قاضي القضاة: الفرق بين النسختين
[نسخة منشورة] | [نسخة منشورة] |
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
الرجوع عن التعديل 36885496 بواسطة 37.237.108.50 (نقاش) وسم: رجوع |
ط بوت:الإبلاغ عن رابط معطوب أو مؤرشف V4.2 (تجريبي) |
||
سطر 1:
{{أصول الفقه}}'''قاضي القُضاة''' هو منصبٌ ديني ودُنيوي [[إسلام|إسلامي]] ابتُكر خلال [[الدولة العباسية|العصر العبَّاسي]] أيَّام [[خلافة إسلامية|خلافة]] [[هارون الرشيد]] بعد أن ظهرت الحاجة المُلحَّة إلى فصل [[سلطة قضائية|السلطة القضائيَّة]] عن [[سلطة تنفيذية|السلطة التنفيذيَّة]] بعد أن ازدهرت الدولة الإسلاميَّة وتنوعت مرافقها وتوسعت وصارت الحاجة مُلحة أن يتولى كل شخص في الدولة منصبًا إداريًّا مستقلًّا عن غيره من المناصب، كي يقوم بواجبه على أكمل وجه.<ref name="شبارو1">{{مرجع كتاب |الأخير=شبارو |الأول=عصام محمد |وصلة
قلَّد الخليفة العبَّاسي هارون الرشيد، منصب قاضي القضاة لأوَّل مرة في [[تاريخ إسلامي|التاريخ الإسلامي]]، إلى [[أبو يوسف|الإمام أبي يوسف]] الذي يُعتبر أوَّل من نظَّم شؤون القضاء باستقلاليَّة إلى حدٍ ما عن السلطة التنفيذيَّة، وأوجد الزي الخاص بالقضاة، وتحددت مهام قاضي القضاة في [[بغداد]]، كما كرَّس أبو يوسف مذهب أستاذه [[أبو حنيفة النعمان|الإمام أبي حنيفة النعمان]] في القضاء.<ref name="شبارو1" /> وكان يوجد قاضي قضاة واحد في بغداد، ومع قيام [[الدولة الفاطمية|الدولة الفاطميَّة]] في [[مصر]]، أصبح هناك قاضي قضاة آخر في [[القاهرة]] على [[إسماعيلية|المذهب الشيعي الإسماعيلي]]. ومع [[
== القضاء قبل ابتكار منصب قاضي القضاة ==
{{مفصلة|قاضي}}
كان شيخ القبيلة يتولّى القضاء عند [[العرب قبل الإسلام]]، معتمدًا على العرف والتقاليد السائدة بين [[قائمة قبائل
واستمرَّ الأمر على هذا المنوال، في خلافة [[أبو بكر الصديق|أبي بكر الصدِّيق]]، الذي حرص على الإشراف بنفسه على القضاء، رغم تكفل [[عمر بن الخطاب|عمر بن الخطَّاب]] بأموره.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن خلدون |الأول= |وصلة
وكان [[الدولة الأموية|العصر الأموي]] امتدادًا لعهد الخلافة الراشدة، في اختيار القضاة الذين يعتمدون على القرآن و[[
== نشوء منصب قاضي القضاة ==
{{أيضا|الدولة العباسية{{!}}الدولة العبَّاسيَّة|العصر الذهبي للإسلام}}
[[ملف:Faqih and students.png|تصغير|فقيه وتلاميذه خلال العصر العبَّاسي.]]
خلال العصر العبَّاسي تعقَّد القضاء بسبب تعقّد الحياة الاجتماعيَّة في الدولة الإسلاميَّة، وخاصة في العاصمة [[بغداد]] التي عرفت أساليب جديدة في الحياة الاجتماعيَّة والثقافيَّة والفكريَّة والاقتصاديَّة.<ref name="شبارو2">{{مرجع كتاب |الأخير=شبارو |الأول=عصام محمد |وصلة
[[ملف:Harun Al-Rashid and the World of the Thousand and One Nights.jpg|تصغير|يمين|[[مصغر فارسي|مُصغَّر فارسي]]، يظهر فيه الخليفة هارون الرشيد في صِباه. كان الرشيد أوَّل من ابتكر منصب قاضي القضاة في الإسلام.]]
