أحمد بن طولون: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:إضافة تصنيف كومنز (1.3)
Glory20 (نقاش | مساهمات)
لا ملخص تعديل
وسمان: تحرير مرئي تعديل المحمول المتقدم
سطر 114:
| lon_deg = 64 | lon_min = 26 | lon_sec = 00<!-- default: lon_dir = E -->
}}
في عام [[835]] ولد أحمد بن طولون، وترجع أصوله إلى قبيلة التغزغز التُركيَّة، وتحديدًا إلى أُسرةٍ كانت تُقيمُ في [[بخاري|بُخارى]]. وكان والدهُ يدعى «طولون»، واليه نُسبت الدولة التي أسسها أحمد لاحقًا، وكان طولون مملوكًا جيء به إلى نوح بن أسد الساماني<ref>البداية والنهاية لابن كثير 11/53</ref><ref>[https://www.arab-ency.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D9%88%D8%AB/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%B7%D9%88%D9%84%D9%88%D9%86 أحمد بن طولون | موقع الموسوعة العربية]</ref><ref>[https://books.google.com.eg/books?id=ig9_LY6eVboC&pg=PT80&lpg=PT80&dq=%22%D9%86%D9%88%D8%AD+%D8%A8%D9%86+%D8%A3%D8%B3%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%22%D9%88+%22%D8%B7%D9%88%D9%84%D9%88%D9%86%22&source=bl&ots=Fhwk4I0evn&sig=Zsaj6KdMt6Hb3rrI5a_-o2mjqdw&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwidq8GWsKHTAhVFSRoKHZtXCV0Q6AEIHjAC#v=onepage&q=%22%D9%86%D9%88%D8%AD%20%D8%A8%D9%86%20%D8%A3%D8%B3%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%22%D9%88%20%22%D8%B7%D9%88%D9%84%D9%88%D9%86%22&f=false التاريخ الإسلامي - ج 6: الدولة العباسية ج 2 - نتيجة البحث في كتب Google] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170413235438/https://books.google.com.eg/books?id=ig9_LY6eVboC&pg=PT80&lpg=PT80&dq=%22%D9%86%D9%88%D8%AD+%D8%A8%D9%86+%D8%A3%D8%B3%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%22%D9%88+%22%D8%B7%D9%88%D9%84%D9%88%D9%86%22&source=bl&ots=Fhwk4I0evn&sig=Zsaj6KdMt6Hb3rrI5a_-o2mjqdw&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwidq8GWsKHTAhVFSRoKHZtXCV0Q6AEIHjAC |date=13 أبريل 2017}}</ref> عامل بُخارى و[[خراسان|خُراسان]]، فأرسلهُ بِدوره هديَّةً إلى الخليفة [[المأمون بن هارون الرشيد|المأمون]].{{Sfn|Hassan|1986|p=278}}{{Sfn|Gordon|2001|pp=19–20, 26}} مع من أُرسل من المماليك التُرك في سنة [[200 هـ]] المُوافقة لِسنة [[816]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 1|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>، و قدأُعجب الخليفة المأمون كثيرًا بطولون الذي بدت عليه علامات النجابة والإخلاص، فحظي عنده، وازدادت مكانته لديه، فكلفه بوظائف عدَّة نجح في إدارتها بِشكلٍ ملحوظ، فولاه رئاسة الحرس، ولقَّبهُ بِأمير الستر، وظل طولون عشرين سنة يشغل هذا المنصب الهام.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة= 42|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> أنجب طولون عددًا من الأبناء من بينهم أحمد الذي يُكنى بِأبي العبَّاس، الذي وُلد في [[23 رمضان]] [[220 هـ]] المُوافق فيه [[20 سبتمبر]] [[835]] في بغداد{{Sfn|Becker|1987|p=190}}{{Sfn|Gordon|2001|p=63}} من جاريةٍ تُدعى «قاسم» ويقال «هاشم»،<ref name="البلوي">{{مرجع كتاب|المؤلف1= البلوي المدني، أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد بن عُمير|المؤلف2= تحقيق: [[محمد كرد علي|مُحمَّد كُرد عليّ]]|العنوان= سيرة أحمد بن طولون|الإصدار= الأولى|الصفحة= 33 - 36|السنة= [[1998]]|الناشر= مكتبة الثقافة