الفتح الإسلامي للغال: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
JarBot (نقاش | مساهمات)
بوت:الإبلاغ عن رابط معطوب أو مؤرشف V3.2
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:إزالة تصنيف عام (3.5) إزالة تصنيف:معارك الفرنجة لوجود (تصنيف:معارك تشمل إمبراطورية الفرنجة))
سطر 1:
{{معلومات نزاع عسكري
| اسم_النزاع = الفَتحُ الإسلَامِيُّ لِلغَالِ
| جزء_من = [[الفتوحاتفتوحات الإسلاميةإسلامية|الفُتُوحاتُ الإسلاميَّةُ]]
| صورة = الفتوحات الإسلامية في الغال.jpg
| تعليق = خريطة تُظهرُ زَحف المُسلمين نحو [[بلاد الغال|الغال]] آتين من [[الأندلس|الأندلُس]] خِلال [[الدولة الأموية|العهد الأُموي]]
| تاريخ = [[100 هـ|100هـ]] \ [[719]]م - [[141 هـ|141هـ]] \ [[759]]م
| مكان = [[بلاد الغال|الغال]] و[[مملكةإمبراطورية الفرنجة|إفرنجية]] (جنوب [[فرنسا]] و[[سويسرا]] و[[إيطاليا]] المُعاصرة)
| نتيجة =
* نصرٌ إسلاميٌ أولي ودُخول جنوب الغال في حظيرة دولة الإسلام
سطر 32:
* '''[[ملف:Umayyad Flag.svg|border|22بك]] <small>[[عقبة بن الحجاج السلولي]]</small>'''
}}{{صندوق حملة الفتوحات الإسلامية}}{{التوغل الإسلامي في الغال}}
'''الفَتحُ الإسلَامِيُّ لِلغَالِ''' أو '''الغَزْوُ الإسْلَامِيُّ لِلغَالِ'''، وفي بعض المصادر ذات الصبغة القوميَّة خُصُوصًا يُعرفُ هذا الحدث باسم '''الفَتْحُ العَرَبِيُّ لِلغَالِ''' (على الرُغم من أنَّ جيش المُسلمين تضمَّن [[عرب|عربًا]] و[[أمازيغ|بربر]] بشكلٍ أساسيٍّ وغيرهم من العرقيَّات الأقل عددًا)، كما يُعرف هذا الحدث أيضًا باسم '''الفَتحُ الإسلَامِيُّ لِغَالَة'''، وتسُميه بعض المصادر '''الفتح الإسلامي لِفرنسا''' أو '''الفتح الإسلامي لِجنوب فرنسا'''، هو سلسلة من الحملات العسكريَّة التي قام بها المُسلمون لِفتح [[الغال|بلاد الغال]] وما وراء [[البرانس|جبال البرتات]] بعد تمام [[الفتح الإسلامي للأندلس|فتح الأندلُس]]. كانت بدايات تلك الفُتُوح ضرورة إستراتيجيَّة لِحماية المُكتسبات الإسلاميَّة في [[إبيريا (توضيح)|أيبيريا]]، إذ كان قسمٌ من نُبلاء [[قوط غربيون|القوط]] - سادة الأندلُس السابقين - قد انسحبوا من أمام الجُيُوش الإسلاميَّة واستقرُّوا في مُقاطعة [[سبتمانيا|سپتمانية]] بِجنوب الغال، فكان لا بُد من مُلاحقتهم والقضاء على نُفوذهم تمامًا كي يستقرَّ الأمر لِلإسلام والمُسلمين في الأندلُس.<ref group="ْ">[https://books.google.com/books?id=o4vrUbMK5eEC&pg=PA1 ''Tricolor and crescent: France and the Islamic world'' by William E. Watson p.1] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160501083942/https://books.google.com/books?id=o4vrUbMK5eEC&pg=PA1 |date=01 مايو 2016}}</ref>
 
توغَّل المُسلمون بعد فتح سپتمانية في بلاد الغال، فتساقطت أمامهم الحُصُون والقلاع والمُدن الواحدة تلو الأُخرى، ففتحوا قسمًا من إقليم [[آكيتين|أقطانية]] وهزموا جُيُوش الأُمراء الإفرنج الواحد تِلو الآخر، ومال إليهم السُكَّان في بعض المُدن رغبةً منهم بِالتخلُّص من سُلطة النُبلاء الإقطاعيين. ولمَّا تبيَّن لِلإفرنج أنَّ بِلادهم ستسقط بِيد المُسلمين تمامًا بعد أن وصل هؤلاء أسوار مدينة [[باريس|بريش (باريس)]] عاصمة [[مملكةإمبراطورية الفرنجة|المملكة]]، اتحد الأُمراء تحت راية الدوق الأكبر فيهم، والذي كان يتولَّى نظارة البلاط الإفرنجي، المدعو [[شارل مارتيل|قارلة مارتل (شارل مارتل)]]، وحاربوا المُسلمين وتمكنوا من هزيمتهم عند مدينة [[تور (مدينة)|طُرش (تور)]] في معركةٍ عُرفت في المصادر العربيَّة والإسلاميَّة باسم «[[معركة بلاط الشهداء|معركة بلاط الشُهداء]]» لِكثرة ما خسره المُسلمين من رجال. تابع المُسلمون رُغم خسارتهم فتح بعض المُدن والمناطق الغاليَّة، فسقطت في أيديهم مُدن [[أفينيون|أبينيون]] و[[ليون|لوطون (ليون)]] وأوتن، على أنَّ سيطرتهم عليها لم تدم طويلًا قبل أن تعود جميعها إلى حظيرة الإفرنج.<ref group="ْ">[https://books.google.com/books?id=o4vrUbMK5eEC&pg=PA1 ''Tricolor and crescent: France and the Islamic world'' by William E. Watson p.1] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160501083942/https://books.google.com/books?id=o4vrUbMK5eEC&pg=PA1 |date=01 مايو 2016}}</ref> وبِحُلول سنة 759م كان المُسلمون قد خسروا سپتمانية أيضًا بعد أن حوصرت قصبة هذا الإقليم، وهي مدينة [[أربونة]]، من قِبل الملك الإفرنجي [[بيبان القصير|پپين القصير]]،<ref group="ْ">[https://books.google.com/books?id=o4vrUbMK5eEC&pg=PA1 ''Tricolor and crescent: France and the Islamic world'' by William E. Watson p.1] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160501083942/https://books.google.com/books?id=o4vrUbMK5eEC&pg=PA1 |date=01 مايو 2016}}</ref> واضطرَّت حاميتها ومن سكنها من المُسلمين الوافدين والأهالي الأصليين الذين أسلموا إلى الانسحاب نحو الأندلُس، بعد حوالي 40 سنة من دُخول الإقليم المذكور في حوزة [[الدولة الأموية|الدولة الأُمويَّة]].
 
توقفت مُحاولات المُسلمين لِفتح الغال خِلال ما تبقَّى من عصر الوُلاة في الأندلُس لِكثرة ما وقع من فتنٍ وثوراتٍ في البلاد وانهماك الوُلاة في إخمادها، ثُمَّ بعد سُقُوط الدولة الأُمويَّة في المشرق وقيام [[الدولة العباسية|الدولة العبَّاسيَّة]] على أنقاضها، وما تبع ذلك من قيامٍ لِإمارة قُرطُبة على يد آخر أُمراء بني أُميَّة [[عبد الرحمن الداخل|عبدُ الرحمٰن الداخل]]، وما اتخذه من وقتٍ لِتثبيت حُكمه وإرساء الأمن والاستقرار في رُبُوع الأندلُس. تابع خُلفاء عبدُ الرحمٰن الداخل إرسال الحملات العسكريَّة نحو الغال في سبيل دفع الخطر الإفرنجي بعيدًا عن [[العالم الإسلامي|ديار الإسلام]] ولِفتح ما تيسَّر من بِلاد. أصابت بعض تلك الحملات قدرًا من النجاح، واستقرَّ المُسلمون في عددٍ من المناطق المهجورة وفق ما تُشير إليه بعض الروايات اللاتينيَّة، كما أُشير إلى استقرار بعض المُسلمين في معابر [[الألب|جبال الألب]] الفاصلة بين [[مملكةإمبراطورية الفرنجة|إفرنجية]] و[[شبه الجزيرة الإيطالية|شبه الجزيرة الإيطاليَّة]]، لكنَّ هؤلاء لم يستمروا في إقامتهم في تلك المناطق، ولم تستثمرهم السُلطة المركزيَّة في [[قرطبة|قُرطُبة]]، فاندثروا مع مُرور الوقت بِحسب الوثائق اللاتينيَّة نتيجة انقطاع صلاتهم مع الأندلُس. وفي عهد [[المنصور بن أبي عامر|الحاجب المنصور]] جرت آخر مُحاولات التوغُّل في الغال دون أن تُصيب نجاحًا مُهمًا، وسُرعان ما توقفت بعد سُقُوط الخِلافة الأُمويَّة الأندلُسيَّة وانقسام البلاد إلى عدَّة [[ملوك الطوائف|ممالك]]. ترك الفتحُ الإسلامي لِلغال آثارًا ثقافيَّة بارزة على الغال والغاليين، إذ تأثَّرت [[لغةاللغة قسطانيةالأوكسيتانية|اللُغة القسطانيَّة]] [[لغةاللغة عربيةالعربية|بِاللُغة العربيَّة]] بِشكلٍ واضح، كما كان لِتلك الحملات أثرٌ أذكته الكتابات المسيحيَّة واستُخدم في توجيه الإفرنج نحو ضرورة قتال المُسلمين بعد قُرونٍ خِلال زمن [[حملات صليبية|الحملات الصليبيَّة]].
 
== أوضاع الغال قُبيل الفُتُوحات الإسلاميَّة ==
سطر 42:
{{أيضا|إمبراطورية الفرنجة{{!}}المملكة الإفرنجيَّة|}}
[[ملف:Frankish Empire 481 to 814-ar.png|تصغير|270بك|المملكة الإفرنجيَّة في مراحل توسُّعها المُختلفة، قبل الفُتُوحات الإسلاميَّة وما بعد تراجُع المُسلمين الأوَّل.]]
كانت [[إمبراطورية الفرنجة|مملكة الإفرنج]] قد قامت وثبَّتت أركانها على يد أميرٍ شُجاعٍ مقدامٍ يُدعى «[[كلوفيس الأول|كلوڤيس]]» كان يتزعَّم إحدى فُروع [[جرمان|القبائل الجرمانيَّة]] التي استقرَّت مُنذُ أواخر [[القرن 5|القرن الخامس الميلادي]]، بين [[الراينراين|نهر الرَّاين]] و[[بحر الشمال]] في [[فلاندر (بلجيكا)|إقليم الفلمنك]] وما إليه، ثُمَّ على ضفاف الرَّاين الوُسطى والموزل.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 77|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-77|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان كلوڤيس المذكور قد فتح شمال [[فرنسا]] المُعاصرة سنة [[486]]م مُنتزعًا إيَّاه من آخر الوُلاة الرومان الذي كان قد أقام به دولة مُستقلَّة بُعيد انهيار [[الإمبراطورية الرومانية الغربية|الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الغربيَّة]]، ثُمَّ حارب القبائل الألمانيَّة القاطنة شرق نهر الرَّاين، وافتتح أراضيها حتَّى [[بافاريا|باڤاريا]]. وفي سنة [[507]]م حارب كلوڤيس [[قوط غربيون|القوط]]، وكانوا قد استقرُّوا في الغال (القسم الجنوبي من فرنسا) وقتل ملكهم [[ألاريك الثاني]]،<ref group="ْ">Herwig Wolfram, ''History of the Goths'', translated by Thomas J. Dunlap (Berkeley: University of California, 1988), p. 292.</ref> واستولى على الأراضي الواقعة ما بين [[لوار|نهر اللوار]] وجبال البرتات، عدا ولاية سپتمانية التي بقيت في يد القوط. وهكذا أرسى كلوڤيس قواعد دولته الكبيرة، وجعلها مملكةً عُظمى تربَّع هو على عرشها لِيكون أوَّل مُلوك الإفرنج عامَّةً ومُؤسس [[ميروفنجيون|الأُسرة الميروڤنجيَّة]]، واتخذ تخت مُلكه في مدينة [[باريس|بريش (باريس)]]، فأصبحت عاصمة بلاد الفرنجة مُنذ ذلك الحين.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 78|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-77#page-78|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> تابع أبناء كلوڤيس وخُلفاؤه من بعده سياسة الفتح، وافتتحوا [[برغونية|بورغندي]]ة وأواسط [[جرمانية]] وشمالي شبه الجزيرة الإيطاليَّة. ثُمَّ وقعت الحرب الأهليَّة حينًا بين أُمراء الإفرنج الذين اقتسموا تُراث كلوڤيس، حتى جاء [[كلوتير الثاني]] سنة [[613]]م فبسط سُلطانه على الغال كُلها، واستأنف الفتح لإخضاع باقي الإمارات الإفرنجيَّة الواقعة شرقيَّ الرَّاين. وسار ولده [[داجوبيرت الأول|داگوبرت]] في أثره، وجمع كلمة [[فرنجة|الفرنجة]] تحت لواءٍ واحدٍ، وغلبت سلطة الإفرنج على جرمانية الغربيَّة ثانيةً.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية" /> كان داگوبرت آخر المُلوك الميروڤنجيين الذي استطاع أن يقبض على زمام السُلطة المركزيَّة بِيدٍ قويَّة،<ref group="ْ">Rose Williams, ''The Lighter Side of The Dark Ages'', page 52 (Anthem Press, 2005). ISBN 1-84331-192-5</ref> أمَّا خُلفاءه فكانوا رجالًا ضِعاف الخِلال والعزائم، مُنغمسين في الترف والملذَّات، فضعُف سُلطان العرش، وانهارت السُلطة المركزيَّة القويَّة التي كان يقبض عليها ملكُ الفرنجة، واستقلَّ الأشراف والزُعماء المحليُّون وأصبح كُلٌ منهم الآمر الناهي في إقطاعه، ولا يرتبط بِالسُلطة المركزيَّة في بريش إلَّا إسميًّا.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية2">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 79|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-77#page-79|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
[[ملف:Coa Illustration Cross Carolingian.svg|تصغير|يمين|«الصليب الكارولنجي»، شعار الأُسرة القارليَّة التي كانت الحاكمة بِالأمر الواقع في المملكة الإفرنجيَّة عشيَّة الفتح الإسلامي.]]
[[ملف:Charles martel St Denis gaignières.jpg|تصغير|270بك|قارلة مارتل (واسمه الفعلي شارل أو كارل مارتل)، ناظر العرش الإفرنجي زمن الفتح الإسلامي لِلغال.]]
[[ملف:فتح الأندلس 92هـ - 711م.jpg|تصغير|270بك|مسار فُتُوحات المُسلمين بِقيادة [[موسى بن نصير|مُوسى بن نُصير]] و[[طارق بن زياد]] عبر [[شبه الجزيرة الأيبيريةالإيبيرية|شبه الجزيرة الأيبيريَّة]] قُبيل التقدُّم نحو الغال.]]
نتيجة ضعف المُلُوك وتراجع سُلطانهم، برزت في تلك الفترة سُلطة سياسيَّة جديدة في البلاط الإفرنجي هي سُلطة الحاجب، الذي عُرف باسم «مُحافظ القصر» أو «ناظر العرش» {{لات|Maior domus}}، وكان هذا المنصب في المبدأ مُتواضعًا، ليست له أية صفة سياسيَّة أو إداريَّة، تقتصر مهامُه على النظر في شُؤون القصر المنزليَّة، ولكنَّهُ غدا منذ أوائل [[القرن 7|القرن السابع الميلاديّ]]، منصبًا هامًّا، يتولاه رجالٌ أقوياء يتطلَّعون إلى السُلطة، وأصبح بمضيِّ الزمن أهم مناصب المملكة الإفرنجيَّة السياسيَّة والإداريَّة، يستأثر صاحبه بِكُل السُلطات الحقيقيَّة، وإليه مُنتهى الأمر في أخطر شُؤون الدولة، يُباشرُها باسم العرش ومن ورائه، ولا يُباشر الملك إلى جانبه غير رُسوم المُلك الإسميَّة، ويلتف حوله الزُعماء والأكابر، ويُباشر في مُعظم الأحيان سُلطة الملك الحقيقيَّة، خُصوصًا إذا كان الملك طفلًا قاصرًا، فهو عندئذٍ يغدو الملك الحقيقي باسم الوصي أو النائب.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية2" /> كانت [[كارولنجيون|الأُسرة القارليَّة (الكارولنجيَّة)]] القويَّة قد اختصت بهذا المنصب الخطير، منذُ عهد الملك داگوبرت،<ref>{{Cite EB1911|wstitle=Carolingians}}</ref> وأخذت تُهدد بِنُفُوذُها وقُوَّتها مصير الأُسرة الميروڤنجيَّة الملكيَّة. وكان القارليُّون أقوى بُطون الإفرنج في [[أوستراسيا|أوستراسيا (إفرنجية الشرقيَّة)]]، فامتلكوا ضياعًا شاسعةً ما بين نهري الرَّاين والموزل وتزعَّموا جماعة النُبلاء، وتولُّوا منصب رُعاة الكنيسة، ومُنح زعيمهم مُحافظ القصر لقب «دوق الإفرنج» تنويهًا بِرياسته وسُلطانه، الذي أصبح فوق سُلطان العرش.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية2" /> وكان انحلال الأُسرة الميروڤنجيَّة وانهيار سُلطانها سببًا في تفرُّق كلمة الفرنجة وانحلال المملكة الإفرنجيَّة الشاسعة، وتطلُّع الزُعماء إلى الاستقلال والرياسة، أُسوةً بما انتهى إليه مُحافظ القصر؛ فأُضرمت نيران الحرب الأهلية حينًا بين الإفرنج في أوستراسيا والإفرنج في [[نيوستريا|نيوستريا (إفرنجية الغربيَّة)]]، وأسفر هذا الصراع عن استقلال ولاية أقطانية في غالة الجنوبيَّة، وكذلك استقلال مُعظم الولايات الجرمانيَّة، ِبرياسة طائفة من الأُمراء الأقوياء.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية2" /> آل منصب المُحافظ في أواخر القرن السابع الميلاديّ إلى أميرٍ مقدامٍ جريءٍ من الأُسرة القارليَّة، هو پپين الهرشتالي {{فرن|Pépin d'Héristal}}، فحارب الخارجين عن طاعته في [[فريزيا]] و[[ساكسونيا|سكسونيا]] وباڤاريا وأخضعهم، ولبث مُحافظًا لِلقصر يحكم مملكة الفرنجة في الشرق والغرب بِقُوَّةٍ وعزمٍ، مدى سبعةٍ وعشرين عامًا، ثُمَّ تُوفي سنة [[715]]م موصيًا بِمنصبه لحفيده الطفل تودفالد، ولد ابنه گريمولد الذي قُتل قبل وفاته.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية3">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 80|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-77#page-80|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان لِپپين الهرشتالي ولدٌ آخر من زوجته «ألفايده»، وهو [[شارل مارتيل|قارلة (كارل أو شارل) مارتل]]،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|author1-last=Joch|author1-first=Waltraud|العنوان=Legitimität und Integration: Untersuchungen zu den Anfängen Karl Martells|date=1999|الناشر=Matthiesen Verlag|المكان=Husum, Germany}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بخبر|author1-last=Gerberding|author1-first=Richard A.|العنوان=Review of ''Legitimität und Integration: Untersuchungen zu den Anfängen Karl Martells'' by Waltraud Joch|التاريخ=أكتوبر 2002|journal=Speculum|volume=77|number=4|الصفحات=1322–1323}}</ref><ref group="ْ">{{مرجع كتاب|العنوان=World military leaders: a biographical dictionary|السنة=2007|الناشر=Facts on File|isbn=978-0-8160-4732-1|الصفحة=63|المسار=https://books.google.com/books?id=QSJoaugn2h8C&lpg=PA63&dq=Charles%20Martel%20born%20Herstal&pg=PA63#v=onepage&q=Charles%20Martel%20born%20Herstal&f=false|المؤلف=Mark Grossman|تاريخ الوصول=2 حُزيران (يونيو) 2011}}</ref> تركه أبوه فتًى قويًّا في نحو الثلاثين من عُمره، وكان من الطبيعي أن يكون هو مُحافظ القصر بعد وفاة أخويه الكبيرين گريمولد ودروگو. ولكنَّ پپين تأثَّر بِتحريض زوجه الأولى «بلكترود» وأوصى بِالمنصب لِحفيده، فكان مُحافظ القصر طفلًا هو تودفالد، يحكم مكان الملك الميروڤنجي وهو طفلٌ أيضًا، بِواسطة بلكترود التي عُيِّنت وصيَّة على حفيدها.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية3" /> وكان أوَّل ما فعلت بلكترود أن قبضت على قارلة، وزجَّتهُ إلى السجن لتأمن شرَّه ومُنافسته. ولكنَّ أشراف إفرنجية الشرقيَّة ساءهم أن تتولَّى الحُكم امرأة. فثاروا ونادوا بأحد زعمائهم «راگنفرد» مُحافظًا لِلقصر،<ref group="ْ">Strauss, Gustave Louis M. (1854) ''Moslem and Frank; or, Charles Martel and the rescue of Europe,'' Oxford, GBR:Oxford University Press, see [https://books.google.com/books?id=Z4YBAAAAQAAJ], accessed 2 August 2015. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20161224073524/https://books.google.com/books?id=z4YBAAAAQAAJ |date=24 ديسمبر 2016}}</ref> ونشبت الحرب بين الفريقين، وهُزم حزب بلكترود، فارتدَّت مع حفيدها إلى [[كولونيا|كلونية]]، وقبض راگنفرد على زمام الحُكم. وفي تلك الأثناء فرَّ قارلة من سجنه، والتف حولهُ جماعة من أنصار أبيه، وحارب الفرنجة الشرقيين، فاستغاث راگنفرد بالدوق أودو أمير أقطانية القوي، فلم يُغنه ذلك شيءًا، وانتهى قارلة بأن هزمه ومزَّق قُوَّاته، واضطره إلى التسليم والصُلح. أما بلكترود فقد عقدت الصُلح أيضًا، وتنازلت عن كُل حقوقها. وغدا قارلة مارتل مُنذ سنة 720م مُحافظًا لِلقصر لا يُنازعه مُنازع، يحكم جميع الفرنجة في القسمين الشرقي والغربي من المملكة، وعند هذه النُقطة كان المُسلمون قد فرغوا من فتح الأندلُس وطرقوا باب الغال.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية3" />
 
