سقوط حلب (962): الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:إصلاح وصلات الأخطاء الإملائية
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:الإبلاغ عن رابط معطوب أو مؤرشف V4.2 (تجريبي)
سطر 23:
* [[ملف:Labarum of Constantine the Great.svg|20بك]] <small>[[يوحنا زيمسكي|يُوحنَّا زمسكيس]]</small>
* [[ملف:Labarum of Constantine the Great.svg|20بك]] <small>تُيُودور ابن أخت نقفور {{قفم}}</small>
| وحدات1 = 4,000 مُقاتل ما بين فارس وراجل<ref name="ReferenceA">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة=308|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
| وحدات2 = 200,000 فارس<br />30,000 راجل<br />30,000 صانع<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|المؤلف2مؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|العنوانعنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 129|السنةسنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
| خسائر1 = غير مُحددة ولكن فادحة
| خسائر2 = غير مُحددة
سطر 38:
{{مفصلة|الدولة الحمدانية}}
[[ملف:Hamdanids 955 AD-ar.jpg|تصغير|الحُدود التقريبيَّة لِلإمارة الحمدانيَّة في الجزيرة الفُراتيَّة وفي الشَّام خِلال ذُروة اتساع الدولة، بعد ضم عدَّة مُدن ومناطق شاميَّة على يد سيف الدولة الحمداني.]]
يَرجع تاريخ قيِام الدولة الحمدانيَّة إلى سنة [[293 هـ]]،<ref>{{مرجع ويب| المسارمسار = http://annabaa.org/nba39-40/selselah.htm| العنوانعنوان = الدولة الحمدانية في الموصل وحلب| الموقعموقع = annabaa.org| تاريخ الوصول = 2016-11-01| مسار الأرشيفأرشيف = https://web.archive.org/web/20180323155838/http://annabaa.org:80/nba39-40/selselah.htm | تاريخ الأرشيفأرشيف = 23 مارس 2018 }}</ref> عندما ولَّى الخليفة العبَّاسي [[جعفر المقتدر بالله|أبو الفضل جعفر المُقتدر بِالله]] [[ناصر الدولة الحمداني|ناصر الدولة أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان]] إمارة [[الموصل]]. التفت ناصر الدولة، بعد تثبيت أقدامه في الموصل، إلى توسيع رقعة أراضيه عن طريق ضم الشَّام، فاستغلَّ وفاة أمير الأُمراء [[محمد بن رائق|مُحمَّد بن رائق]] في [[21 رجب]] [[330 هـ|330هـ]] المُوافق فيه [[11 أبريل|11 نيسان (أبريل)]] [[942]]م لِيُهاجم هذه البلاد ويستولي عليها. وبعد ضم حلب بِفترةٍ قصيرة، برز [[سيف الدولة الحمداني]] كرجُلٍ طموحٍ يسعى إلى تأسيس إمارة مُستقلَّة لهُ تُشبع نزوته السياسيَّة، إذ لم يقتنع بِتبعيَّته لِأخيه ناصر الدولة والعمل في ظلِّه، وأمل، بما حقَّقه من إنجازات وما قدَّمهُ من خدماتٍ جليلةٍ إلى الأُسرة الحمدانيَّة، أن يُكافئه بِولايةٍ يحكُمها، لكن خاب أمله عندما ولَّى أخوه ابن عمِّه الحُسين بن سعيد إمارة الثُغُور والعواصم وما يفتحهُ من بلاد الشَّام، ما كان لهُ أثرٌ سيِّءٌ في نفسه.<ref name="طقوش2">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة=264|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ثُمَّ عاد ناصر الدولة واستدرك الواقع السياسي، وشعر بِأنَّهُ أخطأ بِحق الأُسرة الحمدانيَّة وبِحق أخيه، بِفعل أنَّ طُمُوح الأُسرة يتعدَّى الموصل وإقليم الجزيرة الفُراتيَّة إلى الشَّام ومصر، وأنَّ أي نجاحٍ يُحقِّقهُ أحد أفرادها يصب في المصلحة العامَّة، كما أنَّ أخاه كان ساعده الأيمن وساندهُ بِإخلاص في كُل ما صادفهُ من صِعاب، فتراجع عن موقفه وأرسل إلى أخيه ما يلزمهُ من الرجال ومعهم خمسين ألف دينار، وشجَّعهُ على المسير إلى الشَّام، ونصحهُ باستغلال فُرصة الاضطراب التي كانت تشهدُها، لِأنَّ أهلها يُساندون من يُنقذهم من هذه الحالة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= التنُّوخي، القاضي أبو علي المُحسن بن عليّ|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: عبُّود الشالجي|العنوانعنوان= نشوار المحاضرة وأخبار المُذاكرة|الطبعةطبعة= الثانية|الصفحةصفحة= 240|السنةسنة= [[1995]]|الناشرناشر= دار صادر|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار= http://ia800309.us.archive.org/30/items/waq124833/01_124833.pdf}}</ref> وهكذا هيَّأ ناصر الدولة لِأخيه الجيش الذي استولى بِواسطته على حلب وأسَّس الإمارة الحمدانيَّة في شماليّ الشَّام. فدخل الأمير الحمداني المدينة يوم الإثنين [[8 ربيع الأول|8 ربيع الأوَّل]] [[333 هـ|333هـ]] المُوافق فيه [[26 أكتوبر|26 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] [[944]]م، وأعلن قيام الإمارة الحمدانيَّة.
 
===غزوات سيف الدولة الحمداني في الأراضي البيزنطيَّة===
[[ملف:Bagratuni Armenia 1000-ar.svg|تصغير|يمين|290بك|الممالك والإمارات الأرمنيَّة المُجاورة لِلدولة الحمدانيَّة والخِلافة العبَّاسيَّة. حمل عليها سيف الدولة الحمداني عدَّة حملات في مُحاولةٍ لِإعادتها إلى ديار الإسلام.]]
كان سيف الدولة - مُنذ أن ظهر على الساحتين السياسيَّة والعسكريَّة - قد أخذ على عاتقه مُواجهة البيزنطيين والدفاع عن حُدود الدولة العبَّاسيَّة وديار الإسلام، فانطلق مدفوعًا بِعاطفته الدينيَّة لِحربهم ومنعهم من التقدُّم أكثر في بلاد المُسلمين، وحمل راية الجهاد لاسترجاع الأراضي التي استولى عليها الروم في الجزيرة الفُراتيَّة و[[أرمينيا|أرمينية]]، وذلك بِالنيابة عن أخيه.<ref name="نهضة بيزنطة">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 290 - 291|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> قام سيفُ الدولة بِأولى غزواته في سنة 312هـ المُوافقة لِسنة 924م، وهو في الحادية والعشرين من عُمره، حين خرج لِصد الدمستق يُوحنَّا كوركواس عن [[آمد]] و[[سميساط|سُميساط]]، غير أنَّهُ فشل في مُهمَّته، ودخل الدمستق سُميساط، ونصب خيمته في مسجدها الكبير، وقرع النصارى النواقيس وسبوا وانقلبوا عائدين، فطاردهم المُسلمون واستردُّوا بعض الغنائم وأسروا نسيب الإمبراطور البيزنطي وأرسلوه إلى بغداد.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن العبري|ابن العبري، أبو الفرج گريگوريوس بن هٰرون الملطي]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: أنطون صالحاني اليسوعي|العنوانعنوان= تاريخ مُختصر الدُول|الإصدارإصدار= الثانية|الصفحةصفحة= 53|السنةسنة= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1994]]م|الناشرناشر= دار الرَّائد اللُّبناني|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وبِتاريخ [[26 ذو القعدة|26 ذي القعدة]] [[326 هـ|326هـ]] المُوافق فيه [[24 سبتمبر|24 أيلول (سپتمبر)]] [[938]]م، خرج سيف الدولة إلى حصن زياد بِأرض أرمينية بين آمد وملطيَّة، فأقام عليه تسعة أيَّام حتَّى شارف على فتحه، لولا أن هاجمه يُوحنَّا كوركواس على رأس جيشٍ كثيف، فاضطرَّ سيف الدولة إلى الانسحاب، تحت ضغط القتال، إلى سُميساط، فطاردتهُ القُوَّات الروميَّة، ففرَّ إلى ضيعةٍ تُعرف بِـ«المُقدَّميَّة» حيثُ أعاد تنظيم قُوَّاته واستعدَّ لِجولةٍ أُخرى مع البيزنطيين، ثُمَّ انتقل إلى مكانٍ مُلائمٍ لِلقتال بين حصنيّ زياد وسلام في أرمينية، وجرى اللقاء بينه وبين يُوحنَّا كوركواس في هذا المكان وأسفر عن انتصارٍ واضحٍ لِلمُسلمين، ووقع سبعون قائدًا أسرى في يد سيف الدولة، الذي استولى أيضًا على سرير الدمستق وكُرسيه.<ref name="صراع أرمينية">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأزدي، علي بن ظافر بن الحُسين|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: تميمة الروَّاف|العنوانعنوان= أخبار الدولة الحمدانيَّة بِالموصل وحلب وديار بكر والثُغور|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 27 - 28|السنةسنة= [[1405 هـ|1405هـ]] - [[1985]]م|الناشرناشر= دار حسَّان|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي سنة 328هـ المُوافقة لِما بين سنتيّ 939 - 940م، خرج سيف الدولة غازيًا أرمينية، فنزل [[ملازغرد|ملاذكرد]] يُريدُ قاليقلا من نواحي [[أخلاط|خلاط]]، وكان الروم قد بنوا بِجوارها مدينة سمُّوها «هفجيج»، فلمَّا علموا بِمسيره أحرقوها وغادروا المنطقة، فعاد سيفُ الدولة إلى [[أرضروم|أرزن]]، ومكث فيها حتَّى انحسار الثلج، ثُمَّ خرج إلى خلاط وتوغَّل فيما وراءها، واضطرَّ كُلٌ من ملك أرمينية آباص الأوَّل وخُرذان [[سلالة باغراتيوني الحاكمة|ملك الكرج]] إلى الاعتراف بِسيادته، ثُمَّ اجتاز الأراضي التي خضعت له، وظهر في بلاد الأرمن البيزنطيَّة، فهاجم [[موش]]، من ناحية خلاط، فخرَّبها، وهدم قلاعًا منيعة، ووطئ أماكن لم يطأها أحد من المُسلمين قبله؛ ما أثار الإمبراطور البيزنطي، فكتب إليه مُتوعدًا ومُنذرًا، فردَّ عليه سيف الدولة بِمُهاجمة [[قلونية]] في آسيا الصُغرى، فأحرق ربضها واستولى على ما في ضياعها، وكتب إلى الإمبراطور من هُناك ما أفزعه، فأرسل جيشًا لِصدِّه ولكنَّهُ تعرَّض لِلهزيمة،<ref name="صراع أرمينية" /> وبدا أنَّ سيف الدولة سوف يُسيطر على كامل أرمينية ويُعيدُها إلى حظيرة الخِلافة الإسلاميَّة، غير أنَّ ما حدث من نزاعاتٍ داخليَّةٍ في عاصمة الخِلافة والصراع بين العبَّاسيين والإخشيديين في الشَّام منعهُ من المضيّ في غزواته، فعاد كي يستأنف التدخُّل في أوضاع الخِلافة في بغداد، ما أعطى الفُرصة لِبيزنطة لِمُهاجمة الأراضي الإسلاميَّة، فاقتربت قُوَّاتُها في سنة 330هـ المُوافقة لِسنتيّ 941 - 942م من حلب، فنهبت وخرَّبت وسبت نحو خمسة عشر ألف نسمة من حمشوش.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوانعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 112|السنةسنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
[[ملف:Sayf al-Dawla at his court.png|تصغير|يسار|240بك|سيف الدولة الحمداني (الرجل القابع يمينًا) وهو يستمع إلى الناس في مجلسه ويقضي لهم.]]