وهكذا يُعتبر منصب القاضي هو الأساس الذي خرج منه منصب قاضي القضاة، حيث يختاره الخليفة عادةً من بين القضاة. وكان الخليفة هارون الرشيد أوَّل من استحدث منصب قاضي القضاة، الذي يُعتبر من مستحدثات الدولة العبَّاسيَّة والتي حاولت منذ عصر الخليفة [[أبو جعفر المنصور]] تأكيد الحاجة إلى فصل السلطة القضائيَّة عن السلطة التنفيذيَّة، وذلك بتدعيم الاستقلال القضائي والديني في الدولة، فاعتمدت في كثيرٍ من إداراتها على النظم الفارسيَّة، ومن بين ذلك المنصب القضائي [[ساسانيون|الساساني]] «{{نستعليق|موبدان موبد}}»،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=Sourdel |الأول=Dominique |وصلة
بذلك استقل أبو يوسف في أمور القضاء والقضاة في الدولة، فأصبح هو الذي يُعيّن القضاة ويُراقب أعمالهم ويعزلهم عند الاقتضاء، حتى لُقِّب بقاضي قضاة الدنيا،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير|الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
وكان يوجد قاضي قضاة واحد في بغداد زمن الدولة العبَّاسيَّة، وحيث أنَّ الدولة اتسعت كثيرًا، فقد أصبح لأمصار الأقاليم التي غدت عواصم لإمارات ودويلات مُستقلَّة قاضي قضاة أسوةً ببغداد، فكان قاضي قضاة القاهرة زمن الدولة الفاطميَّة، وكذلك زمن [[
== مذهب قاضي القضاة ==
كان قاضي القضاة يُعيّن القضاة للقضاء بين الناس حسب الشريعة الإسلاميَّة، وعليه أن يكون مسلمًا عالمًا [[أصول الفقه|بأصول الدين]] و[[فقه إسلامي|الفقه]] و[[حديث نبوي|الحديث]]، خاصَّة وأنَّ الإسلام هو الدين الرسمي للدولة العبَّاسيَّة. وأمرٌ بديهي أن يكون قاضي القضاة مسلمًا، ولكن معرفته بأحكام القرآن والسنَّة النبويَّة، فيما سمي "بالفقه"، هو أهم الشروط لتقلّد القضاء والفصل بين الخصوم. والفقه الإسلامي هو ثمرة اجتهاد وجهود متواصلة تعتبر بمثابة حلقة الاتصال بين الناس وبين المصادر التشريعيَّة الأصليَّة وهي الكتاب والسنَّة. وهذا الفقه المُستنبط من الأدلَّة الشرعيَّة كثُر فيه الخلاف بين المجتهدين، فاختلاف مداركهم وأنظارهم خلافًا لا بد من وقوعه، واتسع ذلك اتساعًا عظيمًا، وكان للمقلدين أن يُقلدوا من شاؤوا منهم، حتى انتهى الأمر إلى أئمة المذاهب وهم طبقة من العلماء لجأ إليها الناس للفتيا. وكان لكل إمام من أئمة المذاهب تلاميذه الذين دونوا مذهبه ونشروه بين الناس، فاتبعه بعضهم واتبع آخرون المذاهب الباقية، وكان قاضي القضاة يتبع مذهب الدولة الرسمي وهو في العادة المذهب الأكثر شيوعًا.<ref name="شبارو5">{{مرجع كتاب |الأخير=شبارو |الأول=عصام محمد |وصلة
===المذهب الحنفي زمن الدولة العبَّاسيَّة===
كانت بغداد عاصمة الدولة العبَّاسيَّة، وقد ساد مذهب الإمام أبو حنيفة فيها حتى أصبح المذهب الرسمي، وبالتالي أصبح مذهب قاضي القضاة ومعظم القضاة، ومذهب أهل [[العراق]].<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمدfirst= |وصلة
===المذهب الإسماعيلي زمن الدولة الفاطميَّة===
بقيام الدولة الفاطميَّة في مصر سنة [[362 هـ|362هـ]] الموافقة لسنة [[973]]م، أصبح هناك قاضي قضاة آخر في [[القاهرة]]، وظهر الانقسام في الخلافة الإسلاميَّة بوجود خليفتين: عبَّاسي في بغداد وفاطمي في القاهرة، ولكل منهما قاضي قضاة أحدهما على المذهب الحنفي والثاني على [[إسماعيلية|المذهب الإسماعيلي]]. ويُعتبر النعمان بن محمد قاضي قضاة الخليفة الفاطمي [[المعز لدين الله]] هو المؤسس الحقيقي للنظام القضائي الفاطمي.<ref>[http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?id=3629 المكتبة الإسلامية على شبكة إسلام ويب: محمد بن أبي حنيفة النعمان بن محمد]</ref> وقد تقلَّد الكثيرون منصب قاضي قضاة مصر، على المذهب الشيعي الإسماعيلي، مثل علي بن النعمان، وأخوه محمد زمن الخليفة [[العزيز بالله الفاطمي|العزيز بالله]]، والحسين بن علي النعمان وابن عمه عبد العزيز بن محمد النعمان زمن [[الحاكم بأمر الله]].<ref name="سن قاضي القضاة2"/> وبذلك يكون النعمان وولداه علي ومحمد وحفيداه الحسين والعزيز، قد تقلَّدوا جميعًا منصب قاضي قضاة الدولة الفاطميَّة. كما ساهموا في العمل للمذهب الإسماعيلي. وفي تلك الأثناء استمر الصراع بين الخلافة الفاطميَّة في مصر من جهة، والخلافة العبَّاسيَّة في بغداد و[[
===المذهب الشافعي زمن الدولة الأيوبيَّة===
خَلَف صلاح الدين الأيوبي عمّه [[أسد الدين شيركوه بن شاذي|أسد الدين شيركوه]] في وزارة مصر سنة [[565 هـ|565هـ]] الموافقة لسنة [[1169]]م، وبعد وفاة الخليفة الفاطمي [[العاضد لدين الله]]، أصبح صلاح الدين الحاكم الوحيد بمصر. وبذلك انتهت الخلافة الشيعيَّة الفاطميَّة، وعادت مصر وباقي [[شمال أفريقيا]] و[[بلاد الشام]] إلى كنف الدولة العبَّاسيَّة، وصار اسم الخليفة العبَّاسي يُذكر في مساجد القاهرة. ومع [[
===المذاهب الأربعة عند أهل السنَّة زمن السلطنة المملوكيَّة===
[[ملف:Arabischer Maler um 1335 002.jpg|تصغير|رسم من سنة [[1334]]م، أي خلال الدور المملوكي في الدولة العبَّاسيَّة، يُظهر رجلًا في حضرة قاضي [[معرة النعمان|مَعَرَّة النُّعْمَان]].]]
بقيام [[
===المذهب الأوزاعي ثمَّ المالكي في الأندلس===
[[ملف:Wandfliese Gerichtssaal Alhambra.jpg|تصغير|يمين|عِبارة "ولا غالب إلّا الله" منقوشة في [[قصر الحمراء]] بالأندلس، وهي شعار القضاة وقاضي الجماعة.]]
[[عبد الرحمن الأوزاعي|عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي]] هو إمام أهل الشام "ولم يكن بالشام أعلم منه".<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن خلكان |شمس الدين أبو العبَّاس أحمدfirst= |وصلة
[[ملف:Rumeli Kazaskeri.jpg|تصغير|قاضي عسكر الروملَّي في العصر العثماني.]]