=== الأوضاع الاجتماعيَّة ===
[[ملف:Frühmittelalterliches Dorf.jpg|نموذجٌ لِما كان عليه شكلُ القُرى والبلدات في العُصُور الوُسطى المُبكرة في مُختلف البلاد الجرمانيَّة بما فيها المملكة الإفرنجيَّة.|تصغير|يمين]]
كان الشكلُ الأوليّ من نظام [[إقطاعية|الإقطاع]] يسود مُختلف أنحاء المملكة الإفرنجيَّة، وكانت جُمهرة من الأُمراء والدوقات والكونتات تتقاسم السُلطة في مُختلف الولايات والأنحاء، وكُلَّما ضعُف سُلطانُ العرش اشتد نفوذُ أولئك الزُعماء المحليين، كما أُسلف. كما كانت العشائريَّة سائدة بين مُختلف طبقات الشعب، بحيثُ تعصَّب كُلُّ فريقٍ لِجماعته وعشيرته التي يتحدّر منها.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية" /> وكان حق وراثة الأرض بين الإفرنج موضوعًا حسَّاسًا على المُستوى الاجتماعي، نظرًا لِأنَّ المكانة السياسيَّة والاجتماعيَّة لِلفرد كانت تتوقف عليه، فوفقًا لِحق الوراثة كانت تقل أو تزيد مكانة الإفرنجي بِانتقاص أو ازدياد ما يملكه من أراضٍ وضياع.<ref name="اجتماعيًا">{{مرجع كتاب|المؤلف1= عُمران، محمود سعيد|العنوان= معالم تاريخ أوروبَّا في العُصُور الوُسطى|الطبعة= الثانية|الصفحة= 147 - 148|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربية]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وحقُ وراثة الأرض كان عادة اجتماعيَّة قديمة سادت بين القبائل الجرمانيَّة مُنذُ ما قبل استقرارها وتحضُّرها، فكان زعيمُ العشيرة يُوزِّع الجياد والرِّماح على رفاق السِّلاح قبل أي غزوة، وكان منحُ مثل هذه الأشياء يتم دون تحفُّظ، وكان من يتلقَّاها يحتفظ بها طالما كانت صالحة لِلاستعمال حتَّى ولو ترك خدمة زعيمه. وكان من حق المُحارب أن يُوصي بها عند وفاته لِأيِّ شخصٍ يشاء، ولم يكن هُناك ضررٌ من ذلك لِأنَّ مثل هذه الأشياء يُمكن تعويضها في عمليَّات غزوٍ جديدة. ولكنَّ المُشكلة كانت أنَّ رئيس العشيرة كان يمنح بعض الأراضي بعد الغزو، وليس من السهل تعويض الأرض بِقدر تعويض السلاح، وهُنا أدرك المُلوك ضرورة تحديد وتقييد هباتهم من الأراضي، ومن هذه القُيُود ولاءُ من يحصل على المنحة وأن تكون المنحة طوال حياته فقط ولا تُورَّث من بعده.<ref name="اجتماعيًا" /> وكان من الطبيعي أن يميل النُبلاء إلى التخلُّص من شرط الولاء وعدم التقيُّد بِالمُدَّة وأن يكون من حقِّهم توريث الأرض لِأولادهم. ولمَّا ضعُفت سُلطة العرش الإفرنجي نجحوا بِذلك، على أنَّ بعض المُلُوك الأقوياء أو مُحافظي القصر الذين لاحظوا العجز الناشئ في إيرادات الأراضي نتيجة تملُّص النُبلاء من ولائهم لِلعرش فرضوا بعض الضرائب على النُبلاء لِتعويض هذا العجز، فتمرَّد عليهم هؤلاء، ممَّا ولَّد صراعٌ اجتماعيٌّ دائم بين الحُكَّام وطبقة النُبلاء تمثَّل بِرغبة الأخيرين في تأمين مركزٍ دائمٍ لِأنفُسهم ولِأُسرهم من بعدهم، وبِضرورة تحقيق الحُكومة مُتطلبات المملكة النامية.<ref name="اجتماعيًا" /> أمَّا على صعيد طبقة الفلَّاحين والمُزارعين، فإنَّ الوثائق والمخطوطات بِالكاد تذكر عنها شيءًا قبل [[القرن 9|القرن التَّاسع الميلاديّ]]، وجلَّ ما هو معروف عن هذه الطبقة في [[عصورالعصور وسطىالوسطى مبكرةالمبكرة|العُصُور الوُسطى المُبكرة]] يتأتَّى من [[علم الآثار|الاكتشافات الأثريَّة]]. ويبدو من خِلال التدقيق في تلك الاكتشافات، ومُطالعة الوثائق القليلة المُتبعثرة، أنَّ هذه الطبقة كان منها من يخضع بِالكامل لِسُلطة النُبلاء الإقطاعيين، وأنَّ بعضها الآخر كان عبارة عن مُجتمعاتٍ مُصغرة ذاتيَّة الحُكم إلى حدٍ كبير.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |المؤلف=Wickham, Chris |وصلة المؤلف=:en:Christopher Wickham |العنوان=The Inheritance of Rome: Illuminating the Dark Ages 400–1000 |الناشر=Penguin Books |المكان=New York |السنة=2009 |isbn=978-0-14-311742-1|الصفحات=204-210}}</ref> وقد تجمَّع الفلَّاحون في قُرى أو بلدات صغيرة شُيِّدت مُنذُ [[الإمبراطورية الرومانية|العصر الروماني]] ثُمَّ تراجع شأنها بعد انهيار الإمبراطوريَّة، وكان مُعظم تلك التجمُّعات مُحصنًا يتمحور حول سوقٍ محليَّة أو كنيسةٍ كُبرى. وعرفت الزراعة بعض التحسُّن والتطوُّر عن العصر الروماني، فاستعمل الفلَّاحون أنواعًا أكثر تقدُمًا من [[محراث|المحارث]]، واعتمدوا أُسلوب [[تناوب المحاصيل لمدة ثلاث سنوات|تناوُب المحاصيل لِمُدَّة ثلاث سنوات]].<ref group="ْ">Thaër A. von, [1809] 1811. ''Principes raisonnés d’agriculture'', traduction de EVB Crud, tome premier. Paris, Paschoud, ix + 372 p.</ref>
 
=== الأوضاع الاقتصاديَّة ===
[[ملف:Denier Charlemagne1.jpg|تصغير|دينارٌ إفرنجيّ فضيّ ضُرب في عصر شارلُمان، في مدينة طولوشة. تبلغ زنته حوالي 1.19 گرامًا، وتصلُ سماكته إلى 21 ملِّيمترًا.]]
كان المُجتمع الإفرنجي يعتمدُ على الاقتصاد الزراعي، ومن أهم خصائص ذلك الاقتصاد: الضيعة، التي تكفي نفسها بنفسها من المنتوجات الزراعيَّة والمصنوعات المحليَّة. أمَّا الصناعة فكانت مراكزها الأساسيَّة في الأديرة التي اشتهرت بِإنتاج أفضل المصنوعات المعدنيَّة والجلديَّة والخشبيَّة وغيرها، كما انتشرت
الصناعة في الضياع والقُرى.<ref name="الموسوعة العربية">{{مرجع ويب| الأخير = الجوني| الأول = وفاء| المسار = https://www.arab-ency.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%88%D9%84%D9%86%D8%AC%D9%8A%D9%88%D9%86| العنوان = الكارولنجيون (752 - 987م)| الصفحات = 824| الموقع = الموسوعة العربيَّة، المُجلَّد الخامس عشر| تاريخ الوصول = [[17 أبريل|17 نيسان (أبريل)]] [[2017]]| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20171008094726/http://www.arab-ency.com:80/ar/البحوث/الكارولنجيون | تاريخ الأرشيف = 08 أكتوبر 2017 }}</ref> وفي ظل اقتصاد يعتمد على الضيعة، تعذر تلمُّس آثار الحياة المدينيَّة، فكانت «المُدن» عبارة عن بلداتٍ وحُصُون أكثر منها مُدنًا فعليَّة.<ref name="الموسوعة العربية" /> أمَّا التجارة فإنها كانت محصورة وضيِّقة ومحليَّة، وذلك لِأنَّ [[الفتوحاتفتوحات الإسلاميةإسلامية|الفُتُوحات الإسلاميَّة]] في [[شمال أفريقيا]] وما رافقها من أعمالٍ عسكريَّةٍ، حالت دون تدفُّق البضائع الأفريقيَّة نحو [[أوروبا الغربية|أوروپَّا الغربيَّة]]، كما فقد الروم البيزنطيُّون قسمًا كبيرًا من طُرق تواصُلهم وتجاراتهم مع أوروپَّا الغربيَّة نتيجة الفُتُوحات، فأصبحوا مُضطرين لِلإتجار مع تلك البلاد عن طريق البر،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 132|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ممَّا زاد من تكلفة النقل والمخاطر، ورفع أسعار البضائع الشرقيَّة في الغرب، ولمَّا كان الفقر مُنتشرًا في أواسط العامَّة من الأوروپيين، لم يُقبل أحد تقريبًا على اقتناء تلك المُنتجات، واستعاضوا عنها بِالمُنتجات المحليَّة، وأغلبُها كان بسيطًا. حافظت المناطق الإفرنجيَّة الجنوبيَّة المُطلَّة على [[البحر الأبيض المتوسط|البحر المُتوسِّط]] على صناعة [[فخار|الفخَّار]] ويبدو أنَّ تجارة البضائع الفخَّاريَّة كانت رائجة وشائعة في تلك الفترة بِجنوب الغال، وكان هُناك شبكات تجارة بها مُتوسطة في تلك الأنحاء، على أنَّ قسمًا منها كان مُخصصًا لِلاستهلاك المحلّي فقط.<ref group="ْ">Wickham ''Inheritance of Rome'' pp. 218–219</ref> أمَّا العُملة السائدة آنذاك فكانت عِبارة عن شكلٍ مُعدَّل من [[ديناريوس|الدينار الروماني]]، وكان يُسكُّ من الذهب حتَّى أواخر القرن السَّابع الميلاديّ، عندما أصبح يُسكُّ من الفضَّة.<ref group="ْ">{{يستشهد موسوعة |author=Grierson, Philip |authorlink=:en:Philip Grierson |title=Coinage and currency |encyclopedia=The Middle Ages: A Concise Encyclopedia |publisher=Thames and Hudson |editor=Loyn, H. R. |location=London |year=1989 |isbn=0-500-27645-5 |pages=97–98}}</ref>
 