انتقل الصراع بين الحمدانيين والبيزنطيين من أعالي الجزيرة الفُراتيَّة وأرمينية إلى شماليّ الشَّام على أثر انتقال سيف الدولة إلى حلب وتأسيسه إمارة له في رُبُوعها في سنة 333هـ المُوافقة لِسنة 944م. والمعروف أنَّ الحُدود بين الدولتين، الحمدانيَّة والبيزنطيَّة، تبدأ من نُقطة على الفُرات تقع شماليّ سُميساط، وتمُرُّ بين حصن منصور وزبطرة، وشمالي الحدث ومرعش، وقد اتبعت سلسلتيّ [[جبال طوروس]] حتَّى أبواب [[قيليقية]] ونهر اللامس، واتَّجهت، من ناحية، نحو الشمال إلى شرقيّ سُميساط فأرمينية.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= العريني، السيِّد الباز|العنوانعنوان= الدولة البيزنطية 323-1081م|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 417 - 418|السنةسنة= [[1982]]|الناشرناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي سنة 338هـ المُوافقة لِسنة 949م استولى البيزنطيُّون على [[مرعش (مدينة)|مرعش]] وزحفوا نحو [[طرسوس]] بِقيادة ليون بن برداس فوقاس، فتصدَّى لهم مُحمَّد بن ناصر الدولة عند بوقا شمالي أنطاكية، إلَّا أنَّهُ تعرَّض لِلهزيمة وقُتل أربعمائة من جُنده وأُسر الكثير.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|المؤلف2مؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|العنوانعنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 120|السنةسنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> أثارت انتصارات البيزنطيين سيف الدولة، فقرَّر أن يثأر ويستعيد الأراضي الإسلاميَّة التي استولوا عليها، فجهَّز جيشًا ضخمًا بلغ تعداده ثلاثين ألف مُقاتل، وخرج على رأسه في [[15 ربيع الأول|15 ربيع الأوَّل]] [[339 هـ|339هـ]] المُوافق فيه [[1 سبتمبر|1 أيلول (سپتمبر)]] [[950]]م غازيًا الأراضي البيزنطيَّة، واصطحب معهُ ثلاثة من الشُعراء هُم [[أبو الطيب المتنبي|المُتنبي]] و[[أبو فراس الحمداني|أبا فراس]] وأبا زُهير المُهلهل، وانضمَّ إليه أربعة آلاف مُقاتل من طرسوس بِقيادة القاضي أبي حصين، فهاجم إقليم [[كبادوكيا|قباذق (كبادوكيا)]] واستولى على كثيرٍ من مُدُنه وقتل وسبى كثيرًا من البيزنطيين، فاخترق [[القيصرية (توضيح)|قيصريَّة]] وسمندو وخرشنة، ووصل إلى صارخة الواقعة على بُعد سبعة أيَّام من [[القسطنطينية|القُسطنطينيَّة]] مُهددًا العاصمة البيزنطيَّة، وانتصر على قُوَّةٍ عسكريَّةٍ بِقيادة ليون بن برداس فوقاس، وأسر عددًا من قادتها وكثيرًا من جُنودها، وغنم أموالًا طائلة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأزدي، علي بن ظافر بن الحُسين|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: تميمة الروَّاف|العنوانعنوان= أخبار الدولة الحمدانيَّة بِالموصل وحلب وديار بكر والثُغور|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 32|السنةسنة= [[1405 هـ|1405هـ]] - [[1985]]م|الناشرناشر= دار حسَّان|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأنطاكي، يحيى بن سعيد|العنوانعنوان= تاريخ الأنطاكي|الصفحةصفحة= 78|السنةسنة= 1990|المكانمكان= [[طرابلس (لبنان)|طرابُلس]]، [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وهكذا، استمرَّت الحرب بين المُسلمين والبيزنطيين سجالًا في تلك الفترة، دون أ يُحقق أيٌ من الطرفين نصرًا حاسمًا على الطرف الآخر.
 
===النهضة السياسيَّة في بيزنطة===
[[ملف:Basil I (867-886) from the Chronikon of Ioannis Skylitzes.jpg|تصغير|يمين|باسيل الأوَّل مُؤسس الأُسرة المقدونيَّة على صهوة جواده.]]
تغيَّر، مُنذُ النصف الثاني من [[قرن 3 هـ|القرن الثالث الهجري]]، هدف الصراع وسير المعارك بين المُسلمين والبيزنطيين، حيثُ مالت كفَّة القِتال لِصالح الروم، واستمرَّت على مدى قرنين في اضطرادٍ تصاعُديّ. فتجاه العالم الإسلامي، الذي أخذ في الانقسام والتفتُّت وراح يفقد وحدته ويتجزَّأ إلى إماراتٍ ودُويلاتٍ سُلطانيَّة مُستقلَّة أو شبه مُستقلَّة في ظل [[الدولة العباسية|الخِلافة العبَّاسيَّة]] الضعيفة؛ كانت بيزنطة تشهد في القرن الثالث الهجري المُوافق [[القرن 9|لِلقرن التاسع الميلادي]] حركةً إصلاحيَّةً جدَّدت قُوَّتها ونشاطها، وتخلَّصت من هذه الانقسامات الدينيَّة التي عانى منها العالم البيزنطي في القُرُون السابقة؛ فكانت وحدة الإيمان الأرثوذكسي تشُدّ من الوحدة الوطنيَّة السياسيَّة. ويُعزى الفضل في هذه النهضة إلى [[السلالة المقدونية|الأُسرة المقدونيَّة]] ذات الجُذُور الأرمنيَّة، التي تولَّت الحُكم في الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة مع اعتلاء [[باسل الأول|باسيل الأوَّل]] العرش الإمبراطوري سنة [[253 هـ|253هـ]] المُوافقة لِسنة [[867]]م. وبذلت هذه الأُسرة جُهدًا طيبًا في إصلاح نُظم الدولة ومُؤسساتها العامَّة، وتوطيد دعائم الإدارة وهيبة الدولة في قُلُوب السُكَّان، فحقَّقت حظًّا وافرًا من السعادة والرخاء لِلبلاد والعباد، واستطاعت الثبات في وجه الأخطار الخارجيَّة التي هدَّدت الكيان البيزنطي في ذلك العهد. والواقع أنَّ الصدامات العسكريَّة بين المُسلمين والبيزنطيين، مُنذُ النصف الثاني من [[علماء مسلمون في القرن الثاني الهجري|القرن الثاني الهجري]] إلى مُنتصف القرن الثالث الهجري، كانت عبارةً عن غاراتٍ مُتبادلةً على مناطق الحُدُود، ونادرًا ما حدث توغُّلٌ في عُمق أراضي كُلٍ منهُما، وكان الهدف البارز من تلك الحُرُوب هو الاستيلاء على ممرات [[جبال طوروس]] ومعاقلها. ولمَّا تولَّت الأُسرة المقدونيَّة الحُكم في بيزنطة أصبحت الإمبراطوريَّة أكفأ عدَّة وأمضى سلاحًا لاستئناف الهُجُوم ضدَّ العالم الإسلامي المشرقي مُفكَّك الأوصال؛ تلقَّى ضرباتها سيف الدولة الحمداني وحده تقريبًا، واستولت على الأقاليم الواقعة فيما وراء جبال طوروس، مثل [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]] في شماليّ الشَّام والحُصُون الواقعة على [[الفرات|الفُرات]] مثل [[ملطية|ملطيَّة]] و[[أورفة|الرها]]، وبِمُساعدة الأرمن الذين اعتلى عددٌ كبيرٌ منهم عرش الإمبراطوريَّة، أمثال [[يوحنا زيمسكي|يُوحنَّا زمسكيس]] الذي خلف نقفور فوقاس؛ وحلَّ النُفُوذ المسيحي في [[أرمينيا|أرمينية]] محل النُفُوذ الإسلامي. لكنَّ الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة لم تستطع أن تُحقِّق انتصاراتٍ سهلةٍ في [[قرن 4 هـ|القرن الرابع الهجري]] المُوافق [[القرن 10|لِلقرن العاشر الميلادي]] على حساب المُسلمين، بِفعل انهماكها في حل مُشكلاتها الداخليَّة وصد خطر البُلغار. وغيَّر سيف الدولة المُعادلة العسكريَة مع البيزنطيين، فانحسر المد البيزنطي التوسُعي على حساب المُسلمين. وقد وجد القادة البيزنطيُّون فيه خصمًا عنيدًا وصلبًا سبَّب لهم الكثير من الهزائم، وحافظ على حُدود ديار الإسلام، وتوغَّل أحيانًا في عُمق الأراضي البيزنطيَّة، لكنَّ ذلك كان بِمثابة الصحوة العابرة؛ لِأنَّ بيزنطة سوف تنهض من عثرتها وتستأنف مسيرتها الظافرة على حساب المُسلمين بعد وفاة سيف الدولة.<ref name="نهضة بيزنطة" /> ومهما يكن من أمر، فأمام هذه الانتصارات التي حقَّقتها بيزنطة في عهد الأُسرة المقدونيَّة، استطاعت أن تُواجه معًا [[سلاف|الصقالبة (السلاڤ)]] و[[الإمبراطورية البلغارية الأولى|البُلغار]] في [[البلقان]] بِنجاحٍ أكبر من نجاحها في الولايات الشرقيَّة التي أفاد منها كبار الإقطاعيين من العسكريين في آسيا الصُغرى، فالتوسُّع الديني، والسياسة البيزنطيَّة التي قامت على دفع الشُعُوب بعضها ضدَّ بعض، والانتصارات العسكريَّة التي حقَّقتها جُيُوشها؛ كُلُّ ذلك ساعد بِالتضافُر والتضامُن على تحقيق مثل هذه النهضة التي بِفضلها عاد النُفُوذ البيزنطي إلى أقاليم مرَّت بِتطوُّراتٍ جذريَّةٍ مُنذُ الغزوات الصقلبيَّة الكُبرى.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= بروي، إدوار|المؤلف2مؤلف2=نقلهُ إلى العربيَّة: يُوسُف أسعد داغر وفريد م. داغر|العنوانعنوان= الشرق الأدنى: ازدهاره وأزماته (القرنان التاسع والعاشر)|الطبعةطبعة= الثانية|الصفحةصفحة= 214 - 217|السنةسنة= [[1986]]|الناشرناشر= منشورات عويدات|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار= https://ia600302.us.archive.org/9/items/Mo3jamHadharat3am/mth3-3.pdf}}</ref>
 
==العمليَّات التمهيديَّة==
[[ملف:Leo Phokas defeats the Arabs in 950, escape of Chalkoutzes.png|تصغير|240بك|يمين|الروم بِقيادة ليون فوقاس يهزمون المُسلمين بِقيادة مُحمَّد بن ناصر الدولة.]]
