كاترين الثانية: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
الرجوع عن تعديل معلق واحد من 51.253.33.231 إلى نسخة 32027758 من Exmak.
ZkBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت التصانيف المعادلة (30.1) +تدقيق+ترتيب+تنظيف (14.9): + تصنيف:أشخاص من حرب الخلافة البافارية
سطر 14:
| الاسم الكامل = صوفي فردريك أغسطس ڤون آنهالت زربست دورنبرگ
| اسم العهد = العصر الكاتريني
| العائلة الملكية = آنهالت <small>(رابطة الدم)</small><br />[[رومانوف|رومانوڤ]] <small>(رابطة القِران)</small>
| الأب = كريستيان أغسطس أمير آنهالت زربست
| الأم = حنَّة أليصابت الهولشتاينيَّة
سطر 30:
| اسم الولادة = لا
}}
'''إمبراطورة وبغاطرة كُل الروس كاترين الثانية ألكسيڤنا بنت كريستيان أغسطس أمير آنهالت''' {{روس|Екатери́на II Алексе́евна Вели́кая}}، الشهيرة باسم '''كاترين الكبيرة''' أو '''كاترين العظيمة''' {{روس|Екатерина II Великая}}، هي إحدى أبرز وأهم وأكبر [[قائمة الحكام الروس|حُكَّام روسيا]] عبر التاريخ، وأعظم شخصيَّة حكمت البلاد الروسيَّة في [[التاريخ الحديث]]، ومن أطول النساء الحاكمات عهدًا، إذ امتدَّ عصرُها من سنة [[1762]]م حتَّى وفاتها سنة [[1796]]م عن عُمرٍ يُناهز 67 سنة، كما أنَّها من بين أشهر النساء الحاكمات عبر التاريخ ومن أعظمهنَّ شأنًا وتأثيرًا. وُلدت في مدينة [[شتتين|شتچینشتچين]] بِدُوقيَّة [[بوميرانيا|پوميرانیاپوميرانيا]] في [[بروسيا|مملكة بروسيا]]، وكان اسمُها ولقبها عند الولادة '''صوفي فردريك أغسطس ڤون آنهالت زربست دورنبرگ''' {{ألمانية|Sophie Friederike Auguste von Anhalt-Zerbst-Dornburg}}، وخِلال فترةٍ لاحقةٍ من حياتها تزوَّجت الإمبراطور الروسي [[بيتر الثالث|بُطرس الثالث]]، ومن ثُمَّ تربَّعت على عرش الإمبراطوريَّة بِنفسها بعد الانقلاب الذي جرى ضدَّ حُكم زوجها والذي أفضى إلى [[اغتيال]]ه. انتعشت روسيا انتعاشًا كبيرًا في ظل الحُكم الكاتريني، فتوسَّعت أراضي الإمبراطوريَّة على حساب جيرانها، وازدادت قُوَّتها العسكريَّة حتَّى اضطرَّت [[أوروبا الغربية|الدُول الأوروپيَّة الغربيَّة]] إلى الاعتراف بها [[قوة عظمى|كقُوَّةٍ عُظمى]] إلى جانبها في العالم.
 
اعتمدت كاترين الثانية على طبقة النُبلاء في إدارة شؤون بلادها، ودانت لِبعضهم بِفضل وُصولها إلى سُدَّة العرش، ومن أبرز هؤلاء گريگوري أورلوڤ و[[جريجوري بوتيمكين|گریگوريگريگوري پوتمکینپوتمكين]]، كما اعتمدت على ثُلَّةٍ من القادة العسكريين الكفوئين مثل [[أليكساندر سوفوروف|إسكندر سوڤوروڤ]] وبُطرس روميانتسيڤ، و[[أميرال|أُمراء البحار]] مثل [[فيودور أوشاكوف|تُيودور أوشاكوڤ]]، لِتوسيع حُدود إمبراطوريَّتها والسيطرة على المزيد من الأراضي المُجاورة، بِالطُرق العسكريَّة تارةً وبِالدبلوماسيَّة تارةً أُخرى. ففي الحُدود الجنوبيَّة لِلإمبراطوريَّة، تمكَّنت كاترين الثانية من سحق [[خانية القرم|خانيَّة القرم]] المُسلمة المُوالية [[الدولة العثمانية|لِلدولة العُثمانيَّة]] بعد أن حاربت [[الجيش الإمبراطوري الروسي|الجُيُوش الروسيَّة]] الجُيُوش العُثمانيَّة ردحًا طويلًا من الزمن في سلسلةٍ من الحُرُوب والمعارك اشتهرت باسم [[الحروب الروسية العثمانية|الحُرُوب الروسيَّة العُثمانيَّة]]، وتمكنت من هزمها، كما شجَّعت الحركات الثوريَّة في [[البلقان]] ضدَّ العُثمانيين ودعمت بعض الوُلاة العاصين في [[المشرق العربي|المشرق]] مثل [[علي بك الكبير]] والي [[إيالة مصر|مصر]] و[[ظاهر العمر]] والي [[إيالة صيدا|صيدا]]، حتَّى حصلت على مرادها من السلطنة، التي تنازلت لها عن جميع المناطق الشاسعة شمال البحرين [[البحر الأسود|الأسود]] و[[بحر آزوف|آزوڤ]]. وفي الغرب، تمكَّنت كاترين الثانية من [[تقاسم بولندا|تفتيت]] [[الكومنولث البولندي الليتواني|الاتحاد البولوني الليتواني]] الذي كان يحكمه عشيقها السابق الملك [[ستانيسواف أغسطس بونياتوفسكي|ستانيسواڤ أغسطس پونياتوڤسكي]]، وسيطرت على القسم الأكبر من بلاده. أمَّا في الشرق، فقد شرع الروس [[الاستعمار الروسي في الأمريكتين|باستعمار واستيطان]] [[آلاسكا]]، مُؤسسين بِذلك إقليم «أمريكا الروسيَّة».