=== الأوضاع الدينيَّة ===
[[ملف:Battle of Tolbiac.jpg|تصغير|لوحة جصيَّة تُظهرُ المعركة بين الإفرنج بِقيادة كلوڤيس والآلمان، ويبدو كلوڤيس وهو يتضرَّع إلى [[الله في المسيحية|الله]] كي يُنقذ جيشه من الفناء، وهي الواقعة التي أدَّت إلى [[تنصير|تنصُّره]] وفق رواية جرجير الطُرشي.]]
[[ملف:13thcenturyrabbis.jpg|تصغير|رسمٌ لِحفنةٍ من الحاخامات اليهود الفرنجة خِلال العُصُور الوُسطى. يُلاحظ أنَّ الرسَّام صوَّر لِباس بعضهم شبيهًا بِلِباس البطاركة والكهنة النصارى، في حين يظهر الآخرون بِلباسٍ أقرب إلى لِباس أحبار اليهود القروسطي.]]
كانت [[مسيحية|المسيحيَّة]] واسعة الانتشار بين صُفُوف الفرنجة بدايةً من سنة 496م تقريبًا، عندما اعتنق الملك كلوڤيس - المذكور سلفًا - وأكثر من ثلاثة آلاف من رجاله المسيحيَّة على [[مسيحية خلقيدونية|المذهب الخلقيدوني]]. وتُفيدُ رواية المُؤرِّخ الغالي الروماني جرجير الطُرشي ([[لغة فرنسية|بِالفرنسيَّة]]: Grégoire de Tours؛ [[لغة لاتينية|بِاللاتينيَّة]]: Gregorius Turonensis) في كتابه المُعنون «تاريخ الفرنجة» {{فرن|Histoire des Franks}} أنَّ كلوڤيس تعرَّف على المسيحيَّة من خلال زوجته «كلوتلدا» التي وُلدت على هذا الدين، ولمَّا نشبت الحرب بين الإفرنج و[[ألامانيون|الآلمان]]، واشتبك كلوڤيس ورجاله مع الأعداء في معركةٍ طاحنةٍ كادت أن تُهزم فيها القُوَّاتُ الإفرنجيَّة، رفع كلوڤيس عينه لِلسماء وهو يبكي وقال كما لو كان يُخاطبُ [[يسوع|السيِّدُ المسيح]]: {{اقتباس مضمن|أَنتَ الَذِي عَانَيتَ لِتُقَدِّمَ المُسَاعَدَةَ لِلمُحتَاجِين والنَّصرُ لِمَن يَثِقُونَ فِيكَ، أَسأَلُكَ المَجدَ بِمُسَاعَدَتِك، وَإِذَا أَعطَيتَنِي النَّصرَ عَلَى أَعدَائِي... فَإِنَّنِي أُصَدِّقُك وَسِأُعَمَّدُ بِاسمِكَ وَأَتَخَلَّى عَن آلِهَتِي... إِنِّي أُنَادِيكَ وَأُرِيدُ أَن أُؤمِنَ بِكَ فَنَجِّني مِن أًعدَائِي أَوَّلًا...}}. ويُضيف جرجير المذكور أنَّهُ عندما نطق كلوڤيس بِهذه الكلمات استدار الآلمان وبدأوا في الفرار بعدما لقى ملكهم مصرعه، فخضع جُنُودهم لِلإفرنج وتوسَّلوا لِكلوڤيس كي يُوقف المذبحة، وأعلنوا استعدادهم لِلدُخُول في طاعته، فوافق كلوڤيس وتوقفت الحرب، وعاد إلى منزله حيثُ [[معمودية|عُمِّد]] بعد أيَّامٍ مع رجاله.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= عُمران، محمود سعيد|العنوان= معالم تاريخ أوروبَّا في العُصُور الوُسطى|الطبعة= الثانية|الصفحة= 91 - 93|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربية]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> مهَّد اعتناق كلوڤيس لِلمسيحيَّة على المذهب الخلقيدوني إلى التحالف والتقارب الذي قام بين الفرنجة و[[بابوية كاثوليكية|البابويَّة]] في الفترة التالية من حُكم الفرنجة. ولمَّا تقرَّب الفرنجة من البابويَّة، وقع الخِلافُ الدينيّ بينهم وبين الطوائف المسيحيَّة الأُخرى المُناوئة لِلخلقيدونيَّة، وأبرزُها [[آريوسية|الآريوسيَّة]]. فقد كان المذهب الآريوسي واسع الانتشار بين عامَّة الشعب من العناصر الجرمانيَّة الأُخرى في الغال، ومنها [[مملكة بورغنديبرغونة|البُورغنديُّون]] و[[قوط غربيون|القُوط الغربيُّون]]، فقاتلهم الإفرنج بِقيادة كلوڤيس، فهُزم البُورغنديين واعتنق ملكهم گُندوباد المذهب الخلقيدوني، ثُمَّ طرد القوط الغربيين من الغال، لِيُصفِّي ما بقي في البلاد من الأملاك غير الإفرنجيَّة ويُطهرها من المذاهب اللاخلقيدونيَّة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= عُمران، محمود سعيد|العنوان= معالم تاريخ أوروبَّا في العُصُور الوُسطى|الطبعة= الثانية|الصفحة= 93 - 94؛ 96|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربية]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> توطَّدت علاقة الإفرنج بِالبابويَّة في عهد البابا [[غريغوري الثالث|جرجير الثالث]] (731 - 741م)، عندما اتفق الأخير مع قارلة مارتل على التعاون، على أن يغزو أحدهما بِالسيف والآخر بِالصليب. فخرج [[تبشير بالإنجيل|المُبشرون]] تحت رعاية المملكة الإفرنجيَّة لِتنصير الوثنيين في جرمانية، ونقل البابا إلى قارلة مفاتيح [[قبر القديس بطرس|قبر القديس بُطرُس]] مع هدايا أُخرى، وطلب منهُ القُدوم إلى إيطاليا وتخليصها من يد اللومبارديين الذين باتوا يُهددون روما تهديدًا خطيرًا، على أنَّ قارلة لم يكن لديه الوقت الكافي لِإنجاز هذه الحملة، بسبب صراعه مع المُسلمين.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= عُمران، محمود سعيد|العنوان= معالم تاريخ أوروبَّا في العُصُور الوُسطى|الطبعة= الثانية|الصفحة= 162|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربية]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
[[ملف:مقاتلان لومبارديان.jpg|تصغير|يمين|نموذج لِما كانت عليه ملابس وأسلحة الجُنُود الإفرنج واللومبارد من دُرُوع وتُروس وسُيُوف وأقواس ونِبال وفُؤوس وخوذ.]]
إلى جانب المسيحيَّة، كان هُناك فئة صغيرة من ال[[يهود]] تعيشُ في بعض المُدن الغاليَّة والإفرنجيَّة مُنذُ العصر الروماني بِحسب الظاهر، ولعلَّهم تواجدوا في الغال بِصفةٍ رسميَّة مُنذُ عهد الإمبراطور [[كاراكلا|كاراكلَّا]] الذي منح أحرارهم الجنسيَّة الرومانيَّة، كما فعل مع جميع الفئات المُكوِّنة لِلمُجتمع الروماني.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|العنوان=The Edinburgh Companion to Ancient Greece and Rome: Late Antiquity|الأخير=Lim|الأول=Richard|الناشر=Edinburgh University Press|السنة=2010|isbn=|المكان=|الصفحات=114}}</ref> عاش اليهود بطمأنينة إلى جانب النصارى في الغال، وتشارك الطرفان بِبعض الأعياد والمُناسبات، غير أنَّ أوضاع اليهود ما لبثت أن أخذت تتدهور بعد انعقاد مجمع أُرليانش (أورليان) سنة 539م، عندما حذَّر رجال الدين المسيحيُّون رعاياهم من الانجرار وراء المُعتقدات والأفكار اليهوديَّة أو التأثُّر بهم كي لا يُفسدون عليهم دينهم، كما أصدر المجمع قرارًا يمنع اليهود من التجوُّل في الشوارع يوم الأحد، ومن التزيُّن كذلك وحتَّى من تزيين بُيُوتهم في ذلك اليوم، كما هُدم الكنيس اليهودي في بريش (باريس) وأُقيمت مكانه كنيسة. وفي سنة 629م فرض الملك داگوبرت تعميد جميع اليهود في بلاده تحت طائلة الطرد والترحيل، ويبدو أنَّهُ نفَّذ وعيده إذ أنَّ الوثائق لا تُشير إلى أيِّ تواجُدٍ يهوديٍّ في البلاد في زمانه، على أنَّ إقليم سپتمانية الذي كان خاضعًا لِلمملكة القوطيَّة الغربيَّة بقي معقلًا من معاقل اليهود، فعاشوا في مدينة [[أربونة]] وعملوا بِالتجارة، رُغم تعرُّضهم لِلمُضايقات من المُلُوك القوط أيضًا، ممَّا جعلهم يثُورون عليهم عدَّة مرَّات.<ref group="ْ">{{مرجع ويب|المسار=https://www.jewishvirtuallibrary.org/jsource/vjw/France.html#History|العنوان=The Virtual Jewish History Tour, France|العمل=Jewish Virtual Library| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20161205020932/http://www.jewishvirtuallibrary.org:80/jsource/vjw/France.html | تاريخ الأرشيف = 05 ديسمبر 2016 }}</ref> وكان ممَّا زاد البغضاء والكراهيَّة تجاه اليهود أنَّ طائفة الرذنيَّة منهم (أو الرادانيُّون، تيمُنًا بِ[[نهر الرون]] المُسمَّى «روادنوس» بِاللاتينيَّة حيثُ كانت مراكز اليهود) احتكروا تجارة ال[[ذهب]] وال[[حرير]] و[[بردية|البردي]] والفلفل الأسود و[[بخور|البُخُور]] مع [[العالم الإسلامي|ديار الإسلام]]، فكانوا وحدهم من يصلون الشرق بِالغرب، واضطرَّ عامَّة الشعب إلى اللُجوء إليهم لِلحُصُول على بعض البضائع، كما اضطرَّت الكنائس إلى اللُجوء إليهم لِلحُصُول على البُخُور،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|المؤلف=Henri Pirenne|العنوان=Mahomet et Charlemagne (reprint of 1937 classic)|الصفحات=123–128|السنة=2001|الناشر=Dover Publications|isbn=0-486-42011-6|اللغة=fr}}</ref> حتَّى أنَّ لفظ «يهودي» {{لات|Judalus}} و«تاجر» {{لات|Mercator}} كانا مُترادفين إذ ذاك.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 148|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
سطر 71:
{{الإسلام}}
[[ملف:الفتوح الإسلامية في شمال أيبيريا.jpg|تصغير|يمين|مسار حملات وفُتوحات مُوسى بن نُصير وطارق بن زياد في الشمال الأيبيري، قبل أن يتوقفا بناءً على أمر الخليفة ويعودان إلى دمشق.]]
أتمَّ المُسلمون بِقيادة [[موسى بن نصير|مُوسى بن نُصير]] و[[طارق بن زياد]] افتتاح أغلب [[شبه الجزيرة الأيبيريةالإيبيرية|شبه الجزيرة الأيبيريَّة]] سنة 95هـ المُوافقة لِسنة 714م، ثُمَّ أوقفت الأعمال العسكريَّة بِأمرٍ من الخليفة [[الوليد بن عبد الملك]] وعاد قائدا الفتح سالِفا الذِكر إلى [[دمشق]] لِأسبابٍ اختلف المُؤرخون على تحديدها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 55 - 56|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وقبل أن يُغادر مُوسى بن نُصير عيَّن ابنه عبد العزيز واليًا على الأندلُس طيلة مُدَّة غيابه، وأمرهُ بِمُتابعة الجهاد لِتوطيد الفتح، وترك معهُ جيشًا ونفرًا من أنجاد المُسلمين ووُجوههم منهم حبيب بن أبي عُبيدة الفهري حفيد [[عقبة بن نافع]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= مُؤلِّف مجهول|المؤلف2= تحقيق: إبراهيم الإبياري|العنوان= أخبار مجموعة في فتح الأندلُس وذكر أُمرائها رحمهم الله والحروب الواقعة بها بينهم|الإصدار= الثانية|الصفحة= 19|السنة= [[1410 هـ|1410هـ]] - [[1989]]م|الناشر= دار الكتاب اللُبناني|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسار= https://ia601308.us.archive.org/15/items/FP149781/01_149781.pdf}}</ref> لم يمكث عبد العزيز بن مُوسى طويلًا في إشبيلية، إذ أنَّ مُقتضيات الفُتُوح أجبرته على الخُرُوج لِفتح أقاليم غربيّ الأندلُس والمناطق الواقعة في شرقيّ البلاد وشمالها. فخرج على رأس جيشٍ يُرافقه دليلٌ من رجال يُليان باتجاه الأقاليم الغربيَّة، ففتح [[يابرة]] الواقعة بِالقُرب من [[لشبونة]]، و[[شنترين]] الواقعة على نهر تاجة، و[[قلمرية|قُلمريَّة]] قُرب ساحل المُحيط الأطلسي، وأستورقة المُجاورة لِجُليقية، وتوقَّف عند حُدود هذه المُقاطعة الجبليَّة لِينعطف نحو الجنوب حيثُ لا زالت بعض المواقع الهامَّة خارج نطاق السيطرة الإسلاميَّة، ففتح مُدن [[رية|ريَّة]] و[[مالقة]] وغيرها من القُرى التابعة لها، وسيطر على كامل مُقاطعة ريَّة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[إفاريست ليفي بروفنسال|پروڤنسال، إڤاريست ليڤي]]|المؤلف2= ترجمة: علي عبدُ الرءوف البمبي وعلي إبراهيم منوفي والسيِّد عبد الظاهر عبد الله|العنوان= تاريخ أسبانيا الإسلاميَّة من الفتح إلى سُقُوط الخِلافة القُرطُبيَّة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 56 - 57|السنة= 2000|الناشر= المجلس الأعلى لِلثقافة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسار=http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:117167}}</ref> وفرَّ مُعظم المُدافعين القوط والإفرنج إلى الجبال للاحتماء بها. وأخضح [[إلبيرة]]، وترك فيها حاميةً عسكريَّةً مُشتركةً من المُسلمين واليهود الذين كانوا مُتواجدين فيها، ثُمَّ توجَّه نحو [[مرسية]] في الشرق ووطَّد الحُكم الإسلامي فيها وأخضعها رسميًّا لِلإدارة الأُمويَّة. ثُمَّ عمل عبد العزيز بوصيَّة أبيه، فأرسل الغزوات إلى طرَّكونة وجرونة على الشاطئ الشمالي الشرقي، وإلى [[بنبلونة]] في الشمال الشرقي، وإلى [[أربونة]] على خليج ليون من ساحل [[مملكةإمبراطورية الفرنجة|إفرنجية]] الجنوبي.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[عمر فروخ|فرُّوخ، عُمر]]|العنوان= العرب والإسلام في الحوض الغربي من البحر الأبيض المُتوسِّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 103|السنة= [[1378 هـ|1378هـ]] - [[1959]]م|الناشر= منشورات المكتب التجاري|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وبِذلك استُكملت عمليَّاتُ الفُتُوح في عهد عبدُ العزيز بن موسى، ولم يبقَ خارج نطاق السيطرة الإسلاميَّة سوى بضعة جُيُوب، وطُويت صفحة العهد القوطي نهائيًّا في البلاد، وافتُتحت صفحة العهد الإسلامي فيها.
 
قضت سياسة المُسلمين، بعد أن فتحوا شبه جزيرة أيبيريا ووصلوا إلى سُفُوح جبال البرتات، بِعُبُور هذه الجبال الفاصلة بين الأندلُس والمملكة الإفرنجيَّة في غالة وغزو المناطق الجنوبيَّة لِهذه المملكة، بِهدف حماية مُكتسباتهم في الجنوب. ذلك أنَّ بعض بقايا القوط تمركزت في مُقاطعة سپتمانية الواقعة في جنوبي غالة، وهي على وشك التنسيق مع القوط في أقصى شمال غربيّ الأندلُس، على الجانب الآخر من الجبال، لِطرد المُسلمين من البلاد، فكان إخضاعُ هذا الإقليم وسُكَّانه من القوط لِسُلطان المُسلمين ضرورة عسكريَّة. والمعروف أنَّ إقليم سپتمانية ظلَّ بعيدًا عن سيطرة الفرنجة مُنذُ أيَّام كلوڤيس، مُؤسس المملكة الإفرنجيَّة كما أُسلف، الذي فشل في ضمِّه إلى أراضي مملكته، ثُمَّ جاءت أحداث انقسام الأُسرة الميروڤنجيَّة الحاكمة بِسبب ما جرى من اقتسام المملكة بين ورثته، الأمر الذي أدَّى إلى استمرار ابتعاد الإفرنج عن الإقليم، وترك القوط ينعمون بِالسيطرة عليه، وظلَّ تابعًا لهم حتَّى نُسب إليهم وعُرف باسم «بلاد القوط» {{لات|Gothia أو Marca Gothica}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[إفاريست ليفي بروفنسال|پروڤنسال، إڤاريست ليڤي]]|المؤلف2= ترجمة: علي عبدُ الرءوف البمبي وعلي إبراهيم منوفي والسيِّد عبد الظاهر عبد الله|العنوان= تاريخ أسبانيا الإسلاميَّة من الفتح إلى سُقُوط الخِلافة القُرطُبيَّة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 69|السنة= 2000|الناشر= المجلس الأعلى لِلثقافة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسار=http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:117167}}</ref> ويُعدُّ حرص المُسلمين على ضمان سلامة مُمتلكاتهم بِفتح مناطق الأطراف المُجاورة تفكيرٌ سليم في حقل السياسة العسكريَّة حيثُ ظلَّ القوط يُشكِّلون خطرًا عليهم ويُهددون مُمتلكاتهم.
 
أدرك مُوسى بن نُصير من قبل أهميَّة فتح هذا الإقليم لِتأمين الخُطُوط الدفاعيَّة لِلولاية الإسلاميَّة الجديدة من الشرق والشمال، فصمَّم على ضمِّه إلى المُمتلكات الإسلاميَّة، واتخاذه حاجزًا يقي المُسلمين الهجمات من الشمال والشمال الشرقي، غير أنَّ مشروعه لم يتحقق ووقف عند سُفُوح جبال البرتات بِسبب استدعائه إلى دمشق. ويبدو أنَّ الإشارات المُتناثرة الواردة في بُطُون الكُتب التاريخيَّة من أنَّ مُوسى بن نُصير أراد عُبُور جبال البرتات والتوغُّل في عُمق القارَّة الأوروپيَّة وُصوُلًا إلى دمشق عن طريق [[القسطنطينية|القُسطنطينيَّة]]،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد وليُّ الدين عبدُ الرحمٰن بن مُحمَّد الحضرمي الإشبيلي]]|المؤلف2= تحقيق: خليل شحادة|العنوان= كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر (الجُزء الرابع)|الإصدار= الثانية|الصفحة= 117 - 118|السنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|الناشر= دار الفكر|تاريخ الوصول= [[27 ديسمبر|27 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[2015]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-12320#page-2292}}</ref> أمرٌ بعيدُ الاحتمال ويخرج عن نطاق التفكير السليم، غير أنَّهُ يُمكن القول إنَّ [[الفتوحاتفتوحات الإسلاميةإسلامية|الفُتُوح الإسلاميَّة]] بِعامَّة مُنذُ أن انطلقت في أيَّام [[أبو بكر الصديق|أبي بكرٍ الصدِّيق]]، لا تتوجه إلى ميدانٍ جديدٍ إلَّا بعد أن تدعم قواعدها وتُثبِّت أقدامها في المناطق التي تفتحها، ثُمَّ تجعل منها مناطق صالحة لِلانطلاق واستئناف الجهاد، ولم تشُذ الفُتُوح في الغرب عن هذه القاعدة العامَّة، وهي التقدُّم في خُطى مُتدرِّجة ومُتتابعة وفقًا لِمُقتضيات الظُروف الداخليَّة والخارجيَّة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 115|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وكرَّس مُعظم الوُلاة، الذين تعاقبوا على حُكم الأندلُس، وقتهم وجُهدهم في مُتابعة هذه الرسالة على الرُّغم من المُشكلات الداخليَّة التي كانوا يُواجهونها، كما أنَّ قراراتهم بِهذا الشأن لم تتأثَّر بِتوجُّهات سُلطة الخِلافة المركزيَّة في دمشق أو سُلطة الولاية في [[القيروان]]، وإنما بِحتميَّات التطوُّر السياسي والعسكري على الأرض وبِالواقع الجديد الذي فرض سياسات توسُّعيَّة يُمكن ألَّا تتفق مع توجُّهات الخليفة الأُموي أو والي إفريقية المُقيم بِالقيروان.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= بيضون، إبراهيم|العنوان= تاريخ الدولة العربيَّة في إسبانية من الفتح حتَّى سُقُوط الخِلافة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 146 - 147|السنة= [[1986]]|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
== مسير العمليَّات العسكريَّة ==
=== فتح سپتمانية ===
[[ملف:Map of Septimania in 537 AD-ar.svg|تصغير|موقع سپتمانية (البُني) في جنوب الغال.]]
ابتدأت مُحاولات فتح سپتمانية بعد افتتاح مُدن [[الثغر الأعلى]]: [[سرقسطة]] و[[طراغونة|طركونة]] و[[برشلونة]] وغيرها، إذ سار [[موسى بن نصير|مُوسى بن نُصير]] شمالًا، فاخترق [[البرانس|جبال البرتات]]، وغزا [[سبتمانيا|سپتمانية]] فاستولى على [[قرقشونة]] و[[أربونة]]،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[أحمد المقري التلمساني|شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الأولى|الصفحة= 53|السنة= [[1900]]م|الناشر= دار صادر|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1002#page-252 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}} جاء فيه: {{اقتباس مضمن|وأتمّ موسى الفتح، وتوغّل في الأندلس إلى برشلونة في جهة الشرق وأربونة في الجوف، وصنم قادس في الغرب، ودوّخ أقطارها، وجمع غنائمها، وأجمع أن يأتي المشرق من ناحية القسطنطينية، ويتجاوز إلى الشام دروبه ودروب الأندلس، ويخوض إليه ما بينهما من أمم الأعاجم النصرانية، مجاهداً فيهم، مستلحماً}}</ref> ثم غزا وادي [[نهر الرون]] التابع لسُلطان [[إمبراطورية الفرنجة|مملكة الفرنجة]]<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن عذاري|ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثالثة|الصفحة= 16|السنة= [[1983]]م|الناشر= دار الثقافة|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-11782#page-324 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}} جاء فيه: {{اقتباس مضمن|وذكروا أن موسى خرج من طليطلة غازيا، بفتح المدائن، حتى دانت له الأندلس. وجاءه أهل جليقية يطلبون الصلح؛ فصالحهم. وفتح بلاد البشكنش، وأوغل في بلادهم حتى أتى قوما كالبهائم. وغزا بلاد الإفرنج. ثم مال حتى انتهى إلى سرقسطة؛ فأصاب فيها ما لا يعرف قدره.}}</ref> حتَّى بلغ مدينة [[ليون|لوطون]]؛ فتأهَّب الفرنجة، ويُقال وقعت بعض المُناوشات بين المُسلمين والفرنجة على مقربة من أربونة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 53|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-53|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> إلا أنها كانت مجرّد غارات سريعة لم ترق إلى الفتح.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 36-37|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> ظلَّت الأُمور هادئة، بعد ذلك بعد استدعاء مُوسى بن نُصير إلى [[دمشق]]، وتولِّي ابنه [[عبد العزيز بن موسى بن نصير|عبدُ العزيز]] ولاية [[الأندلس|الأندلُس]]، ثُمَّ الاضطراب الذي شهدته الولاية بمقتل عبد العزيز إلى أن دخلها [[الحر بن عبد الرحمن الثقفي|الحُر بن عبدُ الرحمٰن الثقفي]] واليًا في نهاية سنة 97هـ المُوافقة لِسنة 716م، حيثُ جدَّد الحُر مُحاولات المُسلمين لِلتوسُّع شرقًا، فعبر جبال البرتات في ربيع سنة 99هـ المُوافقة لِسنة 718م، فافتتح [[قرقشونة]] وأربونة و[[بيزييه|بزبيه]] و[[نيم]]ة، وتابع زحفه حتى ضفاف [[نهر غارون|نهر الغارون]]. ولكنَّهُ اضطرَّ أن يعود أدراجه، بعد أن حدثت قلاقل في منطقة [[منطقة نافارانبرة|نبرّة]] الجبليَّة، وفي قُرطُبة. ثم جاءه العزل بعدما تولَّى الخليفة الجديد [[عمر بن عبد العزيز|عُمر بن عبد العزيز]] الذي عيّن [[السمح بن مالك الخولاني|السَّمح بن مالك الخولاني]] بدلاً منه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 74|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-74 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> والواقع أنَّ النشاط العسكري الإسلامي الجدِّي ابتدأ مع تولِّي السمح بن مالك ولاية الأندلُس في سنة 100هـ المُوافقة لِسنة 719م، وهو العام نفسه الذي تولَّى فيه قارلة بن پپين الثاني منصب مُحافظ القصر في مملكة الفرنجة، ويُعدُّ ذلك حدثًا غير عاديّ في تاريخ العلاقات بين المُسلمين في الأندلُس وبين مملكة الفرنجة، من واقع أنَّ هذه الأخيرة لم تستطع أن تتصدَّى لِفُتُوح المُسلمين في شبه الجزيرة الأيبيريَّة قبل مجيء پپين وابنه قارلة.<ref name="فتح سپتمانية">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 116|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
[[ملف:VuesurNarbonne2013.JPG|تصغير|الطريق نحو مدينة أربونة عاصمة سپتمانية، وتبدو المدينة نفسها في الأُفق.]]
كان السمح بن مالك قائدًا شُجاعًا، قويُّ الإيمان، راسخُ العقيدة، حوَّل الحماس في نُفُوس الجُند إلى جهاد، ولم يتردَّد، بعد استلام مُهمَّاته، في المضيّ بِأوَّل حملة عسكريَّة ذات طابع توسُّعي إلى ما وراء جبال البرتات، مُدركًا أهميَّة مُقاطعة سپتمانية، التي كانت جُزءًا من المملكة القوطيَّة الغربيَّة التي قضى عليها المُسلمون، وخُطورة بقاء القوط فيها.<ref name="فتح سپتمانية" /> كانت سپتمانية مُقاطعة ساحليَّة تمتد من جبال البرتات على امتداد ساحل الغال المُطل على البحر المُتوسِّط، وتتصل بالريڤييرا الإيطاليَّة في الزمن المُعاصر، واشتملت على سبعة أقسام إداريَّة الأمر الذي جعلها تُعرف بِسپتمانية {{لات|Septimania}}، أي «مُقاطعة الجهات السبع» أو «المعاقل السبعة»،<ref name="العدوي">{{مرجع كتاب|المؤلف1= العدوي، إبراهيم أحمد|العنوان= المُسلمون والجرمان: الإسلام في غرب البحر المُتوسَّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 178 - 179|السنة= [[1960]]|الناشر= دار المعرفة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وعاصمتها مدينة أربونة المُهمَّة، ذات الموقع الإستراتيجي الفريد على ساحل البحر المُتوسِّط. استهلَّ السمح بن مالك استعداداته العسكريَّة بِأن اتخذ من مدينة برشلونة القطلونيَّة قاعدةً لِلانطلاق والغزو، ثُمَّ عبر جبال البرتات من ناحية [[روسيون]]، فألفى نفسه في مُقاطعة سپتمانية،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 75|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-53|تاريخ الوصول= [[27 أبريل|27 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وزحف باتجاه العاصمة أربونة التي اختارها لِتكون أوَّل فُتُوحه لِعدَّة أسباب، لعلَّ أهمها:
[[ملف:Al-Andalus732-ar.jpg|تصغير|خريطة تُظهر امتداد الحُدود الإسلاميَّة من الأندلُس على طول الساحل المُتوسطي لِتشمل مُقاطعة سپتمانية.]]
* قُرب المدينة من البحر، وتُؤمِّن السيطرة عليها لِلمُسلمين قاعدةً بحريَّةً تتلقَّى الإمدادات عن طريق البحر بدلًا من اجتياز جبال البرتات المليئة بِالشعاب والمخاطر.<ref name="العدوي" />
سطر 88:
* يتيحُ فتح المدينة نشر الإسلام في كافَّة أرجاء جنوب الغال.
* إنَّ مُناخ المدينة يُناسب مزاج المُسلمين حيثُ يُشبه مناخ مُدن شمالي أفريقيا والأندلُس.
حاصر السمح بن مالك مدينة أربونة مُدَّة ثمانية وعشرين يومًا حتَّى سقطت في يده، فدخلها وحصَّنها وشحنها بِالحاميات وجعلها قاعدةً لِفتح سائر مُقاطعة سپتمانية. وفعلًا فتح المُسلمون مُدن هذه المُقاطعة، كان من بينها مدينة [[قرقشونة]]، وتصدَّى السمح لِكُلِّ قوَّةٍ حاولت مُقاومته،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 75|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-75|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ثُمَّ عمد إلى تنظيم شُؤون المُدن المفتوحة وفقًا لِلمبادئ الإسلاميَّة، فأعاد ترتيب شُؤون الإدارة العامَّة بِشكلٍ عادل، وترك الأهالي النصارى يختارون بين الإسلام وبين البقاء على المسيحيَّة، وأعطاهم عهد الأمان على أنفُسهم وأملاكهم ونسائهم وأولادهم وأموالهم ودُور عبادتهم، وترك لهم حُريَّة الاحتكام إلى رجال الدين المسيحيين في المُشكلات التي تنشب بينهم،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= مُؤلِّف مجهول|المؤلف2= تحقيق: إبراهيم الإبياري|العنوان= أخبار مجموعة في فتح الأندلُس وذكر أُمرائها رحمهم الله والحروب الواقعة بها بينهم|الإصدار= الثانية|الصفحة= 22 - 23|السنة= [[1410 هـ|1410هـ]] - [[1989]]م|الناشر= دار الكتاب اللُبناني|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسار= https://ia601308.us.archive.org/15/items/FP149781/01_149781.pdf}}</ref> فكفلت هذه السياسة السمحة المحبَّة والتقدير لِلسمح ومن معهُ من المُسلمين من جانب السُكَّان الذين كان الفرنجة يُعاملونهم مُعاملةُ قاسية مليئة بِالتعالي على الرُغم من انتمائهم الديني المُشترك، الأمر الذي جعلهم مكروهين في تلك البقاع الجنوبيَّة.<ref name="ReferenceA">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 117|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
=== غزوات أقطانية ومعركة طولوشة ===
{{أيضا|معركة تولوز{{!}}معركة طولوشة}}
[[ملف:Nuremberg chronicles f 71v 1.png|تصغير||يمين|رسمٌ أوروپي قُروسطي لِمدينة طولوشة، عاصمة دوقيَّة أقطانية التي حاول المُسلمين فتحها.]]
واصل السمح بن مالك توغُّله في جنوبيّ الغال باتجاه الشمال الغربي، حيثُ نهرُ الغارون حتَّى وصل إلى مدينة [[تولوز|طولوشة (تولوز)]] عاصمة مُقاطعة [[آكيتين|أقطانية]]، وحطَّم أثناء زحفه المُقاومة التي اعترضته من جانب [[باسكبلاد البشكنش|البشكنس]] والغسكونيين، سُكَّان هذه الأنحاء.<ref name="عنان أقطانية">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 81|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-81 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كانت مُقاطعة أقطانية تحت حُكم الدوق [[أودو دوق أقطانيا|أودو الكبير]]، الذي استقلَّ بها أثناء مرحلة النزاع الميروڤنجي الداخلي في عهد أحفاد كلوڤيس. وكان أودو المذكور ينتمي إلى السُلالة الميروڤنجيَّة، ومن أجل ذلك كان يحقد على قارلة مارتل مُحافظ القصر لاستئثاره بِالسُلطة من دون أقربائه الشرعيين، وكان قد سبق واصطدم به قبل ذلك، لِذا عمل، بعد انفصاله عن السُلطة المركزيَّة في المملكة الإفرنجيَّة، على توسيع رقعة أراضيه في جنوبي بلاد الغال على حساب أُمرائها الإقطاعيين المُنهمكين في التنازع على الأراضي والامتيازات، وساندهُ القوط والبشكنس.<ref name="ReferenceA"/> وكان أودو يُراقب عن كثب تطوُّر الأوضاع السياسيَّة في مُقاطعة سپتمانية تمهيدًا لِلانقضاض عليها وضمِّها إلى أملاكه، وذلك بِهدف الاستفادة من مواردها وتقوية مركزه، لِمُواجهة قارلة وانتزاع مُلك الإفرنج منه، وكان هذا قد بدأ بِدوره يُخطط لِلاستيلاء على هذه المُقاطعة وما يُجاورها من بلاد، وقد أزعجهُ فتح المُسلمين لها، لِذلك نهض لاستعادتها منهم.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان= Histoire de France depuis les origines jusqu’à la Révolution|الأخير=Lavisse|الأول=Ernest|وصلة المؤلف=إرنست لافيس|السنة= 1901|المكان= France|isbn= |الصفحة=45}}</ref> كما يبدو أنَّ النشاط الإسلامي روَّع أهل أقطانية، فكان هذا دافعٌ آخر استغلَّهُ الدوق أودو لِإعلان الحرب على المُسلمين.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 245|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> وسُرعان من استرعت استعدادت الدوق أودو انتباه السمح بن مالك، فأسرع بِالزحف نحو العاصمة طولوشة لِفتحها قبل وُصُول الدوق إليها. ضرب المُسلمون الحصار على المدينة وبدأوا في استخدام آلات الحرب التي أحضروها معهم، وبِواسطة مراجمهم أخذوا يدفعون بِالجُنُود الإفرنج الذين كانوا فوق التحصينات إلى الداخل، فكانت المدينة على وشك السُقُوط في أيديهم حينما وصل أودو إلى ظاهرها.<ref name="رينو">{{مرجع كتاب|المؤلف1=رينو، جوزيف|المؤلف2=تعريب د. إسماعيل العربي|العنوان= الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي|الطبعة= الأولى|الصفحة= 51|السنة= [[1984]]|الناشر= دار الحداثة|المكان= [[الجزائر (مدينة)|الجزائر العاصمة]] - [[الجزائر]]}}</ref>
 