كان هدف الروم الأوَّل هو الاستيلاء على [[قيليقية]] تمهيدًا لِلوُلوج إلى الشَّام والقضاء على سيف الدولة، ثُمَّ الاندفاع نحو الجنوب في سبيل نُصرة [[يسوع|المسيح]] والإمبراطور الذي يُمثِّله على الأرض، وبُلُوغ أطراف الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة المُؤدية إلى [[القدس|بيت المقدس]]، وانتزاعه من المُسلمين.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 307|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ففي سنة 348هـ المُوافقة لِسنة 959م، اجتاح الدمستق ليون فوقاس مدينة [[طرسوس]] واستولى على حصن الهارونيَّة قُرب [[مرعش (مدينة)|مرعش]] يوم [[1 شوال|1 شوَّال]] المُوافق فيه [[5 ديسمبر|5 كانون الأوَّل (ديسمبر)]]، ثُمَّ توجَّه إلى [[ديار بكر]]، فتصدَّى لهُ سيف الدولة، فعاد إلى الشَّام وهو يقتل ويُدمِّر ويهدم الحُصُون والقلاع، وتوَّج حملته بِأسر مُحمَّد بن ناصر الدولة الحمداني.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 177|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref> خرج سيف الدولة في سنة 349هـ المُوافقة لِسنة 960م على رأس جيشٍ كبيرٍ، تعداده ثلاثون ألف مُقاتل، وتوغَّل في الأراضي البيزنطيَّة حتَّى خرشنة، وهو يقتل ويسبي ويحرق ويفتح الحُصُون من دون أن يحفل بما خلَّفه وراءه ليون فوقاس من جُندٍ في الشَّام، فوقع في خطأٍ عسكريٍّ كلَّفهُ غاليًا. تجنَّب ليون الدُخُول في معركةٍ سافرةٍ مع سيف الدولة الذي يتفوَّق عليه في العدد والعتاد، وفضَّل أن يكمن له في ممرَّات جبال طوروس، فاحتلَّ الدُرُوب الرئيسيَّة التي تُحتِّم على سيف الدولة أن يجتازها عند عودته. وفعلًا بلغ الجيش الحمداني بعد انتصاره سفح جبال طوروس من الجهة الشرقيَّة واتخذ طريقه في دربٍ صخريٍّ ضيِّقٍ اشتُهر باسم «مغارة الكُحل»، ويُعدُّ من أهمِّ الدُروب التي كانت تسلُكها الفرق العسكريَّة الإسلاميَّة. واحتشدت القُوَّات البيزنطيَّة في هذا الدرب، حتَّى إذا تقدَّم سيف الدولة بِمن معهُ من الأسرى وبِما يحملُ من الغنائم، انقضَّ عليه ليون بِقُوَّاته، فدارت بين الطرفين معركة في [[15 رمضان]] المُوافق فيه [[8 نوفمبر|8 تشرين الثاني (نوڤمبر)]]، تعرَّض فيها سيف الدولة لِخسارةٍ جسيمة وصلت إلى حد الكارثة، فقد وضع ليون السيف في قُوَّاته، ونجا سيف الدولة مع ثلاثمائة مُقاتل بشقّ النفس، وعاد إلى حلب، واستردَّ ليون الأسرى البيزنطيين والغنائم، واستولى على خزائن سيف الدولة وأسلحته ودوابه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوانعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 229|السنةسنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
[[ملف:Akropolis anazarbos.jpg|تصغير|أطلال عين زربة على متن الجبل.]]
[[ملف:Anavarza Castle.jpg|تصغير|أسوار عين زربة.]]
بعد انتصار ليون فوقاس في مغارة الكُحل وعودته إلى القُسطنطينيَّة، عُيِّن أخاه نقفور دمستقًا في الشرق، وعُهد إليه نقل الحرب إلى قلب الدولة الحمدانيَّة. أوَّل ما هاجمه نقفور من المُدن الإسلاميَّة كان [[عين زربة]]، بِفعل ضعف حاميتها، فضلًا عن صُعُوبة قُدُوم الإمدادات لِنجدتها، كما أنها تقع على الطريق المُباشر القصير الذي يمتد من [[القيصرية (توضيح)|قيصريَّة]] إلى حلب التي هي الهدف الأسمى له. واحتشدت العساكر القادمة من القُسطنطينيَّة ومن ثُغُور آسيا الصُغرى في قيصريَّة [[كبادوكيا|بِقباذق (كبادوكيا)]]، وقد بلغ عديدُها مائة وستين ألف جُندي، مُدعَّمين بِالدبَّابات وأدوات الحصار. تحرَّكت هذه الجحافل باتجاه عين زربة سالكةً الطريق المُباشر الذي يربطها بِقيصريَّة، وعندما وصلت إليها ضربت حصارًا مُركزًا عليها، فتصدَّى لها رشيق النسيمي حاكم طرسوس، إلَّا أنَّهُ تعرَّض لِلهزيمة وفقد نحو خمسة آلاف قتيل وأربعة آلاف أسير.<ref name="الأنطاكي">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأنطاكي، يحيى بن سعيد|العنوانعنوان= تاريخ الأنطاكي|الصفحةصفحة= 96|السنةسنة= 1990|المكانمكان= [[طرابلس (لبنان)|طرابُلس]]، [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والواقع أنَّ المدينة جرى تشييدها في موقعٍ منيعٍ في سفح جبلٍ شديد الانحدار يُحيطُ بها سورٍ ذو حائطٍ مُزدوج، وتتوقَّف استدارته عند الجهة المُلاصقة بِالجبل، وتطُل قمَّته على المدينة، وأنَّ كُل من يستولي عليها يُصبح باستطاعته الدُخُول إلى المدينة بِسُهولة، فأرسل نقفور قُوَّةً عسكريَّةً من الفُرسان ارتقت القمَّة واحتلَّتها. وتعرَّضت أسوار المدينة لِقذائف المجانيق، فأحدثت بها ثغرة. ولمَّا رأى سُكَّانُ المدينة ما حدث من احتلال البيزنطيين لِلجبل، وأنَّ نقفور قد ضيَّق عليهم ومعهُ الدبَّابات، وقد وصل إلى السُور وشرع في النقب؛ طلبوا الأمان، وقبلوا أن يُسلِّموا المدينة مُقابل الإبقاء على حياتهم، فأمَّنهم نقفور، وفتحوا له باب المدينة فدخلها في شهر مُحرَّم سنة 351هـ المُوافق فيه شهر شُباط (فبراير) سنة 962م، وكان جُنده الذين في الجبل قد سبقوه إليها، فندم على منح السُكَّان الأمان حيثُ كان باستطاعة جُنده الاستيلاء على المدينة في يُسرٍ وسُهولةٍ، فنقض عهده، وأصدر أوامره إلى سُكَّانها بِأن يجتمعوا بِالمسجد الجامع، ومن تأخَّر في منزله قُتل، فخرج من أمكنهُ الخُروج، فلمَّا أصبح أنفذ رجاله إلى المدينة، وكانوا ستِّين ألفًا، وأمرهم بِقتل من يجدوه في منزله، فتعرَّض لِلقتل كُل ما صادفه الجُند بِشوارع المدينة ودُورها، ثُمَّ جمع السلاح وأمر من في المسجد بِأن يخرجُوا من المدينة إلى حيثُ يشاؤون، وهدَّد من يبقى بِالقتل، غير أنَّ عددًا كبيرًا منهم لقي حتفه بِسبب شدَّة الزُحام والبرد والجُوع، ومن نجا منهم لجأ إلى طرسوس، وتعرَّضت المدينة لِلنهب ودمَّر البيزنطيُّون الدُور والأسوار.<ref name="عين زربة">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 190|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref>
[[ملف:View of Nur Mountains.jpg|تصغير|يمين|جانب من جبال الآمانوس التي كان على نقفور فوقاس الاستيلاء عليها كي يعبر إلى حلب ويُجابه سيف الدولة على أرضه.]]
