عمر المختار: الفرق بين النسختين

[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط استرجاع تعديلات JarBot (نقاش) حتى آخر نسخة بواسطة Veuhx1433
وسم: استرجاع
سطر 25:
== سنواته الأولى ==
=== نسبه ===
هو عمر المختار محمد فرحات ابريدان امحمد مومن بوهديمه عبد الله – علم مناف بن محسن بن حسن بن عكرمه بن الوتاج بن سفيان بن خالد بن الجوشافي بن طاهر بن الأرقع بن سعيد بن عويده بن الجارح بن خافي (الموصوف بالعروةبالعروه) بن هشام بن مناف الكبير.<ref name="نسب1">[https://www.akhbar-libya.com/index.php?option=com_content&task=view&id=12974&Itemid=1 أبن شيخ الشهداء ينتقد قضية نسب عمر المختار] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20110909162836/http://www.akhbar-libya.com/index.php?option=com_content&task=view&id=12974&Itemid=1 |date=09 سبتمبر 2011}}</ref> من بيت فرحات من قبيلة بريدان وهي بطن من قبيلة المنفة أو المنيف والتي ترجع إلى عبد مناف بن [[بني هلال (توضيح)|هلال]] بن [[عامر بن صعصعة]] بن معاوية بن بكر بن [[هوازن]]، أولى القبائل الهلالية التي دخلت برقة. أمه هي عائشة بنت محارب<ref>تاريخ الوطن العربي ، ابراهيم خليل احمد ، جامعة الموصل ، 1999 ص 76</ref>.
 
=== نشأته ===
وُلد عمر المختار في [[البطنان]] ببرقة في الجبل الأخضر عام [[1862]]، وقيل عام [[1858]]،<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=7 |صفحات=}}</ref> وكفله أبوه وعني بتربيته تربيةً إسلاميَّة حميدة مستمدة من تعاليم [[سنوسية|الحركة السنوسية]] القائمة على [[القرآن]] و[[حديث نبوي|السنَّة النبويَّة]]. ولم يُعايش عمر المختار والده طويلًا، إذ حدث أن توفي والده وهو في طريقه إلى مدينة [[مكة|مكَّة]] لأداء فريضة [[الحج في الإسلام|الحج]]، فعهد وهو في حالة المرض إلى رفيقه أحمد الغرياني (شقيق شيخ زاوية جنزور) بأن يُبلّغ شقيقه بأنَّه عهد إليه بتربية ولديه عمر ومحمد.<ref>[http://islamstory.com/ar/المجاهد_عمر_المختار قصة الإسلام: عمر المختار أسد الصحراء.] إشراف الدكتور راغب السرجاني. تاريخ التحرير: 29/07/2008 {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170102103814/http://islamstory.com:80/ar/المجاهد_عمر_المختار |date=02 يناير 2017}}</ref> وبعد عودة أحمد الغرياني من الحج، توجه فوراً إلى شقيقه الشيخ حسين وأخبره بما حصل وبرغبة مختار بن عمر أن يتولّى شؤون ولديه، فوافق من غير تردد، وتولّى رعايتهما محققاً رغبة والدهما، فأدخلهما [[مدرسة القرآن الكريم]] ب[[زاوية (توضيح)|الزاوية]]، ثم ألحق عمر المختار بالمعهد الجغبوبي لينضم إلى طلبة العلم من أبناء الإخوان والقبائل الأخرى.<ref name="الأشهب">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=26 |صفحات=}}</ref>
 
حصد عمر المختار انتباه شيوخه في صباه، فهو [[يتيم|اليتيم]] اليافع، الذي شجّع [[القرآن]] الناس وحثهم على العطف على أمثاله كي تُخفف عنهم مرارة العيش، <ref>[https://www.alukah.net/Sharia/0/6388/ شبكة الألوكة: حقوق اليتامى في الإسلام.] تأليف الشيخ حسين شعبان وهدان. تاريخ التحرير: 25/6/2009 ميلادي - 2/7/1430 هجري {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170618081643/http://www.alukah.net/sharia/0/6388 |date=18 يونيو 2017}}</ref> كما أظهر ذكاءً واضحًا، مما جعل شيوخه يهتمون به في معهد [[الجغبوب]] الذي كان منارة للعلم، وملتقى [[عالم (مهنة)|للعلماء]] و[[فقه (توضيح)|الفقهاء]] والأدباء والمربين، الذين كانوا يشرفون على تربية وتعليم وإعداد المتفوقين من أبناء المسلمين ليعدّوهم لحمل رسالة [[إسلام|الإسلام]]، ثم يرسلوهم بعد سنين عديدة من العلم والتلقي والتربية إلى مواطن القبائل في [[ليبيا]] و[[أفريقيا]] لتعليم الناس وتربيتهم على مبادئ الإسلام وتعاليمه.<ref name="اتحاد العلماء المسلمين">[https://www.iumsonline.net/ar/Default.asp?ContentID=1052&menuID=10 موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: الشيخ عمر المختار.. نشأته وجهاده] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20140401012228/http://www.iumsonline.net/ar/Default.asp?ContentID=1052&menuID=10 |date=01 أبريل 2014}}</ref> مكث عمر المختار في معهد الجغبوب ثمانية أعوام ينهل من العلوم الشرعية المتنوعة [[فقه إسلامي|كالفقه]] و[[علم الحديث|الحديث]] و[[علم التفسير|التفسير]]، ومن أشهر شيوخه الذين تتلمذ على أيديهم: السيّد الزروالي المغربي، والسيّد الجوّاني، والعلّامة فالح بن محمد بن عبد الله الظاهري المدني، وغيرهم كثير، وشهدوا له بالنباهة ورجاحة العقل، ومتانة الخلق، وحب الدعوة، وكان يقوم بما عليه من واجبات عمليَّة أسوة بزملائه الذين يؤدون أعمالًا مماثلة في ساعات معينة إلى جانب طلب العلم، وكان مخلصًا في عمله متفانيًا في أداء ما عليه، ولم يعرف عنه زملاؤه أنه أجَّل عمل يومه إلى غده.<ref name="اتحاد العلماء المسلمين"/>
سطر 49:
في عام [[1911]] أعلنت [[إيطاليا]] الحرب على [[الدولة العثمانية]]، <ref name="بحث عن عمر المختار">[https://mnwat.net/qs/t169145.html تقرير شامل عن عمر المختار]. تاريخ الولوج 17-02-2012. {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200408213140/https://mnwat.net/qs/t169145.html |date=8 أبريل 2020}}</ref> وبدأت إنزال قوَّاتها بمدينة [[بنغازي]] الساحلية شمال برقة في 19 أكتوبر الموافق الرابع من شوال عام 1329 هـ.<ref name="طاهر الزاوي4">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص57: "جهاده لإنقاذ الوطن".</ref> وفي تلك الأثناء كان عمر المختار في مدينة الكفرة بقلب الصَّحراء في زيارة إلى السنوسيين، وعندما كان عائداً من هناك مرَّ بطريقه بواحة [[جالو]]، <ref name="طاهر الزاوي5">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص58: "جهاده لإنقاذ الوطن".</ref> وعلم وهو فيها بخبر نزول الإيطاليين، فعاد مسرعًا إلى زاوية القصور لتجنيد أهلها من قبيلة العبيد لمقاومة الإيطاليّين، ونجح بجمع 1,000 مقاتل معه.<ref name="علي الصلابي3">كتاب "الشيخ الجليل عمر المختار"، [[علي الصلابي|لعلي محمد الصلابي]]، مرجع سابق، ص17: سادساً، الشيخ عمر المختار في معارك الأولى ضد إيطاليا.</ref> وأول الأمر أسَّس عمر المختار معسكراً خاصًا له في منطقة [[الخروبة (ليبيا)|الخروبة]]، ثم انتقل منها إلى [[الرجمة]]<ref name="علي الصلابي3"/> حيث التحق هو والمقاتلين الذين معه [[الجيش العثماني (1826-1922)|بالجيش العثماني]]، <ref name="أسد الصحراء55">محمد محمود إسماعيل، "عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء"، مرجع سابق، ص8: "عمر يلبي نداء الجهاد".</ref> وأخيراً إلى [[بنينا|بنينة]] جنوب مدينة بنغازي بحوالي 20 كيلومتراً<ref name="طاهر الزاوي5"/> وهناك انضموا إلى الكثير من المقاتلين الآخرين، وأصبح المعسكر قاعدةً لهم يخرجون منها ويغيرون باستمرارٍ على القوات الإيطالية. وقد رافق عمر المختار في هذه المرحلة من حياته الشيخ محمد الأخضر العيساوي، الذي روى أنه في خلال معركة السلاوي عام 1911، نزل المقاتلون الليبيون - بينما كانوا يحاربون الإيطاليين - إلى حقل زراعي للتخفّي فيه، وما إن وصلوه حتى بدأ الجنود الإيطاليون بإطلاق الرصاص الكثيف اتّجاه الحقل لقتلهم، وبينما هم على هذه الحال وجدوا حفرةً منخفضةً في الحقل، فأشاروا على عمر المختار بدخولها ليحتميَ من الرَّصاص، إلا أنه رفض بشدة، فدفعوه رغماً عنه وأدخلوه إليها، وظلَّ طوال المعركة يحاول الخروج منها وهم يمنعونه بالقوة.<ref name="علي الصلابي3"/>
 
في عام 1912 اندلعت [[حروب البلقان]]، فأجبرت الدولة العثمانية على عقد صلحٍ مع إيطاليا وقَّعته في [[لوزان]] بشهر نوفمبر، <ref name="مجلة البحوث1">د. هاشم يحيى الملاح، "جهاد عمر المختارو تضحيات الجماهير". ص15، مجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، السنة العاشرة، يوليو 1988. منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.</ref><ref>[https://links.jstor.org/sici?sici=0002-9300(191301)7:1<58:TOPBIA>2.0.CO;2-R Treaty of Peace Between Italy and Turkey] ''The American Journal of International Law'', Vol. 7, No. 1, Supplement: Official Documents (Jan., 1913), pp. 58–62 {{Doi|10.2307/2212446}}</ref><ref>{{استشهادمرجع ويب| عنوان=Treaty of Lausanne, October, 1912 |مسار=https://www.mtholyoke.edu/acad/intrel/boshtml/bos142.htm |ناشر=[[كلية ماونت هوليوك]]، Program in International Relations| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20160304192401/https://www.mtholyoke.edu/acad/intrel/boshtml/bos142.htm | تاريخ أرشيف = 04 مارس 2016}}</ref> واضطرَّ نتيجةً لذلك قائد القوات العثمانية التي تقاتل الإيطاليين - [[عزيز علي المصري|عزيز بك المصري]] - للانسحاب إلى [[إسطنبول|الأستانة]]، <ref name="طاهر الزاوي6">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، ، مرجع سابق، ص59: "السيد عمر وعزيز بك المصري".</ref> وسحب معه العسكر العثمانيّين النظاميّين في برقة الذين بلغ عددهم نحو 400 جندي.<ref name="طاهر الزاوي7">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص60: "السيد عمر وعزيز بك المصري".</ref> وقد أثار هذا الانسحاب - على الرغم من ضرورته وفقاً لشروط الصلح - سخط المقاتلين، فأصرُّوا على الجند العثمانيين أن يعطوهم أسلحتهم (وهو ما يناقض شروط الصلح)، فرفضوا، وعندما يئس المقاتلون أطلقوا على العثمانيين النار، فنشبت معركة سقط فيها قتلى من الطرفين، وعندما تأزَّم الوضع أُرسِلَ عمر المختار لفضّ النزاع، فلحق بالمقاتلين ونجح بإقناعهم بالعودة والتخلّي عن فكرة قتال العثمانيين.<ref name="طاهر الزاوي8">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص61: "السيد عمر وعزيز بك المصري".</ref> ظلَّ عمر المختار في موقع قيادة القتال ضد الطليان بكامل برقة حتى وصول [[أحمد الشريف السنوسي]] إلى [[درنة]] في شهر مايو من عام 1913 الموافق جمادى الآخرة عام 1331 هـ، فاستلم هو القيادة وظلَّ عمر المختار عوناً كبيراً له.<ref name="طاهر الزاوي5"/> إلا أن أحمد الشريف هاجر وترك برقة، فاستلم القيادة منه الأمير [[محمد إدريس السنوسي]].<ref name="علي الصلابي3"/>
[[ملف:Italian battery near Tripoli.jpg|تصغير|وحدة مدفعيَّة إيطاليَّة على حدود [[طرابلس|طرابلس الغرب]].]]
شهدت هذه الفترة أعنف مراحل الصّراع ضد الطليان، <ref name="عبد الفتاح">عصام عبد الفتاح، كتاب "عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين". ص38. دار كنوز للنشر والتوزيع [[القاهرة]]، [[مصر]].</ref> وقد تركَّزت غارات وهجمات عمر المختار فيها على منطقة [[درنة]]. ومن أمثلة هذه الغارات معركة هامة نشبت في يوم الجمعة 16 مايو عام 1913 دامت لمدّة يومين، وانتهت بمقتل 70 جندي إيطالي وإصابة نحو 400 آخرين.<ref name="عمر المختار ورجاله3">كتاب "عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين"، لعصام عبد الفتاح، مرجع سابق، 32: معركة درنة.</ref> كما دارت في 6 أكتوبر من العام نفسه معركة بو شمال في منطقة عين مارة، وفي شهر فبراير عام 1914 معارك أم شخنب وشلظيمة والزويتينة.<ref name="عبد الفتاح"/> وكان عمر المختار يتنقَّل أثناء غاراته على الطليان بين منطقتي زاوية القصور وتكنس حتى وقوعهما في أيدي الإيطاليّين بشهر سبتمبر عام 1913، حيث انتقل إلى معسكرات جبل العبيد كما كان يتواصل كثيراً مع قبائل منطقة دفنا.<ref name="أسد الصحراء5"/> وفي هذه الفترة انتكست المقاومة الليبية نتيجة القحط الذي أصاب البلاد في عامي 1913 إلى 1915، ثم استيلاء الطليان على أغلب المناطق الحيوية في وسط وشمال برقة بشهر يوليو عام 1914.<ref name="مجلة البحوث2">د. هاشم يحيى الملاح، "جهاد عمر المختارو تضحيات الجماهير". ص17، مجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، السنة العاشرة، يوليو 1988. منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.</ref> عندما بدأ [[أحمد الشريف السنوسي]] الإغارة على [[الاحتلال البريطاني لمصر|البريطانيّين في مصر]] عبر الحدود سنة 1915 انضمَّ إليه عمر المختار، ثم عاد لاحقاً إلى ليبيا لاستئناف معاونته لإدريس السنوسي في حربه ضد الطليان.<ref name="أسد الصحراء6">محمد محمود إسماعيل، "عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء"، مرجع سابق، ص9: "عمر يلبي نداء الجهاد".</ref>
سطر 64:
=== سفره إلى مصر ===
[[ملف:IdrisI3.jpg|تصغير|[[محمد إدريس السنوسي]]، راعي الثورة الليبيَّة على إيطاليا الفاشيَّة بزعامة عمر المختار.]]
سافر عمر المختار في شهر مارس سنة [[1923]] إلى [[مصر]] بصحبة علي باشا العبيدي ليعرض على الأمير محمد إدريس نتيجة عمله ويتلقى منه التوجيهات اللازمة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=56 |صفحات=}}</ref> واستطاع اجتياز الحدود المصرية وتمكن من مقابلة الأمير إدريس بمصر الجديدة. وفي مصر جاءته جماعة من قبيلة المنفة وهي قبيلته التي ينتمي إليها، وكانوا قد أقاموا بمصر، لغرض الترحيب به، فاستفسر المختار قبل أن يأذن لهم بذلك عما إذا كانوا قد سعوا لمقابلة الأمير عند حضوره إلى مصر، فلما أجاب هؤلاء بالنفي معتذرين بأن أسبابًا عائليَّة قهرية منعتهم من تأدية هذا الواجب رفض المختار مقابلتهم وقال أنَّه لن يُقابل أناسٌ تركوا شيخه الذي هو ولي نعمته وسبب خيره، وهددهم بالقطيعة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=8 |صفحات=}}</ref> فما إن بلغ الأمير إدريس مافعله عمر المختار مع من جاء إليه من أبناء قبيلته حتى أصدر امره بمقابلتهم فامتثل المختار لأمره.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=271 |صفحات=}}</ref> حاولت إيطاليا بواسطة عملائها بمصر الاتصال بعمر المختار وعرضت عليه بأنها سوف تقدم له مساعدة إذا ما تعهد باتخاذ سكنه في مدينة [[بنغازي]] أو [[المرج (ليبيا)|المرج]]، وملازمة بيته تحت رعاية وعطف إيطاليا، وأن حكومة [[روما]] مستعدة بأن تجعل من عمر المختار الشخصية الأولى في ليبيا كلها وتتلاشى أمامه جميع الشخصيات الكبيرة التي تتمتع بمكانتها عند إيطاليا في طرابلس الغرب وبنغازي، وإذا ما أراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهد بأن يكون لاجئًا ويقطع علاقته بإدريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهد حكومة روما بان توفر له راتبًا ضخمًا يمكنهّ من حياة رغدة، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة سرية وتوفير الضمانات لعمر المختار ويتم كل شيء بدون ضجيج تطمينًا لعمر المختار وقد طلبت منه نصح الأهالي بالإقلاع عن فكرة القيام في وجه إيطاليا.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=إسماعيل |الأول=محمد محمود |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار شهيد الإسلام، وأسد الصحراء |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1992]] |ناشر=مكتبة القرآن |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=56 |صفحات=}}</ref> وقد كرر الإيطاليون عرضهم على عمر المختار عدَّة مرّات حتى بعد خروجه من مصر وعودته إلى برقة لكنه كان يرفض في كل مرة ويُصرّ على الجهاد وقتال المحتل الأجنبي. كان المختار قد اتفق مع الأمير إدريس أثناء وجوده في مصر على تفاصيل الخطة التي يجب أن يتبعها المجاهدون في قتالهم الطليان على أساس تشكيل المعسكرات، واختيار القيادة الصالحة لهذه الأدوار، وأن تظل القيادة العليا من نصيب عمر المختار نفسه، وزوده الأمير بكتاب يتضمَّن هذا المعنى، وتمَّ الاتفاق على بقاء الأمير في مصر ليقود العمل السياسي، ويهتم بأمر المهاجرين ويضغط على [[رئيس مجلس الوزراء (مصر)|الحكومة المصريَّة]] والبريطانيَّة بالسماح للمجاهدين بالالتجاء إلى مصر، ويشرف على إمداد المجاهدين بكل المساعدات الممكنة من مصر، ويرسل الإرشادات والتعليمات اللازمة إلى عمر المختار في الجبل، واتُفق على أن يكون الحاج التواتي البرعصي حلقة الوصل بين الأمير وقائد الجهاد، وبعد ذلك الاتفاق غادر عمر المختار [[القاهرة]] إلى السلّوم فبرقة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=273 |صفحات=}}</ref>
 
