظلت فاطمة شخصية مؤثرة للغاية، وساعدت في تأمين اعتلاء حفيدها محمد الرابع بن إسماعيل العرش.[25] ونظرًا لأن محمد كان يبلغ من العمر عشر سنوات فقط، تولَّت فاطمة والحاجب أبو نعيم رضوان الوصاية على السلطان اليافع،[26][25][27] وأسماها ابن الخطيب خلال هذه الفترة باسم «جدة السلطان»، وشكَّلت هذه المرحلة ذروة نشاط فاطمة السياسي.[28]

اغتيل محمد الرابع عام 1333، وحل محله شقيقه يوسف الأول البالغ من العمر 15 عامًا.[29] أصبحت فاطمة مرة أخرى الوصية على حفيدها، والذي يُذكر أن سلطته كانت مقتصرة على «اختيار الطعام الذي يأكله من مائدته» فقط.[26][30]

وفاتها عدل

توفيت فاطمة في 26 فبراير 1349 (7 ذو الحجة 749 هـ)، في عهد يوسف الأول، عن عمر يزيد عن 90 عامًا، ودُفنت في المقبرة الملكة في قصر الحمراء.[31][26] وكتب لسان الدين بن الخطيب في رثائها:[ar 1]

نبيت على علم بغائلة الدهر
ونعلم أن الخلق في قبضة الدهر
ونركن للدنيا اغترارا بقهرها
وحسبك من يرجو الوفاء من الغدر
ونمطل بالعزم الزمان سفاهة
فيوم إلى يوم، وشهر إلى شهر
وتغري بها نفسي المطامع والهوى
ونرفض ما يبقى ضيعة العمر
هو الدهر لا يبقى على حدثانه
جديد ولا ينفك من حادث نكر
وبين الخطوب الطارقات تفاضل
كفضل من اغتالته في رفعة القدر
ألم تر أن المجد أقوت ربوعه
وصوح من أدواحه كل مخضر
ولاحت على وجه العلاء كآبة
فقطب من بعد الطلاقة والبشر

التأثير عدل

بعد وفاتها، استمر حكم مملكة غرناطة في يد حفيدها يوسف الأول، ومن بعده ابنه محمد الخامس.[32] عزا المؤرخ بريان كاتلوس نجاح بنو نصر في الحكم جزئيًا إلى «رؤية فاطمة وثباتها»، خاصة خلال فترة حكم إخوتها وابنها وأحفادها، والتي شابتها الاغتيالات وعهود الملوك الشباب.[32] وبفضل نسبها، اكتسب إسماعيل وذريته الشرعية للعرش.[11] فاعتلاء إسماعيل العرش هو المرة الأولى التي يعتلي فيها سلطانًا ينتسب لمؤسس الإمارة من الأم، وهو ما تكرر مرة أخرى في عام 1432 باعتلاء يوسف الرابع العرش.[23] قارنت المؤرخة ماريا خيسوس روبيرا ماتا فاطمة بماريا دي مولينا، والتي لعبت أيضًا دورًا سياسيًا مركزيًا كوصي على ابنها فرديناند الرابع (1295 - ق. 1301) وحفيدها ألفونسو الحادي عشر ملك قشتالة (1312-1321).[26]

وردت شخصية فاطمة بنت الأحمر في الأدب الحديث، فهي بطلة سلسلة روايات سلطانة التاريخية للروائية ليزا يارد.[33][34]

شجرة العائلة عدل

شجرة عائلة فاطمة بنت الأحمر
 
 
 
 
 
 
يوسف
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
محمد الأول
 
 
 
 
 
 
 
إسماعيل
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
محمد الثاني
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
محمد الثالث
 
نصر بن محمد
 
فاطمة بنت الأحمر
 
أبو سعيد فرج
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
إسماعيل الأول
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
محمد الرابع
 
يوسف الأول
 

مَلحُوظة: شجرة نسب غير شاملة، تظهر السلاطين وبعض الشخصيات الرئيسة في العائلة.

مراجع عدل

فهرس المراجع عدل

باللغة العربية
  1. ^ أ ب ت ابن الخطيب (2003)، ص. 201
باللغة الإنكليزية
  1. ^ Harvey 1992، صفحات 20–21.
  2. ^ Harvey 1992، صفحات 160, 165.
  3. ^ Boloix Gallardo 2015، صفحة 52.
  4. ^ Boloix Gallardo 2016، صفحة 273.
  5. ^ أ ب ت Rubiera Mata 1996، صفحة 184.
  6. ^ Boloix Gallardo 2017، صفحة 166.
  7. ^ أ ب ت ث ج Catlos 2018، صفحة 343.
  8. ^ أ ب Boloix Gallardo 2016، صفحة 275.
  9. ^ Fernández-Puertas 1997، صفحات 1–2.
  10. ^ Rubiera Mata 1975، صفحات 128–129.
  11. ^ أ ب Rubiera Mata 1996، صفحة 185.
  12. ^ Fernández-Puertas 1997، صفحات 2–3.
  13. ^ Vidal Castro.
  14. ^ أ ب Rubiera Mata 1996، صفحة 186.
  15. ^ Boloix Gallardo 2013، صفحة 65.
  16. ^ Boloix Gallardo 2016، صفحة 276.
  17. ^ أ ب Boloix Gallardo 2016، صفحة 277.
  18. ^ أ ب ت Fernández-Puertas 1997، صفحة 4.
  19. ^ أ ب Rubiera Mata 1975، صفحة 132.
  20. ^ Fernández-Puertas 1997، صفحات 4–5.
  21. ^ أ ب ت Fernández-Puertas 1997، صفحة 5.
  22. ^ Catlos 2018، صفحة 437.
  23. ^ أ ب Boloix Gallardo 2016، صفحة 281.
  24. ^ Boloix Gallardo 2016، صفحة 282.
  25. ^ أ ب Catlos 2018، صفحة 344.
  26. ^ أ ب ت ث Rubiera Mata 1996، صفحة 188.
  27. ^ Fernández-Puertas 1997، صفحة 3.
  28. ^ Boloix Gallardo 2016، صفحات 283–284.
  29. ^ Fernández-Puertas 1997، صفحات 7–8.
  30. ^ Boloix Gallardo 2016، صفحة 287.
  31. ^ Boloix Gallardo.
  32. ^ أ ب Catlos 2018، صفحة 346.
  33. ^ Des Plaines Public Library.
  34. ^ Yarde 2011.

بيانات الكتب عدل

باللغة العربية عدل

  • ابن الخطيب، لسان الدين (2003). الإحاطة في أخبار غرناطة، فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر (ط. الأولى، 1424 هـ). دار الكتب العلمية، بيروت. مؤرشف من الأصل في 2022-01-19. اطلع عليه بتاريخ 2022-01-07.

باللغة الإنجليزية عدل