الدينيَّة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>، ولكن حكى ابن عساكر عن بعض مشايخ مصر أن طولون لم يكن أباه، وإنما تبناه؛ لديانته، وحسن صوته بالقرآن، وظهور نجابته، وصيانته من صغره، وأن طولون اتفق له معه أن بعثه مرة في حاجته؛ ليأتيه بها من دار الإمارة فذهب، فإذا حظية من حظايا طولون مع بعض الخدم، وهما على فاحشة، فأخذ حاجته التي أمره بها، وكر راجعا إليه سريعا، ولم يذكر له شيئا مما رأى من الحظية والخادم، فتوهمت الحظية أن يكون أحمد قد أخبر طولون بما رأى، فجاءت إلى طولون فقالت: {{اقتباس مضمن|إن أحمد جاءني الآن إلى المكان الفلاني، وراودني عن نفسي}}، وانصرفت إلى قصرها، فوقع في نفس طولون صدقها، فاستدعى أحمد، وكتب معه كتابا، وختمه إلى بعض الأمراء، ولم يواجه أحمد بشيء مما قالت الجارية، وكان في الكتاب أن ساعة وصول حامل هذا الكتاب إليك، تضرب عنقه، وابعث برأسه سريعا إلي، فذهب بالكتاب من عند طولون، وهو لا يدري ما فيه، فاجتاز بطريقه تلك الحظية، فاستدعته إليها، فقال: {{اقتباس مضمن|إني مشغول بهذا الكتاب؛ لأوصله إلى بعض الأمراء}}، فقالت هلم فلي إليك حاجة، وأرادت أن تحقق في ذهن الملك طولون ما قالت له عنه، فحبسته عندها ليكتب لها كتابا، ثم استوهبت من أحمد الكتاب الذي أمره طولون أن يوصله إلى ذلك الأمير، فدفعه إليها فأرسلت به ذلك الخادم المذكور، فذهب بالكتاب إلى ذلك الأمير، فلما قرأه أمر بضرب عنق ذلك الخادم، وأرسل برأسه إلى الملك طولون، فتعجب الملك من ذلك، وقال:{{اقتباس مضمن|أين أحمد؟}}، فطلب له، فقال: {{اقتباس مضمن|ويحك أخبرني كيف صنعت منذ خرجت من عندي}}، فأخبره بما جرى من الأمر، ولما سمعت تلك الحظية بأن رأس الخادم قد أتى به إلى طولون أسقط في يديها، وتوهمت أن الملك قد تحقق الحال، فقامت إليه تعتذر، وتستغفر مما وقع منها مع الخادم، واعترفت بالحق وبرأت أحمد مما نسبته إليه، فحظى عند الملك طولون، وأوصى له بالملك من بعده<ref>كتاب البداية والنهاية لابن كثير، الجزء الحادي عشر ص53،54</ref>، ونشأ أحمد تحت رعاية والده طولون، وبهذا فقد كان مُختلفًا عن نشأة أقرانه من أولاد العجم، فحرص على الابتعاد عن جو التُرك العابثين والآثمين، وكان يكره ويعيب كل ما يرتكبوه من مُنكرات، فاشتهر بين معارفه بالتقوى والصلاح، وبنفس الوقت بالشدَّة والقُوَّة والبأس لأنه تربى تربية عسكريَّة.<ref name="البلوي" /> ويبدو أنَّ الحاجة كانت ماسَّة في ذلك الوقت إلى ضابطٍ شابٍ يخدم في ثغر [[طرسوس]]، لهُ بأس لِقاء العدو والرغبة في [[الجهاد]]، ولهُ من التقوى ما يُناسب الجو الديني الخالص الذي شاع في المدينة، نظرًا لِلأهميَّة الإستراتيجيَّة والعسكريَّة الفريدة لِهذه المدينة الواقعة على الحُدود بين [[آسيا الصغرى|آسيا الصُغرى]] والشَّام، حيثُ ملتقى بلادُ المُسلمين ببلاد البيزنطيين؛ وفي نفس الوقت كان أحمد بن طولون قد طلب من الوزير [[عبيد الله بن يحيى بن خاقان|عُبيد الله بن يحيى]] أن يكتب لهُ أرزاقهُ في [[ثغر|الثغر]] سالِف الذِكر، وعرَّفهُ رغبتهُ في المقام به،<ref name="البلوي" /> فوافق على طلبه وكتب لهُ به. بناءً على هذا، خرج أحمد بن طولون إلى ثغر طرسوس وقضى فيه سنوات شبابه بعيدًا عن الوسط التُركي في [[العراق]]، وأخذ العلم والحديث والآداب عن كِبار العُلماء الطرسوسيين، كما تزوَّج وأنجب، وتطلَّع إلى الاشتراك في الصوائف التي كانت تغزو الروم، كما تعرَّف عن قُرب على الشَّام وما كانت تمتاز به من الأهميَّة العسكريَّة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 5|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ورُبما كانت أيَّامهُ الأولى فيها فاتحة طُموحه في تولِّيها مع [[مصر]].