=== معركة بئر الغبي ===
{{مفصلة|معركة بئر الغبي}}
كان الإيطاليّون يتعقبون تحركات عمر المختار ويترقبون أوَّل فرصة للقضاء عليه وإخماد الثورة. ففي أثناء عودته من مصر إلى برقة، مرَّ ورفاقه بموضع يُقال له بئر الغبي، فانقضت عليهم سبعة [[سيارة مصفحة (عسكرية)|مُصفحات]] إيطاليَّة وحاصرتهم، فأطلق المختار ومن معه الرصاص عليهم، فتراجعوا قليلًا إلى منتجع قريب ثم عادوا بسرعة يحملون [[صوف|صوفًا]]، ولما دنت منهم توزعت توزيعًا محكمًا وأخذ الجنود ينزلون ويضعون الأصواف أمامهم ليتحصنوا بها من الرصاص، فعاود المجاهدون إطلاق النار عليهم حتى فرَّ منهم قسم وقُتل قسم آخر، واحترقت كل المصفّحات ما عدا واحدة تمكنت من الفرار.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=إسماعيل |الأول=محمد محمود |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار شهيد الإسلام، وأسد الصحراء |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1992]] |ناشر=مكتبة القرآن |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=64 |صفحات=}}</ref> قال عمر المختار في هذا الصدد: {{اقتباس خاص|كنَّا لانتجاوز الخمسين شخصًا من المشايخ والعساكر وبينما تجمع هؤلاء حولنا لسؤالنا عن صحة سموّ الأمير، وكنا [[الصوم في الإسلام|صائمين رمضان]] وإذا بسبعة سيّارات إيطالية قادمة صوبنا فشعرنا بالقلق لأن مجيئها كان محل استغرابنا ومفاجأة لم نتوقعها، وكنّا لم نسمع عن هجوم الطليان على المعسكرات السنوسيَّة، واحتلالهم أجدابية، فأخذنا نستعد في هدوء والسيَّارات تدنوا منا في سير بطيء فأراد علي باشا العبيدي أن يطلق الرصاص من بندقيته ولكنني منعته قائلاً: «لا بد أن نتحقق قبلاً من الغرض ونعرف شيئًا عن مجيء هذه السيارات كي لانكون البادئين بمثل هذه الحوادث»، وبينما نحن في أخذ ورد وإذا بالسيَّارات تفترق في خطة منظمة المراد منها تطويقنا، وشاهدنا [[رشاش|المدافع الرشاشة]] مصوَّبة نحونا فلم يبق هنا أي شك فيما يراد بنا فأمطرناهم وابلاً من رصاص بنادقنا، وإذا بالسيَّارات قد ولت الأدبار إلى منتجع قريب منا وعادت بسرعة تحمل صوفا، ولما دنت منا توزعت توزيعًا محكمًا وأخذ الجنود ينزلون ويضعون الأصواف (الخام) أمامهم ليتحصنوا بها من رصاصنا وبادرنا بطلق الأعيرة فأخذ علي باشا يولع [[سيجارة]] وقلت له: "رمضان يا علي باشا" منبهًا إيَّاه للصوم فأجابني قائلاً: "مو يوم صيام المنشرزام". وفي أسرع مدة انجلت المعركة عن خسارة الطليان وأخذت النار تلتهم السيَّارات إلا واحدة فرّت راجعة، وغنمنا جميع ماكان معهم من الأسلحة.<ref>[https://sufi.alimamalallama.com/page/details/id/266 موقع الصوفية - الشيخ الصوفي الزاهد والقائد المجاهد عمر المختار] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200414023923/http://sufi.alimamalallama.com/page/details/id/266 |date=14 أبريل 2020}}</ref><ref>[http://www.almanaralink.com/press/2011/12/5770/سعيد-العريبي-وبالأهزوجة-أيضا-يقاتلون/ المنارة للإعلام؛ سعيد العريبي: وبالأهزوجة أيضا يقاتلون] {{وصلة مكسورة|تاريخ= مايو 2019 |bot=JarBot}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200408213151/http://www.almanaralink.com/press/2011/12/5770/%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D8%B2%D9%88%D8%AC%D8%A9-%D8%A3%D9%8A%D8%B6%D8%A7-%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA%D9%84%D9%88%D9%86/ |date=8 أبريل 2020}}</ref>}}
 
ثمَّ استمرَّ المختار ورفاقه في سيرهم حتى بلغوا الجبل الأخضر ووصلوا إلى زاوية القطوفية حيث معسكر المغاربة، ليكتشف أنَّ معركةً وقعت بين المجاهدين والطليان أثناء غيابه (معركة البريقة)، فوقف على تفاصيل هذه المعركة وحال المجاهدين<ref name="طاهر الزاوي88">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص87-88: "شروط السيد عمر".</ref> ثم واصل سيره إلى [[جالو]] مقر السيّد محمد الصدّيق الرضا السنوسي ليُبلغ التعليمات التي أخذها من الأمير إدريس والقاضية بتسلّمه القيادة العامَّة للثوَّار، كما تمَّ الاتفاق على تنظيم حركة الجهاد وإنشاء المعسكرات في الجبل الأخضر. وبعد أن انتهى من ذلك، عاد إلى الجبل الأخضر مع جماعةٍ صغيرةٍ من المغاربة، فبدأت القبائل بالالتمام حوله والانضمام إليه لقتال الإيطاليين.<ref name="طاهر الزاوي50">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص91: "تنظيم الحركة وبدء الجهاد".</ref>
سطر 74:
=== فترة ما بين عاميّ 1923 و1928 ===
[[ملف:Close up-Omar Mukhtar.jpg|تصغير|لقطة مُقرَّبة لوجه عمر المختار.]]
في عام 1923 وبعد أن عاشت مستعمرة [[ليبيا الإيطالية]] لعدّة سنواتٍ في هدوء نسبيّ مع ضعف في سيطرة الطليان، قرَّرت الحكومة الإيطالية تغيير سياستها اتّجاه ليبيا جذرياً، فقرَّرت قلب سياستها مع الحركة السنوسية من الحوار والتفاهم إلى الحرب والإخضاع بالقوة، <ref name="برقة الخضراء27">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=27}}</ref> وألغت جميع الاتفاقيات السابقة التي كانت قد أبرمتها مع الليبيّين وبدأت هجوماً شاملاً على معاقل الجهاد، <ref name="عبد الفتاح2">عصام عبد الفتاح، كتاب "عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين". ص40. دار كنوز للنشر والتوزيع [[القاهرة]]، [[مصر]].</ref> ممَّا أدى إلى تفجُّر حرب عنيفة في أنحاء الجبل الأخضر بعد هدوءٍ كان قد دام لعدّة سنوات.<ref name="برقة الخضراء36">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=36}}</ref> واستمرَّت الحرب في الأعوام التالية، لتزداد شدة وعنفاً عاماً بعد عام.<ref name="برقة الخضراء29">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=29}}</ref>
 
شهدت الفترة الممتدة بين عاميّ [[1924]] و[[1925]] مناوشات عديدة ومعارك دامية بين الثوَّار والقوَّات الإيطاليَّة، ووسَّع المجاهدون نشاطهم العسكري في الجبل الأخضر ولمع اسم عمر المختار كقائدٍ بارع يُتقن أساليب الكر والفر ويتمتع بنفوذ عظيم بين القبائل.<ref name="المختار 1923">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة= |صفحات=11-12}}</ref> وأخذ البدو من أبناء القبائل ينضمّون إلى صفوف المجاهدين، وبادرت القبائل بإمداد هؤلاء بما يحتاجون من مؤنٍ وعتادٍ وأسلحة. كان معسكر البراغيث هو مركز الرياسة العامة ومقر القائد العام عمر المختار، وكان النواة الأولى وحجر الأساس لمعسكرات [[الجبل الأخضر (توضيح)|الجبل الأخضر]] الثلاثة، وكان عمر المختار يُلقَّب بنائب الوكيل العام.<ref name="المختار 1923"/> وكان هناك مجلس أعلى استشاري في المعسكر يترأَّسه عمر المختار ويضم مختلف شيوخ وأعيان القبائل، كما كان هناك نظام رتب عسكرية يماثل ذاك العثماني ويشمل ترقياتٍ لأصحاب الإنجازات والأعمال البارزة.<ref name="المختار 29">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة= |صفحات=11-29}}</ref> وقد أقرَّ حاكم برقة الإيطالي [[أتيليو تيروتسي|إتيليو تروتسي]] في مذكّراته المنشورة بعنوان "برقة الخضراء"، بأنَّ تكتيك ملاحقة الثوار وضربهم المستمرّ بالجبل الأخضر الذي اتبع منذ استلام الجنرال مومبيللي القيادة عام 1926 قد أدَّى إلى إنهاك القوة الإيطالية واستنفاذ قواها بقدر ما أنهك قوات الثوار، مما جعله أسلوباً غير مجدٍ. كما وأقر تروتسي بالطريقة نفسها بالأثر المعنويّ السيء الذي خلَّفته ضربات الثوار المتلاحقة على القوات الإيطالية بتلك الفترة، والتي لم تستطع ردَّ هذه الضربات أو إيقافها.<ref name="برقة الخضراء30">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=156-29-30}}</ref>
 