===المذهب الحنفي زمن الدولة العثمانيَّة===
بعد انهيار السلطنة المملوكيَّة أمام الضربات العثمانيَّة سنة [[1516]]م، وانتقال الخلافة من بني العبَّاس إلى بني عثمان، استرد المذهب الحنفي مكانته ليُصبح المذهب الرسمي للدولة الإسلاميَّة، مع استمرار المذهبين الشافعي والمالكي. وأصبح قاضي القضاة في [[إسطنبول|الآستانة]] عاصمة [[الدولة العثمانية|الدولة العثمانيَّة]] يُعرف باسم "[[قاضي عسكر|قاضي العسكر]]" وكان لفترة هو قاضي القضاة الأوحد. ثم عُيّن إلى جانبه قاضيان آخران أحدهما [[أفريقيا|لأفريقيا]] والثاني [[أوروبا|لأوروبا]].<ref name="الجهاز الإداري المحلي">المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، [[منير البعلبكي]]، [[بهيج عثمان]]، [[دار العلم للملايين]]، صفحة 157</ref> وخلال [[القرن 19|القرن التاسع عشر]] وحَّد والي مصر [[محمد علي باشا]] القضاء في مصر على المذهب الحنفي، وقد انتهج السلطان [[عبد المجيد الأول|عبد المجيد الأوَّل]] منهج الوالي سالف الذِكر، فأقدم على تدوين القانون المدني العثماني كخطوة من خطواته التنظيمية، فجعل كبار الفقهاء والعلماء يجمعون التشريعات في ما أصبح يُعرف [[مجلة الأحكام العدلية|بمجلَّة الأحكام العدليَّة]]. تتكون هذه المجلة من ستة عشر كتاب أولها كتاب البيوع وآخرها كتاب القضاء، وكل كتاب يتناول موضوع ومكون من أبواب، وكل باب مكون من فصول.<ref>[http://www.oxfordislamicstudies.com/article/opr/t125/e1492 "Mecelle" in Oxford Islamic Studies Online] {{Webarchive|url=
== تقليد قاضي القضاة ==
الخليفة هو الذي يُقلِّد القضاة أمر القضاء، وخاصَّةً فيما يتعلَّق بأعلى منصب قضائي وهو منصب قاضي القضاة.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
===شروط اختيار قاضي القضاة===
لم تكن هناك شروطٌ مُعينة في بادئ الأمر، لتقليد قاضي القضاة، فالظروف لعبت دورها عندما احتاج هارون الرشيد إلى أحد الفقهاء ليستفتيه في أمر زنا ابنه، فجاء أبو يوسف حيث أُعجب بفتواه وأصبح من المقربين إليه، حتى ابتكر له منصب قاضي القضاة لأوَّل مرَّة في الإسلام.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
# '''الذكورة والبلوغ''': أي أن يكون القاضي رجلًا، [[بلوغ (إنسان)|تخطى مرحلة الفتوَّة والصبا]]، وأصبح ناضجًا جسديًا وعقليًّا. فلا يمكن تقليد الصبي غير البالغ ولا النساء للقضاء.
# '''الذكاء''': حتى يتمكن من التمييز وإيضاح ما أشكل من القضايا، فلا يُمكن للغبي والمُصاب بعاهة عقليَّة أن يتولّى هذا المنصب.
# '''الحريَّة''': فلا يجوز [[عبودية|للعبد]] أن يتقلَّد القضاء، أمَّا إذا كان العبد قد نال حريته فيجوز له تقلّد القضاء إذا توافرت فيه الشروط الأخرى.
# '''الإسلام''': ويعني ذلك عدم جواز تقلّد [[أهل الذمة|أهل الذمَّة]] وغيرهم القضاء بين [[
# '''العدالة''': وتشمل الصدق والأمانة والعفَّة والبعد عن الريب.
# '''سلامة السمع والبصر''': ليتمكَّن من التمييز بين الحق والباطل.
# '''العِلم بالأحكام الشرعيَّة''': ويعني ذلك العِلم بالقرآن والسنَّة النبويَّة والاجتهاد.
واعتبر الماوردي القضاة موازين العدل وحرَّاس السنَّة النبويَّة باتباعها في أحكامهم، وهنا أضاف صفات لا بد من مُراعاتها في اختيار القضاة بعد الشروط المعتبرة فيهم بالشرع، وهي: أن يكون القاضي حسن العلانيَّة، مأمون السريرة، كثير الجدّ، قليل الهزل، شديد الورع، قليل الطمع.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الماوردي |الأول=أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري |وصلة
ولا يوجد شرط السن في تقليد القضاء، فقد تقلَّد البعض منصب القاضي في سن العشرين،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
وبالرغم من ذلك، فقد تقلَّد البعض منصب قاضي القضاة في سن مبكِّرة، ويرجع ذلك إمَّا لحظوتهم عند الخليفة أو لمكانتهم في القضاء. ويبدو أنَّ أبا الحسين عمر بن محمد بن يوسف الأزدي هو أوَّل من تقلَّد هذا المنصب في بغداد دون أن يبلغ الأربعين من عمره، فيذكر [[
===احتفال التقليد===
بعد اختيار قاضي القضاة، يكتب له الخليفة "عهدًا" بتولّي منصبه، وبعد إنشاء "عهد" الخليفة، يجتمع الخلق من الأشراف والقضاة والشهود والجند والتجَّار وغيرهم على باب الخليفة،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
وفي دمشق، كان التقليد يتم عند وصول البريد من مصر، ومعه كتاب السلطان بالتقليد والخِلعة في قضاء قضاة مُعيَّن، أو بتجديد توقيع قاضي القضاة.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
== مهام قاضي القضاة ==
سطر 75:
تتحدد المهام القضائيَّة التي يضطلع بها قاضي القضاة في تعيين القضاة وعزلهم ومحاكمة الوزراء والأشخاص الذين يهددون الحكم، وتسطير كتاب بيعة وخلع الخلفاء، وعقد خطبة وزواج الخلفاء والأمراء، وأحيانًا الحِسبة والنظر في المظالم، فضلًا عن الفتيا.