أشارت بعض المصادر التاريخيَّة إلى أنَّ الجيش الإفرنجي كان كبيرًا لِدرجة أنَّ الغُبار الذي كان يتصاعد تحت أقدام الجُنُود كان من الكثافة بِحيثُ غطَّى ضوء النهار عن أعيُن المُسلمين،<ref name="رينو" /> فاضطربوا لِذلك، لكنَّ السمح جعل يسيرُ بين صُفوف الجُند يحُثهم فيها على الثبات عند اللقاء ويقرأ عليهم الآية المائة والستين من [[سورة آل عمران|سُورة آل عمران]]: {{قرآن|إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}}،<ref name="رينو" /> وانقضَّ الجيشان على بعضهما «كالسيل العارم النَّازل من جبل»، وفق الوصف الوارد في بعض المصادر الإسلاميَّة، ودارت بين الطرفين [[معركة تولوز|معركة كبيرة حامية الوطيس]] يوم [[9 ذو الحجة|9 ذي الحجة]] [[102 هـ|102هـ]] المُوافق فيه [[9 يونيو|9 حُزيران (يونيو]]) [[721]]م، أظهر فيها السمح شجاعة نادرة، فكان يظهر في كُلِّ مكانٍ من ميدان القتال يُنظِّمُ الصُفُوف ويبُثُّ الحماس في نُفُوس الجُند، ويقولون إنَّ الجُنُود كانوا يتعرَّفون على الممر الذي سلك بِأثر الدماء التي تجري فيه والتي تركها سيفه. ولكنَّهُ بينما كان يُقاتلُ في قلب المعركة أصابه رمح وأسقطه عن فرسه،<ref name="رينو" /><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن عذاري|ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثالثة|الصفحة= 26|السنة= [[1983]]م|الناشر= دار الثقافة|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-11782#page-334 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref> ولم يكن من السهل تفادي تلك الخسارة نظرًا لاختلال التوازن العسكري بين القُوَّتين، كما أنَّ مقتله قضى نهائيَّا على معنويَّات المُقاتلين، فتخاذلوا وتبعثرت صُفُوفهم، واختاروا أحد كِبار الجُند، وهو [[عبد الرحمن الغافقي|عبدُ الرحمٰن الغافقي]]، لِتولِّي القيادة العامَّة، وكان نائب السمح بن مالك. لم يستطع الغافقي أن يفعل شيءًا سوى تنظيم عمليَّة الانسحاب وإنقاذ من تبقَّى من الجُند والعودة إلى أربونة.<ref name="عنان أقطانية"/><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن عذاري|ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثالثة|الصفحة= 26|السنة= [[1983]]م|الناشر= دار الثقافة|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-11782#page-335 |تاريخ الوصول= [[29 أبريل|29 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref> خسر المُسلمون جرَّاء هذه الهزيمة بعض المُدن وأبرزها قرقشونة، كما سقط في هذه المعركة كثيرٌ من أعلام المُسلمين، وبعضهم ممن شاركوا في الفُتُوحات السَّابقة. طبعت معركة طولوشة هذه المرحلة من التوسُّع الإسلامي في الغال بِطابعٍ جهاديّ خاص وسُميت بِـ«سنوات المد الإسلامي باتجاه أوروپَّا»، وشكَّل مقتل السمح بن مالك نُقطة ارتكاز وانتشار في تلك المُقاطعات في ذلك الوقت، وبناء إدارة إسلاميَّة فيها.<ref name="ReferenceB">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 118|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
=== التوغُّل الإسلامي في عُمق إفرنجية ===
[[ملف:Cite Carcassone remparts.JPG|تصغير|مدينة قرقشونة القديمة، فتحها المُسلمون بدايةً زمن السمح بن مالك ثُمَّ خسروها وأعادوا فتحها بِقيادة عنبسة بن سُحيم الكلبي.]]
وُلِّي عبدُ الرحمٰن الغافقي إدارة شُؤون الأندلُس مُؤقتًا ريثما يتولَّاها شخصٌ آخر، فتولَّى تصريف أُمورها شُهورًا قليلة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= مُؤلِّف مجهول|المؤلف2= تحقيق: إبراهيم الإبياري|العنوان= أخبار مجموعة في فتح الأندلُس وذكر أُمرائها رحمهم الله والحروب الواقعة بها بينهم|الإصدار= الثانية|الصفحة= 34|السنة= [[1410 هـ|1410هـ]] - [[1989]]م|الناشر= دار الكتاب اللُبناني|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|المسار= https://ia601308.us.archive.org/15/items/FP149781/01_149781.pdf}}</ref> ثُمَّ عيَّن [[بشر بن صفوان الكلبي]]، والي إفريقية والمسؤول إداريًّا عن الأندلُس، قريبه [[عنبسة بن سحيم الكلبي|عنبسة بن سُحيم]] واليًا عليها خلفًا لِلسمح بن مالك، فقدِم إلى [[قرطبة|قُرطُبة]] في شهر صفر سنة 103هـ المُوافق فيه شهر آب (أغسطس) سنة 721م لِيتسلَّم مهام منصبه من عبد الرحمٰن الغافقي.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن عذاري|ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثالثة|الصفحة= 27|السنة= [[1983]]م|الناشر= دار الثقافة|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-11782#page-335 |تاريخ الوصول= [[29 أبريل|29 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref> وبعد أن قضى مُدَّة أربع سنوات في تنظيم شُؤون الولاية وحل المُشكلات الداخليَّة؛ استأنف النشاط الجهادي فيما وراء جبال البرتات في أراضي الغال في سنة 105هـ المُوافقة لِسنة 723م، وقد هدف إلى إزالة الأثر السيء الذي ترتَّب على هزيمة السمح بن مالك والانتقام لِمقتله، واستعادة ما خسره المُسلمُون من أراضٍ في مُقاطعة سپتمانية وتعزيز التواجد الإسلامي فيها، ثُمَّ الانطلاق من تلك المُقاطعة لِغزو عُمق بلاد الفرنجة.<ref name="ReferenceB"/> وفي سنة 105هـ المُوافقة لِسنة 724م، سار الوالي الجديد بِالجيش شمالًا عابرًا جبال البرتات مرَّة أُخرى، فاستعاد بعض مُدن سپتمانية التي فقدها المُسلمون بعد هزيمة طولوشة، مثل قرقشونة التي حاصرها وشدَّد عليها الحصار حتَّى نزل المُدافعون عن البلد على شُرُوطه، فنزلوا لهُ عن المدينة ونصف الإقليم المُحيط بها وتعهَّدوا بِرد أسرى المُسلمين الذين كانوا في الحصن وبِأن يدفعوا الجزية إذا اختاروا البقاء على دينهم، وأن يشتركوا مع المُسلمين في حرب أعدائهم جنبًا إلى جنب وأن يُقدموا لهم فرقة عسكريَّة تُساندهم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 246|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> يُضيفُ صاحب «مُدوَّنة مواسياك» أنَّ عنبسة استولى بعد ذلك على [[نيم]]ة وأخذ من أهلها رهائن بعثهم إلى برشلونة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 73|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> لِيكونوا ضمانًا على ولاء سُكَّانها. ويتحدث مُؤرخون إفرنج عاصروا هذه الأحداث عن تخريب أديرة «جوسل» {{فرن|Jaucels}} على مقرُبة من [[بيزييه|بزبيه]]، و«سان بوزيل» {{فرن|St. Bausile}} قريبًا من نيمة، وكذلك ديرٌ يقع في «سان جيل» {{فرن|Saint-Gilles}} قُرب آرل، حيثُ بُنيت فيما بعد مدينة تحملُ نفس الاسم، وديرٌ في منطقة «إيگمورت» {{فرن|Aiguesmortes}}. ويقول هؤلاء المُؤرخين أنَّ وُصُول المُسلمين إلى هذه الأديرة كان مُفاجأةً كبيرة، فلم يكد الرُهبان يجدون الوقت لِلخُرُوج بما فيها من الآثار والتُحف الدينيَّة،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأخير1= Ménard|الأول1= Léon|وصلة المؤلف1=:en:Léon Ménard
|العنوان= Histoire des évêques de Nismes, où l'on voit ce qui s'est passé de plus mémorable dans cette ville pendant leur épiscopat, par rapport à la religion|السنة= 1737|المكان= Paris|bibcode=|p=98}}</ref> وكذلك استطاعوا تحطيم أجراس الكنائس خوفًا من أن يحملها المُسلمون معهم، وتنصُّ تلك المصادر الإفرنجيَّة أيضًا على أنَّ المُسلمين وجدوا من السُكَّان بعض المُقاومة، ولكنهم لم يستعملوا العُنف في البُلدان التي أعلنت خُضُوعها من تلقاء نفسها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=رينو، جوزيف|المؤلف2=تعريب د. إسماعيل العربي|العنوان= الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي|الطبعة= الأولى|الصفحة= 53|السنة= [[1984]]|الناشر= دار الحداثة|المكان= [[الجزائر (مدينة)|الجزائر العاصمة]] - [[الجزائر]]}}</ref> تابع عنبسة بن سُحيم زحفه على رأس جيش المُسلمين، ففتح ما بين المُدن سالِفة الذِكر من القواعد، ثُمَّ تابع زحفه شمالًا في وادي الرون، مُهاجمًا [[برغونية|بورغندي]]ة حتَّى وصل إلى مدينة أوتن، فغزاها وخرَّبها وغنم منها غنائم وافرة. عند هذه المرحلة، لجأ أودو دوق أقطانية إلى مُفاوضة المُسلمين ومُهادنتهم بعد أن رأى تصميمهم على فتح كامل البلاد، وحتَّى لا يقع بين فكَّي كمَّاشة المُسلمين من جهة، وقارلة مارتل من جهةٍ أُخرى.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 82|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-82|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
[[ملف:The Saracen Army outside Paris, 730-32 AD.png|تصغير|{{ط|جيشُ السراسنة خارج باريس}}، رسمٌ يعود لِأوائل القرن التاسع عشر الميلادي، بِريشة يوليوس شور ڤون كارولسفلد.]]
أتاح رُكُون أودو إلى الهُدوء أن يُتابع المُسلمون تحرُّكهم باتجاه وادي الرون، فتقدَّم عنبسة بن سُحيم مع امتداد [[نهر الرون|مجرى النهر]] صُعُودًا، ويبدو أنَّهُ وجد الطريق أمامه خالية، فسار مُسرعًا، دون أن يلقى مُقاومة، وصعد مع النهر حتَّى أدرك نهر الساءون، وفتح في دربه مدائن كثيرة هي - بِحسب بعض المُؤرخين - أوزه وڤيين، وجاس في جهات مُقاطعة پروڤانس، وأشرف على مدينة لوطون (ليون) عاصمة بورغندية، وهُناك تفرَّع الجيشُ الإسلامي إلى قسمين: القسمُ الأوَّل فتح مدائن ماسون وشالون وديجون وبيز ولانگر، والقسم الثاني اتجه صوب أوتن مرَّة أُخرى. وتوغَّل المُسلمون بعيدًا إلى مدينة صانص على بُعد مائة وعُشرون كيلومترًا جنوبي بريش (باريس) ففتحوها،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان= Histoire de France depuis les origines jusqu’à la Révolution|الأخير=Lavisse|الأول=Ernest|وصلة المؤلف=إرنست لافيس|السنة= 1901|المكان= France|isbn= |الصفحة=84}}</ref> ثُمَّ تابعوا زحفهم حتَّى أصبحوا على بُعد ثلاثين كيلومترًا من بريش، حيثُ انتهت غاراتهم واسعة المدى. ويبدو أنَّ المُقاومة التي لقاها المُسلمين، بِقيادة «إيبون» أُسقف صانص، أجبرت عنبسة بن سُحيم على التوقُف والعودة إلى الجنوب.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 247|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> عاد عنبسة بمن معهُ من الجُند مُحملين بِالغنائم بعد أن وصلوا إلى قلب الغال، وغزوا حوض الرون كُلِّه وتخطوا نهر اللوار وأصبحوا على مسافة قصيرة من السين نفسه، وتركوا قلب بلاد الفرنجة دون أن يستقرُّوا فيها. وعلى الرُغم من جُرأة المُحاولة التي قام بها عنبسة بن سُحيم ووُصوله إلى أبعد مسافة وصل إليها قائدٌ مُسلم من قبل في قلب أوروپَّا؛ فإنَّ أعماله العسكريَّة هذه كانت أقرب إلى المُحاولة منها إلى الفتح المُنظَّم والاستقرار، فلم يكن هُناك أيَّة إجراءات خاصَّة توحي بِذلك، حيثُ كان يفتح المُدن ثُمَّ لا يلبث أن يُغادرها من دون أن وضع حامية عسكريَّة فيها أو ترتيب يُشير إلى هدف المُسلمين الاستقراري في هذه المدينة أو تلك.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= بيضون، إبراهيم|العنوان= تاريخ الدولة العربيَّة في إسبانية من الفتح حتَّى سُقُوط الخِلافة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 153|السنة= [[1986]]|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والواقع أنَّ المُسلمين لم يُحاولوا الاستقرار خارج نطاق مُقاطعة سپتمانية، كما تجنَّبوا الاصطدام بِالفرنجة في هذه المرحلة، ويبدو أنَّ الهدف الحقيقي لِهذه الغارات يكمن في: إخضاع ما تبقَّى لِلقوط من نُفُوذ، وتعزيز الحُضُور الإسلامي في سپتمانية وحماية مُكتسبات المُسلمين فيها من واقع درس البيئة الجديدة التي أضحت تُجاور مُمتلكاتهم، أي أنها كانت غزواتٌ تمهيديَّة تهدف إلى اكتشاف النقاط الضعيفة في تحصينات العدو. كما يبدو أنَّ عنبسة بن سُحيم أراد إشعار جيران المُسلمين الجُدد بِقُوَّة الدولة الإسلاميَّة، والقضاء على الشائعات التي راجت عن قُوَّة المُسلمين في جنوبي بلاد الغال بعد مقتل السمح بن مالك.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= العدوي، إبراهيم أحمد|العنوان= المُسلمون والجرمان: الإسلام في غرب البحر المُتوسَّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 182|السنة= [[1960]]|الناشر= دار المعرفة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ويبدو أنَّ عنبسة بالغ في اطمئنانه لِلفرنجة ولِأودو، ذلك أنَّهُ، حين انتهى من غاراته واسعة المدى وغادر سپتمانية في طريق عودته إلى قُرطُبة، داهمتهُ جُمُوعٌ كبيرة من الفرنجة وأوقعتهُ في كمين. ودار قتالٌ بين الطرفين أُصيب عنبسة خِلالهُ بِجراحٍ بالغة توفي على أثرها في شهر شعبان سنة 107هـ المُوافق فيه شهر كانون الأوَّل (ديسمبر) سنة 725م، قبل أن يدخل الأندلُس، وتولَّى [[عذرة بن عبد الله الفهري|عذرة بن عبدُ الله الفهري]]، وهو أحد قادة الجيش، تصريف شُؤون الجُند حتَّى عاد بهم إلى قُرطُبة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن عذاري|ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثالثة|الصفحة= 27|السنة= [[1983]]م|الناشر= دار الثقافة|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-11782#page-335 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref><ref group="ْ">{{مرجع كتاب | المؤلف = Collins, Roger| السنة = 1989 | العنوان = The Arab Conquest of Spain 710-797 | الناشر = Blackwell |المكان = Oxford, UK / Cambridge, US|isbn= 0-631-19405-3|الصفحة=83}}</ref>
سطر 106:
=== ثورة منوسة وغزوات ما بعد عنبسة ===
[[ملف:La Cerdanya des de Masella, amb el poble d'All, al fons la vall de Meranges i el circ d'Engorcs entre els núvols - panoramio.jpg|تصغير|بلاد شرطانية، معقل منوسة الثائر على الحُكم المركزي الإسلامي في قُرطُبة، وتظهر في أُفق الصُورة جبال البرتات الفاصلة بين الأندلُس والغال.]]
بوفاة عنبسة، شهدت الأندلُس اضطرابات جديدة نتج عنها توالي عدد من الوُلاة في فترة زمنية قصيرة، بالإضافة إلى تمرُّد بعض حُكَّام المناطق وأبرزهم الزعيم [[أمازيغ|البربري]] [[منوسة]] حاكم [[سيردانيا|شرطانية]] الذي تحالف وتصاهر مع أودو دوق أقطانية، فتزوَّج ابنته «لامبيجيا». واحتمى الدوق بِهذه المُصاهرة من بطش المُسلمين بِدليل أنَّ عنبسة بن سُحيم عدل، أثناء توغله في عُمق الأراضي الإفرنجيَّة، عن اجتياح مُقاطعة أقطانية وذلك تحت تأثير منوسة كما يبدو.<ref group="ْ">[http://www.saudiaramcoworld.com/issue/199302/the.arabs.in.occitania.htm Meadows, Ian. "The Arabs in Occitania", Saudi Aramco World: Arab and Islamic Culture and Connections] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20141129042319/http://www.saudiaramcoworld.com/issue/199302/the.arabs.in.occitania.htm |date=29 نوفمبر 2014}}</ref> ومنوسة هذا - بحسب رواية إيزيدور الباجي - كان وُلِّي أُمور شرطانية بُعيد فتحها، وترامت إليه من حُدود إفريقية أخبارٌ مفادُها تعرُّض البربر إلى الظُلم على يد العرب في هذه البلاد بِسبب ما جرى من خِلافات آنذاك بين جناحيّ المُسلمين في تلك الأنحاء، فملأ هذا الأمر قلب منوسة حقدًا على العرب بِعامَّة، وزاد الدوق أودو من هذا الحقد في قلب صهره لِيتخذه درعًا يقيه الضربات الإسلاميَّة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 122|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فانفصل منوسة عن عامَّة المُسلمين وصالح الفرنجة وأخذ يعمل على إيذاء العرب، ووثب بهم بِالفعل وأصبح في حربٍ دائمةٍ معهم، رُغم أنَّ أنصاره كانوا في خِلافٍ مُتَّصلٍ معه، وقد حاول الوالي الجديد عذرة بن عبدُ الله الفهري القضاء على حركة منوسة، فأرسل نحوه حوالي عشر حملات عادت كُلها مهزومة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 251|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> ظلت تلك الاضطرابات سائدة حتى جاءت ولاية [[الهيثم بن عبيد الكناني|الهيثم بن عُبيد الكناني]] الذي عبر البرتات في سنة [[112 هـ|112هـ]] المُوافقة لِسنة [[730]]م، واخترق سپتمانية إلى وادي الرون، وغزا لوطون وماسون وشالون الواقعة على نهر السون، واستولى على أوتون وبون، وعاث في أراضي بورغندية الجنوبيَّة. لكن أدى اختلاف القبائل وتمرُّد البربر في الأندلُس إلى تفكُّك جيشه، وتخلّيه عن تلك المُدن المفتوحة، وعاد جنوبًا،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 84|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-84|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولم يلبث أن تُوفي في سنة 112هـ المُوافقة لِسنة 730م بعد أن أمضى سنتين في ولايته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد]]|العنوان= ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|volume= الجُزء الرابع|الطبعة= الثانية|الصفحة= 152|السنة= [[1408 هـ|1408هـ]] - [[1988]]م|الناشر= دار الفكر|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-12320#page-2259|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref>
[[ملف:Tours, Saint Martin.JPG|تصغير|يمين|كنيسة القديس مارتين كما تبدو اليوم. زعم المُؤرخون الإفرنج أنَّ المُسلمين أحرقوا هذه الكنيسة لمَّا توغَّلوا في الغال وُصولًا إلى مدينة طُرش (تور) لِأوَّل مرَّة. بُني المبنى الحالي ما بين سنتيّ 1886 و1924م بعد أن دُمِّر المبنى الأصلي القُروسطي خِلال أحداث [[الثورة الفرنسية|الثورة الفرنسيَّة]].<ref group="ْ">{{مرجع ويب|العنوان=Historique|اللغة=French|المسار=http://www.basiliquesaintmartin.com/index.php?page=37&lg=1|العمل="Basilique Saint-Martin" (official website)|تاريخ الوصول=2008-09-16| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20110910023712/http://www.basiliquesaintmartin.com/index.php?page=37&lg=1 | تاريخ الأرشيف = 10 سبتمبر 2011 }}</ref>]]
خِلال هذه الفترة، شحن المُسلمون كافَّة مُدن مُقاطعة سپتمانية بِالحاميات العسكريَّة لِلدفاع عنها وإقرار السلام بين السُكَّان، وجمع الضرائب التي خففوا مقدارها، وتركوا الأراضي التي فتحوها عنوةً في أيدي أصحابها، على عكس ما اتبعوه في الفُتُوح السَّابقة، وفرضوا على السُّكَّان مُقابل ذلك تقديم حصَّة تتراوح بين ثُلث ورُبع المحصول، فنعموا بِالطمأنينة والأمن في ظل حُكم المُسلمين. ولم يُحاول الدوق أودو، في هذه المرحلة، الخُروج على حُكمهم، كما أنَّ قارلة انهمك في إخماد ثورات الفريزيين التي تجددت في مُقاطعة النورمندي، وردِّ غارات ال[[ساكسون]] على [[راين|نهر الراين]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= العدوي، إبراهيم أحمد|العنوان= المُسلمون والجرمان: الإسلام في غرب البحر المُتوسَّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 184 - 185|السنة= [[1960]]|الناشر= دار المعرفة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> يُلاحظ بِأنَّ الرواية الإسلاميَّة لا تنسب قيام أيَّة أعمال عسكريَّة في الغال خِلال ولاية عذرة بن عبد الله الفهري، ولكنَّ الرواية الإفرنجيَّة تذكر أعمالًا حربيَّة خطيرة قام بها المُسلمون في هذه الفترة بعد مقتل عنبسة مُباشرةً، وحيثُ أنَّ ولاية عذرة دامت سنتين وأشهُرًا فلا بُدَّ أنَّ هذه الأعمال وقعت خلالها، ويُجمل المُؤرِّخ والمُستشرق الفرنسي [[جوزيف توسان رينو]] أخبار هذه الأعمال في قوله أنَّ قادة المُسلمين نهضوا بعد مقتل عنبسة، وقد شجعتهم المُقاومة القليلة التي صادفوها والإمدادات الكبيرة التي تلقُّوها من الأندلُس، فأرسلوا الحملات في كُلِّ وجه، مُقتحمين سپتمانية مرَّة أُخرى، وعادوا إلى حوض الرون وغزوا بلاد الألبيين {{فرن|Les Albegeois}} وإقليم رويرگ {{فرن|Le Rouergue}} وجيڤودان {{فرن|Gévaudan}} وليڤليه {{فرن|Levelay}} ونهبوها نهبًا ذريعًا، حتَّى استنكر الكثير من المُسلمين الإسراف في العُنف.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |الأخير=Reinaud |الأول=Joseph Toussaint |date=1836 |العنوان=Invasions des Sarrazins en France, et de France en Savoie, en Piémont et dans la Suisse |المسار=http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k62027830/f77.image |المكان=Paris |الصفحة=23 |author-link=جوزيف توسان رينو }}</ref> وتُضيف روايات مسيحيَّة أُخرى أنَّ المُسلمين خرَّبوا كنيسة رودس الكبيرة، واستقرُّوا في حصنٍ قريبٍ من موضع روكپريڤ {{فرن|Roqueprive}} الحالي. وانضمَّ إليهم نفرٌ من أهل هذه النواحي وساروا معهم يغزون في كُلِّ وجه. ويغلُب الظن أنَّهُ في خلال هذه الفترة - أي بين سنتيّ 107 و112هـ المُوافقة لِما بين سنتيّ 725 و730م، قام المُسلمون بِالغزوات التي تنسُبها إليهم الروايات المسيحيَّة في أقاليم دوفينيه {{فرن|Dauphiné}} ولوطون (ليون) وبورغندية. ولا تذكر المراجع العربيَّة والإسلاميَّة عن ذلك شيءًا على الإطلاق، في حين تختلف المراجع المسيحيَّة فيما بينها اختلافًا بينًا بِشأنها. وحده المُؤرِّخ المُسلم [[أحمد المقري التلمساني|أحمد بن مُحمَّد المُقري التلمساني]] ذكر لمحةً عن تلك المرحلة، فقال: {{اقتباس مضمن|إِنَّ الله أَلقَى الرُّعبَ فِي قُلُوبِ النَّصَارَى، وَلَم يَعُد أَحَدٌ مِنهُم لِيَظهَرَ إِلَّا لِيَستَأمِن. فَاستَولَى العَرَبُ عَلَى البِلَادِ وَمَنَحُوا الأَمَانَ لِمَن أَرَادَ، وَسَارُوا مُصعِدِين حَتَّى وَصَلُوا حَوضَ الرَّدَانَة، وهُنَاكَ ابتَعَدُوا عَن الشَّاطِئ وَتَوَغَّلُوا دَاخِلَ البِلَادِ}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 257|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> ولم يذكُر المُقري البلاد التي وصلها المُسلمين حينما توغَّلوا في الغال هذه المرَّة، على أنَّ رينو قال بأنَّ المواقع التي وصلها المُسلمين كانت هي المواقع التي ذكرت المصادر المسيحيَّة خرابها، وهي لوطون وماسون وشالون وبون {{فرن|Beaune}} وأوتون وسوليو {{فرن|Saulieu}} وبيز. كما قال أنَّ هذه الغارات يُحتمل أن تكون قد وصلت أبعد من ذلك وتمَّت دون خطَّة مُقررة من قبل، ومع هذا فإنها لم تلقَ إلَّا مُقاومة ضئيلة جدًا، ممَّا يدُل على الحالة السيئة التي كانت تسود بلاد الفرنجة آنذاك، وعلى عدم وُجُود حُكُومة ترعى شُؤون الناس.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |الأخير=Reinaud |الأول=Joseph Toussaint |date=1836 |العنوان=Invasions des Sarrazins en France, et de France en Savoie, en Piémont et dans la Suisse |المسار=http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k62027830/f83.image|المكان=Paris |الصفحة=29 - 32|author-link=جوزيف توسان رينو }}</ref>
[[ملف:Abdul Rahman Al Ghafiqi.png|تصغير|رسمٌ خيالي لِعبدُ الرحمٰن الغافقي، أبرز قادة المُسلمين في فُتُوحات الغال.]]
وفي سنة 112هـ المُوافقة لِسنة 730م، عيَّن والي إفريقية [[عبيد الله بن الحبحاب|عُبيد الله بن الحبحاب]] بعد مُوافقة الخليفة [[هشام بن عبد الملك]] القائد عبدُ الرحمٰن الغافقي واليًا على الأندلُس، ولا يُستبعد أن يكون الجيش الإسلامي المُرابط في الأندلُس وراء هذا التعيين بِفعل محبة الجُند لِلغافقي كونه كان فريدًا بين رفاقه من القادة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 77|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ارتبط ظُهُور عبدُ الرحمٰن الغافقي على مسرح الأحداث السياسيَّة والعسكريَّة في الأندلُس والغال، بِالدور البارز الذي أدَّاه في ميدان الغزو والجهاد من أجل مدِّ راية الإسلام في الأراضي الأوروپيَّة. وكان تسلُّم الغافقي لِلحُكم لِلمرَّة الثانية، بعد أن أبعدتهُ الصراعات القبليَّة نحو عشر سنوات عن المنصب الذي كان أكثر الذين سبقوه تأهيلًا لِحمل مسؤوليَّاته. وسبب ذلك أنَّ الغافقي كان على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة القياديَّة والعسكريَّة، وتحلَّى بالشجاعة والجُرأة والإقدام، وقضى مُعظم حياته في الجهاد، وكان سليمًا من النزعة القبليَّة التي ابتلى بها غيره من الوُلاة، وقد وضع نُصب عينيه فتح «الأراضي الكبيرة» أي الغال، كما كان يُسميها المُسلمون. كان على الغافقي بدايةً التصدِّي لِمطامع الدوق أودو وإخماد حركة منوسة وإعادة اللُحمة إلى المُسلمين، وكان يرى - بُحُكم خبرته الطويلة ومُتابعته التطوُّرات عن كثب - أنَّ الهدنة التي حرص أودو على استمرارها مع المُسلمين لم تكن إلَّا وسيلة لاتقاء خطرهم حتَّى تنجلي علاقته بِقارلة مارتل.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= العدوي، إبراهيم أحمد|العنوان= المُسلمون والجرمان: الإسلام في غرب البحر المُتوسَّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 185|السنة= [[1960]]|الناشر= دار المعرفة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولم يقبل الغافقي أن تكون المُصاهرة بين منوسة والدوق أودو سببًا يصرف جُهُود المُسلمين عن حماية سپتمانية من أيِّ خطرٍ يتهدَّدُها جرَّاء أطماع الدوق سالف الذِكر، ولِذا أمر بِالقيام بِغاراتٍ على مُقاطعة أقطانية بِوصفها مصدر الخطر على المُسلمين، وأرسل إلى منوسة يدعوه إلى الطاعة والدُخول تحت راية الإسلام مُجددًا وأن لا يكون عقبة في وجه بني قومه ودينه، فرفض منوسة هذا الأمر بحُجَّة أنهُ لا يستطيع مُهاجمة أملاك صهره وأنَّهُ قد هادن الإفرنج وحلَّ نفسهُ من تنفيذ أيِّ أمرٍ عسكريٍّ بِشن الحرب أو الاشتراك في القِتال ضدَّهم، فبادر عبدُ الرحمٰن الغافقي إلى إخماد هذه الحركة الثوريَّة قبل أن تستفحل أكثر من ذلك وتؤدي إلى مزيدٍ من التصدُّع في الجبهة الإسلاميَّة وتُشجِّع أعداء الدولة على مُهاجمة سپتمانية، فجهَّز حملةً عسكريَّةً عهد بِقيادتها إلى ابن زيَّان، وكلَّفهُ بِإخماد الثورة، ونجح هذا القائد في مُهاجمة معاقل منوسة الحصينة ودخل عاصمته، [[ممر رونسفال|باب الشزري]]، وطاردهُ في شِعاب الجبال حتَّى قبض عليه وقتله، وذلك في سنة 113هـ المُوافقة لِسنة 731م،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[إفاريست ليفي بروفنسال|پروڤنسال، إڤاريست ليڤي]]|المؤلف2= ترجمة: علي عبدُ الرءوف البمبي وعلي إبراهيم منوفي والسيِّد عبد الظاهر عبد الله|العنوان= تاريخ أسبانيا الإسلاميَّة من الفتح إلى سُقُوط الخِلافة القُرطُبيَّة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 75|السنة= 2000|الناشر= المجلس الأعلى لِلثقافة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسار=http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:117167}}</ref> وبِذلك أضحت ممرات جبال البرتات مفتوحةً أمام زحف الجُيُوش الإسلاميَّة.
 