 
خطا أحمد بن طولون خُطواته الأولى نحو الشُهرة، وذلك بعد وفاة والده في سنة [[240 هـ]] المُوافقة لِسنة [[854]] وهو في العشرين من عُمره. حيث فوَّض إليه الخليفة العبَّاسي [[المتوكل على الله|المُتوكِّل]] ما كان لِأبيه من الأعمال العسكريَّة المُختلفة، وسُرعان ما أُتيح له أن يستولي على إمرة الثُغور و[[دمشق]] و[[مصر|الديار المصرية]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 4|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وعلى هذا الشكل فقد دخل أحمد بن طولون في خضم الحياة السياسيَّة المُضطربة آنذاك في [[العراق]]، وهو يتمتَّع باحترام التُرك وثقتهم، كما نال ثقة الخِلافة واحترامها، فكانت علاقته بِكُلٍ من الخليفتين المُتوكِّل والمُستعين جيِّدة، وقد بدأت صلته بِهذا الأخير خِلال عودته من طرسوس، عندما انضمَّ إلى قافلة تجاريَّة قادمة من [[بيزنطة]] تحملُ طرائف ومتاع روميَّة للخليفة، فأنقذها من قُطَّاع طُرقٍ [[أعراب]] تعرَّضوا لها في [[الرها|منطقة الرها]]، فاحتفظ لهُ الخليفة بالجميل ومنحهُ ألف دينار.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= البلوي المدني، أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد بن عُمير|المؤلف2= تحقيق: [[محمد كرد علي|مُحمَّد كُرد عليّ]]|العنوان= سيرة أحمد بن طولون|الإصدار= الأولى|الصفحة= 38 - 39|السنة= [[1998]]|الناشر= مكتبة الثقافة الدينيَّة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان أحمد بن طولون على العكس من الكثير من قادة الحرس التُرك، يُظهرُ احترامه وتقديره للخليفة إن دخل عليه أو تحدث عنه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= محمود، حسن أحمد|العنوان= حضارة مصر الإسلاميَّة: العصر الطولوني|الصفحة= 17|الناشر= دار الفكر العربي|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وعندما نُفي الخليفة إلى [[واسط]]، نتيجة صراعه مع المُعتز والتُرك، سمح له هؤلاء باصطحاب أحمد بن طولون معه، فكان رفيقه في مُعتقله، ولا شكَّ بأنَّ هذا الاختيار وقُبول التُرك به كمُرافق للخليفة، مردَّهُ إلى الثقة التي حصل عليها من الجميع.<ref name="البلوي2">{{مرجع كتاب|المؤلف1= البلوي المدني، أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد بن عُمير|المؤلف2= تحقيق: [[محمد كرد علي|مُحمَّد كُرد عليّ]]|العنوان= سيرة أحمد بن طولون|الإصدار= الأولى|الصفحة= 40|السنة= [[1998]]|الناشر= مكتبة الثقافة الدينيَّة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وأثبت أحمد بن طولون أنه جديرٌ بِهذه الثقة، فعامل الخليفة المُستعين بالحُسنى، ورفض طلبًا لِقبيحة، والدة المُعتز، بِقتله مُقابل تقليده واسط، وكان جوابه: {{اقتباس خاص|لًا يَرَانِي اللهُ {{عز وجل}} أَقْتُلُ خَلِيْفَةً لَهُ فِي رَقَبَتِي بَيْعَةٌ وَأَيْمَانٌ مُغَلَّظَةٌ أَبَدًا<ref name="البلوي2" />}} فسلَّم الخليفة سليمًا لِأعدائه وهو يُدركُ مصيرهُ المحتوم. وكان لِموقفه هذا الأثر الكبير في نُفوس التُرك فأعظموا فيه دينهُ وعقله، وكبُر في نظرهم، وباتوا يتطلَّعون إلى هذا الشَّاب ليتسلَّم زعامتهم، كما عُظم في أعيُن البغداديين.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة= 45|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
سطر 122:
