أهل السنة والجماعة: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط استرجاع تعديلات 197.54.37.70 (نقاش) حتى آخر نسخة بواسطة شيماء
وسم: استرجاع
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:إزالة تصنيف عام (3.5) إزالة تصنيف:طوائف إسلامية لوجود (تصنيف:أهل السنة والجماعة))
سطر 15:
| تقارب =
}}
'''أهل السُّنَّة والجماعة''' هم أكبر مجموعة دينية من [[الإسلامإسلام|المسلمين]] في معظم الفترات من تاريخ الإسلام، وينتسب إليهم غالبية المسلمين،<ref name="PEW2009"/> ويُعرِّف بهم علماؤهم أنهم هم المجتمعون على اتباع منهج السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل. ولم تكن هذه التسمية مصطلحا متعارفا عليه في بداية [[تاريخ إسلامي|التاريخ الإسلامي]] حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق، وإنما ظهرت هذه التسمية تدريجياً بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، وكان لقب أهل السنة يطلق على أهل العلم من أئمة [[صحابة|الصحابة]] ومن تبع طريقتهم المسلوكة في الدين، حيث ورد في مقدمة [[صحيح مسلم]] عن [[محمد بن سيرين|ابن سيرين]] أنه لما وقعت [[فتنة مقتل عثمان|أحداث مقتل الخليفة عثمان بن عفان]]، والتي يشير إليها باسم "الفتنة" أنه قال: {{اقتباس مضمن|لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم}}،<ref name="صحيح مسلم">{{مرجع ويب
| المسار = https://ar.wikisource.org/wiki/صحيح_مسلم/المقدمة#باب%20بيان%20أن%20الإسناد%20من%20الدين%20وأن%20الرواية%20لا%20تكون%20إلا%20عن%20الثقات| العنوان= صحيح مسلم/المقدمة - ويكي مصدر|الموقع= ar.wikisource.org|اللغة= ar|تاريخ الوصول= 2018-05-27| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20150522173346/http://ar.wikisource.org/wiki/صحيح_مسلم/المقدمة | تاريخ الأرشيف = 22 مايو 2015 }}</ref>
فالأئمة في الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان هم أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين باعتبار أن طريقتهم التي كانوا عليها قائمة على اتباع منهاج الهدي النبوي حيث نقلوا علم الدين بعمومه، واستند عليه علمهم فيما بينوه وفيما استنبطوه وفق أصول الشريعة.
سطر 25:
| تاريخ الوصول = 2018-05-27| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20181003085819/https://ar.wikisource.org/wiki/مقدمة_ابن_خلدون_-_الجزء_الخامس | تاريخ الأرشيف = 3 أكتوبر 2018 }}</ref>
 
بعد القرن الهجري الثاني بحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره أن جماعة من السلف تعلقوا بظواهر نصوص متشابهة وبالغوا في إثبات الصفات فوقعوا في التجسيم، وبالمقابل فأن المعتزلة بالغوا في التنزيه فأنكروا صفات ثابتة، وأما أهل السنة حينها فكان منهم جماعة مثل: [[أحمد بن حنبل]] و[[داود الظاهري|داود بن علي الأصفهاني]] وآخرون أخذوا بمنهج المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث ك[[مالك بن أنس]] وغيره فقالوا في النصوص المتشابهة: نؤمن بها كما هي ولا نتعرض لتأويلها، وكان جماعة من أهل السنة في عصر السلف أيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية.
بعد حدوث بدعة المعتزلة والمشبهة وغيرها وانتشار مقولاتهم في أواخر عصر السلف بحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره قام [[أبو الحسن الأشعري]] و[[أبو منصور الماتريدي]] بإيضاح عقائد السلف من أهل السنة ودفع الشبه عنها وتأييدها بالأدلة العقلية والنقلية بمناهج كلامية وكتبا عن مقالات الفِرق،<ref>الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص93.</ref><ref name="تاريخ ابن خلدون"/> فكان من ذلك تمايز هذه الفِرق التي كتب العلماء عنها في "كتب الفِرق" جلها في القرن الرابع الهجري ومنهم [[عبد القاهر البغدادي]] من فقهاء [[شافعية|المذهب الشافعي]] في كتابه: "[[الفرق بين الفرق (كتاب)|الفَرق بين الفِرق]]"، ذكر فيه أهل السنة والجماعة هي الفِرقة الثالثة والسبعون وأنهم جماعة واحدة من فريقي الرأي والحديث، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا،<ref name="الفرق•"/> وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفِرق.<ref name="الفرق2">{{مرجع كتاب|المؤلف1=عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور|وصلة المؤلف1=عبد القاهر البغدادي|العنوان=الفرق بين الفرق الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب في كيفية افتراق الأمة ثلاثا وسبعين، الفصل الأول: في بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة في اسم ملة الإسلام على الجملة|الناشر=دار الآفاق الجديدة|المكان=بيروت|السنة=1977م|الصفحات=19 و20|تاريخ الوصول=27/ [[رجب]]/ [[1439 هـ]]}}</ref>
 
والسُّنة [[تعريف لغوي|لغةً]] الطريقة والسيرة،<ref name="الصحاح">{{مرجع كتاب|المؤلف=|العنوان=مختار الصحاح حرف السين (سنن)|المسار=http://library.islamweb.net/NewLibrary/display_book.php?idfrom=1511&idto=1511&bk_no=125&ID=1506}}</ref> وتكون بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين، أو المثال المتبع والإمام المؤتم به،<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة آل عمران، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}}، ج7، ص231 و232، دار المعارف.</ref> أو في مقابل البدعة،<ref name="الموافقات">{{مرجع كتاب|المؤلف=الشاطبي|العنوان=الموافقات، الدليل الثاني: (السنة)، ج4|الصفحات=289 وما بعدها|الناشر=|السنة=1412 هـ/ 1992م}}</ref><ref name="الشوكاني">{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن علي بن محمد الشوكاني|العنوان=إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، المقصد الثاني في السنة، البحث الأول: معنى السنة لغة وشرعا، ج1|الصفحة=128 وما بعدها}}</ref> ويختلف معنى السنة عند علماء الشريعة بحسب المقصود منها.<ref name="ابن منظور">{{مرجع كتاب|المؤلف1=أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور|وصلة المؤلف1=ابن منظور|العنوان=لسان العرب، ج7 حرف السين (سنن)|الناشر=دار صادر|السنة=2003م|الصفحة=280 و281|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الآخر|ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref> قال [[الإماممحمد بن إدريس الشافعي|الشافعي]]: {{اقتباس مضمن|إطلاق السنة يتناول سنة [[محمد رسول الله|رسول الله]] صلى الله عليه وسلم}}.<ref>أصول السرخسي، ص113 و114.</ref> وسنة الرسول منهج لكل المسلمين، فهو إمام الأمة وأولى الناس بأمته ومعلمهم الأول، والمقصود بالسنة التي دلت نصوص الشرع على لزومها ووجوب اتباعها هي الطريقة النبوية المشار إليها في النصوص إشارة نوعية لا شخصية،<ref name="ابن حجر">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: 6847|الصفحة=263 وما بعدها}}</ref> قال العيني: السُّنَّة: {{اقتباس مضمن|طريقة النبي صلى الله عليه وسلم}}<ref name="العيني">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين العنتابي الحنفي بدر الدين العينى|وصلة المؤلف1=بدر الدين العيني|العنوان=عمدة القاري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6847)، ج25|الصفحات=39 و40|الناشر=دار الكتب العلمية|المكان=بيروت لبنان|المسار=https://books.google.com/books?id=KMlHCwAAQBAJ&pg=PT36&lpg=PT36&dq=هذه+السنة+إشارة+إلى+طريقة+النبي+إشارة+نوعية&source=bl&ots=MH8U6yVFlY&sig=AI-pNgh0VWEOu0dHOgDkzoAMiOE&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiFuuW6g5XUAhUBPRoKHZYBBqQQ6AEITjAM#v=onepage&q=هذه%20السنة%20إشارة%20إلى%20طريقة%20النبي%20إشارة%20نوعية&f=false|تاريخ الوصول=15/ [[شعبان]]/ [[1439 هـ]]}}</ref><ref name="عون*">{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد شمس الحق العظيم آبادي|العنوان=عون المعبود، كتاب السنة، باب لزوم السنة حديث رقم: (4612)|الصفحات=286|الناشر=دار الفكر|السنة=1415 هـ/ 1995م}}</ref> وسنته طريقته في الدين وسبيله إلى الله وعلمه ومنهجه وهديه الذي كان عليه هو [[الصحابةصحابة|وأصحابه]]، فإنهم أخذوا عنه علم الدين واهتدوا بهديه وكانوا من بعده قدوة للأمة، فالسنة هي الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها هو وأصحابه والخلفاء الراشدون من بعده في الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وهذه الطريقة عند أئمة أهل السنة والجماعة هي المثال المتبع في الدين، الذي كان عليه الخلفاء الراشدون وأئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فيشمل سنة [[الخلفاء الراشدون|الخلفاء الراشدين]] ومن سار سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام فإنهم خلفاؤه من بعده المبلغون عنه الحاملون لهديه، واتباع طريقتهم في الدين عند الاختلاف هو اتباع لطريقته في الرجوع إليهم فيما أشكل من الأمور، واتباعهم فيما اجتهدوا فيه واجتمعوا عليه بعد عصر النبوة، لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهادا مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم؛ فإن إجماعهم إجماع.<ref name="الموافقات"/>
ويدخل كل ما حدث منهم مثل جمع القرآن في مصحف واحد وتدوين الدواوين وكتب العلم وغير ذلك من الأمور لكونها موافقة لأصول الدين وإن أحدثت بعد عصر النبوة.<ref name="السندي°">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو الحسن الحنفي الشهير بالسندي|العنوان=حاشية السندي على سنن ابن ماجه كتاب المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، باب من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا وهو يرى أنه كذب. رقم الحديث: (42)|الناشر=دار الجيل|الصفحات=19 وما بعدها}}</ref> قال الله تعالى: {{قرآن|من يطع الرسول فقد أطاع الله..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 80|الآية]]}} وقال تعالى: {{قرآن|يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 59|الآية]]}}.
 
فالسنة عند أئمة أهل السنة والجماعة هي هذه الطريقة المأمور في الشرع باتباعها على أساس أن اتباع هؤلاء الأئمة قائم على اتباع هدي النبوة الذي هو سبيل الاهتداء إلى الصراط المستقيم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن جرير الطبري|وصلة المؤلف1=أبو جعفر الطبري|العنوان=تفسير ابن جرير الطبري، سورة الأنعام آية: (153)، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.}}|الناشر=دار المعارف|الصفحات=128 وما بعدها|تاريخ الوصول=27/ [[رجب]]/ [[1439 هـ]]}}</ref> والمتفقون على هذه الطريقة هم الجماعة وهم أهل العلم الشرعي.<ref name="ابن الملقن">التوضيح لشرح الجامع الصحيح، ل[[ابن الملقن]]، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول الله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا ج33، ص126 و127.</ref> والجماعة في هذه التسمة تشير إلى جماعة أهل السنة والجماعة من معنى الاجتماع على هذه الطريقة. وقد جاء في الحديث الأمر باتباع السنة واجتناب البدعة، وأهل السنة والجماعة يفسرون البدعة بمعناها الشرعي بأنها البدعة في الدين التي لا أصل لها في الشريعة، وهي التي ورد في الشرع ذمها ووصف صاحبها بالضلال والموعود عليها بالنار،<ref>سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، ج5 حديث رقم: (2676)</ref> وهي عندهم تشمل صنوف البدع التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من التاريخ الإسلامي، مثل: بدع الخوارج ومن تبعهم والقدرية والمجسمة وغيرهم، وكانت أول [[بدعة]] ظهرت في [[إسلام|الإسلام]] فتنة الخوارج الذين انشقوا عن جماعة المسلمين وأعلنوا خروجهم عن [[علي بن أبي طالب]]، وغالوا في الوعيد فقالوا بتكفير العصاة وتخليدهم في النار، واتخذوا من تكفير المسلمين مبررا للخروج على ولاة الأمر واستباحوا بذلك دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم بغير حق، وقصروا الإيمان على جماعتهم، وتشعبت منهم فرق كثيرة.<ref name="ابن كثير"/>
وأهل السنة والجماعة هم السواد الأعظم من أهل العلم الشرعي أصحاب المذاهب الفقهية الأئمة المجتهدون وعلماء الشريعة عبر التاريخ الإسلامي، ويدخل فيهم من سواهم ممن تبعهم ووافقهم من [[مسلم|المسلمين]]،<ref name="الفتح°">فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله تعالى: {{قرآن|وكذلك جعلناكم أمة وسطا..}} وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وهم أهل العلم، حديث رقم: (6917)، ص328 و329</ref> واستقر الفقه عندهم في عصور المتأخرين على تقليد [[مذهب (فقه)|المذاهب الأربعة]] في الأمصار وعمل كل فقلد بمذهب من قلده، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على قول واحد في أصول الاعتقاد، وعلى صحة خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل: [[أبو بكر الصديق|أبو بكر]] [[عمر بن الخطاب|وعمر]] [[عثمان بن عفان|وعثمان]] [[علي بن أبي طالب|وعلي]]، ويؤمنون بعدالة كل ال[[صحابة]]، وبوجوب السكوت عما جرى بين الصحابة، وإثبات أجر الاجتهاد لهم، ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه، واتفقوا على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم جواز الخروج عليهم.<ref name="ابن رجب"/> وإن كانوا عصاة، قال النووي: {{اقتباس مضمن|وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين}}.<ref name="النواوي"/>
 
== التسمية ==
[[ملف:Allah-green.svg|تصغير|يسار|رسم '''لفظ الجلالة'''|مركز]]
أهل السنة والجماعة لقب جرى استعماله منذ فترات متقدمة من تاريخ الإسلام للدلالة على أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث ومن تبعهم وسار على طريقتهم،
ولم يكن لقب أهل السنة والجماعة اصطلاحا متعارفا عليه في بداية [[تاريخ إسلامي|التاريخ الإسلامي]]، حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق بين المسلمين، فلم يكونوا بحاجة لتسمية تميزهم حيث لم يكونوا متفرقين ولا مختلفين في أصول الدين وكلياته، وإن وقع اختلاف بين الأئمة المجتهدين في غير ذلك من المسائل [[علم فروع الفقه|الفرعية]] فهو أمر أقره الشرع، وغالبا ما كان ينتهي بالإجماع، وكلهم مجتمعون على هدي النبوة، وكان يطلق على عموم المؤمنين بدين الإسلام اسم: «[[مسلمونمسلم|المسلمين]]» أو أهل الإسلام، وكان يطلق على الأئمة منهم أهل العلم أو القراء أي: المتعلمون أو الفقهاء بمعنى علماء الدين، وإنما بدأت التسمية تظهر تدريجيا بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، فالأمة الإسلامية أمة واحدة منذ نشأتها وهذا ما أكده الله في القرآن بقوله: {{قرآن|وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}}،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=القرطبي|العنوان=تفسير القرطبي، سورة المؤمنون، آية: (52)، قوله تعالى: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون|المسار=http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/qortobi/sura23-aya52.html|تاريخ الوصول=سبتمبر 2017}}</ref> وقوله تعالى: {{قرآن|وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}}. وصراط الله المستقيم طريق دين الإسلام الذي لا اعوجاج فيه، والسبل المتفرقة طرق الضلال.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن جرير الطبري|العنوان=تفسير الطبري سورة الأنعام آية: (153)|المسار=http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura6-aya153.html|تاريخ الوصول=أكتوبر 2017}}</ref>
 
وأصل التسمية قبل أن تكون لقبا متعارفا عليه قد جرى استعمالها عند أئمة أهل السنة في عصر السلف، حيث كانوا يستعملون عبارة: أهل السنة بمعنى: أصحاب الطريقة المتبعة في الدين وهم الأئمة أهل العلم الشرعي الذي يحمله من كل خلف عدوله، وكانوا يستعملون كلمة: السنة بمعنى العلم في الدين عموما، فيقولون مثلا: فلان أعلمهم بالسنة، والمقصود من هذا هو العلم بالشريعة، ولما وقعت الفتنة التي ظهرت أحداثها بالخروج على الخليفة [[عثمان بن عفان]] ثالث الخلفاء وأدت إلى مقتله بدء ظهور استعمال تسمية أهل السنة في تلك الفترة، وبحسب ما جاء عن [[محمد بن سيرين|ابن سيرين]] أن لقب أهل السنة يراد به أئمة علماء الدين وحملة الشريعة، تمييزا لهم عن المخالفين لهم، وكان سبب ذلك أن وقوع تلك الفتنة المشار إليها حمل ظواهر غريبة تمثلت فيمن انتسب إلى علم الشريعة من غير أهلها، وجرى استنكار ذلك ووضع شروط معينة لنقل ورواية الحديث من أهمها الإسناد والعدالة، ففي صحيح مسلم: عن محمد بن سيرين قال: {{اقتباس مضمن|إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم}}
عن [[محمد بن سيرين|ابن سيرين]] قال: {{اقتباس مضمن|لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم}}.<ref>شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، مقدمة الكتاب، باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة،
ج1 ص84، دار الخير، سنة: 1416 هـ/ 1996م.، سنن الدارمي ج1 ص112.</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني|المؤلف2=أبو زكريا يحيى بن شرف النووي|وصلة المؤلف1=شهاب الدين القسطلاني|وصلة المؤلف2=|العنوان=إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج1، بحاشيته كتاب شرح النووي على صحيح مسلم|الصفحة=ص112|المسار=https://books.google.com/books?id=AgNLCwAAQBAJ&pg=PT93&dq=ابن+سيرين+لم+يكونوا+يسألون+عن+الإسناد+شرح+النووي+على+مسلم&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwjatZOSgfzaAhWQa1AKHXpPAdkQ6AEINDAF#v=onepage&q=ابن%20سيرين%20لم%20يكونوا%20يسألون%20عن%20الإسناد%20شرح%20النووي%20على%20مسلم&f=false|الطبعة=السابعة|الناشر=المطبعة الأميرية الكبرى|المكان=ببولاق مصر المحمية|السنة=1323 هجرية}}</ref>
وفي رواية للترمذي في العلل:
عن ابن سيرين قال: {{اقتباس مضمن|كان في الزمان الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد، لكي يأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع}}.<ref>شرح علل الترمذي، لابن رجب الحنبلي، بدء التفتيش عن الإسناد، ج1 ص122.</ref> روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {{حديث|يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم}}".<ref>شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، مقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها، الحديث رقم: (7)، ج1، ص76، دار الخير، سنة النشر: 1416 هـ/ 1996م.</ref> فالسنة التي جاءت في كلامه بمعنى الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها الخلفاء الراشدون والأئمة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان في الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وأهل السنة هم أهل العلم في الدين رواية ودراية، فالرواية نقل نصوص القرآن والحديث وأقوال الأئمة، والدرية العلم في الدين، فأهل السنة يراد بهم أهل العلم المشتمل على الرواية والدراية معا، وقد ذكر ابن سيرين أهل السنة في مقابل أهل البدعة، وأهل السنة كانوا في حينها يفسرون أهل البدعة بأنه يشمل جميع أهل الزيغ والأهواء الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه مما لا أصل له في الشريعة، كالخوارج والقدرية وغيرهم من الفرق التي ظهرت في العصور السابقة، فإنهم تكلموا في الدين بأهوائهم، روى البخاري في صحيحه تعليقا في وصف الخوارج ما نصه: {{اقتباس مضمن|وكان [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] يراهم شرار خلق الله وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين}}.<ref>فتح الباري شرح صحيح البخاري، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ص296 وما بعدها، حديث رقم: (6531)]، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى: {{قرآن|وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون}}، وكان [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين.</ref>
 
من المهم جدا معرفة الألفاظ المستعملة عند أئمة السلف، ففي عبارة ابن سيرين عند قوله: {{اقتباس مضمن|حديث أهل السنة}} تفيد أن رواية الحديث لم تكن مقصورة على أهل السنة، بل إن من وصفهم بالبدعة كذلك يروون الحديث، وأن الحديث جزء من تعريف أهل السنة، إذ المراد بهم أهل العلم الشرعي، وهو ما دلت عليه نصوص أئمة السلف من أنهم لا يقصدون بأهل السنة رواة الحديث، بل يقصدون بذلك أهل العلم المشتمل على رواية الحديث.
 
