الدولة الأموية في الأندلس: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ط بوت: إزالة قالب يصل لقيمة خاطئة
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:الإبلاغ عن رابط معطوب أو مؤرشف V3.3
سطر 39:
}}
}}
'''الدولة الأموية في الأندلس''' إمارة إسلامية أسسها [[عبد الرحمن الداخل|عبد الرحمن بن معاوية الأموي]] عام [[138 هـ]]/[[756]] م في [[الأندلس]] وأجزاء من شمال أفريقيا وكانت عاصمتها [[قرطبة]]، وتحولت إلى خلافة بإعلان [[عبد الرحمن الناصر لدين الله]] نفسه في ذي الحجة 316 هـ/يناير 929م '''خليفة قرطبة''' بدلاً من لقبه السابق '''أمير قرطبة'''،<ref>{{Harvard citation no brackets|رسائل ابن حزم2|1987|p=63}}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان|1980|p=198}}</ref> وهو اللقب الذي حمله الأمراء الأمويون منذ أن استقلّ عبد الرحمن الداخل بالأندلس. تأسست هذه الدولة نتيجة سقوط [[الدولة الأموية]] في [[المشرق العربي|المشرق]] على يد [[الدولة العباسية|بني العبَّاس]]، الذين أخذوا بعدَ قيام دولتهم بمُلاحقة بني أمية وقتلهم، ولذلك فقد فرَّ الكثير منهم بعيداً محاولين النجاة بأنفسهم. وقد كان من بين هؤلاء [[عبد الرحمن الداخل]]، الذي فرَّ إلى الأندلس، وأعلنَ استقلاله بها<ref>{{مرجع ويب | الأخير = السرجاني | الأول =راغب | وصلة المؤلف = راغب السرجاني | المسار = http://www.islamstory.com/عهد_الولاة_في_الأندلس | العنوان = قصة الإسلام | العمل = عهد الولاة - قصة الأندلس | تاريخ الوصول =18 يوليو 2011| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20160305173544/http://islamstory.com/عهد_الولاة_في_الأندلس | تاريخ الأرشيف = 5 مارس 2016 }}</ref> وقد تمكَّن الأمويون من البقاء بهذه الطريقة، فأسسوا دولتهم الجديدة في الأندلس، وظلُّوا يحكمونوها زهاء ثلاثة قرون. عُرف عبدُ الرحمٰن بن مُعاوية باسم «عبدُ الرحمٰن الدَّاخل»، كونه «دخل» (أي هاجر) إلى الأندلُس، ومُنذُ أن تسلَّم الحُكم حتَّى دخل المُسلمون في الأندلُس في عهدٍ جديدٍ قائمٍ على أُسسٍ سياسيَّة بعيدةٍ عن العُنصُريَّة والقبليَّة من واقع تحجيم نُفوذ زُعماء القبائل وإحلال سُلطة الدولة مُمثلة بالأمير، محل سُلطة القبائل، وبدأت الأندلُس تسير في طريق اكتساب الحضارة.<ref name="طقوش">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 146|السنة= [[1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
أضحى الأندلُس بلدًا إسلاميًا مُستقلًا عن [[الدولة العباسية|الخِلافة العبَّاسيَّة]] في [[المشرق العربي|المشرق]] بعد أن كان خاضعًا لِمركز الخِلافة في العهد الأُموي، ولم تُحاول الدَّولة العبَّاسيَّة جديًا إعادته إلى حظيرتها. ويبدو أنَّ انفصاله النهائي عنها لم يُشكِّل خطرًا حقيقيًا مُباشرًا على كيانها، بالإضافة إلى أنَّهُ استمرَّ في حمل الرسالة الإسلاميَّة، ولا يدعو ذلك بالضرورة للمُواجهة المُباشرة، غير أنَّهُ جرت مُحاولات عابرة قام بها العبَّاسيّون لِإعادته إلى حظيرة الخِلافة، لكنَّها لم تُحقق شيئًا.<ref name="طقوش"/> تميزت الدولة الأموية في الأندلس بنشاط تجاري وثقافي وعمراني ملحوظ، حتى أصبحت قرطبة أكثر مدن العالم اتساعًا بحلول عام 323 هـ/935م،<ref>[https://geography.about.com/library/weekly/aa011201a.htm Geography at about.com] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160818124242/http://geography.about.com/library/weekly/aa011201a.htm |date=18 أغسطس 2016}}</ref> كما شهدت تشييد الكثير من روائع العمارة الإسلامية في الأندلس ومنها [[كاتدرائية - جامع قرطبة|الجامع الكبير في قرطبة]]. كما شهدت فترة حكم الأمويين نهضة في التعليم العام، جعلت عامة الشعب يجيدون القراءة والكتابة في الوقت الذي كان فيه علية القوم في أوروبا لا يستطيعون ذلك.<ref name="عنان507">{{Harvard citation no brackets|عنان دولة الإسلام ج1| Ref =دولة الإسلام في الأندلس|1997|p=507}}</ref> وبسبب الاستمرار في الاتجاه الذي أرساه عبد الرحمن الداخل، خطت الدولة الأموية في الأندلس خطوات واسعة في التقدم والرقي والازدهار الحضاري، ونافست قُرطُبة بغداد عاصمة الدولة العبَّاسيَّة و[[القسطنطينية|القُسطنطينيَّة]] عاصمة [[الإمبراطورية البيزنطية|الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]]. وساهم العُلماء الأندلُسيّون على اختلاف خلفيَّاتهم العرقيَّة والدينيَّة بتقدُّم مُختلف أنواع العُلوم في العالمين الإسلامي والمسيحي، ومن هؤلاء على سبيل المِثال: [[جابر بن أفلح]] في [[علم المثلثات|علم المُثلثات]]، و[[إبراهيم بن يحيى الزرقالي]] في [[علم الفلك]]، و[[الزهراوي|أبو القاسم الزهراوي]] في [[جراحة|الجراحة]]، و[[ابن زهر|ابن زُهر]] في [[صيدلة|الصيدلة]]، وغيرهم.
