الآثار البيئية للتنوع الحيوي

يؤثر تنوع الأنواع والجينات في المجتمعات البيئية على وظيفة هذه المجتمعات. تتأثر هذه الآثار البيئية للتنوع الحيوي بدورها بالتغير المناخي الناجم عن الاحتباس الحراري والهباء الجوي وخسارة الغطاء النباتي، وبالتنوع الحيوي، ويسبب ذلك خسارة سريعة للتنوع الحيوي وانقراض الأنواع والتجمعات المحلية. يعتبر المعدل الحالي للانقراض أحيانًا انقراضًا جماعيًا، وقد بلغ نحو 100 إلى 1000 ضعف المعدلات في الماضي.[1]

دُرس جانبان رئيسيان لتأثير التنوع الحيوي على وظيفة الأنظمة البيئية هما العلاقة بين التنوع الحيوي والإنتاجية، والعلاقة بين التنوع الحيوي والاستقرار في المجتمع البيئي.[2] تبدو المجتمعات البيئية الأكثر تنوعًا أكثر إنتاجية (من ناحية إنتاج الكتلة الحيوية) من المجتمعات البيئية الأقل تنوعًا، وتكون أيضًا أكثر استقرارًا في مواجهة الاختلالات.

قد تغير الحيوانات التي تعيش في موئل ما ظروف البقاء بسبب عوامل تُعزى إلى المناخ.

تعاريف عدل

من المهم تعريف بعض المصطلحات لفهم آثار التغيرات في التنوع الحيوي على وظيفة الأنظمة البيئية. ليس من السهل تعريف مصطلح التنوع الحيوي، ويمكن اعتباره عدد و/أو توازن الجينات والأنواع والأنظمة البيئية في منطقة ما. يتضمن التعريف التنوع الجيني أي تنوع الجينات في النوع، وتنوع الأنواع أي تنوع الأنواع في موئل أو منطقة ما، وتنوع الأنظمة البيئية أي تنوع الموائل في منطقة ما.

يُقاس عمومًا عاملان متعلقان بالتغيرات في التنوع هما الإنتاجية والاستقرار. الإنتاجية هي مقياس لوظيفة النظام البيئي. تُقاس الإنتاجية بشكل عام عبر أخذ الكتلة الحيوية الإجمالية فوق سطح الأرض لجميع النباتات في المنطقة. يفترض الكثيرون أنه من الممكن استخدامها كمؤشر عام لوظيفة النظام الحيوي، وأن استخدام الموارد الإجمالي ومؤشرات أخرى لوظيفة النظام البيئي ترتبط بالإنتاجية.

يصعب تعريف الاستقرار، ويمكن فهمه عمومًا بطريقتين. الاستقرار العام للتجمعات البيئية هو مقياس يفترض أن الاستقرار يكون أعلى حين يكون احتمال الانقراض أقل. يُقاس هذا النوع من الاستقرار عمومًا عبر قياس تباين خصائص المجتمع البيئي الإجمالية عبر الوقت،[3] كالكتلة الحيوية الكلية مثلًا. يُعرّف الاستقرار أيضًا بأنه مقياس المرونة والمقاومة، أي قدرة النظام البيئي على العودة لحالة التوازن بشكل سريع بعد أي اختلال، أو مقاومة الانتهاكات. يعتبر النظام المرن أكثر استقرارًا من النظام غير المرن.[4]