[[ملف:Zibik.jpg|تصغير|قاضٍ عثماني يفتي لزوجة حضرت إليه لتتظلَّم من زوجها.]]
* '''تعيين وعزل القضاة''': الخليفة هو الذي يُعيّن قاضي القضاة، الذي يُعتبر بمثابة قاضي الدولة كلها، ومن سواه من القضاة في الأقاليم والأمصار نوَّاب عنه، لذلك كانت سلطة قاضي القضاة تسمح له بتعيين القضاة في مُختلف المناطق، وعزلهم عند الضرورة.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
* '''محاكمة الوزراء والأشخاص الذين يهددون الخِلافة والدين''': كان قاضي القضاة يُشارك في محاكمة [[وزير|الوزراء]] إذا كانت التهمة تدبير مؤامرة ضد الدولة، وفي محاكمة الأشخاص الذين يدعون [[ألوهية|الألوهيَّة]] أو [[النبوة في الإسلام|النبوَّة]]، وكذلك الذين يتعرضون للنبي [[محمد]] وسائر الأنبياء والرُسل و[[صحابة|الصحابة]] و[[أهل البيت]] بالسبِّ والشتم، وكل من يهدف إلى إفساد [[عقيدة إسلامية|العقيدة الإسلاميَّة]]. ففي بغداد، وفي عهد الخليفة [[المعتصم بالله]] حوكم الأفشين{{للهامش|2}} بتهمة [[زندقة|الزندقة]] سنة [[226 هـ|226هـ]] الموافقة لسنة [[840]]م،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الطبري |الأول=الإمام أبو جعفر محمد بن جُرير |وصلة
* '''عقد بيعة وخلع الخلفاء''': كانت توكل إلى قاضي القضاة مهمَّة إحضار الشهود، ليكتب بنفسه كتاب خلع أحد الخلفاء ومُبايعة آخر.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
* '''عقد خِطبة وزواج الخلفاء والأمراء''': إذا كان القضاة يقومون بعقد [[خطبة (توضيح)|الخِطبة]] و[[الزواج في الإسلام|الزواج]]، فقد كان يُستعان بقاضي القضاة لمثل هذا الأمر فيما يختص بأبناء الخلفاء والأمراء. فقاضي القضاة الإمام أبو يوسف حضر زواج إبراهيم بن عبد الملك بن صالح من الغالية ابنة هارون الرشيد على مَهر قدره ألفيّ درهم.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
* '''الحِسبة''': وأحيانًا تولَّى قاضي القضاة وظيفة [[حسبة (توضيح)|الحِسبة]]، التي يتولَّاها عادةً المُحتسب.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن الجوزي |الأول=أبو الفرج عبد الرحمن بن علي |وصلة
* '''النظر في المظالم''': كذلك كان يُضاف إلى مهام قاضي القضاة، النظر في المظالم،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن الأثير |الأول=عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري |وصلة
* '''الفتيا''': كان قاضي القضاة يفتي في الأمور التي تهم المصلحة العامَّة، فقد استفتى قاضي قضاة الشافعيَّة بدمشق [[تقي الدين السبكي]]، في قتل [[كلب|الكلاب الشاردة]] خوفًا من نقلها [[داء الكلب|لداء الكَلَب]] وغيره من الأمراض القاتلة مثل [[جرب|الجَرب]]، فكتب جماعة من أهل المدينة في ذلك، فرَسَم بإخراجها -أي الكلاب - في يوم الجمعة [[25 ذو الحجة|25 ذي الحجَّة]] سنة [[745 هـ|745هـ]] الموافقة لسنة [[1345]]م إلى الخندق ظاهر باب الصغير وإتلاف جيفتها لئلّا تنتن الناس بريحها.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
===المهام غير القضائيَّة===
كان قاضي القضاة مُقرَّبًا من الخلفاء، لذلك التجأ إليه أصحاب الحاجات ليتوسَّط لهم عند الخليفة أو الوزير، مما يدل على المكانة التي وصل إليها والتي جعلته يُرافق موكب الحج، فكثرت المهام غير القضائيَّة التي كانت توكل إليه، مثل [[
* '''التوسط عند الخليفة أو الوزير''': كان قاضي القضاة يتقلَّد أعلى منصب قضائي، مما جعله مُقرَّبًا من الخليفة وذوي السُلطة والنفوذ، وهذا ما دفع بأصحاب الحاجات للالتجاء إليه عساه يتوسَّط لهم في بعض الحاجات، أو إنقاذ محكومٍ من [[سجن|السجن]] و[[
* '''مُرافقة موكب الحج''': كانت تولى أحيانًا إلى قاضي القضاة، إمارة الحج، ففي سنة [[412 هـ|412هـ]] الموافقة لسنة [[1021]]م، تولَّى قاضي القضاة أبو محمد الناصحي إمارة الحج وسار الناس بصحبته.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
* '''التدريس والخِطابة والنظر في الجوامع ومشيخة الشيوخ''': تكثر المهام الأخرى التي كانت توكل إلى قاضي القضاة، وأهمها التدريس والخِطابة والنظر في الجوامع ومشيخة الشيوخ.<ref name="ReferenceA"/> ففي بغداد درَّس قاضي القضاة قطب الدين "الأحوس" [[المدرسة المستنصرية|بالمدرسة المستنصريَّة]] وغيرها من مدارس بغداد. وعندما يقوم قاضي القضاة بالتدريس، يحضر عنده القضاة والأمراء والأعيان والفضلاء.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