 
أعادت كاترين الثانية تنظيم إدارة [[غوبرنيه|الغوبرنيهات (الولايات)]] في طول الإمبراطوريَّة وعرضها، وأمرت بِإنشاء [[قائمة مدن وقرى روسيا|الكثير من المُدن والبلدات]] الجديدة وتوطين الناس فيها. ولمَّا كانت من أشد المُعجبين بِ[[بطرس الأكبر|بُطرس الأكبر]]، فقد سارت على أثره وانتهجت نهجه في تحديث وتطوير الإمبراطوريَّة الروسيَّة على النسق الأوروپي الغربي، على أنَّ بعض جوانب الحياة استمرَّت مُختلفة أشد الاختلاف عن أوروپَّا، فالتجنيد العسكري وعجلة الاقتصاد استمرَّت تعتمدُ على [[قنانة|القنانة]]، وقد أفضت مُتطلِّبات الدولة الاقتصاديَّة المُتزايدة ومُتطلبات كبار المُلَّاك والإقطاعيين التي تنامت مع نُمو واتساع حُدود الإمبراطوريَّة وارتفاع عدد سُكَّانها إلى ارتفاع نسبة الاعتماد على الأقنان. كانت قضيَّة القنانة هذه وما رافقها من اضطهاداتٍ ومآسٍ السبب الرئيسي وراء قيام الكثير من الثورات ضدَّ حُكم كاترين الثانية، ومن تلك الثورات «ثورة پوگاچف» واسعة النطاق التي تمرَّد فيها آلاف الفلَّاحين و[[قوزاق|القوزاق]] على الإمبراطورة.
سطر 84:
{{ahnentafel bottom}}
[[ملف:Alten Stettin.jpg|تصغير|170بك|خارطة قديمة لِمدينة شتچین مسقط رأس كاترين الثانية.]]
وُلدت صوفي فردريك أغسطس ڤون آنهالت زربست يوم [[2 مايو|2 أيَّار (مايو)]] [[1729]]م المُوافق فيه [[21 أبريل|21 نيسان (أبريل)]] من ذات السنة وفق [[تقويم يولياني|التقويم اليولياني]]، في مدينة [[شتتين|شتچینشتچين]] عاصمة دوقيَّة [[بوميرانيا|پوميرانیاپوميرانيا]] في [[بروسيا]]. والدُها هو كريستيان أغسطس أمير آنهالت زربست يرجع بنسبه إلى عائلة آنهالت [[عائلة ملكية|الملكيَّة الألمانيَّة]] القديمة،<ref group="ْ">Ferdinand Siebigk: ''[[:de:ADB:Christian August (Fürst von Anhalt-Zerbst)|Christian August (Fürst von Anhalt-Zerbst)]]''. In: [[:en:Allgemeine Deutsche Biographie|Allgemeine Deutsche Biographie]] (ADB). Band 4, Duncker & Humblot, Leipzig 1876, S. 157–159.</ref> وكان قبل ولادة إبنته يعمل قائدًا عسكريًّاعسكريًا في الجيش البروسي ويحمل رُتبة [[فيلد مارشال (ألمانيا)|مُشير عام]] {{ألمانية|Generalfeldmarschall}} تقديرًا لِخدماته وإنجازاته الجليلة لِصالح المملكة البروسيَّة خاصَّةً في [[حرب الخلافة الإسبانية|حرب الخِلافة الإسپانيَّة]]، ثُمَّ عيَّنه الملك [[فريدرش فيلهلم الأول ملك بروسيا|فردريك وليم الأوَّل]] حاكمًا على مدينة شتچینشتچين. أمَّا والدتها فهي حنَّة أليصابت الهولشتاينيَّة، وترجع بِنسبها إلى عائلة [[دوق هولشتاين-غوتورب|هولشتاين-گوتورپ]] الدنماركيَّة النبيلة، وهي أيضًا نسبية [[بيتر الثالث|بُطرس الثالث]] الإمبراطور المُستقبلي لِروسيا، وسليلة [[كريستيان الأول ملك الدنمارك|كريستيان الأوَّل ملك الدنمارك والنرويج والسُويد]] (1426 - 1481م) ومُؤسس [[آل أولدنبورغ|سُلالة أولدنبورگ]].