كان أئمة الصحابة والتابعين لهم ومن تبعهم بإحسان مرجعا للمسلمين بعد عصر النبوة في أمور الدين، من حيث أنهم نقلوا الدين وعلم الشريعة بعمومه، فلا يقتصر علمهم على النقل فقط بل يشمل كل ما نقلوه وتعلموه وما اختصوا به من المعرفة بتفسير الدين وفهم الشريعة واستنباط الأحكام الفقهية لما لديهم من أهلية الاجتهاد ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغير ذلك ولكونهم أعلم من غيرهم بالشريعة، وقد جاء عن أئمة أهل السنة في عصر السلف أنهم كانوا يسمون هؤلاء الأئمة بـ أهل السنة أي: أصحاب الطريقة المسلوكة في الدين التي كانوا عليها من الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وهذه الطريقة عندهم قائمة على اتباع منهاج النبوة من حيث أنهم نقلوا علم الدين وفهموه واستنبطوا منه، و[[صحابة|الصحابة]] لم يكونوا كلهم أهل فتيا، بل كان مختصا بعلماء الشريعة منهم الذين تخصصوا منذ عصر النبوة للعلم في الدين، وكان يطلق عليهم في صدر الإسلام لقب: القراء أي: المتعلمين، وكان المتعلم منهم يقال له قارئ، وبعد انتشار التعليم أصبح يطلق عليهم: الفقهاء أي: أئمة الدين وعلماء الشريعة، وبحسب ما ذكر ابن خلدون أن لقب القراء كان يطلق في صدر الإسلام على المختصين بعلم الشريعة، وبعد توسع التعليم وتمكن الاستنباط الفقهي عند الأئمة المجتهدين حيث أصبح الفقه صناعة وعلما بدلوا لقب: القراء باسم: الفقهاء والعلماء.<ref name="ابن خلدون°"/> وانتقل فقه الأئمة المجتهدين من الصحابة والتابعين إلى الأئمة المجتهدين من بعدهم، وصار الفقيه لقبا لأئمة المذاهب الفقهية، ثم اشتهر من ذلك طريقتان للمنهج الفقهي حسب ما ذكر [[ابن خلدون]] هما: منهج فقهاء [[أهل الرأي]] والقياس في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه [[أبو حنيفة النعمان|أبو حنيفة]]، ومنهج فقهاء [[أهل الحديث]] في الحجاز وإمامهم [[مالك بن أنس]] [[محمد بن إدريس الشافعي|والشافعي]] من بعده.<ref name="ابن خلدون°"/> ثم إن الإمام الشافعي وضع [[أصول الفقه|علم أصول الفقه]] في كتابه: الرسالة وجمع بين الطريقتين، والفرق بينهما أن طريقة أهل الرأي توسعوا في القياس أكثر، وهاتان الطريقتان هما اللتان اشتهرتا بعد ذلك عند فقهاء أهل السنة، باعتبار أنه منهج فقهي.
 
بعد تمايز الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام وكشف مقولاتها في عصر المتقدمين جمع العلماء مخالفات هذه الفرق وبينوا مسمياتهم ومقولاتهم، وحصروا عدد تلك الفرق ودونوا تواريخها وجمعوها في كتب الفرق، وذكر في كتاب الفرق بين الفرق أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الثالثة والسبعون من فريقي [[أهل الرأي|الرأي]] [[أهل الحديث|والحديث]]،<ref group="°">أهل الرأي وأهل الحديث يقصد بهما: الفقهاء من أصحاب الطريقتن.</ref> وكان منهم أئمة القراء والمحدثون والفقهاء وأهل النظر، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على هذه الأصول وبينوها ودونوها وأخذها عنهم المتأخرون، واختلاف الأئمة المجتهدين في [[علم فروع الفقه|فروع الأحكام]] لا يدخل في هذا التفرق بالاتفاق، ولا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وبحسب ما جاء في كلامه أن هذه التسمية كانت تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفرق المخالفة لهم في أصول الدين.<ref name="الفرق2"/>
 
== مفهوم كلمة السنة ==
سطر 63:
{{بيت|كأني سننت الحب أول عاشق|من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي}}
{{نهاية قصيدة}}
وقد تكرر في [[حديث نبوي|الحديث]] ذكر كلمة: «السُنَّة» وما تصرف منها، والأصل فيه أنها بمعنى: الطريقة والسيرة، وقال [[ابن منظور]]: «وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي {{صلى الله عليه وسلم}}، ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به [[القرآن الكريم|الكتاب العزيز]]؛ ولهذا يقال: في أدلة الشرع: الكتاب والسنة أي: القرآن والحديث».<ref name="ابن منظور"/> ومما يدل على هذا حديث: «إنما أنسى لأسن» أي: إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان، قال: ويجوز أن يكون من سننت [[جمل|الإبل]] إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها، وفي الحديث: «أنه نزل المحصب ولم يسنه» أي: لم يجعله سنة يعمل بها. قال في التهذيب: السنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة، معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذة من السنن وهو الطريق. قال أبو عبيد: سنن الطريق وسننه محجته، وتنح عن سنن الجبل أي عن وجهه، وقال الجوهري: السنن الطريقة يقال: استقام فلان على سنن واحد.<ref name="ابن منظور"/>
 
قال الآمدي: السنة في اللغة: الطريقة، فسنة كل أحد ما عهدت منه المحافظة عليه والإكثار منه، سواء كان ذلك من الأمور الحميدة أو غيرها.<ref name="الإحكام">{{مرجع كتاب|المؤلف=سيف الدين الآمدي|العنوان=كتاب الإحكام في أصول الأحكام القاعدة الثانية في بيان الدليل الشرعي وأقسامه وما يتعلق به من أحكامه القسم الأول فيما يجب العمل به مما يسمى دليلا شرعيا، الأصل الثاني في السنة، الجزء الأول|الصفحة=169}}</ref> قال في شرح الكوكب المنير: {{اقتباس مضمن|ومنه قوله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها..}} الحديث}}. وتسمى بها أيضا: العادة والسيرة، قال في البدر المنير: السنة السيرة حميدة كانت أو ذميمة، وقال في القاموس: السنة السيرة، ومن الله تعالى حكمه وأمره ونهيه.<ref name="الفتوحي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=تقي الدين أبو البقاء الفتوحي|العنوان=شرح الكوكب المنير، باب في السنة|الناشر=مطبعة السنة المحمدية|الإصدار=د.ط د.ت|الصفحة=210 إلى 212|تاريخ الوصول=27/ [[المحرم]]/ 1437 هـ}}</ref>
سطر 70:
تستعمل كلمة: «السُنَّة» وما تصرف منها بالمعنى الشرعي لمعان متعددة عند علماء الشريعة الإسلامية على اختلاف مجالات العلوم الشرعية بحسب المقصود منها في كل علم، قال الشافعي: {{اقتباس مضمن|إطلاق السنة يتناول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم}}.<ref>أصول السرخسي ص113 و114.</ref>
 
فتطلق السُنَّة عند علماء الفقه على: «ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي عليه السلام»، وتطلق تارة على [[المندوب]] أو المستحب الذي يقابل [[فرض|الفرض]] وغيره من الأحكام الخمسة.
 
السنة عند المحدثين هي: {{اقتباس مضمن|ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلقية سواء كان قبل البعثة أو بعدها}}.<ref>شرح مختصر ابن الحاجب، عضد الدين الأيجي، ج2 ص290</ref> فهو بمعنى: نقل ورواية ما أثر من الأقوال والأفعال والإقرار والرواية حقيقة أو حكما، ويشمل سيرته وصفاتة الخلقية والخلقية وحركاته وسكناته في اليقظة وفي المنام قبل البعثة وبعدها.
 
السنة عند علماء [[أصول الفقه]] هي: {{اقتباس مضمن|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وفعله وإقراره}}، قال تقي الدين الفتوحي في تعريف السنة في اصطلاح علماء [[أصول الفقه]] هي: {{اقتباس مضمن|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} غير الوحي أي: غير القرآن}}.<ref name="الفتوحي"/> أو: {{اقتباس مضمن|ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو، ولا هو معجز ولا داخل في المعجز}}، وهذا النوع هو المقصود بالبيان في [[أصول الفقه|علم أصول الفقه]]. قال سيف الدين الآمدي: {{اقتباس مضمن|ويدخل في ذلك أقوال النبي عليه السلام، وأفعاله وتقاريره}}. والأقوال تشمل ال[[أمر (الإسلام)|أمر]] وال[[نهي]] والتخيير والخبر وجهات دلالتها ضمن الأدلة المنقولة الشرعية.<ref name="الإحكام"/>
 
قال تقي الدين الفتوحي: {{اقتباس مضمن|السنة شرعا واصطلاحا: «قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وفعله وإقراره على الشيء»، يقال أو يفعل، فإذا سمع النبي {{صلى الله عليه وسلم}} إنسانا يقول شيئا، أو رآه يفعل شيئا فأقره عليه فهو من السنة قطعا}}، وقال أيضا: {{اقتباس مضمن|والمراد من أقوال النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وأفعاله: ما لم يكن على وجه الإعجاز}}.<ref name="الفتوحي"/>
سطر 80:
وتطلق السنة عند علماء العقيدة علي {{اقتباس مضمن|هدي النبي صلي الله عليه وسلم في أصول الدين وما كان عليه من العلم والعمل والهدي}}.
 
وتطلق السنة في العرف الشرعي العام على كل ما هو منقول من السنة النبوية أو عن الصحابة والتابعين، قال تقي الدين الفتوحي: «واحترز بقوله: «اصطلاحا» من السنة في العرف الشرعي العام، فإنها تطلق على ما هو أعم من المنقول عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وعن [[صحابة|الصحابة]] والتابعين؛ لأنها في اصطلاح علماء الأصول: {{اقتباس مضمن|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} غير الوحي أي: غير القرآن}}.<ref name="الفتوحي"/>
 
تستعمل كلمة: «السنة» في العرف الشرعي العام بمعنى الطريقة، قال [[ابن حجر العسقلاني|ابن حجر]]: «قوله ‹هذه السنة›: أشار إلى طريقة النبي {{صلى الله عليه وسلم}}
سطر 86:
وقد تستعمل في العرف الشرعي العام بمعنى الدين كله باعتبار أنه مبلغ الدين عن الله وكل ما جاء بطريق الوحي لا يعلم إلا من جهته، فسنته هديه وطريقته وسبيله إلى الله وهي دعوتة التي دعى إليها والطريقة التي كان عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته.<ref>تفسير ابن جرير الطبري، تفسير سورة يوسف، آية: 108، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}}. (108)، ج16 ص291 و292.</ref>
 
والسنة عند أئمة السلف الصالح هي العلم في الدين، قال ابن حجر العسقلاني: قال [[عبد الرحمن الأوزاعي|الأوزاعي]]: «العلم ما جاء عن أصحاب رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وما لم يجئ عنهم فليس بعلم». وأخرج أبو عبيد ويعقوب بن شيبة عن [[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]] قال: «لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد {{صلى الله عليه وسلم}} وأكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا». وقال أبو عبيدة معناه أن كل ما جاء عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث، وما أحدثه من جاء بعدهم هو المذموم، وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي. وعن أحمد: «يؤخذ العلم عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} ثم عن الصحابة، فإن لم يكن فهو في التابعين مخير». وعنه: «ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة وما جاء عن غيرهم من الصحابة ممن قال إنه سنة لم أدفعه». وعن [[عبد الله بن المبارك|ابن المبارك]]: «ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر». قال ابن حجر: والحاصل أن الرأي إن كان مستندا للنقل من الكتاب أو السنة فهو محمود وإن تجرد عن علم فهو مذموم، وعليه يدل حديث عبد الله بن عمرو المذكور، فإنه ذكر بعد فقد العلم أن الجهال يفتون برأيهم.<ref name="العسقلاني">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما كان النبي {{صلى الله عليه وسلم}} يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري. حديث رقم: (6879)|الناشر=دارالريان للتراث|السنة= 1407 هـ/ 1986م}}</ref>
 
=== السنة المأمور باتباعها ===
سطر 102:
قد تطلق السنة شرعا على ما يقابل البدعة، وقد جاء في نصوص الشرع الأمر باتباع السنة ولزومها في مقابل النهي عن الابتداع والتحذير من البدع، والسنة المتبعة في مقابل البدع المستحدثة والهدى في مقابل الضلال، وقد كان أئمة السنة من السلف المتقدمين يفسرون السنة [[أهل السنة والجماعة#السنة المأمور باتباعها|بمعناها المتكامل]]، ويجعلونها في مقابل البدعة بمعناها الشرعي وهي: البدعة المستحدثة في الدين المعارضة للسنة والمضادة للشريعة التي تخالف أصول الدين وقواعدة وليس لها أصل في الشريعة وليست من الدين أصلا والموصوف صاحبها بالضلال عن الصراط المستقيم الموعود عليها بالعقوبة في الآخرة، وهي عند أهل السنة والجماعة شاملة لجميع صنوف البدع والأهواء المضلة التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من تاريخ الإسلام والتي كان أولها بدع الخوارج والفرق المتفرعة منها كالقدرية وغيرها، ويستندون في هذا إلى النصوص الشرعية المنقولة في تفرق الأمة وصفات الخوارج ووقوع الفتن.
 
أخرج [[أبو عيسى محمد الترمذي|الترمذي]] في سننه: «عن العرباض بن سارية قال وعظنا رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} يوما بعد [[صلاة الفجر|صلاة الغداة]] موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله! قال: {{حديث|أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم؛ ير اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة [[الخلفاء الراشدون|الخلفاء الراشدين]] المهديين عضوا عليها بالنواجذ}}».<ref name="الترمذي1">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عيسى بن سورة الترمذي|وصلة المؤلف1=الترمذي|العنوان=سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الجزء الخامس حديث رقم: (2676)|الناشر= دار الكتب العلمية|الصفحة=43، 44|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الآخر|ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref> وأخرجه الحاكم: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..}}.<ref name="المستدرك"/><ref>ورواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وزاد في حديثه: {{اقتباس مضمن|فقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك}}.</ref> وفي هذا الحديث دلالة على خصائص النبوة بما تضمن من جوامع الكلم، وفيه معجزة دالة على صدق النبوة في الإخبار بما سيكون من الابتداع في الدين المؤدي إلى الاختلاف والتنازع والتفرق، وإخبار الصحابة بأن من يعش منهم؛ فسيرى اختلافا كثيرا في الدين بظهور المحدثات المخالفة لأصول الدين وقواعده وليس لها أصل في الشريعة،
 
وأئمة أهل السنة في عصر السلف المتقدمين يقصدون بهذه البدعة التي دلت على ذمها نصوص الشرع بأنها جميع ما استحدثته الفرق التي ظهرت في سالف العصور الإسلامية من الخوض في المتشابهات التي يحدث بسببها العداوة بين المسلمين والتفرق عن جماعة المسلمين والخروج على الحكام، والاستبداد بالرأي في معارضة النص، والاستئثار باتباع الهوى واختلاف الأهواء المضلة التي يكون الناس بسببها شيعا متفرقة لا ينتظم شملهم بالإسلام، وقد أشار إليها [[الحسن البصري|الحسن]] فقال: {{اقتباس مضمن|اتقوا هذه الأهواء فإن جماعها الضلالة وميعادها النار}}.<ref name="الملل2">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو الفتح الشهرستاني|العنوان=الملل والنحل|الصفحات=34|المسار=https://books.google.com/books?id=2yscDgAAQBAJ&pg=PA15&lpg=PA15&dq=اتقوا+هذه+الأهواء+التي+جماعها+الضلالة&source=bl&ots=0BbBuPxC_c&sig=YYV1upkhRlWDMv66w3rrapddb7g&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwji4-Pwq4nTAhUsBMAKHUWSCJQQ6AEIIzAD#v=onepage&q=اتقوا%20هذه%20الأهواء%20التي%20جماعها%20الضلالة&f=false|تاريخ الوصول=5 يونيو 2017م}}</ref>
وقد تضمن الحديث جملة من التعاليم الدينية منها: الوصية بتقوى الله، والسمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم،
وفي الصحيحين عن [[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]] قال: {{حديث|إن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا}}.<ref name="ابن رجب">{{مرجع كتاب|المؤلف1=ابن رجب الحنبلي|وصلة المؤلف1=ابن رجب الحنبلي|العنوان=جامع العلوم والحكم ج2 الحديث رقم: (28)|الناشر=مؤسسة الرسالة|الصفحة=109 إلى 112|السنة=1422 هـ/ 2001م|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الآخر|ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
قال [[ابن رجب الحنبلي]]: فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله: كل بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة. وما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة هذه، وروي عنه أنه قال: إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، ومن ذلك أذان الجمعة الأول زاده [[عثمان بن عفان|عثمان]] لحاجة الناس إليه وأقره [[علي بن أبي طالب|علي]] واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن [[عبد الله بن عمر بن الخطاب|ابن عمر]] أنه قال: هو بدعة، ولعله أراد ما أراد [[عمر بن الخطاب|أبوه]] في التراويح، انتهى ملخصا. ومعنى الحديث: فمن أدرك منكم زمن الاختلاف الكثير؛ فعليه بسنتي أي: فليلزم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فإضافة السنة إليهم لكونهم أعلم بها ولاستنباطهم منها واختيارهم إياها. وقد جاء في الحديث الأمر بمتابعة الطريقة التي كان عليها رسول الله هو والصحابة، واتباعها والأخذ بها قولا وعملا واعتقادا، ويدل على ذلك حديث: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..}}.<ref name="المستدرك">المستدرك على الصحيحين كتاب العلم ج1 ص288 حديث رقم: (334)</ref>
وفي الحديث: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم».<ref>فتح الباري شرح صحيح البخاري حديث رقم: (6673)</ref>
وفي الحديث: «من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا»، وفي رواية: «ستكون أمور تنكرونها»،<ref>صحيح البخاري، كتاب الفتن، حديث رقم: (6644)</ref>
 
وقال [[محمد الشوكاني|الشوكاني]]: «فالسنة هي الطريقة فكأنه قال: الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء، وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها، وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله {{صلى الله عليه وسلم}}؛ عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضا من سنته لما دل عليه حديث [[معاذ بن جبل|معاذ]] لما قال له رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد قال: فبسنة رسول الله قال: فإن لم تجد قال: أجتهد رأيي قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله أو كما قال..».<ref group="°">قال الشوكاني: وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به وقد أوضحت هذا في بحث مستقل.</ref>
فإن ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته، وقد حث على اتباعهم؛ تأكيدا لمن بعدهم لئلا يتوهم أحد أنهم مخالفون لهديه، وسنة الخلفاء الراشدين هي نفس السنة النبوية ولا تخرج عنها.<ref name="الأحوذي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري|وصلة المؤلف1=|العنوان=تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم: (2676)|الناشر=دار الكتب العلمية|الصفحة=366 وما بعدها|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الآخر|ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
قال [[ابن حجر العسقلاني]]: والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع: «بدعة» وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما، وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة: {{حديث|من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}}.<ref name="الفتح">{{مرجع كتاب|المؤلف1=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|وصلة المؤلف1=ابن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6849)|الناشر=دار الريان للتراث|الصفحة=266 وما بعدها|السنة= 1407 هـ/ 1986م|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الآخر|ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref> وحديث العرباض في المعنى قريب من حديث [[عائشة (توضيح)|عائشة]] المشار إليه وهو من جوامع الكلم. يدل على أن المحدث يسمى بدعة، والمراد بقوله: «كل بدعة ضلالة» ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام.<ref name="الفتح"/> وقال ابن حجر أيضا: وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهو واضح، وثبت عن [[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]] أنه قال: {{اقتباس مضمن|قد أصبحتم على الفطرة وإنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول}}.<ref name="الفتح"/> قال الشافعي: {{اقتباس مضمن|البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم}}.<ref name="الفتح"/><ref group="°">أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).</ref> وقال الشافعي أيضا: {{اقتباس مضمن|المحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة}}.<ref name="الفتح"/><ref group="°">أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي نقلا عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).</ref> فمما حدث تدوين الحديث ثم تفسير القرآن ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة عن الرأي المحض ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب. ومما حدث الخوض في المتشابهات والأغاليط في مسائل العقيدة، وقد اشتد إنكار السلف على ذلك، قال [[ابن حجر العسقلاني]]: {{اقتباس مضمن|وثبت عن مالك: أنه لم يكن في عهد النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء -يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية-}}، وقال أيضا: {{اقتباس مضمن|واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي، وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور، وسببه أنهم تكلموا فيما سكت عنه النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وأصحابه}}.<ref name="الفتح"/> وقسم [[العز بن عبد السلام]] البدعة خمسة أقسام: واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ومكروهة.<ref name="الفتح"/>
 