* '''دار الضرب والأسوار ووِكالة بيت المال''': أحيانًا كان يوكل إلى قاضي القضاة أمر دار الضرب والأسوار أو وِكالة بيت المال. ففي دمشق، فُوِّض إلى قاضي القضاة [[كمال الدين الشهرزوري]] النظر في الجامع ودار الضرب والأسوار. وتولَّى قاضي القضاة تقي الدين محمد الشافعي وكذلك شهاب الدين الشافعي التدريس ووِكالة بيت المال.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
* '''الجهاد في سبيل الله''': رغم أنَّ الخليفة هو الذي يدعو [[جهاد|للجهاد في سبيل الله]]، فقد كان قاضي القضاة يُساعد في هذا الأمر عن طريق الخِطبة في الجوامع حيث يدعو الناس للجهاد. فعندما جاء الخبر إلى دمشق بأنَّ مراكب العدو تقترب من ساحل بيروت سنة [[767 هـ|767هـ]] الموافقة لسنة [[1365]]م، خطب قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالناس يوم الجمعة كعادته، وحرَّض الناس على الجهاد، وألبس جماعة من غلمانه اللأمة والخِوَذ، وعزم المسير مع الناس.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
* '''مُلازمة الخليفة''': هذه المهام جعلت قاضي القضاة مُقرَّبًا جدًّا من الخلفاء، فيُسمَّى أحيانًا "قاضي الخليفة"، ويستعين به الخليفة في الأمور الخاصَّة به، فيخرج معه في أسفاره. كما كان الخليفة يصطحب معه قاضي القضاة أثناء المواكب. وهكذا كان قاضي القضاة الإمام أبو يوسف يُلازم هارون الرشيد في تجواله،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
== خصائص ومميزات قاضي القضاة ==
سطر 97:
===الزيّ الخاص بقاضي القضاة===
[[ملف:Tott-33-Cadi leskier.jpg|تصغير|زي قاضي القضاة ([[قاضي عسكر|قاضي العسكر]]) في الدولة العثمانيَّة.]]
السَّواد هو شِعار العبَّاسيين الرسمي، ولِباس الخلفاء كان [[قلنسوة (توضيح)|قلنسوة]] محددة و[[قباء]] أسود و[[تاج]] مُرصَّع [[مجوهرات|بالجواهر]]. وكان الخليفة يلبس طوقًا و[[سوار|سِوارين]] من [[ذهب|الذهب]] المنظوم بالجواهر.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=متز |الأول=آدم |وصلة
وكان قاضي قضاة بغداد يضع القلنسوة{{للهامش|3}} فوق رأسه،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
===رواتب قاضي القضاة===
جعل العبَّاسيّون لقاضي القضاة منصبًا رفيعًا مُستقلًّا، ويتقاضى راتبًا شهريًّا مثل سائر القضاة. فكان قاضي مصر يأخذ ثلاثين دينارًا كل شهر سنة [[155 هـ|155هـ]] الموافقة لسنة [[772]]م، ثمَّ رفعه الخليفة المأمون إلى مائة وستين دينارًا كل شهر سنة [[198 هـ|198هـ]] الموافقة لسنة [[813]]م.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الكِندي |الأول=أبو عمر محمد بن يوسف |وصلة
===تقلّد بعض أفراد العائلة الواحدة لمنصب قاضي القضاة===
يبدو من مراجعة الأسماء التي تقلَّدت منصب قاضي القضاة، تعاقب الآباء والأبناء والإخوة على هذا المنصب في بعض العائلات، وكأنَّ مهنة قاضي القضاة تورَث. ومن العائلات الكُبرى التي كان منصب قاضي القضاة من نصيب معظم أفرادها: عائلة محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي، وعائلة إسماعيل بن حماد الأزدي، وعائلة النعمان... فقد تقلَّد الكثيرون من عائلة محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي، منصب قاضي القضاة. فالحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن الجوزي |الأول=أبو الفرج عبد الرحمن بن علي |وصلة
===تقلّد بعض العميان لمنصب قاضي القضاة===
من الظواهر النادرة، تقلّد بعض [[عمى|العميان]] قضاء القضاة أو بالأحرى إصابة بعض قضاة القضاة بالعمى واستمرارهم في منصبهم. ففي دمشق، تولّى ابن أبي عصرون قضاء قضاة دمشق سنة [[583 هـ|583هـ]] الموافقة لسنة [[1187]]م، وكان قد عمي قبل موته بعشر سنين،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
===رفض البعض تقلّد منصب قاضي القضاة===