 
أبرز أقاربها من المُلوك والأباطرة والأُمراء الأوروپيين خالها الأصغر [[أدولف فريدريك|أدولف فردريك]] (1710 - 1771م) ملك السُويد، وخالها الأكبر كارل أغسطس (1706 - 1727م) الذي خُطبت له [[إليزابيث إمبراطورة روسيا|أليصابت]] بنت [[كاثرين الأولى|كاترين الأولى]] و[[بطرس الأكبر|بُطرس الأكبر]] إمبراطور روسيا، ولم يُقدَّر له أن يتزوَّجها إذ توفي في ليلة الزفاف. كما كان لها نسيبان تولَّيا عرش السُويد أيضًا، هُما: [[غوستاف الثالث|گوستاڤ الثالث]] (1746 - 1792م) و[[كارل الثالث عشر]] (1748 - 1818م).<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|المؤلف=Cronholm, Neander N. |العنوان=A History of Sweden from the Earliest Times to the Present Day|المسار=https://archive.org/details/cu31924071200822|السنة=1902}} ch 37</ref>
سطر 90:
=== حياتها المُبكرة ===
[[ملف:Catherine II's child calligraphy exercises (1742).jpg|تصغير|170بك|كتابة فرنسيَّة خطَّتها كاترين الثانية بِيدها خِلال إحدى دُروس اللُغة التي تلقتها.]]
تلقَّت صوفي فردريك أغسطس تعليمها المُبكر في دارة أهلها. وكما كانت العائدة الرائجة عند النُبلاء الألمان آنذاك، فقد تتلمذت على يد مُربِّيات ومُربين فرنسيين أُحضروا لها خصيصًا من [[فرنسا]]، فتعلَّمت اللُغات [[لغة فرنسية|الفرنسيَّة]] و[[لغة إنجليزية|الإنگليزيَّة]] و[[لغة إيطالية|الإيطاليَّة]] إلى جانب لُغتها [[لغة ألمانية|الألمانيَّة]] الأُم، كما تعلَّمت أُصُول الرقص الصالوني الراقي، والعزف على الآلات الموسيقيَّة، وأُسس التاريخ، والجُغرافيا، والدين. عُرف عن الإمبراطورة المُستقبليَّة بأنها كانت جسورة في طفولتها، وأحبت إظهار قُوَّتها أمام الصبيان أبناء جيلها، وكثيرًا ما شاركتهم اللعب في شوارع المدينة. على أنَّ أبويها لم يكونا سعيدان بِتصرُفات إبنتهما الصبيانيَّة، فعهدا إلى شقيقها الأكبر فردريك أن يتولَّى تأديبها ويُبعدها عن الأجواء التي تعيشها.
 
أمَّا صوفي نفسها فوصت طفولتها بأنها كانت هادئة لِلغاية، حتَّى أنها أشارت في إحدى رسائلها إلى صديقها البارون گريم قائلةً: «لا أرى في حياتي ما يستحق الاهتمام».<ref group="ْ">Sergeant, Philip W. The Courtships of Catherine the Great (Kessinger Publishing, 2004), 5.</ref> وعلى الرُغم من أُصولها النبيلة ومن مركزها الاجتماعي كأميرة، إلَّا أنَّ عائلتها لم تنعم بِالثراء الكبير، بل كانت أوضاعهم الاقتصاديَّة أقرب إلى أوضاع أُسرةٍ مُتوسطة الحال، وما كانت كاترين لِتصل إلى ما وصلته لاحقًا لولا علاقات والدتها وثيقة الصلة بِأفراد الأُسرة الحاكمة الأثرياء وأصحاب النُفوذ.<ref group="ْ">Streeter, Michael. Catherine the Great (Haus Publishing, 2007), 3.</ref><ref group="ْ">{{harvard citation no brackets|Massie|2011|pp=10–19}}</ref>
سطر 101:
سنة 1744م، وصلت عروس الإمبراطور العتيد مع والدتها إلى البلاط الإمبراطوري الروسي، وسُرعان ما اكتسبت محبَّة وتقدير الإمبراطورة وحاشيتها والنُبلاء وخطيبها وحتَّى [[روس|أفراد الشعب]]، لِما أظهرته من إجلالٍ واحترامٍ لِلعادات والتقاليد الروسيَّة، ولِلإمبراطورة نفسها، التي عيَّنت لها فور وُصولها أساتذة لِتعليمها [[لغة روسية|اللُغة الروسيَّة]]، و[[باليه|رقص الباليه]]، و[[تاريخ روسيا]]، وتعاليم [[أرثوذكسية شرقية|الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة]]، والعادات والتقاليد والأعراف الرائجة في البلاد في سبيل تسريع تأقلُمها واندماجها في وطنها الجديد. ومن أبرز المُعلمين الذين تولّوا تدريسها: المُطران واللاهوتي الكبير شمعون تودورسكي الذي تولَّى مُهمَّة تدريسها التعاليم الأرثوذكسيَّة الشرقيَّة، وباسيل آدودوروف أُستاذ اللُغة والقواعد الروسيَّة. بلغ من درجة اهتمام الأميرة بِاللُغة الروسيَّة أنها كانت تستيقظُ ليلًا