وظلَّ نقفور واحدًا وعشرين يومًا في المنطقة وحول المدينة، استولى خلالها على أربعةٍ وخمسين حصنًا عنوةً وصُلحًا، وارتكب جُنُودهُ كثيرًا من الأعمال الوحشيَّة والبشعة، وأظهر من الشدَّة والصرامة والقسوة ما اعتقد أنها تُلقي الرُعب في نُفُوس السُكَّان من المُسلمين بِهذه الجهات وعلى الأطراف، فيجلون عنها، فتعرَّض السُكَّانُ لِلقتل والتشريد والعذاب ما أدَّى إلى هلاك عددٍ كبيرٍ منهم، ومن نجا من القتل من الأطفال جرى عليهم [[عبودية|الرِّق]]، ولم تنجُ الأشجار والنباتات من يد التخريب، فأمست المناطق المُجاورة لِعين زربة خرابًا يبابًا.<ref name="عين زربة" /> ولا يبدو أنَّ نقفور فوقاس استولى في هذه الحملة على طرسوس و[[المصيصة]]؛ إذ لم تتعرَّض هاتان المدينتان لِحصار البيزنطيين، والرَّاجح أنَّ ما حدث من انهزام ابن الزيَّات حاكم طرسوس ووفاته، قضى على كُل مُقاومة في هذه الناحية.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= العريني، السيِّد الباز|العنوانعنوان= الدولة البيزنطية 323-1081م|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 451|السنةسنة= [[1982]]|الناشرناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والمعروف أنَّ ابن الزيَّات ثار على سيف الدولة إثر هزيمته على يد الروم، فقطع اسمه من الخِطبة في طرسوس وأعمال الثُغُور وأقامها لِلخليفة [[فضل المطيع لله|أبو القاسم الفضل المُطيع لِله]] وحده، ثُمَّ خرج بِنفسه على رأس أربعة آلاف مُقاتل لِمُحاربة البيزنطيين، فهزمه نقفور وقتل أكثر جُنده، كان من بينهم أخٌ له. ولمَّا عاد إلى طرسوس وجد أنَّ السُكَّان أعادوا الخِطبة لِسيف الدولة وراسلوه بِذلك، فصعد إلى روشن في داره [[انتحار|فألقى بِنفسه منهُ]] إلى نهرٍ تحته فغرق، وراسل أهلُ بغراس الدمستق، وبذلوا له مائة ألف درهم، فأقرَّهم وترك مُعارضتهم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأزدي، علي بن ظافر بن الحُسين|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: تميمة الروَّاف|العنوانعنوان= أخبار الدولة الحمدانيَّة بِالموصل وحلب وديار بكر والثُغور|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 36 - 37|السنةسنة= [[1405 هـ|1405هـ]] - [[1985]]م|الناشرناشر= دار حسَّان|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> بعد هذا، لم يبقَ أمام نقفور سوى أن يُواجه عدوَّهُ سيف الدولة بِكُل قُوَّته، فيُخضع أقاليمه الخصبة، ويُهاجم عاصمته. وتحتَّم عليه من أجل ذلك أن يستولي على ممرَّات [[جبال الأمانوس|جبال الآمانوس]]، ممَّا يُؤمِّن لهُ السيطرة على قيليقية، ويُسهِّل لِلروم النفاذ إلى الشَّام والمسير إلى حلب. وتعود شُهرة هذه الجبال إلى أنَّ جميع الغُزاة والفاتحين اجتازوها، فمنها غزا المُسلمون قيليقية وما يليها من جهات الأناضول، ولا بُدَّ لِنقفور فوقاس أن يجتازها لِيُهاجم سيف الدولة في قلب دولته.<ref name="العريني1">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= العريني، السيِّد الباز|العنوانعنوان= الدولة البيزنطية 323-1081م|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 452|السنةسنة= [[1982]]|الناشرناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> غير أنَّ فصل الشتاء أقبل، وبدأت الثُلُوج تتساقط لِتسُد الممرَّات الجبليَّة، كما أنَّ موسم [[صوم (مسيحية)|الصوم]] أضحى على الأبواب، ويبدو أنَّ الدمستق فكَّر وقتذاك القيام بانقلابٍ وتسلُّم الحُكم بِفعل ما اشتهر به الإمبراطور [[رومانوس الثاني]] من الخفَّة والطيش، لِذلك كان عليه أن يكون قريبًا من العاصمة والاتصال ببعض العناصر المُؤيِّدة له.<ref name="العريني1" /> ومهما يكن من أمرٍ، فقد قرَّر نقفور فوقاس العودة إلى القُسطنطينيَّة على أن يستأنف حملاته العسكريَّة في الربيع القادم بعد [[عيد القيامة]]، وترك جيشه في قيصريَّة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوانعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 237|السنةسنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> اتاح انسحاب نقفور فوقاس من قيليقية الفُرصة لِسيف الدولة لاستئناف نشاطه الجهادي، فأعاد بناء ما تهدَّم من عين زربة، وأنفق في ذلك ثلاثة ملايين درهم، على أنَّ هذه المدينة فقدت أهميَّتها، بِدليل أنَّ البيزنطيين لم يُقدموا على الاستيلاء عليها مرَّة أُخرى.<ref name="الأنطاكي" />
 
==عسكريًّا==
===أوضاع الجيش الإسلامي===
[[ملف:Żwan Wacław Rzewuski.jpg|تصغير|نموذج عن الجُندي الأعرابي من المُشاة الرمَّاحين (حملة الرماح).]]
جهد سيف الدولة بِتوفير المال والرجال لكي يستطيع الاستمرار في قتال وجهاد البيزنطيين ودفعهم بعيدًا عن حُدود الديار الإسلاميَّة، فجنَّد مُقاتلين من القبائل العربيَّة الضاربة في الجزيرة الفُراتيَّة والشَّام من بني عُقيل ونُمير وكلاب، وقد شكَّلوا العمود الفقري لِقُوَّاته المُسلَّحة، كما جنَّد المُتطوِّعة الذين رغبوا في الجهاد ضدَّ البيزنطيين، هذا إلى جانب العُنصر [[عجم|الأعجمي]]؛ كالتُرك والدَّيلم، وقد تبوَّأ بعضهم مراكز قياديَّة، أمثال نجا وقرغويه ولؤلؤ. واستغلَّ الشُعُور الديني لِإقناع جُنُوده بِأنَّهم يُؤدُّون فريضة الجهاد بِقتال الروم، كما استغلَّ طمعهم الماديّ في الحُصُول على الغنائم، لِيحُثَّهم على القتال، كما كان يُغدق عليهم ما يتخلَّف في ميدان القتال من الأموال والأسلاب. واشتهر غلمانه بِشدَّة البأس في القتال، وكان يلقى الجمع الكثير بِالعدد اليسير.<ref name="الجيش">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة=287|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> تألَّف الجيش الحمداني من فِرقٍ عسكريَّةٍ من الفُرسان والمُشاة من حملة الأقواس والسِّهام، وقد شكَّلت طليعة الجُيُوش. كان الفُرسان يحملون الرَّايات المُلوَّنة والمُزخرفة بِالآيات القُرآنيَّة والنُقُوش، ويُغطُّون أبدانهم، شأن المُشاة، بِالتُرُوس الضخمة، ويحملون بِأيديهم الرِّماح الطويلة والأقواس التي يرمون بها النشَّاب. واستعمل الجيش الحمداني آلاتٍ ذات أصواتٍ حادَّةٍ يقؤعونها أثناء الحرب، فتقوم بِعملٍ مُزدوجٍ: إثارة الحماس في نُفُوس الجُند المُسلمين، والرُّعب في نُفُوس الجُند البيزنطيين، حيثُ تختلط أصواتها بِأهازيج الجُند الحماسيَّة وبِهدير [[جمل عربي|الإبل]] التي تحمل معدَّات الحرب، كما تُثيرُ الفزع في خُيُولهم، فتجمح وتهرُب. واستعمل أفراد الجيش الحمداني من الأسلحة: الرماح الطويلة والسُيُوف والأقواس الضخمة والفُؤوس والجواشن (الدُروع الكبيرة) واللَّت (عمود طويل مُربَّع) المُضرَّس والمُستوفي والمناطق والتجافيف (جلال الحصان الواقي). وشكَّل [[خيل عربية|الخيل]] عُنصُرًا هامًّا في القتال، حتَّى اختار منها سيفُ الدولة أندرُها وأكثرُها أصالة، وكان لهُ حصانٌ مشهورٌ أبتر عندَّهُ يُدعى «الفحَّى» نسبةً إلى سواد لونه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|المؤلف2مؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|العنوانعنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 130|السنةسنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ويذخر شعر المُتنبِّي، وهو شاعر الحرب الحمدانيَّة، بِوصف الخيل وآداب الفُروسيَّة ما يدُل على أنَّ فُرسان سيف الدولة تركوا أثرًا فاعلًا في نفسه. وابتكر سيف الدولة حركة القفز وخصَّص لها كتيبة كان أفرادُها من الشجاعة، حتَّى أنهم كانوا يقومون بِالقفز من قمَّةٍ إلى قمَّة حتَّى ينقضُّون على العدوّ وينالون منه، لكنَّ سيف الدولة سرَّح أفراد هذه الكتيبة بعد ذلك لِتعارُضها من آداب الفُروسيَّة على الأغلب. كان الجيش الحمداني يدخل المعركة وفق خطَّةٍ مُحكمة ومدروسة بِدقَّة، ويخضع أفراده لِنظامٍ صارمٍ، وقد أعدُّوا لِكُلِّ أمرٍ عُدَّته، وتداركوا كُلَّ خلل، ونظَّموا الخدمة اليوميَّة، وأخذوا بِنظام الكشَّافة والطلائع، فكانوا جُنودًا غلاظًا جبابرةً يستميتون في المعارك والاحتفاظ بِالنصر، ومن العسير أن يتقهقروا أو يرتدُّوا أو انتزاع أيُّ موقعٍ منهم إذا كان يحميه ألف جُندي.<ref name="الجيش" />
 
===أوضاع الجيش البيزنطي===
[[ملف:Byzantine fresca from St-Lucas.jpg|تصغير|لوحة جصيَّة تُظهرُ جُنديًّا بيزنطيًّا بِلباسه العسكريّ.]]