لما أدخل [[المعتصم العباسي]] [[الأتراك]] إلى عصب [[الدولة العباسية]]، وولاهم معظم المناصب الكبرى، آلت إليهم الولايات العباسية، وكان بايكباك التركي من أحد أبرز العناصر التركية والذي برز على المسرح السياسي على أثر الصراع الذي انتهى بِمقتل الخليفة المُستعين وتولية المُعتز. وكان هذا القائد التُركي في مُقدِّمة القادة التُرك الذين أداروا هذا الصراع، وقد تقاسموا الأعمال والنواحي فيما بينهم. فأقطع المُعتز بايكباك أعمال مصر ونواحيها،<ref name="المقريزي2">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[المقريزي|المقريزي، أبو العبَّاس تقيُّ الدين أحمد بن عليّ بن عبد القادر الحُسيني العُبيدي]]|العنوان= [[المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار]]، الجُزء الثاني|الإصدار= الأولى|الصفحة= 120 - 121|السنة= [[1418هـ]]|الناشر= دار الكُتُب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ويبدو أنه خشي مُغادرة عاصمة الخِلافة حتَّى لا يتعرَّض للعزل، وآثر أن يبقى قريبًا من مركز السُلطة يُشارك في اتخاذ القرارات، وأناب عنهُ أحمد بن طولون في مصر، وقد فضَّلهُ على غيره لما عُرف عنه من حُسن السيرة وبِفعل قرابته له، فهو زوج أُمِّه. سار أحمد بن طولون إلى مصر بِرفقة أحمد بن مُحمَّد الواسطي، ودخلها يوم الأربعاء [[7 رمضان]] [[254هـ]]<ref name="البداية والنهاية لابن كثير 11/54">البداية والنهاية لابن كثير 11/54</ref> المُوافق فيه [[15 سبتمبر|15 أيلول (سپتمبر)]] [[868]]م. وكانت السياسة السائدة آنذاك أن يتولَّى السُلطة في مصر أكثر من شخصٍ حتَّى يُراقب بعضهم بعضًا. فكان عامل الخِراج أحمد بن مُحمَّد بن المُدبِّر، ذو السيرة السيِّئة في المُجتمع المصري بِفعل شدَّته وقسوته، وهو من دُهاة الناس وشياطين الكُتَّاب.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= البلوي المدني، أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد بن عُمير|المؤلف2= تحقيق: [[محمد كرد علي|مُحمَّد كُرد عليّ]]|العنوان= سيرة أحمد بن طولون|الإصدار= الأولى|الصفحة= 43|السنة= [[1998]]|الناشر= مكتبة الثقافة الدينيَّة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان شُقير الخادم على البريد، وهو غُلامُ قبيحة والدة المُعتز، يُراقبُ أعمال كبار المُوظفين وسُلوك النَّاس ويُعلمُ الخِلافة بذلك، وهو دائمًا يدسُّ بين هذه القوى المُتعددة، وكان بكَّار بن قُتيبة على القضاء، وعلى الإسكندريَّة إسحٰق بن دينار، وعلى برقة أحمد بن عيسى الصعيدي.<ref name="المقريزي2" /> وما أن استقرَّ أحمد بن طولون في الفسطاط حتَّى اصطدمت مصالحه مع هذه القوى، فساءت علاقته بابن المُدبِّر الذي حاول استقطابه بِعشرة آلاف دينار، فرفض ابن طولون الهديَّة وردَّها بِفعل أنه دخل مصر وهو مُفعم بِتطلُّعات سُلطويَّة تفوق كُلَّ حد. أدرك ابنُ المُدبِّر أنَّهُ أمام رجلٍ طموحٍ قد يُشكِّلُ خطرًا عليه، فراح يُحيكُ المُؤامرات للتخلُّص منه أو إبعاده عن مصر، فأرسل تقريرًا إلى دار الخِلافة أوضح فيه بأنَّ أحمد بن طولون رجلٌ لا يُؤتمنُ لا على ولاية مصر ولا حتَّى على طرفٍ من الأطراف واتهمهُ بأنَّهُ ينوي الاستقلال بِمصر.<ref name="المقريزي2" />
[[ملف:Fragmentation of the Abbasid Caliphate-ar.jpg|تصغير|يمين|250بك|خارطة الدولة العبَّاسيَّة عند تفكُكها إلى عدَّة دُويلات، ومن بينها الدولة الطولونيَّة.]]
