عمر المختار: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:الإبلاغ عن رابط معطوب أو مؤرشف V4.9*
ط بوت:إضافة وصلة أرشيفية.
سطر 83:
{{مفصلة|معركة أم الشافتير}}
[[ملف:Omar Mukhtar with the Libyan Mujahideen.jpg|تصغير|المختار مع بعض المجاهدين.]]
بتاريخ [[28 مارس]] [[1927]]، اشتبك المجاهدون مع القوَّات الإيطاليَّة في معركة ضارية عُرفت باسم [[معركة الرحيبة|معركة الرحيبة أو موقعة يوم الرحيبة]]، وقد تكبّد فيها الطليان خسائر جسيمة.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التليسي |الأول=خليفة محمد |وصلة مؤلف=خليفة التليسي |عنوان=معجم معارك الجهاد في ليبيا 1911-1931 |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر=الدار العربية للكتاب |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=79 |صفحات=}}</ref> كانت تلك الهزيمة بمثابة [[القشة التي قصمت ظهر البعير|القشَّة التي قصمت ظهر البعير]]، فلم تعد الحكومة الإيطاليَّة في [[روما]] قادرة على تقبَّل أي هزيمة بعد أن ظهر جيشها بمظهر هزليّ أمام باقي جيوش أوروبا، كذلك كان الحكَّام الإيطاليّون في ليبيا قد طفح بهم الكيل من الهزائم المُتكررة، وكان لا بدّ لهم من إعادة اعتبارهم ورفع معنويَّات الجنود المنهارة، فشرعوا يعدّون الجيوش الجرَّارة لاحتلال الجبل الأخضر واتخاذه قاعدة لهم.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=مناع |الأول=محمد عبد الرزَّاق |وصلة مؤلف=محمد عبد الرزاق |عنوان=جذور النضال العربي في ليبيا |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1972]] |ناشر=دار مكتبة الفكر |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=130 |صفحات=}}</ref> كانت القوَّات الإيطاليَّة عظيمة العدد والعِتاد، فضمَّت فرقا نظاميَّة إيطاليَّة و[[إريتريا|إريتريَّة]] وليبيَّة محليَّة، بالإضافة لبضعة فرق غير نظاميَّة من [[مرتزق|مرتزقة]] ليبيين و[[أفارقة]]، وعدَّة [[دبابة|دبَّابات]] وسيَّارات مصفحة وفرق هجَّانة وبطاريَّات مدفعيَّة. ويُضاف إلى تلك الاستعدادت سلاح الطيران الذي انطلق من قواعده بالمرج ومراوه وسلنطة.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=16 |صفحات=}}</ref> بالمُقابل، تراوح عدد المجاهدين ما بين 1500 إلى 2000 مجاهد، 25% منهم تقريبًا من سلاح الفرسان، <ref>{{مرجع كتاب |الأخير=مناع |الأول=محمد عبد الرزَّاق |وصلة مؤلف=محمد عبد الرزاق |عنوان=جذور النضال العربي في ليبيا |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1972]] |ناشر=دار مكتبة الفكر |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=137 |صفحات=}}</ref> ويرافقهم حوالي 12 ألف جمل.<ref>{{Cite journal|الأخير1=ضوي |الأول1=علي عبد الرحمن |الأخير2= |الأول2= |سنة=1984 |عنوان=المسؤولية الدولية عن الأضرار الناشئة عن مخلفات الحرب العالمية الثانية في الإقليم الليبي |صحيفة=مجلة البحوث التاريخية |المجلد=1 |العدد= |صفحات=9. وُصل لهذا المسار بتاريخ [[5 نوفمبر]] [[2007]] |ناشر=منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |doi= |مسار=https://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 |تاريخ الوصول=| مسار الأرشيفأرشيف = https://web.archive.org/web/20140423045201/http://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 | تاريخ الأرشيفأرشيف = 23 أبريل 2014 }}</ref> علمت إيطاليا بواسطة [[تجسس|جواسيسها]] بموقع المجاهدين في عقيرة أم الشفاتير فارادت أن تحكم الطوق عليهم، فزحفت القوّات الإيطالية نحو العقيرة بعد مسيرة دامت يومين كاملين واستطاعت أن تضرب حصارًا حول المختار ورجاله من ثلاث جهات، وبقوّات جرّارة تكوّنت من حوالي 2000 [[بغل]] و5000 جندي، و1000 جمل بالإضافة إلى السيّارات المُصفّحة والناقلة.<ref>[https://ommoneeb8.blogspot.com/2011_08_01_archive.html عظماء التاريخ (عمر المختار): أهم معاركة] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20171228172228/http://ommoneeb8.blogspot.com/2011_08_01_archive.html |date=28 ديسمبر 2017}}</ref> ولمَّا علم المختار بما يخططه الطليان، شرع يعد العدّة مع باقي قادة الجهاد لمُلاقاة العدو، فأعدوا خطة حربيَّة وقاموا بحفر خنادق ليستتر بها المجاهدون وخنادق أخرى لتحتمي بها الأسر من نساء وأطفال وشيوخ، وتمَّ ترتيب المجاهدين على شكل مجموعات حسب انتمائهم القبلي ووضعت أسر كل قبيلة خلف رجالها المقاتلين، وكان قائد تلك المعركة الشيخ حسين الجويفي البرعصي، أمَّا عمر المختار فقاتل إلى جانب المقاتلين الآخرين من غير أصحاب الرتب. ولم يطل الأمر حتى اشتبك المجاهدون مع الطليان في معركة حامية الوطيس، وسقط من الليبيين الكثير من الرجال، وحتى النساء والأطفال، بعد أن قصفت الطائرات الفاشيَّة أماكن تمركزهم، لكنَّ المختار والباقين تمكنوا من دحر الإيطاليين وأجبروهم على التقهقر والانسحاب مرة أخرى. بلغ عدد القتلى الليبيين 200 شخص، كان من بينهم والد زوجة عمر المختار الذي بكاه بكاءًا حارًا وقال بعد أن سمع بمقتله: {{اقتباس مضمن|راحو الكل ياعين الجيران وأصحاب الغلا}}.<ref>[https://www.kl28.net/knol3/?p=view&post=52934&page=8 دار المعرفة، كلمات: الشيخ الجليل عمر المختار] {{وصلة مكسورة|date= أكتوبر 2017 |bot=JarBot}}</ref><ref>{{مرجع كتاب |الأخير=زيادة |الأول=نقولا |وصلة مؤلف=نقولا زيادة |عنوان=برقة الدولة العربيَّة الثامنة |مسار=https://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:141387&q= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1950]] |ناشر=[[دار العلم للملايين]] |مكان=[[بيروت]]-[[لبنان]] |الرقم المعياري= |صفحة=440 |صفحات=}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160304203823/http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:141387&q= |date=4 مارس 2016}}</ref>
 
بعد انتهاء المعركة، أصبحت القوَّات الإيطاليَّة منهكة القوى مُصابة بالإعياء من شدة المعارك المستمرة منذ فترة طويلة دون توقف، <ref>{{Cite journal|الأخير1=ضوي |الأول1=علي عبد الرحمن |الأخير2= |الأول2= |سنة=1984 |عنوان=المسؤولية الدولية عن الأضرار الناشئة عن مخلفات الحرب العالمية الثانية في الإقليم الليبي |صحيفة=مجلة البحوث التاريخية |المجلد=1 |العدد= |صفحات=16. وُصل لهذا المسار بتاريخ [[5 نوفمبر]] [[2007]] |ناشر=منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |doi= |مسار=https://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 |تاريخ الوصول=| مسار الأرشيفأرشيف = https://web.archive.org/web/20140423045201/http://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 | تاريخ الأرشيفأرشيف = 23 أبريل 2014 }}</ref> وكشفت المعركة لعمر المختار عن ملامح السياسة الفاشسيَّة الجديدة وهي الإبادة والتدمير للمصالح والرجال على حدٍ سواء، فاتخذ إجراءات ترحيل النساء والأطفال والشيوخ إلى السلّوم لحمايتهم من الغارات الجويَّة الإيطاليَّة، وتيسيرًا لسهولة تحرّك المجاهدين وفق ما يتطلبه الموقف الجديد. كما أعاد تنظيم المجاهدين على هيئة فرق صغيرة تلتحم مع العدو عند الضرورة، وتشغله في أغلب الأوقات مما يُقلل من نسبة الخسائر المحليَّة أثناء المعارك ويُلحق الخسائر الفادحة بالأعداء وفق التكتيك الجديد لحرب العصابات، ألا وهو الهجوم في الوقت المناسب والانسحاب عند الضرروة.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=رايت |الأول=جون |وصلة مؤلف= |عنوان=تاريخ ليبيا |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1972]] |ناشر=دار الفرجاني |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=153 |صفحات=}}</ref> بالإضافة إلى ذلك، أيقن المُختار ضرورة العمل على التعريف بالقضيَّة الليبيَّة والنضال الليبي ضد إيطاليا في [[العالم الإسلامي|البلاد الإسلاميَّة]] والأوروبيَّة على حدٍ سواء، فطلب من بعض المجاهدين الهجرة إلى الخارج للتعريف بالقضيَّةِ في البلدان التي يحلّون بها، فكان من نتيجة هذا تشكيل الجاليات الليبيَّة في الخارج.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=بن موسى |الأول=تيسير |وصلة مؤلف= |عنوان=كفاح الليبيين السياسي في بلاد الشام، 1925-1950 ف |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[2006]] |ناشر=مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |مكان=[[طرابلس|طرابلس الغرب]]-[[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=140}}</ref>
 
وفي 10 أغسطس عام 1927 زحفت فرقة لورنزيني الإيطالية باتّجاه دور العبيد، وهو أحد معسكرات الثوار الأساسية ومكان إقامة عمر المختار آنذاك، ممَّا دفع الثوار إلى الانسحاب منه باتّجاه الجنوب الغربي، إلا أن الإيطاليين استمرُّوا بملاحقتهم بمساعدة الطيران الاستطلاعيّ الذي كان يدلّها على كافة تحرُّكات الثوار. وقد بدأ الصّدام في مساء اليوم التالي 11 أغسطس في وادي الشبولية، حيث حاصرت الفرقة الإيطالية الوادي من جهتيه وقصفته بالمدفعية، وبعد مقتل العشرات من الثوار تمكَّن عمر المختار من النجاة بمساعدة مجموعة صغيرة من رجاله واتَّجه شرقاً، إلا أنه ترك صندوق رسائل ووثائق خاصة حصل عليها الإيطاليون.<ref name="مولد تلقائيا2">{{مرجع كتاب |الأخير=تروتسي |الأول=إتيليو |وصلة مؤلف= |عنوان=برقة الخضراء |الدار العربية للكتابurl= |تاريخ الوصول= |سنة=1931 |ناشر= |مكان=[[طرابلس]]، [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=126-127}}</ref>
 
== مرحلة المفاوضات ==