سطر 51:
{{مفصلة|تاريخ الأندلس|الفتح الإسلامي للأندلس}}
[[ملف:Califato de Córdoba - 1000-ar.png|تصغير|250بك|حدود الدولة الأموية عام 390 هـ، في أواخر عهد [[محمد بن أبي عامر|الحاجب المنصور]].]]
نجح المسلمون في مدّ دولتهم إلى الأندلس، عندما عبر [[طارق بن زياد]] أحد قادة [[موسى بن نصير]] والي الأمويين على [[أفريقية]] عام [[92 هـ]] بجيش قوامه سبعة آلاف مقاتل،<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن الأثير ج4| Ref =الكامل|2008|p=273}}</ref> واستطاع هذا الجيش بعد أن أمده موسى بن نصير بخمسة آلاف أخرى أن يهزم ملك القوط الغربيين [[لذريق|رودريك]] في [[معركة وادي لكة]] والسيطرة في غضون عامين على معظم شبه الجزيرة الأيبيرية، تحولت جيوش المسلمين شرقًا و[[الفتح الإسلامي للغال|توغلت في بلاد الغال]] حتى وصلت إلى حدود مدينة [[ليون]] الحالية.<ref name="المختصر"/> استمرت محاولات المسلمين في التوسع في بلاد الغال في عهد الولاة [[السمح بن مالك الخولاني]] و[[عنبسة بن سحيم الكلبي]] و[[عبد الرحمن الغافقي]]، إلا أن تلك المحاولات حققت بعض النجاحات، ثم توقفت التوسعات بعد هزيمة المسلمين في [[معركة بلاط الشهداء]].<ref name="عهد الولاة">[http://www.islamstory.com/عهد_الولاة_في_الأندلس قصة الإسلام - قصة الأندلس - عهد الولاة] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160305173544/http://islamstory.com/عهد_الولاة_في_الأندلس |date=5 مارس 2016}}</ref> ظلت الأندلس منذ [[الفتح الإسلامي للأندلس|الفتح]] مجرد ولاية تابعة لولاية [[أفريقية]] إحدى ولايات [[الدولة الأموية|للدولة الأموية]] في [[دمشق]] حتى سقطت الدولة الأموية على أيدي [[الدولة العباسية|العباسيين]] عام 132 هـ. حرص العباسيون على ملاحقة الأمويين وتقتيلهم في كافة أرجاء دولتهم،<ref>{{Harvard citation no brackets|مؤلف مجهول| Ref =أخبار مجموعة في فتح الأندلس|1989|p=50-51}}</ref> مما جعل الأشخاص الباقون من [[بنو أمية (قبيلة)|بني أمية]] يتخفون أو يفرون من العباسيين. كان من بين الفارين أمير أموي يدعى [[عبد الرحمن الداخل|بعبد الرحمن بن معاوية بن هشام]] فر إلى أفريقية عند أخواله من [[أمازيغ|بربر]] [[نفزة]].<ref>{{Harvard citation no brackets|مؤلف مجهول| Ref =أخبار مجموعة في فتح الأندلس|1989|p=56}}</ref> كان الأندلس في تلك الفترة تسوده حالة من عدم الاستقرار شهدت تعاقب الولاة والصراعات بين العرب [[مضر بن نزار|المضرية]] والعرب [[قحطان|اليمانية]] من جهة وبين العرب و[[أمازيغ|البربر]] من جهة أخرى.<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن الأثير ج5| Ref =الكامل|2008|p=121-126}}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|السامرائي وذنون ومطلوب| Ref =تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس|2000|p=90}}</ref>
 
استغل عبد الرحمن بن معاوية الأحداث الداخلية في الأندلس، بدأ في مراسلة أتباع وموالي الأمويين في الأندلس عن طريق مولاه بدر.<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان|1980|p=40}}</ref> نجحت المراسلات بين عبد الرحمن بن معاوية وموالي الأمويين في الأندلس في التمهيد لدخول عبد الرحمن إلى الأندلس، كما نجحوا في في استمالة بربر الأندلس واليمانيين إلى جانب عبد الرحمن،<ref name="الداخل">[http://www.islamstory.com/عبد_الرحمن_الداخل_صقر_قريش قصة الإسلام - عبد الرحمن الداخل صقر قريش] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20161013111151/http://islamstory.com:80/عبد_الرحمن_الداخل_صقر_قريش |date=13 أكتوبر 2016}}</ref> الذي عبر إلى [[المنكب (إسبانيا)|ثغر المنكب]] في ربيع الآخر 138 هـ.<ref name="أخبار72">{{Harvard citation no brackets|مؤلف مجهول| Ref =أخبار مجموعة في فتح الأندلس|1989|p=72}}</ref> وبعد شهور من تمكن جيش عبد الرحمن من هزيمة آخر ولاة الأندلس [[يوسف بن عبد الرحمن الفهري]] في [[موقعة المصارة]] في ذي الحجة 138 هـ،<ref>{{Harvard citation no brackets|مؤلف مجهول| Ref =أخبار مجموعة في فتح الأندلس|1989|p=80-83}}</ref> ليدخل بذلك عبد الرحمن بن معاوية [[قرطبة]]، لتتأسس بذلك إمارته المستقلة في الأندلس.<ref>{{Harvard citation no brackets|السامرائي وذنون ومطلوب| Ref =تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس|2000|p=101}}</ref>
 