حدث في أثناء [[قرن 3 هـ|القرن الثالث الهجري]] المُوافق [[القرن 9|لِلقرن التاسع الميلادي]] أنَّ فرعًا جديدًا من الجيش زادت أهميته هو «التاگماتا»، أي الفرق الأربع لِلحرس الإمبراطوري، وهي فرقة المدارس، والدبادبة، ووحدة الجُند المُسمَّاة «أريتموس» وهي فرقة المُراقبة، و«الهيكاناتي».<ref name="الجيش البيزنطي">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة=288|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ويبدو أنَّ الفرقة الأخيرة أنشأها نقفور الأوَّل، أمَّا الفرق الأُخرى، فمُنحدرة عن حرس القصر، وكُلَّها من فرق الفُرسان، والرَّاجح أنها لم تكن ذات قُوَّة عظيمة، حيثُ لم يتجاوز عدد أفراد فرقة المدارس ألف وخُمسُمائة جُندي، ويرأس كُل فرقة منها قائد يُسمَّى «دمستق»، أي ضابط القصر، باستثناء فرقة المُراقبة التي كانت تحت قائد كتيبة. وأُلحق بِهذه الفرق الأربع فرقة مُشاة تعدادها أربعة آلاف جُندي، وكانت هذه الفرق الخمس تُعسكر عادةً في تراقيا أو [[بيثينيا]] وتُرافق الإمبراطور عندما يخرج في حملة عسكريَّة حيثُ تكون تحت إمرته، وفي حال عدم خُروجه بنفسه إلى الحرب، يتولَّى دمستق فرقة المدارس قيادتها العُليا نيابةً عنه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= رنسيمان، ستيڤن|المؤلف2مؤلف2= ترجمة: عبدُ العزيز توفيق جاويد|العنوانعنوان= الحضارة البيزنطيَّة|الطبعةطبعة= الثانية|الصفحةصفحة= 164 - 165|السنةسنة= [[1997]]|الناشرناشر= [[الهيئة المصرية العامة للكتاب|الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب]]|تاريخ الوصول= [[23 ديسمبر|23 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[2016]]م|المكانمكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسارمسار= http://www.sooqukaz.com/index.php/europian-civilization?task=document.viewdoc&id=9270}}</ref> وحُدِّدت واجبات فرق الجيش كافَّة بِدقَّة، ففرق ألوية الثُغُور مسؤولة عن حراسة مناطق الحُدود والدفاع عنها ضدَّ الغارات الأجنبيَّة، وإذا قام الجيش البيزنطي بِهُجومٍ مُضادٍ خرجت فرق الحرس الإمبراطوري الأربع من القُسطنطينيَّة بِقيادة الإمبراطور أو دمستق المدارس، فيلحق بها، عند نقاطٍ مُعيَّنةٍ من الطريق العسكري الذي يخترق آسيا الصُغرى، فصائل من جُند الثُغُور المُختلفة.<ref name="الجيش البيزنطي" /> ووُجد إلى جانب تلك الفرق العسكريَّة فرقة الحُدود، مُهمَّتُها صيانة القلاع والحُصُون والنقاط العسكريَّة الهامَّة والممرَّات الجبليَّة والطُرق المُهدَّدة من جانب الأعداء، وقد منح الإمبراطور جُنُودها إقطاعات يقومون على زراعتها مع أُسرهم مُقابل خدماتهم العسكريَّة. كان الحذر الطابع العام عند وضع الخُطط العسكريَّة، حيثُ كانت هجمات المُسلمين المُفاجئة والكثيرة تُفشل أي سياسة عسكريَّة جريئة، كما أنَّ الجيش البيزنطي لم يكن أحيانًا يُضارع الجيش الإسلامي في العدد، وأنَّهُ كثير النفقة، لِذلك كان على الجُنُود البيزنطيين أن يُحقِّقوا المنفعة المرجُوَّة من دون إسراف في إضاعة الأرواح أو العتاد، وأن يتجنَّبوا التسرُّع والتهوُّر، ويحرصوا على عدم الوُقُوع في الكمائن أو التعرُّض لِلهجمات المُفاجئة، وألَّا يترُكوا أجنحتهم بِغير حراسة، وأن يعتمدوا على نظام الكشَّافة والطلائع، وأن يستخدموا الحيل.<ref name="الجيش البيزنطي" />
[[ملف:1955 - Byzantine Museum, Athens -Bronze helmet - Photo by Giovanni Dall'Orto, Nov 12 2009.jpg|تصغير|يمين|خوذة بيزنطيَّة.]]
وفعلًا طبَّق العسكريُّون المبادئ العسكريَّة الموضوعة، فنصبوا شبكة من محطَّات المُراقبة على طُول خط الجبهة مع المُسلمين تتَّصل بِمراكز القيادة بِواسطة نظام الإشارات، وتنقل تحرُّكات العدوّ، في الوقت الذي يحتشد المُشاة في القلاع والحُصُون، ويقوم الفُرسان بِغاراتٍ على مواقع العدوّ بِهدف قطع خُطُوط مُواصلاته.<ref name="الجيش البيزنطي" /> وينقسم الفُرسان والمُشاة إلى فرقٍ ثقيلة السلاح وفرقٍ خفيفة السلاح، ولِكُلٍ منها لِباسٌ خاص، ودورٌ مُحدَّدٌ في القتال. يلبس الفارس ذو السِّلاح الثقيل خوذةً من [[صلب (سبيكة)|الفُولاذ]]، ويحملُ عباءً خفيفةً أو برنسًا يرتديه فوق سلاحه أيَّام الصيف الحارَّة. ويتكوَّن سلاحه من سيفٍ عريضٍ وخنجرٍ ورمحٍ وقوس لِلرماية عن ظُهُور الخيل، وجُعبة لِلسِّهام. وإذا كان ممن يقفون في الصُفُوف الأماميَّة ويقومون بِالهُجُوم، جُعل لِحصانه دُرُوعًا فُولاذيَّة على صدره وعصاباتٍ فُولاذيَّة على جبهته. وأمَّا الفارس ذو السلاح الخفيف، فيكونُ من الرُماة عادةً، ويلبس سترة من الزَّرد. يلبس الجُندي المُشاة ذو السلاح الثقيل درعًا من الزَّرد يُغطِّي نصفه الأعلى، وخُوذةً فُولاذيَّة،ويتسلَّح بِالسيف والرمح والفأس ذي النَّصل القاطع من ناحية والسنّ المُدبَّبة من ناحيةٍ أُخرى. ويلبس الجُندي المُشاة ذو السلاح الخفيف، وهو إمَّا راميًا بِالقوس أو قاذفًا بِالحربة، قميصًا طويلًا من الزَّرد يصلُ إلى رُكبتيه أو درعًا خفيفًا في بعض الأحيان، ويحملُ جُعبةً لِلسهام تحتوي على أربعين سهمًا، وفأسًا في حزامه، ويُعلِّقُ خلفهُ ترسًا صغيرًا مُستديرًا.<ref name="بينز">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= بينز، نورمان|المؤلف2مؤلف2= تعريب: د. [[حسين مؤنس|حُسين مُؤنس]] ومُحمود يُوسُف زايد|العنوانعنوان= الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة: تاريخها وعلاقتها بِالإسلام|الصفحةصفحة= 167 - 182|السنةسنة= [[1950]]|الطبعةطبعة = الأولى|الناشرناشر= مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر|تاريخ الوصول= [[23 ديسمبر|23 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[2016]]م|المكانمكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسارمسار= https://archive.org/stream/234534#page/n3/mode/2up}}</ref> استخدم الجيش البيزنطي [[نار الإغريق|النار الإغريقيَّة]] والإشارات الناريَّة التي تُوقد على قمم الجبال والتلال لِرصد تحرُّكات الجُيُوش الإسلاميَّة من جبال طوروس حتَّى القُسطنطينيَّة، واعتمد على الفرق الكشَّافة الاستطلاعيَّة والجواسيس الذين كانوا يتغلغلون بين صُفُوف المُسلمين، لِرصد خططهم العسكريَّة، واستعمل الأسلحة المعروفة بِالدبَّابات، والأساطيل. ورافق الجيش البيزنطي فرقةً من المُهندسين لِتذيل العقبات الطبيعيَّة وإنشاء الجُسُور لِعُبور الأنهار.<ref name="بينز" />
 
==المسير إلى حلب==
[[ملف:Johannes Tsimisces Vinkhuijzen.jpg|تصغير|يُوحنَّا زمسكيس (في مُقدمة الصُورة)، نائب نقفور فوقاس، على رأس ثُلَّةٍ من القادة البيزنطيين السائرين إلى حلب.]]
استأنف نقفور فوقاس حملاته العسكريَّة بعد عيد القيامة، فاستولى في شهر ربيع الأوَّل سنة 351هـ المُوافق فيه شهر نيسان (أبريل) سنة 961م على الحُصُون والمُدن التابعة لِإمارة حلب، في خُطوةٍ مُتقدمةٍ لِلوُثُوب إلى حلب نفسها، فسقط في يديه وأيدي قادته من المُدن: دلوك ورعبان و[[مرعش (مدينة)|مرعش]] و[[عنتاب|عينتاب]]، وأرسل قُوَّةً عسكريَّةً بِقيادة ابن أُخته تُيُودور استولت على [[منبج]] وأسرت أميرها الشاعر أبا فراس الحمداني الذي كان خارجها، وأرسله نقفور فوقاس إلى القُسطنطينيَّة حيثُ ظلَّ في الأسر مُدَّة أربعة أعوام حتَّى فداه سيف الدولة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأزدي، علي بن ظافر بن الحُسين|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: تميمة الروَّاف|العنوانعنوان= أخبار الدولة الحمدانيَّة بِالموصل وحلب وديار بكر والثُغور|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 37|السنةسنة= [[1405 هـ|1405هـ]] - [[1985]]م|الناشرناشر= دار حسَّان|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأنطاكي، يحيى بن سعيد|العنوانعنوان= تاريخ الأنطاكي|الصفحةصفحة= 97|السنةسنة= 1990|المكانمكان= [[طرابلس (لبنان)|طرابُلس]]، [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وردَّ سيف الدولة بِأن أرسل جيشًا من أهل طرسوس، الذين أعلنوا ولاءهم له، بِقيادة حاجبه قرغويه، فأغار على الأراضي البيزنطيَّة، كما بعث غُلامه نجا إلى ميافارقين لِيُطمئن أهلها، فاصطدم أثناء عودته بِقُوَّة بيزنطيَّة عند حصن زياد يوم السبت [[24 شعبان]] [[351 هـ|351هـ]] المُوافق فيه [[27 سبتمبر|27 أيلول (سپتمبر)]] [[961]]م وانتصر عليها، واستأمن خمسُمائة من أفرادها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة=307|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> أراد نقفور فوقاس أن يُباغت سيف الدولة، فأحاط حملته بِالكتمان، وتقدَّم باتجاه حلب في شهر ذي القعدة المُوافق فيه شهر كانون الأوَّل (ديسمبر)، واستطاعت كشَّافته أن تجتاز نهر القويق، على الرُغم من حرص المُسلمين على حراسة مخاضاته، وذلك بِفعل براعة نائبه يُوحنَّا زمسكيس.