والبدعة التي توصف بكونها ضلالة عند علماء أهل السنة والجماعة هي التي تكون في الدين باستحداث ما ليس منه مثل: ابتداع الخوارج القول بتكفير أهل المعاصي، ومثل: ابتداع المجسمة فتنة التجسيم وغيرها من البدع الموعود مبتدعها بالنار وإن لم يخرج ببدعته عن الملة إذ المقصود العقوبة على البدعة. أما ما كان له أصل من الدين أو ما هو من السنة الحسنة؛ فلا يكون من البدع المنهي عنها فقد ورد في الحديث: {{حديث|من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء}}.<ref name="النووي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=يحيى بن شرف أبو زكريا النووي|وصلة المؤلف1=الإمام النووي|العنوان=شرح النووي على صحيح مسلم، كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة حديث رقم: (1017)|الصفحة=172|الناشر=دار الخير|السنة=1416هـ/ 1996م}}</ref> وفي رواية أخرى لمسلم بلفظ: و«من دعا إلى الهدى..» و«من دعا إلى الضلالة..». قال النووي: هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة. وقال [[يحيى بن شرف النووي|النووي]]: {{اقتباس مضمن|قوله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|فعمل بها بعده}} معناه: إن سنها سواء كان العمل في حياته أو بعد موته. والله أعلم}}.<ref name="النووي"/>
 
=== اتباع سنة الخلفاء الراشدين ===
سطر 149:
قال وكيع: {{اقتباس مضمن|إذا اجتمع عمر وعلي على شيء فهو الأمر}}.<ref name="جامع العلوم"/>
 
عن [[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]] أنه كان يحلف بالله: إن الصراط المستقيم هو الذي ثبت عليه عمر حتى دخل الجنة.<ref name="جامع العلوم"/>
 
وكان علي يتبع أحكامه وقضاياه، ويقول: {{اقتباس مضمن|إن عمر كان رشيد الأمر}}.<ref name="جامع العلوم"/>
سطر 165:
الجَماعة في اللغة المجتمعون على الشيء، وجمع الشيء عن تفرقة،<ref>لسان العرب لابن منظور، ج3 ص196</ref> وأصل الكلمة لإفادة معنى الاجتماع في مقابل الافتراق، وقد جاء في نصوص القرآن والحديث استعمال كلمة الجَماعة ضد الفُرقة والاجتماع ضد الافتراق، فلا تقتصر كلمة الجماعة على فرقة في مقابل أخرى، فالمسلمون كلهم كالجسد الواحد، ربهم واحد ونبيهم واحد ودينهم واحد، والمسلمون جميعا أمة واحدة وجماعة واحدة تجمعهم كلمة الإسلام، واجتماع أهل الإسلام جماعة واحدة وعدم تفرقهم هو المطلوب في الشرع الإسلامي،
وقد أمر الله جميع المسلمين أن يكونوا جماعة واحدة مجتمعين غير متفرقين،<ref name="ابن كثير2">{{مرجع كتاب|المؤلف=إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي|العنوان= تفسير القرآن العظيم، تفسير سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى «يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته» الجزء الثاني|الصفحات=86 وما بعدها|الناشر=دار طيبة|السنة=1422 هـ/ 2002م|العنوان بالعربي=تفسير ابن كثير}}</ref>
فقال تعالى: {{قرآن|وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جميعاً ولا تفرقوا ..[[قالب:قرآن-سورة 3 آية 103|الآية]]}}، قال [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]]: معناه تمسكوا بدين الله، وقال [[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]]: هو الجماعة، وقال: {{اقتباس مضمن|عليكم بالجماعة فإنها حبل الله الذي أمر الله به، وإن ما تكرهون في الجماعة والطاعة خير مما تحبون في الفرقة}}. وقال مجاهد وعطاء: بعهد الله، وقال قتادة والسدي: هو القرآن، وقال مقاتل بن حيان: بحبل الله: أي بأمر الله وطاعته. وقال العيني: الكتاب والسنة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=بدر الدين العيني|العنوان=عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج23|الصفحة=25|الناشر=دار إحياء التراث العربي|المكان=بيروت- لبنان|المسار=http://shamela.ws/browse.php/book-5756/page-7423|اللغة=العربية}}</ref> {{قرآن|ولا تفرقوا}} قال البغوي: أي: لا تتفرقوا كما تفرق اليهود والنصارى.<ref name="البغوي2">{{مرجع كتاب|المؤلف1=الحسين بن مسعود البغوي|وصلة المؤلف1=البغوي|العنوان= تفسير البغوي، سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، الجزء الثاني|الصفحة=78 وما بعدها}}</ref>
وقال تعالى: {{قرآن|وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}}.<ref group="°">[[سورة الأنفال]] آية: 46.</ref>
فالتنازع يؤدي إلى الخذلان وذهاب القوة، والفُرقة الم[[نهي]] عنها في الشرع الإسلامي هي التي تكون مضادة للجماعة بمخالفة جماعة أهل الإسلام فيما اجتمعوا عليه التي تُصيِّر الأمة شيعا وأحزابا متفرقين وجماعات متعددة، وهو غير الخلاف المعتبر في مسائل [[علم فروع الفقه|الفروع]]، فلا يدخل في معنى التفرق في الدين، فاجتهاد الخلفاء الراشدين وأئمة الصحابة ومن تبعهم من أهل الاجتهاد المعتبر لا يدخل في هذا بالإجماع، فهو لا يؤدي إلى التنازع وتفريق الدين بل هو الذي رحمة ولا يفسد للودِّ قضية.<ref name="الفتوى">{{مرجع كتاب|المؤلف1=لجنة الإفتاء الأردنية|العنوان=أهل السنة والجماعة هم السواد الأعظم من الأمة، رقم الفتوى : 2801، التصنيف: الفرق والأديان، نوع الفتوى: بحثية، السؤال: ما المراد بـ(الفرقة الناجية) الوارد ذِكْرُها في حديث الافتراق المشهور، وكيف يتعرف المسلم على مواصفات تلك الفرقة؟|الناشر=|تاريخ=30/ 04/ 2013م|المسار=http://aliftaa.jo/Question.aspx?QuestionId=2801#.WKqA6HNjhAg|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الآخر|ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
الجماعة من حيث هي في الشريعة الإسلامية جماعة المسلمين عموما، وجماعة المسلمين بوجه عام يشمل عامة الناس وخاصتهم، إلا أن الجماعة التي نهى الشرع عن مفارقتها لا تتمثل بكثرة العدد وإنما تكون في الخاصة وهي جماعة الأئمة والأمراء، فالأئمة أي: في الدين، والأمراء هم ولاة الأمور، والفرقة المنهي عنها تكون بمعنى مفارقة جماعة الأئمة والأمراء، وتكون كذلك بمعنى الافتراق في الآراء والأديان، وهذا التفصيل ذكر [[أبو سليمان الخطابي]] في كتاب: «العزلة» في القرن الرابع الهجري فقال: {{اقتباس مضمن|الفرقة فرقتان فرقة الآراء والأديان وفرقة الأشخاص والأبدان، والجماعة جماعتان: جماعة هي الأئمة والأمراء وجماعة هي العامة والدهماء}}، وفي كلامه بيان المقصود من هذا التقسيم وهو أن الجماعة المنهي عن مفارقتها إنما هي جماعة الأئمة والأمراء، أما جماعة عامة الناس فليست هي المقصودة من هذا النهي، كما أن فرقة الأبدان والأشخاص ليست هي المقصودة من هذا النهي أيضا، وإنما المقصود فرقة الآراء والأديان.<ref name="الخطابي">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو سليمان الخطابي|العنوان=العزلة للخطابي|الصفحة=7}}</ref>
سطر 175:
 
===تفسير معنى الجماعة===
الجماعة من حيث هي بالمعنى الشرعي تشير عموما إلى جماعة المسلمين، لكن الجماعة التي يحرم في الشرع مفارقتها هي جماعة الأئمة والأمراء، والجماعة من حيث أنها تفيد معنى الاجتماع تدل على المجتمعين على أمر خالفهم فيه غيرهم، وقد جاء عن أئمة أهل السنة والجماعة تفسيرات لمعنى الجماعة المذكورة في الأحاديث المأثورة في أقول منقولة عن أئمتهم من متقدمي السلف، وهي تفسيرات لتحديد الجماعة لاعتبارات مخصوصة في الجماعة وصفات المجتمعين وفيما اجتمعوا عليه، وقد جمع [[محمد بن جرير الطبري|ابن جرير الطبري]] (ت [[318 هـ]]) أقوال الأئمة ونقلها عنه العلماء من بعده، ويرجع الفرق بين هذه الأقوال إلى اختلاف صفات الاجتماع بحسب ما يراد منه في معنى المخالفة، وهذه الأقوال نقلها عنه [[الشاطبي (توضيح)|الشاطبي]] في كتاب: الاعتصام وذكرها في خمسة أقول باختصار هي: {{اقتباس مضمن|السواد الأعظم، الأئمة المجتهدون، الصحابة، أهل الإسلام إذا اجتمعوا على أمر، جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير}}.
 
القول الأول: أن الجماعة هي السواد الأعظم من أهل الإسلام، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية، سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم، فهو مخالف للحق، وهم الذين إذا اجتمعوا على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لهم ميتا ميتة جاهلية، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم، المجتمعون على ما كان عليه أهل الهدي الأول، فيدخل في الجماعة مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، وممن قال بهذا [[أبو مسعود البدري|أبو مسعود الأنصاري]] و[[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]]، وهذه هي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري فيما روى الطبري أنه لما قتل الخليفة [[عثمان بن عفان]] سئل أبو مسعود الأنصاري عن الفتنة فأوصى بالجماعة وقال: إن الأمة لا تجتمع على ضلال، ووصف الفرقة بأنها هي الضلال، فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا، ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة، لم يدخلوا في سوادهم بحال، سواء كان المخالف لهم في أمر من الدين أو خالفهم في أميرهم.<ref name="الاعتصام">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي|العنوان=كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي، ج2، الباب التاسع في السبب الذي لأجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين المسألة السادسة عشرة|الصفحات=768 وما بعدها|الناشر=دار ابن عفان|السنة=1412 هـ/ 1992م}}</ref>
 
أحدها: أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، فما كانوا عليه من أمر دينهم فهو الحق، ومن خالفهم مات ميتة جاهلية، سواء خالفهم في شيء من الشريعة أو في إمامهم وسلطانهم، فهو مخالف للحق، وممن قال بهذا [[أبو مسعود البدري|أبو مسعود الأنصاري]] و[[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]]، فروى أنه لما قتل عثمان سئل أبو مسعود الأنصاري عن الفتنة فقال: {{اقتباس مضمن|عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد {{صلى الله عليه وسلم}} على ضلالة، واصبر حتى تستريح أو يستراح من فاجر}}، وقال: {{اقتباس مضمن|إياك والفرقة فإن الفرقة هي الضلالة}}، وقال ابن مسعود: {{اقتباس مضمن|عليكم بالسمع والطاعة فإنها حبل الله الذي أمر به}}، ثم قبض يده وقال: {{اقتباس مضمن|إن الذي تكرهون في الجماعة خير من الذين تحبون في الفرقة}}، وعن الحسين قيل له: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: {{اقتباس مضمن|أي والذي لا إله إلا هو، ما كان الله ليجمع أمة محمد على ضلالة}}. فعلى هذا القول يدخل في الجماعة مجتهدو الأمة وعلماؤها وأهل الشريعة العاملون بها، ومن سواهم داخلون في حكمهم، لأنهم تابعون لهم ومقتدون بهم، فكل من خرج عن جماعتهم فهم الذين شذوا وهم نهبة الشيطان ويدخل في هؤلاء جميع أهل البدع لأنهم مخالفون لمن تقدم من الأمة، لم يدخلوا في سوادهم بحال.<ref name="الاعتصام"/>
 
الثاني: أن الجماعة هي جماعة أئمة العلماء المجتهدين، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية، وممن قال بهذا [[عبد الله بن المبارك]]، و[[إسحاق بن راهويه]]، وجماعة من السلف وهو رأي الأصوليين، [[أهل السنة والجماعة#الأئمة المجتهدون|فالأئمة المجتهدون]] مرجع الأمة.
سطر 186:
والثالث: أن الجماعة هي الصحابة على الخصوص، فإنهم الذين أقاموا عماد الدين وأرسوا أوتاده، وهم الذين لا يجتمعون على ضلالة أصلا، وقد يمكن فيمن سواهم ذلك، وممن قال بهذا القول [[عمر بن عبد العزيز]]، فروى ابن وهب عن مالك قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: {{اقتباس مضمن|سن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيها، من اهتدى بها مهتد، ومن استنصر بها منصور، ومن خافها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا}}، فقال [[مالك بن أنس|مالك]]: فأعجبني عزم عمر على ذلك. وعلى هذا القول فلفظ الجماعة مطابق للرواية الأخرى في قوله عليه الصلاة والسلام: {{حديث|ما أنا عليه وأصحابي}} فكأنه راجع إلى ما قالوه وما سنوه، وما اجتهدوا فيه حجة على الإطلاق، وبشهادة رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} لهم بذلك خصوصا في قوله: {{حديث|فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين}} وأشباهه، أو لأنهم المتقلدون لكلام النبوة، المهتدون للشريعة، الذين فهموا أمر دين الله بالتلقي من نبيه مشافهة، على علم وبصيرة بمواطن التشريع وقرائن الأحوال، بخلاف غيرهم فإذاً كل ما سنوه فهو سنة من غير نظير فيه، بخلاف غيرهم، فإن فيه لأهل الاجتهاد مجالا للنظر ردا وقبولا، فأهل البدع إذاً غير داخلين في الجماعة قطعا على هذا القول.
 
والرابع: أن الجماعة هي جماعة أهل الإسلام، إذا أجمعوا على أمر فواجب على غيرهم من أهل الملل اتباعهم، وهم الذين ضمن الله لنبيه عليه الصلاة والسلام أن لا يجمعهم على ضلالة، فإن وقع بينهم اختلاف فواجب تعرف الصواب فيما اختلفوا فيه، قال [[محمد بن إدريس الشافعي|الشافعي]]: {{اقتباس مضمن|الجماعة لا تكون فيها غفلة عن معنى كتاب الله، ولا سنة ولا قياس، وإنما تكون الغفلة في الفرقة}}. وكأن هذا القول يرجع إلى الثاني وهو يقتضي أيضا ما يقتضيه، أو يرجع إلى القول الأول وهو الأظهر.<ref name="الاعتصام"/>
 
والخامس: ما اختاره [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] الإمام من أن الجماعة جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم، لأن فراقهم لا يعدو إحدى حالتين، إما للنكير عليهم في طاعة أميرهم والطعن عليه في سيرته المرضية لغير موجب، بل بالتأويل في إحداث بدعة في الدين، كالحرورية التي أمرت الأمة بقتالها وسماها النبي {{صلى الله عليه وسلم}} مارقة من الدين، وإما لطلب إمارة من انعقاد البيعة لأمير الجماعة، فإنه نكث عهد ونقض عهد بعد وجوبه. وقد قال {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|من جاء إلى أمتي ليفرق جماعتهم فاضربوا عنقه كائنا من كان}}. قال الطبري: فهذا معنى الأمر بلزوم الجماعة، قال: وأما الجماعة التي إذا اجتمعت على الرضى بتقديم أمير كان المفارق لها ميتا ميتة جاهلية، فهي الجماعة التي وصفها أبو مسعود الأنصاري، وهم معظم الناس وكافتهم من أهل العلم والدين وغيرهم، وهم السواد الأعظم. قال: وقد بين ذلك عمر بن الخطاب {{رضي الله عنه}}، فروي عن عمر بن ميمون الأودي قال: قال عمر حين طعن لصهيب: «صل بالناس ثلاثا وليدخل علي عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن، وليدخل ابن عمر في جانب البيت وليس له من الأمر شيء، فقم يا صهيب على رؤوسهم بالسيف فإن بايع خمسة ونكص واحد فاجلد رأسه بالسيف، وإن بايع أربعة ونكص رجلان فاجلد رأسيهما حتى يستوثقوا على رجل»، قال: فالجماعة التي أمر رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} بلزومها وسمى المنفرد عنها مفارقا لها نظير الجماعة التي أوجب عمر الخلافة لمن اجتمعت عليه، وأمر صهيبا بضرب رأس المنفرد عنهم بالسيف، فهم في معنى كثرة العدد المجتمع على بيعته وقلة العدد المنفرد عنهم، قال: وأما الخبر الذي ذكر فيه أن لا تجتمع الأمة على ضلالة فمعناه: أن لا يجمعهم على إضلال الحق فيما نابهم من أمر دينهم حتى يضل جميعهم عن العلم ويخطئوه، وذلك لا يكون في الأمة. هذا تمام كلامه وهو منقول بالمعنى وتحر في أكثر اللفظ. وحاصله: أن الجماعة راجعة إلى الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة وذلك ظاهر في أن الاجتماع على غير سنة خارج عن معنى الجماعة المذكور في الأحاديث المذكورة، كالخوارج ومن جرى مجراهم.<ref name="الاعتصام"/>
 
=== الأئمة المجتهدون ===
كان الصحابة يختارون الخليفة على أساس أن يكون إماما مجتهدا من أفقههم في الدين وأعلمهم بالشريعة يأتم به الناس وتجتمع عليه الأمة، وكان خلفاؤهم يختارون الولاة على أساس أن يكونوا من أئمة الدين وعلماء الشريعة، وذلك أن معنى الجماعة عندهم لا يتحقق إلا باجتماع الأئمة المجتهدين من أهل العلم، وجاء عن أئمة أهل السنة من متقدمي السلف تفسيرات لمعنى الجماعة التي دلت الأحاديث عليها، وقد ذكر [[محمد بن جرير الطبري|ابن جرير الطبري]] أقوالهم في تفسير الجماعة، ونقلها عنه علماء أهل السنة والجماعة ومنهم الشاطبي فقال: {{اقتباس مضمن|والثاني: أنها جماعة أئمة العلماء المجتهدين، فمن خرج مما عليه علماء الأمة مات ميتة جاهلية، لأن جماعة الله العلماء، جعلهم الله حجة على العالمين، وهم المعنيون بقوله عليه الصلاة والسلام: {{حديث|إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة}}، وذلك أن العامة عنها تأخذ دينها، وإليها تفزع من النوازل، وهي تبع لها. فمعنى قوله: لن تجتمع أمتي لن يجتمع علماء أمتي على ضلالة، وممن قال بهذا [[عبد الله بن المبارك]]، و[[إسحاق بن راهويه]]، وجماعة من السلف وهو رأي الأصوليين، فقيل لـ [[عبد الله بن المبارك]]: من الجماعة الذين ينبغي أن يقتدى بهم؟ قال: أبو بكر وعمر -فلم يزل يحسب حتى انتهى إلى محمد بن ثابت والحسين ابن واقد- فقيل: هؤلاء ماتوا: فمِن الأحياء؟ قال: أبو حمزة السكري، وعن المسيب بن رافع قال: كانوا إذا جاءهم شيء من القضاء ليس في كتاب الله ولا سنة رسول الله سموه ‹صوافي الأمراء› فجمعوا له أهل العلم، فما أجمع رأيهم عليه فهو الحق، وعن إسحاق بن راهويه نحو مما قال ابن المبارك. فعلى هذا القول لا مدخل في السؤال لمن ليس بعالم مجتهد، لأنه داخل في أهل التقليد، فمن عمل منهم بما يخالفهم فهو صاحب الميتة الجاهلية}}.<ref name="الاعتصام"/>
 