في شهر سبتمبر عام 1927، غزت جموع الزوية الجخرة ومرسى بريقة وجالو وأوجلة، وأنزلوا بالطليان خسائر فادحة، واشتدت مقاومة المجاهدين في الجبل الأخضر على الرغم من احتلال الطليان للواحات ومراكز السنوسيَّة الهامَّة، ففي أواخر شهر يناير سنة 1928 توجهت قوَّتان إيطاليَّتان بقيادة غراتسياني إلى فزان للاستيلاء على ما تبقّى منها، فلمَّا بلغ هذا الخبر آذان عمر المختار، قام برجاله وتمركزوا في مكان يقع بين جبلين يُعرفان بالجبال السود، وما أن وصل الطليان حتّى انقض المُجاهدون عليهم وأرغموهم على التقهقر، وعاود الطليان الكرَّة مجددًا لكنهم هُزموا مرَّة أخرى أمام المختار ورجاله وفرَّوا تاركين وراءهم غنائم وأسلابًا كثيرة.<ref name="المختار-شلبي">{{مرجع كتاب |الأخير=شلبي |الأول= محمود |وصلة مؤلف= |عنوان=حياة عمر المختار |مسار= https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb16968-141590&search=books |تاريخ الوصول= |سنة=[[1989]] |ناشر= دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=114-115|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20200408213504/https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb16968-141590&search=books|تاريخ أرشيف=2020-04-08}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821223210/https://www.neelwafurat.com/itempage.aspx?id=lbb16968-141590&search=books |date=21 أغسطس 2018}}</ref> فلم يعد هناك مناصٌ من أن يُعيد الطليان النظر في خططهم، مما أدى إلى وقوع أزمة كبيرة في روما، وبدأت الحكومة تبحث بصورة جديَّة وسائل إخماد المقاومة وترسم الخطط السياسية الجديدة التي ترأى ضرورة التقيّد بها في كل من برقة وطرابلس الغرب. وقد توقفت الأعمال العسكريَّة طلية ما تبقّى من سنة 1928،<ref>{{Cite journal|الأخير1=ضوي |الأول1=علي عبد الرحمن |الأخير2= |الأول2= |سنة=1984 |عنوان=المسؤولية الدولية عن الأضرار الناشئة عن مخلفات الحرب العالمية الثانية في الإقليم الليبي |صحيفة=مجلة البحوث التاريخية |المجلد=1 |العدد= |صفحات=17. وُصل لهذا المسار بتاريخ [[5 نوفمبر]] [[2007]] |ناشر=منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية |doi= |مسار=https://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 |تاريخ الوصول=| مسار الأرشيفأرشيف = https://web.archive.org/web/20140423045201/http://www.libsc.org.ly/mrkaz/index.php/2011-08-14-14-52-08/2012-03-10-10-41-44/26 | تاريخ الأرشيفأرشيف = 23 أبريل 2014 }}</ref> بعد أن أدركت الحكومة أنَّه لا فائدة من الاستمرار في العمليَّات العسكريَّة ضد المجاهدين، وقال الزعيم الإيطالي [[بينيتو موسوليني]]: {{اقتباس مضمن|إننا لا نُحارب [[ذئب رمادي|ذئابًا]] كما يقول غراتسياني، بل نحارب [[أسد|أسودًا]] يُدافعون بشجاعة عن بلادهم. إنَّ أمد الحرب سيكون طويلًا}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=14 |صفحات=}}</ref>
 
خلال شهر ديسمبر من عام 1928، استقال كلٌّ من فيدرزوني وزير المستعمرات الإيطالي، وديبونو حاكم طرابلس الغرب، وتيروتزي حاكم برقة، فعُيِّن ديبونو وزيرًا للمستعمرات وأعلن موسوليني توحيد الإدارة في القطرين الليبيين، وعين [[مشير (رتبة عسكرية)|المشير]] [[بييترو بادوليو|بادوليو]] حاكمًا على طرابلس الغرب وبرقة. تولّى بادوليو مهامه بداية شهر يناير من عام [[1929]]، واتبع برنامجًا مبنيًا على كسب الوقت أولًا ثم العمل رويدًا رويدًا من أجل تقوية المراكز المُحتلّة والقضاء على المقاومة الليبيَّة، فقام تخفيض عداد الجيش إلى القدر الذي يكفي للقيام بحرب العصابات، وحاول الحفاظ على هيبة الحكومة عبر إنفاقه الأموال المتوفرة في مد الطرق في الجبل الأخضر مما يسهل عليه التنقلات العسكريَّة، تمهيدًا للقيام بهجوم شامل كاسح على المجاهدين يقضي عليهم، ولمَّا كانت هذه الخطة تتطلَّب وقتًا، وتخوّفت الحكومة من اطلاع المختار عليها، سعت إيطاليا إلى مفاوضة عمر المختار لتهدئة الأحوال وضمان استقرار الأوضاع للفترة اللازمة فقط.