عمر المختار: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:الإبلاغ عن رابط معطوب أو مؤرشف V4.7*
ط بوت:إضافة وصلة أرشيفية.
سطر 122:
اهتز وضع المشير بادوليو بعد فشله في المفاوضات وبعد الإخفاق في الهجوم الذي قصد منه إنهاء الثورة، واستغل الفريق أوَّل دي بونو وزير المستعمرات تزعزع مركز بادوليو فانهال عليه بالتعليمات والتوجيهات وطلب منه إعفاء نائبه الفريق أوَّل سيشلياني وتعيين الفريق أوَّل غراتسياني بديلًا له، وكان دي بونو يريد أن يخلق من غراتسياني ندًا لبادوليو ومنافسًا له. وصل غراتسياني إلى بنغازي يوم [[7 مارس]] سنة [[1930]]، تحيط به هالة من البطولة والاعتداد بالنفس والغطرسة بعد أن قابل موسوليني في روما وأثنى عليه الأخير ووضع ثقته فيه، كما هتف له مجلس النواب الإيطالي. وشرع في عمله باتخاذ سلسلة من الإجراءات القمعيَّة والتعسفيَّة، فأرسل بعض المشايخ إلى سجون إيطاليا وقرر توقيع [[عقوبة الإعدام]] على كل من يتعاون أو يتصل بالثوَّار وسجن معظم المشايخ وأعيان بنغازي ودرنة في قلعة بنينة، أمَّا أبرز ما فعله فكان إنشاء "المحكمة الطائرة"، وهي محكمة بكامل أجهزتها تقطع البلاد على متون الطائرات وتحكم على الأهالي بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشيّين، وكانت تلك المحاكم تنعقد بصورة سريعة وتصدر أحكامها وتُنفَّذ في دقائق وبحضور المحكمة نفسها لتتأكد من التنفيذ قبل أن تُغادر الموقع الذي انعقدت فيه لتنعقد في نفس اليوم بموقع آخر.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=126-127}}</ref> بل وقد أعلن جائزة قدرها 200,000 فرنك لقاء جلب عمر المختار سواءً حياً أو ميتاً.<ref name="مجلة البحوث4">د. هاشم يحيى الملاح، "جهاد عمر المختار وتضحيات الجماهير". ص20، مجلة البحوث التاريخية، العدد الثاني، السنة العاشرة، يوليو 1988. منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.</ref> كما ارتكب غراتسياني فظائع أخرى، فأنشأ معسكرات الاعتقال الجماعيَّة في الصحراء، وأحاطها بالأسلاك الشائكة، ونقل إليها كل من يربطه أي نوع من أنواع الصلات بأحد المجاهدين أو المهاجرين إلى مصر، ولم يُراع في ذلك سنّ المعتقلين ولا جنسهم ولا حالتهم الصحيَّة، فاعتقلت النساء والرجال، والشيوخ والأطفال، والصحاح والمُصابين بالأمراض والعاهات. كما أمر بإحراق الكثير من القرى المتعاونة مع الثوَّار، فدُمِّرت المنازل وأُحرقت المحاصيل الزراعيَّة، وأُهلكت الحيوانات فيما عدا ما استعمله الجيش الإيطالي للنقل، حتى أصبحت جميع مناطق الجبل والبطنان هلاكًا تلعب فيه الرياح.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة= |صفحات=113 و149}}</ref>
 
وقد كانت معسكرات المجاهدين قريبة من نواجع الأهالي حتى يسهل على المختار وصحبه أخذ العشور والحصول على الذخائر والأسلحة والمؤن، ولكن بعد حشر القبائل في المعتقلات الجماعيَّة تغيَّرت خطة عمر المختار وطوَّر أساليبه القتاليَّة لما يتماشى مع المرحلة واعتمد على عنصر المباغتة وركن إلى مفاجأة القوات الإيطاليَّة بعد كشفها والاستطلاع عليها في أماكن متفرقة.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=محمود |الأول=شلبي |وصلة مؤلف= |عنوان=حياة عمر المختار |مسار=|تاريخ الوصول= |سنة=[[1989]] |ناشر=دار الجيل |مكان=[[بيروت]]-[[لبنان]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=127-128}}</ref> قال غراتسياني في هذا المجال: {{اقتباس مضمن|بالرغم من إبعاد النواجع والسكَّان الخاضعين لحكمنا، يستمر عمر المختار في المقاومة بشدَّة ويلاحق قوَّاتنا في كل مكان}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=227 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وعلى الرغم من ذلك، فقد أصدر عمر المختار أوامره إلى رجاله بتجنُّب التعرض للسكان أو منعهم من الرحيل خشية انتقام الإيطاليين.<ref>عصام عبد الفتاح، كتاب "عمر المختار ورجاله: سيد شهداء القرن العشرين". ص74. دار كنوز للنشر والتوزيع [[القاهرة]]، [[مصر]].