الفتح الإسلامي للسند: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 173:
ومهما كانت أسباب تقدُّم مُحمَّد بن القاسم إلى الشمال فقد جاءته حينها أوامر الحجَّاج، وهو القائد المُدبِّر، والمُخطِّط لِفتح السند، بِأن يرجع جنوبًا إلى النيرون، ثُمَّ يبدأ منها في مُناجزة داهر. وبعد أن قرأ مُحمَّد بن القاسم رسالة الحجَّاج، توجَّه مُباشرةً إلى النيرون، فقطع المنازل والمراحل حتَّى وصل إلى حصنٍ يقع على جبل النيرون، فعسكر هُناك لِفترة، ثُمَّ توجَّه إلى حصن «أشبهار»، ولمَّا وصل إلى جواره وجده حصنًا حصينًا، وقد صمَّم أهله على الحرب والقتال، وحفروا خندقًا حوله وجاؤوا بِالفلَّاحين والقرويين والزط من أطراف الحصن وأدخلوهم فيه لِيزداد عدد مُقاتليهم. ضرب المُسلمون الحصار على الحصن المذكور، وأمر مُحمَّد بن القاسم بِقذفه بِالمجانيق، واشتدَّت الحرب مُدَّة أُسبُوع شعر أهل الحصن بعدها بِالضعف والوهن، وبِقُوَّة الجيش الإسلامي، فأعلنوا الاستسلام وطلبوا الأمان، فأجابهم مُحمَّد بن القاسم، فأعلنوا الطاعة والولاء. أمَّا الباقون الذين كانوا يُساعدون المُعاندين والمُقاتلين، فقد جاؤوا بالأموال والتُحف والهدايا وفتحوا أبواب الحصن، فدخل جيش الإسلام المُنتصر، وأخذ مُحمَّد بن القاسم مفاتيح المدينة ووضعها بِيد أحد أتباعه المُخلصين وعيَّن شحنةً{{للهامش|3}} لِلمدينة، ثُمَّ بقي مُدَّةً في الحصن وبعدها توجَّه إلى شواطئ نهر السند حتَّى وصل «الراور» على الجانب الغربي وعسكر هُناك.<ref name="بلوش8">{{مرجع كتاب|المؤلف1= بلوش، ن. أ|العنوان= فتح السند|الطبعة= الأولى|الصفحة=130 - 151|سنة= [[1991]]|الناشر= طلاسدار للدراسات والترجمة والنشر|تاريخ الوصول= [[8 سبتمبر|8 أيلول (سپتمبر)]] [[2019]]م|المكان=[[دمشق]] - [[سوريا]]|مسار= https://archive.org/details/65789/page/n131}}</ref> ولمَّا نزل مُحمَّد بن القاسم بِشط السند، قاتله «جاهين» صاحب حصن جزيرة بيت، الذي يبدو أنَّ داهر عيَّنهُ على ولاية تلك المنطقة كونه كان من القادة الموثوقين المُقرَّبين إليه، رُغم أنَّ تلك الولاية كان يحكمها «بساية بن سربند»، وكانت وراثيَّةً في نسله، مع حفاظه على تبعيَّته لِلراجا داهر، لكنَّ الأخير يظهر أنَّهُ أوكل حُكم الولاية إلى قائده جاهين وجعلهُ فوق بساية بِغية التصدِّي لِمُحمَّدٍ بن القاسم أثناء عُبُوره لِنهر السند، لكنَّ جاهين هُزم على يد المُسلمين، ومنح مُحمَّد بن القاسم حُكم ولاية بيت إلى «موكه بن بسايه» الذي صار حليفه ضدَّ داهر، وعندما سمع داهر بِمُحالفة موكه لِمُحمَّدٍ بن القاسم قام بِتعيين ابنه جيسيه لِلسيطرة على قلعة بيت الاستراتيجيَّة، وأمرهُ بِعدم الثقة بِالحاكم القديم «بسايه».<ref name="بلوش8" />
[[ملف:The war elephant of Inida..jpg|تصغير|يمين|رسمٌ توضيحيّ لِفيلٍ حربيٍّ هنديٍّ من النُويعة التي استعملها الراجا داهر في جُيُوشه لِقتال المُسلمين في معركة الراور. هذا الرسم لا يعود لِفيل داهر أو لِأحد أفيال جيشه، والغاية منه توضيحيَّة فقط لِإبراز ما واجهه المُسلمون خِلال المعركة المذكورة.]]