وقد اتفق الجميع على اعتبار أهل العلم والاجتهاد، وأن الاعتبار في الجماعة المفسرة بالسواد الأعظم إنما هو بالسواد الأعظم من العلماء المعتبر اجتهادهم فمن شذ عنهم فمات فميتته جاهلية، وأما جماعة العوام فإنهم تبع لأئمتهم؛ لأنهم غير عارفين بالشريعة فلا بد من رجوعهم في دينهم إلى العلماء، فإنهم لو اجتمعوا على مخالفة العلماء لكانوا هم السواد الأعظم لقلة العلماء وكثرة الجهال، لكن العبرة ليست بالكثرة، فلا يكون اجتماع العوام حجة ولا مرجعا في الدين وإن كانوا هم الأكثر عددا، فإنهم قد يجتمعون على ضلال، فلا يقول أحد: إن اتباع جماعة العوام هو المطلوب وإن العلماء هم المفارقون للجماعة والمذمومون في الحديث، بل الأمر بالعكس وأن العلماء هم السواد الأعظم وإن قلوا والعوام هو المفارقون للجماعة إن خالفوا فإن وافقوا فهو الواجب عليهم، فلا يمكن أن يقال أن العوام هم الجماعة المأمور باتباعها، وإن خلا الزمان عن مجتهد فلا يمكن اتباع العوام لأمثالهم،
سطر 197:
 
قال الشاطبي: فاتباع نظر من لا نظر له واجتهاد من لا اجتهاد له محض ضلالة ورمي في عماية وهو مقتضى الحديث الصحيح: {{حديث|إن الله لا يقبض العلم انتزاعا..}} الحديث.
روى أبو نعيم عن محمد بن القاسم الطوسي قال: سمعت [[إسحاق بن راهويه|إسحاق بن راهوية]] وذكر في حديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: {{حديث|إن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة فإذا رأيتم الاختلاف فعليكم بالسواد الأعظم}} فقال رجل يا أبا يعقوب من السواد الأعظم؟ فقال محمد بن أسلم وأصحابه ومن تبعهم ثم قال: سأل رجل ابن المبارك: من السواد الأعظم؟ قال: [[أبو حمزة السكري]] ثم قال إسحاق: في ذلك الزمان (يعني أبا حمزة) وفي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه ثم قال إسحاق: لو سألت الجهال عن السواد الأعظم لقالوا: جماعة الناس ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=الشاطبي|العنوان=الاعتصام فصل حديث تفرق الأمة، المسألة السابعة عشرة أن الجميع اتفقوا على اعتبار أهل العلم والاجتهاد سواء ضموا إليهم العوام أم لا، ج1|الصفحة=482}}</ref>
وقد جاء عن البخاري وغيره تفسير الجماعة بأنها: جماعة أهل العلم، وهم الأئمة المجتهدون وسائر علماء الشريعة التابعون لهم بإحسان،
وقال [[بدر الدين العيني]] في بيان المراد بـ«الجماعة» في المذكورة في الحديث: {{اقتباس مضمن|الجماعة التي أمر الشارع بلزومها هي جماعة العلماء؛ لأن الله عزّ وجل جعلهم حجة على خلقه، وإليهم تفزع العامة في دينها، وهم تبع لها، وهم المعنيون بقوله: {{حديث|إن الله لن يجمع أمتي على ضلالة}}}}.<ref>عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين العيني، (35/ 147).</ref>
 
ثبت في الحديث الصحيح إخبار الصحابة بأن من يعش منهم فسيدرك زمنا يكون فيه الاختلاف الكثير وأمورا ينكرونها، فأوصاهم بأن من أدرك شيئا من ذلك فعليه بالهدي الأول أي طريقته التي كان عليها هو وأصحابه وطريقة الخلفاء الراشدين من بعده، وهذا هو الاجتماع على الحق والهدى في أمور الدين الذي كان عليه أئمة الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وهي مبنية على الاتفاق في أصول الدين، وأما الاختلاف في فروع الأحكام فقد حصل في زمن الصحابة ومن بعدهم من الأئمة المجتهدين في حوادث الأمور التي ليس في الشرع نص يدل عليها بخصوصها، وفق شروط ذكرها العلماء في [[أصول الفقه|علم أصول الفقه]]، وقد كان هذا الاجتهاد المخصوص بالأئمة المجتهدين في غالب الأحيان ينتهي بالإجماع، وإجماع الأئمة المجتهدين من الصحابة فمن بعدهم حجة على أهل ذلك العصر فمن بعدهم، وقد انتقلت مذاهب [[فقهاء الصحابة]] إلى [[فقهاء التابعين]] فمن بعدهم من أئمة المذاهب الفقهية، واشتهر منها عند أهل السنة والجماعة مذاهب فقهاء أهل الرأي وفقهاء أهل الحديث، فأخذوا مذاهب الصحابة فمن تبعهم من الأئمة واجتهدوا في المسائل التي بقيت محل اختلاف فانتهوا في كثير منها إلى الإجماع، وهذه المذاهب نقلها أئمتهم واجتهد أصحاب كل مذهب في المسائل التي لم يرد فيها نص عن إمام مذهبه ووقع الاختلاف في فروع من كل مذهب، ثم جاء أهل الترجيح من أصحاب كل مذهب فرجحوا قولا واحدا من الأقوال التي وقع فيها الخلاف، والمذاهب الفقهية المعتبرة عند أهل السنة والجماعة التي استقر عليها العمل عندهم في عصر المتأخرين هي [[مذهب (فقه)|المذاهب الأربعة]]، ويكون العمل بمذهب واحد منها في التعليم والإفتاء والقضاء عند علماء كل مذهب بما ترجح في مذهبه، وقد ذكر ابن خلدون أنه وقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز. وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية، لا مجرد النقل من الكتب. وقال ابن خلدون: {{اقتباس مضمن|ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده. وقد صار أهل الاسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة}}.<ref>تاريخ ابن خلدون، ج1 ص448.</ref>
 
=== لزوم جماعة المسلمين ===
لزوم جماعة المسلمين جماعة المسلمين مطلوب في سائر الأحوال، إلا أنه اختص على وجه التأكيد في حال الافتراق، ولزوم الجماعة يكون فيه معنى الاتباع والاقتداء بالأئمة في الدين والسمع والطاعة لولاة الأمر، وقد جاء في الحديث الأمر بلزوم جماعة المسلمين فيما اجتمعوا عليه من الحق عموما، ورجح [[محمد بن جرير الطبري|ابن جرير الطبري]] أن المراد: لزوم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، قال: {{اقتباس مضمن|فأمر عليه الصلاة والسلام بلزومه ونهى عن فراق الأمة فيما اجتمعوا عليه من تقديمه عليهم}}، قال [[ابن حجر العسقلاني]]: قال الطبري: اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة، فقال قوم: هو للوجوب والجماعة السواد الأعظم، ثم ساق عن محمد بن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان: {{اقتباس مضمن|عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة}}. وقال قوم: المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم، وقال قوم: المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين. قال الطبري: والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره، فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة، قال: وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها، ويؤيده رواية عبد الرحمن بن قرط المتقدم ذكرها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، حديث رقم: (6673)|الصفحات=39 وما بعدها|الناشر=دارالريان للتراث|السنة=1407 هـ/ 1986م}}</ref>
 
وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وهو ما يدل عليه: «عن [[حذيفة بن اليمان]] يقول كان الناس يسألون رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن»، قلت وما دخنه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر قال: «نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت يا رسول الله صفهم لنا قال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك قال «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم» قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»».<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، حديث رقم: (6673)|الصفحة=39|الناشر=دارالريان للتراث|السنة=1407 هـ/ 1986م}}</ref>
سطر 211:
تدل النصوص الشرعية على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر؛ لأن فيه اجتماع الكلمة وفي الحديث: «عن ابن عباس عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} قال: "من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات ميتة جاهلية"». وفي رواية: «فليصبر عليه». وقوله: فإنه من خرج من السلطان أي: من طاعة السلطان وفي الرواية الثانية «من فارق الجماعة»، وقوله «شبرا»: كناية عن معصية السلطان ومحاربته. قال ابن أبي جمرة: المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكني عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق. وفي الرواية الأخرى: «فمات إلا مات ميتة جاهلية» وفي رواية لمسلم: «فميتته ميتة جاهلية»، وعنده في حديث ابن عمر رفعه: «من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» أي: حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع؛ لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا، والمقصود الزجر والتنفير وظاهره غير مراد، قال ابن بطال: في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء.<ref name="فتح.">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة، حديث رقم: (6645)|الصفحة=9|الناشر=دارالريان للتراث|السنة=1407 هـ/ 1986م}}</ref>
 
والأدلة على لزوم الجماعة كثيرة ومنها: ما أخرج [[أبو عيسى محمد الترمذي|الترمذي]]: «عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود يحدث عن أبيه عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} قال: نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله ومناصحة أئمة المسلمين ولزوم جماعتهم فإن الدعوة تحيط من ورائهم».<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عيسى بن سورة الترمذي|وصلة المؤلف=الترمذي|العنوان=سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، الجزء الخامس حديث رقم: (2658)|الناشر=دار الكتب العلمية|الصفحة=34}}</ref> ورواة [[محمد بن إدريس الشافعي|الشافعي]] و[[أبو بكر البيهقي|البيهقي]] في المدخل.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=علي بن سلطان محمد القاري|وصلة المؤلف1=ملا علي القاري|العنوان=مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح كتاب العلم حديث رقم: (208)|الناشر=دار الفكر|السنة= 1422 هـ/ 2002م|الصفحة=306 و307}}</ref>
 
وعن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء: "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {{حديث|أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقال لا تدري مشوا على القهقرى}}" قال ابن أبي مليكة اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن.
سطر 231:
=== مسألة الإمامة ===
[[ملف:Kalligráfia Hagia Sophia.jpg|تصغير|يمين|رسم لاسم الإمام علي بن أبي طالب على أحد الصحون الجدارية العملاقة في [[آيا صوفيا]].]]
تعد مسألة الإمامة من أهم المسائل التي استخدمتها الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين، وكان أولها فتنة الخوارج الذين انشقوا عن جماعة المسلمين وأعلنوا خروجهم عن [[علي بن أبي طالب]]، قائلين لا حكم إلا لله، وقد رد عليهم علي بن أبي طالب بقوله: «كلمة حق يراد من ورائها باطل» وهم أول من ابتدع الخروج على الحكام، ثم ظهرت فرق التشيع الذين اعتقدوا أن الإمامة أصل من أصول الدين، وأنها بالوراثة على اختلافهم في تحديد مستحقها. واعتبر أهل السنة والجماعة أن الإمامة مسألة مصلحية إجماعية وليست من أصول العقيدة. والإمام هو الذي يقتدي به الناس في أقواله وأفعاله، وأئمة المسلمين علماء الدين وهم ورثة الأنبياء في حمل العلم وتأدية المهام الدينية تجاه عامة الناس، وتختلف هذه المهام باختلاف المراتب العلمية والصلاحيات المسندة إليهم، وأئمة المسلمين هم: الخلفاء فمن دونهم من أهل الولايات وعلماء الدين،<ref>شرح النووي على مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، حديث رقم: (55)، ص229</ref> والأصل في الإمامة أنها إمامة الدين في الأئمة المجتهدين على اختلاف [[مراتب الاجتهاد]]، وعلماء الدين تبع لهم، باعتبار أن الأئمة في الدين حملة الشرع هم ورثة الأنبياء في نقل الدين وبيانه للناس، وقد قيل لأبي بكر الصديق: يا خليفة الله فقال: "لا بل أنا خليفة رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}"، وقد كان اختيار الخلفاء في الابتداء على أساس أن يكونوا أئمة في الدين، و[[الخلفاء الراشدون]] كانوا كذلك، وكان كل واحد منهم إماما مجتهدا، والصحابة لا يختارون لمنصب الخلافة إلا إماما مجتهدا من أفضلهم وأعلمهم في الدين، حتى يتمكن من الحكم بشرع الله بما لديه من علم الشريعة، ويكون مرجعا للحكم في الناس فيما أشكل عليهم من مستجدات الأمور، والكثير من أئمة [[صحابة|الصحابة]] والتابعين ومن بعدهم وك[[الأئمة الأربعة]] وغيرهم من أعلام الدين كانت مهمتهم علمية، ولم يكونوا يسعون بعلمهم للحصول على السلطة، وكان الصحابة يختارون للخلافة أفضلهم وأعلمهم في الدين ويلتزمون طاعته، ولم يتخذوا من علمهم سلما للوصول إلى مناصب سياسة ومعارضة الحكام ومنازعتهم.
==== الخلافة ====
[[ملف:Age of Caliphs-ar.png|270بك|يسار|تصغير|center|الخلافة الإسلاميّة، 622-750 {{مؤشر لوني|#a1584e|توسع الدولة الإسلامية تحت حكم الرسول، 622-632}} {{مؤشر لوني|#ef9070|التوسع تحت حكم الخلفاء الراشدين، 632-661}} {{مؤشر لوني|#fad07d|التوسع تحت حكم الخلافة الأمويّة، 661-750}}]]
سطر 237:
[[ملف:OttomanEmpireIn1683 ar.png|تصغير|يسار|270بك|الخلافة الإسلامية العثمانية.]]
 
والخلافة أو الإمامة العظمى هي ولاية عامة، والإمام الأعظم القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، ومن ثم اشترط فيه ما شرط في القاضي وزيادة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن شهاب الدين الرملي|العنوان=نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، كتاب البغاة، فصل في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة، الجزء السابع|الصفحات=409 وما بعدها|الناشر=دار الفكر|الإصدار=الأخيرة|السنة=1404 هـ/ 1984م}}</ref> ويسمى الخليفة إماما؛ لأن اختيار الخلفاء الراشدين قام على أساس أن يكون الخليفة إماما مجتهدا في أعلى رتبة ممكنة من العلم في الدين يقتدي به الناس في العلم والدين ينقادون لحكمه ويصلون خلفه وتجب عليهم طاعته. قال [[الماوردي]]: «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا».<ref>الأحكام السلطانية للماوردي ص3</ref> وقال [[سعد الدين التفتازاني]] في المقاصد: «الإمامة: هي رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}}».<ref>نقلا عن شرح المقاصد للتفتازاني</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=وهبة الزحيلي|العنوان=الفقه الإسلامي وأدلته ج8|الصفحة=6361}}</ref> وقال إمام الحرمين: «الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا. مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين».<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني|العنوان=الغياثي (غياث الأمم في التياث الظلم)، الركن الأول كتاب الإمامة، الباب الأول في معنى الإمامة ووجوب نصب الأئمة وقادة الأمة|الصفحة=22|الناشر=مكتبة إمام الحرمين|السنة=1401هـ}}</ref> فيتولى أمور الرعية ويتفقد أحوالهم ويراعي مصالحهم ويقيم أحكام الدين وشعائره، ويلجأ إليه المظلوم فينصفه وينصره، ويأمن به الخائف، ويقطع تمادي الظالمين وقاطعي الطريق والمفسدين، وفي الحديث: «عن أبي هريرة عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} قال: إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر، وإن يأمر بغيره كان عليه منه». قال [[يحيى بن شرف النووي|النووي]]: «قوله {{صلى الله عليه وسلم}}: «الإمام جنة» أي: كالستر؛ لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس ويخافون سطوته، ومعنى: «يقاتل من ورائه» أي: يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقا، والتاء في «يتقى» مبدلة من الواو لأن أصلها من الوقاية».<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=يحيي بن شرف أبو زكريا النووي|العنوان=شرح النووي على صحيح مسلم كتاب الإمارة باب الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، حديث رقم: (1841)|الصفحة=542|الناشر=دار الخير|السنة=1416 هـ/ 1996م}}</ref>
 
قال ابن خلدون: «ثم إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع [[صحابة|الصحابة]] والتابعين؛ لأن أصحاب رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} عند وفاته بادروا إلى بيعة [[أبو بكر الصديق|أبي بكر]] {{رضي الله عنه}} وتسليم النظر إليه في أمورهم، وكذا في كل عصر من بعد ذلك، ولم تترك الناس فوضى في عصر من الأعصار، واستقر ذلك [[إجماع (فقه)|إجماع]]اً دالاً على وجوب نصب الإمام». قال: وإذا تقرر أن هذا النصب واجب بإجماع فهو من [[فرض كفاية|فروض الكفاية]] وراجع إلى اختيار أهل العقد والحل، فيتعين عليهم نصبه، ويجب على الخلق جميعاً طاعته، لقوله تعالى: {{قرآن|أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=ابن خلدون|العنوان=مقدمة ابن خلدون ج1|الصفحة=98}}</ref> ذكر [[سعد الدين التفتازاني]] أدلة الجمهور على وجوب تنصيب خليفة في متن المقاصد بقوله: «لنا وجوه: الأول: الإجماع وهو العمدة حتى قدموه على دفن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} الثاني: أنه لا يتم إلا به ما وجب من إقامة الحدود وسد الثغور ونحو ذلك مما يتعلق بحفظ النظام، الثالث: أن فيه جلب منافع ودفع مضار لا تحصى وذلك واجب إجماعا، الرابع: وجوب طاعته ومعرفته بالكتاب والسنة، وهو يقتضي وجوب حصوله وذلك بنصبه». انتهى باختصار من كلام السعد. ووجوب نصب الإمام ثابت بالأحاديث الصحيحة الواردة فِي التزام جماعة المسلمين وإمامهم، مثل حديث: «من مات وليس فِي عُنُقه بيعَة مات ميتَة جاهلية».<ref>رواه مسلم من حديث لابن عمر مرفوعا.</ref> و«عن [[حذيفة بن اليمان]] قال {{صلى الله عليه وسلم}} له: "تلْزم جماعة المسلمين وإمامهم"».<ref>متفق عليه</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد رشيد رضا|العنوان=كتاب: «الخلافة» حكم الإمامة أو نصب الخليفة ج1|الصفحة=18|الناشر=الزهراء للإعلام العربي القاهرة.|المسار=http://shamela.ws/browse.php/book-9682/page-12}}</ref>
 
والإجماع على تنصيب الخليفة حجة كافية، وعليه استقر حال الأمة على مدى التاريخ الإسلامي، وكانت [[الخلافة العثمانية]] آخر دولة للخلافة الإسلامية.
سطر 248:
 
==== طرق انعقاد الإمامة وتنصيب ولاة الأمر ====
تنعقد الإمامة بطرق أحدها: بطريق البيعة أي: بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم حالة البيعة بلا كلفة عرفا، وأما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة بها، وثانيها: باستخلاف الإمام واحدا بعده، أو باستخلاف عدد يختار أهل الحل والعقد واحدا منهم، قال [[يحيى بن شرف النووي|النووي]]: «وتنعقد الإمامة بالبيعة، والأصح بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم، وباستخلاف الإمام، فلو جعل الأمر شورى بين جمع فكاستخلاف، فيرتضون أحدهم وباستيلاء جامع الشروط وكذا فاسق وجاهل في الأصح».<ref name="النهاية">{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن شهاب الدين الرملي|العنوان=نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، كتاب البغاة، فصل في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة، الجزء السابع|الصفحات=409 وما بعدها|الناشر=دار الفكر|الطبعة=الأخيرة|السنة=1404 هـ/ 1984م}}</ref>
 