</ref> استمرَّ غراتسياني في تدابيره العسكريَّة، فلم يأتِ يوم [[14 يونيو]] حتى كان الطليان قد استولوا على منطقة الفايدية، بأجمعها واحتلوها ونزعوا من الأهالي الخاضعين لهم 3175 بندقية، و60,000 [[خرطوش (توضيح)|خرطوش]].<ref name="رودلفو"/> في وقتٍ سابق، كانت قد سقطت [[الكفرة (ليبيا)|الكفرة]] في الجنوب والتي كانت المعقل الأساسي المتبقي لحركة المقاومة، ممَّا ترك عمر المختار في معزلٍ تامّ.<ref name="طاهر الزاوي70">كتاب "عمر المختار"، لطاهر الزاوي، مرجع سابق، ص154-155: "التضييق على السيد عمر".</ref> أمام هذا الواقع نقل عمر المختار دائرة عملياته إلى الناحية الشرقية في الدفنا نظرًا لقربها من الحدود المصريَّة وذلك حتى يتمكن من إرسال [[ماشية|المواشي]] التي يأتيه بها الأهالي إلى الأسواق المصرية في نظير أخذ حاجته من هذه الأسواق، مما جعل غراتسياني يقرر إقامة [[سلك شائك|الأسلاك الشائكة]] على طول الحدود الشرقيَّة.<ref name="رودلفو">{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=229 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وقد تكلَّفت الحكومة الإيطاليَّة 20 مليون فرنك إيطالي حتى تمكنت من مدّ الأسلاك من حدود [[البحر الأبيض المتوسط|البحر المتوسط]] إلى ما بعد الجغبوب، لكنها بالمقابل، وكما ذكر غراتسياني في مذكراته، أدَّت النتيجة المرجوَّة، فحرمت الثوَّار من الإمدادات التي كانت تأتيهم من مصر عن طريق المهاجرين.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=232-233|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
== المختار في الأسر ==
سطر 131:
[[ملف:Omar Mokhtar arrested by Italian Officials.jpg|تصغير|عُمر المختار في الأسر وقد كُبِّل بالسلاسل دون مراعاة سنّه وحالته الصحيَّة.]]
نُقلت برقية من موريتي، النبأ إلى كلٍ من وزير المستعمرات دي بونو وحاكم ليبيا بادوليو والفريق أوَّل غراتسياني، جاء فيها:
{{اقتباس مضمن|تمَّ القبض على عمر المختار.. في عملية تطويق بوادي بوطاقة جنوب [[البيضاء (ليبيا)|البيضاء]]. وقد وصل مساء الأمس إلى [[سوسة (توضيح)|سوسة]] الكومنداتور دودياتشي الذي تعرف عليه ووجده هادئ البال ومطمئنًا لمصيره، الخسائر التي تكبدها المتمردون هي 14 قتيلًا}}.<ref name="صحيفة الجيل">[https://www.jeel-libya.net/show_article.php?id=16976&section=7 صحيفة الجيل] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20200117155822/https://www.jeel-libya.net/show_article.php?id=16976&section=7 |date=17 يناير 2020}}</ref> وتمَّ استدعاء أحد القادة الطليان، وهو متصرف [[الجبل الأخضر (ليبيا)|الجبل الأخضر]] دودياشي الذي سبق أن فاوض عُمر المختار للتثبت من هوية الأسير. وبعد أن التُقطت الصور مع الأسير، نُقل عمر المختار إلى مبنى بلدية [[سوسة (توضيح)|سوسة]]، ومن هناك على ظهر طرَّاد بحري إلى سجن [[بنغازي]] مُكبّلًا بالسلاسل.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة=146 |صفحات=}}</ref> يقول غراتسياني في مذكراته أنَّه خلال الرحلة إلى بنغازي، تحدَّث بعض السياسيين مع عمر المختار ووجهوا إليه الأسئلة، فكان يجيب بكل هدوء وبصوت ثابت وقوي دون أي تأثر بالموقف الذي هو فيه.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=274 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وقال أيضًا: {{اقتباس مضمن|هذا الرجل اسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام لأنه الرأس المُفكر والقلب النابض للثورة العربيَّة (الإسلاميَّة) في برقة وكذلك كان المُنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا في أيدينا}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=266-267|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
=== في السجن ===
[[ملف:Omar Mukhtar 3.jpg|تصغير|يمين|كوكبة ضخمة من القوَّات والجنود أثناء نقل المختار بعد أسره.]]