خلال تلك الفترة كانت إيطاليا تصب اهتمامها على مدينة برقة التي لم تستطع احتلالها منذ أن زحفت جيوشها على [[أجدابيا]] سنة [[1923]]، وانحصرت مجهوداتها على معسكرات عمر المختار الذي لم يخرج يومًا من معركة إلَّا ليدخل في معركة أخرى.<ref name="المختار 1923"/> وقد قام عمر المختار بتأسيس معسكرٍ للمجاهدين في الجبل الأخضر، وأصبح يتولَّى بنفسه إدارته والإشراف على تدريب المقاتلين وتنظيم هجماتهم.<ref name="أسد الصحراء8">محمد محمود إسماعيل، "عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء"، مرجع سابق، ص24: "خطة جديدة من ثلاث نقاط".</ref> ثم اتَّخذ لاحقاً منطقة [[شحات]] قاعدة عسكرية له ولرجاله.<ref name="أسد الصحراء9">محمد محمود إسماعيل، "عمر المختار شهيد الإسلام وأسد الصحراء"، مرجع سابق، ص28: "تدابير حكيمة".</ref> وفي عام [[1927]] تبدَّلت قيادة الجيش الإيطالي في برقة، وتولّى أمرها القائد العام "ميزتي"، وأخذ على عاتقه تنفيذ الخطة الهادفة إلى ضرب الحصار على حركة الجهاد في الجبل الأخضر، كما استبدل حاكم [[بنغازي]] الإيطالي "مومبيلي" بخلفه [[فريق أول (رتبة عسكرية)|الفريق أوَّل]] "تيروتس"، وهو من زعماء الحزب الفاشي، وزوِّد القائد ميزتي بعدد كبير من كبار الضبَّاط وأركان الحرب لمساعدته. وفي نفس السنة تقدمت القوات الإيطاليَّة من طرابلس الغرب بقيادة الفريق أوَّل [[رودولفو غراتسياني]]، فاحتلت [[واحة الجفرة]] والقسم الأكبر من [[فزان]] واشتبكت مع القبائل المحليَّة في عدَّة وقعات كانت الغلبة فيها للجيش الإيطالي.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=73 |صفحات=}}</ref> وقد ضاعفت الحكومة الإيطاليَّة من جهودها غير العسكريَّة أيضًا، فبذلت الأموال الطائلة والوعود لزعماء القبائل حتى يكفوا عن القتال، فأصابت في ذلك نجاحًا كبيرًا كان من نتيجته أن سقطت [[الجغبوب]] ومرادة وزلة وجالو وأوجلة في أيديهم.<ref name="المختار-شلبي"/> وقد حاول عمر المختار مراراً إقناعهم بعدم التفاوض مع الإيطاليين والاستمرار في المقاومة.<ref name="برقة الخضراء56">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=156-161}}</ref> لكن بعد بدء الرضا السنوسي الدخول هو الآخر في المفاوضات مع الإيطاليين بأواخر عام 1927، متّجهاً في ذلك إلى عقد السلم معهم، أصدر أوامره إلى عمر المختار من جالو بضرورة وقف العمليات العسكرية، <ref name="مولد تلقائيا3">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=236}}</ref> وقبل عمر المختار بنقل هذه الأوامر إلى رجاله، فخفَّت وتيرة القتال في أنحاء الجبل الأخضر بانتظار تجلّي الموقف.<ref name="برقة الخضراء97">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=197}}</ref> وكان احتلال تلك الواحات الصحراوية التي استسلم زعماؤها قد جعل عمر المختار في عزلة تامَّة في الجبل الأخضر ومع هذا ظلَّ المختار يشن الغارات على [[درنة]] وما حولها حتى أرغم الطليان على الخروج بجيوشهم لمقابلته، فاشتبك معهم في معركة شديدة استمرت يومين كان النصر فيها حليفه، وفرّ الطليان تاركين عددًا من السيَّارات والمدافع الجبليَّة وصناديق الذخيرة و[[جمل عربي|الجمال]]، ودواب النقل.<ref name="المختار-شلبي"/>
 
=== معركة أم الشافتير (عقيرة الدم) ===
{{مفصلة|معركة أم الشافتير}}
[[ملف:Omar Mukhtar with the Libyan Mujahideen.jpg|تصغير|المختار مع بعض المجاهدين.]]
بتاريخ [[28 مارس]] [[1927]]، اشتبك المجاهدون مع القوَّات الإيطاليَّة في معركة ضارية عُرفت باسم [[معركة الرحيبة|معركة الرحيبة أو موقعة يوم الرحيبة]]، وقد تكبّد فيها الطليان خسائر جسيمة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=التليسي |الأول=خليفة محمد |وصلة مؤلف=خليفة التليسي |عنوان=معجم معارك الجهاد في ليبيا 1911-1931 |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر=الدار العربية للكتاب |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=79 |صفحات=}}</ref> كانت تلك الهزيمة بمثابة [[القشة التي قصمت ظهر البعير|القشَّة التي قصمت ظهر البعير]]، فلم تعد الحكومة الإيطاليَّة في [[روما]] قادرة على تقبَّل أي هزيمة بعد أن ظهر جيشها بمظهر هزليّ أمام باقي جيوش أوروبا، كذلك كان الحكَّام الإيطاليّون في ليبيا قد طفح بهم الكيل من الهزائم المُتكررة، وكان لا بدّ لهم من إعادة اعتبارهم ورفع معنويَّات الجنود المنهارة، فشرعوا يعدّون الجيوش الجرَّارة لاحتلال الجبل الأخضر واتخاذه قاعدة لهم.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=مناع |الأول=محمد عبد الرزَّاق |وصلة مؤلف=محمد عبد الرزاق |عنوان=جذور النضال العربي في ليبيا |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1972]] |ناشر=دار مكتبة الفكر |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=130 |صفحات=}}</ref> كانت القوَّات الإيطاليَّة عظيمة العدد والعِتاد، فضمَّت فرقا نظاميَّة إيطاليَّة و[[إريتريا|إريتريَّة]] وليبيَّة محليَّة، بالإضافة لبضعة فرق غير نظاميَّة من [[مرتزق|مرتزقة]] ليبيين و[[أفارقة]]، وعدَّة [[دبابة|دبَّابات]] وسيَّارات مصفحة وفرق هجَّانة وبطاريَّات مدفعيَّة. ويُضاف إلى تلك الاستعدادت سلاح الطيران الذي انطلق من قواعده بالمرج ومراوه وسلنطة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=16 |صفحات=}}</ref> بالمُقابل، تراوح عدد المجاهدين ما بين 1500 إلى 2000 مجاهد، 25% منهم تقريبًا من سلاح الفرسان، <ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=مناع |الأول=محمد عبد الرزَّاق |وصلة مؤلف=محمد عبد الرزاق |عنوان=جذور النضال العربي في ليبيا |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1972]] |ناشر=دار مكتبة الفكر |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=137 |صفحات=}}</ref> ويرافقهم حوالي 12 ألف جمل.<ref>{{استشهادCite بدورية محكمةjournal|الأخير1=ضوي |الأول1=علي عبد الرحمن |الأخير2= |الأول2= |سنة=1984 |عنوان=المسؤولية الدولية عن الأضرار الناشئة عن مخلفات الحرب العالمية الثانية في الإقليم الليبي |صحيفة=مجلة البحوث التاريخية |المجلد=1 |العدد= |صفحات=9. وُصل لهذا المسار بتاريخ [[5 نوفمبر]] [[2007]] |ناشر=منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |doi= |مسار=https://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 |تاريخ الوصول=| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20140423045201/http://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 | تاريخ أرشيف = 23 أبريل 2014 }}</ref> علمت إيطاليا بواسطة [[تجسس|جواسيسها]] بموقع المجاهدين في عقيرة أم الشفاتير فارادت أن تحكم الطوق عليهم، فزحفت القوّات الإيطالية نحو العقيرة بعد مسيرة دامت يومين كاملين واستطاعت أن تضرب حصارًا حول المختار ورجاله من ثلاث جهات، وبقوّات جرّارة تكوّنت من حوالي 2000 [[بغل]] و5000 جندي، و1000 جمل بالإضافة إلى السيّارات المُصفّحة والناقلة.<ref>[https://ommoneeb8.blogspot.com/2011_08_01_archive.html عظماء التاريخ (عمر المختار): أهم معاركة] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20171228172228/http://ommoneeb8.blogspot.com/2011_08_01_archive.html |date=28 ديسمبر 2017}}</ref> ولمَّا علم المختار بما يخططه الطليان، شرع يعد العدّة مع باقي قادة الجهاد لمُلاقاة العدو، فأعدوا خطة حربيَّة وقاموا بحفر خنادق ليستتر بها المجاهدون وخنادق أخرى لتحتمي بها الأسر من نساء وأطفال وشيوخ، وتمَّ ترتيب المجاهدين على شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ووضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين، وكان قائد تلك المعركة الشيخ حسين الجويفي البرعصي، أمَّا عمر المختار فقاتل إلى جانب المقاتلين الآخرين من غير أصحاب الرتب. ولم يطل الأمر حتى اشتبك المجاهدون مع الطليان في معركة حامية الوطيس، وسقط من الليبيين الكثير من الرجال، وحتى النساء والأطفال، بعد أن قصفت الطائرات الفاشيَّة أماكن تمركزهم، لكنَّ المختار والباقين تمكنوا من دحر الإيطاليين وأجبروهم على التقهقر والانسحاب مرة أخرى. بلغ عدد القتلى الليبيين 200 شخص، كان من بينهم والد زوجة عمر المختار الذي بكاه بكاءًا حارًا وقال بعد أن سمع بمقتله: {{اقتباس مضمن|راحو الكل ياعين الجيران وأصحاب الغلا}}.<ref>[https://www.kl28.net/knol3/?p=view&post=52934&page=8 دار المعرفة، كلمات: الشيخ الجليل عمر المختار] {{وصلة مكسورة|date= أكتوبر 2017 |bot=JarBot}}</ref><ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=زيادة |الأول=نقولا |وصلة مؤلف=نقولا زيادة |عنوان=برقة الدولة العربيَّة الثامنة |مسار=https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:141387&q= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1950]] |ناشر=[[دار العلم للملايين]] |مكان=[[بيروت]]-[[لبنان]] |الرقم المعياري= |صفحة=440 |صفحات=}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160304203823/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:141387&q= |date=4 مارس 2016}}</ref>
 
بعد انتهاء المعركة، أصبحت القوَّات الإيطاليَّة منهكة القوى مُصابة بالإعياء من شدة المعارك المستمرة منذ فترة طويلة دون توقف، <ref>{{استشهادCite بدورية محكمةjournal|الأخير1=ضوي |الأول1=علي عبد الرحمن |الأخير2= |الأول2= |سنة=1984 |عنوان=المسؤولية الدولية عن الأضرار الناشئة عن مخلفات الحرب العالمية الثانية في الإقليم الليبي |صحيفة=مجلة البحوث التاريخية |المجلد=1 |العدد= |صفحات=16. وُصل لهذا المسار بتاريخ [[5 نوفمبر]] [[2007]] |ناشر=منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |doi= |مسار=https://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 |تاريخ الوصول=| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20140423045201/http://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 | تاريخ أرشيف = 23 أبريل 2014 }}</ref> وكشفت المعركة لعمر المختار عن ملامح السياسة الفاشسيَّة الجديدة وهي الإبادة والتدمير للمصالح والرجال على حدٍ سواء، فاتخذ إجراءات ترحيل النساء والأطفال والشيوخ إلى السلّوم لحمايتهم من الغارات الجويَّة الإيطاليَّة، وتيسيرًا لسهولة تحرّك المجاهدين وفق ما يتطلبه الموقف الجديد. كما أعاد تنظيم المجاهدين على هيئة فرق صغيرة تلتحم مع العدو عند الضرورة، وتشغله في أغلب الأوقات مما يُقلل من نسبة الخسائر المحليَّة أثناء المعارك ويُلحق الخسائر الفادحة بالأعداء وفق التكتيك الجديد لحرب العصابات، ألا وهو الهجوم في الوقت المناسب والانسحاب عند الضرروة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=رايت |الأول=جون |وصلة مؤلف= |عنوان=تاريخ ليبيا |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1972]] |ناشر=دار الفرجاني |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=153 |صفحات=}}</ref> بالإضافة إلى ذلك، أيقن المُختار ضرورة العمل على التعريف بالقضيَّة الليبيَّة والنضال الليبي ضد إيطاليا في [[العالم الإسلامي|البلاد الإسلاميَّة]] والأوروبيَّة على حدٍ سواء، فطلب من بعض المجاهدين الهجرة إلى الخارج للتعريف بالقضيَّةِ في البلدان التي يحلّون بها، فكان من نتيجة هذا تشكيل الجاليات الليبيَّة في الخارج.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=بن موسى |الأول=تيسير |وصلة مؤلف= |عنوان=كفاح الليبيين السياسي في بلاد الشام، 1925-1950 ف |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[2006]] |ناشر=مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=140}}</ref>
 
وفي 10 أغسطس عام 1927 زحفت فرقة لورنزيني الإيطالية باتّجاه دور العبيد، وهو أحد معسكرات الثوار الأساسية ومكان إقامة عمر المختار آنذاك، ممَّا دفع الثوار إلى الانسحاب منه باتّجاه الجنوب الغربي، إلا أن الإيطاليين استمرُّوا بملاحقتهم بمساعدة الطيران الاستطلاعيّ الذي كان يدلّها على كافة تحرُّكات الثوار. وقد بدأ الصّدام في مساء اليوم التالي 11 أغسطس في وادي الشبولية، حيث حاصرت الفرقة الإيطالية الوادي من جهتيه وقصفته بالمدفعية، وبعد مقتل العشرات من الثوار تمكَّن عمر المختار من النجاة بمساعدة مجموعة صغيرة من رجاله واتَّجه شرقاً، إلا أنه ترك صندوق رسائل ووثائق خاصة حصل عليها الإيطاليون.<ref name="مولد تلقائيا2">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=126-127}}</ref>
 