[[ملف:Standarddragers Byzantium Vinkhuijzen.jpg|تصغير|يمين|نموذج عن المُشاة الروم.]]
فاجأ [[نقفور الثاني|نقفور فوقاس]] و[[يوحنا زيمسكي|يُوحنَّا زمسكيس]] بجيشهما [[سيف الدولة الحمداني]] وهو في [[حلب]]،<ref name="زبدة78" /><ref name="أنطاكي97" /> بلغ جيش البيزنطيين 200,000 فارس و30,000 من المشاة لابسي الدروع، و30,000 عامل لهدم القلاع وإزاحة الثلوج، و4,000 بغل عليها حديد شائك يحيطون به معسكرهم ليلاً.<ref name="زبدة78" /><ref name="الكامل">[http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=126&ID=644&idfrom=1870&idto=1875&bookid=126&startno=1 الكامل في التاريخ» ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة - ذكر استيلاء الروم على مدينة حلب ( وعودهم عنها بغير سبب )] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20161220172756/http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=126&ID=644&idfrom=1870&idto=1875&bookid=126&startno=1 |date=20 ديسمبر 2016}}</ref> قرر سيف الدولة ملاقاة جيش البيزنطيين بعيدًا عن مدينته، فبعث تابعه الغُلام نجا بِمُعظم عسكره لِقتالهم ريثما ينتهي من إعداد جيشٍ ضخم يخوض به المعركة الفاصلة،<ref name="أنطاكي97">[http://shamela.ws/browse.php/book-14512#page-91 تاريخ الأنطاكي ليحيى بن سعيد الأنطاكي ج1 ص97] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170511094230/http://shamela.ws:80/browse.php/book-14512 |date=11 مايو 2017}}</ref> رُغم إشارة نصحاؤه عليه بأن يتولَّى القيادة، فأبى عليهم. سار نجا بالجيش إلى [[الأتارب|الأثارب]]، ومنها إلى [[أنطاكية (توضيح)|أنطاكية]]، فسلك جيش البيزنطيين طريقًا مُغايرًا، ووصل نجا إلى دلوك، ومنها إلى تل حامد، ثم إلى تُبَّل،<ref name="زبدة78">[http://shamela.ws/browse.php/book-9872#page-69 زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم ص 78] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170711003737/http://shamela.ws:80/browse.php/book-9872 |date=11 يوليو 2017}}</ref> ثُمَّ واجه جيش الغُلام نجا قُوَّاتٍ من البيزنطيين بقيادة يُوحنَّا زمسكيس في ناحية [[أعزاز]]، انهزم أمامها الحمدانيون.<ref name="أنطاكي97" /> وتعجَّل سيف الدولة في الخُرُوج بنفسه لِلتصدِّي لِلجيش البيزنطي من دون أن يستكمل استعداداته، فجمع ما تيسَّر من الجُند، فبلغوا أربعة آلاف بين فارسٍ وراجلٍ، وسار إلى أعزاز، غير أنَّهُ عندما شاهد ضخامة الجيش البيزنطي عاد إلى حلب وعسكر بِظاهرها. وعلِم في غُضُون ذلك بِأنَّ البيزنطيين توجَّهوا نحو العُمق قُرب أنطاكية، فأرسل غُلامهُ نجا على رأس ثلاثة آلاف مُقاتل كطليعةٍ لِلتصدي لهم، ثُمَّ لحق به بعد الظُهر، ونادى في النَّاس: {{اقتباس مضمن|من لَحِقَ بِالأَمير فَلَهُ دِينَار}}، هذا على الرُغم من إدراكه بِأنَّ المعركة خاسرة. وما أن سار فرسخًا حتَّى لقيه بعضُ الأعراب، فأخبروه بِأنَّ البيزنطيين لم يبرحوا [[جبرين (حلب)|جبرين]]، وأنَّهُم سوف يُصبحون في حلب، فعاد أدراجه إلى المدينة.<ref name="ReferenceA" />
 
==حصار حلب ثُمَّ اقتحامها==
[[ملف:Aleppo, Syria, 1919 Art.IWMART2686.jpg|تصغير|[[حلب القديمة]]، أكبر مُدن الشَّام الشماليَّة وأهم النقاط الإستراتيجيَّة في الصراع الإسلامي البيزنطي، فرض عليها البيزنطيُّون حصارًا مُشددًا في مُحاولةٍ لاقتحامها والقضاء على سيف الدولة والغارات الإسلاميَّة المُتكررة على ديار الروم.]]
أمام تلك المُستجدَّات، خرج سيف الدولة خارج حلب، وجمع الحلبيين وقال لهم: {{اقتباس مضمن|عساكر الروم تصل اليوم، وعسكري قد خالفها، والصواب أن تغلقوا أبواب المدينة، وتحفظوها، وأمضي أنا ألتقي عسكري، وأعود إليكم وأكون من ظاهر البلد، وأنتم من باطنه، فلا يكون دون الظفر بالروم شيء}}، أي أنَّهُ أراد حصر الجيش البيزنطي بين فكَّي كمَّاشة، فنصح الحلبيين بِإغلاق أبواب المدينة والدفاع عنها من الداخل عندما يُحاصرها الجيش البيزنطي، في حين يُحاصره هو من الخارج، فيضطر أفراده لِلقتال على جبهتين. رفض عامة أهل حلب الفكرة، فقال لهم: {{اقتباس مضمن|اثبتوا فإني معكم}}.<ref name="زبدة79" /> نزل عسكر سيف الدولة في جبل بانقوسا عند باب اليهود، وهو الباب الشمالي من أبواب حلب، ثُمَّ استنفر أهل المدينة للقتال، فخرج منهم 100,000 رجل.<ref name="أنطاكي98">[http://shamela.ws/browse.php/book-14512#page-92 تاريخ الأنطاكي ليحيى بن سعيد الأنطاكي ج1 ص98] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170511094230/http://shamela.ws:80/browse.php/book-14512 |date=11 مايو 2017}}</ref> ومن أبرز الأسباب التي دفعت الأهالي إلى رفض خطَّة سيف الدولة أنَّ فيهم من كان يعجز عن السير إلى بلاد الروم لِلغزو، وقد قرُبت الآن المسافة، فلمَّا رأى إصرارهم بذل خزائن السلاح لهم.<ref name="أنطاكي98" />
 
ونزلت عسكر البيزنطيين في حي الهزازة شمال غربي المدينة في ثمانين ألف فارس، فوقع القتال في أماكن مُتفرِّقة، ثُمَّ قدمت مُؤخرة الجيش البيزنطي في أربعين ألف راجل مُزودين بِالرماح وفيهم يُوحنَّا زمسكيس، واتَّخذ الجيش مواقعه على النهر وأحاط أفراده بِسيف الدولة، فهاجم يُوحنَّا زمسكيس بِقُوَّاته قُوَّات سيف الدولة، وجرى قتالٌ ضارٍ بين الطرفين، ولم يستطع سيف الدولة الصُمُود بِجيشه القليل العدد، فانهزم الحلبيون. وفرَّ سيف الدولة فسلك طريق [[بالس (إدلب)|بالس]]، فطارده يُوحنَّا وأدركه في [[تل سبعين|ضيعة سبعين]]، فقتل جماعة من وُجوه أصحابه،<ref name="أنطاكي98" /> منهم أبي داود بن حمدان، وأبي مُحمَّد الفيَّاضي كاتب سيف الدولة، وقائد جيش سيف الدولة يومئذٍ بُشرى الصغير،<ref name="زبدة79" /> وجميع أولاد داود بن حمدان وابن لِلحُسين بن حمدان،<ref name="تجارب1">[http://shamela.ws/browse.php/book-12396#page-2816 تجارب الأمم وتعاقب الهمم - ودخلت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة - ورود الدمستق حلب (1)] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170802223321/http://shamela.ws:80/browse.php/book-12396 |date=02 أغسطس 2017}}</ref> ومات الكثيرون عند باب اليهود وهم يتدافعون للدخول إلى المدينة،<ref name="زبدة79" /><ref name="أنطاكي98" /> بينما تمكّن سيف الدولة من الفرار إلى [[قنسرين|قنَّسرين]].<ref name="زبدة79">[http://shamela.ws/browse.php/book-9872#page-70 زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم ص 79] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170711003737/http://shamela.ws:80/browse.php/book-9872 |date=11 يوليو 2017}}</ref>
 
===المجزرة والتخريب===
استولى نقفور فوقاس على دار سيف الدولة التي تقع خارج حلب وتُسمَّى «الدارين»، فنهب ما تحويه من مالٍ ودوابٍ وسلاح، وخرَّب الدار، وملك الربض التي حولها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 192|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوانعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 238|السنةسنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> حاصر البيزنطيون حلب يوم السبت [[20 ذو القعدة|20 ذي القعدة]] [[351 هـ|351هـ]] المُوافق فيه [[19 ديسمبر|19 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[962]]م، فخرج شُيُوخ حلب يوم الإثنين [[22 ذو القعدة|22 ذي القعدة]] المُوافق فيه [[21 ديسمبر|21 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] يطلبون من نقفور أن يفُك حصاره، فاشترط تسليم سيف الدولة، فأخبروه أنه فرَّ من المدينة، فطمع في الاستيلاء عليها عنوةً. ثُمَّ أرسل نقفور يومها رسولًا إلى شُيُوخ حلب يعرض على المدينة الأمان مُقابل أموال، وأن يُمكِّنوا جيشه من الدخول من باب والخُرُوج من آخر، وينصرف عنهم.<ref name="زبدة79" /><ref name="أنطاكي99" /> فطلبوا مهلة لِلتشاور، فقبل ذلك. ثم خرج شُيوخ حلب في اليوم التالي بقبول العرض.<ref name="زبدة79" /> شكَّك نقفور في نوايا أهل حلب بأنهم أعدّوا كمينًا لِقُوَّاته حين يدخلون المدينة، فأنكر بعض الحاضرين ذلك، وأقسموا أنَّهُ لم يبق بِالمدينة من يحمل السلاح، فأدرك نقفور ضعف دفاعات المدينة، وصرفهم على أن يأتوه في اليوم التالي.<ref name="زبدة79" /><ref name="أنطاكي99" /> وفي المساء، هاجم البيزنطيُّون أسوار المدينة، واعتلوا أقصر بُقعة في السور بالقُرب من باب قنسرين، وحاولوا هدمها، فواجههم أهل المدينة ببعض المُقاومة. وأصلحوا السُور وكبَّروا، فتراجع البيزنطيُّون إلى جبل جوشن. استغلَّ بعض أوباش الناس واللُصوص انشغال أهل حلب بِالدفاع عن المدينة، فهاجموا منازل الناس، وخانات التُجَّار، لينهبوها. فانشغل شُيوخ البلد عن الدفاع عن السُور، ولحقوا بِمنازلهم.<ref name="زبدة80" /><ref name="بداية" /> ولمَّا رأى البيزنطيون السور دون دفاع، نصبوا السلالم على السور، ودخلوا المدينة من جهة بُرج الغنم، وذلك ليلة الثُلاثاء [[22 ذو القعدة|22 ذي القعدة]] المُوافق فيه [[22 ديسمبر|22 كانون الأوَّل (ديسمبر)]].