وتروح وتجيء حافية القدمين في غُرفتها وهي تُردد الدُروس التي تلقتها نهارًا، وعلى الرُغم من أنها أتقنت اللُغة في نهاية المطاف، إلَّا أنها احتفظت بِلكنةٍ ألمانيَّةٍ واضحة. كان من نتيجة هذه الخصلة أن أُصيبت صوفي [[ذات الرئة|بِذات الرئة]] في شهر آذار (مارس) سنة 1744م لِكثرة تعرُّض قديمها لِبُرودة الأرض، ولِشدَّة المرض الذي ألمَّ بها عرضت والدتها أن تُرسل في طلب قسٍ من بروسيا لِيقوم بِعلاجها، لكنَّ صوفي رفضت رفضًا قاطعًا وطالبت بأن يُعالجها المُطران شمعون تودورسكي، أي فضَّلت أن تُعالج على يد كاهنٍ أرثوذكسي عوض كاهنٍ لوثريّ، مما أكسبها شعبيَّةً أكبر في البلاط الروسي.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأخير= Massie|الأول= Robert K.|date= 2011|العنوان= Catherine the Great: Portrait of a Woman|المسار= https://books.google.com.lb/books?id=8ZbfVbQX9mIC&pg=PA55&lpg=PA55&dq=Simon+todorsky&source=bl&ots=XKs7qClsjE&sig=DtNAMUggiJ0tQ34k8R7xuSpOkWA&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwijw9Xtqb_OAhUEahoKHS8qCJgQ6AEIKzAE#v=onepage&q=Simon%20todorsky&f=false|الناشر= Random House Publishing Group|الصفحة= 55|الرقم المعياري= 9781588360441}}</ref> كتبت كاترين في [[مذكرات|مُذكراتها]] لاحقًا تقول أنَّها كانت قد عقدت العزم مُنذ أن وصلت إلى روسيا كي تُثبت نفسها أمام البلاط والحاشية والشعب أنها أهلٌ لِتضع التاج الإمبراطوري، مهما كلَّفها ذلك من ثمن.
 
في [[28 يونيو|28 حُزيران (يونيو)]] [[1744]]م تخلَّت الأميرة صوفي عن مذهبها اللوثريّ الپروتستانتيّ وتحوَّلت إلى المذهب الأرثوذكسي الشرقي، رُغم المُعارضة الشديدة التي أبداها والدها، الذي كان لوثريًّالوثريًا مُتفانيًا، واستقبلت [[الكنيسة الروسية الأرثوذكسية|الكنيسة الروسيَّة الأرثوذكسيَّة]] الأميرة كإحدى رعاياها باسمٍ أرثوذكسيٍّ جديد هو «كاترينا» الذي عُرف في المصادر العربيَّة والعُثمانيَّة والأوروپيَّة بـ«كاترين»، وأُعطيت اسمًا أبويًّاأبويًا جديدًا هو «ألكسيڤنا» أي «ابنه ألكسي = إسكندر»، وفي اليوم التالي جرت مراسم الخطبة الرسميَّة بين وليّ العهد الروسي وكاترين. تمَّ الزواج الكبير المُنتظر بين السُلالتين الملكيتين في [[21 أغسطس|21 آب (أغسطس)]] [[1745]]م في مدينة [[سانت بطرسبرغ|بطرسبرغ]] عاصمة الإمبراطوريَّة الروسيَّة، وكانت كاترين قد بلغت السادسة عشر من عُمرها حينها بينما بلغ زوجها السابعة عشر، وحصلت كاترين بموجب هذا الزواج على لقب «دوقة» تيمُنًا بِزوجها الذي كان قد اكتسب لقب «[[دوق هولشتاين-غوتورب|دوق هولشتاين-گوتروپ]]» مُنذ سنة 1739م. ومن اللافت أنَّ والد كاترين لم يُسافر إلى روسيا لِحُضور حفل الزفاف. ترافق زواج كاترين بِوليّ العهد الروسي مع دسيسةٍ سياسيَّةٍ جديدةٍ تورَّطت فيها والدتها، إذ سعى ملك بروسيا فردريك الثاني إلى استغلال علاقاته الطيِّبة بهذه الأخيرة ووُجودها في بطرسبرغ في البلاط الإمبراطوري كي تلعب دورًا في سبيل تبديل السياسة الخارجيَّة الروسيَّة تجاه بروسيا، وذلك من خِلال مُحاولة إقناع الإمبراطورة أليصابت باستبدال كبير مُستشاريها إسكندر بستوزيڤ صاحب الدعاية المُناهضة لِبروسيا بِمُستشارٍ آخر مُتعاطفٍ معها. ولِسوء حظ حنَّة أليصابت والدة كاترين، فإنَّ بستوزيڤ تمكَّن من اعتراض إحدى الرسائل بينها وبين فردريك الثاني والتي تضمَّنت تفاصيل نواياهما، فعرضها على الإمبراطورة التي ثار غضبها ووصفت ما قامت به حنَّة أليصابت بـ«التجسُس الخسيس»، كما فقدت كاترين حظوتها لدى الإمبراطورة بِسبب ما فعلته والدتها،<ref>Бильбасов В. А. История Екатерины Второй. Берлин, 1900, т 1, с. 117—118</ref> على أنَّ هذا لم يُؤثر شيئًا على موقعها كعُضوةٍ جديدةٍ في الأُسرة الحاكمة، ولم تُوجَّه لها أيَّة اتهامات بِالضُلوع في المُؤامرة.