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=محمود |الأول=شلبي |وصلة مؤلف= |عنوان=حياة عمر المختار |مسار=|تاريخ الوصول= |سنة=[[1989]] |ناشر=دار الجيل |مكان=[[بيروت]]-[[لبنان]] |الرقم المعياري= |صفحة=119 |صفحات=}}</ref>
سطر 109:
كان موقف بادوليو حرجًا وصعبًا وقد اهتزت مصداقيته، فاستسلام عمر المختار لم يتحقق والثورة لم تنته وبدأت روما تتسائل عن حقيقة الموقف، غير أن بادوليو صمم على السير في طريقه وصمّ أذنيه عن الانتقادات وكان واثقًا من أن الثورة في طريق الانهيار بعد أن انفصل عنها البعض، وبعد أن واصل العملاء وكبار الموظفين مساعيهم لتمزيق ما تبقى من الثوّار مع عمر المختار. وكان بادوليو مقتنعًا أنَّ هدنة لبضعة أشهر يصحبها عمل ذكي لعمليات الإغراءات المالية وشق صفوف الثوار تكفي للوصول إلى سلم يؤمن سيادة إيطاليا الكاملة على ليبيا. كما كان مستعدًّا لتقديم الكثير إلى عمر المختار على المدى المباشر دون أن يصل إلى اتفاقية رسمية مكتوبة كان الطرف الليبي يُطالب بها، وقد وعده الفريق أوَّل سيشلياني بها، وقد راهن بادوليو على الخلافات التي يغذيها الإيطاليون وعلى تعب سكان الجبل الأخضر وهي عوامل تجعل من استئناف القتال في وقت قريب أمرا مستحيلًا.<ref>{{Cite journal|الأخير1=روشات |الأول1=جورج |الأخير2= |الأول2= |سنة=[[1937]] |عنوان=قمع المقاومة العربية في برقة 1930-1931 |مجلة حركة تحرير إيطاليا journal= |المجلد=ينايرـ مارس |العدد= |صفحات=320 |ناشر= |doi= |مسار= |تاريخ الوصول=}}</ref> غير أن عمر المختار كان أبعد نظرًا فقد أدرك من البداية حدود اللعبة الإيطالية فأخذ حذره وابتعد بقواته عن المراكز الإيطالية ليجنبها عمليات الإغراءات والاستقطاب التي وقع فيها البعض وواصل احترامه للهدنة على أمل مواصلة المفاوضات وقد بعث برسالة إلى الفريق أوَّل سيشلياني يوم [[29 يونيو]] سنة [[1929]]، يلفت نظره إلى المماطلة الإيطالية والتسويف في استئناف المفاوضات وإلى تصرفات كبار الموظفين الإيطاليين والعملاء لبث الفتنة بين المجاهدين واستمالتهم إلى إيطاليا عن طريق الإغراءات الماديَّة والمالية وكانت رسالة المختار واضحة فقد أراد أن يشعر بادوليو أنه على علم بمخططاته ومحولاته للقضاء على الثورة بدون حرب.<ref name="ليبيا وطننا">[https://www.libya-watanona.com/adab/welbouri/wb16096a.htm ليبيا وطننا: عـمر المختار وبادوليو أو مفاوضات سيدي ارحومه] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20120627213936/http://www.libya-watanona.com/adab/welbouri/wb16096a.htm |date=27 يونيو 2012}}</ref> وطلب المختار في نفس الرسالة تحديد موعد لمقابلة الفريق أوَّل سيشلياني، وفي حالة الرفض أو عدم الإجابة يكون عمر المختار في حل مما قيدته به آداب المجاملة في انتظار نتيجة المفاوضات، وسوف تعود الأمور لما كانت عليه، وكان جواب إيطاليا هو أنها على استعداد ولا داعي للإنذار بإعادة الحرب.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=111-112}}</ref>
 