== مرحلة المفاوضات ==
في شهر سبتمبر عام 1927، غزت جموع الزوية الجخرة ومرسى بريقة وجالو وأوجلة، وأنزلوا بالطليان خسائر فادحة، واشتدت مقاومة المجاهدين في الجبل الأخضر على الرغم من احتلال الطليان للواحات ومراكز السنوسيَّة الهامَّة، ففي أواخر شهر يناير سنة 1928 توجهت قوَّتان إيطاليَّتان بقيادة غراتسياني إلى فزان للاستيلاء على ما تبقّى منها، فلمَّا بلغ هذا الخبر آذان عمر المختار، قام برجاله وتمركزوا في مكان يقع بين جبلين يُعرفان بالجبال السود، وما أن وصل الطليان حتّى انقض المُجاهدون عليهم وأرغموهم على التقهقر، وعاود الطليان الكرَّة مجددًا لكنهم هُزموا مرَّة أخرى أمام المختار ورجاله وفرَّوا تاركين وراءهم غنائم وأسلابًا كثيرة.<ref name="المختار-شلبي">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=شلبي |الأول= محمود |وصلة مؤلف= |عنوان=حياة عمر المختار |مسار= https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb16968-141590&search=books |تاريخ الوصول= |سنة=[[1989]] |ناشر= دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=114-115|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200408213504/https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb16968-141590&search=books|تاريخ أرشيف=2020-04-08}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821223210/https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb16968-141590&search=books |date=21 أغسطس 2018}}</ref> فلم يعد هناك مناصٌ من أن يُعيد الطليان النظر في خططهم، مما أدى إلى وقوع أزمة كبيرة في روما، وبدأت الحكومة تبحث بصورة جديَّة وسائل إخماد المقاومة وترسم الخطط السياسية الجديدة التي ترأى ضرورة التقيّد بها في كل من برقة وطرابلس الغرب. وقد توقفت الأعمال العسكريَّة طلية ما تبقّى من سنة 1928،<ref>{{استشهادCite بدورية محكمةjournal|الأخير1=ضوي |الأول1=علي عبد الرحمن |الأخير2= |الأول2= |سنة=1984 |عنوان=المسؤولية الدولية عن الأضرار الناشئة عن مخلفات الحرب العالمية الثانية في الإقليم الليبي |صحيفة=مجلة البحوث التاريخية |المجلد=1 |العدد= |صفحات=17. وُصل لهذا المسار بتاريخ [[5 نوفمبر]] [[2007]] |ناشر=منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |doi= |مسار=https://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 |تاريخ الوصول=| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20140423045201/http://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 | تاريخ أرشيف = 23 أبريل 2014 }}</ref> بعد أن أدركت الحكومة أنَّه لا فائدة من الاستمرار في العمليَّات العسكريَّة ضد المجاهدين، وقال الزعيم الإيطالي [[بينيتو موسوليني]]: {{اقتباس مضمن|إننا لا نُحارب [[ذئب رمادي|ذئابًا]] كما يقول غراتسياني، بل نحارب [[أسد|أسودًا]] يُدافعون بشجاعة عن بلادهم. إنَّ أمد الحرب سيكون طويلًا}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=14 |صفحات=}}</ref>
 
خلال شهر ديسمبر من عام 1928، استقال كلٌّ من فيدرزوني وزير المستعمرات الإيطالي، وديبونو حاكم طرابلس الغرب، وتيروتزي حاكم برقة، فعُيِّن ديبونو وزيرًا للمستعمرات وأعلن موسوليني توحيد الإدارة في القطرين الليبيين، وعين [[مشير (رتبة عسكرية)|المشير]] [[بييترو بادوليو|بادوليو]] حاكمًا على طرابلس الغرب وبرقة. تولّى بادوليو مهامه بداية شهر يناير من عام [[1929]]، واتبع برنامجًا مبنيًا على كسب الوقت أولًا ثم العمل رويدًا رويدًا من أجل تقوية المراكز المُحتلّة والقضاء على المقاومة الليبيَّة، فقام تخفيض عداد الجيش إلى القدر الذي يكفي للقيام بحرب العصابات، وحاول الحفاظ على هيبة الحكومة عبر إنفاقه الأموال المتوفرة في مد الطرق في الجبل الأخضر مما يسهل عليه التنقلات العسكريَّة، تمهيدًا للقيام بهجوم شامل كاسح على المجاهدين يقضي عليهم، ولمَّا كانت هذه الخطة تتطلَّب وقتًا، وتخوّفت الحكومة من اطلاع المختار عليها، سعت إيطاليا إلى مفاوضة عمر المختار لتهدئة الأحوال وضمان استقرار الأوضاع للفترة اللازمة فقط.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=محمود |الأول=شلبي |وصلة مؤلف= |عنوان=حياة عمر المختار |مسار=|تاريخ الوصول= |سنة=[[1989]] |ناشر=دار الجيل |مكان=[[بيروت]]-[[لبنان]] |الرقم المعياري= |صفحة=119 |صفحات=}}</ref>
 
=== مفاوضات السلام في سيدي ارحومة ===
[[ملف:Omar Mukhtar-عمر المختار.jpg|تصغير|يمين|صورة لعمر المختار.]]
خلال منتصف فبراير سنة [[1929]]، نزلت قوات المجاهدين من جبل الهروج للانقضاض على [[النوفلية]] من جانب وعلى إجدابيا من جانب آخر، فاجتمعت ثم انقسمت ثلاث فرق التحمت إحداها مع الطليان في معركة عند قارة سويد في [[5 مارس]]، واشتبكت الثانية معهم في معركة كبيرة عند النوفلية في [[14 مارس]]، واتجهت الثالثة صوب منطقة العقيلة في [[23 مارس]]، واستقر المجاهدون في [[جبل سلطان]]، لكنهم لم يمكثوا طويلًا إذا اضطرّوا إلى الانسحاب أمام القوَّات الإيطاليَّة العظيمة صوب وادي الفارغ.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=321 |صفحات=}}</ref> كان لتلك الأعمال الأثر الأكبر في إقناع بادوليو بضرورة العمل فورًا من أجل استمالة المجاهدين إلى المفاوضة إذا أراد أن يضع برنامجه الواسع موضع التنفيذ، فطلب من أحد القادة العسكريين، وهو [[عقيد (رتبة عسكرية)|العقيد]] باريلا، أن يُعلم عمر المختار برغبته بالاجتماع به للمفاوضة في شروط الصلح، فحدد باريلا موعدًا للاجتماع دون أن ينتظر جواب المختار، إذ أراد أن ينتهز فرصة اطمئنان المجاهدين لقرب بداية المفاوضات وانشغالهم [[عيد الفطر|بعيد الفطر]]، فانقض الطليان عليهم وهم يؤدون [[صلاة العيدين|صلاة العيد]]، لكن المختار ورجاله تكمنوا مرَّة أخرى من ردّ الطليان على أعقابهم. أمام هذا الواقع، كلَّف بادوليو متصرف درنة المدعو "دودياشي" لتمهيد المفاوضة مع عمر المختار وصحبه، فاتصل بالمجاهدين واقترح على المختار أن يكون الاجتماع يوم 2 مارس في منزل علي باشا العبيدي للبحث في موضوع الصلح، غير أنَّ اللقاء طال حتى حصل أخيرًا يوم 20 مارس، إذ كان المختار قد اشترط على الحكومة الإيطاليَّة أن تُظهر حسن نواياها، وذلك عبر إطلاق سراح السيّد محمد الرضا وإعادته إلى برقة من منفاه، ولم يقبل الاجتماع مع أي مسؤول إيطالي قبل حصول ذلك.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=19 |صفحات=}}</ref>
 
اجتمع عمر المختار مع مندوب الحكومة دودياشي في منزل على العبيدي كما تمَّ الاتفاق، وحضر الاجتماع عدد كبير من مشايخ البلاد وأعيانها، ثمَّ أُجِّلت المُفاوضة إلى الأسبوع التالي، وانعقد اجتماع آخر في سانية القبقب ولم يستطع المتفاوضون التوصل إلى نتيجة مُرضية. عاد المختار واجتمع مع باريلا في الشليوني في الجبل الأخضر في يوم [[6 أبريل]] ولم يصل المتفاوضون إلى نتيجة، وفي [[20 أبريل]] عادت المباحثات في بئر المغارة بوادي القصور بحضور عدد من الأعيان والأكابر، وخلالها خيَّر مفوَّض الحكومة الإيطاليَّة عمر المختار بين ثلاثة أمور: الذهاب إلى [[الحجاز]]، أو إلى مصر، أو البقاء في برقة، فإذا رضي بالبقاء في برقة أجرت عليه الحكومة مرتبًا ضخمًا وعاملته بكل احترام، ولكن المختار رفض هذه الشروط رفضًا قاطعًا.<ref name="مفاوضات المختار والطليان">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]]|صفحة=20 |صفحات=}}</ref> واستؤنفت المفاوضات في هذه المرة في مكان يسمَّى قندولة بالقرب من سيدي رويفع، وحضر الاجتماع عدد من كِبار الضبَّاط الذين عقدوا العزم على الإيقاع بالمختار وأسره، لكن الأخير كان قد احتاط للأمر ولم يسفر هذا الاجتماع عن شيء.<ref name="مفاوضات المختار والطليان"/> وفي [[26 مايو]] بدأت المفاوضات من جديد، فحضر المختار إلى مكان قريب من القبقب. وفي هذا الاجتماع قدّم الوفد الإيطالي فيه صيغة تقريرية لشروط إيطاليا وأبرزها تسليم المجاهدين نصف سلاحهم مقابل ألف ليرة للبندقية، وضم نصف المجاهدين الآخر الذي احتفظ بسلاحه إلى تنظيمات تنشئها الحكومة لفترة من الزمن يُتفق عليها إلى أن يتم إعداد المكان المناسب لإقامتهم وتموينهم ومراقبتهم، <ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=ديل بوكا |أنجيلوfirst= |وصلة مؤلف= |عنوان=الإيطاليون في ليبيا، الجزء الثاني |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1995]] |ناشر= ترجمة محمود علي التائب؛ مراجعة عمر محمد الباروني |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=296 – 298}}</ref> ولم تتضمن تلك الشروط أي حق سياسي لليبيين وقد رفضها المختار بشدَّة كما عارض فكرة نزع السلاح من المجاهدين. وعُقد اجتماع ثالث في قندولة حضره عدد من قادة المقاومة وعدد آخر من الأعيان والمشايخ، ولم يُخف المختار في هذا الاجتماع شكوكه في نوايا إيطاليا، فطلب حضور مراقبين من مصر و[[تونس]] يشهدون على الاتفاق الذي يتم التوصل إليه، <ref name="وهبي البوري">[http://salahabdelaziz.maktoobblog.com/1622661/عـمر-المختار-و-بادوليو-أو-مفاوضات-سيدي/ عـمر المختار وبادوليو - أو مفاوضات سيدي ارحومه.] تأليف: د. وهـبي البوري. تاريخ التحرير: [[11 يونيو]] [[2011]]</ref> كما وضع عشرة شروطٍ لعقد لصلح مع إيطاليا من بينها - والمساواة بين الليبيين والمستوطنين الطليان بالإضافة إلى حضور المراقبين - كفل الحقوق الدينية والثقافية بالسماح بتدريس [[إسلام|الدين الإسلامي]] و[[اللغة العربية]] والحقوق السياسية بالسماح للشعب بانتخاب الحكومة علاوة على ترك السلاح في أيدي المواطنين الليبيين، <ref name="طاهر الزاوي23-24">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص123-124: "شروط السيد عمر".</ref> ويقول شهود عيان أن هذا اللقاء كان صاخبًا وتبودلت فيه الاتهامات إلّا أنه تم الاتفاق على لقاء عمر المختار مع الفريق أوَّل سيشلياني نائب الحاكم في برقة، وقد تم هذا اللقاء يوم [[3 يونيو]] [[1929]].<ref name="وهبي البوري"/> ويبدو أن الفريق أوَّل سيشلياني أقنع المختار أن لقاءه مع المشير بادوليو قد يكون مفيدًا ومثمرًا، وتمَّ الاتفاق على أن يُعقد في سيدي ارحومة بالقرب من المرج يوم [[19 يونيو]].
[[ملف:Sidi Rhuma meeting.jpg|تصغير|لقاء سيدي ارحومة الذي حضره كل من عمر المختار (الثاني من اليسار)، و[[بييترو بادوليو|پيترو بادوليو]] (الرابع من اليمين)، حاكم طرابلس الغرب وبرقة، وسيشلياني (الثاني من اليمين)، نائب حاكم برقة.]]
وقع اللقاء التاريخي بين حاكم ليبيا العام وقائد الثورة في برقه في المكان والزمان المحددين للتفاوض من أجل إحلال السلام في ربوع ليبيا، ووصل عمر المختار إلى سيدي ارحومة على رأس أربعمائة مقاتل وقد طوقوا المنطقة واتخذوا احتياطات أمنيَّة للمحافظة على زعيمهم، ووصل بادوليو ورفاقه في أربع سيَّارات يرافقهم حشد من كبار الضبَّاط ورجال الجيش والشرطة والموظفين. وفي الاجتماع قرأ المجاهدون شروطهم التي تسلمها بادوليو ووعد برفعها إلى رؤسائه، ودار نقاش حول السلام والتنازلات التي قدمها كل من الطرفين واقترح المشير بادوليو عقد هدنة لمدة شهرين تتوقف فيها جميع العمليات العسكرية لأن المفاوضات قد تستغرق بعض الوقت ويجب أن تدور في جو هادئ، ووافق المختار على ذلك. وانتهى الاجتماع بصورة ودّية وتبادل الطرفان الهدايا، فقد وزّع بادوليو [[ساعة يد|ساعات]] [[ذهب]]ية على مساعدي عمر المختار وأهدى الأخيرُ [[خيل عربية|جوادًا عربيًّا]] أصيلًا إلى بادوليو، وأُخذت الصور التذكارية للمفاوضين يتوسطهم عمر المختار وبادوليو. وكان لقاء عمر المختار ببادوليو لقاء الند للند. وقد وصف الكاتب الإيطالي كانيڤاري اللقاء فقال: {{اقتباس مضمن|وصل عُمر المُختار مكان الاجتماع محاطًا بفرسانه كما يصل المُنتصر الذي جاء ليملي شروطه على المغلوب}}.<ref>E.Canaevari-La Guerra Italiana – roma 1948. P.326</ref>
سطر 104:
تم الاتفاق على عقد لقاءٍ جديدٍ في 26 يوليو بسيدي رويفع بين عمر المختار وسسيشلياني، فذكره عمر المختار بوعد الطليان بأن يوافقوا على شروطه العشرة، إلا أن سيشلياني تحجَّج بعدم إمكانية عقد الاتفاق إلا في بنغازي، ووافق عمر المختار. أرسل المختار الحسن بن رضا السنوسي نائباً عنه، فأقام الحسن في [[بنغازي]] 15 يوماً، ثمَّ عاد إليه بعد توقيع المعاهدة يحمل شروطاً مختلفةً تماماً عن تلك التي كان قد اتفق عليها المختار مع الطليان بالأصل، <ref name="طاهر الزاوي130">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص130: "الحسن بن رضا السنوسي".</ref> تشمل منح صلاحيات للحكومة الإيطالية بوضع رجال عمر المختار في معسكرٍ خاص تنقلهم متى وكيفما شاءت وتبدل أسلحتهم كيفما شاءت وتضعهم تحت إمرة ضابط إيطالي وتدفع لهم مرتَّبات شهرية بل وبإمكانها تسريحهم عند الضرورة، كما تدفع الحكومة للمختار والحسن مرتبات شهريَّةً مع أماكن إقامة.<ref name="طاهر الزاوي131">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص131: "شروط الحسن".</ref> وقد رفض عمر المختار هذه الشروط رفضاً تاماً، وقال للحسن: {{اقتباس مضمن|لقد غرُّوك يا بنيّ بمتاع الدنيا الفاني}}، <ref name="ReferenceA">عصام عبد الفتاح، كتاب "عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين". ص42. دار كنوز للنشر والتوزيع [[القاهرة]]، [[مصر]].</ref> ثم قال للحاضرين {{اقتباس مضمن|إنّي لا أرضى بهذه الشروط، وأفضّل الموت جوعاً وعطشاً ولا ألقي بنفسي وإخواني بين أيدي الإيطاليين يتصرَّفون فينا كما شاؤوا}}، ورفض باقي الحاضرون الشروط، فعندها غضب الحسن، وطلب ممَّن يؤيده أن يقوم معه، فقام معه 300 رجل، وذهبوا إلى الإيطاليين في بنغازي، ومنذ ذلك الوقت انقطعت علاقات عمر المختار مع الحسن بن رضا.<ref name="طاهر الزاوي132">[[الطاهر الزاوي|طاهر الزاوي]] (2004)، "عمر المختار"، مرجع سابق، ص132-134: "شروط الحسن".</ref>
 