[[ملف:Omar Mukhtar-عمر المختار2.jpg|تصغير|عمر المختار جالسٌ على الأرض في زنزانته.]]
عندما وصل الأسير إلى بنغازي، لم يُسمح لأي مراسل جريدة أو مجلَّة بنشر أية أخبار أو مقابلات، وكان على الرصيف مئات من المشاهدين عند نزوله في الميناء ولم يتمكن أي شخص مهما كان مركزه أن يقترب من الموكب المُحاط بالجنود المدججين بالسلاح. ونُقل المختار في سيَّارة السجن تصحبه قوَّة مسلَّحة [[رشاش|بالمدافع الرشَّاشة]] حيث أودع في زنزانة صغيرة خاصة منعزلة عن كافَّة [[سجين سياسي|السجناء السياسيين]] وتحت حراسة شديدة، وكان يتم تغيير الحرَّاس كل فترة. ويقول مترجم كتاب "برقة الهادئة" الأستاذ إبراهيم سالم عامر أنَّ زنزانة عمر المختار كانت تحوي سريرًا من [[خشب]] و[[نسيج (قماش)|قماش]] وعلى أرضيَّتها قطعة من السجَّاد البالي لأجل وقع الرجلين عليه، ويُضيف أنَّ المختار كان يجلس عليها ويُسند ظهره على الجدران ويمد رجليه إلى الأمام حتى يُريحهما.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=274-275|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
أثناء مكوث عمر المختار في السجن، أراد المأمور رينسي، وهو السكرتير العام لحكومة برقة، في أمسية الرابع عشر من سبتمبر أن يُقحم الشارف الغرياني في موقف حرج مع عمر المختار فأبلغه بأنَّ المختار طلب مقابلته، أي الغرياني، وأنَّ الحكومة الإيطاليَّة لا ترى مانعًا من تلبية طلبه، وذهب الشارف الغرياني إلى السجن لمقابلة المختار، وعندما التقيا خيَّم السكون الرهيب ولم يتكلم المختار فقال الشارف الغرياني مثلًا شعبيًّا مخاطبًا به المختار: {{اقتباس مضمن|الحاصلة سقيمة والصقر ما يتخبل}}، وماكاد المختار يسمع المثل المذكور حتى رفع رأسه ونظر بحدَّة إلى الشارف الغرياني وقال له: {{اقتباس مضمن|الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه}} وسكت هنيهة ثم أردف قائلًا: {{اقتباس مضمن|ربِّ هب لي من لدُنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، أنني لم أكن في حاجة إلى وعظ أو تلقين، أنني أومن بالقضاء والقدر، وأعرف فضائل الصبر والتسليم لإرادة الله، إنني متعبٌ من الجلوس هنا، فقل لي ماذا تريد؟}}، وهنا أيقن الشارف الغرياني بأنه غرّر به فزاد تأثره وقال للمختار: {{اقتباس مضمن|ما وددت أن أراك هكذا ولقد أرغمت نفسي للمجيء بناءً على طلبك...}} فقال المختار: {{اقتباس مضمن|والجبل الشامخ أنا لم أطلبك ولن أطلب أحدًا ولا حاجة لي عند أحد}}، ووقف دون أن ينتظر جوابًا من الشارف الغرياني، وعاد الأخير إلى منزله وهو مهموم حزين وقد صرّح بأنه شعر في ذلك اليوم بشيء ثقيل في نفسه ما شعر به طيلة حياته، ولما سُئل الشارف الغرياني عن نوع الثياب التي كان يرتديها عمر المختار أهي ثياب السجن أم ثيابه التي وقع بها في الأسر كان جوابه بيتان من الشعر:<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الأشهب |الأول= محمد الطيب بن إدريس |وصلة مؤلف= |عنوان=عمر المختار |مسار=https://ia801603.us.archive.org/9/items/oalmukhtar/oalmukhtar.pdf |تاريخ الوصول= |سنة=[[1958]] |ناشر=مكتبة القاهرة |مكان=[[القاهرة]]-[[مصر]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=166-167}}</ref>