وفي يوم [[25 سبتمبر]] أرسل عمر المختار رسالة إلى سيشلياني أشعره فيها بأن مندوبي الحكومة ورؤساء التفاوض المرتبطين بالسلطات الإيطاليَّة يقومون ببث الخلاف بين المجاهدين بمساعدة بعض المتصرفين الذين يقومون بتوزيع المؤن والأغذية وأن المسؤوليَّة تقع على الحكومة إذا تسبب ذلك في سوء تفاهم.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة المهدأة |مسار=https://www.dandis.ps/BookDetails.aspx?itemNo=1361 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1975]] |ناشر= دار الفرجاني للنشر والتوزيع، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: محمد بشير الفرجاني |مكان=[[نابلس]] - [[الضفة الغربية]] - [[فلسطين]] |الرقم المعياري= |صفحة= 32 |صفحات=| مسار الأرشيفأرشيف = https://web.archive.org/web/20160927071854/http://www.dandis.ps/BookDetails.aspx?itemNo=1361 | تاريخ الأرشيفأرشيف = 27 سبتمبر 2016 }}</ref> وفي [[19 أكتوبر]] بعث عمر المختار برسالة إلى بادوليو ينذره بأن الهدنة لن تجدد بعد الرابع والعشرين من الشهر الجاري، وبعث في نفس الوقت ببيان إلى الصحافة المصريَّة نشرته صحيفتا [[المقطم (جريدة)|المقطم]] و[[الأهرام (جريدة)|الأهرام]] يوم [[20 أكتوبر]] ضمنه مجمل الحوار الذي دار بينه وبين بادوليو في سيدي ارحومة والذي صحح فيه الوقائع التي كان يذيعها الإيطاليون على غير جديتهم ومحاولاتهم تدمير المقاومة عن طريق شراء الضمائر والدسيسة وشق الصفوف وأكد أن اجتماع سيدي ارحومة انتهى بالاتفاق على الهدنة وقد سلَّم الجانب الليبي شروطه إلى بادوليو الذي وعد بنقلها إلى رؤسائه. وقد أحدث بيان عمر المختار الذي نشرته الصحافة المصرية هزَّة في روما وغضبًا بسبب الأوضاع المتردية في ليبيا والتي يبدو أن بادوليو عاجز عن حلها.<ref name="ليبيا وطننا"/> حاول بادوليو إقناع المسؤولين في روما بأن الأمور سائرة على ما يرام، وأرسل يوم 16 نوفمبر 1929 برقيَّة إلى وزير المستعمرات جاء فيها: {{اقتباس مضمن|لا أدري ما هي الأكاذيب الأخرى التي يخترعها عمر المختار لاتهام الحكومة بأنها لم تفِ بكلمتها وأنكم تعلمون أن خيال المشايخ [[عرب|العرب]] واسع عندما يتعلق الأمر بإخفاء الحقائق ولا يجب العدو ورائهم وإنما ضربهم بقوة.. فإذا ظلت حركة عمر المختار معزولة فيكون من السهل القضاء عليها، إن ثُلثيّ الثوَّار سيكونون في جانبنا، إنَّ الوضع لا يثير أي قلق وسنتغلب عليه في وقت قصير}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ديل بوكا |أنجيلوfirst= |وصلة مؤلف= |عنوان=الإيطاليون في ليبيا، الجزء الثاني |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1995]] |ناشر= ترجمة محمود علي التائب؛ مراجعة عمر محمد الباروني |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=162 |صفحات=}}</ref><ref>{{Cite journal|الأخير1=البوري |الأول1=وهبي |الأخير2= |الأول2= |سنة=[[2005]] |عنوان=عـمر المختار وبادوليو أو مفاوضات سيدي ارحومه |صحيفة=مجلَّة تراث الشعب |المجلد=25 |العدد=1-2 |صفحات= |ناشر= |doi= |مسار= |تاريخ الوصول=4 March 2013}}</ref>
 
== انفجار الموقف ==
[[ملف:Omar Mukhtar 14.jpg|تصغير|المختار (يُشار إليه بسهم) وسط رجاله.]]