[[ملف:Empress Catherine The Great circa 1845 (George Christoph Grooth).jpg|تصغير|الأرشدوقة كاترين ألكسيڤنا قُرابة فترة زواجها من بُطرس الثالث، بِريشة جورج كريستوف گروث.]]
استقرَّ الزوجان الجديدان في قصر «أورانينباوم» الواقع على [[خليج فنلندا]] غرب بطرسبرغ، فعُرف هذا القصر بـ«البلاط الصغير» طيلة سنواتٍ عدَّة. خِلال السنوات الأولى من الزواج، لم يُبدِ بُطرس أي اهتمامٍ بِزوجته، بل إنَّ العلاقة الزوجيَّة الطبيعيَّة بينهما كانت معدومة، وقد كتبت كاترين تذكر هذا في مُذكراتها، فقالت:
سطر 111:
{{نهاية مقولة}}
|}
تابعت كاترين خِلال هذه الفترة تثقيف نفسها بنفسها، فاطلعت على مُؤلَّفاتٍ عديدة في الفلسفة والتاريخ والقانون، وعلى كتابات [[فولتير|ڤولتير]] و[[مونتسكيو]] و[[تاسيتس]] و[[بيير بايل|بايل]] وغيرهم الكثيرين. وكانت تُرفِّه عن نفسها من خلال الصيد بِبنادق البارود والنِبال، و[[فروسية|رُكوب الخيل]]، والرقص، والمُشاركة في الحفلات التنكُريَّة. وكان من نتيجة انعدام العلاقة الزوجيَّة الطبيعيَّة بينها وبين الإمبراطور المُستقبلي أن اتخذت لِنفسها عدَّة عُشَّاق، وفي هذا المجال قال حاجبها الكونت أندراوس شوڤالوڤ لِكاتب السير الذاتيَّة الاسكتلندي جيمس بوسويل - الذي كان أحد أصدقائه المُقرَّبين - أنَّ سيِّدته كان لها علاقات غراميَّة مع كُلٍ من: الضابط سيرگاي صالتيكوڤ،<ref group="ْ">''Dangerous Liaisons.'' Liena Zagare, ''[[:en:The New York Sun|The New York Sun]]'', Arts & Letters, Pg. 15. August 18, 2005.</ref> والضابط گريگوري أورلوڤ (1734–1783م)،<ref group="ْ">June Head, Catherine: The Portrait of An Empress, Viking Press, New York, 1935, pp.312–13.</ref><ref group="ْ">Malecka, Anna " Did Orlov buy the Orlov ?", Gems and Jewellery, July 2014, vol. 23, no. 6, pp.&nbsp;10–12.</ref> والأرستقراطي إسكندر ڤاسيلچيكوڤ،<ref group="ْ">[[:en:Simon Sebag Montefiore|Simon Sebag Montefiore]] : ''Potemkin och Katarina den stora – en kejserlig förbindelse'' (Potemkin and Catherine the Great – an imperial commitment) (2006) (In Swedish)</ref><ref group="ْ">Kaus, Gina (trans June Head), ''Catherine: The Portrait of An Empress'', Viking Press, New York, 1935, pp.312–16.</ref> والقائد العسكري [[جريجوري بوتيمكين|گریگوريگريگوري پوتمکینپوتمكين]]،<ref group="ْ">{{harvard citation no brackets|Montefiore|2001|pp=100–102}}</ref><ref group="ْ">{{harvard citation no brackets|Rounding|2006|p= 270}}</ref> وملك بولونيا [[ستانيسواف أغسطس بونياتوفسكي|ستانيسواڤ أغسطس پونياتوڤسكي]]،<ref group="ْ">Jerzy Michalski, ''Stanisław August Poniatowski'', Polski Słownik Biograficzny, T.41, 2011, p. 614</ref><ref group="ْ">{{Harvard citation no brackets|Butterwick|1998|p=93}}</ref> وغيرهم. كما قال أنَّ عشيقة بُطرس الثالث ومُحظية الإمبراطورة أليصابت كانت تُدعى «أليصابت ڤورونتسوڤا».<ref group="ْ">Klyuchevsky 1997:47</ref> وفي هذه الفترة أيضًا كانت الإمبراطورة قد أخذت تتململ جرَّاء عدم إنجاب كاترين وليًّاوليًا لِلعهد، فازدادت ضغوطاتها على بُطرس الثالث كي يُراجع علاقته بزوجته ويعمل على إحياء رابطة المودَّة بينهما. صادقت كاترين خِلال هذه المُدَّة الأميرة «كاترين ڤورونتسوڤا-داشكوڤا»، وهي شقيقة محظية زوجها، ومن خلالها تعرَّفت على عدَّة جماعات مُناهضة لِزوجها وكارهةً لِفكرة توليِّه العرش مُستقبلًا، نظرًا لِأنَّ تصرُّفاته كانت قد أصبحت لا تُطاق بِالنسبة لِأهل القصر، ومن الأشياء التي اعتاد على فعلها وكانت تُضايق الخدم، أن يطلب الرجال منهم في الصباح الباكر لِيختبرهم في الرقص والغناء كي ينضموا إلى زوجته في مخدعها لاحقًا حتَّى يُرفهوا عنها، فيُغنون ويرقصون حتَّى ساعاتٍ مُتأخرةٍ من الليل.<ref group="ْ">Sergeant, Philip W. The Courtships of Catherine the Great (Kessinger Publishing, 2004), 34.</ref>
[[ملف:Paul I of Russia as child (Kostroma).jpg|تصغير|بولس الأوَّل ابن كاترين في صباه.]]