سطر 148:
لم يصدق وزير المستعمرات الخبر في البداية. وغراتسياني الذي كان متوجهًا إلى [[باريس]] نزل من [[قطار]]ه ليعود مسرعًا إلى بنغازي. ثم انقلبت دهشتهم إلى فرح هستيري، والإصرار على "محاكمة فوريَّة والإعدام بصورة صاخبة ومُثيرة" كما جاء في برقيَّة دى بونو وزير المستعمرات إلى بادوليو حاكم ليبيا. لكن ما فاجأ الطليان كان هدوء الأسير وصراحته المُذهلة في الرد على أسئلة المُحققين، بثباتٍ تام ودون مراوغة، إذ قال لهم: {{اقتباس مضمن|نعم قاتلت ضد الحكومة الإيطاليَّة، لم أستسلم قط. لم تخطر ببالي قط فكرة الهرب عبر الحدود. منذ عشر سنوات تقريبًا وأنا رئيس المحافظية. اشتركت في معارك كثيرة لا أستطيع تحديدها. لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة. وما وقع ضد إيطاليا والطليان، منذ عشر سنوات وحتى الآن كان بإرادتي وإذني. كانت الغارات تُنفَّذ بأمري، وبعضها قمت به أنا بنفسي. الحرب هي الحرب. أعترف بأنه قُبض عليّ والسلاح بيدي، أمام الزاوية البيضاء، في غوط اللفو، هل تتصورون أن أبقى واقفًا دون إطلاق النار أثناء القتال؟ ولا أشعر بالندم عمَّا قمت به}}.<ref name="صحيفة الجيل"/>
 
وصل غراتسياني إلى [[بنغازي]] يوم [[14 سبتمبر]]، وأعلن عن انعقاد "المحكمة الخاصة" يوم [[15 سبتمبر]] [[1931]]، وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غراتسياني في الحديث مع عمر المختار. يذكر غراتسياني في مذكراته: {{اقتباس مضمن|وعندما حضر أمام مكتبي تهيَّأ لي أنني أرى فيه شخصية آلاف المُرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراويَّة. يداه مُكبلتان بالسلاسل، رغم الكسور والجروح التي أُصيب بها أثناء المعركة، وكان وجهه مضغوطًا لأنه كان مُغطيًا رأسه ب[[الجرد]] ويجرّ نفسه بصعوبة نظرًا لتعبه أثناء السفر بالبحر، وبالإجمال يُخيل لي أنَّ الذي يقف أمامي رجلٌ ليس كالرجال: له منظره وهيبته رغم أنَّه يشعر بمرارة الأسر، ها هو واقفٌ أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوتٍ هادئ وواضح}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=279 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
¤غراتسياني: لماذا حاربت بشدَّة متواصلة الحكومة الفاشيَّة؟
سطر 157:
¤فأجاب المختار: لا يُمكنني أن أعمل أي شيء … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلَّنا الواحد بعد الأخر، ولا نسلّم أو نُلقي السلاح.