ما أن تجلّى لعمر المختار صحَّة ما اعتقد به منذ البداية، وهو عدم جدوى المفاوضات السياسيَّة مع الدولة المُستعمرة، <ref>{{Cite journal|الأخير1=أحمد |الأول1=حسن علي |الأخير2= |الأول2= |سنة=[[1988]] |عنوان=عمر المختار في ذكرى استشهاده |صحيفة=مجلَّة البيان |المجلد=15 |العدد=ربيع الثاني |صفحات=87 |ناشر= |doi= |مسار=https://www.majalisna.com/docs/viewdoc.php?DOCID=1870 |تاريخ الوصول=4 مارس 2013| مسار الأرشيفأرشيف = https://web.archive.org/web/20200408213217/https://www.majalisna.com/docs/viewdoc.php?DOCID=1870 | تاريخ الأرشيفأرشيف = 8 أبريل 2020 }}</ref> حتى خاطب المجاهدين وأبناء شعبه قائلًا: {{اقتباس مضمن|فليعلم إذًا كلُّ مجاهد أنَّ غرض الحكومة الإيطاليَّة إنما بث الفتن والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا واغتصاب كل حق مشروع لنا كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة، ولكن بحمد [[الله]] لم توفق إلى شيء من ذلك. وليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطاليَّة شريفة، وما مقاصدنا إلا المطالبة بالحرية وإن مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كل حركة قوميَّة تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي وتقدمه... فهيهات أن يصل الطليان إلى غرضهم مادامت لنا [[قلب|قلوبٌ]] تعرف أن في سبيل الحرية يجب بذل كل مرتخصٍ وغالٍ}}. ثمَّ ختم المختار هذا النداء بقوله: {{اقتباس مضمن|لهذا نحن غير مسؤولين عن بقاء هذه الحالة الحاضرة على ما هي عليه حتى يتوب أولئك الأفراد النزاعون إلى القضاء علينا إلى رشدهم ويسلكوا السبيل القويم ويستعملوا معنا الصراحة بعد المداهنة والخداع}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=303 |صفحات=}}</ref>
 
انفجر الموقف قبل ثلاثة أسابيع من الموعد الذي حدده عمر المختار لانتهاء الهدنة، فقد هاجمت مجموعة من المجاهدين دورية من الضابطيَّة وأبادتها، وتسبب الحادث في غضب الإيطاليين وبادوليو بصورة خاصَّة الذي انهارت آماله في إنهاء الثورة سلميًّا، وانزعج موسوليني وأوقف الاتصالات الجارية في مصر وأمر بالعودة إلى القوة والحرب.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ديل بوكا |الأول=أنجيلو |وصلة مؤلف= |عنوان=الإيطاليون في ليبيا، الجزء الثاني |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1995]] |ناشر= ترجمة محمود علي التائب؛ مراجعة عمر محمد الباروني |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=161 |صفحات=}}</ref> اتهمت إيطاليا عمر المختار بالخيانة وخرق الهدنة، وعلى الرغم من أنَّ حادث الاعتداء على الدوريَّة الإيطاليَّة كان مُحاطًا بالغموض، وتأكيد عمر المختار أنّه لم يأمر بعمل كهذا وهو الذي حدد موعد انتهاء الهدنة وهو الحريص على وعوده وتعهداته. ويُرجّح أنَّ الذي دبر الحادث هو من المستفيدين من الحرب وبعضهم كان يتعاون مع الثوّار ويبيع لهم السلاح. وكان رد فعل الفريق أوَّل سيشلياني على قتل أفراد الدورية إرسال أربع [[طائرة مقاتلة|طائرات]] لقصف منتجعات المجاهدين بمن فيها من نساء وأطفال وشيوخ وقد تمكن المجاهدون من إسقاط إحدى الطائرات وأسر طيَّارها، وأصدر سيشلياني بعد مرور يوم على الحادث بيانًا قال فيه: {{اقتباس مضمن|لقد فرضت علينا خيانة عمر المختار استئناف الحرب ضد الثوَّار وسيكون قتالا شاملا بدون رحمة أو توقف ضد كل من يرفع السلاح في وجه الحكومة أو حمله بدون