قضى عبد الرحمن الداخل سنوات حكمه في تثبيت أركان دولته، والقضاء على الثورات الداخلية التي اندلعت في كافة أرجاء الأندلس، كما عمل عبد الرحمن الداخل على تأسيس جيش قوي والاهتمام بالتعمير والتعليم والقضاء، ليترك الأندلس لخلفائه من بعده ولاية مستقرة.<ref name="الداخل"/> بعد وفاة عبد الرحمن الداخل، نجح ابنه [[هشام بن عبد الرحمن الداخل|هشام الرضا]] وحفيده [[الحكم بن هشام|الحكم الربضي]] في الحفاظ على وحدة أراضي الدولة، ونجحا في التصدي لمحاولات الممالك المسيحية في الشمال للتوسع جنوبًا. ورغم ذلك النجاح الخارجي على الصعيد العسكري، إلا أن الدولة كادت أن تسقط إثر ثورة بعض [[وقعة الربض|أهل قرطبة]] على الحكم بن هشام، إلا أنه نجح في القضاء على تلك الثورة الداخلية.<ref name="عذاري76">{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان|1980|p=76-77}}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|ابن الأبار| Ref =الحلة السيراء|1985|p=44}}</ref> نتج عن حالة الاستقرار السياسي، أن ازدهرت حركات الآداب والعلوم والعمارة والفن في الأندلس في عهد [[عبد الرحمن الأوسط|عبد الرحمن بن الحكم]] لتبلغ الأندلس في عهده مرحلة متقدمة من المدنية، وأصبحت مركزًا حضاريًا كبيرًا في غرب العالم الإسلامي. تطورت الدولة أيضًا عسكريًا، فنجحت في التصدي لمحاولات [[نورمان|النورمان]] لغزو موانيء الأندلس بحرًا عام 230 هـ.<ref name="المختصر">[http://www.islamstory.com/مختصر_قصة_الأندلس#_ftnref25 قصة الإسلام - مختصر قصة الأندلس] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160604102014/http://islamstory.com/مختصر_قصة_الأندلس |date=4 يونيو 2016}}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان|1980|p=87-88}}</ref>
 
=== كبوة الدولة ===
سطر 78:
 
== العلاقات الخارجية ==
منذ نشأة الدولة الأموية في الأندلس وهي في حالة صراع متواصل مع جيرانها من الممالك المسيحية في الشمال والشرق من أجل فرض السيطرة أحيانًا وأحيانًا من أجل البقاء. ففي سنوات الدولة الأموية في الأندلس الأولى، تعرض [[الثغر الأعلى]] للغزو من قبل [[شارلمان]] عام 161 هـ/778 م، إلا أن أهل [[سرقسطة]] استطاعوا إفشال هجومه<ref>{{Harvard citation no brackets|زيتون| Ref =المسلمون في المغرب والأندلس|1990|p=264}}</ref> ثم ما لبث أن تعرض جيش شارلمان لهزيمة ساحقة أثناء انسحابه إلى فرنسا عبر [[معركة ممر رونسفال|ممر رونسفال]].<ref>{{مرجع ويب|المؤلف= David Koeller |المسار=https://www.thenagain.info/webchron/westeurope/CharleSpain.html |العنوان=Charlemagne Invades Spain |تاريخ الوصول=2013-5-1| مسار الأرشيف = https://web.archive.org/web/20180811161259/http://www.thenagain.info:80/WebChron/WestEurope/CharleSpain.html | تاريخ الأرشيف = 11 أغسطس 2018 }}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|عنان ج1| Ref =دولة الإسلام|1997|p=176}}</ref> لم يكن ذلك هو التهديد الوحيد الذي تعرضت له الأندلس في تلك الفترة، فمنذ عهد هشام الرضا تعرضت حدود الأندلس الشمالية لتحرشات من قبل مملكتي [[مملكة أستورياس|أستورياس]] و[[مملكة نافارا|نافارا]] الوليدتين.<ref>{{مرجع كتاب|الأخير=Martínez Díez|الأول=Gonzalo|العنوان=El Condado de Castilla (711-1038): La historia frente a la leyenda|المسار=https://books.google.com/books?id=KgiDVZfBipwC&pg=PA113|تاريخ الوصول=18 July 2012|السنة=2005|الناشر=Marcial Pons Historia|الرقم المعياري=978-84-95379-94-8|الصفحات=112|volume=2|المكان=Valladolid|اللغة=Spanish}}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان المغرب|1980|p=64-65}}</ref> إضافة إلى تلك الهجمات البرية، تعرضت الأندلس للغزو البحري عام 230 هـ من قبل [[نورمان|للنورمان]] الذين احتلوا [[لشبونة|أشبونة]] و[[قادس]] و[[شذونة]] و[[إشبيلية]]، إلى أن هزمهم جيش أرسله عبد الرحمن الأوسط بقيادة [[عيسى بن شهيد]] و[[نصر الخصي]]، فأجلوهم عن الأندلس بعد 42 يومًا من نزولهم الأندلس.<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان المغرب|1980|p=87-88}}</ref> ومع دخول الأندلس عصر القوة منذ عهد عبد الرحمن الناصر وحتى عهد سيطرة [[عبد الملك المظفر بالله|الحاجب المظفر]] على الدولة، أصبحت اليد العليا عسكريًا في شبه الجزيرة الأيبيرية للأمويين الذين نجحوا في عهد سيطرة الحاجب المنصور في إعادة حدود الدولة الأموية إلى ما وراء [[دويرو|نهر دويرة]]، وهي الأراضي التي كان الأمويون قد فقدوها في فترة كبوة الدولة التي انشغل فيها الأمراء بمواجهة الثورات الداخلية.<ref>{{Harvard citation no brackets|عنان ج1| Ref =دولة الإسلام|1997|p=573}}</ref> ورغم ذلك سرعان ما انهارت تلك السيطرة بعد أن دخلت الأندلس فترة [[فتنة الأندلس|الفتنة]] التي استغلتها الممالك المسيحية في الشمال للتوسع على حساب الأمويين، بل وسلّم بعضهم بعض الحصون والأراضي طواعية للأمراء المسيحيين ثمنًا لمشاركتهم إلى جانبهم في تلك المرحلة من الاقتتال الداخلي.<ref>{{Harvard citation no brackets|عنان ج1| Ref =دولة الإسلام|1997|p=651}}</ref>
 