 
ويستطرد غراتسياني حديثه: {{اقتباس مضمن|عندما وقف ليتهيأ للانصراف، كان جبينه وضاء كأنَّ هالة من نور تُحيط به، فارتعش قلبي من جلالة الموقف، أنا الذي خاض المعارك والحروب العالميَّة، والصحراويَّة، ولُقبت بأسد الصحراء، ورُغم هذا فقط كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنبس بحرفٍ واحد، فانتهت المُقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه للمُحاكمة في المساء، وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمُصافحتي ولكنَّه لم يتمكن لأن يديه كانت مُكبلة بالحديد. لقد خرج من مكتبي كما دخل عليّ وأنا أنظر إليه بكل إعجاب وتقدير}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=285 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
== المحاكمة ==
سطر 163:
في الساعة الخامسة مساءً في [[15 سبتمبر]] [[1931]] جرت محاكمة عمر المختار التي أعد لها الطليان مكان بناء برلمان برقة القديم، وكانت [[محاكمة شكلية|محاكمة صورية]] شكلًا وموضوعًا، إذ كان الطليان قد أعدوا المشنقة وانتهوا من ترتيبات الإعدام قبل بدء المحاكمة وصدور الحكم على المختار، ويبدو ذلك جليًّا من خلال حديث غراتسياني مع المختار خلال مقابلتهما، حين قال له: {{اقتباس مضمن|إني لأرجو أن تظل شجاعًا مهما حدث لك أو نزل بك}}، فأجابه المختار: {{اقتباس مضمن|إن شاء الله}}.<ref name="محاكمة المختار">{{مرجع كتاب |الأخير=الصَّلَّابي |الأول=علي محمد |وصلة مؤلف=علي محمد الصلابي |عنوان=الشيخ الجليل عمر المختار: نشأته، وأعماله، واستشهاده |المكتبة العصريةurl= |تاريخ الوصول= |سنة= |ناشر= |مكان=[[صيدا]]-[[لبنان]] |صفحة=|صفحات=50-51}}</ref>
[[ملف:Omar Mukhtar 6.jpg|تصغير|محاكمة عمر المختار. يظهر المختار في وسط الصورة (صاحب الرداء الأبيض) مُقابل قوس القضاة.]]
جيء بعمر المختار إلى قاعة الجلسة مكبلًا [[حديد|بالحديد]]، وحوله الحرس من كل جانب، وأُحضر أحد [[ترجمة|التراجمة]] الرسميين ليتولّى الترجمة للمختار وللقضاة، فلمَّا افتتحت الجلسة وبدأ استجواب المختار، بلغ التأثر بالترجمان، حدًا جعله لايستطيع إخفاء تأثره وظهر عليه الارتباك، فأمر رئيس المحكمة باستبعاده وإحضار ترجمان آخر فوقع الاختيار على أحد [[يهود|اليهود]] من بين الحاضرين في الجلسة، فقام بدور المترجم، وكان عمر المختار جريئًا صريحًا، يصحح للمحكمة بعض الوقائع، خصوصًا حادث الطيارين الإيطاليين أوبر وبياتي، الذين أسرهما المجاهدون قبل ذلك.<ref name="محاكمة المختار"/> وبعد استجواب المختار ومناقشته، وقف المدعي العام بيدندو، فطلب الحكم على عمر المختار بالإعدام. وكان لحضور المختار في المحكمة أمام خصومه أثرٌ في نفوسهم، فرؤية شيخ طاعن في السن مُكبَّل بالسلاسل، صريحٌ وشجاع عندما يتكلم، كان لها وقعٌ على الكثير من الحاضرين، ولعلَّ أبرز ما يُظهر ذلك هو أنه عندما جاء دور [[محاماة|المحامي]] المعهود إليه بالدفاع عن المختار، وكان ضابطًا إيطاليًّا شابًا من رتبة [[نقيب (رتبة عسكرية)|نقيب]] يُدعى روبرتو لونتانو، حاول أن يُبقي على حياة المختار، فطالب بالحكم عليه بالسجن المؤبَّد نظرًا لشيخوخته وكِبر سنّه، متحججًا بأنَّ هذا عقاب أشد قساوةً من الإعدام.<ref name="محاكمة المختار"/> غير أنَّ [[نائب عام|المدعي العام]]، تدخل وقطع الحديث على المحامي وطلب من رئيس المحكمة أن يمنعه من إتمام مرافعته مستندًا في طلبه هذا إلى أنَّ الدفاع خرج عن الموضوع، وليس من حقه أن يتكلم عن كبر سن عمر المختار وشيخوخته ووافقت المحكمة.<ref name="محاكمة المختار"/> عندئذٍ وقف المحامي وقال: {{اقتباس مضمن|إنَّ هذا المُتهم الذي انتدبت للدفاع عنه: إنما يُدافع عن حقيقة كلّنا نعرفها، وهي الوطن الذي طالما ضحينا نحن في سبيل تحريره، إنَّ هذا الرجل هو ابن لهذه الأرض قبل أن تطأها أقدامكم، وهو يعتبر كل من احتلها عنوة عدوًا له، ومن حقه أن يُقاومه بكل ما يملك من قوَّة، حتى يُخرجه منها أو يهلك دونها، إن هذا حق منحته إياه الطبيعة والإنسانية.. إنَّ العدالة الحقة لا تخضع للغوغاء وإني آمل أن تحذروا حكم التاريخ، فهو لا يرحم، إنَّ عجلته تدور وتسجّل ما يحدث في هذا العالم المضطرب}}.