[[ملف:Aleppo Citadel 05 - Inner gate.jpg|تصغير|قلعة حلب. ضرب عليها البيزنطيُّون حصارًا واستعصت عليهم، فلم يقدروا على اقتحامها رُغم مُعاناة حاميتها من الجُوع.]]
انقضَّ البيزنطيُّون على السُكَّان العُزَّل الأبرياء فوضعوا السيف فيهم، وارتكبوا مجزرة رهيبة راح ضحيَّتها كثيرٌ من الأهالي، وأسر نقفور عددًا كبيرًا من النساء والأطفال، وقتل مُعظم الرجال،<ref name="زبدة80" /> وحرَّروا من كان بيد المُسلمين من الأسرى البيزنطيين، وكانوا 1,400 أسير،<ref name="بداية" /> وقيل 1,200 أسير،<ref name="تكملة181">[http://shamela.ws/browse.php/book-6616#page-182 تكملة تاريخ الطبري للمقدسي ص181] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170118023416/http://shamela.ws:80/browse.php/book-6616 |date=18 يناير 2017}}</ref> وأقام نقفور بحلب ثمانية أيام ينهب، ويقتل، ويسبي. كما خرّب قصر سيف الدولة،<ref name="أنطاكي99">[http://shamela.ws/browse.php/book-14512#page-93 تاريخ الأنطاكي ليحيى بن سعيد الأنطاكي ج1 ص99] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170511094230/http://shamela.ws:80/browse.php/book-14512 |date=11 مايو 2017}}</ref> وأخذ ما فيه من مال وسلاح.<ref name="بداية">[http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1590&idto=1591&bk_no=59&ID=1907 البداية والنهاية» ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة - دخول الروم إلى حلب] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170608044543/http://library.islamweb.net:80/newlibrary/display_book.php?idfrom=1590&idto=1591&bk_no=59&ID=1907 |date=08 يونيو 2017}}</ref><ref name="زبدة81">[http://shamela.ws/browse.php/book-9872#page-72 زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم ص 81] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170711003737/http://shamela.ws:80/browse.php/book-9872 |date=11 يوليو 2017}}</ref> ثم أحرق نقفور [[جامع حلب الكبير|المسجد الجامع]] ومُعظم أسواق ودُور المدينة،<ref name="زبدة82" /> ثُمَّ عمد البيزنطيُّون إلى خباب الزيت فصبُّوا فيها الماء حتَّى فاض الزيت على الأرض، وأُحرق ما بقي في المدينة من مساجد.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 192 - 193|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref>
 
===امتناع القلعة===
لم يسلم من القتل والأسر إلا من فرّ إلى [[قلعة حلب|القلعة]] من [[أهل البيت|العلويين والهاشميين]] والكُتّاب وأصحاب الأموال. ولم يكن لِلقلعة يومئذٍ سُور، وكان بها جماعة من [[ديلم|الديلم]].<ref name="زبدة80">[http://shamela.ws/browse.php/book-9872#page-71 زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم ص 80] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170711003737/http://shamela.ws:80/browse.php/book-9872 |date=11 يوليو 2017}}</ref> فحاصر البيزنطيون القلعة، لكنَّها صمدت واستعصت عليهم. وعلى الرُغم من من سوء أوضاع المُعتصمين وما تعرَّضوا له من الشدَّة والجُوع بِسبب قلَّة المؤونة، حتَّى أنَّهم كانوا يتسلَّلون ليلًا لِلبحث عن الأقوات؛<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|المؤلف2مؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|العنوانعنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 134|السنةسنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1996]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فإنَّ حاميتها شكَّلت مصدر خطرٍ على الجُنُود البيزنطيين، إذ كانوا ينقضُّون عليهم من حينٍ إلى آخر، ما أثار تُيُودور ابن أُخت نقفور وأصرَّ على الاستيلاء على القلعة، على الرُغم من مُعارضة الدمستق، الذي رأى أن ينصرف عنهم بِفعل أنهم عُراة، وإذا نزلوا هلكوا لِأنَّهم لا يجدون قوتًا. وعندما اقترب من باب القلعة رماه ديلمي بسهامه، فقتله، وحُملت جُثَّته إلى الدمستق دون رأس.<ref name="تجارب2">[http://shamela.ws/browse.php/book-12396#page-2819 تجارب الأمم وتعاقب الهمم - ودخلت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة - ورود الدمستق حلب (2)] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170802223321/http://shamela.ws:80/browse.php/book-12396 |date=02 أغسطس 2017}}</ref> فطلب نقفور تسليم من قتل ابن أخته، فرمى المدافعون برأس تيودور، فقتل نقفور 1,200 أسير،<ref name="الكامل" /><ref name="أنطاكي99" /> وقيل نحو 2,000 أسير،<ref name="بداية" /> لكنَّهُ استثنى من ذلك الشُبَّان، وكان لزامًا عليه أن يُهاجم القلعة، غير أنَّهُ بدلًا من أن يقوم بِذلك، قرَّر الارتداد عن المدينة.<ref name="ia802605.us.archive.org">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 194|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref>
 
==انسحاب الروم==
[[ملف:Nikiphoros Phokas.jpg|تصغير|الدمستق، ثُمَّ الإمبراطور البيزنطي نقفور فوقاس، صاحب الحملات العديدة على ديار الإسلام، بما فيها حلب وغيرها.]]
غادر نقفور وجيشه حلب في يوم الأربعاء [[1 ذو الحجة|أوَّل ذي الحجة]] سنة [[351 هـ|351هـ]] المُوافق فيه [[30 ديسمبر|30 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[962]]م إلى [[القسطنطينية|القُسطنطينيَّة]] بعد قتل الأسرى من الرجال. سار بالسبي، وكان نحو بضعة عشر آلف صبي وصبيَّة.<ref name="زبدة82">[http://shamela.ws/browse.php/book-9872#page-73 زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم ص 82] {{Webarchive|url=httphttps://web.archive.org/web/20170711003737/http://shamela.ws:80/browse.php/book-9872 |date=11 يوليو 2017}}</ref> وقد اختُلف في سبب رحيل نقفور عن حلب، ولعلَّ لِذلك علاقة بِالأسباب التالية:<ref name="زبدة82" /><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= العريني، السيِّد الباز|العنوانعنوان= الدولة البيزنطية 323-1081م|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 458 - 459|السنةسنة= [[1982]]|الناشرناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
* لقد خشي أن يُباغته سيف الدولة بِهُجومٍ مُضاد، فاكتفى بما أحرزه من انتصارٍ عليه واستباحة عاصمته وتخريب بلاده.
* لقد علم بِأنَّ الغُلام نجا عاد بِعسكره إلى الأمير سيف الدولة ما قوَّى من وضعه العسكري، وشنَّا الغارات على عسكر البيزنطيين.
سطر 99:
* رأى أن يهتم بما يجري في القُسطنطينيَّة من الأُمور، لا سيَّما أنَّهُ لم يصل إليه، مُنذُ زمنٍ طويل، من الأنباء عمَّا يُدبَّر بِالبلاط من المُؤامرات التي تجري دائمًا ضدَّ قائدٍ مُنتصر.
* ما شاع من الأنباء التي تُشير إلى تدهوُر صحَّة الإمبراطور البيزنطي [[رومانوس الثاني]] بعد وُقوعه من ظهر فرسه أثناء رحلة صيد، وأنَّهُ - أي نقفور - مُرشّحٌ لِخلافته. كما أنَّ هذا الأمر جعل قادة القُوَّات البيزنطيَّة في آسيا الصُغرى يتطلَّعون إلى العرش البيزنطي.
حملت كُل هذه الأسباب مُجتمعةً نقفور فوقاس على أن يأمر جُندهُ بالارتداد عن حلب بعد ثمانية أيَّامٍ من الاحتلال. أمَّ النتائج التي ترتَّبت على الحملة، فقد صبَّت في مصلحة البيزنطيين، ولعلَّ أهمُّها:<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= العريني، السيِّد الباز|العنوانعنوان= الدولة البيزنطية 323-1081م|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 460|السنةسنة= [[1982]]|الناشرناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
* سيطر البيزنطيُّون على إقليم قيليقية الفاصل بينهم وبين الشَّام، بحيثُ فُتحت الطريق أمامهم للانسياب إلى هذه البلاد بِسُهولةٍ ويُسرٍ.
* جرى احتلال جميع دُرُوب الآمانوس، ومُعظم الحُصُون الضخمة الواقعة في الإقليم المُمتد بين نهر الفُرات وجبال الآمانوس.
* حقَّق نقفور فوقاس انتصارًا ساحقًا على خصمه سيف الدولة، واستباح عاصمته وغنم أمواله.