==== شروط الإمام ====
ذكر علماء أهل السنة والجماعة شروطا متعددة فيمن يتولى منصب الخلافة، ومنها ما هو متفق عليه ومنها مختلف فيه، وهذه الشروط في الابتداء، أي: في ابتداء تنصيب الخليفة، أما في الدوام ففيه تفصيل، قال [[يحيى بن شرف النووي|النووي]]: {{اقتباس مضمن|شرط الإمام كونه مسلما مكلفا حرا ذكرا قرشيا مجتهدا شجاعا ذا رأي وسمع وبصر ونطق وعدلا}}. فشرط الإمام كونه مسلما ليراعي مصلحة الإسلام وأهله، وهذا باتفاق جمهور أهل السنة والجماعة، أما من كان من غير المسلمين كاليهودي أو النصراني أو غيره فلا ولاية له على المسلمين، وكونه مكلفا؛ لأن غيره مولى عليه فلا يلي أمر غيره، وأن يكون حرا؛ لأن من فيه رق لا يهاب، وأن يكون ذكرا فلا ولاية للمرأة بالإجماع؛ لضعفها وعدم مخالطتها للرجال، وفي الحديث: {{حديث|لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة}}، وأن يكون قرشيا؛ وفي الحديث: {{حديث|الأئمة من قريش}}، ولا يشترط كونه هاشميا ولا علويا؛ لأن الخلفاء الثلاثة لم يكونوا كذلك وهم قرشيون، وقد اتفق الصحابة على خلافتهم. وأن يكون مجتهدا كالقاضي وأولى بل حكى فيه الإجماع، وقد كان الصحابة لا يختارون للخلافة إلا إماما مجتهدا من أعلمهم في الدين وأفضلهم، فإن لم يوجد مجتهدون أو استخلف واستتم له الأمر ولم يكن مجتهدا كما هو الحال في البعض بعد الخلفاء الراشدين؛ وجبت طاعته حيث يفوض للعلماء أمور الدين فيما يفتقر للاجتهاد، وأن يكون شجاعا ليغزو بنفسه ويعالج الجيوش ويقوى على فتح البلاد ويحمي البيضة، ويعتبر سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض كما دخل في الشجاعة وأن يكون ذا رأي ليسوس به الرعية ويدبر مصالحهم الدينية والدنيوية قال الهروي: وأدناه أن يعرف أقدار الناس وأن يكون ذا سمع وإن ثقل وذا بصر وإن ضعف بحيث لم يمنع التمييز بين الأشخاص أو كان أعور أو أعشى، وأن يكون ناطقا يفهم نطقه، وإن فقد الذوق والشم وذلك ليتأتى منه فصل الأمور، وأن يكون عدلا، فلو اضطر لولاية فاسق جاز، ولذا قال ابن عبد السلام: لو تعذرت العدالة في الأئمة قدمنا أقلهم فسقا، قال الأذرعي وهو متعين؛ إذ لا سبيل لجعل الناس فوضى، فإذا تعذرت العدالة في أهل قطر قدم أقلهم فسقا.<ref name="النهاية"/>
 
قال ابن خلدون: وأما شروط هذا المنصب فهي أربعة: العلم والعدالة والكفاية وسلامة الحواس والأعضاء، مما يؤثر في الرأي والعمل، واختلف في شرط خامس وهو النسب القرشي.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=ابن خلدون|العنوان=تاريخ ابن خلدون ج1|الصفحة=98}}</ref><ref group="°">قال ابن خلدون: فأما اشتراط العلم فظاهر، لأنه إنما يكون منفذاً لأحكام الله تعالى إذا كان عالماً بها، وما لم يعلمها لا يصح تقديمه لها. ولا يكفي من العلم إلا أن يكون مجتهداً، لأن التقليد نقص، والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال. وأما العدالة فلأنه منصب ديني ينظر في سائر المناصب التي هي شرط فيها، فكان أولى باشتراطها فيه. ولا خلاف في انتفاء العدالة فيه بفسق الجوارح من ارتكاب المحظورات وأمثالها، وفي انتفائها بالبدع الاعتقادية خلاف.</ref>
سطر 262:
[[ملف:Madina old.jpg|تصغير|200بك|منظر قديم للمدينة المنورة.]]
[[ملف:Final circulation of the Kaaba.jpg|تصغير|يسار|200بك|صورة لمكة]]
في كتب التراث الإسلامية مثل [[طبقات الفقهاء|طبقات الفقهاء للشيرازي]] المكتوب في القرن الخامس الهجري، يذهب المؤلف لإعتبار أكثر الصحابة فقهاء بالتعريف،<ref group="°">قال أبو إسحاق الشيرازي في [[طبقات الفقهاء]]: «اعلم أن أكثر أصحاب رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء..»</ref><ref group="°">وقال الشيرازي في [[طبقات الفقهاء]]: «ولأن من نظر فيما نقلوه عن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} من أقواله، وتأمل ما وصفوه من أفعاله في العبادات وغيرها؛ اضطر إلى العلم بفقههم وفضلهم، غير أن الذي اشتهر منهم بالفتاوى والأحكام وتكلم في الحلال والحرام جماعة مخصوصة».</ref> ويجعل الشيرازي الخلفاء الراشدين وعائشة من طبقة '''"[[فقهاء الصحابة]]"'''، ويضم إليهم من عُيّن ليفتي أو يفقّه أو أرسل ليقضي أو يحكم في زمن الرسول أو من الخلفاء والصحابة، ويستشهد لهم بالرسول والصحابة وأقوالهم عن بعض. فيورد [[عبد الله بن مسعود]] الذي أرسله [[عمر بن الخطاب]] إلى الكوفة في العراق قاضيا ووزيرا و[[أبو موسى الأشعري]] الذي بعثه النبي ليعلم أهل اليمن القرآن وولاه [[عمر بن الخطاب|عمر]] على البصرة و[[أبي بن كعب]] الذي قيل عنه "أقرأ المسلمين" و"سيد أهل المدينة" و[[معاذ بن جبل]] الذي قيل أن الصحابة كانو يقبلون عليه إذا امترى عليهم شيء فيسألونه و[[زيد بن ثابت]] الذي قيل فيه أنه أعلم المسلمين بالفروض و[[أبو الدرداء الأنصاري|أبو الدرداء]] الذي أوصى معاذ بن جبل بالتماس العلم من منه.<ref name="طبقات الفقهاء" />{{Rp|35-}}
 
يصنف الشيرازي طبقة أخرى من فقهاء الصحابة ويسميهم "أحداث الصحابة" فقه هؤلاء إلى طبقة أخرى من الصحابة وكان أشهرهم العبادلة الأربعة (لأسمائهم التي تبتدء بـ"عبد الله" وهم: [[عبد الله بن عباس|عبد الله بن العباس]] و[[عبد الله بن عمر بن الخطاب]] و[[عبد الله بن الزبير|عبد الله بن الزبير بن العوام]] و[[عبد الله بن عمرو بن العاص]]، وانتقل فقه العبادلة إلى فقهاء التابعين، ثم يصنف الشيرازي طبقة فقهاء يسميها '''"[[فقهاء التابعين]]"''' وتابعيهم، وأسسوا مذاهب [[فقه إسلامي|الفقه الإسلامي]]، وكان كل من جاء بعدهم عالة عليهم في الأخذ عنهم، ويعد القرن الثاني والثالث من الهجرة النبوية بمثابة العصر الذهبي لصياغة [[مذهب (فقه)|المذاهب الفقهية]] وتدوين أصولها وقواعدها. وبعد وفاة العبادلة كان فقه الصحابة قد انتقل إلى التابعين في جميع البلدان،<ref>معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح، ص504 دار الكتب العلمية، بيروت لبنان.</ref> وكان من أشهرهم بحسب البلدان: فقيه مكة [[عطاء بن أبي رباح|عطاء]] وفقيه المدينة [[سعيد بن المسيب]] وفقيه اليمن [[طاوسطاووس بن كيسان|طاوس]] وفقيه اليمامة [[يحيى بن أبي كثير]] وفقيه البصرة [[الحسن البصري|الحسن]] وفقيه الكوفة [[إبراهيم بن يزيد النخعي|إبراهيم النخعي]] وفقيه الشام [[مكحول الشاميالهذلي|مكحول]] وفقيه خراسان [[عطاء الخراساني]].<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|35-}}
 
تأسست مدارس فقه أهل السنة والجماعة على يد [[فقهاء الصحابة]] الذين انتشروا في مختلف البلدان، ثم تابعييهم، وكان منهم الأئمة المجتهدون، وجميع الفقهاء كانوا من رواة الحديث، واشتهرت مدرسة فقه أهل الحجاز في المدينة المنورة، وأشتهر من أعلامها [[زيد بن ثابت]]، وأشهر من أخذ عنه عشرة من فقهاء المدينة: [[سعيد بن المسيب]] و[[أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف|أبو سلمة بن عبد الرحمن]] و[[عبيد الله بن عبد الله بن عتبة]] بن مسعود و[[عروة بن الزبير]] و[[أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام|أبو بكر بن عبد الرحمن]] و[[خارجة بن زيد بن ثابت|خارجة بن زيد]] و[[سليمان بن يسار]] و[[أبان بن عثمان بن عفان|أبان بن عثمان]] و[[قبيصة بن ذؤيب]] و[[القاسم بن محمد]]. وأشهر من أخذ عنهم [[ابن شهاب الزهري|محمد بن مسلم الزهري]] وعنه أخذ الإمام [[مالك بن أنس]].
 
ومدرسة الحجاز بمكة واشتهر فيها مذهب [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]] ومن أشهر تلامذته الفقهاء: [[عكرمة البربري|عكرمة]]، و[[عطاء بن أبي رباح|عطاء]]، و[[طاووس بن كيسان|طاووس]]، و[[سعيد بن جبير]]. ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثانية ومنهم: [[ابن جريج]]، ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثالثة ومنهم: [[مسلم بن خالد الزنجي]] وعنه أخذ [[محمد بن إدريس الشافعي|الشافعي]] الفقه. ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى اشتهر منها: [[محمد بن إدريس الشافعي]] مؤسس [[شافعية|المذهب الشافعي]].
 
واشتهر من الطبقة الأولى من [[فقهاء الصحابة]] في اليمن: [[علي بن أبي طالب]] و[[أبو موسى الأشعري]] و[[معاذ بن جبل]]، ثم [[فقهاء التابعين]] في باليمن واشتهر منهم:[[طاووس بن كيسان|طاوس بن كيسان]] اليماني، و[[عطاء بن مركبوذ]]،<ref name="طبقات الفقهاء">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو إسحاق الشيرازي|العنوان=طبقات الفقهاء ج1}}</ref>{{rp|73-}}<ref>الثقات ج5 ص206</ref> وأبو الأشعث [[أبو الأشعث الصنعاني|شراحيل بن شرحبيل]] الصنعاني،<ref>إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لابن مغلطاي، ج6 ص226 من اسمه شراحيل وشرحبيل.</ref> و[[حنش بن عبد الله الصنعاني]]، و[[وهب بن منبه]].
 
واشتهر من [[فقهاء التابعين]] بالشام والجزيرة: [[أبو إدريس الخولاني]] و[[شهر بن حوشب]] الأشعري، ثم انتقل الفقه إلى طبقة ثانية ومنهم: [[عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي|عبد الله بن أبي زكريا]]،<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|73-}} و[[هاني بن كلثوم]].<ref>إكمال تهذيب الكمال</ref> و[[رجاء بن حيوة]] و[[مكحول الهذلي|مكحول الشامي]]،<ref>مرقاة المفاتيح ص104</ref> ومنهم أبو أيوب [[سليمان بن موسى الأشدق|سليمان بن موسى]] أبو الربيع الأشدق،<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|73-}}<ref>تاريخ دمشق لابن عساكر، ج22 ص377 إلى 391 دار الفكر</ref> ثم انتقلت الفتوى بالشام إلى: [[عبد الرحمن الأوزاعي|الأوزاعي]] و[[سعيد بن عبد العزيز التنوخي]]، ومنهم: [[يزيد بن يزيد بن جابر]]، و[[عبد الرحمن بن يزيد بن جابر]]،<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|73-}} وأبو الهذيل [[محمد بن الوليد بن عامر]] الزبيدي، و[[يحيى بن يحيى الغساني]] وكان مفتي أهل دمشق. وثبتت الفتيا بالشام على مذهب الأوزاعي و[[سعيد بن عبد العزيز التنوخي|سعيد بن عبد العزيز]]. ومن فقهاء التابعين بالجزيرة: [[ميمون بن مهران]].
 
واشتهر من [[فقهاء التابعين]] بمصر: [[عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي|الصنابحي]]، [[عبد الله بن مالك الجيشاني|والجيشاني]]، وهما من أصحاب [[عمر بن الخطاب|عمر]].<ref>طبقات ابن سعد 7: 509 - 510</ref> ثم انتقل إلى طبقة أخرى،<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|73-}} ومنهم: أبو الخير [[مرثد بن عبد الله اليزني]]،<ref>طبقات ابن سعد ج7 ص511</ref> قاضي [[الإسكندرية]]، أخذ عنه أبو رجاء [[يزيد بن أبي حبيب]]. وكان ممن انتقل إليه الفقه: [[بكير بن الأشج|بكير بن عبد الله بن الأشج]] وأبو أمية [[عمرو بن الحارث بن يعقوب|عمرو بن الحارث]]، ثم انتهى علم هؤلاء إلى أبي الحارث [[الليث بن سعد]] بن عبد الرحمن، مؤسس مذهب فقهي.<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|73-}}
 
=== فقهاء العراق والبلدان الأخرى ===
[[ملف:Abu Hanifa Mosque in 1960.jpg|تصغير|200بك|يسار|[[جامع الإمام الأعظم]] في [[بغداد]] عام 1960م]]
[[ملف:Mihrab in the Kufa Mosque.jpg|تصغير|200بك|محراب [[مسجد الكوفة]]]]
مدرسة الكوفة بالعراق: واشتهرت بفقه [[عبد الله بن مسعود|ابن مسعود]].<ref>[http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=7388&idto=7401&bk_no=56&ID=2045 شرح سنن الترمذي] المناقب. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20171107013353/http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=7388&idto=7401&bk_no=56&ID=2045 |date=07 نوفمبر 2017}}</ref> وأخذ عنه فقهاء العراق وغيرهم، وكان من أشهر التابعين الذين أخذوا مذهبه: [[علقمة بن قيس النخعي|علقمة بن قيس]]، و[[الأسود بن يزيد النخعي|الأسود بن يزيد]]، و[[مسروق بن الأجدع]]، و[[عبيدة بن عمرو السلماني]] و[[شريح القاضي]] و[[الحارث الهمداني]]،<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|80-}} وهؤلاء الستة المذكورون هم أصحاب [[عبد الله بن مسعود]]، ومنهم عمرو ابن شرحبيل الهمداني وغيره.<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|35-}} ثم انتقل الفقه إلى طبقة أخرى منهم: [[عامر الشعبي|الشعبي]]، و[[سعيد بن جبير]] و[[إبراهيم بن يزيد النخعي|إبراهيم النخعي]]، ثم انتقل الفقه بعد ذلك إلى طبقة أخرى منهم: [[الحكم بن عتيبة]]،<ref name="طبقات الفقهاء"/> و[[حماد بن أبي سليمان]] تفقه بإبراهيم النخعي، وأخذ أبو حنيفة عنه الفقه. و[[حبيب بن أبي ثابت]]، و[[الحارث بن يزيد العكلي]]،<ref>تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ج2 ص163</ref> و[[مغيرة بن مقسم الضبي|المغيرة بن مقسم الضبي]] وأبو معشر زياد بن كليب بن تميم الحنظلي،<ref>تهذيب الكمال للمزي ج3 ص382</ref> والقعقاع بن يزيد، و[[سليمان بن مهران الأعمش|الأعمش]]، و[[منصور بن المعتمر]]، أخذوا العلم عن [[عامر الشعبي|الشعبي]] و[[إبراهيم بن يزيد النخعي|النخعي]]،<ref name="طبقات الفقهاء"/> [[عبد الله بن شبرمة|وابن شبرمة]] [[محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى|وابن أبي ليلى]] ثم حصل الفقه والفتيا في: [[سفيان الثوري]]،<ref name="طبقات الفقهاء"/> مؤسس مذهب فقهي ومنهم: الحسن بن صالح بن حي بن مسلم بن حيان الهمداني، [[شريك بن عبد الله النخعي|وشريك بن عبد الله بن أبي شريك النخعي]]، و[[أبو حنيفة النعمان]] مؤسس [[حنفية|المذهب الحنفي]].<ref name="طبقات الفقهاء"/>
 
واشتهر من فقهاء التابعين بالبصرة: [[الحسن البصري]]، و[[جابر بن زيد]] الأزدي، و[[محمد بن سيرين]]، و[[أبو العالية الرياحي|رفيع بن مهران]]، و[[حميد بن عبد الرحمن الحميري]]، و[[مسلم بن يسار]]،<ref name="طبقات الفقهاء"/> [[أبو قلابة الجرمي|أبو قلابة]]، وغيرهم.
 
واشتهر في عصر الأئمة المتقدمين من أصحاب المذاهب الفقهية بعد أبي حنيفة ومالك والشافعي فقهاء بغداد وأشهرهم: أبو عبد الله [[أحمد بن حنبل|أحمد بن محمد بن حنبل]] بن هلال الشيباني،<ref name="الشيرازي">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو إسحاق الشيرازي|العنوان=طبقات الفقهاء للشيرازي ج1|الصفحات=90 وما بعدها}}</ref>{{rp|90-}} كان أحد رواة المذهب الشافعي، ثم [[مجتهد مستقل|استقل]] بوضع مذهب آخر يعد رابع المذاهب الفقهية الكبرى. وأبو ثور [[أبو ثور البغدادي|إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان]] الكلبي، وهو من رواة المذهب الشافعي، بصفة [[مجتهد مطلق|مجتهد مطلق منتسب]]. وأبو عبيد [[أبو عبيد القاسم بن سلام|القاسم بن سلام]] البغدادي. وأبو سليمان [[داود الظاهري|داود بن علي بن خلف الأصفهاني]].<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|90-}} وأبو جعفر [[محمد بن جرير الطبري|محمد بن جرير بن يزيد الطبري]]، أحد رواة المذهب الشافعي بصفة [[مجتهد مطلق|مجتهد مطلق منتسب]].
 