إذا كان البعض قضى عمره يُحاول الوصول إلى منصب قاضي القضاة الذي كان قِبلة أنظار معظم القضاة، فإنَّ البعض الآخر، اعتذر عن قبول هذا المنصب لما فيه من مسؤوليَّة إحقاق العدل، خاصَّةً بعد أن ورد في تقلّد القضاء من الحديث ما يزهد فيه ويوجب الفِرار منه. فقد رُوي عن النبي [[محمد]] أنه قال: {{اقتباس مضمن|من وُلِّيَ القضاء فقد ذُبح بغير [[سكين]]}}،<ref>[http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=6169&idto=6282&bk_no=55&ID=1354 المكتبة الإسلاميَّة في موقع إسلام ويب: شروح الحديث]</ref> وعنه: {{اقتباس مضمن| ما من حكمٍ يحكمُ بين الناس إلّا حُبس [[نهاية الزمان|يوم القيامة]] و[[الملائكة في الإسلام|ملكٌ]] آخذ بقفاه حتى يقفه على [[جهنم]]، ثم يُرفع رأسه إلى الله عز وجل، فإن قال: "ألقه"، ألقاه في مهوى فهوى أربعين خريفًا}}.<ref>[http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=47&ID=2686 المكتبة الإسلاميَّة في موقع إسلام ويب: أحاديث الأحكام، كتاب الأقضية والأحكام في نيل الأوطار: باب التشديد في الولاية وما يخشى على من لم يقم بحقها دون القائم به]</ref> وعن [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] قال: {{اقتباس مضمن|سمعت رسول الله {{صلعم}} يقول: "مَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِجَوْرٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِجَهْلٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا عَالِمًا فَقَضَى بِحَقٍّ، أَوْ بِعَدْلٍ سَأَلَ أَنْ يَنْفَلِتَ كَفَافًا"}}.<ref>[http://www.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=1711&pid=412058&hid=346 موسوعة الحديث في موقع إسلام ويب: الحديث رقم 346] {{Webarchive|url=
===الخِلاف بين قضاة القضاة===
بتعيين قاضي قضاة لكل مذهب من مذاهب أهل السنَّة الأربعة سواء في مصر أو في دمشق، كان يتوجَّب على قاضي قضاة مذهب مُعيَّن أن لا يتدخل في قضايا وأمور قاضي قضاة من مذهب آخر،<ref name="الخلاف بين القضاة">{{مرجع كتاب |الأخير=ابن كثير |الأول=عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي |وصلة
===مُحاكمة قاضي القضاة وسجنه وعزله ونفيه===
كانت الحظوة والتقرّب من الوزراء والخلفاء خطوة كبيرة في تقلّد القضاء والوصول إلى أعلى منصب وهو قاضي القضاة. ولكن تقلّد هذا المنصب لا يعني أنَّ قاضي القضاة أصبح حاكمًا بأمره، لا يطاله أحد، فهو في النهاية مثل أي موظف يُعينه الحاكم عندما يكون راضيًا عنه، ويعزله عندما يغضب منه، ذلك أنَّ قاضي القضاة بحكم منصبه، يكون على قرب دائم من الخليفة أو الوزير، والحكم في العصر العبَّاسي لم يكن دائمًا مُستقرًّا، فالمؤامرات والصراع على النفوذ كان دائمًا يُهدد رجال الحكم، فإذا ما تخلّى الخليفة عن السلطة سارع خليفته إلى عزل الوزير وتعيين وزير له، وبالتالي يتأثّر أحيانًا وضع قاضي القضاة الذي يؤيّد هذا الوزير أو ذاك. وفي ظل الصراع بين الوزراء على الحكم كان موقف قاضي القضاة حرجًا وهو يُدرك أنَّ نقمة الوزير تؤدي إلى نقمة الخليفة عليه، وبالتالي الوصول إلى ما لا تُحمد عقباه. وعندما يتقلَّد أحدهم منصب قاضي القضاة يُصبح قريبًا من الخليفة وهنا عليه أن يكون دقيقًا جدًا في مواقفه وآرائه، لأنَّ غضب الخليفة أقسى وأشد مرارة من غضب الوزير. ومن القصص المأسويَّة التي انتهى بها قاضي قضاة: قصَّة قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد الذي أصرَّ على مبايعة المتوكل على الله بعد وفاة الخليفة الواثق بالله،<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=التنوخي |الأول=القاضي أبو علي المحسن بن علي بن محمد |وصلة
وقد تؤدي العداوة والبغضاء بين قاضي القضاة وأحد الأمراء أو النافذين إلى إهانة أو محاكمة قاضي القضاة، وعزله وحتى سجنه. ففي دمشق أدَّت العداوة إلى أن يأمر المُعظَّم عيسى قاضي قضاة دمشق زكي الدين الطاهر بن محمد، بأن يلبس قباء أحمر وكلوته صفراء من ملابسه ليحكم بين الناس، مما أغاظه وأدّى إلى موته سنة [[617 هـ|617هـ]] الموافقة لسنة [[1220]]م.<ref>{{مرجع كتاب |الأخير=الصفدي |الأول=صلاح الدين خليل بن أيبك |وصلة
== زوال منصب قاضي القضاة ==
[[ملف:دائرة قاضي القضاة.jpeg|تصغير|[[دائرة قاضي القضاة]] في [[عمان (مدينة)|عمَّان]] بالأردن.]]