أجبرت تلك الحالة من التهديد الدائم لحدود الدولة الأمويين على الاهتمام بالناحية العسكرية. فقد حرص الأمراء منذ عهد عبد الرحمن الداخل على التخلص من غلبة النظام القبلي على تركيبة الجيش الأندلسي، فحرصوا اقتناء [[صقالبة (الأندلس)|العبيد الصقالبة]] والاستكثار منهم، فقد ذكر [[أحمد بن محمد المقري|المقري]] أن حرس الأمير الحكم الربضي الخاص بلغ خمسة آلاف صقلبي،<ref name="المقري341">{{Harvard citation no brackets|المقري ج1| Ref =نفح الطيب|1968|p=341}}</ref> وقد شكلوا هؤلاء الجند الصقالبة نواة الجيش الأموي النظامي.<ref>{{Harvard citation no brackets|سالم الخلف| Ref =نظم الحكم|1980|p=489}}</ref> إلا أن هؤلاء الصقالبة مع مرور الزمن أصبح لهم قوتهم داخل البلاط وأصبحوا يتدخلون في شئون الدولة، مما دعا الحاجب المنصور حين أصبحت السلطة بيده أن يقصيهم تدريجيًا من المناصب مع استبدالهم بعناصر من البربر ويضيفهم إلى ديوان الجند النظاميين،<ref>{{Harvard citation no brackets|سالم الخلف| Ref =نظم الحكم|1980|p=497}}</ref> هذا بالإضافة إلى المرتزقة والعبيد السود.<ref>{{Harvard citation no brackets|نعنعي|1986|p=464}}</ref> استدعت تلك الحالة أيضًا الاهتمام بالتسليح، فأنشأوا قواعد بناء السفن في [[طركونة]] و[[طرطوشة]] و[[قرطاجنة، إسبانيا|قرطاجنة]]<ref name="عنان200">{{Harvard citation no brackets|عنان ج1| Ref =دولة الإسلام|1997|p=200}}</ref> و[[إشبيلية]].<ref name="القوطية82">{{Harvard citation no brackets|ابن القوطية| Ref =تاريخ افتتاح الأندلس|1989|p=82}}</ref> واهتموا ببناء الحصون والأسوار.<ref name="عذاري124">{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان المغرب|1980|p=124}}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|عنان ج1| Ref =دولة الإسلام|1997|p=311}}</ref> ونشطت الصناعات الحربية التي تُمدّ جيشه بالأسلحة<ref>{{Harvard citation no brackets|نعنعي|1986|p=464-465}}</ref> حتى ذاع صيت بعض المدن ك[[طليطلة]] كمراكز لصناعة الأسلحة.<ref name="بشتاوي"/>
سطر 91:
إلا أن مذهب آخر وجد سبيله إلى الأندلس أيضًا في عهد محمد بن عبد الرحمن على يد [[عبد الله بن قاسم القيسي]]،<ref>{{Harvard citation no brackets|بالينثيا| Ref =تاريخ الفكر|1955|p=439}}</ref> ولقى استحسان الكثير من الأندلسيين، ألا وهو [[ظاهرية|المذهب الظاهري]] والذي اشتهر من أئمته في الأندلس [[المنذر بن سعيد البلوطي]] و[[علي بن حزم الأندلسي|ابن حزم]].<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=157-158}}</ref> ومن الفرق الإسلامية الأخرى، كانت هناك محاولات في عهد عبد الرحمن الناصر لنشر [[الشيعة|المذهب الشيعي]]، إلا أن الأمويين قاوموا تلك المحاولات خوفًا من تغلغل نفوذ أعدائهم الفاطميين شيعيي المذهب إلى الأندلس، لذا فقد بائت تلك المحاولات بالفشل.<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=174}}</ref> كما كانت هناك أيضًا محاولات لنشر مذهب [[معتزلة|المعتزلة]] على يد عدد من أتباعه وأبرزهم [[ابن مسرة]]،<ref name="الموسوعة">[https://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=9477&m=1 الموسوعة العربية - ابن مسرَّة (محمد بن عبد الله)] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160310222417/http://arab-ency.com/index.php?func=display_term&id=9477&m=1&module=pnencyclopedia |date=10 مارس 2016}}</ref> إلا أنه أيضًا لم يلق قبولاً، لميل أهل الأندلس في تلك الفترة للمذاهب التي تعتمد على النصوص كالمالكية، لا [[قياس (إسلام)|القياس العقلي]] كالمعتزلة.<ref name="الدغلي31">{{Harvard citation no brackets|الدغلي| Ref =الحياة الاجتماعية|1984|p=31}}</ref> لذا ولنفس السبب، اهتم الأندلسيين بعلم [[حديث نبوي|الحديث]]، وبرز منهم عدد من المحدّثين الذين كانت لهم رحلاتهم إلى المشرق لطلب علم الحديث ونشره في الأندلس [[ابن وضاح|كمحمد بن وضاح]] و[[قاسم بن أصبغ]] ومحمد بن عبد الملك بن أيمن.<ref>{{Harvard citation no brackets|بالينثيا| Ref =تاريخ الفكر|1955|p=394-395}}</ref> ولم يهمل الأندلسيين في تلك الفترة [[القرآن]] و[[علوم القرآن|علومه]]، فنبغ منهم في [[قراءات القرآن|علم القراءات]] [[أبو العباس الأقليشي]]<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن بشكوال| Ref =الصلة|1989|p=66}}</ref> و[[أبو عمرو الداني]]،<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن بشكوال| Ref =الصلة|1989|p=593}}</ref> وفي [[علم التفسير|التفسير]] برع منهم [[بقي بن مخلد]] الذي كان له تفسيرًا للقرآن قال عنه ابن حزم: {{اقتباس مضمن|أنه لم يُؤلف في الإسلام تفسير مثله، لا [[تفسير الطبري|تفسير محمد بن جرير الطبري]] ولا غيره.}}<ref>{{Harvard citation no brackets|رسائل ابن حزم ج2|1987|p=178}}</ref>
 