واشتهر من فقهاء خراسان: [[عطاء الخراساني|عطاء بن أبي مسلم الخراساني]]. وأبو القاسم [[الضحاك بن مزاحم]] الهلالي. وأبو عبد الرحمن [[عبد الله بن المبارك]] المروزي. وأبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المعروف بـ [[إسحاق بن راهويه|ابن راهويه]].<ref name="طبقات الفقهاء"/>{{rp|90-}}
 
وبعد انتشار الإسلام في أفريقية ثم الأندلس والمغرب،<ref>الرابطة المحمدية العليا بالمغرب مجلة الأحياء. [http://www.alihyaa.ma/Revue.aspx?C=5573&N=5556 الصحابة الكرام في التراث المغربي الأندلسي] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20161120084717/http://www.alihyaa.ma/Revue.aspx?C=5573&N=5556 |date=20 نوفمبر 2016}}</ref> وكانت [[الحجاز]] أقرب إليهم من غيرها، حيث اشتهرت [[المدينة المنورة]] بفقه الإمام [[مالك بن أنس]] وكان أغلب فقهاء تلك البلاد يأخذون بفقه مالك، وبعد تدوين المذاهب الفقهية انتشر مذهب مالك في المغرب و[[الأندلس]].<ref>تاريخ ابن خلدون ج1 ص449 و450</ref>
سطر 291:
=== المذاهب الفقهية ===
[[ملف:خريطة المذاهب.png|400بك|يمين|تصغير|خريطة توضح انتشار المذاهب الإسلامية حول العالم.]]
المذاهب الفقهية التي صارت تعرف بمذاهب أهل السنة والجماعة هي خلاصة فقه الصحابة والتابعين وتابعيهم، وفي بداية تاريخ نشأة هذه المذاهب كانت هناك طريقتان مشهورتان أحدهما: طريقة أهل الرأي والقياس وهي طريقة أهل العراق، وإمامهم [[أبو حنيفة النعمان|أبو حنيفة]] وأصحابه من بعده، وثانيهما: طريقة أهل الحديث وهي طريقة أهل الحجاز، وإمامهم [[مالك بن أنس]] وكان يعرف بـإمام دار الهجرة، وقد اختص فقهه بعمل أهل المدينة على اعتبار أنهم متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم.<ref name="العبر">{{مرجع كتاب|المؤلف1=ابن خلدون|وصلة المؤلف1=ابن خلدون|العنوان=تاريخ ابن خلدون ج1|الصفحة=446 وما بعدها}}</ref> ثم كان من بعد مالك بن أنس [[محمد بن إدريس الشافعي|محمد بن أدريس الشافعي]]، تفقه بفقه أهل الحجاز، ثم انتقل إلى العراق من بعد مالك وأخذ عن أصحاب أبي حنيفة وجمع بين طريقة أهل الحجاز وطريقة أهل العراق، وجاء من بعدهما [[أحمد بن حنبل]] وكان من عِلِّيّة المحدثين، وأخذ عن الشافعي وروى عنه مذهبه، ثم استقل بمذهب آخر.<ref name="العبر"/> ويذكر [[ابن خلدون]] في [[كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر|تاريخه]]: أن المذاهب المشتهرة في العصور المتقدمة كانت ثلاثة: مذهب أهل الرأي والقياس وأشهر أئمتهم [[أبو حنيفة النعمان|أبو حنيفة]] وأصحابه من بعده، ومذهب أهل الحديث وإمامهم مالك ثم الشافعي، ومذهب داود الظاهري. وكان إمام هذا المذهب داود ابن علي وابنه وأصحابهما وكانت هذه المذاهب الثلاثة هي مذاهب الجمهور المشتهرة بين الأمة.<ref name="العبر"/> وقد انقرض مذهب الظاهرية واندراس في العصور المتأخرة، ولم يبق منه سوى الرسوم في الكتب، بنقل العلم من الكتب من غير مفتاح المعلمين وهو ما قد يؤدي إلى مخالفة الجمهور. قال [[ابن خلدون]]: «ثم درس مذهب أهل الظاهر اليوم بدروس أئمته وإنكار الجمهور على منتحله ولم يبق إلا في الكتب المجلدة».<ref name="العبر"/>
 
وقد استقر العمل بهذه [[مذهب (فقه)|المذاهب الأربعة]]، ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة ودرس المقلدون لمن سواهم وسد الناس باب الخلاف وطرقه لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء كل من اختص به من المقلدين، وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب، ولم يبق إلا نقل مذاهبهم، وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية، لا مجرد النقل من الكتب. قال ابن خلدون: «ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليده، وقد صار أهل الاسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة».<ref name="العبر"/> وأما أحمد بن حنبل فتأسس مذهبه في [[بغداد]]، وكان أكثر مقلديه بالشام و[[العراق]] من بغداد ونواحيها وهم أكثر الناس حفظا للسنة ورواية الحديث. وانتشر مذهب مالك في الأندلس والمغرب، وانتشر مذهب أبي حنيفة في العراق ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر وبلاد العجم. وكثرت مؤلفات الحنفية ومناظراتهم ومباحثهم مع الشافعية، وجاءوا منها بعلم مستظرف وأنظار غريبة وهي بين أيدي الناس وبالمغرب منها شئ قليل نقله إليه القاضي بن العربي وأبو الوليد الباجي في رحلتهما.<ref name="العبر"/> وأما الشافعي فمقلدوه بمصر أكثر مما سواها وقد كان انتشر مذهبه بالعراق وخراسان وما وراء النهر وقاسموا الحنفية في الفتوى والتدريس في جميع الأمصار وعظمت مجالس المناظرات بينهم وملئت كتبهم بأنواع استدلالاتهم ثم درس ذلك كله بدروس المشرق وأقطاره وكان الإمام [[محمد بن إدريس الشافعي|محمد بن أدريس الشافعي]] لما نزل على بني عبد الحكم بمصر أخذ عنه جماعة من بني عبد الحكم و[[أشهب بن عبد العزيز|أشهب]] و[[عبد الرحمن بن القاسم العتقي|ابن القاسم]] و[[ابن المواز]] وغيرهم ثم الحارث بن مسكين وبنوه، ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة وتداول بها فقه الإسماعيلية وتلاشى من سواهم إلى أن ذهبت [[الدولة الفاطمية|دولة العبيديين]] من الرافضة على يد [[صلاح الدين الأيوبي|صلاح الدين يوسف بن أيوب]] ورجع إليهم فقه الشافعي وأصحابه من أهل العراق والشام فعاد إلى أحسن ما كان ونفقت سوقه واشتهر منهم [[يحيى بن شرف النووي|محيي الدين النووي]] في ظل الدولة الأيوبية بالشام و[[العز بن عبد السلام|عز الدين بن عبد السلام]] كذلك، ثم ابن الرفعة بمصر وتقي الدين [[ابن دقيق العيد]] ثم [[تقي الدين السبكي]] بعدهما إلى أن انتهى ذلك إلى شيخ الإسلام بمصر لهذا العهد وهو [[سراج الدين البلقيني]] فقد كان في ذلك اليوم أكبر الشافعية بمصر كبير العلماء بل أكبر العلماء من أهل العصر.<ref name="العبر"/>
 
{{col-begin}}
{{عمو-2}}
المذاهب الأربعة حسب تاريخ الظهور هي:
* [[حنفية|المذهب الحنفي]]، نسبة إلى [[أبو حنيفة النعمان|أبي حنيفة النعمان]].
* [[مالكية|المذهب المالكي]]، نسبة إلى [[مالك بن أنس]].
* [[شافعية|المذهب الشافعي]]، نسبة إلى [[محمد بن إدريس الشافعي|الشافعي]].
* [[حنابلة|المذهب الحنبلي]]، نسبة إلى [[أحمد بن حنبل]].
 
{{عمو-2}}
المذاهب الفقهية الأخرى:
* مذهب [[الحسن البصري]].
* [[مدرسة ظاهرية|المذهب الظاهري]].
* مذهب [[عبد الرحمن الأوزاعي|الأوزاعي]].
* مذهب [[الليث بن سعد]].
* مذهب [[سفيان الثوري]].
{{نهاية-عمو}}
 
=== [[فقه مقارن|علم الخلاف]]يات ===
أئمة المذاهب الفقهية متفقون في أصول الأحكام الشرعية الكلية وأصول الدين (العقيدة)، وإنما وقع الاختلاف في [[علم فروع الفقه|الفروع الفقهية]]. ولا يوجد بينهم اختلاف في [[عقيدة إسلامية|العقيدة]]. ولم يحصل الاختلاف بين الأئمة من السلف في أمور الاعتقاد (أصول الدين) وإنما كان اختلافهم في الأحكام الفرعية، إما لعدم توفر دليل صريح من [[القرآن|الكتاب]] و[[حديث نبوي|السنة]]، أو لضعف [[الحديثحديث النبوينبوي|حديث]] بحيث لا تقوم به حجة، أو غيره من الأسباب.
ومع انتشار ال[[إسلام]] وتوسعه وتعرضه للكثير من القضايا الجديدة التي ليس لها نص من الكتاب والسنة يدل عليها بخصوصها كانت هناك حاجة ملحة للخروج [[اجتهاد إسلامي(إسلام)|باجتهادات]] لهذه القضايا الفقهية المستجدة وتلبية حاجات الناس والإجابة عن تساؤلاتهم ومن هنا نشأت جماعة من علماء الفقه في الدين تعلم الناس في كل إقليم شؤون دينهم ودنياهم. وكان التوسع الجغرافي للإسلام وتنوع البيئات التي انتشر فيها، وأيضا [[قابلية]] الكثير من النصوص الشرعية الإسلامية للاجتهاد فيها حسب الظروف والحالات كل ذلك أدى إلى نشأة المدارس الفقهية التي انتشرت في مختلف الأمصار الإسلامية.
وأدلة الفقه عند أهل السنة والجماعة إما سمعية وهي: [[أدلة الفقه#الكتاب|الكتاب]] [[أدلة الفقه#السنة|والسنة]] [[إجماع (فقه)|والإجماع]] وإما عقلية وهي: [[قياس (إسلام)|القياس]]، بالإضافة إلى طرق أخرى للاستدلال مذكورة في كتب [[أصول الفقه]].
 
وكما تقرر فإنه لا اختلاف بين الأئمة كليات الشريعة، ولا في فروع الدين المتفق عليها مثل: فرض الصلاة والزكاة وغيرها مما هو معلوم من الدين بالضرورة، وإنما حصل الاختلاف في [[علم فروع الفقه|فروع الفقه]] التي هي محل الاجتهاد، ويكون الترجيح أو تقرير الحكم في المسألة عند المجتهد وفق أصول وقواعد مذهبه التي يستند إليها في الاستدلال. وبما أن [[مذهب (فقه)|المذاهب الأربعة]] هي التي استقر العمل عليها عند جمهور أهل السنة والجماعة؛ فقد ظهرت ثمرة الخلاف في نشأة علم الخلافيات، الذي الذي كانت مؤلفات الحنفية والشافعية فيه أكثر من المالكية، وقد ذكره [[ابن خلدون]] ثم قال عنه: «وهو لعمري علم جليل الفائدة في معرفة مآخذ الأئمة وأدلتهم ومران المطالعين له على الاستدلال عليه وتآليف الحنفية والشافعية فيه أكثر من تآليف المالكية؛ لأن القياس عند الحنفية أصل للكثير من فروع مذهبهم كما عرفت فهم لذلك أهل النظر والبحث، وأما المالكية فالأثر أكثر معتمدهم وليسوا بأهل نظر».<ref name="ابن خلدون">{{مرجع كتاب|المؤلف1=ابن خلدون|وصلة المؤلف1=ابن خلدون|العنوان=تاريخ ابن خلدون ج1|الصفحة=456 و457|تاريخ الوصول= 07 ربيع الثاني/ 1436 هـ|اللغة= العربية}}</ref>
 
== عقيدة أهل السنة والجماعة ==
سطر 329:
 
=== فضل الصحابة ===
اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أن خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم على كما دل عليه حديث: «خيركم قرني» وعلى أن خير [[صحابة|الصحابة]] الأئمة [[الخلفاء الراشدون|الخلفاء الأربعة]] وأولهم: [[أبو بكر الصديق]] ثم [[عمر بن الخطاب]] ثم [[عثمان بن عفان]] ثم [[علي بن أبي طالب]]، ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر، وعلى أن الخيار بعد العشرة في أهل بدر من المهاجرين والأنصار على قدر الهجرة والسبق في الإسلام، وعلى أن كل من آمن بالله ورسوله وحصلت له الصحبة ولو ساعة أو اجتمع برسول الله أو رآه ولو مرة مع إيمانه به وبما دعا إليه أفضل من التابعين بذلك. وأن إمامة الخلفاء الراشدين كانت عن رضى من جماعتهم وأن الله ألف قلوبهم على ذلك لما أراده من استخلافهم جميعا بقوله: {{قرآن|وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كم استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم..}} وأجمعوا على الكف عن ذكر الصحابة عليهم السلام إلا بخير ما يذكرون به وعلى أنهم أحق أن ينشر محاسنهم ويلتمس لأفعالهم أفضل المخارج وأن نظن بهم أحسن الظن وأحسن المذاهب ممتثلين في ذلك لقول رسول الله: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا» وقال أهل العلم معنى ذلك لا تذكروهم إلا بخير الذكر، وقوله «لا تؤذوني في أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وعلى ما أثنى الله تعالى به عليهم بقوله {{قرآن|محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل}}. الآية
وأجمعوا على أن ما كان بينهم من الأمور الدنيا لا يسقط حقوقهم كما لا يسقط ما كان بين أولاد يعقوب النبي عليه السلام من حقوقهم، وعلى أنه لا يجوز لأحد أن يخرج عن أقاويل السلف فيما أجمعوا عليه وعما اختلفوا فيه أو في تأويله لأن الحق لا يجوز أن يخرج عن أقاويلهم. وأجمعوا على النصيحة للمسلمين والتولي بجماعتهم وعلى التوادد في الله والدعاء لأئمة المسلمين والتبري ممن ذم أحدا من أصحاب رسول الله وأهل بيته وأزواجه وترك الاختلاط بهم والتبري منهم. فهذه الأصول التي مضى الأسلاف عليها واتبعوا حكم الكتاب والسنة بها واقتدى بهم الخلف الصالح في مناقبها.<ref>مختصر من رسالة إلى أهل الثغر لأبي الحسن الأشعري</ref>
 
سطر 337:
ومن أمثلة الغلو في الدين ما ذكر في القرآن من وصف النصارى لعيسى ابن مريم بصفات الألوهية، قال الله تعالى: {{قرآن|ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}} فالأنبياء والعلماء والصالحون لهم مكانة واحترام وهم أولى بالتعظيم، والمنهي عنه في الإسلام إنما هو الإطراء بمعنى: المبالغة في تعظيم المخلوق ووصفه بما لا يستحق، فالألوهية لله وحده لا شريك له.<ref>تفسير القرطبي، سورة النساء، ج5 ص211 وما بعدها.</ref>
 
وقد جاء في القرآن التأكيد على أن الله جعل الأمة المحمدية أمة وسطا في قوله تعالى {{قرآن|وكذلك جعلناكم أمة وسطا}} أي: خيارا عدولا،<ref name="الرازي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=فخر الدين الرازي|وصلة المؤلف1=الفخر الرازي|العنوان=تفسير الرازي سورة البقرة قول الله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا..|الناشر=العلمية|الصفحة=88}}</ref> أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط: العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي: {{حديث|عن أبي سعيد الخدري عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} في قوله تعالى: {{قرآن|وكذلك جعلناكم أمة وسطا}} قال: عدلا}}. قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي [[القرآن الكريم|التنزيل]]: {{قرآن|قال أوسطهم}}،<ref>[[سورة القلم]] آية: 28</ref> أي: أعدلهم وخيرهم. وقال زهير:
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|هم وسط يرضى الأنام بحكمهم|إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم}}
سطر 361:
قال ابن فرج: معنى قوله ذروني ما تركتكم لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظهر ولو كانت صالحة لغيره، والنهي عن التنقيب عن ذلك لأنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني إسرائيل، إذ أمروا أن يذبحوا البقرة فلو ذبحوا أي بقرة كانت لامتثلوا ولكنهم شددوا فشدد عليهم.<ref name="ابن حجر1"/> وفيه دليل النهي عن كثرة المسائل والمغالاة في ذلك، قال البغوي في شرح السنة: المسائل على وجهين أحدهما: ما كان على وجه التعليم لما يحتاج إليه من أمر الدين فهو جائز بل مأمور به لقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر الآية، وعلى ذلك تتنزل أسئلة الصحابة عن الأنفال والكلالة وغيرهما. ثانيهما: ما كان على وجه التعنت والتكلف، وهو المراد في هذا الحديث والله أعلم، ويؤيده ورود الزجر في الحديث عن ذلك وذم السلف، فعند أحمد من حديث معاوية أن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} نهى عن الأغلوطات قال الأوزاعي: هي شداد المسائل، وقال الأوزاعي أيضا: «إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه المغاليط، فلقد رأيتهم أقل الناس علما» وقال ابن وهب: سمعت مالكا يقول: «المراء في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل»<ref name="ابن حجر1"/> وقال ابن العربي: «كان النهي عن السؤال في العهد النبوي خشية أن ينزل ما يشق عليهم، فأما بعد فقد أمن ذلك لكن أكثر النقل عن السلف بكراهة الكلام في المسائل التي لم تقع» قال: «وإنه لمكروه إن لم يكن حراما إلا للعلماء فإنهم فرعوا ومهدوا فنفع الله من بعدهم بذلك، ولا سيما مع ذهاب العلماء ودروس العلم» انتهى. ملخصا.<ref name="ابن حجر1"/> وفي الحديث: {{حديث|إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم}}.<ref>أخرجه البخاري في باب الاعتصام حديث رقم:( 6858) ومسلم حديث رقم: (1337)، انظر أيضا: جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي ج1 ص238، الحديث التاسع.</ref>
 
قال الشاطبي: فمن نصوص القرآن الدالة على ذم البدعة: قول الله تعالى: {{قرآن|هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله..[[قالب:قرآن-سورة 3 آية 7|الآية]]}}، فالمحكمات بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد من الناس،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن جرير الطبري|العنوان=تفسير سورة آل عمران|الصفحات=147 وما بعدها}}</ref> والمتشابهات تحتمل دلالتها موافقة المحكم وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ والتركيب لا من حيث المراد.<ref name="ابن كثير">{{مرجع كتاب|المؤلف=إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي|العنوان=تفسير القرآن العظيم، تفسير سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات الجزء الثاني|الصفحات=7 وما بعدها|الناشر=دار طيبة|السنة=1422 هـ/ 2002م|العنوان بالعربي=تفسير ابن كثير}}</ref> وفي رواية للبخاري بلفظ: {{حديث|فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم}}. وفي رواية: {{حديث|إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم}}. وفي رواية: {{حديث|قد حذركم الله فإذا رأيتموهم فاعرفوهم}}.<ref>ورواه ابن مردويه من طريق أخرى عن القاسم عن عائشة به.</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=الحسين بن مسعود البغوي|العنوان=تفسير البغوي، سورة آل عمران، تفسير قوله تعالى: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هن أم الكتاب» الجزء الثاني|الصفحة=8 و9|الناشر=دار طيبة}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن جرير الطبري|العنوان=تفسير سورة آل عمران القول في تأويل قوله تعالى: «فأما الذين في قلوبهم زيغ...»|الصفحات=195 و196}}</ref> روى ابن كثير عن الإمام أحمد: في قوله: {{قرآن|فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه}} قال: "هم الخوارج"، وفي قوله: {{قرآن|يوم تبيض وجوه وتسود وجوه}}،<ref>[[سورة آل عمران]] آية: (106)</ref> قال: {{اقتباس مضمن|هم الخوارج}}.<ref name="ابن كثير"/> ورجح [[محمد بن جرير الطبري|الطبري]] أنه وإن كان نزول الآية في نصارى نجران إلا أنه يشمل جميع أصناف المبتدعة كان من النصرانية أو اليهودية أو المجوسية أو كان سبئيا أو حروريا أو قدريا أو جهميا وغيرهم ممن يجادلون فيه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن جرير الطبري|العنوان=تفسير الطبري، تفسير سورة آل عمران، القول في تأويل قوله تعالى: «ابتغاء الفتنة»، الجزء السادس، حديث رقم: (6622)|الصفحات=196 وما بعدها|الناشر=دار المعارف}}</ref>
 
وهذا بخلاف استخدام العقل وسيلة للتفكر في المخلوقات المؤدي إلى الإيمان، حيث دلت نصوص الشريعة على استخدام البرهنة العقلية في إثبات العقائد،<ref group="°">عقيدة التوحيد تقوم على أساس توحيد الله ونفي الشريك عنه والعلم أن مسبب الأسباب وموجدها المتصف بالكمال المطلق هو الله الواحد الذي لا شريك له، والذي دلنا على ذلك هو الشرع وليس العقل، أي: أن الله أرسل الرسل وأوحى إليهم بأنه هو الله الخالق وحده لا شريك له، فإذا تحقق العلم بوجود الله وحصل الإيمان به فذلك هو التوحيد، وكل ما يقع في النفس من تصورات أو تخيلات فهو الذي يجب الانصراف عنه؛ لأنه من دواعي الضلال، وعندما قال مشركوا مكة: يا محمد صف لنا ربك، قايسوا بما اعتادوا عليه من عبادة الأصنام المجسمة حسب أفهامهم فأنزل الله: {{قرآن|إن في خلق السموات والأرض..}} الآية فبين الله أن حصول الإيمان بالله إنما يكون في النظر والتدبر في المخلوقات، وكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، وترك الإدراك إدراك.</ref> قال ابن خلدون: {{اقتباس مضمن|وأمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية وأدلتها من الكتاب والسنة كثير وهي معلومة ومقررة، وما وقع من الخلاف في العقائد أكثره من اتباع المتشابه}}.<ref name="تاريخ ابن خلدون">{{مرجع كتاب|المؤلف1=ابن خلدون|وصلة المؤلف1=ابن خلدون|العنوان=تاريخ ابن خلدون الفصل العاشر في «علم الكلام هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة، وسر هذه العقائد الإيمانية هو التوحيد». ج1|الصفحة=458 وما بعدها|تاريخ الوصول= 07 ربيع الثاني/ 1436 هـ|اللغة= العربية}}</ref>
سطر 375:
|- bgcolor="#EFEFEF"
| '''مسالة الإيمان والدين'''
| '''[[حرورية|الحرورية]] و[[معتزلة|المعتزلة]]:''' فالحرورية يسمون مرتكب الكبيرة كافرا ويستحلون دمه وماله، وأما المعتزلة فقالوا: إن مرتكب الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر فهو بمنزلة بين المنزلتين؟.
| '''أهل السنة والجماعة:''' جعلوا الإنسان مستحقا اسم الإيمان واسم الإسلام، ولو كان معه شيء من الذنوب وشيء من المعاصي، فمرتكب الكبيرة عندهم ناقص الإيمان، قد نقص إيمانه بقدر ما ارتكب من معصيته، فلا ينفون عنه الإيمان أصلا ولا يخرجونه من الإسلام بالكلية، ولم يجعلوا المذنب كامل الإيمان بل جعلوه مؤمنا ناقص الإيمان.
| '''[[مرجئة|المرجئة]] و[[جهمية|الجهمية]]:''' فالمرجئة قالوا: أن مرتكب الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا يستحق دخول النار، وقالوا لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فعندهم أن من صدّق بقلبه ولو لم يعمل فهو مؤمن كامل الإيمان.
سطر 389:
 