<ref>[https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=76078 مؤسسة الحوار المتمدن: دراسات وأبحاث في التاريخ والتراث واللغات]، تأليف: أحمد الفيتوري - [[2006]] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20171228232332/http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=76078 |date=28 ديسمبر 2017}}</ref> وهنا كثر الضجيج ضدَّ المحامي ودفاعه، لكنه استمر بالكلام والدفاع عن المختار، فقام النائب العام ليحتج، فقاطعه القاضي برفع الجلسة للمداولة، وبعد مضي فترة قصيرة من الانتظار دخل القاضي والمستشاران والمدعي العام بينما المحامي لم يحضر لتلاوة الحكم القاضي بإعدام عمر المختار شنقًا حتى الموت، وعندما تُرجم الحكم إلى عمر المختار اكتفى بالقول: {{اقتباس مضمن|إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمكم المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون}}.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة= |صفحات=286-287|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref>
 
== إعدام عمر المختار ==
سطر 174:
 
=== ليبيا بعد إعدام المختار ===
حاولت إيطاليا الاستفادة من مقتل عمر المختار، فعملت على استمالة المجاهدين إليها وإقناعهم إنَّ المقاومة لا فائدة تُرجى منها بعد أن سقط الرأس المُدبّر، لكن المجاهدين أبوا واجتمعوا وانتخبوا الشيخ [[يوسف بورحيل المسماري]] قائدًا للجهاد الإسلامي ووكيلًا عامًا للجهاد. وعلى أثر هذا التنصيب كلَّف الشيخ عبد الحميد العبَّار بالرحيل نحو شرق البلاد للقيام بحث الناس على الانخراط في جيش المجاهدين وحمل السلاح لمكافحة الجيوش والجهاد في سبيل [[عقيدة إسلامية|العقيدة الإسلامية]] والدين. ولم يكن لمقتل المختار الأثر الذي توقعه الطليان، فلم يخف عزمهم أو يتلاشى، بل ازدادوا تصميمًا على القتال وتحرير البلاد من المحتل الأجنبي، فواصلت الحكومة الإيطالية حملات الانتقام ضدهم، حتى كانت الموقعة الحاسمة عند الحدود المصريَّة قرب الأسلاك الشائكة، فاجتاز الأسلاك بعض المجاهدين وقتل منهم عدد وأُسر عدد آخر، ولم يبقى إلّا الشيوخ القادة الأربعة، وهم: [[عبد الحميد العبار|عبد الحميد العبَّار]] ويوسف بورحيل وعصمان الشامي وحمد بوخير الله. فقُتل الأخير ويوسف بورحيل وجُرح عصمان الشامي فأخذ أسيرًا، وأما عبد الحميد العبَّار فاستطاع أن يجتاز الأسلاك الشائكة بجواده نحو مصر.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=غراتسياني |الأول=رودولفو |وصلة مؤلف=رودولفو غراتسياني |عنوان=برقة الهادئة |مسار= https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |تاريخ الوصول= |سنة=[[1980]] |ناشر=دار مكتبة الأندلس، [[تعريب (لغة)|تعريب]]: إبراهيم سالم بن عامر |مكان=[[بنغازي]] - [[ليبيا]] |الرقم المعياري= |صفحة=296 |صفحات=|مسار أرشيف= https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645|تاريخ أرشيف=2018-08-21}} {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20180821160353/https://wadod.org/vb/showthread.php?t=4645 |date=21 أغسطس 2018}}</ref> وبهذه النهاية انكسرت شوكة المجاهدين وتعثرت خطواتهم وأخمدت حركة الجهاد في ليبيا، واستتب الأمر لإيطاليا حتى حين، فعملت على خلق هويَّة جديدة للبلاد وحاربت الإسلام بعدة وسائل طيلة 11 عامًا، لكنها سرعان ما انشغلت بنشوب [[الحرب العالمية الثانية]]، التي خرجت منها خاسرة بعد بضع سنوات، وانسحبت كليًّا من ليبيا بتاريخ [[7 أبريل]] عام [[1943]].
 
== الشخصية ==