* على الرُغم من أنَّ نقفور فوقاس غضب لِجلائه عن حلب بعد أن فشل في تثبيت أقدامه فيها، إلَّا أنَّهُ لم يشُك في أنَّ عودة قريبة إلى هذه الجهات سوف تُؤدّي إلى الاستيلاء على المدينة بِصُورةٍ نهائيَّة، بِدليل أنَّهُ عندما غادر حلب منع جُندهُ من نهب المدينة وتخريب حدائقها ومزارعها، وقال لِأهلها: {{اقتباس مضمن|هَذَا البَلَد قد صَارَ لَنَا، فَلَا تُقّصِّرُوا في العَمَارة، فإِنَّا بَعدَ قَلِيلٍ نَعُودُ إِلَيكُم}}.<ref name="ia802605.us.archive.org"/>
اجتاز الجيش البيزنطي جبال الآمانوس عند عودته، وعبر أفراده سُهُول قيليقية وجبال طوروس، وما كادوا يصلون في أواخر شهر صفر سنة 352هـ المُوافق فيه شهر آذار (مارس) سنة 963م، إلى سمندو بِثغر قيليقية حتَّى وردت الأنباء بِوفاة الإمبراطور رومانوس الثاني.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة=311|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
==بعد سُقُوط حلب==
===عودة الحمدانيين ورد الفعل الإسلامي===
كانت صدمة احتلال حلب كبيرة في العالم الإسلامي، لا سيَّما وأنَّها تُعدُّ مُقدمة لِحملاتٍ أُخرى سيقوم بها البيزنطيُّون على الجزيرة الفُراتيَّة والموصل. وفي الأخيرة كان الناس ثائرون غاضبون، فأغلق الأهالي الأسواق، واجتمعوا في المسجد الجامع من أجل ذلك، كما اجتمعوا بِالأمير ناصر الدولة، الذي وعدهم بِالمضيّ في الجهاد.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 201|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref> كان سيف الدولة، خِلال هذه المحنة، قابعًا في قنَّسرين يُراقب تطوُّر الأحداث، وما كادت الجُيُوش البيزنطيَّة ترتدّ عن حلب حتَّى عاد إليها لِيجدها خرابًا، فانصرف إلى إزالة آثار العُدوان من واقع إعادة تعميرها، وحرص أن يُعيد إليها ما تفرَّق من سُكَّانها، وعلى الرُغم من ذلك، فإنها لا زالت قليلة العدد، فنقل إليها من استطاع جمعه من سُكَّان مدينة قنَّسرين المُجاورة، والتي تعرَّضت هي الأُخرى لِلحرائق على أيدي الجُنُود البيزنطيين، وأعاد عمارة أسوارها، وشيَّد من جديد ميناء أنطاكية، ثُمَّ التفت إلى إعادة تجميع وتنظيم قُوَّاته لِلرد على التعديات البيزنطيَّة؛ فأرسل في سنة 352هـ المُوافقة لِسنة 963م ثلاث حملاتٍ عسكريَّةٍ لِغزو الأراضي البيزنطيَّة، فدخلتها من ثلاثة محاور مُختلفة. انطلقت الحملة الأولى من طرسوس، ودخلت الأراضي البيزنطيَّة من درب قيليقية، وتوغَّلت فيها حتَّى وصلت إلى [[قونية]]، واصطدمت أثناء عودتها بِقُوَّةٍ بيزنطيَّةٍ عند الدَّرب بِقيادة قُسطنطين الملايني وانتصرت عليها.<ref name="رد فعل1">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 198|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref><ref name="رد فعل2">{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن الأثير الجزري|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوانعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة= 244|السنةسنة= [[1407 هـ|1407هـ]] - [[1987]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وتوجَّهت الحملة الثانية إلى ملطيَّة بِقيادة نجا غُلام سيف الدولة، الذي عاد إلى ميافارقين بعد أن نفَّذ مُهمَّته، فالتقى بِمُجاهدين آتين من [[خراسان الكبرى|خُراسان]]، يبلغ عددهم خمسة آلاف رجل، وهُم في طريقهم إلى حلب لِلتطوُّع في جيش سيف الدولة والانتقام من الروم، فلم يمضِ معهم إلى سيِّده.<ref name="رد فعل1" /><ref name="رد فعل2" /> وقاد سيف الدولة الحملة الثالثة، فسبى أكثر من ألفين، ومن المواشي مائة ألف، على الرُغم من أنَّهُ لم يتوغَّل كثيرًا في الأراضي البيزنطيَّة لأنَّهُ كان مريضًا [[فالج|بِالفالج]]، ويُصاب بِحالات إغماء يُظنُّ معها أنَّهُ قد فارق الحياة، لِذلك عاد إلى حلب من دون أن يُتمَّ مُهمته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوانعنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعةطبعة= الأولى|الصفحةصفحة= 199|السنةسنة= [[1424 هـ|1424هـ]] - [[2003]]م|الناشرناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسارمسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref>
 
===تبريد البيزنطيين لِلجبهة المشرقيَّة===
[[ملف:Entrance of the emperor Nikephoros Phocas (963-969) into Constantinople in 963 from the Chronicle of John Skylitzes.jpg|تصغير|250بك|نقفور فوقاس يدخل القُسطنطينيَّة من [[أسوار القسطنطينية|البوَّابة الذهبيَّة]] ليُتوَّج بعدها إمبراطورًا.]]
حدث في بيزنطة أن تُوفي الإمبراطور البيزنطي رومانوس الثاني في [[16 صفر]] [[352 هـ|352هـ]] المُوافق فيه [[16 مارس|16 آذار (مارس)]] [[963]]م، وأضحى العرش من حق ولديه الطفلين [[باسيل الثاني]]، الذي لم يتجاوز الخامسة من عُمره، وقُسطنطين الثامن، الذي يبلغ سنتين من العُمر، فتولَّت والدتهُما الإمبراطورة [[ثيافونو (زوجة رومانوس الثاني)|تيوفانو]] الوصاية عليهما، يُساعدُها كبيرُ الوُزراء يُوسُف برنگاس الذي لم يكن فيما يبدو على وفاقٍ معها بِفعل التنازُع على الاستئثار بالسُلطة، وقد نجم عن ذلك أن حصل تقارب بين الإمبراطورة وبين نقفور الذي يكنُّ الكراهيَّة لِبرنگاس، وقد طمع في اعتلاء العرش البيزنطي، وسانده البطريرك المسكوني پوليكتس. وحدث في 7 جُمادى الآخرة 352هـ المُوافق فيه 3 تمُّوز (يوليو) 963م أن نادى الجيش المُعسكر في قيصريَّة، بِتحريض القائدين كوركواس وزمسكيس، بِنقفور إمبراطورًا، واصطحبته العساكر البيزنطيَّة إلى العاصمة لِيُتوَّج في [[آيا صوفيا|كاتدرائيَّة آيا صوفيا]]. وفي 15 رجب المُوافق فيه 9 آب (أغسطس)، وصل الإمبراطور الجديد إلى [[أسكدار|أُسكُدار]]، وأخذ يُراقب الأوضاع الجارية في العاصمة التي شهدت آنذاك اندلاع ثورة ضدَّ برنگاس، راح يقمعها بِالقُوَّة. وبعد نجاح الثورة والقضاء على برنگاس دخل نقفور العاصمة في 20 رجب المُوافق فيه 14 آب (أغسطس)، وتمَّ تتويجه بعد يومين، فأعلن رعايته لِحُقُوق ولديّ الإمبراطور المُتوفَّى واشتراكهما معهُ في الحُكم، وما كاد يمضي شهر على تتويجه حتَّى تزوَّج تيوفانو.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأنطاكي، يحيى بن سعيد|العنوانعنوان= تاريخ الأنطاكي|الصفحةصفحة= 100 - 101|السنةسنة= 1990|المكانمكان= [[طرابلس (لبنان)|طرابُلس]]، [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
كانت أهم مشروعات الإمبراطور نقفور فوقاس تحطيم قُوَّة المُسلمين الميدانيَّة ومدّ حُدود الإمبراطوريَّة إلى الشَّام والجزيرة الفُراتيَّة، وقد عيَّن يُوحنَّا زمسكيس دمستقًا في الشرق،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأنطاكي، يحيى بن سعيد|العنوانعنوان= تاريخ الأنطاكي|الصفحةصفحة= 102|السنةسنة= 1990|المكانمكان= [[طرابلس (لبنان)|طرابُلس]]، [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وأرسلهُ على رأس جيشٍ ضخمٍ إلى طرسوس لِتأديب أهلها على ما قاموا به من غارات ضدَّ الأراضي البيزنطيَّة، وذلك في شتاء سنة 352هـ المُوافقة لِسنة 963م. وكان سيف الدول قد توقَّف عن الخُروج مع الجُيُوش بعد أن أقعده المرض، فتولَّى أُمراء الثُغُور قيادة الجهاد ضدَّ البيزنطيين، لكنَّهم لم يكونوا بِكفائة سيف الدولة، كما انتهج الإمبراطور الجديد نهج العُنف والإرهاب والقسوة مع مُدن الثُغُور الإسلاميَّة، فاستولى في ربيع سنة 353هـ المُوافقة لِسنة 963م على عين زربة و[[أضنة]]، وفي السنة التالية ألحق بها مدينتيّ المصيصة وطرسوس، واتخذ الأخيرة قاعدةً لِلوُثُوب على الشَّام، وحوَّلها إلى مدينةٍ مسيحيَّة وأزالها ما بها من معالم حضاريَّة وثقافيَّة إسلاميَّة، و[[تنصير|تنصَّر]] بعضُ أهلها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[ابن العبري|ابن العبري، أبو الفرج گريگوريوس بن هٰرون الملطي]]|المؤلف2مؤلف2= تحقيق: أنطون صالحاني اليسوعي|العنوانعنوان= تاريخ مُختصر الدُول|الإصدارإصدار= الثانية|الصفحةصفحة= 64|السنةسنة= [[1415 هـ|1415هـ]] - [[1994]]م|الناشرناشر= دار الرَّائد اللُّبناني|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وبِفعل التطوُّر العسكري الذي مال لِصالح البيزنطيين، وسيطرة الإمبراطور البيزنطي على المُدن الرئيسيَّة في قيليقية، مال الأمير الحمداني إلى الهُدوء وتبادُل الأسرى، ولمَّا نفذ منهُ أسرى الروم، افتدى من تبقَّى من أسرى المُسلمين بِمائتين وأربعين ألف دينار.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= الأنطاكي، يحيى بن سعيد|العنوانعنوان= تاريخ الأنطاكي|الصفحةصفحة= 113 - 114|السنةسنة= 1990|المكانمكان= [[طرابلس (لبنان)|طرابُلس]]، [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ولكن رُغم ذلك استمرَّ البيزنطيُّون يُغيرون على أطراف الشَّام والعراق حتَّى قرَّر نقفور فوقاس تبريد الجبهة الإسلاميَّة والتفرُّغ لِقتال البلغار في أوروپَّا.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1مؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقُّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوانعنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدارإصدار= الأولى|الصفحةصفحة=316|السنةسنة= [[1429 هـ|1429هـ]] - [[2008]]م|الناشرناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكانمكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
==طالع أيضًا==