ترخيص}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ديل بوكا |الأول=أنجيلو |وصلة مؤلف= |عنوان=الإيطاليون في ليبيا، الجزء الثاني |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1995]] |ناشر= ترجمة محمود علي التائب؛ مراجعة عمر محمد الباروني |مكان= |الرقم المعياري= |صفحة=162 |صفحات=}}</ref> وما لبثت المعارك أن انتشرت في منطقة الجبل الأخضر حتى أُقفلت جميع الطرق، <ref>{{مرجع كتاب |الأخير=شكري |الأول=محمد فؤاد |وصلة مؤلف= |عنوان=السنوسية؛ دين ودولة |مسار= |تاريخ الوصول= |سنة=[[1948]] |ناشر=مركز الدراسات الليبية |مكان=[[أكسفورد]]- [[المملكة المتحدة]]|الرقم المعياري= |صفحة=34 |صفحات=}}</ref> فحشد الإيطاليّون قوَّاتهم وطائراتهم وآليَّاتهم لمهاجمة وتطويق الثوَّار وإبادتهم، وتولّى الطيران الدور الأول في المعركة. لكن القوّات الإيطاليَّة فشلت في مهمتها وتمكن الثوَّار من الإفلات من عملية التطويق بفضل استماتة قوَّات الحماية كما اعترف الفريق أوَّل سيشلياني بذلك. وكانت هذه أول معركة يخوضها بادوليو ضد المجاهدين ولم تختلف نتائجها عن نتائج المعارك التي سبقتها والتي أطاحت بثلاثة حكَّام طليان، وقد أدرك بادوليو أن خصمه شديد ومنظم وذكي ولا يُمكن التغلب عليه في حرب تقليديَّة وقد وصف بادوليو عمر المختار لوزير المستعمرات فكتب: {{اقتباس مضمن|عمر المختار هو المحور الذي تدور حوله الثورة وهو يحظى بسلطة ونفوذ مطلقين ولا يُشاركه أحد في السلطة ولديه نواب مخلصون وملتزمون فمن المستحيل استعمال الأسلوب المعتاد لاستغلال كوامن الغيرة والتنافس والحقد التي تتوفر دائماً حيث يوجد عدَّة زعماء، إن إرادة عمر المختار القويَّة هي التي تُملي القوانين في أي وقت وأي ظرف}}.<ref>أوراق غراتسياني – محفوظات الدولة المركزية روما ب 1 – ملف 2 – أورد ديلبوكا المذكور ص 179 حاشية. 13</ref>
سطر 203:
== المختار في الثقافة ==
[[ملف:أنطوني كوين-عمر المختار.jpg|تصغير|100بك|الممثل أنطوني كوين بدور عمر المختار.]]
رثا أمير الشعراء [[أحمد شوقي]] عمر المختار بقصيدة<ref>{{مرجع ويب|مسار=https://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er&doWhat=shqas&qid=69466|عنوان=أدب .. الموسوعة العالمية للشعر العربي - adab<!-- عنوان مولد بالبوت -->|تاريخ الوصول=2020-01-25| مسار الأرشيفأرشيف = https://web.archive.org/web/20191124171554/http://www.adab.com/modules.php?name=Sh3er | تاريخ الأرشيفأرشيف = 24 نوفمبر 2019 }}</ref> من الشعر قال فيها:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|إِفريقيا مَهدُ الأُسودِ وَلَحدُها|ضَجَّت عَلَيكَ أَراجِلاً وَنِساءَ}}
سطر 212:
كما رثاه الكثير من الشعراء الآخرين ونظموا عنه الشعر. ظهرت شخصيَّة عمر المختار في فيلم "[[أسد الصحراء (فيلم)|أسد الصحراء]]" من عام [[1981]]، من إخراج [[مصطفى العقاد|مصطفى العقَّاد]]، وهو فيلم ناطق [[لغة إنجليزية|باللغة الإنگليزيَّة]]، لعب فيه الممثل المكسيكي - الأمريكي [[أنتوني كوين|أنطوني كوين]] دور المختار، وقد ظهر كوين شديد الشبه بعمر المختار بعد أن أطلق لحيته. بدأ تصوير الفيلم في [[4 مارس]] سنة [[1979]]، وجرى في أغلب مواقع الأحداث الحقيقيَّة، وانتهى في [[2 أكتوبر]] من نفس العام، وعُرض في الصالات السينمائيَّة سنة [[1981]]. بالإضافة إلى ذلك، يظهر المختار على العملة الورقيَّة الليبيَّة من فئة عشرة [[دينار ليبي|دنانير]].
 
== انظر أيضاًأيضا ==
* [[الغزو الإيطالي لليبيا]]
* [[محمد الدغباجي]]