=== انطلاق حملة الغافقي ===
أفزع مقتل منوسة الدوق أودو، ولمَّا كان ضعيفًا لا يستطيع الصُمُود بِمُفرده أمام المُسلمين؛ أجرى مُفاوضات مع عدوُّه قارلة والمملكة اللومبارديَّة وبعض الدُول الأوروپيَّة الشماليَّة لِلتنسيق فيما بينهم تمهيدًا لِلتصدي لِلزحف الإسلامي. والواقع أنَّ حملة عنبسة بن سُحيم التي توغَّلت في عُمق بلاد الفرنجة قد أفزعت قارلة، وأثارت مخاوف الشُعُوب الأوروپيَّة بِعامَّة والبابويَّة بِخاصَّة، وأدرك قارلة أنَّ سيطرة المُسلمين على مُقاطعة سپتمانية، تُهدِّد كيان المملكة الإفرنجيَّة لِأنهم سوف يُكررون ما قاموا به سابقًا انطلاقًا من تلك المُقاطعة، حتَّى يقضوا على دولته. وتوصَّل إلى نتيجةٍ مفادُها أنَّهُ لابُد من القيام بِعملٍ حاسمٍ لِلتصدِّي لهم ووقف زحفهم وإخراجهم منها، وراح يستعد لِهذا اللقاء الذي رآه قريبًا. فحشد القُوَّات، وجمع السلاح، وخزَّن المُؤن، وصالح أُمراء بورغندية، واتفق مع الدوق أودو على القيام بِعملٍ مُشتركٍ لِلتصدي لِلمُسلمين وإخراجهم نهائيًّا من هذه الأراضي، فتوحَّدت بِذلك القوى الأوروپيَّة الفاعلة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 121 و123|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
حشد عبدُ الرحمٰن الغافقي جيشًا كبيرًا اختلفت المصادر في تحديد عدده، فقالت الرواية الإسلاميَّة أنَّهُ تراوح ما بين سبعين ألف إلى مائة ألف مُقاتل،<ref name="حملة الغافقي">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 263|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وقيل بلغ 50 ألف مقاتل،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[طارق السويدان|السُويدان، طارق]]|العنوان= أطلس تاريخ الأندلُس المصور|الصفحة= 65|السنة= [[1426 هـ|1426هـ]] - [[2005]]م|الناشر= مُؤسسة الإبداع الفكري|الإصدار=الأولى|الرقم المعياري=9960958426|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسار=https://archive.org/stream/WAQ72111/72111#page/n64/mode/2up}}</ref> أمَّا المراجع المسيحيَّة فتنص أنَّ الجيش الإسلامي بلغ عديده أربعمائة ألف مُقاتل.<ref name="حملة الغافقي" /> وبِجميع الأحوال فإنَّ ما يُتفقُ عليه هو أنَّ ذلك الجيش كان أكبر جيشٍ إسلاميٍّ دخل [[الأندلس|الأندلُس]] والغال حتَّى ذلك الوقت،<ref name="الحجي ص193">{{مرجع كتاب|المؤلف1= الحجِّي، عبدُ الرحمٰن عليّ|العنوان= التاريخ الأندلُسي، من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة 92-897هـ (711-1492م)|الصفحة= 193|السنة= [[1402 هـ|1402هـ]]- [[1981]]م|الإصدار=الثانية|الناشر= دار القلم|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فحتَّى [[طارق بن زياد]] كان جيشه يتألَّف من 7 آلاف مُقاتل، و[[طريف بن مالك]] كان جيشه 5 آلاف، و[[موسى بن نصير|مُوسى بن نُصير]] كان جيشه 18 ألفًا، وبذلك يكون جيشهم جميعًا 30 ألف مُقاتل.<ref name="الحجي ص52">{{مرجع كتاب|المؤلف1= الحجِّي، عبدُ الرحمٰن عليّ|العنوان= التاريخ الأندلُسي، من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة 92-897هـ (711-1492م)|الصفحة= 52|السنة= [[1402 هـ|1402هـ]]- [[1981]]م|الإصدار=الثانية|الناشر= دار القلم|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي أوائل سنة 114هـ المُوافقة لِسنة 732م، سار الغافقي إلى الشمال مُخترقًا [[الثغر الأعلى]] و[[منطقة نافارانبرة|بلاد البشكس]]، وعمل على تقوية الثغر سالِف الذِكر والقضاء على بقايا الثُوَّار فيه، وشحن [[منطقة كتالونيا|إقليم قطلونية]] بِالجُند وعزَّز الحاميات فيه قبل الانطلاق نحو سپتمانية،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أبو خليل، شوقي|العنوان= بلاط الشُهداء، بِقيادة عبد الرحمٰن الغافقي|الصفحة= 23|السنة= [[1418 هـ|1418هـ]]- [[1998]]م|الإصدار=الثالثة المُعادة|الناشر= دار الفكر|المكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]|المسار=http://ia600302.us.archive.org/7/items/waq54389/54389.pdf|الرقم المعياري=1575475030}}</ref> فعزَّز الإقليم الأخير بِالحاميات أيضًا خوفًا من أن يقوم الدوق أودو بِغزو سپتمانية كردٍّ وقائيٍّ بِمُجرَّد أن يعلم بِأمر الحملة الإسلاميَّة، وعاد بعدها إلى مدينة [[بنبلونة]] في شمالي [[إبيريا (توضيح)|أيبيريا]]، فانطلق منها وعبر معبر [[ممر رونسفال|باب الشزري]] مُتجهًا نحو [[دوقية آكيتاين|أقطانية]] نفسها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[إفاريست ليفي بروفنسال|پروڤنسال، إڤاريست ليڤي]]|المؤلف2= ترجمة: علي عبدُ الرءوف البمبي وعلي إبراهيم منوفي والسيِّد عبد الظاهر عبد الله|العنوان= تاريخ أسبانيا الإسلاميَّة من الفتح إلى سُقُوط الخِلافة القُرطُبيَّة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 71 - 72|السنة= 2000|الناشر= المجلس الأعلى لِلثقافة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسار=http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:117167}}</ref>
 