[[إجهاض|أجهضت]] كاترين حملها مرَّتين، أمَّا حملها الثالث فسار على ما يُرام، وفي [[20 سبتمبر|20 أيلول (سپتمبر)]] [[1754]]م أنجبت ابنها البكر [[بافل الأول|بولس]]، بعد ولادةٍ مُتعسرة. ولم تكد تمضي دقائق قصيرة على الولادة حتَّى أُخذ الطفل الوليد من أُمِّه بناءً على طلب الإمبراطورة كي يتربَّى في كنفها، فحُرمت منه والدته أغلب الوقت، ولم يكن يُسمح لها بِزيارته إلَّا لِفتراتٍ وجيزة بين الحين والآخر، لِلحفاظ على رابطتهما. ويُقال أنَّ المرَّة الأولى التي شاهدت فيها كاترين طفلها كانت بعد 40 يومٍ من ولادته. وفي سنة 1759م أنجبت كاترين ابنةً سمَّتها «حنَّة»، ولم تعش أكثر من أربعة شُهُور. خِلال هذه الفترة أخذت الألسن في القصر تتناقل أخبار المُغامرات العاطفيَّة لِكاترين مع عددٍ من الرجال السالف ذِكرهم، فاشتهرت بكونها [[زنا|زانية]]، وبنفس الوقت سرت إشاعة مفادها أنَّ والد بولس الصغير ليس وليّ العهد بُطرس، بل هو الضابط سيرگاي صالتيكوڤ (ولمَّحت كاترين نفسها إلى هذا الأمر في مُذكراتها)،<ref group="ْ">{{citation | الأخير = Farquhar | الأول = Michael| السنة = 2001 | العنوان = A Treasure of Royal Scandals | الصفحة = 88 | الناشر = Penguin Books | المكان = New York | ISBN = 978-0-7394-2025-6}}.</ref> وقال البعض أنَّ بُطرس كان عقيمًا، فيستحيل عليه أن يكون الأب. ساءت علاقة بُطرس وكاترين بشكلٍ ملحوظٍ خِلال هذه الفترة، خُصوصًا بعد أن بلغ مسامعه ما قيل عن زوجته بأنها زانية وأنَّهُ عقيم، فاقتنع بأنَّهُ ليس الأب الفعليّ لِلطفل، ولمَّا وصلته أنباء حملها بِالطفلة الجديدة قال: {{اقتباس مضمن|لَا أَحَدَ سِوَى [[الله في المسيحية|اللهُ]] يَعلَمُ كَيفَ حَمِلَت زَوجَتِي مُجَدَّدًا! هَل لِي أن أُؤمِنَ بِأَنَّ هَذَا الطِّفلَ هُوَ طِفلِي؟ أَم أُخَاطِر واعتَبِرهُ كَذَلِكَ وَقَلبِي غَيرُ مُطمئن؟}}.<ref>''[[:ru:Анри Труайя|Анри Труайя]].'' Екатерина Великая. — М.: [[:ru:Эксмо|Эксмо]], 2004. — (Серия «Русские биографии») — С. 127. — ISBN 5-699-01632-5</ref> ولم يمر الكثير من الوقت حتَّى دبَّت مُشاجرة كبيرة بين الزوجين بِسبب هذا الأمر، فدافعت كاترين عن نفسها بشراسة مؤكدةً بأنَّ كُل الأطفال الذين أنجبتهم ليس لهم سوى أبٍ واحدٍ هو بُطرس، فلم يُصدقها الأخير وقال لها: «إذهبي إلى سيّدُك إبليس». ومُنذ ذلك الحين أمضت كاترين أغلب وقتها في مخدعها بعيدًا عن زوجها وتقلُّباته المزاجيَّة.<ref group="ْ">Sergeant, Philip W. The Courtships of Catherine the Great (Kessinger Publishing, 2004), 62.</ref> ذكرت كاترين مشاعرها وموقفها الحازم خِلال هذه الفترة قُبيل تربُّع زوجها على العرش فقالت:
:كُنتُ أقول لِنفسي أنَّ الشُعور بِالسعادة والبُؤس يعتمد على أنفُسنا. لو كُنت تشعر بالحُزن، ترفَّع عن هذا الحُزن، وتصرَّف بِطريقةٍ تُصبحُ فيها سعادتك مُستقلَّة عن كُل المآسي والاحتمالات من حولك.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|المؤلف=Barbara Evans Clements|العنوان=A History of Women in Russia: From Earliest Times to the Present|المسار=https://books.google.com/books?id=xa2yCC2apZAC&pg=PA71|السنة=2012|الناشر=Indiana University Press|الصفحة=71}}</ref>
[[ملف:Catherine03.jpg|تصغير|يمين|الأرشدوقة كاترين الثانية وهي تُمارس رياضتها المُفضَّلة: رُكوب الخيل.]]