=== أول بِدعة في الإسلام ===
كانت أول بِدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان خروجهم عن الحق بسبب الدنيا، وهو ما ذكره [[ابن كثير الدمشقي]] (ت [[774 هـ]]) في تفسيره حيث قال: {{اقتباس مضمن|فإن أول بِدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} غنائم حنين، فكأنهم رأوا في عقولهم الفاسدة أنه لم يعدل في القسمة، ففاجئوه بهذه المقالة، فقال قائلهم -وهو ذو الخويصرة -بقر الله خاصرته- اعدل فإنك لم تعدل، فقال له رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني}}، فلما قفا الرجل استأذن [[عمر بن الخطاب]] -وفي رواية: [[خالد بن الوليد]]- (ولا بعد في الجمع)- رسول الله في قتله، فقال: {{حديث|دعه فإنه يخرج من ضئضئ هذا -أي: من جنسه- قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم}}..}}.<ref name="ابن كثير"/> وهذا الحديث في [[الصحيحان|الصحيحين]] وغيرهما بروايات صحيحة ومنها في صحيح مسلم: {{حديث|عن [[جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام|جابر بن عبد الله]] قال أتى رجل رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} ب[[جعرانة|الجعرانة]] -منصرفه من [[غزوة حنين|حنين]]- وفي ثوب [[بلال بن رباح|بلال]]: [[فضة]]، ورسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد اعدل، قال: «ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل» فقال [[عمر بن الخطاب]] رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=يحيي بن شرف أبو زكريا النووي|وصلة المؤلف=الإمام النووي|العنوان=شرح النووي على صحيح مسلم، كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم حديث رقم: (1063)|الصفحة=130 و131|الإصدار=دار الخير|السنة= 1416 هـ/ 1996م}}</ref>
 
وفي كلام ابن كثير أن ذا الخويصرة رأس الخوارج فإنه استحدث شبهة الخروج على الحق، ويدل عليه قوله: {{حديث|يخرج من ضئضئ هذا..}} أي: من جنسة، ومثل هذا استحداث [[فتنة مقتل عثمان|الفتنة]] في زمن [[عثمان بن عفان]] والخروج عليه وقتله، إلا أن خروجهم عن الحق لم يكن تحت مسمى فرقة إلا في زمن الخليفة [[علي بن أبي طالب]] حينما أعلنوا انشقاقهم عنه بعد وقعة صفين فكانوا أول فرقة ظهرت في الإسلام، فقد انضموا في بداية الأمر إلى صف علي بن أبي طالب، فلما قبل بالتحكيم أعلنوا خروجهم وصاحوا قائلين: «لا حكم إلا لله»، فرد عليهم علي بن أبي طالب بقوله: {{اقتباس مضمن|كلمة حق يراد من ورائها باطل}}، حيث كان خروجهم لسبب دنيوي تحت مسمى ديني، وقد استشار الصحابة بشأنهم وحاورهم [[عبد الله بن عباس|ابن عباس]] وغيره من الصحابة، ثم اتفقت أقوال الصحابة على وجوب قتالهم بما لديهم من نصوص الأحاديث الدالة على قتالهم إذا أعلنوا خروجهم، وقتلهم علي بن أبي طالب بالنهروان. قال ابن كثير: {{اقتباس مضمن|ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب، وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونحل كثيرة منتشرة، ثم نبعت القدرية، ثم المعتزلة ثم الجهمية وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق في قوله: {{حديث|وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة}} قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: {{حديث|من كان على ما أنا عليه وأصحابي}}..}}.<ref name="ابن كثير"/><ref>أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة.</ref> وفي رواية عن حذيفة: {{حديث|إن في أمتي قوما يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدقل، يتأولونه على غير تأويله}}.<ref name="ابن كثير"/> عن ابن العاص عن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} قال: {{حديث|إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به}}.<ref name="ابن كثير"/> قال [[يحيى بن شرف النووي|النووي]]: {{اقتباس مضمن|قوله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم}}، قال القاضي: فيه تأويلان: أحدهما: معناه: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تلوا منه، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف، الثاني: معناه: لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل}}. وقد جاء في الحديث: {{حديث|يمرقون من الدين}} وفي رواية مسلم: {{حديث|يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية}}، أي: من الدين، والمراد به هنا: دين الإسلام، كما في الرواية الأخرى بلفظ: {{حديث|يمرقون من الإسلام}}، كما يدل عليه قول الله تعالى: {{قرآن|إن الدين عند الله الإسلام}}. قال القاضي: معناه: يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى، ولم يتعلق به شيء منه، والرمية هي الصيد المرمي. وقال الخطابي: هو الطاعة أي: من طاعة الإمام. انتهى ملخصا من كلام النووي. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما الكثير من الأحاديث الصحيحة في نعت الخوارج بأنهم: {{حديث|يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان}}، وجاء في وصفهم حديث: {{حديث|يحسنون القيل ويسيؤون الفعل}}. وجاء في حديث ذي الخويصرة في صحيح مسلم بلفظ: {{حديث|فقال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: إن من ضئضئ هذا قوما يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=يحيي بن شرف أبو زكريا النووي|وصلة المؤلف=الإمام النووي|العنوان=شرح النووي على صحيح مسلم، كتاب الزكاة باب ذكر الخوارج وصفاتهم حديث رقم: (1064)|الصفحة=131 وما بعدها|الإصدار=دار الخير|السنة= 1416 هـ/ 1996م}}</ref>
 
استحدث الخوارج أول بدعة في الإسلام تتضمن مقولات متشددة ومبالغ فيها، واتخذوا من مبدأ التكفير سببا للخروج على ولاة أمر المسلمين، وبما أن علي بن أبي طالب كان صارما في التعامل معهم وبما لديه من الفقه في الدين، فقد حاورهم وحاول أن يستعيدهم للصواب فرجع منهم من رجع وبقي منهم من بقي، وبعد وقعة النهروان لم يبق منهم إلا عدد قليل تفرقوا في البلدان. ذكر ابن بطال في حديث عن علي بن أبي طالب أنه قال في أثناء خطبته: {{اقتباس مضمن|مايمنع أشقاكم أن يخضبها بدم}} وأشار إلى لحيته.<ref>[http://www.al-eman.com/الكتب/شرح%20صحيح%20البخاري%20لابن%20بطال%20***/باب%20شدة%20المرض/i306&d221079&c&p1 شرح صحيح البخاري لابن بطال كتاب المرضى، باب تمني المريض الموت]</ref><ref group="°">نص الحديث: عن معمر عن أيوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة قال: سمعت عليًا يخطب فقال: (اللهم إني قد سئمتهم وسئموني فارحمني منهم وارحمهم مني، «مايمنع أشقاكم أن يخضبها بدم» وأشار إلى لحيته).</ref> وقد توجه من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم لقتل علي بن أبي طالب فقتله في المسجد [[الجمعة|يوم الجمعة]] قبل [[صلاة الفجر]].
 
=== الكلام في الصفات ومسائل الاعتقاد ===
سطر 416:
 
وكان للإمام [[أحمد بن حنبل]] دور بارز في مناصرة السنة والدفاع عنها، والصبر في [[محنة خلق القرآن|المحنة]] وواجه الاضطهاد من المعتزلة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=الذهبي|العنوان=سير أعلام النبلاء الطبقة 12 ج11|الصفحة=247 وما بعدها|المسار=http://library.islamweb.net/NewLibrary/display_book.php?bk_no=60&ID=1896&idfrom=2012&idto=2038&bookid=60&startno=10|}}</ref> وتبعه في ذلك أئمة الحنابلة الذين تابعوا طريقته في الدفاع عن السنة وساروا على طريقته، وعمل [[أبو الحسن الأشعري]] في الرد على أهل الأهواء وصاغ منهجا يقوم على أساس إثبات العقائد الدينية بالأدلة السمعية والعقلية، ويعتمد على منهج الأئمة السابقين، على قاعدة أن النقل هو الأساس وأن العقل خادم للنقل ووسيلة لإثباته والبرهان على صحته. وجمع ما تفرق من كلام علماء أهل السنة والجماعة، وأيد النقل بالعقل، وأبطل مغالطات وأباطيل المعتزلة وغيرها، وقارن ذلك ظهور أبو منصور الماتريدي فيما وراء النهر، وقام بعمل مماثل لعمل لعمل أبي الحسن الأشعري.
قال الشهرستاني: وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم: [[مالك بن أنس]] رضي الله عنهما إذ قال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ومثل [[أحمد بن حنبل]] رحمه الله و[[سفيان الثوري]] و[[داود الظاهري|داود بن علي الأصفهاني]] ومن تابعهم حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، وصنف بعضهم ودرس بعض حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسألة من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة فأيد مقالتهم بمناهج كلامية وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية.<ref>الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص93</ref>
 
ذكر ابن خلدون في تاريخه: أنه لما كثر تدوين العلوم وألف المتكلمون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة، واستحدثوا فتنة القول بأن القرآن مخلوق، وهو بدعة صرح السلف بخلافها وعظم ضرر هذه البدعة ولقنها بعض الخلفاء عن أئمتهم فحمل الناس عليها وخالفهم أئمة السلف، فاستحل لخلافهم إيسار كثير منهم ودماؤهم. ثم قال: {{اقتباس مضمن|وكان ذلك سببا لانتهاض أهل السنة بالأدلة العقلية على هذه العقائد دفعا في صدور هذه البدع وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري إمام المتكلمين فتوسط بين الطرق ونفى التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه، فأثبت الصفات الأربع المعنوية والسمع والبصر والكلام القائم بالنفس بطريق النقل والعقل ورد على المبتدعة في ذلك كله، وتكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول بالصلاح والأصلح والتحسين والتقبيح وكمل العقائد في البعثة وأحوال الجنة والنار والثواب والعقاب}}.<ref name="تاريخ ابن خلدون"/> وقال: {{اقتباس مضمن|وألحق بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية من قولهم إنها من عقائد الإيمان وإنه يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة في ذلك لمن هي له وكذلك على الأمة وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية ولا تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعة علم الكلام}}.<ref name="تاريخ ابن خلدون"/> وقال ابن خلدون: {{اقتباس مضمن|وكثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلاميذه كابن مجاهد وغيره وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني فتصدر للإمامة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار}}.<ref name="تاريخ ابن خلدون"/> وقال: {{اقتباس مضمن|وبالجملة فموضوع علم الكلام عند أهله إنما هو العقائد الإيمانية بعد فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكن أن يستدل عليها بالأدلة العقلية فترفع البدع وتزول الشكوك والشبه عن تلك العقائد}}.<ref name="تاريخ ابن خلدون"/>
 
== التعريف بأهل السنة والجماعة ==
أهل السنة والجماعة لقب جرى تداوله منذ فترات سابقة في تاريخ الإسلام بسبب الفرق التي ظهر معظمها في عصور السلف، ثم صارت هذه التسمية تمييزا لهم عن الفرق المخالفة لهم، وأصل التسمية عند أئمة أهل السنة والجماعة يرجع إلى معنى الاتباع، فالسنة المتبعة هي الطريقة المسلوكة في الدين، والجماعة أهل الاتباع هم الخلفاء الراشدون والأئمة المجتهدون من الصحابة والتابعين والفقهاء من أهل الرأي وأهل الحديث ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل، وقد انتقل فقه الصحابة إلى التابعين فمن بعدهم من الأئمة، وكان لهم اجتهادات في [[علم فروع الفقه|الفروع]] والتي نتج عنها ظهور المذاهب الفقهية، واشتهر منها طريقتان للمنهج الفقهي ذكرهما [[ابن خلدون]] في تاريخة (الذي دونه في القرن الثامن الهجري) هما: منهج فقهاء [[أهل الرأي]] في العراق ومقدم جماعتهم الذي استقر المذهب فيه وفي أصحابه [[أبو حنيفة النعمان|أبو حنيفة]]، ومنهج فقهاء [[أهل الحديث]] في الحجاز وإمامهم [[مالك بن أنس]] [[محمد بن إدريس الشافعي|والشافعي]] من بعده.<ref name="ابن خلدون°"/> وذكر ابن خلدون وغيره أن الإمام الشافعي هو أول من وضع [[أصول الفقه|علم أصول الفقه]] الذي صاغه في كتابه: «الرسالة»، فجمع بذلك بين طريقتي الرأي والحديث، وتلخص مذهب أهل السنة في هذه المرحلة في مذاهب الأئمة الثلاثة وهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي، واستقر فقه أهل السنة على هاتين الطريقتين فيهم وفي أصحابهم من بعدهم، ودخل في جماعتهم أئمة المذاهب الأخرى المتفقون معهم في أصول الدين، وتبعهم الأئمة الفقهاء من أصحاب هاتين الطريقتن في القرن الثالث الهجري، ثم استقر الفقه في أئمة [[مذهب (فقه)|المذاهب الأربعة]]، ودخل في جماعتهم أئمة المذاهب الفقهية الأخرى الذين اتفقوا معهم في الأصول.
 
بعد انتشار المعتزلة خصوصا في الفترات الأخيرة من عصر السلف وظهور المشبهة والمجسمة وغيرها من الفِرق التي ظهر معظمها في عصر السلف وحدوث [[أهل السنة والجماعة#الكلام في الصفات ومسائل الاعتقاد|الكلام في الصفات]] وغيرها بدأت بسبب ذلك مرحلة أخرى في استظهار أصول اعتقاد أهل السنة وتأييد مقالتهم بالأدلة ودفع الشبه عنها، وحصل من خلال هذا تمايز هذه الفِرق وكشف أوصافها ومقولاتها ومسمياتها وكتب عنها علماء [[أصول الدين|الأصول]] في «كتب الفرق» (معظمها في القرن الرابع الهجري)، ومنهم: [[أبو المظفر الإسفراييني]] في كتاب: «التبصير في الدين» ذكر تلك الفِرق ثم قال: {{اقتباس مضمن|فهؤلاء الذين ذكرناهم اثنتان وسبعون فرقة}}، والفِرقة الثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة من أصحاب الحديث والرأي.<ref>التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين، فصل في بيان الفِرق على الجملة، طاهر بن محمد الإسفراييني، ج1، ص25، الناشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة الأولى، 1983</ref> ومنهم: [[عبد القاهر البغدادي]] من فقهاء [[شافعية|المذهب الشافعي]] في كتابه: «[[الفرق بين الفرق (كتاب)|الفَرق بين الفِرق]]»، وضح فيه أسماء هذه الفِرق وصفاتها ومقولاتها التي افترقت بسببها عن بعضها ومخالفاتها لأهل السنة، وأن أهل السنة والجماعة هي الفرقة الثالثة والسبعون وأنهم جماعة واحدة من أهل الرأي وأهل الحديث، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وإن اختلفوا في [[علم فروع الفقه|فروع الأحكام]] فذلك لا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفِرق المخالفة لهم.<ref name="الفرق2"/>
 
التعريف الذي يميز أهل السنة والجماعة عن غيرهم من المخالفين لهم إنما يقوم على أساس الاتفاق على قول واحد في الأصول التي اجتمعت عليها جماعة أهل السنة، في المنهج المتبع والطريقة المسلوكة، وإلى هذا أشار [[عبد القاهر البغدادي]] في موضع آخر من هذا الكتاب حيث قال: {{اقتباس مضمن|قد اتفق جمهور أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين كل ركن منها يجب على كل عاقل بالغ معرفة حقيقته ولكل ركن منها شعب وفي شعبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد وضللوا من خالفهم فيها..}}، وقد بين هذه الأصول ثم قال: {{اقتباس مضمن|فهذه أصول اتفق أهل السنة على قواعدها وضللوا من خالفهم فيها وفى كل ركن منها مسائل أصول ومسائل فروع وهم يجمعون على أصولها وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافا لا يوجب تضليلا ولا تفسيقا}}.<ref name="الفرق•">{{مرجع ويب|المؤلف=عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور|وصلة المؤلف= عبد القاهر البغدادي |المسار=https://ar.m.wikisource.org/wiki/الفرق_بين_الفرق|العنوان=الفرق بين الفرق الفصل الثالث من فصول هذا الباب في بيان الأصول التى اجتمعت عليها أهل السنة- ويكي مصدر|الموقع= ar.wikisource.org|اللغة=العربية| تاريخ الوصول= 2018-09-09م| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20130217124659/http://ar.m.wikisource.org:80/wiki/الفرق_بين_الفرق | تاريخ الأرشيف = 17 فبراير 2013 }}</ref>
سطر 436:
كما أنهم ذكروا الفرق الإسلامية وجعلوا منها أهل السنة والجماعة فرقة واحدة، وإنما يكون الخلاف بين أهل السنة والجماعة في الفروع، ومهما كان اختلافهم في فروع الأحكام فلا يحكم بعضهم على بعض بالكفر ولا يصفه بالابتداع، وما قد يقع من خلاف في مسائل العقيدة فهو خلاف شكلي قد يلتبس على العوام، بسبب الحكم على الأشياء من غير استبيان، أو المبالغة في الحكم من غير علم، ومن انتسب إلى أهل السنة والجماعة وخالف إجماعهم فقوله منسوب إليه ومحسوب عليه وحده ومردود عليه، فأهل السنة والجماعة في أصول الاعتقاد مذهب واحد.
 