أما عن [[مسيحيون|المسيحيين]] و[[يهود|اليهود]]، بمعاملة خاصة مكنتهم من حرية الدين والمعتقد، حتى أن قضاياهم كان لهم حق الفصل بها بموافقة من السلطة الإسلامية العليا. فكان يسمح بتطبيق شرائعهم على يد قضاتهم الذين كانوا يعرفون بقضاة النصارى أو قضاة العجم، وتحت مسؤولية رئيس طائفتهم الذي كان يحمل لقب «القومس»،<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=126-134}}</ref> أما الخلافات التي كانت تقع بينهم وبين المسلمين، فكانت تعرض على القضاء الإسلامي،<ref name="شحلان"/> فكثرت كنائسهم في كل الأندلس ما بين القرن الثامن والثاني عشر، سواء في المدن الكبرى أو الصغرى. ومن أشهر هذه كنائسهم أيام الخلافة، الكنيسة العظمى بقرطبة، ومن أشهر الأديرة الواقعة في أطراف المدينة دير أرملاط،<ref>[[إفاريست لافي بروفنسال|Lévi- Provençal]], Histoire de L’Espagne musulmane، Paris، 1950، T. 3 PP 72-74</ref> ولم تهدم الكنائس في الأندلس، إلا في حالات خاصة كأن تكون الكنيسة معقلاً للثورة على السلطة، كهدم بعض الكنائس خلال ثورة ابن حفصون. كما كانت الأناجيل أيضًا شائعة يطالعها المسيحي وغير المسيحي، وقد أفاد منها ابن حزم في كتابه «[[الفصل في الملل والأهواء والنحل]]»، حيث ذكر أنه كان يصاحب رجال الكنيسة ويجادلهم. كما ظلت سلطة اليهود ومقاليد أمورهم الدينية الخاصة بهم بين أيديهم، فقد جرت العادة على تعيين السلطة لمن يتولى رئاستهم والذي كان يعرف بـ «الناجد» أو «الحاخام»، كما كان يتولى قضائهم بينهم شيخ اليهود فيما يخص أمورهم الخاصة وتشريعهم، ويكون هذا الشيخ نفسه هو الواسطة بينهم وبين السلطة المدنية، وقد تمتع اليهود، في ظل هذه الحرية، بالسماح لهم ببناء دور عبادتهم في أحيائهم الخاصة وكذلك بين السكان المسلمين.<ref name="شحلان">[https://www.attarikh-alarabi.ma/Html/ADAD1partie11.htm#_ftn1 مكونات المجتمع الأندلسي ومكانة أهل الذمة فيه] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160324192913/http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/ADAD1partie11.htm |date=24 مارس 2016}}</ref> أتاحت تلك الحرية الفكرية لأبناء الأندلس من غير المسلمين الفرصة في التعمق في دراساتهم الدينية، فأسس [[حسداي بن شبروط]] الطبيب الخاص للخليفة عبد الرحمن الناصر مدرسة للدراسات التلمودية في قرطبة، كما وضع [[يحيى بن حيوج الفاسي|ابن حيوج]] الأسس الأولى لعلم النحو العبري.<ref>{{Harvard citation no brackets|بالينثيا| Ref =تاريخ الفكر|1955|p=488-489}}</ref>
 
=== عناصر المجتمع ===
سطر 98:
# '''[[أمازيغ|البربر]]''': كان البربر يمثلون معظم الجيش الفاتح للأندلس مع [[طارق بن زياد]].<ref name="عذاري6">{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان المغرب|1980|p=6}}</ref> ونظرًا لقرب مساكنهم من الأندلس، توالت هجراتهم إليها أن علموا بنجاح الفتح،<ref>{{Harvard citation no brackets|مؤنس| Ref =فجر الأندلس|2002|p=420}}</ref> وخاصة من قبائل [[زناتة]].<ref name="شحلان"/> وبعد أن انتهج العامريون سياسة تقريب البربر والاعتماد عليهم كعماد للجيش بدلاً من العرب والصقالبة، هاجرت جموع كبيرة من البربر إلى الأندلس خاصة من بطون [[صنهاجة]]، ولعبوا دورًا كبيرًا في فترة الفتنة. اختار البربر النزول في المناطق الجبلية في الأندلس في الجنوب والوسط والغرب لتقاربها مع طبيعة بلادهم.<ref>{{Harvard citation no brackets|مؤنس| Ref =فجر الأندلس|2002|p=429}}</ref> وقد امتهن من سكن المدن منهم الحرف اليدوية والصيد والسقاية والبناء، فيما امتهن سكان البوادي جلب البقر والسمن والزيت والعسل والصوف والدجاج والفواكه والفحم والخشب، وبيعها في المدن.<ref name="شحلان"/>
# '''[[موالي|الموالي]]''' و'''[[صقالبة (الأندلس)|الصقالبة]]''': لعب الموالي دورًا كبيرً في تأسيس الدولة الأموية في الأندلس بما قدموه من دعم لعبد الرحمن الداخل عند دخوله الأندلس.<ref name="الداخل"/> أصبح تأثير الموالي مؤثرًا منذ أن دخل ألفان مولى من أصل عشرة آلاف رجل إلى الأندلس في طالعة بلج.<ref name="القوطية40">{{Harvard citation no brackets|ابن القوطية| Ref =تاريخ افتتاح الأندلس|1989|p=40}}</ref> وقد اعتمد عليهم الأمويون في بداية دولتهم في الأندلس،<ref name="الحلة375">{{Harvard citation no brackets|ابن الأبار ج2| Ref =الحلة السيراء|1985|p=375}}</ref> وظلت أسر منهم تستأثر بالمناصب لدى الأمراء والخلفاء [[بنو جهور|كبني جهور]] وبني أبي عبدة. أما الصقالبة فهم الخدم والمماليك الذين جلبهم النخاسون الجرمان واليهود من أسرى حروب [[جرمان|الجرمان]] مع [[سلاف|الصقالبة]]، وباعوهم في الأندلس. وكثر عدد الصقالبة أيام الخلافة، حيث كانوا يستخدمون كخدم وجنود،<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=50-54}}</ref> وصار لهم تأثير كبير، خصوصًا وأنهم كانوا في خدمة أصحاب القرار، وقادة للجيوش، وكانت لهم مؤامراتهم داخل القصور كمحاولة فائق وجؤذر كبيرا صقالبة قصر الخلافة بعد وفاة الحكم المستنصر بالله لتنحية وليّ عهده [[هشام المؤيد بالله]]، وتولية أخيه المغيرة بن عبد الرحمن الناصر لدين الله التي نجح الحاجب [[جعفر المصحفي]] بمعاونة محمد بن أبي عامر في إفشالهم،<ref>{{Harvard citation no brackets|عنان ج1| Ref =دولة الإسلام|1997|p=517-518}}</ref> واستخدموا أحيانًا في قمع الثوارت [[وقعة الربض|كثورة أهل الربض]] في عهد الحكم الربضي.