عاد بادوليو من سيدي ارحومة إلى [[بنغازي]] يحمل مفاجأة كبيرة أذهلت الجميع، فقد أبرق إلى [[روما]] معلنًا أنَّ عمر المختار ورجاله قد استسلموا دون ذكر الشروط التي تم على أساسها الاستسلام، وعقد في طرابلس الغرب مؤتمرًا صحافيًّا نفى فيه أنه قام بمفاوضات مع عمر المختار وأنَّ الأخير استسلم بناء على ضغط رجاله الذين أرهقتهم الحرب والحرمان والمصاعب، وذُهل الناس في ليبيا لهذا النبأ، وكان عمر المختار أكثرهم ذهولًا، فهو لم يستسلم ولم يعد بادوليو بشيءٍ باستثناء الاتفاق على هدنةِ شهرين، غير أن هذا الاستسلام المزعوم كذَّبته الوقائع فقد ظل عمر المختار ورجاله محتفظين بسلاحهم ينتظرون رد [[تاريخ الفاشية الإيطالية|إيطاليا]] بخصوص مواصلة المفاوضات ولكن الإيطاليون صدقوا بادوليو وظلوا ينتظرون وصول عمر المختار إلى بنغازي مستسلمًا وطال انتظارهم ولم يسلّم المجاهدون [[بندقية (توضيح)|بندقية]] واحدة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=299 |صفحات=}}</ref>
 
=== ما بعد المفاوضات ===
كان موقف بادوليو حرجًا وصعبًا وقد اهتزت مصداقيته، فاستسلام عمر المختار لم يتحقق والثورة لم تنته وبدأت روما تتسائل عن حقيقة الموقف، غير أن بادوليو صمم على السير في طريقه وصمّ أذنيه عن الانتقادات وكان واثقًا من أن الثورة في طريق الانهيار بعد أن انفصل عنها البعض، وبعد أن واصل العملاء وكبار الموظفين مساعيهم لتمزيق ما تبقى من الثوّار مع عمر المختار. وكان بادوليو مقتنعًا أنَّ هدنة لبضعة أشهر يصحبها عمل ذكي لعمليات الإغراءات المالية وشق صفوف الثوار تكفي للوصول إلى سلم يؤمن سيادة إيطاليا الكاملة على ليبيا. كما كان مستعدًّا لتقديم الكثير إلى عمر المختار على المدى المباشر دون أن يصل إلى اتفاقية رسمية مكتوبة كان الطرف الليبي يُطالب بها، وقد وعده الفريق أوَّل سيشلياني بها، وقد راهن بادوليو على الخلافات التي يغذيها الإيطاليون وعلى تعب سكان الجبل الأخضر وهي عوامل تجعل من استئناف القتال في وقت قريب أمرا مستحيلًا.<ref>{{استشهادCite بدورية محكمةjournal|الأخير1=روشات |الأول1=جورج |الأخير2= |الأول2= |سنة=[[1937]] |عنوان=قمع المقاومة العربية في برقة 1930-1931 |مجلة حركة تحرير إيطاليا journal= |المجلد=ينايرـ مارس |العدد= |صفحات=320 |ناشر= |doi= |مسار= |تاريخ الوصول=}}</ref> غير أن عمر المختار كان أبعد نظرًا فقد أدرك من البداية حدود اللعبة الإيطالية فأخذ حذره وابتعد بقواته عن المراكز الإيطالية ليجنبها عمليات الإغراءات والاستقطاب التي وقع فيها البعض وواصل احترامه للهدنة على أمل مواصلة المفاوضات وقد بعث برسالة إلى الفريق أوَّل سيشلياني يوم [[29 يونيو]] سنة [[1929]]، يلفت نظره إلى المماطلة الإيطالية والتسويف في استئناف المفاوضات وإلى تصرفات كبار الموظفين الإيطاليين والعملاء لبث الفتنة بين المجاهدين واستمالتهم إلى إيطاليا عن طريق الإغراءات الماديَّة والمالية وكانت رسالة المختار واضحة فقد أراد أن يشعر بادوليو أنه على علم بمخططاته ومحولاته للقضاء على الثورة بدون حرب.<ref name="ليبيا وطننا">[https://www.libya-watanona.com/adab/welbouri/wb16096a.htm ليبيا وطننا: عـمر المختار وبادوليو أو مفاوضات سيدي ارحومه] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20120627213936/http://www.libya-watanona.com/adab/welbouri/wb16096a.htm |date=27 يونيو 2012}}</ref> وطلب المختار في نفس الرسالة تحديد موعد لمقابلة الفريق أوَّل سيشلياني، وفي حالة الرفض أو عدم الإجابة يكون عمر المختار في حل مما قيدته به آداب المجاملة في انتظار نتيجة المفاوضات، وسوف تعود الأمور لما كانت عليه، وكان جواب إيطاليا هو أنها على استعداد ولا داعي للإنذار بإعادة الحرب.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=111-112}}</ref>
 
وفي يوم [[25 سبتمبر]] أرسل عمر المختار رسالة إلى سيشلياني أشعره فيها بأن مندوبي الحكومة ورؤساء التفاوض المرتبطين بالسلطات الإيطاليَّة يقومون ببث الخلاف بين المجاهدين بمساعدة بعض المتصرفين الذين يقومون بتوزيع المؤن والأغذية وأن المسؤوليَّة تقع على الحكومة إذا تسبب ذلك في سوء تفاهم.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة المهدأة |مسار=https://www.dandis.ps/BookDetails.aspx?itemNo=1361 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1975]] |ناشر= دار الفرجاني للنشر والتوزيع، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: محمد بشير الفرجاني |مكان=[[نابلس]] - [[الضفة الغربية]] - [[فلسطين]] |الرقم المعياري= |صفحة= 32 |صفحات=| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20160927071854/http://www.dandis.ps/BookDetails.aspx?itemNo=1361 | تاريخ أرشيف = 27 سبتمبر 2016 }}</ref> وفي [[19 أكتوبر]] بعث عمر المختار برسالة إلى بادوليو ينذره بأن الهدنة لن تجدد بعد الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وبعث في نفس الوقت ببيان إلى الصحافة المصريَّة نشرته صحيفتا [[المقطم (جريدة)|المقطم]] و[[الأهرام (جريدة)|الأهرام]] يوم [[20 أكتوبر]] ضمنه مجمل الحوار الذي دار بينه وبين بادوليو في سيدي ارحومة والذي صحح فيه الوقائع التي كان يذيعها الإيطاليون على غير جديتهم ومحاولاتهم تدمير المقاومة عن طريق شراء الضمائر والدسيسة وشق الصفوف وأكد أن اجتماع سيدي ارحومة انتهى بالاتفاق على الهدنة وقد سلَّم الجانب الليبي شروطه إلى بادوليو الذي وعد بنقلها إلى رؤسائه. وقد أحدث بيان عمر المختار الذي نشرته الصحافة المصرية هزَّة في روما وغضبًا بسبب الأوضاع المتردية في ليبيا والتي يبدو أن بادوليو عاجز عن حلها.<ref name="ليبيا وطننا"/> حاول بادوليو إقناع المسؤولين في روما بأن الأمور سائرة على ما يرام، وأرسل يوم 16 نوفمبر 1929 برقيَّة إلى وزير المستعمرات جاء فيها: {{اقتباس مضمن|لا أدري ما هي الأكاذيب الأخرى التي يخترعها عمر المختار لاتهام الحكومة بأنها لم تفِ بكلمتها وأنكم تعلمون أن خيال المشايخ [[عرب|العرب]] واسع عندما يتعلق الأمر بإخفاء الحقائق ولا يجب العدو ورائهم وإنما ضربهم بقوة.. فإذا ظلت حركة عمر المختار معزولة فيكون من السهل القضاء عليها، إن ثُلثيّ الثوَّار سيكونون في جانبنا، إنَّ الوضع لا يثير أي قلق وسنتغلب عليه في وقت قصير}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=ديل بوكا |أنجيلوfirst= |وصلة مؤلف= |عنوان=الإيطاليون في ليبيا، الجزء الثاني |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1995]] |ناشر= ترجمة محمود علي التائب؛ مراجعة عمر محمد الباروني |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=162 |صفحات=}}</ref><ref>{{استشهادCite بدورية محكمةjournal|الأخير1=البوري |الأول1=وهبي |الأخير2= |الأول2= |سنة=[[2005]] |عنوان=عـمر المختار وبادوليو أو مفاوضات سيدي ارحومه |صحيفة=مجلَّة تراث الشعب |المجلد=25 |العدد=1-2 |صفحات= |ناشر= |doi= |مسار= |تاريخ الوصول=4 March 2013}}</ref>
 
== انفجار الموقف ==
[[ملف:Omar Mukhtar 14.jpg|تصغير|المختار (يُشار إليه بسهم) وسط رجاله.]]
ما أن تجلّى لعمر المختار صحَّة ما اعتقد به منذ البداية، وهو عدم جدوى المفاوضات السياسيَّة مع الدولة المُستعمرة، <ref>{{استشهادCite بدورية محكمةjournal|الأخير1=أحمد |الأول1=حسن علي |الأخير2= |الأول2= |سنة=[[1988]] |عنوان=عمر المختار في ذكرى استشهاده |صحيفة=مجلَّة البيان |المجلد=15 |العدد=ربيع الثاني |صفحات=87 |ناشر= |doi= |مسار=https://www.majalisna.com/docs/viewdoc.php?DOCID=1870 |تاريخ الوصول=4 مارس 2013| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20200408213217/https://www.majalisna.com/docs/viewdoc.php?DOCID=1870 | تاريخ أرشيف = 8 أبريل 2020 }}</ref> حتى خاطب المجاهدين وأبناء شعبه قائلًا: {{اقتباس مضمن|فليعلم إذًا كلُّ مجاهد أنَّ غرض الحكومة الإيطاليَّة إنما بث الفتن والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا واغتصاب كل حق مشروع لنا كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة، ولكن بحمد [[الله]] لم توفق إلى شيء من ذلك. وليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطاليَّة شريفة، وما مقاصدنا إلا المطالبة بالحرية وإن مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كل حركة قوميَّة تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي وتقدمه... فهيهات أن يصل الطليان إلى غرضهم مادامت لنا [[قلب|قلوبٌ]] تعرف أن في سبيل الحرية يجب بذل كل مرتخصٍ وغالٍ}}. ثمَّ ختم المختار هذا النداء بقوله: {{اقتباس مضمن|لهذا نحن غير مسؤولين عن بقاء هذه الحالة الحاضرة على ما هي عليه حتى يتوب أولئك الأفراد النزاعون إلى القضاء علينا إلى رشدهم ويسلكوا السبيل القويم ويستعملوا معنا الصراحة بعد المداهنة والخداع}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=303 |صفحات=}}</ref>
 
انفجر الموقف قبل ثلاثة أسابيع من الموعد الذي حدده عمر المختار لانتهاء الهدنة، فقد هاجمت مجموعة من المجاهدين دورية من الضابطيَّة وأبادتها، وتسبب الحادث في غضب الإيطاليين وبادوليو بصورة خاصَّة الذي انهارت آماله في إنهاء الثورة سلميًّا، وانزعج موسوليني وأوقف الاتصالات الجارية في مصر وأمر بالعودة إلى القوة والحرب.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=ديل بوكا |الأول=أنجيلو |وصلة مؤلف= |عنوان=الإيطاليون في ليبيا، الجزء الثاني |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1995]] |ناشر= ترجمة محمود علي التائب؛ مراجعة عمر محمد الباروني |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=161 |صفحات=}}</ref> اتهمت إيطاليا عمر المختار بالخيانة وخرق الهدنة، وعلى الرغم من أنَّ حادث الاعتداء على الدوريَّة الإيطاليَّة كان مُحاطًا بالغموض، وتأكيد عمر المختار أنّه لم يأمر بعمل كهذا وهو الذي حدد موعد انتهاء الهدنة وهو الحريص على وعوده وتعهداته. ويُرجّح أنَّ الذي دبر الحادث هو من المستفيدين من الحرب وبعضهم كان يتعاون مع الثوّار ويبيع لهم السلاح. وكان رد فعل الفريق أوَّل سيشلياني على قتل أفراد الدورية إرسال أربع [[طائرة مقاتلة|طائرات]] لقصف منتجعات المجاهدين بمن فيها من نساء وأطفال وشيوخ وقد تمكن المجاهدون من إسقاط إحدى الطائرات وأسر طيَّارها، وأصدر سيشلياني بعد مرور يوم على الحادث بيانًا قال فيه: {{اقتباس مضمن|لقد فرضت علينا خيانة عمر المختار استئناف الحرب ضد الثوَّار وسيكون قتالا شاملا بدون رحمة أو توقف ضد كل من يرفع السلاح في وجه الحكومة أو حمله بدون ترخيص}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=ديل بوكا |الأول=أنجيلو |وصلة مؤلف= |عنوان=الإيطاليون في ليبيا، الجزء الثاني |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1995]] |ناشر= ترجمة محمود علي التائب؛ مراجعة عمر محمد الباروني |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=162 |صفحات=}}</ref> وما لبثت المعارك أن انتشرت في منطقة الجبل الأخضر حتى أُقفلت جميع الطرق، <ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=34 |صفحات=}}</ref> فحشد الإيطاليّون قوَّاتهم وطائراتهم وآليَّاتهم لمهاجمة وتطويق الثوَّار وإبادتهم، وتولّى الطيران الدور الأول في المعركة. لكن القوّات الإيطاليَّة فشلت في مهمتها وتمكن الثوَّار من الإفلات من عملية التطويق بفضل استماتة قوَّات الحماية كما اعترف الفريق أوَّل سيشلياني بذلك. وكانت هذه أول معركة يخوضها بادوليو ضد المجاهدين ولم تختلف نتائجها عن نتائج المعارك التي سبقتها والتي أطاحت بثلاثة حكَّام طليان، وقد أدرك بادوليو أن خصمه شديد ومنظم وذكي ولا يُمكن التغلب عليه في حرب تقليديَّة وقد وصف بادوليو عمر المختار لوزير المستعمرات فكتب: {{اقتباس مضمن|عمر المختار هو المحور الذي تدور حوله الثورة وهو يحظى بسلطة ونفوذ مطلقين ولا يُشاركه أحد في السلطة ولديه نواب مخلصون وملتزمون فمن المستحيل استعمال الأسلوب المعتاد لاستغلال كوامن الغيرة والتنافس والحقد التي تتوفر دائماً حيث يوجد عدَّة زعماء، إن إرادة عمر المختار القويَّة هي التي تُملي القوانين في أي وقت وأي ظرف}}.<ref>أوراق غراتسياني – محفوظات الدولة المركزية روما ب 1 – ملف 2 – أورد ديلبوكا المذكور ص 179 حاشية. 13</ref>
 