=== فُتُوحات أقطانية ومعركة وادي الغارون ===
سطر 121:
[[ملف:Duché d'Aquitaine et Vasconie 710-740-ar.svg|تصغير|يمين|خريطة تُظهر موقع دوقيَّة أقطانية في عهد أودو الكبير.]]
[[ملف:الجارون.png|تصغير|نهر الغارون، حيثُ اندلعت المعركة الفاصلة الكُبرى بين المُسلمين والإفرنج لِلسيطرة على أقطانية.]]
كانت مُقاطعة أقطانية واسعة، تضُمُّ عددًا كبيرًا من الوحدات الإداريَّة وتمتد من جبال البرتات جنوبًا إلى حُدود نهر اللوار شمالًا، ومن نهر الألبيه الصغير شرقًا إلى خليج بسكاية غربًا.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= العدوي، إبراهيم أحمد|العنوان= المُسلمون والجرمان: الإسلام في غرب البحر المُتوسَّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 189|السنة= [[1960]]|الناشر= دار المعرفة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكانت تُعد أعظم مُقاطعات الغال بعد المملكة الإفرنجيَّة التي كانت تُصاقبها على حُدودها الشماليَّة مُباشرةً. زحف عبدُ الرحمٰن الغافقي نحو مدينة [[آرل]] أولًا بعد أن خرجت عن الطاعة وتوقَّف أهلُها عن أداء الجزية، واستولى عليها بعد معركة عنيفة مع قوات الدوق أودو. ثُمَّ زحف المُسلمون حتَّى بلغوا مدينة [[بوردو|بُردال (بوردو)]] وفتحوها دون مُقاومةً تُذكر،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=رينو، جوزيف|المؤلف2=تعريب د. إسماعيل العربي|العنوان= الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي|الطبعة= الأولى|الصفحة= 66|السنة= [[1984]]|الناشر= دار الحداثة|المكان= [[الجزائر (مدينة)|الجزائر العاصمة]] - [[الجزائر]]}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= الحجِّي، عبدُ الرحمٰن عليّ|العنوان= التاريخ الأندلُسي، من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة 92-897هـ (711-1492م)|الصفحة= 205|السنة= [[1402 هـ|1402هـ]]- [[1981]]م|الإصدار=الثانية|الناشر= دار القلم|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وعبر الغافقي نهر الغارون بِجُنوده مكتسحًا أقطانية، فخفَّ الدوق أودو بِقُوَّاته مُحاولًا وقف الزحف، فالتقى المُسلمون على ضفاف نهر الدوردوني على مقرُبة من مُلتقاه بِالغارون، فاشتبك الطرفان في [[معركة بوردو|معركةٍ طاحنة]] مُني فيها أودو بهزيمةٍ فادحة فقد فيها عددًا عظيمًا من فُرسانه وفرَّ هاربًا،<ref name="عنان90" /> وقد وصف المُؤرِّخ إيزيدور الباجي الذي كان معاصرًا للأحداث المعركة بِعبارة: «الله وحده يعلم عدد القتلى» {{لات|solus Deus numerum morientium vel pereuntium recognoscat}}.<ref group="ْ">Wolf, Kenneth Baxter (2000). ''Conquerors and Chroniclers of Early Medieval Spain''. Liverpool University Press. ISBN 0-85323-554-6, p. 145</ref>
 
تقهقر أودو نحو الشمال بعد هزيمته تاركًا بلادهُ لُقمةً سائغةً لِلمُسلمين، فانساحوا في البسائط هُناك يفتحون كُل ما صادفهم، فصارت المُدن والبلدات الأقطانيَّة تتساقط في أيديهم الواحدة تلو الأُخرى بِسُرعةٍ مُذهلةٍ.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[إفاريست ليفي بروفنسال|پروڤنسال، إڤاريست ليڤي]]|المؤلف2= ترجمة: علي عبدُ الرءوف البمبي وعلي إبراهيم منوفي والسيِّد عبد الظاهر عبد الله|العنوان= تاريخ أسبانيا الإسلاميَّة من الفتح إلى سُقُوط الخِلافة القُرطُبيَّة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 72|السنة= 2000|الناشر= المجلس الأعلى لِلثقافة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسار=http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:117167}}</ref> ثُمَّ اخترق المُسلمون بورغندية، واستولوا على لوطون و[[بيزنسون|بيزانصون]]، ووصلت سراياهم حتى صانص التي تبعد عن [[باريس|بريش (باريس)]] نحو مائة ميل فقط. ثم ارتد الغافقي غربًا إلى ضفاف [[لوار|نهر اللوار]] لِتطهير تلك المنطقة قبل مهاجمة بريش،<ref name="عنان90">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 90|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-90|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> فحاصروا مدينة [[تور (توضيح)|طُرش (تور)]]<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= الغنيمي، عبدُ الفتَّاح مُقلِّد|العنوان= معركة بلاط الشهداء، في التاريخ الإسلامي والأوربي|الإصدار= الأولى|الصفحة= 64|السنة= [[1416 هـ|1416هـ]] - [[1996]]م|الناشر= عالم الكُتُب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وفتحوها وغنموا منها غنائم كثيرة، منها ما عُثر عليه في كنيسة القديس مارتين، وفق رواية المُؤرِّخ رودريگيث خيمنيث.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 266|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وبذلك بات المُسلمون على مشارف ممالك الشمال الجرمانيَّة والإفرنجيَّة.
 
=== بعد معركة نهر الغارون ===
يرى بعض المؤرخين أن الغافقي لم يكن ينوي التقدُّم أكثر من ذلك، بل كان ينوي تحصين المُدن المفتوحة وتقويتها لتصبح ثُغورًا لِلمُسلمين، كما هي الحال في [[سبتمانيا|سپتمانية]]، ولم يكن معه من الجُند ما يكفي لِفتح مُدنٍ أكثر، فبعد مسيرةٍ طويلةٍ في جنوب غالة وغربها، وبعد [[معركة بوردو|معركة نهر الغارون]]، لم يكن قد بقي معهُ أكثر من 10-30 ألف مُقاتل.<ref name="الفجر، ص216">{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 216|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> أمَّا أودو، فقد لجأ - بعد خسارته لأراضيه - إلى [[شارل مارتلمارتيل|قارلة]] يستصرخه، فلبَّى الأخير ندائه رغم ما بينهما من أحقاد نظرًا لتحسسه الخطر من توغُّل المُسلمين.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 90|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> كان قارلة يعمل آنذاك على توحيد بلاد الغال، فأخضع قبائل الساكسون والفريزيين، فدانت لهُ شمالي البلاد، ولم يعد أمامه سوى السيطرة على مناطق الجنوب بما فيها أقطانية، لِذلك استجاب لِطلب المُساعدة، وتهيَّأت لهُ الفُرصة لِيُسيطر عليها بيُسرٍ تحت غطاء الدفاع عنها، وكان قد علِم بِغارات المُسلمين في جنوبي بلاد الفرنجة مُنذُ حملة عنبسة بن سُحيم التي اقتربت من عاصمته بريش (باريس)، لكنَّهُ لم يشأ أن يصطدم بهم في هذا الوقت المُبكر، ورُبما أدرك أنَّ تلك الغارات لم تكن أكثر من حملاتٍ استطلاعيَّة. شكَّل تفاهُم قارلة وأودو مُفاجأةً لِعبد الرحمٰن الغافقي نظرًا لِلعداوة التقليديَّة بينهُما، كما أقلقهُ تعمُّد قارلة بِالتريُّث بِإرسال قُوَّاته إلى أقطانية وتأخير اللقاء مع المُسلمين، ولعلَّهُ هدف إلى تحقيق أمرين: إضعاف تلك المُقاطعة وإنهاكها بِسبب تحمُّلها وحدها عبء الحُرُوب، فتقع غنيمة سهلة في يده؛ وإغراء المُسلمين على التوغُّل في تلك المُقاطعة لِيُبعدهم عن قواعدهم، فتطول خُطوط تموينهم ويُنهكهم طول المسير.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= الحجِّي، عبدُ الرحمٰن عليّ|العنوان= التاريخ الأندلُسي، من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة 92-897هـ (711-1492م)|الصفحة= 196|السنة= [[1402 هـ|1402هـ]]- [[1981]]م|الإصدار=الثانية|الناشر= دار القلم|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وكان المُسلمون قد توغلوا فعلًا في مُقاطعة أقطانية، وابتعدوا عن مراكز إمداداتهم في الجنوب بحيثُ أصبحوا على مسافةٍ هائلةٍ من العاصمة قُرطُبة تُقدَّرُ بِألفٍ وثلاثُمائة كيلومتر، ويتطلَّب وُصُول الإمدادات إلى خُطُوط الجبهة، في حال طلبها، مُدَّة شهر، نظرًا لِصُعُوبة الطريق، ومن جهةٍ أُخرى، كان قارلة يُحارب في بلاده وخُطوط إمداداته مُتصلة بِأرض المعركة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= الغنيمي، عبدُ الفتَّاح مُقلِّد|العنوان= معركة بلاط الشهداء، في التاريخ الإسلامي والأوربي|الإصدار= الأولى|الصفحة= 65 - 66|السنة= [[1416 هـ|1416هـ]] - [[1996]]م|الناشر= عالم الكُتُب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
 
=== قوات الشمال تزحف باتجاه رافد اللوار ===
في تلك الآونة، كان الغافقي قد استولى على مدينة [[تور (مدينة)|طُرش (تور)]]، ثُمَّ تقدَّم حتَّى دخل مدينة پواتييه الواقعة على نهر كلين، وانتشرت قُوَّاتُه في السهل الخصيب المُمتد بينها وبين مدينة طُرش الواقعة على الضفة اليُسرى لِنهر اللوار. وكان لِهذه المدينة شُهرة خاصَّة في الثراء المُحيط بِكنائسها، وبِخاصَّةً كنيسة القديس مارتين، فاجتاحها عبدُ الرحمٰن وأخذ يستعد لِلزحف نحو بريش (باريس)، إلَّا أنَّهُ فُوجئ بِقُوَّات الفرنجة التي احتشدت في تلك المنطقة وهي على استعداد لِلتصدي له.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 99|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-99|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كان ذلك آخر امتداد مُنظَّم لِلمُسلمين في أوروپَّا، لِأنَّ قارلة خشي أن يدخل المُسلمون بلاد الإفرنج، نظرًا لاقترابهم من حُدودها، لِذلك هبَّ لِلدفاع عن القارَّة الأوروپيَّة تجاه زحفهم. ويبدو أنَّ قارلة لم يكتفِ بِمن كان عندهُ من الجُند في الغال، فبعث يستقدمُ جُندًا من حُدود الراين من نواحي أوستراسيا، فأتتهُ نجدات من جُنودٍ أجلاف أقوياء يُحاربون شبه عُراة في الجو البارد، ووصفهم إيزيدور الباجي بأنَّ أيديهم كانت حديديَّة تُرسل ضرباتها القاصمة في سُرعةٍ وقُوَّة، أضف إلى ذلك أنَّ مُعظم هؤلاء كانوا قومًا بدويين أشدَّاء لا يقلُّون عن العرب والبربر صلابةً ولا شجاعة، فهزموا جماعات البرابرة كالآلان والسويڤ عشرات المرَّات حتَّى كسروا شوكتهم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 263 - 264|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وبِهذا اجتمع لِقارلة جيشٌ قويّ قدير على الثبات لِلمُسلمين ومُنازلتهم.
 