<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان المغرب|1980|p=76-77}}</ref> وإلى جانب الخدمة في القصور، اشتغل الموالي والصقالبة في الحياكة والنسيج وسبك الحديد وصنع آلات الحرب والصباغة والنجارة، وتجارة النعال والجلاليب واللحم وضرب الطبول والقيام بالمساجد والأذان ورصد الوقت ودفن الموتى وحفر القبور وحراسة الأسواق ليلاً وحراسة الفنادق وحمل السلع من بلد إلى بلد.<ref name="شحلان"/>
# '''[[مستعربون|المستعربون]]''': هم [[مسيحيون|المسيحيون]] الذين بقوا على دينهم بعد فتح الأندلس، وعاشوا في كنف دولة المسلمين. كان المسلمون يسمونهم بعجم الأندلس،<ref name="القوطية31">{{Harvard citation no brackets|ابن القوطية| Ref =تاريخ افتتاح الأندلس|1989|p=31}}</ref> إلا أنه ومنذ القرن الحادي عشر الميلادي، أطلق عليهم لقب المستعربون وهو لقب استخدمه مسيحيو الممالك الشمالية لتمييز هؤلاء المسيحيين الذين تأثروا بالمسلمين ثقافةً ولغةً وأسلوب حياة، فكانت لهم طقوسهم الدينية الخاصة ورجال دين خاصون بهم، بل وكانوا يستخدمون [[لغة مستعربية|لغة]] خاصة بهم،<ref>{{Harvard citation no brackets|مؤنس| Ref =فجر الأندلس|2002|p=461}}</ref> ظلت تستخدم كلغة منطوقة حتى القرن الرابع عشر.<ref>[https://www.britannica.com/EBchecked/topic/395442/Mozarabic-language Mozarabic language] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20141018034054/http://www.britannica.com/EBchecked/topic/395442/Mozarabic-language |date=18 أكتوبر 2014}}</ref> وخلال فترة الحكم الأموي، استخدمهم الأمويون في إدارة بعض شئون البلاد الاقتصادية وتنظيم الدولة. أما عوامهم فقد امتهنوا الزراعة وتربية الماشية وقطع الأخشاب وصناعة الفحم وصيد الأسماك وصناعة السفن وآلاتها.<ref name="مولد تلقائيا1">[https://www.attarikh-alarabi.ma/Html/ADAD1partie11.htm#_ftn1 مكونات المجتمع الأندلسي ومكانة أهل الذمة فيه – أحمد شحلان] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20160324192913/http://www.attarikh-alarabi.ma/Html/ADAD1partie11.htm |date=24 مارس 2016}}</ref>
# '''[[مولدون (الأندلس)|المولدون]]''': هم سكان الأندلس الأصليون الذين اعتنقوا الإسلام وأبناء العرب والبربر من أمهات إسبانيات.<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=41}}</ref> لم يكن هناك فرق بين وضعهم العام ووضع العرب والبربر المسلمين في الأصل.<ref>{{Harvard citation no brackets|مؤنس| Ref =فجر الأندلس|2002|p=464}}</ref> بل وبرزت منهم بيوتات كانت لها مكانتها السياسية [[بنو قسي|كبني قسي]] وبنو الطويل في الثغر الأعلى، وكان منهم العلماء كابن القوطية.<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=43}}</ref> إلا أن قطاعًا منهم كانت لهم نزعاتهم العصبية ضد العرب، وكانوا يثورون على سلطة الدولة في فترات ضعفها [[عمر بن حفصون|كابن حفصون]] و[[عبد الرحمن بن مروان الجليقي|ابن مروان الجليقي]].<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=44}}</ref> وقد امتهنت تلك الطائفة الزراعة والتجارة، واستخدمهم الأمويون في بعض المناصب الإدارية.<ref name="شحلان"/>
# '''[[يهود|اليهود]]''': عاش اليهود في العديد من المدن كقرطبة وإشبيلية ولسيانة وغرناطة وطليطلة وقلعة حماد وسرقسطة وطركونة وطرطوشة. وامتهنوا الخياطة والصباغة والحجامة والدلالة في الأسواق وصناعة الصابون وتجارة الحلي والأصواف والكتان وآلات الطرب،<ref name="شحلان"/> وتجارة العبيد والحرير والتوابل.<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=48}}</ref>
سطر 132:
كان اهتمام الأندلسيين [[فلسفة|بالفلسفة]] في عهد الدولة الأموية في الأندلس ضعيفًا، لما كانوا عليه من ميل ديني للمذاهب الفقهية التي تعتمد على النصوص، بل وكانوا يرمون من يشتغل بالفلسفة [[زندقة|بالزندقة]].<ref name="ظهر302"/> ورغم هذا الجو القاتل لهذا العلم، إلا أنه ظهر في هذا العهد واحدًا من الفلاسفة اللامعين وهو [[ابن مسرة]]، الذي رحل إلى المشرق واختلط بالمشتغلين من الفلاسفة في الشرق وتأثر بهم، وعاد إلى الأندلس ناشرًا فكره، لكنه لم يسلم من اتهام الفقهاء له ولأتباعه بالزندقة، مما دفع الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله لملاحقة أتباعه للقضاء على مذهبه.<ref>{{Harvard citation no brackets|عنان دولة الإسلام ج1| Ref =دولة الإسلام|1997|p=432-433}}</ref> ورغم ذلك، لم يمنع هذا التضييق على الفلسفة والفلاسفة الخليفة الحكم المستنصر بالله الشغوف باقتناء الكتب على أن يجمع عددًا من كتب الفلسفة في مكتبته.<ref name="البشري309">{{Harvard citation no brackets|البشري| Ref =الحياة العلمية|1997|p=309}}</ref> التي ما أن استقر الأمر للحاجب المنصور استخرجها وأحرق بعضها وأتلف البعض ليكتسب بذلك تقدير العلماء والعامة من المتدينين.<ref name="عذاري292">{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان المغرب|1980|p=292}}</ref>
 