استمرَّ منصب قاضي القضاة قائمًا منذ أوائل العصر العبَّاسي، وعرف عصره الذهبي في النصف الثاني من [[القرن 8|القرن الثامن]] حتى النصف الأوَّل من [[القرن 10|القرن العاشر]] الميلادي. لكن هذا العصر لم يدم طويلًا، فبدأ منصب قاضي القضاة في الانحدار تدريجيًّا نتيجة ضعف الدولة العبَّاسيَّة وقيام الإمارات والدويلات المُستقلَّة في كنفها. ولم يحصل تطوّر يُذكر حتى زمن [[الدولة المملوكية|المماليك]]، عندما أوجد [[الظاهر بيبرس]] قاضي قضاة لكل مذهب من المذاهب الأربعة عند [[أهل السنة والجماعة|أهل السنَّة والجماعة]]، سواء في القاهرة أو في دمشق. بالرغم من ذلك، لم يسترجع قاضي القضاة الهالة والسلطة التي كانت له في العصر الذهبي للتشريع والقضاء. وفي أواخر العصر العثماني أدخل السلطان [[محمود الثاني]] ومن بعده ابنه السلطان [[عبد المجيد الأول|عبد المجيد الأوَّل]] الكثير من النظم الأوروبيَّة إلى النظام القضائي في محاولة لتحديث النظم والأجهزة الإداريَّة للدولة، مع بقاء الشريعة الإسلاميَّة أساس القانون العثماني. وكانت الضربة القاضية من [[استعمار|الاستعمار الأوروبي]] [[الوطن العربي|للوطن العربي]] بعد انهيار [[الدولة العثمانية]]. فقد حمل الأوروبيّون معهم القوانين الأجنبيَّة وأنشأوا محاكم جديدة زاحمت المحاكم الشرعيَّة لتسلبها الصلاحيَّات الرئيسيَّة، كما لعب المهاجرون إلى [[أوروبا]] دورًا في نقل الأفكار الجديدة إلى داخل أوطانهم، فاقتصر دور المحاكم الشرعيَّة على الأحوال الشخصيَّة من خِطبة وزواج وطلاق ونفقة وحِضانة وحجر ووقف... فتحوَّلت إلى محاكم الأحوال الشخصيَّة التي تفصل في القضايا العائليَّة، بعد أن كانت تفصل في كل القضايا. كما اتجهت [[تركيا|تركيَّا]]، وريثة الدولة العثمانيَّة إلى تبني [[علمانية|النظام العلماني]]، فكان من الطبيعي أن تتحوَّل محاكمها إلى النظم الأوروبيَّة، وتلقى محاكمها الشرعيَّة نفس مصير محاكم [[عرب|العرب]]. وورِثت البلاد العربيَّة المنسلخة عن الدولة العثمانيَّة هذا الواقع الجديد، فتطوّرت مؤسسة قاضي القضاة إلى مؤسسة مشيخة الإسلام. وأصبحت المحاكم الشرعيَّة برئاسة المفتي، وعلى المذهب الحنفي في معظم الدول العربيَّة، في حين اقتصر المذهب الجعفري على الشيعة في [[لبنان]] و[[العراق]] و[[إيران]]، والزيدي على [[زيدية|الزيديَّة]] في [[اليمن]]. ولم يعد لمنصب قاضي القضاة من وجود،{{للهامش|4}} فقد توزعت مهامه الصغيرة على المفتي والمحاكم التابعة له، في حين تولّى [[وزير العدل]] والمحاكم التابعة له المهام الرئيسيَّة والأساسيَّة التي كان يضطلع بها قاضي القضاة، والتي كانت أساس السلطة القضائيَّة في الإسلام.
==أبرز من حمل المنصب==
* [[أبو يوسف|أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري]] (ت [[182 هـ]]). يعتبر أبو يوسف أول من تقلد منصب قاضي القضاة في [[إسلام|الإسلام]]، وذلك بسبب حظوته لدى الخليفة [[هارون الرشيد]] (ت [[193 هـ]]). وقد نظم القضاء فجعل مذهب أستاذه الإمام [[أبو حنيفة (توضيح)|أبي حنيفة]] المذهب الرسمي [[الدولة العباسية|للدولة العباسية]].<ref>كتاب: قاضي القضاة في الإسلام، تأليف: الدكتور عصام محمد شبارو، الناشر: دار النهضة العربية، الطبعة الثانية: 1992م، الفصل الأول، ص: 151.</ref>
* عمر الأزدي (ت [[328 هـ]]) تولى المنصب في عهد [[جعفر المقتدر بالله|المقتدر العباسي]].
* [[أبو السائب الهمذاني]] (ت [[350 هـ]]) كان قاضي القضاة ببغداد سنة [[338 هـ]] واستمر إلى أن توفي، ويعتبر أول من ولي المنصب من الشافعية ببغداد.
* ابن أم شيبان (ت [[369 هـ]]) قاضي القضاة ببغداد، قيل أنه اشترط لما ولي القضاء أن لا يتناول عليه أجرا، وأن لا يقبل شفاعة.
سطر 134:
* [[القاضي عبد الجبار|عبد الجبار الهمذاني المعتزلي]] (ت [[415 هـ]]).
* [[اليازوري]] (ت [[450 هـ]]) أصبح قاض للقضاة سنة [[442 هـ]].
* [[الماوردي|أبو الحسن الماوردي]] (ت [[450 هـ]]). استحدث لقب "[[أقضى القضاة]]" سنة [[429 هـ]]، ويكون صاحبه دون منزلة قاضي القضاة وينوب عنه. وإذا كان [[أبو يوسف]] أول قاضي قضاة في الإسلام، فإن الماوردي كان أول أقضى قضاة في الإسلام.<ref>كتاب: قاضي القضاة في الإسلام، تأليف: الدكتور عصام محمد شبارو، الناشر: دار النهضة العربية، الطبعة الثانية: 1992م، الفصل الخامس، ص: 287.</ref>
* أبو القاسم الزينبي (ت [[543 هـ]]) عينه [[الفضل المسترشد بالله|المسترشد العباسي]].
* عماد الدين أبو صالح الكيلاني (ت [[633 هـ]]) وهو أول قاض للقضاة من الحنابلة.
* [[ابن خلكان|شمس الدين بن خلكان]] (ت [[681 هـ]]) حمل منصب قاضي قضاة الشافعية في دمشق.
* شيخ الإسلام [[عبد الله بن عمر البيضاوي|ناصر الدين البيضاوي]] (ت [[685 هـ]]).
* شيخ الإسلام [[ابن دقيق العيد]] (ت [[702 هـ]]).
* [[علي بن مخلوف]] (ت [[718 هـ]]). قاضي قضاة ال[[مالكية]] ب[[مصر]].
* شيخ الإسلام [[بدر الدين بن جماعة]] (ت [[733 هـ]]).
* [[عز الدين بن جماعة (عالم دين)|عز الدين بن جماعة]] (ت [[767 هـ]]).
* [[تقي الدين الأخنائي]] (ت [[750 هـ]]) قاضي قضاة المالكية بمصر.
* [[عضد الدين الإيجي]] (ت [[756 هـ]]) أصبح قاضياً للقضاة ببلاد الشرق التي كانت تشمل [[الموصل]]، و[[سنجار]]، و[[الجزيرة الفراتية|الجزيرة]]، و[[ديار بكر]]، و[[أورفة|الرها]].