تصدَّى أحمد بن طولون لِهذه المُؤامرة التي صاغها ضدَّه ابن المُدبِّر واستقطب بعض التُجَّار في مصر والعراق، فاستخدمهم لاستمالة أولي الأمر في بغداد عن طريق بذل المال،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 78|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وقد نجح في هذا المضمار حيثُ مكَّنتهُ هذه السياسة من الاستمرار في حُكم مصر على الرُغم من كثرة الوُشاة والكُتب المُتلاحقة من ابن المُدبِّر وشُقير الحاجب، كما كانت دعمًا آخر له إضافةً إلى دعم بعض القادة التُرك المُهيمنين على مُقدرات الخِلافة مثل بايكباك ويارجوخ. واستمال أحمد بن طولون الوزير الحسن بن مُخلَّد عن طريق بذل المال أيضًا، فأرسل لهُ هذا الكُتب التي كان يبعثها ابن المُدبِّر وشُقير الحاجب ضدَّه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الداية|ابن الداية، أبو جعفر أحمد بن يُوسُف]]|العنوان= سيرة أحمد بن طولون|الصفحة= 11|السنة= [[1894]]|الناشر= نشر فولرز|المكان= [[برلين]] - [[الإمبراطورية الألمانية|الإمبراطوريَّة الألمانيَّة]]}}</ref> وبهذا الأُسلوب السياسي كشف ابن طولون أعداءه واطلع على حقيقة موقفهم منه، لِذلك قرَّر التخلُّص منهم حتَّى تخلو له الساحة السياسيَّة، فاستدعى شُقير الحاجب واعتقله، ولم يستحمل الأخير هول الصدمة، فمات.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= البلوي المدني، أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد بن عُمير|المؤلف2= تحقيق: [[محمد كرد علي|مُحمَّد كُرد عليّ]]|العنوان= سيرة أحمد بن طولون|الإصدار= الأولى|الصفحة= 58 - 59|السنة= [[1998]]|الناشر= مكتبة الثقافة الدينيَّة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> التفت أحمد بن طولون بعد ذلك إلى التخلُّص من ابن المُدبِّر بِفعل خطره عليه ووُقوفه حجر عثرة في وجه مشروعاته الكُبرى في مصر، فكتب إلى الخليفة المُهتدي يطلب منه صرفه عن خراج مصر وتعيين مُحمَّد بن هلال مكانه، وهو أحد أصدقائه. ولمَّا كان بايكباك مُهيمنًا على دار الخِلافة، فقد وافق الخليفة على طلبه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 79|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وساعدت الظُروف السياسيَّة، التي حدثت في بغداد، أحمد بن طولون في تثبيت أقدامه في مصر، فقد حدث أن قُتل بايكباك في سنة [[256هـ]] المُوافقة لِسنة [[870]]م وخلفه القائد التُركي يارجوخ وهو [[ختن]] ابن طولون، فكتب إليه: «تسلَّم من نفسك لِنفسك»،<ref name="البلوي المدني">{{مرجع كتاب|المؤلف1= البلوي المدني، أبو مُحمَّد عبدُ الله بن مُحمَّد بن عُمير|المؤلف2= تحقيق: [[محمد كرد علي|مُحمَّد كُرد عليّ]]|العنوان= سيرة أحمد بن طولون|الإصدار= الأولى|الصفحة= 46|السنة= [[1998]]|الناشر= مكتبة الثقافة الدينيَّة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وهي إشارة واضحة لِتسليمه مصر كُلَّها، ولكنَّهُ استثنى الخراج الذي ظلَّ بِيد أحمد بن المُدبِّر، الذي أضحى محدود السُلطة في ظل هيمنة ابن طولون<ref name="التأسيس">{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة= 49 - 50|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والذي سار بِخُطىً ثابتة للسيطرة على الأُمور كُلها في مصر، فخرج على رأس قُوَّة عسكريَّة إلى الإسكندريَّة واستخلف طغلغ على الفسطاط وطخشي بن يلبرد على الشُرطة. وعندما وصل إليها في رمضان سنة [[257هـ]] المُوافق فيه حُزيران (يونيو) [[871]]م استقبلهُ عاملها إسحٰق بن دينار بالترحاب، فأقرَّهُ عليها، كما استلم برقة من أحمد بن عيسى الصعيدي، فعظُمت بِذلك منزلته وكثُر قلق ابن المُدبِّر وغمُّه. وبذلك بدأت مرحلة جديدة في تاريخ مصر.