تقرَّبت كاترين في هذه المُدَّة من السفير البريطاني في روسيا المدعو «وليامز»، فأصبحا صديقان حميمان، وتمكَّنت من خلاله من الحُصُول على عدَّة مبالغ كبيرة من المال على شكل قُروض بعد أن ضاق بها الحال جرَّاء علاقتها المُتأزمة مع زوجها، فاستحصل لها سنة 1750م على ما يزيد عن 50 ألف روبل مُقابل إيصالين؛<ref name=autogenerated8>''[[:ru:Казимир Валишевский|Казимир Валишевский]].'' Екатерина Великая (Роман императрицы). Кн. 1. Ч. 2. Гл. 1, I.</ref> وفي شهر تشرين الثاني (نوڤمبر) 1756م استحصل لها على 44,000 روبل أُخرى.<ref name=autogenerated10>''[[:ru:Покровский, Михаил Николаевич|Покровский М. Н.]]'' Русская история с древнейших времен. / При участии [[:ru:Никольский, Николай Михайлович|Н. Никольского]] и [[:ru:Сторожев, Василий Николаевич|В. Сторожева]]. Т. 4. — М., 1911. — С. 46.</ref> وفي مُقابل هذه المُساعدة، أعطت كاترين لِلبريطانيين عدَّة معلومات سريَّة عن البلاط الروسي وعن أحوال البلاد، شفاهةً ومن خِلال المُراسلات التي كانت تبعثها لِوليامز بين الحين والآخر تحت أسماءٍ مُستعارة مُختلفة.<ref name="autogenerated2">''[[:ru:Павленко, Николай Иванович|Павленко Н. И.]]'' Екатерина Великая. — М.: [[:ru:Молодая гвардия (издательство)|Молодая гвардия]], 2006. — С. 30. — ([[:ru:ЖЗЛ|ЖЗЛ]]) — ISBN 5-235-02808-2</ref> ومما يُؤكِّد هذا الأمر أنَّ وليامز نفسه ذكر لاحقًا في أواخر سنة 1756م، وتحديدًا بعد اندلاع [[حرب السنوات السبع]] بِفترةٍ قصيرة (التي دخلتها [[بريطانيا العظمى|بريطانيا]] إلى جانب [[بروسيا]] ضدَّ فرنسا وروسيا وحُلفائهما)، أنَّهُ تلقَّى معلوماتٍ من كاترين عن تعداد [[الجيش الإمبراطوري الروسي|الجيش الروسي]] المُشارك بِالحرب وخِطَّة الهُجُوم الروسيَّة، فسارع بِتوصيلها إلى [[لندن]] وإلى [[برلين]] كي يطلع عليها الملكان البروسي والبريطاني.<ref name=autogenerated10/><ref>''[[:ru:Бильбасов, Василий Алексеевич|Бильбасов В. А.]]'' История Екатерины Второй. Т. 1. — Берлин, 1900. — С. 495—497.</ref> تقرَّبت كاترين من خليفة وليامز المدعو «كيث» بعد أن انتهت فترة اعتماد الأوَّل وعاد إلى بريطانيا؛ فتابع كيث سياسة سلفه تجاه كاترين بأن أغدق عليها الأموال والهدايا مُقابل حُصوله على معلوماتٍ خاصَّةٍ بِأوضاع الإمبراطوريَّة الروسيَّة.<ref>''Бильбасов В. А.'' История Екатерины Второй. Т. 1. — Берлин, 1900. — С. 445.</ref> نتجة حُب كاترين لِلمال وصف المُؤرخون البريطانيُّون التحالف معها بالمُبذِر لِكثرة ما صُرف لها من المبالغ الطائلة، وأخذت بعض الأصوات في البلاط الملكي البريطاني تُطالب بِالتخلّي عنها.<ref name=autogenerated8/> ويبدو أنَّ كاترين كانت مُتيقنة لما يدور خلف الكواليس في بريطانيا، فأرسلت إلى وليامز خطابًا وديًّاوديًا في مُحاولةٍ لِتبديد مخاوف البريطانيين، وأشارت فيه إلى استعدادها استخدام نُفوذها في البلاط الإمبراطوري من أجل إنشاء تحالفٍ بين بريطانيا وروسيا يخدم مصلحة كِلا الدولتين ويصب في مصلحة أوروپَّا كُلَّها، وأن يتعاون الطرفان ضدَّ عدُّوهما المُشترك فرنسا التي ليس من مصلحة أيٌّ منهما أن يراها دولةً قويَّةً تُهدد مصالحه الاستعماريَّة، وطلبت منه أن يُبلغ الملك [[جورج الثاني ملك بريطانيا العظمى|جورج الثاني]] عرضها الصادق هذا، وأنَّهُ عربون شُكرها لِكُل المُساعدات التي قدمتها لها بريطانيا.<ref>''Бильбасов В. А.'' История Екатерины Второй. Т. 1. — Берлин, 1900. — С. 355.