{{الإسلام في الهندباكستان}}
خِلال ذلك الوقت، أرسل مُحمَّد بن القاسم أحد كبار الرجال الشاميين في جيشه مع أحد السنديين الذين اعتنقوا الإسلام، ويُدعى «ديبلي»، إلى الراجا داهر لِتخييره بين الإسلام والسلام أو الجزية أو الحرب. فاستشار داهر وزيره «سيساكر» وأحد العرب العلافيين المُلتحقين بِخدمته، ويُدعى مُحمَّد العلافي، فأشار عليه الأوَّل أن يترك المُسلمون يعبرون النهر حتَّى تنقطع عنهم طريق الإمدادات فتتناقص مؤونتهم يومًا بعد يوم ويقعون لُقمةً سائغةً بِيد جيش داهر. أمَّا العلافي فأشار بأن لا يُسمح لِلمُسلمين بِالعُبُور كونهم قادمون لِلنصر أو الشهادة، وإنَّ الصواب مُحاصرتهم بِالسُفن نهرًا وبِالجُنُود برًّا، ومُصادرة ما يأتيهم من مُؤن عبر الطريقين، فيموت قسمٌ كبيرٌ منهم وينسحب بعضهم الآخر، ويتفرَّق ويتشرذم الباقون. رُغم ذلك، قرَّر داهر تحدِّي المُسلمين لِإظهار قُوَّته، فاستدعى الرسول الشَّاميّ وقال له: {{مض|إِرجِع إِلَى أَمِيرِك وَقُل لَهُ إِنَّنِي قَد خَيَّرتُهُ فِي العُبُورِ، وَإنَّنَا عَلَى استِعدَادٍ لِقِتَالِكُم، فَإِذَا أَرَادَ فَليَعبُر، وَإِلَّا فِإِنَّنَا نَحنُ العَابِرُون}}.<ref name="بلوش8" /> بناءً على ذلك، رجع الرسولان إلى مُحمَّدٍ بن القاسم وأخبراه بما أجاب به داهر على رسالته، فكتب إلى الحجَّاج يشرح لهُ الوضع، ويطلب منه الاستشارة، وبقي مُنتظرًا حتَّى أتاه جواب الأخير يأمرهُ بِعُبُور نهر السند ومُعاملة الجُنُود المُسلمين بِالرفق واللين، والتعامل مع أهالي المنطقة بِالحُسنى كي لا يخونوه، وضرورة رسم مواقع العُبُور على مسافة أربعة فراسخ. ولمَّا وصل خبر استعداد المُسلمين لِلعُبُور إلى مسامع داهر حتَّى أمر أن يُجهِّزوا فيله الأبيض، وتقدَّم مع وزيره وعدد من أتباعه حتَّى أصبح قبالة جُيُوش مُحمَّد بن القاسم.<ref name="بلوش8" /> اختار القائد المُسلم أضيق مكانٍ لِلعُبُور في منطقة جزيرة بيت ثُمَّ أمر بِإحضار السُفُن وربطها مع بعضها بعضًا لِيُصنع منها جسرًا يعبر فوقه الجُنُود، ويبدو أنَّ موكه بن بسايه ساهم بِجلب سُفُنٍ ومعابر خشبيَّة إلى مُحمَّدٍ بن القاسم، ممَّا أثار حفيظة أخيه «راسل» الذي كان يُعارض سياسة التقارب مع المُسلمين، فذهب إلى مُعسكر داهر وأعلن طاعته وولائه له، ففوَّض إليه ولاية جزيرة بيت، وأمر جيسيه باقتحام القلعة وخلع موكه، الذي هرب إلى المُسلمين لِلقتال معهم. وذُكر أنَّهُ لمَّا جمع مُحمَّد بن القاسم السُفن والمراكب وضمَّها إلى بعضها لِيعمل منها جسرًا، جمع راسل بن بسايه جيشه ومعارفه من القادة وحملوا على جيش المُسلمين في سبيل منعهم من ربط أجزاء الجسر وعُبُور النهر، فأمر مُحمَّد بن القاسم بِسحب جميع السُفُن إلى الضفَّة الغربيَّة من النهر حتَّى تُربط على عرضه تمامًا، ثُمَّ تحرَّكت السُفُن مرَّةً واحدةً على شكل قوسٍ لِربط الضفَّتين وإيصال المُقاتلين المُسلمين إلى الضفَّة الشرقيَّة.<ref name="بلوش8" /> ولمَّا وصلت طلائع السُفُن على مقرُبةٍ من الساحل الشرقيّ، بدأ المُقاتلون المُسلمون بِرمي السهام والرِّماح بِكثافةٍ غزيرة ممَّا أدَّى إلى تعثُّر جُنُود راسل بن بسايه في الجانب الشرقي وإصابتهم بِالذُعر ثُمَّ فرُّوا مُدبرين لا يلوون على شيء، ممَّا سهَّل عُبُور الجيش الإسلامي وجوازه إلى البر الثاني، ولحق بِالأعداء هزيمة شنعاء، وتشجَّع المُسلمون فلاحقوهم حتَّى أبواب مدينة جهم، وبقيت فُلُول الأعداء تنسحب هاربةً حتَّى وصلت إلى جيش داهر وانضمَّت إليه.<ref name="بلوش8" />