الإنتاجية والاستقرار مشعران لصحة النظام البيئي عدل

أهمية الاستقرار في النظام البيئي واضحة. النظام البيئي غير المستقر أكثر تعرضًا لخسارة الأنواع. فإن كان هناك بالفعل رابط بين التنوع والاستقرار، فمن المرجح أن تؤدي خسارة الأنواع إلى التغذية الراجعة لذاتها، مسببة المزيد من خسارة الأنواع. تبدو أهمية الإنتاجية في بيئة المجتمع أقل وضوحًا. في المناطق المستثمرة، كالأراضي الزراعية والأراضي الرعوية وأراضي الصيد، يؤدي ارتفاع الإنتاجية إلى زيادة النجاح الاقتصادي للمنطقة، ويدل ذلك على أن المنطقة أصبحت أكثر كفاءة، ما يؤدي إلى استدامة محتملة للموارد على المدى الطويل. من الصعب معرفة أهمية الإنتاجية في الأنظمة البيئية الطبيعية.[5]

إضافة إلى أهمية التنوع الحيوي في تنظيم العمليات في الأنظمة البيئية واستقرار هذه الأنظمة، توجد عواقب اقتصادية مباشرة لخسارة التنوع الحيوي في نظم بيئية معينة وفي العالم أجمع. تؤدي خسارة الأنواع إلى خسارة الطعام والدواء والمنتجات الصناعية والسياحة، وكل ذلك يملك آثارًا اقتصادية مباشرة على الناس.

الآثار على إنتاجية المجتمع عدل

  • التكامل ينتج تعايش الأنواع النباتية عن تقاسم النمط الحياتي أو الاختلافات في متطلبات الموارد بين الأنواع. يتمكن المجتمع البيئي الأكثر تنوعًا من استخدام الموارد بشكل أكثر اكتمالًا،[6] ويكون بذلك أكثر إنتاجية. هذه الآلية التي تدعى أيضًا «التمايز في نمط الحياة» هي مبدأ هام في نهج المجموعة الوظيفية الذي يحلل تنوع الأنواع إلى مكونات وظيفية.[7][8]
  • التيسير هو آلية تساعد فيها أنواع معينة أو تسمح بنمو أنواع أخرى عبر تعديل البيئة بطريقة مواتية لتلك الأنواع. يمكن للنباتات أن تتفاعل مع بعضها عبر وسيط كالنتروجين أو الماء أو درجة الحرارة أو المساحة أو التفاعل مع الحشائش أو الحيوانات العاشبة وغيرها. من الأمثلة على التيسير بعض النباتات الصحراوية المعمرة الكبيرة التي تشكل حاضنة تساعد النباتات الصغيرة المجاورة لها والتي تنتمي لأنواع أخرى على النمو، عبر تخفيف الضغط الناجم عن الماء ودرجة الحرارة، وإثراء المغذيات عبر مثبتات النتروجين كالبقوليات. [9]
  • تأثير أخذ العينة يمكن أن نفهم تأثير أخذ العينة للتنوع الحيوي بأنه زيادة احتمال وجود نوع ذي إنتاجية أكبر في أرض أكثر تنوعًا. يوفر هذا الأمر تأثيرًا تركيبيًا على الإنتاجية، أكثر من كون الإنتاجية سببًا مباشرًا له. يمكن أن يكون تأثير أخذ العينة في الواقع مجموعة من تأثيرات مختلفة. يمكن أن يقسم تأثير أخذ العينة إلى أرجحية انتقاء النوع الذي: 1) تكيف جيدًا مع الظروف في موقع محدد 2) لديه إنتاجية موروثة أكبر. إضافة إلى ذلك، يمكن أن نضيف إلى تأثير العينة وجود احتمال أكبر لاحتواء 3) زوج من الأنواع يكمل كل منهما الآخر بشكل كبير، أو 4) نوع معين له أثر تيسيري كبير على الأعضاء الآخرين في المجتمع البيئي.