=== حرب الإبادة وتعيين غراتسياني ===
[[ملف:Omar Shegewi.jpg|تصغير|يمين|من [[شنق|مشانق]] الطليان في ليبيا.]]
[[ملف:رودولفو قرسياني.jpg|تصغير|الفريق أوَّل رودولفو غراتسياني.]]
اهتز وضع المشير بادوليو بعد فشله في المفاوضات وبعد الإخفاق في الهجوم الذي قصد منه إنهاء الثورة، واستغل الفريق أوَّل دي بونو وزير المستعمرات تزعزع مركز بادوليو فانهال عليه بالتعليمات والتوجيهات وطلب منه إعفاء نائبه الفريق أوَّل سيشلياني وتعيين الفريق أوَّل غراتسياني بديلًا له، وكان دي بونو يريد أن يخلق من غراتسياني ندًا لبادوليو ومنافسًا له. وصل غراتسياني إلى بنغازي يوم [[7 مارس]] سنة [[1930]]، تحيط به هالة من البطولة والاعتداد بالنفس والغطرسة بعد أن قابل موسوليني في روما وأثنى عليه الأخير ووضع ثقته فيه، كما هتف له مجلس النواب الإيطالي. وشرع في عمله باتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعيَّة والتعسفيَّة، فأرسل بعض المشايخ إلى سجون إيطاليا وقرر توقيع [[عقوبة الإعدام]] على كل من يتعاون أو يتصل بالثوَّار وسجن معظم المشايخ وأعيان بنغازي ودرنة في قلعة بنينة، أمَّا أبرز ما فعله فكان إنشاء "المحكمة الطائرة"، وهي محكمة بكامل أجهزتها تقطع البلاد على متون الطائرات وتحكم على الأهالي بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشيّين، وكانت تلك المحاكم تنعقد بصورة سريعة وتصدر أحكامها وتُنفَّذ في دقائق وبحضور المحكمة نفسها لتتأكد من التنفيذ قبل أن تُغادر الموقع الذي انعقدت فيه لتنعقد في نفس اليوم بموقع آخر.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=126-127}}</ref> بل وقد أعلن جائزة قدرها 200,000 فرنك لقاء جلب عمر المختار سواءً حياً أو ميتاً.<ref name="مجلة البحوث4">د. هاشم يحيى الملاح، "جهاد عمر المختار وتضحيات الجماهير". ص20، مجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، السنة العاشرة، يوليو 1988. منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.</ref> كما ارتكب غراتسياني فظائع أخرى، فأنشأ معسكرات الاعتقال الجماعيَّة في الصحراء، وأحاطها بالأسلاك الشائكة، ونقل إليها كل من يربطه أي نوع من أنواع الصلات بأحد المجاهدين أو المهاجرين إلى مصر، ولم يُراع في ذلك سنّ المعتقلين ولا جنسهم ولا حالتهم الصحيَّة، فاعتقلت النساء والرجال، والشيوخ والأطفال، والصحاح والمُصابين بالأمراض والعاهات. كما أمر بإحراق الكثير من القرى المتعاونة مع الثوَّار، فدُمِّرت المنازل وأُحرقت المحاصيل الزراعيَّة، وأُهلكت الحيوانات فيما عدا ما استعمله الجيش الإيطالي للنقل، حتى أصبحت جميع مناطق الجبل والبطنان هلاكًا تلعب فيه الرياح.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة= |صفحات=113 و149}}</ref>
 
وقد كانت معسكرات المجاهدين قريبة من نواجع الأهالي حتى يسهل على المختار وصحبه أخذ العشور والحصول على الذخائر والأسلحة والمؤن، ولكن بعد حشر القبائل في المعتقلات الجماعيَّة تغيَّرت خطة عمر المختار وطوَّر أساليبه القتاليَّة لما يتماشى مع المرحلة واعتمد على عنصر المباغتة وركن إلى مفاجأة القوات الإيطاليَّة بعد كشفها والاستطلاع عليها في أماكن متفرقة.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=محمود |الأول=شلبي |وصلة مؤلف= |عنوان=حياة عمر المختار |مسار=|تاريخ الوصول= |سنة=[[1989]] |ناشر=دار الجيل |مكان=[[بيروت]]-[[لبنان]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=127-128}}</ref> قال غراتسياني في هذا المجال: {{اقتباس مضمن|بالرغم من إبعاد النواجع والسكَّان الخاضعين لحكمنا، يستمر عمر المختار في المقاومة بشدَّة ويلاحق قوَّاتنا في كل مكان}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=227 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وعلى الرغم من ذلك، فقد أصدر عمر المختار أوامره إلى رجاله بتجنُّب التعرض للسكان أو منعهم من الرحيل خشية انتقام الإيطاليين.<ref>عصام عبد الفتاح، كتاب "عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين". ص74. دار كنوز للنشر والتوزيع [[القاهرة]]، [[مصر]].</ref> استمرَّ غراتسياني في تدابيره العسكريَّة، فلم يأتِ يوم [[14 يونيو]] حتى كان الطليان قد استولوا على منطقة الفايدية، بأجمعها واحتلوها ونزعوا من الأهالي الخاضعين لهم 3175 بندقية، و60,000 [[خرطوش (توضيح)|خرطوش]].<ref name="رودلفو"/> في وقتٍ سابق، كانت قد سقطت [[الكفرة (ليبيا)|الكفرة]] في الجنوب والتي كانت المعقل الأساسي المتبقي لحركة المقاومة، ممَّا ترك عمر المختار في معزلٍ تامّ.<ref name="طاهر الزاوي70">كتاب "عمر المختار"، لطاهر الزاوي، مرجع سابق، ص154-155: "التضييق على السيد عمر".</ref> أمام هذا الواقع نقل عمر المختار دائرة عملياته إلى الناحية الشرقية في الدفنا نظرًا لقربها من الحدود المصريَّة وذلك حتى يتمكن من إرسال [[ماشية|المواشي]] التي يأتيه بها الأهالي إلى الأسواق المصرية في نظير أخذ حاجته من هذه الأسواق، مما جعل غراتسياني يقرر إقامة [[سلك شائك|الأسلاك الشائكة]] على طول الحدود الشرقيَّة.<ref name="رودلفو">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=229 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وقد تكلَّفت الحكومة الإيطاليَّة 20 مليون فرنك إيطالي حتى تمكنت من مدّ الأسلاك من حدود [[البحر الأبيض المتوسط|البحر المتوسط]] إلى ما بعد الجغبوب، لكنها بالمقابل، وكما ذكر غراتسياني في مذكراته، أدَّت النتيجة المرجوَّة، فحرمت الثوَّار من الإمدادات التي كانت تأتيهم من مصر عن طريق المهاجرين.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=232-233|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
== المختار في الأسر ==
=== اعتقال المختار ===
في شهر أكتوبر سنة [[1930]] تمكن الطليان من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثروا عقب انتهائها على [[نظارة|نظّارات]] عمر المختار، كما عثروا على [[خيل|جواده]] المعروف مجندلًا في ميدان المعركة؛ فثبت لهم أن المختار ما زال على قيد الحياة، وأصدر غراتسياني منشورًا ضمنه هذا الحادث حاول فيه أن يقضي على "أسطورة المختار الذي لايقهر أبدًا" وقال متوعدًا: {{اقتباس مضمن|لقد أخذنا اليوم نظارات المختار وغدًا نأتي برأسه}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة= |صفحات=130-133}}</ref>
[[ملف:Omar Mukhtar 1.jpg|تصغير|يمين|المُختار بعد أسره ونقله بالطرَّاد إلى بنغازي.]]
وفي [[11 سبتمبر]] من عام [[1931]] توجَّه عمر المختار بصحبة عدد صغير من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابي [[رويفع بن ثابت]] بمدينة [[البيضاء (ليبيا)|البيضاء]]. وكان أن شاهدتهم وحدة استطلاع إيطاليَّة، وأبلغت حامية قرية [[السلنطة]] التي أبرقت إلى قيادة الجبل باللاسلكي، فحرّكت فصائل من الليبيين والإرتريين لمطاردتهم. وإثر اشتباك في أحد الوديان قرب عين اللفو، جرح حصان عمر المختار فسقط إلى الأرض. وتعرّف عليه في الحال أحد الجنود المرتزقة الليبيين فيقول المجاهد [[التواتي عبد الجليل المنفي]]، الذي كان شاهدًا على اللحظة التي أُسر فيها عمر المختار من قبل الجيش الإيطالي: {{اقتباس مضمن|كنَّا غرب منطقة سلنطة... هاجمنا الأعداء الخيَّالة وقُتل حصان سيدي عمر المختار، فقدَّم له ابن اخيه المجاهد حمد محمد المختار حصانه وعندما همَّ بركوبه قُتل أيضًا وهجم الأعداء عليه.. ورآه أحد المجندين العرب وهو مجاهد سابق له دوره. ذُهل واختلط عليه الأمر وعزَّ عليه أن يُقبض على عمر المختار فقال: "يا سيدي عمر.. يا سيدي عمر!!" فعرفه الأعداء وقبضوا عليه. وردَّ عمر المختار على العميل العربي الذي ذكر اسمه واسمه عبد الله بقوله: "عطك الشر وابليك بالزر"}}.<ref>[https://akhbaarlibya.com/ar/news.php?id=918 موفع اخبار ليبيا]</ref><ref>كتاب سيرالاجداد بين الابتلاء والغبن والتخوين: الشارف الغرياني نموذجا. تاليف د. فرج عبد العزيز نجم</ref>
[[ملف:Omar Mokhtar arrested by Italian Officials.jpg|تصغير|عُمر المختار في الأسر وقد كُبِّل بالسلاسل دون مراعاة سنّه وحالته الصحيَّة.]]
نُقلت برقية من موريتي، النبأ إلى كلٍ من وزير المستعمرات دي بونو وحاكم ليبيا بادوليو والفريق أوَّل غراتسياني، جاء فيها:
{{اقتباس مضمن|تمَّ القبض على عمر المختار.. في عملية تطويق بوادي بوطاقة جنوب [[البيضاء (ليبيا)|البيضاء]]. وقد وصل مساء الأمس إلى [[سوسة (توضيح)|سوسة]] الكومنداتور دودياتشي الذي تعرف عليه ووجده هادئ البال ومطمئنًا لمصيره، الخسائر التي تكبدها المتمردون هي 14 قتيلًا}}.<ref name="صحيفة الجيل">[https://www.jeel-libya.net/show_article.php?id=16976&section=7 صحيفة الجيل] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200117155822/https://www.jeel-libya.net/show_article.php?id=16976&section=7 |date=17 يناير 2020}}</ref> وتمَّ استدعاء أحد القادة الطليان، وهو متصرف [[الجبل الأخضر (ليبيا)|الجبل الأخضر]] دودياشي الذي سبق أن فاوض عُمر المختار للتثبت من هوية الأسير. وبعد أن التُقطت الصور مع الأسير، نُقل عمر المختار إلى مبنى بلدية [[سوسة (توضيح)|سوسة]]، ومن هناك على ظهر طرَّاد بحري إلى سجن [[بنغازي]] مُكبّلًا بالسلاسل.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=146 |صفحات=}}</ref> يقول غراتسياني في مذكراته أنَّه خلال الرحلة إلى بنغازي، تحدَّث بعض السياسيين مع عمر المختار ووجهوا إليه الأسئلة، فكان يجيب بكل هدوء وبصوت ثابت وقوي دون أي تأثر بالموقف الذي هو فيه.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=274 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وقال أيضًا: {{اقتباس مضمن|هذا الرجل اسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام لأنه الرأس المُفكر والقلب النابض للثورة العربيَّة (الإسلاميَّة) في برقة وكذلك كان المُنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا في أيدينا}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=266-267|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
=== في السجن ===
[[ملف:Omar Mukhtar 3.jpg|تصغير|يمين|كوكبة ضخمة من القوَّات والجنود أثناء نقل المختار بعد أسره.]]
[[ملف:Omar Mukhtar-عمر المختار2.jpg|تصغير|عمر المختار جالسٌ على الأرض في زنزانته.]]
عندما وصل الأسير إلى بنغازي، لم يُسمح لأي مراسل جريدة أو مجلَّة بنشر أية أخبار أو مقابلات، وكان على الرصيف مئات من المشاهدين عند نزوله في الميناء ولم يتمكن أي شخص مهما كان مركزه أن يقترب من الموكب المُحاط بالجنود المدججين بالسلاح. ونُقل المختار في سيَّارة السجن تصحبه قوَّة مسلَّحة [[رشاش|بالمدافع الرشَّاشة]] حيث أودع في زنزانة صغيرة خاصة منعزلة عن كافَّة [[سجين سياسي|السجناء السياسيين]] وتحت حراسة شديدة، وكان يتم تغيير الحرَّاس كل فترة. ويقول مترجم كتاب "برقة الهادئة" الأستاذ إبراهيم سالم عامر أنَّ زنزانة عمر المختار كانت تحوي سريرًا من [[خشب]] و[[نسيج (قماش)|قماش]] وعلى أرضيَّتها قطعة من السجَّاد البالي لأجل وقع الرجلين عليه، ويُضيف أنَّ المختار كان يجلس عليها ويُسند ظهره على الجدران ويمد رجليه إلى الأمام حتى يُريحهما.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=274-275|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
أثناء مكوث عمر المختار في السجن، أراد المأمور رينسي، وهو السكرتير العام لحكومة برقة، في أمسية الرابع عشر من سبتمبر أن يُقحم الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار فأبلغه بأنَّ المختار طلب مقابلته، أي الغرياني، وأنَّ الحكومة الإيطاليَّة لا ترى مانعًا من تلبية طلبه، وذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة المختار، وعندما التقيا خيَّم السكون الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الشارف الغرياني مثلًا شعبيًّا مخاطبًا به المختار: {{اقتباس مضمن|الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل}}، وماكاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدَّة إلى الشارف الغرياني وقال له: {{اقتباس مضمن|الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه}} وسكت هنيهة ثم أردف قائلًا: {{اقتباس مضمن|ربِّ هب لي من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين، أنني أومن بالقضاء والقدر، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله، إنني متعبٌ من الجلوس هنا، فقل لي ماذا تريد؟}}، وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرّر به فزاد تأثره وقال للمختار: {{اقتباس مضمن|ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك...}} فقال المختار: {{اقتباس مضمن|والجبل الشامخ أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد}}، ووقف دون أن ينتظر جوابًا من الشارف الغرياني، وعاد الأخير إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرّح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته، ولما سُئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه بيتان من الشعر:<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=166-167}}</ref>
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|عليه ثيابٌ لو تُقاس جميعها|بفلسٍ لكان الفلسُ منهن أكثرا}}
سطر 148:
لم يصدق وزير المستعمرات الخبر في البداية. وغراتسياني الذي كان متوجهًا إلى [[باريس]] نزل من [[قطار]]ه ليعود مسرعًا إلى بنغازي. ثم انقلبت دهشتهم إلى فرح هستيري، والإصرار على "محاكمة فوريَّة والإعدام بصورة صاخبة ومُثيرة" كما جاء في برقيَّة دى بونو وزير المستعمرات إلى بادوليو حاكم ليبيا. لكن ما فاجأ الطليان كان هدوء الأسير وصراحته المُذهلة في الرد على أسئلة المُحققين، بثباتٍ تام ودون مراوغة، إذ قال لهم: {{اقتباس مضمن|نعم قاتلت ضد الحكومة الإيطاليَّة، لم أستسلم قط. لم تخطر ببالي قط فكرة الهرب عبر الحدود. منذ عشر سنوات تقريبًا وأنا رئيس المحافظية. اشتركت في معارك كثيرة لا أستطيع تحديدها. لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة. وما وقع ضد إيطاليا والطليان، منذ عشر سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني. كانت الغارات تُنفَّذ بأمري، وبعضها قمت به أنا بنفسي. الحرب هي الحرب. أعترف بأنه قُبض عليّ والسلاح بيدي، أمام الزاوية البيضاء، في غوط اللفو، هل تتصورون أن أبقى واقفًا دون إطلاق النار أثناء القتال؟ ولا أشعر بالندم عمَّا قمت به}}.<ref name="صحيفة الجيل"/>
 
