رومانسية (فن): الفرق بين النسختين

[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 31:
وكانت [[فرنسا|البلاد الفرنسية]] المهد الأول للرومانسية وللكلاسيكية، ولجميع المذاهب الأدبية والمناحي الفكرية حتى قيل : '''"إن فرنسا معامل أفكار لأوروبا"'''، ومما لا شك فيه أن [[الفرنسيين]] يمتازون بالعقول المتزنة والأفكار المنطقية الواضحة، وهذا مما يلائم المبادئ الكلاسيكية، على العكس من [[الإنجليز]] و[[الألمان]]، إذ يتميزون بتشعب العواطف والغموض، والخيال الجامع الواسع الفضفاض. أما الظروف التي نشأت فيها الرومانسية في [[فرنسا]]، ودعت إليها فما تقلبت فيه البلاد الفرنسية من أحوال سياسية واجتماعية واقتصادية، كونت لدى الفرنسيين تلك الحالة النفسية، والتمزق الداخلي والتغني بالآلام الفردية التي هي من مميزات الرومانسية.
 
ولعل من عوامل نشوء الرومانسية في [[فرنسا]] ما كان من هجرة بعض كبار كتباها إلى إنجلترا وألمانيا إثر قيام [[الثورة الفرنسية]] سنة [[1789]]م، وتأثرهم بآداب تلك البلاد ومعطياتها الفكرية والثقافية، مما جعلهم يصدرون عن وحيها بكل حماسة وإعجاب. كتلك الحماسة التي أظهرها [[شاتوبريان]] ([[1768]]-[[1848]])، عندما عاد من مهجره في إنجلترا، وتسنى له أن يترجم إلى الفرنسية "[[الفردوس المفقود]]" ل[[جون ملتون]]، وكذلك الإعجاب الذي أبدته مدام [[دي ستايل]] ([[1766]]-[[1817]]) ، حينما عادت من منفاها [[ألمانيا]] بهذا الأسلوب الجديد الساري في أدب الشمال، إذ قالت: {{مض|'''شعر أهل الشمال يناسب تفكير الأمم الحرة أكثر مما يناسبها شعر الإغريق'''}}. وكتبت [[دي ستايل]] عن [[ألمانيا]] كتاباً فريداً، أشادت فيه بالروح الألمانية، وعرفت فيه الفرنسيين بروائع [[الأدب الألماني]] الغارق في الرومانسية، وتعتبر دي ستايل من الرواد الأوائل لنشوء الرومانتيكية.
 
{{اقتباس|شعر أهل الشمال يناسب تفكير الأمم الحرة أكثر مما يناسبها شعر الإغريق}}
 
وكتبت [[دي ستايل]] عن [[ألمانيا]] كتاباً فريداً، أشادت فيه بالروح الألمانية، وعرفت فيه الفرنسيين بروائع [[الأدب الألماني]] الغارق في الرومانسية، وتعتبر دي ستايل من الرواد الأوائل لنشوء الرومانتيكية.
 
وإذا تجاوزنا الأسباب المباشرة لحدوث الرومانسية فإننا نجد كاتبين وفيلسوفين كبيرين أثرا في الحياة العقلية والأدبية الأوروبية، وإن كان هذا التأثير بعيداً عن محيط الرومانسية، ولكنه ـ على كل حال ـ ساعد على تمهيد أرض صلبة لنشوئها. وهذان الفيلسوفان هما: [[جان جاك روسو]] ([[1722]]-[[1778]]) ، و[[فولتير]] ([[1649]]-[[1778]]).
 
أما [[روسو]] فقد دعا إلى العودة إلى الطبيعة والحياة الفطرية، إذ إن أطماع الإنسان قد تطورت بتطور المجتمع، وأحس أنه في مجتمع يفرض عليه تبادل المصالح مع الآخرين، ومن شأن هذا أن يكوِّن في نفسه الأثرة وحب الذات والامتلاك والحرص، ولقد كان الإنسان الفطري البدائي سعيداً في حياته، وفي معيشته، آمناً في كوخه، لا يحمل لغيره من الناس إلا الخير والحب، وروسوو'''روسو''' هو صاحب المبدأ التربوي المشهور " {{مض|'''علينا أن نترك الطفل يدرج وحده في الطبيعة ليكتسب خبراته بنفسه'''"}}، وكتابه "[[أميل]]" إنما هو شرح لهذا المبدأ.
 
وأما [[فولتير]]، فإنه نشر في [[أوروبا]] كلها أدب [[شكسبير]] "[[1564]]-[[1616]]"، ونوه به، وهو أدب متحرر من النظام الإغريقي في بناء [[مسرح|المسرحيات]]، على الرغم من أن [[شكسبير]] عاش في عصر [[الكلاسيكية]]، ولكنه لم يلتزم بمبادئها وأصولها، بل اعتمد على نفسه وخبرته في تكوين مسرحه، واستطاعت عبقريته أن تسعفه في ذلك، حيث أهلته للنجاح الباهر المنقطع النظير. وبالطبع لم يعتنق [[فولتير]] جميع آراء شكسبير ويأخذ بها كلية، ولكنه اختار ما يلائم طبعه في تجديد [[الأدب الفرنسي]]، ولا شك أن لهذا التجديد أثراً في اهتزاز قيمة المذهب الكلاسيكي. ولم يكن [[فولتير]] ناقلاً لآراء شكسبير فقط، وإنما كان - بالإضافة إلى هذا - ناقداً اجتماعياً جريئاً في نقده، حتى إنه انتقد [[صك الغفران|صكوك الغفران]] ورجال الكنيسة، وقد عرض فولتير آراءه في المسرحيات التي ألفها، وكانت سبباً لتهيئة الجو الملائم للرومانسية.