مراجعة البيانات عدل

كانت نتائج التجارب الميدانية التي أُجريت لاختبار درجة تأثير التنوع الحيوي على إنتاجية المجتمع البيئي متباينة، ولكن الكثير من الدراسات طويلة الأمد في الأنظمة البيئية العشبية وجدت أن التنوع الحيوي يعزز الإنتاجية في النظام البيئي.[10][11][12] بالإضافة إلى ذلك، وُجد أيضًا دليل على هذه العلاقة في العوالم المصغرة للأراضي العشبية. يمكن رد هذا الاختلاف في نتائج التجارب جزئيًا إلى اعتماد التجارب على العينات التي تحوي تنوعات متوازنة بدلًا من التنوع الذي يعكس ما يوجد في الطبيعة. وجدت تجربة عام 2006، استخدمت تباينًا واقعيًا في تكوين الأنواع في عيناتها في الأراضي العشبية، وجود علاقة إيجابية بين زيادة التنوع وارتفاع الإنتاجية.[13]

توصلت الدراسات إلى استنتاجات مختلفة حول ما إذا كان السبب يرجع إلى التنوع الحيوي أو تركيبة الأنواع. قد يكون التنوع في الأدوار الوظيفية للأنواع صفة أكثر أهمية للتنبؤ بالإنتاجية مقارنة بالتنوع في عدد الأنواع. أبرزت النماذج الرياضية الحديثة أهمية السياق البيئي في إيضاح هذه المشكلة. وأشارت بعض النماذج إلى أهمية معدلات الاضطراب وعدم التجانس المكاني في البيئة،[14] وأوضحت نماذج أخرى أن الزمن الذي يمضي منذ حدوث الاضطراب والقدرة الاستيعابية للموئل يمكن أن يسببا علاقات متباينة. يجب ألا ينتج عن كل سياق بيئي علاقة مختلفة فقط، بل مساهمة مختلفة في العلاقة العائدة إلى التنوع والتركيبة أيضًا. يدعم الإجماع حاليًا فكرة أن تجمع الأنواع بطريقة معينة يوفر ازديادًا في إنتاجية المجتمع.[15]

البحث في المستقبل عدل

لتحديد آثار التنوع على الإنتاجية والعمليات الأخرى في الأنظمة البيئية بالشكل الصحيح، يجب القيام بعدة أمور. أولًا، من الضروري أن يتوقف العلماء عن البحث عن علاقة واحدة. توضح النماذج والبيانات والنظرية أنه لا وجود لتأثير شامل واحد للتنوع على الإنتاجية. يتوجب على العلماء محاولة تحديد كمية الاختلافات بين تأثير التركيبة وتأثيرات التنوع، إذ إن الكثير من التجارب لا تحدد مطلقًا الكمية النهائية المفهومة للتنوع (وتحسب فقط أعداد أنواع البذور المزروعة) وتخلط بذلك تأثير أخذ العينة للميسرين (عامل تركيبي) مع تأثيرات التنوع.

