علي بدر: الفرق بين النسختين

[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط يوم 15: تعديل طفيف
←‏أسلوبه الفني: إعادة كتابة المقطع : يوم 15
سطر 64:
 
== أسلوبه الفني ==
من قرأ روايات العراقي علي بدر ووقع في فخ المطابقة بينها وبين الواقع أخطأ الطريق التي في إمكانها أن تقود إلى الهدف الذي يكتب من أجله بدر. ربما لم يكن البعض من هؤلاء القراء إلا ضحايا لعبة ابتكرها الروائي، واستطاع من خلالها أن يمزج الخيال الفني بالواقع، ليستخرج من ذلك المزيج وقائعه الشخصية، التي هي وقائع متخيلة على رغم أن هناك أكثر من خيط يمتد بينها وبين الواقع.
 
لامسعاه يدعي بدر أنه يكتب روايات وثائقية معهو أن أبطاله يؤكدون أنهم يجرون وراء الوثيقة. هل علينا أن نصدقهم؟ إذا فعلنا يكون الروائي قد حقق جزءاً من مسعاه: أنيضع يضعناقرائه في مصيدته ويخضعناويخضعهم لعالمه، الذي هو حاضنة عيش لمواد جاهزة يجمعها من أماكن مختلفة، تماماً مثلما يفعل فنانو ما بعد الحداثة. غير أن ذلك العالم هو أشبه بماكنة كبيرة تدخل إليها المواد الأولية من جهة لتخرج من جهة أخرى على شكل بضائع.
 
بضاعة علي بدر هي صنيعه الفني: رواياته الإحدى عشرة، بدءاً من [[بابا سارتر]] (صدرت طبعتها الأولى عام 2001 عن دار رياض الريس) وانتهاء بـ [[أسانذة الوهم]] صدرت في العام [[2011]]. ما فعله علي في روايته الأولى كرر فعله في روايته الأخيرة: الذهاب إلى الواقعة عن طريق الوثيقة أو بما يوحي بها.
 
لكن ألا يحق للروائي أن تكون له وثائقه المتخيلة؟ في طريقة أو في أخرى كان بدر ينكر داخل رواياته أي إمكان متاح للتصرف، وهو كما أرى ذكاء منه، هدفه تضليل القارئ، للذهاب به مستسلماً إلى نقطة اللاعودة. فعلي بدر الذي يكتب بطريقة تشنجية، متوترة وسريعة في تقريريتها يصنع لقرائه مصيراً منحازاً، أو هو ما يخطط له ضمناً. في [[بابا سارتر]] كانت سخريته المريرة من ثقافة ستينات القرن الماضي هدفاً، وفي [[الركضلركض وراء الذئاب]] استبدل هدفاً آخر بهدف سخريته ذاك «النموذج العراقي من الشيوعية». نوع مختلف من الكتابة الروائية، ذلك الذي يتبعه علي بدر. نوع لم يعتده القارئ العربي، يكتبه كاتب عربي. لذلك وقع القراء إزاءه في حيرة: إما أن يقبلوا به فيكون عليهم حينها أن يقبلوا على أفكار الروائي أو أن يرفضوه فيحرموا أنفسهم من متعة التلصص على حيوات نادرة. لو كتب روايات بدر كاتب أجنبي لما حدثت تلك الحيرة ولأقبل عليها القراء برضا وحماسة، لكنها في حالتها الراهنة وهي تفتح الأبواب كلها أمام عصف، من شأنه أن يقتلع جزءاً من قناعاتهم بل وتاريخهم إنما تضعهم في موقع المراجعة الجذرية. فبدر في رواياته لا يستثني جزءاً من الظاهرة التي يناقشها من أسئلته الغاصة بالشكوك. في «الركض وراء الذئاب» هناك صفحات بأكملها خصصها الروائي لأسئلته المباشرة التي تضع مفهوم الثورة في قفص الاتهام. أما في [[بابا سارتر]] فإنه يضع العقد الستيني بكل لغزيته وغموضه وحراكه المتمرد في سلة واحدة ليلقي بها في الفراغ.
 
حيادية الكاتب كانت تعبيراً عن مهارته الحرفية «هذا ما يقوله أبطالي وليس أنا من يقول»، لكنه كان أحياناً يفقد السيطرة فتنحرف الرواية عن مسارها لتمتلئ صفحاتها بالكلام المباشر، الذي ينوء بثقل الواقع. وهنا يتحول الصنيع الفني من منجم للرؤى إلى فضاء للأفكار. كتب الروائي صفحات كثيرة، يمكن تفادي قراءتها. فهي بقدر اقترابها المباشر من السياسة كانت تطعن الفن باعتباره خلاصاً. أخلت تلك الصفحات روايته من الجمال. لكنّ خطأ من هذا النوع لا يُسقط عمارة باروكية، بل قد يمتزج بزخارفها ليكون جزءاً ناتئا منها، يراه المرء كما لو كان استعادة لحاجة ضرورية.