* شيخ الإسلام [[تقي الدين السبكي]] (ت [[756 هـ]]).
* شيخ الإسلام [[تاج الدين السبكي]] (ت [[771 هـ]]) كان قاضي القضاة في دمشق الشام.
سطر 152:
* شيخ الإسلام [[جلال الدين البلقيني]] (ت [[824 هـ]]).
* شيخ الإسلام [[زكريا الأنصاري]] (ت [[926 هـ]]).
* [[جلال الدين الدواني]] (ت [[918 هـ]] أو [[928 هـ]]) قاضي القضاة ب[[فارس]].<ref>{{مرجع ويب|
* [[شهاب الدين الخفاجي]] (ت [[1069 هـ]]).
سطر 163:
===حواشٍ===
* {{هامش|1}}: أدَّت الظروف الاجتماعيَّة إلى زيادة أعباء القاضي، فاضطرَّ إلى التنازل عن بعض مسؤوليَّاته إلى مساعدين تحت سلطته يُعينهم لإنجاز الواجبات التي كانت منوطة به، فكانت وظيفة خليفة القاضي، ومعظم القضاة كانوا خلفاء قضاة. ونتيجة تزايد الأعباء الملقاة على عاتق القاضي، أخذ يُعيّن نوَّابًا عنه لإنجاز جميع الواجبات التي كانت منوطة به؛ وهي: أمين بيت المال، والمُشرف على إدارة أملاك اليتامى والأوقاف، والوصي على أولئك فاقدين الأهليَّة، وإمام [[خطبة الجمعة]]... وكان يُساعد القاضي أيضًا الكاتب لتدوين قرارات الحكم وتسجيل أقوال الشهود، ويُسمَّى كاتب القاضي "كاتب أحكام" ويُشترط أن يكون عالمًا بالحلال والحرام والاختلاف والإحتجاج والإجماع والأصول والفروع. وكان للقاضي أيضًا خدم يُساعدونه. وكان القاضي يمنح ثقة تامَّة وافية للشهادة، لذلك يُصدر قائمة بأشخاص تكون أمانتهم مشهودًا بها في مفهوم العدالة، فيُسمى الواحد منهم الشاهد العدل. أمَّا وكيل الدعاوي أو وكيل الحكم فهو موظف مهمته الحضور أمام القضاة وكالةً من أحد المتخاصمين الذين لم تتيسر لهم معرفة أحكام الشريعة أو لم تكن أعمالهم تسمح لهم بذلك.
* {{هامش|2}}: [[الأفشين حيدر بن كاوس|أبو الحسن حيدر بن كاوس]] المُلقَّب [[أفشين|بالأفشين]]، أصله من [[أشروسنة]]، وهو من أعاظم القادة العسكريين في الدولة العبَّاسيَّة، وهو الذي أخمد ثورة [[بابك الخرمي]]. اعتقله الخليفة [[المعتصم بالله]] في سنة [[225 هـ|225هـ]] واتُهم بالخيانة وحوكم، ثمَّ أُخرِجَ ميتًا، فصُلِب بباب العامَّة في سنة [[226 هـ|226هـ]]. وكان طاغية، لجوجًا، شديد الغربة.
* {{هامش|3}}: كانت [[قلنسوة (توضيح)|القلنسوة]] تعتبر مظهرًا من مظاهر الرجولة عند [[عرب|العرب]]. وتفنن الناس في شكل القلنسوة ومادتها، فسُميت أحيانًا بالدنيَّة لأنها مستديرة تشبه الدن في شكلها، وسُميت بالطويلة عندما تكون القلنسوة طويلة وعالية، كما سُميت بالطاقيَّة لأنها تطوّق الرأس وتُمسك به. واستُخدم في صناعة القلنسوة الكاغد و[[قصب (توضيح)|القصب]] أو السمَّور. وأشهرها القلانس الرصافيَّة والقلانس السود الشاشيَّة والقلانس المكيَّة. أمَّا الطيلسان فهو قطعة من القماش بشكل نصف دائرة أو مربَّع يُجعل على الرأس فوق القلنسوة ويُغطى به أكثر الوجه ثمَّ يُدار طرفان منه تحت الفم إلى أن يُحيط بالرقبة وطرفاه الآخران يسبلان على الظهر. والطرحة عِبارة عن قطعة من الشاش الموصلّي، أو جزء من الشال، الذي ينساب إلى خلف الرأس بعد أن يكون قد التف عدَّة مرَّات حول القلنسوة أو العمامة، وهذا النوع من الخِمار يقف بارتفاع الكتفين ويُحدث تأثيرًا جميلًا في هيئة من يرتديه، ويكون أحيانًا مطرَّزًا أو مُرصَّعًا بالذهب في حواشيه. والبركان هو نوعٌ غليظ من القماش أو رداء مصنوع من هذا القماش، أمَّا الفوقانيَّة فهي الجبَّة ولم يكن يلبسها إلّا القضاة.
* {{هامش|4}}: لا يزال رئيس المحاكم الشرعيَّة في [[الأردن]] يُعرف باسم "قاضي القضاة"، وهو يرأس دائرة خاصَّة تُعرف باسم دائرة قاضي القضاة، وقد أنشأت هذه الدائرة مع تشكيل أول حكومة مدنية بعد تأسيس الدولة عام [[1921]]م. وتتولى الدائرة الإشراف على محكمتيّ القدس والاستئناف الشرعيتين في [[القدس]]. فقاضي القضاة بهذا يتولّى معالجة قضايا الأحوال الشخصيَّة أيضًا وإن حمل ذات الاسم الذي حمله أسلافه في عهد [[خلافة إسلامية|الخلافة الإسلاميَّة]].
|