<ref name="البلوي المدني" /> توفي يارجوخ في سنة [[259هـ]] المُوافقة لِسنة [[873]]م<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّادس|الإصدار= الأولى|الصفحة= 313|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وهو صاحب إقطاع مصر الذي كان أحمد بن طولون يحكُمه بالنيابة عنه ويدعو لهُ على منابره بعد الخليفة، فأقرَّهُ الخليفة المُعتمد واليًا عليها، وبذلك أضحى حاكم مصر الشرعي من قِبل الخِلافة مُباشرةً، وتُعدُّ هذه السنة سنة تأسيس الإمارة الطولونيَّة.<ref name="التأسيس" /> وفي سنة [[263هـ]] المُوافقة لِسنة [[877]]م، ورد كتاب المُعتمد إلى أحمد بن طولون يطلب منه إرسال خراج مصر، فردَّ عليه قائلًا: «لستُ أُطيقُ ذلك والخراجُ بِيد غيري»، فما كان من المُعتمد عندئذٍ إلَّا أن قلَّدهُ خراج مصر وولَّاهُ إمرة الثُغور الشَّاميَّة على أثر اضطراب أوضاعها. فأضحى بذلك سيِّد الديار المصريَّة كُلَّها والمُشرف العام على جميع أعمالها العسكريَّة والإداريَّة والقضائيَّة والماليَّة، وقام بِضرب الدينار الأحمدي رمزًا لِهذا الاستقلال.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= زيود، مُحمَّد أحمد|العنوان= العلاقات بين الشَّام ومصر في العهدين الطولوني والإخشيدي 254 - 358هـ|الإصدار= الأولى|الصفحة= 26|السنة= [[1409هـ]] - [[1989]]م|الناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر|المكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref>، وبذلك تم إعلان [[الدولة الطولونية]]، وهي إحدى الدول المستقلة عن الدولة العباسية، وتمثِّل الدولة الطولونية أول تجربة حكم محلي تحكم فيه أسرة أو دولة حكمًا مستقلاًّ عن حكومة الخلافة العباسية المركزية<ref>[http://ar.grandegyptianmuseum.net/?p=4338 أصل الطولونيون وبداية تأسيس الدولة الطولونية - حواديت تاريخية |موقع تاريخ مصر] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20170407233854/http://ar.grandegyptianmuseum.net/?p=4338 |date=7 أبريل 2017}}</ref>، حيث تعاقب عليها عدد من أفراد أسرة ابن طولون حتى تم إنهاء الدولة الطولونية على يد محمد بن سليمان الكاتب.
 
==أعماله==
سطر 137:
 
==== قصر أحمد بن طولون ====
أنشأ أحمد بن طولون قصره في موقع ميدان القلعة الحالي وقد اندثر تماماً، وقد بدأ في بنائه في ([[شعبان]] [[256 هـ]]/ [[يوليو]] [[870]]) ويُحكى من ضخامته أنه كان له أربعون باباً، كان القصر بمثابة نواة لمدينة القطائع، وقد حول ابن طولون السهل الواقع بين القصر والجبل إلى ميدان كبير يضرب فيه بالصوالجة، وكان للقصر عدة أبواب منها باب الميدان الكبير وكان منه دخول الجيش وخروجه، وباب الخاصة، وباب الجبل الذىالذي يلى [[جبل المقطم]]، وباب الحرم، وباب الدرمون وباب دغناج وسميا كذلك نسبة إلى حاجبين بهذين الاسمين كانا يجلسان أمامهما، وباب الساج لأنه كان مصنوعًا من خشب الساج، وباب الصلاة الذىالذي يخرج منه ابن طولون للصلاة وكان على الشارع الأعظم وكان يعرف أيضًا بباب السباع.<ref name="المسافر" />
 
وتحفل [[القاهرة]] بقليل من الآثار الطولونية الأخرى كالبيت الطولوني القائم بمنطقة المدابغ ب[[مصر القديمة]]، وأنه كان يتميز بوجود سلالم خارجية.<ref name="المسافر">[http://www.elmesafer.com/egypt/cairo/data/kta2e3.htm التصور التاريخي للقاهرة، مدينة القطائع، موقع المسافر] {{وصلة مكسورة|date= يناير 2018 |bot=JarBot}} {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20140227113306/http://www.elmesafer.com:80/egypt/cairo/data/kta2e3.htm |date=27 فبراير 2014}}</ref>