أما الطب فكان أكثر العلوم المدنية التي أولاها الأندلسيون اهتمامهم، فاشتغلوا أولاً بدراسة الكتب القديمة [[المقالات الخمس|ككتاب ديسقوريدس]] الذي تداول منه الأندلسيون نسخًا بترجمة [[أسطفان بن باسيل|اصطفن بن بسيل]] المشرقية، ثم أهديت منه نسخة [[لغة يونانية|باليونانية]] للخليفة الناصر، فأعيد ترجمتها في قرطبة، وتم تعريب ما صعب على المشرقيين ترجمته من أسماء النباتات التي ورد ذكرها باسمها اليوناني في ترجمة ابن بسيل. ولم يتوقف الأندلسيون عند ذلك، بل وكانت لهم تعليقاتهم على تلك الكتب القديمة كتعليقات [[ابن جلجل]] على كتب ديسقوريدس،<ref name="أصيبعة">{{Harvard citation no brackets|ابن أبي أصيبعة ج2| Ref =عيون الأنباء|1882|p=47-48}}</ref> وتعليقات [[الزهراوي]] على كتب القدماء ومعارضاته لبعض آرائهم.<ref>Abū Al-Qāsim Khalaf Ibn ʾabbās Al-Zahrāwī. Albucasis on Surgery and Instruments. Berkeley: University of California Press, 1973. (10, 14 & 90)</ref> وقد تجاوزت شهرة الأطباء الأندلسيون الحدود في زمنهم، فكانت الملوك تفد إلى قرطبة لتستطبّ على يدي أطباء الأندلس.<ref name="البشري353">{{Harvard citation no brackets|البشري| Ref =الحياة العلمية|1997|p=353}}</ref> لم تقتصر تلك شهرة أطباء الأندلس على زمانهم فقط، فقد ظل كتاب [[التصريف لمن عجز عن التأليف]] [[الزهراوي|لأبي القاسم الزهراوي]] الملقّب بأبو الجراحة الحديثة<ref name=Ahmad>{{citation|الأخير=Ahmad|الأول=Z. (St Thomas' Hospital)|العنوان=Al-Zahrawi - The Father of Surgery|journal=ANZ Journal of Surgery|السنة=2007|volume=77|issue=Suppl. 1|doi=10.1111/j.1445-2197.2007.04130_8.x|الصفحات=A83}}</ref> الذي ضم وصف ورسوم لمائتي جهاز جراحي اخترعهم الزهراوي،<ref>{{مرجع كتاب|الأخير=Holmes-Walker|الأول=Anthony|العنوان=Life-enhancing plastics : plastics and other materials in medical applications|السنة=2004|الناشر=Imperial College Press|المكان=London|الرقم المعياري=1-86094-462-0|الصفحة=176}}</ref><ref>Khaled al-Hadidi (1978), "The Role of Muslem Scholars in Oto-rhino-Laryngology", ''The Egyptian Journal of O.R.L.'' '''4''' (1), p. 1-15. (cf. [https://muslimheritage.com/topics/default.cfm?ArticleID=674 Ear, Nose and Throat Medical Practice in Muslim Heritage], Foundation for Science Technology and Civilization.) {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20131029203142/http://muslimheritage.com/topics/default.cfm?ArticleID=674 |date=29 أكتوبر 2013}}</ref> يستخدم كمرجع أساسي في [[جراحة|الجراحة]] في [[أوروبا]] [[العصور الوسطى]]،<ref>{{Harvard citation no brackets|مظهر|2002|p=80}}</ref> كما ترجم [[ألبيرتوس ماغنوس]] بعض أعمال ابن جلجل إلى الغرب.<ref name="Vernet2008">{{يستشهد موسوعة | last = Vernet | first = J. | title= Ibn Juljul, Sulaymān Ibn Ḥasan | encyclopedia = Complete Dictionary of Scientific Biography | publisher = Encyclopedia.com | origyear=1970-80 | year = 2008}} {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160304103708/http://www.encyclopedia.com/doc/1G2-2830902231.html |date=04 مارس 2016}}</ref>
 
وفي علمي الرياضيات والفلك، درس الأندلسيون علم الفلك ونبغ منهم في هذا المجال أيضًا [[مسلمة المجريطي]] الذي اهتم بدراسة كتب [[كلاوديوس بطليموس|بطليموس]] وحسّن ترجمة [[المجسطي]]، وطوّر جداول [[محمد بن موسى الخوارزمي|الخوارزمي]] الفلكية، وقدّم تقنيات في علمي [[مساحة (علم)|المساحة]] و[[تثليث (هندسة رياضية)|التثليث]]،<ref name="sarton">{{مرجع كتاب| العنوان = Introduction to the History of Science | الأخير = Sarton | الأول = George |وصلة المؤلف = جورج سارتون | volume = 1(part 2) | الصفحات = 668–9 | الناشر = Carnegie Institution of Washington | السنة = 1927}}</ref> إضافة إلى تلميذيه ابن السمح القرطبي و[[ابن الصفار]] اللذان ألف كل منها زيجًا فلكيًا.<ref>{{Harvard citation no brackets|البشري| Ref =الحياة العلمية|1997|p=365-366}}</ref> أما الكيمياء، فقد خرج بها الأندلسيون من دائرة [[خيمياء|الخيمياء]] إلى الكيمياء العلم الذي يقوم على المراقبة والتجريب. ولعل أبرز انجازاتهم في مجال الكيمياء استنباط عباس بن فرناس الذي اشتهر بمحاولته للطيران.<ref name="Lienhard">{{cite episode |url=https://www.uh.edu/engines/epi1910.htm |title='Abbas Ibn Firnas |credits=John H. Lienhard |series=The Engines of Our Ingenuity |etwork=NPR |station=KUHF-FM Houston |airdate=2004 |number=1910 |accessdate=2009-08-31}}</ref><ref name="Lynn White 1961, 100f.">Lynn Townsend White, Jr. (Spring, 1961). "Eilmer of Malmesbury, an Eleventh Century Aviator: A Case Study of Technological Innovation, Its Context and Tradition", ''Technology and Culture'' '''2''' (2), p. 97-111 [100f.]