=== معركة بلاط الشُهداء ===
سطر 135:
[[ملف:Steuben - Bataille de Poitiers.png|تصغير|300بك|اشتباك المُسلمين والإفرنج ومن حالفهم من القبائل الجرمانيَّة في الموقعة الحاسمة التي قرَّرت مصير الغال. يبدو قارلة في طرف الصُورة بِهيئة المُظفَّر وهو يرفعُ فأسه، وعبدُ الرحمٰن الغافقي في وسطها وهو يُقاتلُ مع المُسلمين.]]
[[ملف:خريطة الدول الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي.jpg|تصغير|300بك|خريطةٌ تُظهرُ الحد الذي توقَّف عندهُ الزحفُ الإسلامي غربًا (پواتييه) وشرقًا (نهر طلاس).]]
عبَّأ عبدُ الرحمٰن الغافقي قُوَّاته استعدادًا لِلدُخُول في القتال مع الإفرنج وكسرهم. وفي الواقع كان كِلا الطرفين يستعد لِلقتال حتَّى النصر أو الموت، فبالنسبة لِلفرنجة فإنَّ مصالحهم وبلادهم لم يسبق لها أن تعرَّضت قط لِخطرٍ مثل الخطر الحالي، فاعتبروها معركةً لِلحفاظ على دينهم ومُؤسساتهم ومُمتلكاتهم وحياتهم؛ وأمَّا بِالنسبة لِلمُسلمين فقد اعتبروها الفُرصة الكبيرة لِهزم الإفرنج هزيمةً عظيمة ودحرهم وضم الغال إلى ديار الإسلام، واعتبروا أنَّ النصر مُمكن لا سيَّما وأنَّهم هزموا أعداءً أشدَّاء يفوقونهم عددًا من قبل، كما في [[معركة القادسية|القادسيَّة]] و[[معركة اليرموك|اليرموك]] و[[معركة وادي لكة|وادي لكة]]، فكان خيارهم النصر أو الشهادة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=رينو، جوزيف|المؤلف2=تعريب د. إسماعيل العربي|العنوان= الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي|الطبعة= الأولى|الصفحة= 67|السنة= [[1984]]|الناشر= دار الحداثة|المكان= [[الجزائر (مدينة)|الجزائر العاصمة]] - [[الجزائر]]}}</ref> ومن غير المعروف مكان هذه الموقعة الفاصلة على وجه التحقيق، فقد أغفلته الرواية الإسلاميَّة فيما أغفلت، وتركته الرواية المسيحيَّة مُبهمًا، فذكرت أنها كانت إلى شمال مدينة پواتييه في اتجاه طُرش (تور)، أي على الطريق الروماني القديم بين البلدين، ويفترض البعض ذلك لِأنَّ اسم المكان كما تُحدده الرواية الإسلاميَّة باسم «بلاط الشُهداء» يُفهم منه أنها وقعت على مقرُبة من قصرٍ كبيرٍ أو «بلاط»، ويُحتمل أنها سُميت كذلك أيضًا بسبب وُقُوعها على مقرُبة من طريقٍ رومانيٍّ قديم يصلُ مدينة «شاتيه لورو» {{فرن|Châtellerault}} بِپواتييه، على مسافة نحو عشرين كيلومترًا من المدينة الأخيرة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 270 - 271|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> وقيل أيضًا أنها سُميت بِـ«بلاط» الشُهداء نسبةً إلى «التبالُط بِالسُيُوف»، أي القتال بِالسُيُوف، وذلك بِفعل شدَّة القتال الذي جرى في الموقعة وكثرة السُيُوف التي وُجدت في ميدان القِتال والتي تركها المُقاتلون.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 126|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
ظلَّ كُلٌ من الجيشين يُراقب أحدهما الآخر من بعيد طيلة ثمانية أيَّام، وبعد مُناوشاتٍ صغيرة، استعدَّ الجيشان لِلدُخُول في معركةٍ شاملة. وفي رمضان 114هـ المُوافق فيه تشرين الأوَّل (أكتوبر) 732م، التحم الجيشان.<ref group="ْ">Oman, 1960, p. 167, gives the traditional date of October 10, 732. Lynn White, Jr., ''Medieval Technology and Social Change'', 1962, citing M. Baudot, 1955, goes with October 17, 733. Roger Collins, ''The Arab Conquest of Spain'', 1989, concludes "late (October?) 733" based on the "likely" appointment date of the successor of Abdul Rahman, who was killed in the battle. See White, p. 3, note 3, and Collins, pp. 90-91.</ref> وكان المُسلمين هُم الذين كانت لهم المُبادرة في المعركة بِهجمةٍ اشتركت فيها كُل خيَّالتهم وحاولوا خرق الصُفُوف الإفرنجيَّة لكنهم لم يتمكنوا بِسبب ثبات هؤلاء واعتمادهم على الأسلحة الثقيلة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=رينو، جوزيف|المؤلف2=تعريب د. إسماعيل العربي|العنوان= الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي|الطبعة= الأولى|الصفحة= 69|السنة= [[1984]]|الناشر= دار الحداثة|المكان= [[الجزائر (مدينة)|الجزائر العاصمة]] - [[الجزائر]]}}</ref> ثُمَّ كرَّ الفرنجة على المُسلمين وحاولوا خرقهم، فثبت المُسلمون ثباتًا فريدًا طيلة يومين في وجه تلك الهجمات التي تمَّت بِالحراب حتَّى أُنهك الإفرنج ومن معهم من الساكسون والآلمان والسويڤ، حتَّى بدا - قُرب مساء اليوم الثاني - أنَّ الكفَّة مالت لِصالح المُسلمين. لكنَّ الدوق أودو قام، في اليوم الرابع، بتنفيذ حركة التفاف حول صُفُوف المُسلمين وفاجأهم من خلفهم، فرُيع الجُند الإسلامي ذلك لا سيَّما وأنَّ ذلك الموقع كان حيثُ أبقى المُسلمون الغنائم، فتحرَّكت بعض القُوَّات تجاه المُؤخرة لِصد الهُجُوم ما أحدث خللًا في تنظيم الجيش أدَّى إلى انكشاف قلبه، وهو المكان الذي كان يُديرُ منه عبد الرحمٰن الغافقي المعركة. وحاول الأخير جُهده أن يُثبِّت جُندهُ ويُعيد نظامه أو يصرفه عن الهلع على الغنائم فلم يُوفَّق، بل أصابهُ سهمٌ أودى بِحياته، وعند هذه النُقطة حلَّت النهاية بِالنسبة لِلمُسلمين، فانهال عليهم الفرنجة من كُلِّ صوبٍ وحصدوهم حصدًا، فحلَّت هزيمة فادحة بِالمُسلمين، وسمُّوا هذه الواقعة [[معركة بلاط الشهداء|بِبلاط الشُهداء]] لِعظم خسارتهم من الرجال فيها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 106|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-106|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ومع ذلك استمرَّ القتال مُدَّة ستَّة أيَّام أُخرى، انسحب المُسلمون بعدها وفق خطَّةٍ مُحكمة خدعوا فيها الفرنجة، فتركوا خيامهم منصوبة ونارهم مُشتعلة وانسحبوا عائدين إلى سپتمانية ليلًا، ولمَّا أصبح الفرنجة لم يجدوا لِلمُسلمين من أثر، فظنُّوا أنها خدعة، وتردَّدوا في الاقتراب من المُعسكر الإسلامي، وعندما تأكدوا أنَّ المُسلمين انسحبوا أقبلوا على الخِيام واستولوا على ما تحويه من ذخائر، وعلى هذا الشكل تحاجز الطرفان. ولم يتتبَّع قارلة فُلول الجيش الإسلامي خشية أن يكون انسحابهم تكتيكًا لِلإيقاع به، كما يبدو أنَّهُ تبيَّن مقدار الهزيمة الفادحة التي نزلت بِالمُسلمين، ورأى أنهُ يستطيع العودة إلى الشمال مُطمئنًا إلى أنهم انصرفوا عنه وعن بلاده،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 274 - 275|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> واعتبر الكثير من المُؤرخين هذه الهزيمة نُقطة توقُّف الفُتوحات الإسلاميَّة باتجاه الغرب الأوروپيّ.
 
=== فُتُوحات ما بعد معركة بلاط الشُهداء ===
[[ملف:Islamic expansion in France in the 8th century-ar.jpg|تصغير|300بك|يمين|أقصى الحُدود التي بلغتها الفُتُوحات الإسلاميَّة في بلاد الغال مُنذُ معركة بلاط الشُهداء وبعدها: عند مدينتيّ طُرش (تور) وأوتن.]]
كان لِمعركة بلاط الشُهداء أثرٌ رنَّان على الممالك الأوروپيَّة الغربيَّة، فاعتبر المُؤرخون المسيحيُّون أنها وضعت حدًا لِسيادة المُسلمين في تلك النواحي من العالم، إذ لو انتصر المُسلمون فيها لانتشر الإسلام في رُبُوع القارَّة، وزالت الديانة المسيحيَّة، وعدُّوا قارلة بطلًا قوميًّا نصر القارَّة الأوروپيَّة والمسيحيَّة، وأنعم البابا [[غريغوري الثالث|جرجير الثالث]] على قارلة لقب «مارتل» ([[لغة فرنسية|بِالفرنسيَّة]]: Martel؛ [[لغة لاتينية|بِاللاتينيَّة]]: Martellus) أي «المطرقة» التي سحقت قُوَّة المُسلمين في بلاد الفرنجة وباعدت بينهم وبين التقدُّم في خُطُواتٍ مُستقبليَّة في هذه الأماكن مرَّة أُخرى، حيثُ باركت الكنيسة والبابويَّة جُهُوده وأضحى يُعرف بِـ«شارل مارتل» {{فرن|Charles Martel}} أو «كارل مارتل» {{لات|Carolus Martellus}} بِلُغته الأُم وبِاللُغة اللاتينيَّة.<ref name="بعد الغافقي">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 129|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> كذلك، كان لِمعركة بلاط الشُهداء صدىً قويّ في الدوائر الحاكمة في دمشق والقيروان، فأسرعت القيادة السياسيَّة إلى تعيين خلف لِعبد الرحمٰن الغافقي هو [[عبد الملك بن قطن الفهري]]، وأمرتهُ بِإعادة الحُضُور الإسلامي في جنوبيّ الغال والمُحافظة على المُكتسبات الإسلاميَّة في تلك المنطقة.<ref name="بعد الغافقي" />
 
كان أوَّل عمل قام به عبد الملك بن قطن هو أنَّهُ قضى على الثورات التي قامت ضدَّ الحُكم الإسلامي في المناطق الشماليَّة لِلأندلُس، على أثر مقتل عبد الرحمٰن الغافقي وانحلال جيشه، ووصل خلال مُطاردته لِلثائرين، إلى مدينة [[لانغيدوك|لانگدوك]] في الأراضي الإفرنجيَّة، ثُمَّ عمد إلى اتباع سياسة هُجوميَّة - دفاعيَّة جديدة، فبنى سلسلة من القلاع في المناطق الحُدوديَّة، وشحنها بِالمُقاتلين واتخذها قواعد انطلاق لِغزو أراضي الفرنجة، والدفاع عن المناطق الإسلاميَّة، ومُراقبة تحرُّكات العدو. واستمرَّ سُكَّانُ سپتمانية النصارى على ولائهم لِلمُسلمين، وقد خشوا أن يقعوا تحت حُكم قارلة المكروه، كما انضمَّ «[[مورونتوس|مارونت]]»، حاكم [[مارسيليا|مرسيلية]]، إلى المُسلمين، وكان يبغض قارلة ويرغب بالاستقلال بِإقليم پروڤانس.<ref name="بعد الغافقي" /> بعد الانتهاء من إقامة التحصينات والاطمئنان على سلامة الوضع في المناطق الشماليَّة لِجبال البرتات، التفت عبد الملك بن قطن إلى استعادة ما فقده المُسلمون من أراضٍ بعد معركة بلاط الشُهداء وإعادة الحُضُور الإسلامي في مناطق جنوبي الغال، فكلَّّف حاكم أربونة [[يوسف بن عبد الرحمن الفهري|يُوسُف بن عبد الرحمٰن الفهري]] بِمُواصلة الغزو،<ref group="ْ">Fouracre, Paul (2000). ''The Age of Charles Martel''. Pearson Education. ISBN 0-582-06476-7, p. 96.</ref> وفي سنة 116هـ المُوافقة لِسنة 734م واصل المُسلمون غزواتهم في بلاد الغال،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 104|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> فاجتاح الفهري [[آرل]]، ثم [[سانتسان ريمي ديدو بروفنس|سانت ريمي]]<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 333|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> و[[أفينيون|أبينيون]].<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأخير1= Santosuosso |الأول1= Antonio |وصلة المؤلف1= |العنوان= Barbarians, Marauders, and Infidels |المسار= |archiveurl= |archivedate=|الإصدار= |series= |السنة= 2004 |الناشر= Westview Press |المكان= |الرقم المعياري= 0-8133-9153-9 |oclc= |doi= |ref= harv |bibcode=|p=126}}</ref><ref group="ْ">Riche, Pierre (1993). ''The Carolingians: A Family Who Forged Europe''. University of Pennsylvania Press. ISBN 0-8122-1342-4, p. 45.</ref> ويبدو أنَّ الوالي الجديد استغلَّ انشغال قارلة في قمع الثورات التي قامت ضدَّ حُكمه من جانب الساكسون والفريزيين في الشمال.<ref name="ReferenceC">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 130|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> واخترق المُسلمون بعد ذلك إقليم [[دوفيني|دوفينه]]، واستولوا على أوسيز وففييه وڤالانس و[[فيين]] ولوطون (ليون) وغيرها، وغزوا بورغندية،<ref name="عنان115">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 115|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-115|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> فبعث قارلة، وكان قد انتهى من قمع الثورات في الشمال وتفرَّغ لِلمُشكلات مع المُسلمين، أرسل أخاه شلدبراند في جيشٍ ضخم لِمُواجهة المُسلمين، ثُمَّ لحق به جيشٌ آخر، وهاجما أبينيون حتَّى سقطت في أيديهم في ربيع سنة 119هـ المُوافقة لِسنة 737م،<ref group="ْ">Halsall, Guy (2003). ''Warfare and Society in the Barbarian West 450-900''. London: Routledge. ISBN 0-415-23939-7, p. 226.</ref><ref group="ْ">Mastnak, Tomaz (2002). ''Crusading Peace: Christendom, the Muslim World, and Western Political Order''. University of California Press. ISBN 0-520-22635-6, p. 101.</ref> وقتلوا حاميتها المُسلمة، ثُمَّ تحصَّن المُسلمون في أربونة، فسار إليها قارلة، وحاصرها فقاومهُ المُسلمون أشدَّ مُقاومة، ولم يستطع دُخولها.<ref name="عنان115" />
[[ملف:Vasconia wide 740 3 - 80-ar.jpg|تصغير|خريطة توضح مسار العمليَّات العسكريَّة والغزوات والغارات المُتبدالة بين المُسلمين والإفرنج بعد معركة بلاط الشُهداء والأوضاع الجيوسياسيَّة في جنوب غرب الغال آنذاك.]]
أرسل والي الأندلُس الجديد [[عقبة بن الحجاج السلولي|عقبة بن الحجَّاج السلولي]]، الذي خلف عبد الملك بن قطن، جيشًا لِإنقاذ المدينة من جهة البحر، حتَّى أصبح على مقربة من أربونة. فلمَّا علم قارلة بِمقدم هذا الجيش، بادر إلى لِقائه، فوقعت [[معركة وادي بير|معركة كبيرة]] عند نُهير البر بِالقُرب من أربونة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 337|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> انهزم فيها المُسلمون هزيمةً شديدة، وطاردهم الإفرنج حتَّى الشاطىء، وغنموا منهم وسبوا الكثير من الأسرى،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان=The Age of Charles Martel |الأخير=Fouracre |الأول=Paul |وصلة المؤلف= |السنة=2000 |الناشر=Longman |المكان=Harlow |isbn=0-582-06476-7 |الصفحة=97 }}</ref> ولم ينجُ منهم سوى شراذم قليلة لجأت إلى السُفن، وفرَّت إلى أربونة التي لم يُهن ذلك من عزم مقاومتها. ولكن مع أنباء تمرد مارونت في [[مارسيليا|مرسيلية]]،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان= The Development of Southern French and Catalan Society, 718–1050|الأخير=Lewis |الأول=Archibald R.|المؤلفين المشاركين= |السنة= 1965 |الناشر= University of Texas Press |المكان= Austin |isbn= |الصفحة=23 |الصفحات= |تاريخ الوصول=15 حُزيران (يونيو) 2012|المسار=http://libro.uca.edu/lewis/sfc2.htm}}</ref> ووفاة [[تيودوريك الرابع]] ملك الفرنجة، اضطر قارلة إلى رفع الحصار عنها، واستولى في طريقه على [[بيزييه|بزبيه]] وآجدة وماجلونة و[[نيم]]ة، وخرّب قلاعها.<ref name="عنان115" /> وفي ربيع سنة 120هـ المُوافق لِسنة 738م، عبر [[عقبة بن الحجاج السلولي|عقبة بن الحجَّاج السلولي]] البرتات في جيشٍ كبيرٍ، فاستردّ مدينة آرل، ثم أبينيون، وعدَّة مناطق أُخرى، وبلغ بجيشه [[بييمونتي|بيدمونت]]،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 336|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> فبعث مارتل أخاه شلدبراند لِقتال المُسلمين، واستغاث بحليفه [[ليوتبراند ملك اللومبارد]]، وتحرك مارتل إلى الرون بجيشٍ ثالث، وهاجموا مواقع المُسلمين في سنة 121هـ المُوافقة لِسنة 739م، فاضطرَّ عقبة إلى الارتداد إلى ما وراء الرون، فاستولى الإفرنج على معظم سپتمانية، ولم يبق منها بِيد المُسلمين سوى أربونة، واصطدم عقبة عند عودته عبر البرتات إلى الأندلُس بجماعاتٍ من البشكنس والقوط، فهزمها قبل عودته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 116|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-116|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ثُمَّ ظلَّت الأُمور مُستقرَّة على حالها لِسنوات، بعد أن انشغل الطرفان بِشُؤونهما الداخليَّة، فبعد قيام [[ثورة البربر]] في [[إفريقية]] سنة 122هـ المُوافقة لِسنة 740م، انقطعت صلة عقبة بن الحجَّاج السلولي بِالحُكومة المركزيَّة في [[دمشق]]، فثار عليه، [[عبد الملك بن قطن الفهري]]، وخلعه،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤلف مجهول|العنوان= أخبار مجموعة في فتح الأندلس، وذكر أمرائها رحمهم الله، والحروب الواقعة بها بينهم|الطبعة= الثانية|الصفحة= 34-35|السنة= [[1410 هـ]] - [[1989]] م|الناشر= دار الكتاب المصري - دار الكتاب اللبناني|المكان= القاهرة - مصر، بيروت - لبنان}}</ref> ودخلت الأندلُس لِسنواتٍ في صراعاتٍ داخليَّةٍ لم تنته إلَّا مع استقرار المُلك ل[[عبد الرحمن الداخل|عبد الرحمٰن الداخل]]. وعلى الجانب الآخر، تُوفي قارلة، واضطربت أمور الإفرنج بعد تصارُع أبناء مارتل حتَّى استقرار الأُمور لصالح ابنه [[بيبان القصير|پپين القصير]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 340|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 110|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref>
 
=== خُرُوج المُسلمين من سپتمانية ===
[[ملف:Muslim troops leaving Narbonne to Pepin le Bref in 759.jpg|تصغير|يمين|خُرُوج المُسلمين من أربونة وتسليم المدينة إلى الملك الإفرنجي پپين القصير.]]
كان قارلة قُبيل وفاته قد استغلَّ موت الدوق أودو في سنة 117هـ المُوافقة لِسنة 735م، وانتقال مُلك أقطانية إلى ابنه هونالد، فأجبره على تقديم الولاء والطاعة له بِوصفه حاكمًا من قِبله، وذلك ضمن مسعاه لِتوحيد بلاد الغال تحت حُكمه. فخضع لهُ هونالد، وبِذلك تقرَّب الفرنجة خُطوةً نحو سپتمانية حيثُ أضحت أملاكهم تُحيط بها، كما أضحى بِوسعهم مُهاجمة أربونة وهم مُطمئنين.<ref name="ReferenceC"/> دخلت مُمتلكات المُسلمين وراء جبال البرتات مرحلةً حرجةً، عندما اشتدَّ الصراع الداخلي في الأندلُس أثناء الأيَّام الأخيرة من حُكم الوُلاة، وكان أخطر ما في هذه المرحلة هو أنَّ القوط في سپتمانية أعادوا تنظيم صُفوفهم تمهيدًا للانقضاض على حُكم المُسلمين بِقيادة «أنزيموند النيمي»، فانتهز هذا اضطراب الوضع الداخلي في الأندلُس واستولى على بعض المناطق الخاضعة لِلمُسلمين في سپتمانية، هي نيمة وآجدة وماجلونة وبزبيه وما حولها،<ref name="سقوط" /> ثُمَّ أسس من تلك المُدن مملكة صغيرة كانت نُواةً ومركزًا لِنشاطه العسكريّ، ثُمَّ طمع في استرداد أربونة من المُسلمين وإخراجهم منها مُدركًا، في الوقت نفسه، أنَّ مملكته لن تنتعش وتدوم طالما بقي هؤلاء في قاعدتهم، لكنَّهُ كان أعجز من أن يتولَّى ذلك بِمُفرده، ورأى أن يستعين بِپپين الثالث ابن قارلة. ورحَّب هذا الأخير بِالدعوة إذ وجد فيها الفُرصة لِفرض سيادته على ما تبقَّى خارجًا عن طاعته في جنوبيّ الغال، وضمِّها إلى أملاكه. وهكذا تعاون الفرنجة والقوط ضدَّ المُسلمين. وفي سنة 134هـ المُوافقة لِسنة 752م، هاجم پپين مع حليفه الكونت أنزيموند المواقع الإسلاميَّة في سپتمانية بعد أن كانت قد انقطعت صلاتها بالأندلُس تقريبًا نظرًا للاضطرابات الداخليَّة في الأخيرة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 133|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-133|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ثُمَّ ضرب پپين وحليفه حصارًا على أربونة التي قاومت الحصار لِسنوات، بل واستطاعت حاميتها قتل أنزيموند في أحد الكمائن سنة 136هـ المُوافقة لِسنة 754م، تزامن ذلك مع حُدوث مجاعة في جنوب إفرنجية أثَّرت على الجيش المُحاصر،<ref name="سقوط">{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 112|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> فطال الحصار، حتى استقرَّ حُكم الأندلُس إلى [[عبد الرحمن الداخل|عبد الرحمٰن الداخل]]، فحاول فك الحصار بأن أرسل حملة سنة 140هـ المُواقة لِسنة 758م،<ref name="فجر343">{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 343|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> يقودها سُليمان بن شهاب الأُموي،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأبار القضاعي|ابن الأبّار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي البلنسي]]|العنوان= الحلة السيراء|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثانية|الصفحة= 355|السنة= [[1985]]م|الناشر= دار المعارف|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-6630#page-650 |تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> إلَّا أن البشكنس فتكوا بِتلك الحملة قبل أن تصل إلى وجهتها، وقُتل قائدها ابن شهاب.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 134|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-134|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولمَّا طال الحصار، ضجر أهل أربونة من القُوط، وراسلوا پپين الثالث سرًا في سنة 142هـ المُوافقة لِسنة 759م على أن يُمكّنوه من المدينة، على أن يترك لهم حُريَّة حُكم مدينتهم، فقبل ذلك؛ وانقضّ القُوط على الحامية المُسلمة لِلمدينة، فقتلوهم وفتحوا أبواب مدينتهم أمام جُند پپين الثالث، لِينتهي حُكم المُسلمين في تلك النواحي، بعد أن دام أربعين سنة، وخرج من بقي من المُسلمين نحو الأندلُس، لِتُطوى بِذلك صفحة الفُتوحات الإسلاميَّة في الغال.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 137|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-137|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 113|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref>
 