المراجع عدل

  1. ^ Vitousek، P. M.؛ Mooney، H. A.؛ Lubchenco، J.؛ وآخرون (1997). "Human domination of Earth's ecosystems". ساينس. ج. 277 ع. 5325: 494–499. CiteSeerX:10.1.1.318.6529. DOI:10.1126/science.277.5325.494.
  2. ^ Hines، J.؛ van der Putten، W. H.؛ De Deyn، G. B.؛ Wagg، C.؛ Voigt، W.؛ Mulder، C.؛ Weisser، W.؛ Engel، J.؛ Melian، C.؛ Scheu، S.؛ Birkhofer، K.؛ Ebeling، A.؛ Scherber، C.؛ Eisenhauer، N. (2015). "Towards an integration of biodiversity-ecosystem functioning and food-web theory to evaluate connections between multiple ecosystem services". في Woodward، Guy؛ Bohan، David A. (المحررون). Ecosystem Services: From Biodiversity to Society, Part 1. Advances in Ecological Research. UK: Academic Press. ج. 53. ص. 161–199. ISBN:978-0-12-803885-7.
  3. ^ Doak، D. F.؛ Bigger، D.؛ Harding، E. K.؛ وآخرون (1998). "The statistical inevitability of stability-diversity relationships in community ecology". Am. Nat. ج. 151 ع. 3: 264–276. DOI:10.2307/2463348. JSTOR:2463348.
  4. ^ McCann، K. S. (2000). "The diversity-stability debating". نيتشر. ج. 405 ع. 6783: 228–233. DOI:10.1038/35012234.
  5. ^ Fridley، J. D. (2001). "The influence of species diversity on ecosystem productivity: how, where, why?". Oikos. ج. 93 ع. 3: 514–526. DOI:10.1034/j.1600-0706.2001.930318.x.
  6. ^ Tilman، D.؛ Knops، J.؛ Wedin، D.؛ وآخرون (1997a). "The influence of functional diversity and composition on ecosystem processes". Science. ج. 277 ع. 5330: 1300–1302. CiteSeerX:10.1.1.654.3026. DOI:10.1126/science.277.5330.1300.
  7. ^ Tilman، D (1999). "The ecological consequences of changes in biodiversity: a search for general principles". Ecology. ج. 80 ع. 5: 1455–1474. DOI:10.2307/176540. JSTOR:176540.
  8. ^ Tilman، D.؛ Lehman، C.L.؛ Thomson، K.T. (1997b). "Plant diversity and ecosystem productivity: theoretical considerations". Proc. Natl. Acad. Sci. USA. ج. 94 ع. 5: 1857–1861. DOI:10.1073/pnas.94.5.1857. PMC:20007. PMID:11038606.
  9. ^ Vandermeer, J. H. 1989. The ecology of intercropping. Cambridge Univ. Press., Cambridge, England.
  10. ^ Tilman، D.؛ Wedin، D؛ Knops، J. (1996). "Productivity and sustainability influenced by biodiversity in grassland ecosystems". Nature. ج. 379 ع. 6567: 718–720. DOI:10.1038/379718a0.
  11. ^ Naeem، S.؛ Thompson، L.J.؛ Lawler، S.P؛ وآخرون (1994). "Declining biodiversity can alter the performance of ecosystems". Nature. ج. 368 ع. 6473: 734–737. DOI:10.1038/368734a0.
  12. ^ Hooper، D.؛ Vitousek، P. (1997). "The effect of plant composition and diversity on ecosystem processes". Science. ج. 277 ع. 5330: 1302–1305. DOI:10.1126/science.277.5330.1302.
  13. ^ Zavaleta، E. S.؛ Hulvey، K. B. (2006). "Realistic variation in species composition affects grassland production, resource use and invasion resistance" (PDF). Plant Ecology. ج. 188: 39–51. DOI:10.1007/s11258-006-9146-z. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2019-12-16. اطلع عليه بتاريخ 2014-01-18.
  14. ^ Aarssen، L.W.؛ Laird، R.A.؛ Pither، J. (2003). "Is the productivity of vegetation plots higher or lower when there are more species? Variable predictions from interaction of the "sampling effect" and "competitive dominance effect" on the habitat templet". Oikos. ج. 102 ع. 2: 427–432. DOI:10.1034/j.1600-0579.2003.12560.x.
  15. ^ Hooper، D. U.؛ Chapin، F. S.؛ Ewel، J. J.؛ Hector، A.؛ Inchausti، P.؛ Lavorel، S.؛ Lawton، J. H.؛ Lodge، D. M.؛ Loreau، M.؛ Naeem، S.؛ Schmid، B.؛ Setälä، H.؛ Symstad، A. J.؛ Vandermeer، J.؛ Wardle، D. A. (2005). "EFFECTS OF BIODIVERSITY ON ECOSYSTEM FUNCTIONING: A CONSENSUS OF CURRENT KNOWLEDGE" (PDF). Ecological Monographs. ج. 75: 3–35. DOI:10.1890/04-0922. مؤرشف من الأصل (PDF) في 23 سبتمبر 2017. اطلع عليه بتاريخ أغسطس 2020. {{استشهاد بدورية محكمة}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= (مساعدة)