</ref> والذي استنبط طريقة لكيفية صناعة الزجاج من الأحجار عن طريق معالجتها كيميائيًا،<ref name="White-Quote">Lynn Townsend White, Jr. (Spring, 1961). "Eilmer of Malmesbury, an Eleventh Century Aviator: A Case Study of Technological Innovation, Its Context and Tradition", ''Technology and Culture'' '''2''' (2), p. 97-111 [100]: {{تصريح|"Ibn Firnas was a polymath: a physician, a rather bad poet, the first to make glass from stones (quartz), a student of music, and inventor of some sort of metronome."}}</ref><ref name="المقري374">{{Harvard citation no brackets|المقري ج3| Ref =نفح الطيب|1968|p=374}}</ref> والمجريطي الذي أجرى التجارب على [[أكسيد الزئبق الثنائي]]، ونجح في فصل الذهب عن الفضة.<ref>{{Harvard citation no brackets|البشري| Ref =الحياة العلمية|1997|p=381}}</ref>
سطر 142:
وفي النشاط الصناعي، عرفت الأندلس في تلك الفترة الصناعات الغذائية كتجفيف الحبوب والفواكه<ref>{{Harvard citation no brackets|المقري ج1| Ref =نفح الطيب|1968|p=197}} ذكر المقري في حديثه عن [[سرقسطة]] أنه: {{اقتباس مضمن|لا يتسوّس فيها شيء من الطعام ولا يعفن، ويوجد فيها القمح من مئة سنة، والعنب المعلّق من ستة أعوام، والفول والحمص من عشرين سنة.}}</ref> وصناعة [[نبيذ|النبيذ]] ومعاصر الزيتون.<ref>{{Harvard citation no brackets|حتاملة| Ref =حتاملة|2000|p=1044}}</ref> وصناعة المنسوجات والصباغة والصناعات المعدنية والزجاج والفخار المُذهب والفسيفساء،<ref>{{Harvard citation no brackets|المقري ج1| Ref =نفح الطيب|1968|p=201-202}}</ref> والدباغة.<ref>{{Harvard citation no brackets|المقري ج1| Ref =نفح الطيب|1968|p=159}}</ref> والسجاد<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=350}}</ref> و[[سكر|السكر]] والورق والتحف المعدنية<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=354-356}}</ref> اشتهرت الأندلس أيضًا بصناعة الملابس من الكتان والحرير والتي كانت تصل إلى مصر ومكة و[[اليمن]].<ref>{{Harvard citation no brackets|حتاملة| Ref =حتاملة|2000|p=1045}}</ref> كما استخرج الأندلسيون الحديد<ref>{{Harvard citation no brackets|المقري ج1| Ref =نفح الطيب|1968|p=162}}</ref> والذهب والفضة والرصاص والزئبق، كما استخدموا الرخام بألوانه المتعددة.<ref>{{Harvard citation no brackets|حتاملة| Ref =حتاملة|2000|p=1047-1050}}</ref>
 
أما التجارة، فقد راجت التجارة الداخلية والخارجية في الأندلس لسيطرتهم على الحوض الغربي للبحر المتوسط، فكانت موانئ الأندلس تعج بالنشاط والحركة، وقد ذكر [[ابن حوقل]] أن بعض المنتجات الأندلسية كالملابس المطرزة والأصواف والأصبغ والحرير والورق والملابس الكتانية والتين المجفف والخزف المُذهب والأسلحة، كانت تصدر إلى مصر و[[خراسان]] وغيرها.<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=360}}</ref> كما كان للدينار القرطبي قوته الاقتصادية في كل الأندلس وبعض بلدان أوروبا منذ أمر عبد الرحمن الداخل بسكّه، فكانت المبادلات التجارية تتم بالدينار العربي ودينار بيزنطة ودينار [[بلاد الغال|غالة]] الذي سكّه [[شارلمان]].<ref name="بشتاوي">[https://www.creativityinwriting.com/arabic/research8.htm صنعة الكلام - اقتصاد الأندلس: الزراعة والصناعة والتجارة - عادل بشتاوي] {{Webarchive|url=https://web.archive.org/web/20131016093410/http://www.creativityinwriting.com/arabic/research8.htm |date=16 أكتوبر 2013}}</ref> بل ظلت الممالك المسيحية في الشمال تتعامل بالنقود العربية والفرنسية لفترة طويلة من الزمن.<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=362}}</ref> تنوعت مصادر دخل الدولة الأموية في الأندلس من الزراعة والصناعة والتجارة والموارد الطبيعية، إضافة إلى ما كانت تفرضه الدولة من [[خراج (ضريبة)|خراج]] على الأراضي و[[جزية]] على [[أهل الذمة|الذميين]] وغنائم الحروب و[[ضريبة|الضرائب]] المفروضة<ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=365}}</ref> والرسوم المفروضة على البضائع التي تمر على موانئ الأندلس.<ref name="يا بيروت2">[https://www.yabeyrouth.com/pages/index2554.htm يا بيروت - الدور الاقتصادي في الأندلس] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20140927102516/http://www.yabeyrouth.com:80/pages/index2554.htm |date=27 سبتمبر 2014}}</ref><ref>{{Harvard citation no brackets|دويدار| Ref =المجتمع الأندلسي|1994|p=371}}</ref> وقد بلغت الدولة ذروة نشاطها الاقتصادي في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر حيث يلغت جباية الأندلس من الكور والقرى خمسة ملايين وأربعمئة وثمانين ألف [[دينار]]، ومن ضريبة الأسواق سبعمئة وخمس وستين ألف دينار، بالإضافة إلى ما كان يدخل خزائن الدولة من أخماس الأغنام.<ref>{{Harvard citation no brackets|ابن عذاري ج2| Ref =البيان المغرب|1980|p=231-232}}</ref>
 
== شجرة نسب حكام بني أمية في الأندلس ==