== أثر الفُتُوحات الإسلاميَّة في الغال ==
[[ملف:Detail of street in Ramatuelle.jpg|تصغير|يمين|جانبٌ من بلدة «رحمة الله» في جنوب فرنسا المُعاصرة.]]
نظرًا لِأنَّ الفترة التي أمضاها المُسلمون في الغال لم يطل أمدها أكثر من نصف قرن، ولم تكن الحضارة الإسلاميَّة في الأندلُس قد تكوَّنت وتفتحت بعد، وكانت المنطقة عبارة عن ثُغُورٍ حربيَّة ينفذ منها المُسلمون لِدفع حُدود الدولة إلى الأمام دون أن يستقرُّوا استقرارًا فعليًّا، فإنَّ أغلب الآثار التي تركها المُسلمون الأوائل في فرنسا المُعاصرة تكاد تكون مخفيَّة، بحيثُ لم يعثر عليها إلَّا الباحثون والعُلماء الذين نقَّبُوا ودققوا في مُختلف جوانب تاريخ المُجتمع الفرنسي الجنوبي. من أبرز الآثار الإسلاميَّة المُتفق عليها هو الأثر الزراعي، إذ أنَّ المُسلمين نقلوا إلى جنوب فرنسا مُختلف أنواع الغِراس من المشرق، والكثير من خبرتهم الزراعيَّة، ولقَّنُوها لِسُكَّان تلك الأنحاء. ويُقال إنَّ [[دقيق أسمر|القمح الأسمر]] الذي هو الآن من أهم محاصيل فرنسا إنما هو من مخلفات العرب، وهم الذين حملوا بذوره، وكانوا أول من زرعه بفرنسا، والمٌرجَّح أيضًا أنهم هم الذين حملوا فسائل ال[[نخلة|نخيل]] من الأندلُس وإفريقية إلى الغال، كما تأثَّرت سُلالة الخُيُول في فرنسا الجنوبيَّة بِهذه الفُتُوحات نتيجة تهجين [[حصانخيل عربيعربية|الأحصنة العربيَّة الأصيلة]] مع سُلالات الأحصنة الإفرنجيَّة.<ref name="آثار">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 477 - 479|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-457#page-471|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> أمَّا بِالنسبة لِلآثار الاجتماعيَّة، فيُلاحظ أنَّ لِبعض أهالي إقليم پروڤانس - التي استقرَّ بها المُسلمون حينًا من الدهر - بعض العادات والتقاليد التي نسبها البعض إلى المُسلمين، ومنها أنواعٌ من الرقص يٌظن أنها ترجع إلى أصلٍ عربيّ، ومنها أيضًا نمط «التروبادور» الأدبي الذي يبدو أنَّهُ تأثَّر بِالشعر العربي، ذلك أنَّ قوام هذه الحركة هو القريض الحربي والغنائي، وزعماؤها فُرسانٌ شُعراء وفنَّانون، تمامًا كما يظهر في أشعار الفُروسيَّة العربيَّة.<ref name="آثار" /> أضف إلى ذلك أنَّ [[لغةاللغة قسطانيةالأوكسيتانية|اللُغة القسطانيَّة]] تأثَّرت [[لغةاللغة عربيةالعربية|بِاللُغة العربيَّة]] بِشكلٍ واضح، فظهرت كلماتٌ في المُعجم القسطاني، والفرنسي إلى حدٍ ما، من شاكلة ''drogoman'' أي «تُرجُمان»، وما زال يُقالُ حتَّى اليوم على سبيل المِثال: ''par le '''truchement''' de'' أي «من خِلال كذا»، وكذلك ''charabia'' المُشتقة من «شَرَح»، كما سُميت بعض المُدن والمناطق بِأسماء عربيَّة من شاكلة بلدة ''Ramatuelle'' المُشتق اسمها من «رحمة الله»، و'' Saint-Pierre de l''''Almanarre''''' المُشتق اسمُها من «المنارة».<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|المؤلف1=Xavier de Planhol|المؤلف2=Paul Claval|العنوان=An Historical Geography of France|date=1994|الناشر=Cambridge University Press|isbn=9780521322089|الصفحة=84|الطبعة=المُصوَّرة}}</ref> تركت الغزوات والفُتُوحات الإسلاميَّة أثرًا كبيرًا في فرنسا بقي ماثلًا في الذهن طيلة قُرُون، ويذكر المُستشرق الفرنسي [[جوزيف توسان رينو]] هذا بِقوله:
[[ملف:Robert-Southey.jpg|تصغير|الشاعر الإنگليزي روبرت ساوذي، كاتب منظومة عن حملات المُسلمين على الغال.]]
{{اقتباس خاص|إنَّ ذكرى الغزوات النورمانيَّة والمجريَّة لا تُوجد إلَّا في الكُتُب. ولكن ما السِّر في أنَّ ذكرى العرب ما زالت ماثلةً في جميع الأذهان؟ لقد ظهر العربُ في فرنسا قبل النورمان والمجر، واستطالت إقامتهم بعد الغزوات النورمانيَّة والمجريَّة، وإنَّ غزوات العرب الأُولى ليطبعها طابعٌ من العظمة، حتَّى أننا لا نستطيع أن نتلو أخبارها دون تأثُّر. ذلك لأنَّ العرب دون النورمانيين والمجر، ساروا مدى آماد في طليعة الحضارة، ثُمَّ إنهم لبثوا بعد أن غادروا أرضنا موضع الرَّوع في شواطئنا، وأخيرًا لِأنَّ المعارك التي اضطلعوا بها أيَّام الصليبيين في إسپانيا وإفريقية وآسيا، أسبغت على اسمهم بهاءً جديدًا، بيد أنَّ هذه العوامل كُلُّها قد لا تكفي لِتعليل المكانة العظيمة التي يتبوأُها الاسمُ العربيُّ في أوروپَّا وفي أذهان المُجتمع الأوروپيّ. أمَّا السبب الحقيقي لِهذه الظاهرة المُدهشة، فهو الأثر الذي بثَّتهُ قصص الفُروسيَّة في العُصور الوُسطى، وهو أثر لا يزال ملموسًا إلى يومنا.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |الأخير=Reinaud |الأول=Joseph Toussaint |date=1836 |العنوان=Invasions des Sarrazins en France, et de France en Savoie, en Piémont et dans la Suisse |المسار=http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k62027830/f365.image|المكان=Paris |الصفحة=311 - 312|author-link=جوزيف توسان رينو }}</ref> }}
[[ملف:قبور المسلمين الأوائل في فرنسا.JPG|تصغير|يمين|ثلاثة قُبُور لِمُسلمين من الفاتحين الأوائل بِحسب الظاهر، عُثر عليها في مدينة نيمة بِجنوب فرنسا، وأُعلن عن اكتشافها في أوائل سنة 2016م. استدلَّ العُلماء على أنها ترجع لِمُسلمين بِسبب توجيه رؤوسها ناحية القِبلة.]]
كذلك، أثارت هذه الغزوات والحملات العسكريَّة الإسلاميَّة التي كادت أن توطِّد دعائم الإسلام في أوروپَّا ما بعد الأندلُس، والقيادة البارعة لعبد الرحمٰن الغافقي وجيشه الجرَّار التي بالغت الروايات الإفرنجيَّة في تقدير عديده، أثارت خيال عدَّة شُعراء أوروپيين بما فيهم الشاعر الإنگليزي [[رومانسية (فن)|الرومنطيقي]] [[روبرت ساوذي]] ([[1774]] - [[1843]]م) الذي وصف في منظومته حملات المُسلمين على الغال وما تعرَّض له العالم المسيحي من خطرٍ داهمٍ آنذاك، فقال: {{اقتباس مضمن|جَمعٌ لَا يُحصَى، مِن شَآمٍ وِبَربَرٍ وَعَرَبٍ وَرُومٍ خَوَارِجٍ؛ وَفُرسٍ وقِبطٍ وَتَتَرٍ عِصبَةٍ وَاحِدةٍ. يَجمَعُهَا إِيمَانٌ هَائِمٌ رَاسِخ الفُتُوَّة؛ وَحِميَةٌ مُضطَرِمَةٌ، وَأُخُوَّةٌ مُرَوِّعَةٌ. وَلَم يَكُ الزُّعَمَاء أَقَلَّ ثَقَةً بِالنَّصرِ، وَقَد شَمَخُوا بِطُولٍ ظَفرٍ، يَتِهُونَ بِتِلكَ القُوَّةِ الجَارِفَةِ؛ التِي أَيقَنُوا أَنَّهَا كَمَا اندَفَعَت، حَيثُمَا كَانُوا بِلَا مُنَازِع؛ سَتَندَفِعُ ظَافِرَةً إلى الأَمَامٍ، حَتَّى يُصبِحُ الغَربَ المَغلُوبَ كَالشَّرقِ، يُطَأطِأُ الَّرأسَ إِجلَالًا لِاسمِ مُحّمَّدٍ، وَيَنهَضُ الحَاجُّ مِن أَقَاصِيَ المُنجَمِدِ، لِيَطَأَ بِأَقدَامِ الأَيمَانِ، الرِّمَالِ المُحرِقَةِ المُنتَثِرَةِ فَوقَ صَحرَاءِ العَرَبِ ومَكَّةَ الصَّلدُةِ}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= مواقف حاسمة في تاريخ الإسلام|الطبعة= الخامسة|الصفحة= 55 - 56|السنة= [[1417 هـ|1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= حُسين عنَّان، ورثة المُؤلِّف|تاريخ الوصول= [[8 سبتمبر|8 أيلول (سپتمبر)]] [[2018]]|المسار= https://ia800703.us.archive.org/20/items/waq54136/54136.pdf}}</ref>
 
وفي أوائل سنة 2016م كشف عُلماء آثار فرنسيُّون عن اكتشافهم ثلاثة قُبُور في مدينة نيمة بِجنوب البلاد، يُعتقد أنها أقدم مدافن إسلاميَّة عُثر عليها في أوروپَّا حتَّى الآن، ويعود تاريخها لِما بين القرنين السابع والثامن الميلاديين؛ لِيكون هذا هو الدليل المادي الأوَّل على وُجود جالية إسلاميَّة في جنوب فرنسا بداية القُرون الوُسطى، وفق ما قاله الأنثروپولوجي إيڤ غليز لِ[[وكالة فرانس برس|وكالة الصحافة الفرنسية]]. واستدلَّ العُلماء على أنَّ المدفونين في القُبُور مُسلمين بِسبب وضعيَّة [[هيكل عظمي(أحياء)|الهياكل العظميَّة]]، حيثُ أنَّ الرؤوس كُلها تُواجه القِبلة، كما هو الحال في جميع مقابر المُسلمين. كما أظهرت تحليلات [[حمض نووي ريبوزي منقوص الأكسجين|الحمض النووي]] لِعيناتٍ أُخذت من تلك العظام أنَّ هؤلاء الرجال تراوحت أعمارهم بين أواخر العشرينات وأوائل الخمسينات، وأنَّ أُصولهم شمال أفريقيَّة، وغالبًا هي [[أمازيغ|بربريَّة]].<ref>{{مرجع ويب| التاريخ = [[3 مارس|3 آذار (مارس)]] [[2016]]م | المسار = http://www.akhbaralaan.net/entertainment/2016/3/3/graves-france-towards-mecca-medieval| العنوان = بالصور: العثور على قبور بفرنسا باتجاه مكة ترجع للقرون الوسطى!| الموقع = أخبار الآن| المكان = [[دبي]] - [[الإمارات العربية المتحدة]]| تاريخ الوصول = [[8 مايو|8 أيَّار (مايو)]] [[2017]]م}}</ref><ref>{{مرجع ويب| التاريخ = [[25 فبراير|25 شُباط (فبراير)]] [[2016]]م| المسار = https://www.dailysabah.com/arabic/religion/2016/02/25/archaeologists-identify-oldest-muslim-graves-ever-found-in-europe| العنوان = العثور على أقدم مقبرة إسلامية في جنوب فرنسا| الموقع = ديلي صباح ووكالات| المكان = [[إسطنبول]] - [[تركيا]]| تاريخ الوصول = [[8 مايو|8 أيَّار (مايو)]] [[2017]]م}}</ref><ref>{{مرجع ويب| المؤلف = هاني ضوَّه| التاريخ = الخميس [[16 مارس]] [[2017]]| المسار = http://www.masrawy.com/islameyat/Makalat-Other/details/2017/3/16/1044152/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D9%85%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D9%81%D8%AA%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%85%D9%86| العنوان = بالفيديو والصور.. مقبرة تكشف فتح المسلمين لفرنسا في القرن الثامن| الموقع = مصراوي| تاريخ الوصول = [[8 مايو|8 أيَّار (مايو)]] [[2017]]م| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20170417070033/http://www.masrawy.com/Islameyat/Makalat-Other/details/2017/3/16/1044152/بالفيديو-والصور-مقبرة-تكشف-فتح-المسلمين-لفرنسا-في-القرن-الثامن | تاريخ الأرشيف = 17 أبريل 2017 }}</ref>
 
== أُمورٌ خِلافيَّة ==
* '''التخريبات التي طالت البلاد المسيحيَّة''': يقول المُستشرق جوزيف توسان رينو أنَّ المُسلمين خرَّبوا الكثير من النواحي في غاراتهم وأنَّ الأديرة والكنائس تحوَّلت كُلها إلى خرائب بعد مُرورهم في تلك المناطق، وأشار إلى هذه الروايات في مُؤلَّفه الشهير عن الغزوات الإسلاميَّة في فرنسا مُشيرًا إلى عدَّة مراجع استند إليها. غير أنَّ بعض المُؤرخين العرب والمُسلمين قال بِأنَّ المراجع التي أشار إليها رينو لم تُشر إلى أنَّ المُسلمين هُم الذين خرَّبوا النواحي التي ذكرها كُلَّها، وإنما هو من نسب أغلب تلك الخرائب إلى المُسلمين. ويُشيرُ هؤلاء إلى أنَّ العصر الذي شهد الفُتُوح الإسلاميَّة في الغال كان كُلُّه عصر اضطراب وحُروب بين النصارى فيما بين بعضهم وبعض في هذه الجهات من الغال على وجه الخُصُوص. ومما يدحض رأي رينو - في نظر هؤلاء - أنَّ المُلُوك المسيحيُّون كانوا لا يترددون في إحراق القُرى والكنائس والأديرة عندما يُحاربون بعضهم، وأنَّ كلوڤيس نفسه أنزل بِالكنائس والأديرة في جنوبيّ الغال وفي بورغندية وفي أقطانية من التخريب والأضرار ما فاق كُلَّ وصف. كذلك فإنَّ المُسلمين فتحوا قبل ذلك بلادًا شكَّل المسيحيُّون أغلب أهلها، في الشَّام ومصر والعراق على سبيل المِثال، ولم تُحرق فيها الكنائس، بل أُعطي أهلها عُهود أمان وسلام أن لا يتعرَّض لهم أحد في دينهم ومُقدَّساتهم.<ref name="خلافات">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 258 - 260|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
* '''موقف الفرنجة من المُسلمين''': ذكر رينو أنَّ المُسلمين لم يلقوا ترحيبًا من أهالي البلاد التي افتتحوها، باستثناء بعض الأشخاص «بلا دين أو وطن» على حد تعبيره. بِالمُقابل، ردَّ آخرون على هذا الكلام بِقولهم أنَّ نواحٍ كثيرة من بلاد الإفرنج كان أهلها لا يُدينون بِالمسيحيَّة آنذاك، بل كانوا يعيشون حياةً بدائيَّةً ولمَّا يستقرُّوا على دينٍ بعد ولم يفهموا معنى الوطن، وأنَّ الفرنجة أنفُسهم ما كانوا لِيأخذوا الدين مأخذ الجد أو يشعروا بِشُعورٍ وطنيٍّ نحو الغال كون تلك البلاد كانت ما تزال في طور التكوُّن ولم تُصبح بعد وطنًا يتعصَّب لهُ أحد.<ref name="خلافات" /> ويُضيف البعض أنَّ سُكَّان الغال من ال[[رومان (توضيح)|رومان]] رحَّبوا بِالمُسلمين كمُنقذين من الفرنجة، إذ أنَّ هؤلاء كانوا مكروهين من الرومان الذين اعتبروهم دُخلاء على البلاد ومُغتصبين لِلسُلطة التي كانت في يدهم يومًا، كما أنهم دعوا قارلة بِالمُغامر، وأبغضوه وقومه كونهم كانوا بعيدين جدًا عن الحضارة اللاتينيَّة الرومانيَّة التي دان بها سُكَّانُ الغال، ولم يكن الإفرنج يفقهون منها شيئًا.<ref name="طقوش127" />
* '''تفاصيل معركة بلاط الشُهداء''': لم تُقدِّم الرواية الإسلاميَّة إلَّا إشاراتٍ عابرةٍ مُبسترةٍ عن هذه الموقعة الفاصلة، في حين بالغ المُؤرخون الأوروپيُّون في تصويرها واعتبارها المعركة الفاصلة التي أنقذت المسيحيَّة و[[حضارةالتأثير مسيحيةالحضاري للمسيحية|حضارتها]]. واعتبر بعض المُؤرخين أنَّ عدم ذكر المُسلمين لِلكثير من التفاصيل المُتعلِّقة بِهذه المعركة يرجع إلى أنهم اعتبروها غزوة من الغزوات الكثيرة التي قاموا بها في الغال، ولم يُعيروها اهتمامًا كبيرًا لأنَّ الغاية من ورائها لم تكن الاستقرار في البلاد المفتوحة بِقدر ما كانت جس نبض العدو وإنهاكه. بِالمُقابل، قال آخرون أنَّ الإحجام الإسلامي عن الحديث عن هذه المعركة نابعٌ من رغبة الرُواة المُسلمين في إخفاء معالم هذا الحادث لشدَّة كارثيَّته، لكن رُدَّ على هذا القول بِأنَّ التاريخ الإسلامي حافل بِأخبار معارك انهزم فيها المُسلمون هزائم فادحة، ودُوِّنت أخبارها كما كانت، من [[معركةغزوة أحد|غزوة أُحد]] إلى [[معركة العقاب|معركة العُقاب]] وما بينها، وبعضُ تلك المعارك كان وقعها على المُسلمين أسوأ من وقع بلاط الشُهداء، فلا يُعلل هذا التفسير الإغفال الغريب لِمسار هذه المعركة تحديدًا.<ref name="طقوش127">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 127|السنة= [[1431 هـ|1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 271|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
 
== انظر أيضًا ==
سطر 198:
[[تصنيف:غزوات في أوروبا]]
[[تصنيف:معارك الأندلس]]
[[تصنيف:معارك الفرنجة]]
[[تصنيف:معارك تشمل إمبراطورية الفرنجة]]
[[تصنيف:نزاعات في القرن 8]]