وصل غراتسياني إلى [[بنغازي]] يوم [[14 سبتمبر]]، وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم [[15 سبتمبر]] [[1931]]، وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غراتسياني في الحديث مع عمر المختار. يذكر غراتسياني في مذكراته: {{اقتباس مضمن|وعندما حضر أمام مكتبي تهيَّأ لي أنني أرى فيه شخصية آلاف المُرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراويَّة. يداه مُكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أُصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطًا لأنه كان مُغطيًا رأسه ب[[الجرد]] ويجرّ نفسه بصعوبة نظرًا لتعبه أثناء السفر بالبحر، وبالإجمال يُخيل لي أنَّ الذي يقف أمامي رجلٌ ليس كالرجال: له منظره وهيبته رغم أنَّه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقفٌ أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوتٍ هادئ وواضح}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=279 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
¤غراتسياني: لماذا حاربت بشدَّة متواصلة الحكومة الفاشيَّة؟
سطر 157:
¤فأجاب المختار: لا يُمكنني أن أعمل أي شيء … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلَّنا الواحد بعد الأخر، ولا نسلّم أو نُلقي السلاح.
 
ويستطرد غراتسياني حديثه: {{اقتباس مضمن|عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاء كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض المعارك والحروب العالميَّة، والصحراويَّة، ولُقبت بأسد الصحراء، ورُغم هذا فقط كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد، فانتهت المُقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمُحاكمة في المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمُصافحتي ولكنَّه لم يتمكن لأن يديه كانت مُكبلة بالحديد. لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=285 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
== المحاكمة ==
[[ملف:Tajouri almokhtar.jpg|تصغير|إحضار عمر المختار إلى قاعة المحكمة.]]
في الساعة الخامسة مساءً في [[15 سبتمبر]] [[1931]] جرت محاكمة عمر المختار التي أعد لها الطليان مكان بناء برلمان برقة القديم، وكانت [[محاكمة شكلية|محاكمة صورية]] شكلًا وموضوعًا، إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار، ويبدو ذلك جليًّا من خلال حديث غراتسياني مع المختار خلال مقابلتهما، حين قال له: {{اقتباس مضمن|إني لأرجو أن تظل شجاعًا مهما حدث لك أو نزل بك}}، فأجابه المختار: {{اقتباس مضمن|إن شاء الله}}.<ref name="محاكمة المختار">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=|صفحات=50-51}}</ref>
[[ملف:Omar Mukhtar 6.jpg|تصغير|محاكمة عمر المختار. يظهر المختار في وسط الصورة (صاحب الرداء الأبيض) مُقابل قوس القضاة.]]
جيء بعمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلًا [[حديد|بالحديد]]، وحوله الحرس من كل جانب، وأُحضر أحد [[ترجمة|التراجمة]] الرسميين ليتولّى الترجمة للمختار وللقضاة، فلمَّا افتتحت الجلسة وبدأ استجواب المختار، بلغ التأثر بالترجمان، حدًا جعله لايستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر فوقع الاختيار على أحد [[يهود|اليهود]] من بين الحاضرين في الجلسة، فقام بدور المترجم، وكان عمر المختار جريئًا صريحًا، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، خصوصًا حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي، الذين أسرهما المجاهدون قبل ذلك.<ref name="محاكمة المختار"/> وبعد استجواب المختار ومناقشته، وقف المدعي العام بيدندو، فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام. وكان لحضور المختار في المحكمة أمام خصومه أثرٌ في نفوسهم، فرؤية شيخ طاعن في السن مُكبَّل بالسلاسل، صريحٌ وشجاع عندما يتكلم، كان لها وقعٌ على الكثير من الحاضرين، ولعلَّ أبرز ما يُظهر ذلك هو أنه عندما جاء دور [[محاماة|المحامي]] المعهود إليه بالدفاع عن المختار، وكان ضابطًا إيطاليًّا شابًا من رتبة [[نقيب (رتبة عسكرية)|نقيب]] يُدعى روبرتو لونتانو، حاول أن يُبقي على حياة المختار، فطالب بالحكم عليه بالسجن المؤبَّد نظرًا لشيخوخته وكِبر سنّه، متحججًا بأنَّ هذا عقاب أشد قساوةً من الإعدام.<ref name="محاكمة المختار"/> غير أنَّ [[نائب عام|المدعي العام]]، تدخل وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستندًا في طلبه هذا إلى أنَّ الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة.<ref name="محاكمة المختار"/> عندئذٍ وقف المحامي وقال: {{اقتباس مضمن|إنَّ هذا المُتهم الذي انتدبت للدفاع عنه: إنما يُدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يُقاومه بكل ما يملك من قوَّة، حتى يُخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية.. إنَّ العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إنَّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث في هذا العالم المضطرب}}.<ref>[https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=76078 مؤسسة الحوار المتمدن: دراسات وأبحاث في التاريخ والتراث واللغات]، تأليف: أحمد الفيتوري - [[2006]] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20171228232332/http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=76078 |date=28 ديسمبر 2017}}</ref> وهنا كثر الضجيج ضدَّ المحامي ودفاعه، لكنه استمر بالكلام والدفاع عن المختار، فقام النائب العام ليحتج، فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة، وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت، وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار اكتفى بالقول: {{اقتباس مضمن|إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمكم المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=286-287|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
== إعدام عمر المختار ==
سطر 171:
في صباح اليوم التالي للمحاكمة، أي الأربعاء في [[16 سبتمبر]] [[1931]]، اتُخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش و[[ميليشيا|الميليشيا]] والطيران، وأُحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المُعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم. وأُحضر المُختار مُكبَّل الأيادي وفي تمام الساعة التاسعة صباحًا سُلَّم إلى الجلّاد، وبمجرد وصوله إلى موقع المشنقة أخذت الطائرات تحلق في الفضاء فوق ساحة الإعدام على انخفاض، وبصوت مدوّي لمنع الأهالي من الاستماع إلى عمر المختار إذا تحدث إليهم أو قال كلامًا يسمعونه، لكنه لم ينبس بكلمة، وسار إلى منصة الإعدام وهو ينطق الشهادتين، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه انه كان يؤذن في صوت خافت [[أذان|آذان الصلاة]] عندما صعد إلى الحبل، والبعض قال أنه تمتم [[آية|بالآية القرآنية]]: {{قرآن مصور|الفجر|27|28|}}، وبعد دقائق كان قد عُلّق على المشنقة وفارق الحياة.<ref name="إعدام المختار">[https://ebrahem2007.arabblogs.com/zz/archive/2007/1/150904.html نقل حرفي لمحضر محاكمة عمر المختار كما ورد في الوثائق الإيطالية] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200313172001/http://www6.arabblogs.com/?tdfs=1&kw=online+music |date=13 مارس 2020}}</ref>
 
سبق إعدام المختار أوامر شديدة الحزم بتعذيب وضرب كل من يبدي الحزن أو يظهر البكاء عند تنفيذ الحكم، فقد ضرب جربوع عبد الجليل ضربًا مبرحًا بسبب بكائه عند إعدام عمر المختار. ولكن علت أصوات الاحتجاج ولم تكبحها سياط الطليان، فصرخت فاطمة داروها العباريَّة وندبت فجيعة الوطن عندما علا المختار مشنوقًا، ووصفها الطليان "بالمرأة التي كسرت جدار الصمت".<ref name="إعدام المختار"/> يقول الدكتور العنيزي: {{اقتباس مضمن|لقد أرغم الطليان الأهالي والأعيان المُعتقلين في معسكرات الاعتقال والنازلين في بنغازي على حضور المحاكمة، وحضور التنفيذ وكنت أحد أولئك الذين أرغمهم الطليان على المحاكمة، ولكني وقد استبد بي الحزن شأني في ذلك شأن سائر أبناء جلدتي، لم أكن أستطيع رؤية البطل المجاهد على حبل المشنقة فمرضت، ولم يعفني الطليان من حضور التنفيذ في ذلك اليوم المشؤوم، إلا عندما تيقنوا من مرضي وعجزي عن الحضور}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]]|صفحة=52|صفحات=}}</ref>
 
=== ليبيا بعد إعدام المختار ===
حاولت إيطاليا الاستفادة من مقتل عمر المختار، فعملت على استمالة المجاهدين إليها وإقناعهم إنَّ المقاومة لا فائدة تُرجى منها بعد أن سقط الرأس المُدبّر، لكن المجاهدين أبوا واجتمعوا وانتخبوا الشيخ [[يوسف بورحيل المسماري]] قائدًا للجهاد الإسلامي ووكيلًا عامًا للجهاد. وعلى أثر هذا التنصيب كلَّف الشيخ عبد الحميد العبَّار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل [[عقيدة إسلامية|العقيدة الإسلامية]] والدين. ولم يكن لمقتل المختار الأثر الذي توقعه الطليان، فلم يخف عزمهم أو يتلاشى، بل ازدادوا تصميمًا على القتال وتحرير البلاد من المحتل الأجنبي، فواصلت الحكومة الإيطالية حملات الانتقام ضدهم، حتى كانت الموقعة الحاسمة عند الحدود المصريَّة قرب الأسلاك الشائكة، فاجتاز الأسلاك بعض المجاهدين وقتل منهم عدد وأُسر عدد آخر، ولم يبقى إلّا الشيوخ القادة الأربعة، وهم: [[عبد الحميد العبار|عبد الحميد العبَّار]] ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحمد بوخير الله. فقُتل الأخير ويوسف بورحيل وجُرح عصمان الشامي فأخذ أسيرًا، وأما عبد الحميد العبَّار فاستطاع أن يجتاز الأسلاك الشائكة بجواده نحو مصر.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=296 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وبهذه النهاية انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم وأخمدت حركة الجهاد في ليبيا، واستتب الأمر لإيطاليا حتى حين، فعملت على خلق هويَّة جديدة للبلاد وحاربت الإسلام بعدة وسائل طيلة 11 عامًا، لكنها سرعان ما انشغلت بنشوب [[الحرب العالمية الثانية]]، التي خرجت منها خاسرة بعد بضع سنوات، وانسحبت كليًّا من ليبيا بتاريخ [[7 أبريل]] عام [[1943]].
 