قال [[تاج الدين السبكي]] في شرح عقيدة ابن الحاجب: "اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادي الموصلة لذلك، أو في لِمِّية ما هنالك. وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف الأول: [[أهل الحديث]] ومعتمد مباديهم: الأدلة السمعية أعني: [[القرآن|الكتاب]]، و[[حديث نبوي|السنة]]، و[[إجماع (فقه)|الإجماع]]. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية وهم: [[أشعرية|الأشعرية]]، وال[[حنفية]]. وشيخ الأشعرية: [[أبو الحسن الأشعري]]، وشيخ الحنفية: [[أبو منصور الماتريدي]]، وهم متفقون في المبادي العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه، وفي المبادي السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط، والعقلية والسمعية في غيرها، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد. الثالثة: أهل الوجدان والكشف؛ وهم ال[[صوفية]]، ومباديهم مبادي أهل النظر والحديث في البداية، والكشف والإلهام في النهاية".<ref>نقلا عن: إتحاف السادة المتقين للزبيدي 2/ 6-7.</ref>
 
وقد قام الإمام [[عبد القاهر البغدادي]] في كتابه [[الفرق بين الفرق (كتاب)|الفرق بين الفرق]] بإحصاء الفرق والطوائف المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة التي ظهرت في تاريخ المسلمين، والتي عاصرها وهي تشتمل على اثنتين وسبعين فرقة منها: ال[[رافضة|روافض]]، وال[[خوارج]]، وال[[قدرية]]، وال[[مرجئة]]، وال[[النجارية|نجارية]]، وال[[بكرية]]، وال[[الضرارية|ضرارية]]، وال[[جهمية]]، و[[الكرامية]]، ثم قال: "فأما الفرقة الثالثة والسبعون فهي أهل السنة والجماعة من فريقي الرأي والحديث دون من يشتري لهو الحديث، وفقهاء هذين الفريقين وقراؤهم ومحدثوهم ومتكلمو أهل الحديث منهم، كلهم متفقون على مقالة واحدة في توحيد الصانع وصفاته، وعدله وحكمته، وفي أسمائه وصفاته، وفي أبواب [[نبي|النبوة]] و[[إمامة|الإمامة]]، وفي أحكام العقبى، وفي سائر [[أصول الدين]]. وإنما يختلفون في الحلال والحرام من فروع الأحكام، وليس بينهم فيما اختلفوا فيه منها تضليل ولا تفسيق وهم [[الفرقة الناجية]]، ويجمعها الإقرار بتوحيد الصانع وقدم صفاته الأزلية، وإجازة رؤيته من غير [[مشبهة|تشبيه]] ولا تعطيل، مع الإقرار بكتب الله ورسله وبتأييد شريعة [[إسلام|الإسلام]]، وإباحة ما أباحه [[القرآن]] وتحريم ما حرمه القرآن، مع قيود ما صح من سنة رسول الله، واعتقاد الحشر والنشر، وسؤال الملكين في القبر، والإقرار بالحوض والميزان. فمن قال بهذه الجهة التي ذكرناها ولم يخلط إيمانه بشيء من بدع ال[[خوارج]] وال[[رافضة|روافض]] وال[[قدرية]] وسائر أهل الأهواء فهو من جملة الفرقة الناجية -إن ختم الله له بها- ودخل في هذه الجملة جمهور الأمة وسوادها الأعظم من أصحاب مالك و[[محمد بن إدريس الشافعي|الشافعي]] وأبي حنيفة و[[عبد الرحمن الأوزاعي|الأوزاعي]] و[[سفيان الثوري|الثوري]] وأهل الظاهر..."<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور|العنوان=الفرق بين الفِرق وبيان الفرقة الناجية|المسار=http://www.islamport.com/w/aqd/Web/2591/18.htm|الصفخة=19 وما بعدها|الناشر=دار الآفاق الجديدة|المكان= بيروت|الطبعة=الثانية|السنة=1977م}}</ref>
 
وذكر [[محمد بن أحمد السفاريني|السفاريني]] {{اقتباس مضمن|أهل السنة والجماعة ثلاث فرق: الأثرية: وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية: وإمامهم أبو الحسن الأشعري. والماتريدية: وإمامهم أبو منصور الماتريدي، وأما فرق الضلال فكثيرة جدا}}.<ref>لوامع الأنوار البهية للسفاريني ج1 ص73</ref> وقال في كتاب العين والأثر: أهل السنة والجماعة ثلاث طوائف هم الأشاعرة والحنابلة والماتريدية.<ref>العين والأثر في عقائد أهل الأثر، ج1 ص53 المؤلف: عبد الباقي بن عبد الباقي بن عبد القادر بن عبد الباقي بن إبراهيم، الناشر: دار المأمون للتراث، دمشق، الطبعة الأولى، 1987. تحقيق: عصام رواس قلعجي.</ref>
 
=== طريقة الأثرية في مسائل الاعتقاد ===
الطريقة الأثرية هي التي تستند على الأثر، والأثر في اللغة بقية الشيء، والمأثور ما ينقله خلف عن سلف،<ref>لسان العرب لابن منظور (أثر) ج1 ص52 وما بعدها</ref> وال[[آثار|أثرية]] من أهل الحديث عند علماء الكلام يطلق على العلماء الذين اعتمدوا في مسائل العقيدة على الأثر الذي يقوم على النقل والأخذ بالأدلة السمعية أي: الكتاب والسنة والإجماع، والأثر بمعنى المأثور قد يكون أعم من الحديث، إلا أن المقصود لا يختلف، وأهل السنة والجماعة سواء كانوا من أهل الأثر أو النظر كلهم من أهل الحديث، لكن الفرق في التسمية يظهر في طريقة الاستدلال، وهذا الفرق مهم في التسمية، وذلك أن الأدلة السمعية أساسية في الأحكام الشرعية سواء كانت علمية أو عملية، غير أن [[علم فروع الفقه|الأحكام العملية]] يكون فيها القياس عند فقد النص، بخلاف الأحكام العلمية (العقيدة) فهي تُؤخذ بالأدلة السمعية عن طريق النقل والنص، ولا مجال فيها للقياس، وقد كان أئمة أهل السنة والجماعة في عصر [[صحابة|الصحابة]] والتابعين يهتمون بنقل علم الشريعة وروايته واستنباط الأحكام الفرعية، وأما الأمور الاعتقادية فكانوا يتلقونها بالمشافهة ولم تكن هي موضع بحثهم واجتهادهم؛ لأنها أمور ثابتة ومقررة متفق عليها، وإنما كانوا يوضحون منها ما هو بحاجة إلى إيضاح وبيان وعند الحاجة لدفع الشبهة، فالأثرية من أهل الحديث اعتمدوا بصفة أساسية على الأدلة السمعية، وأما أهل النظر والصناعة النظرية فجمعوا بين الأدلة السمعية والعقلية معا، ويقصد بهم المتكلمون من فقهاء أهل الرأي أو من فقهاء أهل الحديث.
 
بعد انتشار المعتزلة خلال القرن الثالث الهجري وبحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره أن المعتزلة توغلوا في الصفات فأنكروا صفات ثابتة واستخدموا أساليب كلامية لتأييد ما استحدثوه، وكان من السلف جماعة تعلقوا بظواهر نصوص متشابهة وبالغوا في إثبات الصفات فوقعوا في التجسيم الصريح المناقض للتنزيه، وأما السلف الذين أخذوا بمنهج المتقدمين عليهم من أهل الحديث وسلكوا مسلك السلامة فقالوا في النصوص المتشابهة: نؤمن بها ولا نتعرض لتأويلها، قال الشهرستاني: {{اقتباس مضمن|وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم: [[مالك بن أنس]] رضي الله عنهما إذ قال: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، ومثل [[أحمد بن حنبل]] رحمه الله و[[سفيان الثوري]] و[[داود الظاهري|داود بن علي الأصفهاني]] ومن تابعهم حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية}}.<ref>الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص: (93)</ref> والسلف من أهل الحديث لما رأوا توغل المعتزلة في علم الكلام ومخالفة السنة التي عهدوها من الأئمة الراشدين؛ تحيروا في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في النصوص المتشابهات، قال الشهرستاني: {{اقتباس مضمن|فأما [[أحمد بن حنبل]] و[[داود الظاهري|داود بن علي الأصفهاني]] وجماعة من أئمة السلف فجروا على منهاج السلف المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث مثل: [[مالك بن أنس]] و[[مقاتل بن سليمان]]، وسلكوا طريق السلامة فقالوا: نؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم قطعا أن الله عز وجل لا يشبه شيئا من المخلوقات، وأن كل ما تمثل في الوهم فإنه خالقه ومقدره، وكانوا يحترزون عن التشبيه إلى غاية أن قالوا: من حرك يده عند قراءته قوله تعالى: {{قرآن|خلقت بيدي}} أو أشار بإصبعيه عند روايته: {{حديث|قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن}} وجب قطع يده وقلع أصبعيه}}<ref>محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، الملل والنحل، ج1، الصفحة: 102 وما بعدها</ref>
 
=== طريقة أهل النظر ===
سطر 454:
وتضمن كلام ابن خلدون بيان السبب المباشر لنشأة علم الكلام على مذهب أهل السنة حيث صاغه [[أبو الحسن الأشعري]] وتبعه أصحابه من بعده، وهو علم يقوم على أساس إثبات العقائد الدينية بأدلة العقل والنقل، وكان أبو الحسن الأشعري من فقهاء أهل الحديث، وبنى طريقته على منهج العقل والنقل على أنه لا تعارض بين العقل والنقل.
 
من جهة أخرى فقد كان هناك عمل مماثل لعمل أبي الحسن الأشعري، قام به [[أبو منصور الماتريدي]] (المتوفى سنة: [[333 هـ]]) كان من علماء المذهب الحنفي في بلاد [[بلاد ما وراء النهر|ما وراء النهر]]، وكان ذلك بسبب انتشار مقولات المعتزلة والمشبهة وغيرهما في أواخر عصر السلف، وقد صنف أبو منصور مؤلفات في المقالات وفي الأصول وفي الرد على المعتزلة والقرامطة والروافض، مات ب[[سمرقند]] سنة: [[333 هـ|ثلاث وثلاثين وثلاثمائة هجرية]].<ref>تاج التراجم في طبقات الحنفية، قاسم بن قطلوبجا الحنفي، ج1 ص20</ref><ref group="°">ترجم له المؤرخ [[ابن قطلوبغا]] في كتابه طبقات الحنفية: محمد بن محمد بن محمود أبو منصور الماتريدي إمام الهدى له، ألف كتبا منها: كتاب التوحيد، وكتاب المقالات وكتاب تأويلات القرآن وكتاب بيان وكتاب وهم المعتزلة وكتاب رد الأصول الخمسة، وله كتب في أصول الفقه وفي الرد على المعتزلة والقرامطة والروافض.</ref> والذي قام به [[أبو الحسن الأشعري]] (المتوفى سنة [[324 هـ]])، وأبو منصور الماتريدي (المتوفى سنة [[333 هـ]]) هو أخذ أقول الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين وإيضاحها وتأييدها بزيادة وشرح وتبيين، وتأسيس المنهج النظري وقواعد الاستدلال العقلي لإثبات العقائد الدينية بالطرق السمعية والنظرية معا، أي: بالأدلة النقلية والعقلية، ودفع الشبهات عنها، حيث قاما بصياغة هذا المنهج على طريقة أهل السنة والجماعة هما وأصحابهما من بعدهما، وصار هذا المنهج علما مستقلا يسمى علم الكلام، وكان الغرض منه إيضاح عقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم من الأئمة وتأييدها بالأدلة، بسبب انتشار بدعة المعتزلة والمجسمة وغيرها من الفرق المخالفة لأهل السنة، وصارت سمة أهل النظر والصناعة النظرية عند أهل السنة والجماعة تُطلق على [[الأشعريةأشعرية|الأشاعرة]] نسبة إلى إمامهم أبي الحسن الأشعري، و[[ماتريدية|الماتريدية]] نسبة إلى إمامهم أبي منصور الماتريدي.قال عبد القادر بن أبي الوفاء القرشي (المتوفى: [[775 هـ]]) في كتابه: الجواهر المضية في طبقات الحنفية: {{اقتباس مضمن|الإمام أبو مَنْصُور الماتريدي رئيس أهل السّنة وَأَتْبَاعه من الحنيفة أكثر، والإمام أبو الحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَتْبَاعه من الشَّافِعِيَّة أكثر}}.<ref>الجواهر المضية في طبقات الحنفية، عبد القادر بن محمد بن نصر الله القرشي أبو محمد محيي الدين الحنفي (المتوفى: 775 هـ)، الناشر: مير محمد كتب خانه - كراتشي، ج2 ص562</ref>
 
لا خلاف أن أئمة السلف استخدموا البرهنة العقلية، ومن أمثلة ذلك ما ذكره أبو عبد الرحمن الأذرمي في مجلس الواثق، حتى ظهر في عصر السلف جماعة أيدوا عقائد أهل السنة والجماعة بحجج كلامية وبراهين أصولية ودونوا في ذلك، قال الشهرستاني في الملل والنحل: {{اقتباس مضمن|حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي وأبي العباس القلانسي والحارث بن أسعد المحاسبي وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية..}}.<ref>الملل والنحل للشهرستاني، مقدمة الكتاب</ref>
سطر 462:
تصدر ال[[أشعرية|أشاعرة]] و[[ماتريدية|الماتريدية]] للرد على الفرق الضالة والطوائف المنحرفة، ويعدون هم وأهل الطريقة الأثرية مكون واحد هم سواد علماء أهل السنة والجماعة الأعظم في [[علم التفسير]] و[[علم الحديث]] وفي شتى تخصصات العلم الشرعي.<ref name="dar-eslah.com">[http://www.dar-eslah.com/index.php/messages/group-d/download/223_3ffd38f4f24812f97c5ffe5c396b1f89 الطوائف التي تمثل مذهب أهل الحق في باب التقديس والتوحيد.] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20161026173439/http://www.dar-eslah.com/index.php/messages/group-d/download/223_3ffd38f4f24812f97c5ffe5c396b1f89 |date=26 أكتوبر 2016}}</ref>
 
قال [[بدر الدين الزركشي]] في كتابه «البحر المحيط»: {{اقتباس مضمن|واعلم أن الشيخ أبا الحسن الأشعري كان يتبع الشافعي في الفروع والأصول وربما يخالفه في الأصول، كقوله بتصويب المجتهدين في الفروع، وليس ذلك مذهب الشافعي، وكقوله: "لا صيغة للعموم". قال الشيخ [[أبو محمد الجويني]]: «ونقل مخالفته أصول الشافعي ونصوصه وربما ينسب المبتدعون إليه ما هو بريء منه كما نسبوا إليه أنه يقول: ليس في المصحف قرآن، ولا في القبور نبي، وكذلك الاستثناء في الإيمان ونفي قدرة الخالق في الأزل، وتكفير العوام، وإيجاب علم الدليل عليهم. وقد تصفحت ما تصحفت من كتبه، وتأملت نصوصه في هذه المسائل فوجدتها كلها خلاف ما نسب إليه». وقال [[ابن فورك]] في كتاب شرح كتاب [[مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (كتاب)|المقالات]] للأشعري في مسألة تصويب المجتهدين: اعلم أن شيخنا أبا الحسن الأشعري يذهب في الفقه ومسائل الفروع وأصول الفقه أيضا [[شافعية|مذهب الشافعي]] ونص قوله في كتاب التفسير في باب إيجاب قراءة الفاتحة على المأموم: خلاف قول أبي حنيفة، والجهر بالبسملة: خلاف قول مالك، وفي إثبات آية البسملة في كل سورة آية منها قرآنا منزلا فيها، ولذلك قال في كتابه في أصول الفقه بموافقة أصوله}}.<ref name="الزركشي°">البحر المحيط للزركشي، المقدمة فصل أول من صنف في الأصول ج1 ص18 و19 و20، دار الكتبي ط1، سنة 1414/ 1994م.</ref>
 
=== علم السلوك ===
'''علم السلوك''' أو علم التصوف، من العلوم الشرعية، منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى المعرفة بالله والعلم به، والتحقق بمقام الإحسان، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة، والزهد في الدنيا وأصله أن هذه الطريقة لم تزل طريقة الحق والهداية عند كبار الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم ال[[صوفية]] والمتصوفة.<ref name="العبر1">{{مرجع كتاب|المؤلف1=ابن خلدون|وصلة المؤلف1=ابن خلدون|العنوان=تاريخ ابن خلدون ج1|الصفحة=467 وما بعدها}}</ref> طريقة التصوف منهج السلوك، والمريد هو السالك في الطريقة، ويحتاج في علمه بالطريقة إلى المربي وهو الذي يقود السالك ويرشده إلى السلوك القويم حتى يتمكن من سلوك الطريق، ويترقى في مراقي العبودية بازدياد الإيمان بفعل الطاعات وترك المنهيات، والترقي في مراتب الإحسان بالتقرب إلى الله بالنوافل بعد فعل الفروض والواجبات، والانفراد عن الخلق والإقبال على العبادة ومحاسبة النفس ومعالجة القصور ومجاهدة النفس، حتى ينشأ في كل مجاهدة وعبادة حال يترقى فيها من حال إلى حال، وأصلها كلها الطاعة والإخلاص ويتقدمها الإيمان ويصاحبها، وتنشأ عنها الأحوال، والصفات نتائج وثمرات، ثم تنشأ عنها أخرى وأخرى إلى مقام التوحيد والعرفان، ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة.<ref name="العبر1"/> ولهم مع ذلك آداب مخصوصة بهم واصطلاحات في ألفاظ تدور بينهم، وقد صار علم الشريعة على صنفين صنف مخصوص بالفقهاء وأهل الفتيا، وصنف مخصوص بأهل التصوف في القيام بهذه المجاهدة ومحاسبة النفس عليها والكلام في الأذواق والمواجد العارضة في طريقها وكيفية الترقي منها من ذوق إلى ذوق وشرح الاصطلاحات التي تدور بينهم في ذلك.<ref name="العبر1"/>
 
قال ابن خلدون: {{اقتباس مضمن|وبعد تدوين العلوم كتب رجال من أهل هذه الطريقة في طريقهم، فمنهم من كتب في الورع ومحاسبة النفس على الاقتداء في الأخذ والترك كما فعله القشيري في كتاب الرسالة، والسهروردي في كتاب عوارف المعارف وأمثالهم، وجمع الغزالي رحمه الله بين الأمرين في كتاب [[إحياء علوم الدين]] فدون فيه أحكام الورع والاقتداء ثم بين آداب القوم وسننهم وشرح اصطلاحاتهم في عباراتهم وصار علم ال[[صوفية|تصوف]] في الملة علما مدونا بعد أن كانت الطريقة عبادة فقط وكانت أحكامها إنما تتلقى من صدور الرجال كما وقع في سائر العلوم التي دونت بالكتاب من التفسير والحديث والفقه والأصول وغير ذلك}}.<ref name="العبر1"/>
 
وقد عد بعض علماء السنة بعض أساليب التصوف من الأمور المخالفة للسنة، مثل الامتناع عن الطعام قال [[شمس الدين القرطبي|القرطبي]]: {{اقتباس مضمن|فَأَمَّا طَرِيقَةُ الصُّوفِيَّةِ: أَنْ يَكُونَ الشَّيْخُ مِنْهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَشَهْرًا، مُفَكِّرًا لَا يَفْتُرُ، فَطَرِيقَةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الصَّوَابِ، غَيْرُ لَائِقَةٍ بِالْبَشَرِ، وَلَا مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى السُّنَنِ}}،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=القرطبي|العنوان=الجامع لأحكام القرآن، سورة آل عمران، قوله تعالى: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، جـ4|المسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1031&idto=1031&bk_no=48&ID=451|الصفحة=295|تاريخ الوصول=9 مايو 2018م}}</ref> وأما الرقص والتصفيق فهو منسوب إلى من يفعله لا إلى هذا العلم، قال [[العز بن عبد السلام]]: {{اقتباس مضمن|وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث، لا يفعلها إلى راعن أو متصنع كذاب، وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه، وذهب قلبه، وقد قال عليه السلام: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»، ولم يكن أحد من هؤلاء الذين يُقتدى بهم يفعل شيئاً من ذلك، وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل، ولقد مانوا فيما قالوا، وكذبوا فيما ادعوا... ومن هاب الإله وأدرك شيئاً من تعظيمه لم يَتصور من رقص ولا تصفيق، ولا يَصدر التصفيقُ والرقصُ إلا من غبي جاهل، ولا يصدران من عاقل فاضل}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=العز بن عبد السلام|وصلة المؤلف1=العز بن عبد السلام|العنوان=قواعد الأحكام في مصالح الأنام، فصل في الاقتصاد في المصالح والخيور، ج2|المسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=39&ID=188&idfrom=632&idto=645&bookid=39&startno=6|الصفحة=220-221|تاريخ الوصول=09 مايو 2018}}</ref> وأهل التصوف بعد عصر السلف الصالح في أصول الاعتقاد يأخذون بمذهب أهل السنة والجماعة على طريقة [[أشعرية|الأشعرية]] و[[ماتريدية|الماتريدية]]، ويأخذون بأحد المذاهب الفقهية السنيّة الأربعة، ويأخذون بالكشف والإلهام، وقد تنوعت الطرق التي يسلكها المربون في تربيتهم لمريديهم فنشأ عنها ما عرف بـ "الطرق الصوفية"، أشهرها عند أهل السنة:
{{قائمة أعمدة|2|
* [[دسوقية|الطريقة الدسوقية]].
* [[دسوقية|الطريقة البرهانية]].
* [[شاذلية|الطريقة الشاذلية]].
* [[قادرية|الطريقة القادرية]].
* [[طريقة تيجانية|الطريقة التيجانية]].
* [[رفاعية|الطريقة الرفاعية]].
}}
 
سطر 508:
 
[[تصنيف:أهل السنة والجماعة|*]]
[[تصنيف:طوائف إسلامية]]
[[تصنيف:مصطلحات إسلامية]]