== الشخصية ==
سطر 181:
 
=== الآراء والمواقف ===
كان عمر المختار شديد الولاء للسنوسية وشيوخها ومخلصاً لهم، ويظهر ذلك في عددٍ من المواقف. فقد حدث في شهر مارس عام 1923 أن سافر إدريس السنوسي إلى مصر، وبعده بفترةٍ جاء عمر المختار، فدعاه بعض أفراد قبيلته - قبيلة المنفة - لمقابلته هناك، لكن قبل أن يقبل الدعوة سأل عمَّا إذا كانوا قد دعوا معلّمه وشيخه إدريس عندما جاء إلى مصر المرة الماضية، ولمَّا علم أنهم لم يفعلوا رفض الدعوة قائلاً: {{اقتباس مضمن|وكيف تظهرون لي العناية وتحضرون لمقابلتي وأنتم الذين تركتم شيخي الذي هو وليُّ نعمتي وسبب خيري. أما وقد فعلتم ذلك فإني لا أسمح لكم بمقابلتي ولا علاقة من الآن بيني وبينكم}}. إلا أنَّ إدريس عندما علم بالأمر أرسل له يأمره بعدم الوقوف عند ذلك ومقابلتهم، فأطاعه عمر المختار.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]]|صفحة=18-19|صفحات=}}</ref>
 
كما كان عمر المختار شديد العداء لإيطاليا بصفتها محتلَّة لبلاده. فعندما كان في مصر حاول بعض المسؤولين الإيطاليّين الاتصال به، ليعرضوا عليه أنه إذا ما انتقل للإقامة الدائمة في [[بنغازي]] أو [[المرج (ليبيا)|المرج]] فإنَّهم سيقدمون له العون والمساعدة براتبٍ شهريّ كبير ويعزّون شأنه، وإن أراد يجعلونه الشخصية الأولى في ليبيا، أو إن شاء البقاء في مصر كلُّ ما عليه اللجوء وقطع علاقته بالسنوسية. وقال عمر عن هذا الحوار عندما كان في مصر:<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]]|صفحة=19|صفحات=}}</ref>
 
{{اقتباس|إنني ما قبلت هذا الاجتماع مع الوفد الإيطالي لأستمع إلى هذه المهازل، ولا أحارب الطليان من أجل الوصول إلى هذه الترّهات، إن موقف المجاهدين لا يقبل الجدل أو المساومات، إنه فوق ذلك، إنها مسألة حقوق أمة كاملةٍ ضحَّت بأكثر من نصف عددها وفقدت الكثير من مواطنيها وامتُهِنَت كرامتُها وجُرِحَت في دينها، إن الكلام يجب أن يكون حول قضيتنا الوطنية كاملةً، غير منقوصة. وثقوا أنني لم أكن لقمة طائبةً يسهل بلعها على من يريد، ومهما حاول أحد أن يغير من عقيدتي ورأيي واتجاهي، فإن الله سيخيّبه، ومن "طياح سعد" إيطاليا ورسلها هو جهلها بالحقيقة وأنا لم أكن من الجاهلين والموتورين فأدَّعي أنّني أقدر أن أعمل شيئاً في برقة، ولست من المغرورين الذين يركبون رؤوسهم ويدَّعون أنهم يستطيعون أن ينصحوا الأهالي بالاستسلام، إنني أعيذ نفسي من أن أكون في يومٍ من الأيام مطيَّة للعدو وأذنابه فأدعوا الأهالي بعدم الحرب ضدَّ الطليان، وإذا لا سمح الله قدَّر عليّ بأن أكون موتوراً فإن أهل برقة لا يطيعون لي أمراً يتعلّق بإلقاء السلاح، إنني أعرف أن قيمتي في بلادي - إذا ما كانت لي قيمة أنا وأمثالي - فإنها مُستمدَّة من [[سنوسية|السنوسية]].}}
سطر 189:
حاولت الحكومة الإيطالية في 15 أغسطس سنة 1923 وكمحاولةٍ جديدةٍ لاستمالة عمر المختار، إصدار مرسوم رسمي يقرّه شيخاً لبلدة زاوية القصور وموظفاً براتبٍ حكومي يبلغ 900 فرنك شهرياً. وقد ذكر الجنرال الإيطالي رودلفو غراتسياني أنه {{اقتباس مضمن|بقي كما هو لم يقبل، بل صمَّ أذنيه، ورفض كل المحاولات التي استخدمت من أجل استدراجه للخضوع أو الاستسلام. وكان شديداً مع حامل الرسالة والمرسوم، فلولا حسن حظه (ويعني الرسول) لكان مصيره الشنق أو الرمي بالرصاص}}.<ref>عصام عبد الفتاح، كتاب "عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين". ص44. دار كنوز للنشر والتوزيع [[القاهرة]]، [[مصر]].</ref> وعندما قبل الحسن بن رضا السنوسي بمعاهدة مع الإيطاليين تقضي بوقف القتال ضد الطليان مقابل بعض المرتَّبات التي تدفع إلى القادة الليبيّين، قال له عمر المختار: {{اقتباس مضمن|لقد غرُّوك يا بنيّ بمتاع الدنيا الفاني}}.<ref name="ReferenceA"/>
 
وبعد عودته من مصر قابله بعض مشايخ برقة، فأخذوا بمحاولة تثبيط عزيمته للعدول عن القتال ضدَّ الطليان، بدعوى أنه أصبح طاعناً في السن ولا بُدّ له من الراحة، وأنه من السهل العثور على قائدٍ غيره لمتابعة القتال. إلا أنَّ عمر المختار ثار عند سماعه هذا لكلام، وأجاب جواباً قاطعاً عليه بقوله: {{اقتباس مضمن|إن كل من يقول لي هذا الكلام لا يريد خيراً لي، لأن ما أسير فيه إنَّما هو طريق خيرٍ ولا ينبغي لأحد أن ينهاني عن سلوكها، وكل من يحاول ذلك فهو عدوّ لي}}. وكان يقول أيضاً عن نضاله ضد الطليان: {{اقتباس مضمن|اللَّهم اجعل موتي في سبيل الله هذه القضية المباركة}}، كما قال: {{اقتباس مضمن|لا أغادر هذا الوطن حتى ألاقي وجه ربي والموت أقرب إليَّ من كل شيءٍ فإني أترقَّبه بالدقيقة}}، وأيضاً عندما قيل له أن يترك القتال [[الحج في الإسلام|للذهاب إلى الحج]]: {{اقتباس مضمن|لن أذهب ولن أبرح هذه البقعة حتى يأتي رسل ربي، وإنّ ثواب الحج لا يفوق ثواب دفاعنا عن الوطن والدين والعقيدة}}، وقال: {{اقتباس مضمن|كل مسلمٍ [[جهاد|الجهاد]] واجب عليه وليس منه، وليس لغرض أشخاصٍ إنّما هو لله وحده}}.<ref>{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]]|صفحة=20|صفحات=}}</ref>
 
== إرث المختار ورمزيته ==
سطر 197:
أصبح المختار عند العرب عمومًا والمسلمين منهم خصوصًا شهيدًا بطلًا، ومثال القائد الصالح صاحب العقيدة السليمة السويَّة، الذي بذل نفسه وماله للدفاع عن دينه وبلده ضدّ عدو عنصري لا يعرف الشفقة. كما أصبحت إحدى جملاته الأخيرة: {{اقتباس مضمن|نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت.... وهذه ليست النهاية... بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه... أمَّا أنا... فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي}} إحدى أبرز العبارات على لسان المقاومين في بعض [[الوطن العربي|الدول العربية]] التي عرفت الاحتلال. أصبح المختار أحد أهم وأشهر أعلام ليبيا، إن لم يكن أشهرهم، طيلة العقود التي تلت إعدامه، وحصد حب واحترام وتقدير الليبيين من جميع الأجيال، وقد ظهر ذلك بالأخص يوم الخميس 16 سبتمبر سنة 2010، الذي صادف الذكرى التاسعة والسبعين لإعدامه، إذ توقفت الحركة كليًّا في كافة أنحاء [[الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى|ليبيا]] في منتصف اليوم، ولمدة خمس دقائق، حدادًا، وكانت اللجنة الشعبيَّة العامَّة الليبيَّة أصدرت قرارًا بشأن اعتبار السادس عشر من سبتمبر الذي يحيي فيه الشعب الليبي الذكرى التاسعة والسبعين لإعدام المختار يومًا للحداد الرسمي في ليبيا.<ref>[https://arabic.people.com.cn/31662/7143156.html صحيفة الشعب اليومية أونلاين: توقف الحركة في ليبيا اليوم خمس دقائق تخليدًا لذكرى إعدام عمر المختار] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160304200940/http://arabic.people.com.cn/31662/7143156.html |date=04 مارس 2016}}</ref> وقد خرجت المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية تنديداً بالإعدام في مختلف الدول العربية، مثل [[تونس]] و[[مصر]] و[[فلسطين]] و[[لبنان]] و[[سوريا]].<ref name="مجلة البحوث6">د. ناصر الدين سعيدوني، "صدى كفاح عمر المختار في الجزائر". ص30، مجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، السنة العاشرة، يوليو 1988. منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.</ref><ref name="مجلة البحوث5"/> كما وقد أقيمت المآتم له في مختلف أنحاء [[بلاد الشام]]، وصلِّيت عليه [[صلاة الغائب]] في [[الجامع الأموي (دمشق)|جامع بني أمية الكبير]] بدمشق، ودعي على المنابر إلى مقاطعة إيطاليا وكافَّة بضائعها وأغلقت المحالّ حداداً عليه.<ref name="طاهر الزاوي65">كتاب "عمر المختار"، لطاهر الزاوي، مرجع سابق، ص165: "في سوريا".</ref> وفي [[غزة]]، أطلقت البلدية على أحد أهمّ شوارع المنطقة اسم "شارع عمر المختار"، <ref name="مجلة البحوث5">د. هاشم يحيى الملاح، "جهاد عمر المختار وتضحيات الجماهير". ص25، مجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، السنة العاشرة، يوليو 1988. منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.</ref> ممَّا أثار غضب وسخط القنصل الإيطالي، وبعث على إثرها رسالة احتجاج إلى البلدية، إلا أن رئيس البلدية رفض الاستجابة إلى مطلب القنصل.<ref name="غزة">كتاب "عمر المختار"، لطاهر الزاوي، مرجع سابق، ص165-166: "في سوريا".</ref> أقيمت صلاة الغائب على روح عمر المختار في [[تونس]] هي الأخرى، وفي [[مصر]] كانت ردة الفعل شعبية عارمة تجلَّت في الصحف والجمعيات والطلاب والشعراء، وأقام له حمد الباسل باشا حفل تأبينٍ عظيم منعته الحكومة لأسباب سياسية، ولكن أعدّت له خطب وكلمات كثيرة، <ref name="الرثاء">كتاب "عمر المختار"، لطاهر الزاوي، مرجع سابق، ص166-167: "في تونس" و"في مصر".</ref> وأعد له [[أحمد شوقي]] و[[خليل مطران]] قصائد شعرية خاصة ترثى عمر المختار.<ref name="مولد تلقائيا4">كتاب "عمر المختار"، لطاهر الزاوي، مرجع سابق، ص175-179.</ref>
 
وعلى الرغم من أن [[أتيليو تيروتسي|إتيليو تروتسي]] - حاكم برقة الإيطالية بين عامي 1927 و1929 - كان العدوَّ الأول لعمر المختار طوال سنين حكمه في برقة، إلا أنه وصفه في مذكراته المنشورة بعنوان "برقة الخضراء" بأنه "الرجل الذي لا يسعنا إلا أن نعترف له بالصّمود وبقوَّة الإرادة الخارقة حقاً".<ref name="برقة الخضراء51">{{استشهادمرجع بكتابكتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=151}}</ref> كما وقد كتبت عنه [[ذي تايمز|صحيفة التايمز]] البريطانية في اليوم التالي لإعدامه مقالاً، وصفته فيه بـ"الرجل الرهيب" و"شيخ القبيلة الضاري العنيف الذي بقي لسنواتٍ طويلةٍ يمثّل روح المقاومة العربية".<ref name="مجلة البحوث88">د. صفاء خلوصي، "عمر المختار وصدى إعدامه في صحيفة "التايمز" اللندنية". ص106-108، مجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، السنة العاشرة، يوليو 1988. منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.</ref>
 
وعندما اندلعت [[الحرب الأهلية الليبية (2011)|ثورة 17 فبراير]] ضد حكم العقيد [[معمر القذافي|معمَّر القذَّافي]]، سار الثوَّار على نهج المختار واتخذت آراءه وأقواله مصدرا لإلهام الثورة، فمنذ اللحظة الأولى لخروج الليبيين إلى الشوارع للتظاهر ضد القذَّافي الذي طال حكمه لنحو 42 عامًا، لوحظ رفع صور عمر المختار، وكأن الثوَّار يسترجعون سيرته في مواجهتهم للقذَّافي، والذي قارنوه في مخيلاتهم بالمحتل الإيطالي الذي نهب ثروات بلادهم فخرجوا عليه لإسقاطه، كما شوهدت لافتات عدَّة كتب عليها بعض أقوال المختار، لعل أبرزها «نحن لا نستسلم.. ننتصر أو نموت». وبعد سقوط القذَافي عبَّر محمد الشريف، رئيس المجالس المحليَّة بالمجلس الانتقالي الوطني الليبي أنَّ عمر المختار هو «المصباح الذي سارت على هداه الثورة الليبية».<ref>[https://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=640668&issueno=11980#.UTkpDBxMXJY جريدة الشرق الأوسط: الليبيون يستلهمون كفاح الزعيم عمر المختار في الذكرى الـ80 لاستشهاده.] تاريخ: الجمعـة [[18 شوال|18 شوَّال]] [[1432 هـ]] / [[16 سبتمبر]] [[2011]]، العدد: 11980 {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20110919060806/http://aawsat.com//details.asp?section=4&article=640668&issueno=11980 |date=19 سبتمبر 2011}}</ref> ومن شدَّة رمزيَّة عمر المختار في ليبيا خصوصًا، أقدم رئيس الوزراء الإيطالي [[سيلفيو برلسكوني|سيلڤيو برلسكوني]] على الانحناء أمام محمد المختار، نجل عمر المختار، وقبَّل يده متعذرًا عن كل المآسي التي تسببت بها إيطاليا للشعب الليبي، عندما كان كلٌ من القذَّافي وبرلسكوني يسعيان لفتح صفحة جديدة في العلاقات الليبيَّة الإيطاليَّة.<ref>[https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2009/12/30/145102.html دنيا الوطن: نجل أسد الصحراء عمر المختار: لحظة انحناء برلسكوني أمامي وتقبيله يدي شيء لا يمكن نسيانه.] تاريخ النشر: 2009-12-30 {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170803130457/https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2009/12/30/145102.html |date=03 أغسطس 2017}}</ref>
سطر 203:
== المختار في الثقافة ==
[[ملف:أنطوني كوين-عمر المختار.jpg|تصغير|100بك|الممثل أنطوني كوين بدور عمر المختار.]]
رثا أمير الشعراء [[أحمد شوقي]] عمر المختار بقصيدة<ref>{{استشهادمرجع ويب|مسار=https://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=69466|عنوان=أدب .. الموسوعة العالمية للشعر العربي - adab<!-- عنوان مولد بالبوت -->|تاريخ الوصول=2020-01-25| مسار أرشيف = https://web.archive.org/web/20191124171554/http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er | تاريخ أرشيف = 24 نوفمبر 2019 }}</ref> من الشعر قال فيها:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها|ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ}}
سطر 244:
{{ضبط استنادي}}
{{شريط بوابات|الحرب|ليبيا|أعلام|التاريخ الإسلامي|التاريخ|الإسلام|السياسة}}
 
[[تصنيف:أشاعرة]]
[[تصنيف:أشخاص أعدموا من قبل إيطاليا بالشنق]]
السطر 257 ⟵ 258:
[[تصنيف:قادة عسكريون مسلمون]]
[[تصنيف:ليبيا الإيطالية]]
[[تصنيف:ليبيون معدمون]]
[[تصنيف:متمردون ليبيون]]
[[تصنيف:مجاهدون ليبيون]]
سطر 271:
[[تصنيف:وفيات 1350 هـ]]
[[تصنيف:وفيات 1931]]
[[تصنيف:ليبيون معدمون]]