</ref> بتعبيرٍ آخر، كانت كاترين تُحاول كسب ثقة بريطانيا ودعم الحُكومة البريطانيَّة لها كي تتربع على عرش روسيا، خاصَّةً بعد لاح في الأُفق اقتراب أجل الإمبراطورة أليصابت، ولِكون بُطرس الثالث غير مؤهَّل لِلحُكم ومكروه من فئة واسعة من النُبلاء والشعب. ذكر وليامز أنَّ كاترين راسلته بضع مرَّات بدايةً من سنة 1756م مع اشتداد مرض الإمبراطورة، تُعمله بأنَّها أعدَّت مُؤامرة لِخلع زوجها عن العرش بعد أن يعتليه بِفترةٍ قصيرة،<ref name=autogenerated2/> ويقول المُؤرِّخ الروسي ڤاسيلي كليوچڤسكي أنَّ كاترين توسَّلت الملك البريطاني كي يمنحها قرضًا ماليًّاماليًا قدره 10 آلاف [[جنيه استرليني|جُنيه استرليني]] لِتُوزعها هدايا ورشاوٍ على المسؤولين الروس والحاشية الإمبراطوريَّة في سبيل تسهيل تنفيذ خطتها، وأعطته وعد شرف أن تسعى بكُل جُهدها إلى إقامة حلفٍ متينٍ مع بريطانيا عندما تصل مُبتغاها. كما سعت إلى اجتذات [[فوج إسماعيلوفسكي|الحرس الإمبراطوري]] إلى صفها، فاتفقت مع قائدهم «كيريل رازوموڤسكي» أن يُعاونها في العصيان على الإمبراطور العتيد، وكذلك فعل المُستشار إسكندر بستوزڤ.<ref>''Ключевский В.'' Курс русской истории. Лекция LXXV.</ref> في بداية سنة 1758م، أمرت الإمبراطورة أليصابت باعتقال القائد العسكري أسطفان أپراسكين المُقرَّب من كاترين بِتُهمة تلقيه رشوة من الملك البروسي فردريك الثاني، كما اعتُقل المُستشار إسكندر بستوزڤ بعد أن ثارت حوله الشُكوك بِشأن تعامله مع البروسيين والبريطانيين، خُصوم روسيا في حرب السنوات السبع، فحُقق معهُما وحُوكما بِتُهمة الخيانة العُظمى، على أنَّ بستوزڤ تمكَّن قبل اعتقاله من أن يُخفي أو يُتلف جميع الوثائق والمُراسلات التي تُثبت علاقة كاترين ببريطانيا وبروسيا، لِيُنقذها بذلك من براثن الإمبراطورة.<ref>''Павленко Н. И.'' Екатерина Великая. — М.: Молодая гвардия, 2006. — С. 29.</ref> أمام هذا الواقع، وبعد حرمانها من اثنان من أقرب أصحاب السُلطة إليها وعودة وليمامز إلى بريطانيا، سعت كاترين إلى إقامة روابط وثيقة جديدة مع نُبلاءٍ آخرين، في مُقدمتهم گريگوري أورلوڤ وكاترين ڤورونتسوڤا-داشكوڤا شقيقة مُحظية زوجها.
 
== في عهد بُطرس الثالث وانقلاب تمُّوز (يوليو) 1762م ==
سطر 122:
[[ملف:Peter III by A.Antropov (circa 1762, Russian museum).jpg|تصغير|رسم بِريشة إسكندر أنتروپوڤ لِلإمبراطور بُطرس الثالث بِملابسه الملكيَّة الرسميَّة، 1762م.]]
تُوفيت الإمبراطورة أليصابت يوم [[5 يناير|5 كانون الثاني (يناير)]] [[1762]]م المُوافق فيه [[25 ديسمبر|25 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[1761]]م حسب التقويم اليولياني، وبعد وفاتها بُويع بُطرس الهولشتايني من قِبل النُبلاء والأعيان ونُصب على العرش في ذات اليوم، لِيُعرف بِالإمبراطور بُطرس الثالث، وبِهذا أصبحت كاترين [[عقيلة ملك|إمبراطورةً عقيلة (زوجة إمبراطور)]]، وانتقلت مع زوجها من قصر أورانينباوم إلى [[قصر الشتاء]] في [[سانت بطرسبرغ|بطرسبرغ]]، مقر قياصرة وأباطرة روسيا مُنذ سنة 1732م. أخذ بُطرس في هذه الفترة يعيشُ علنًا في علاقةٍ غراميَّةٍ مع مُحظيته أليصابت ڤورونتسوڤا، وترك زوجته تعيش على هواها في الطرف الآخر من القصر، فاتخذت لنفسها هي الأُخرى عشيقًا هو گريگوري أورلوڤ. كان من نتيجة هذه العلاقة أن حملت كاترين سفاحًا، فأخفت حملها عن زوجها وعن مُعظم أفراد الحاشية إلَّا المُقربون جدًا منها، وقد استفادت من إهمال زوجها لها في هذه الفترة وتفاديه مُعاشرتها ورؤيتها، فابتعدت عنه بدورها وتفادته حتَّى انقضت فترة حملها. ولمَّا آن أوان ولادتها، قام أحد خُدَّامها المُخلصين، ويُدعى «ڤاسيلي شَكُورين» بِإضرام النار في بيته الواقع على أراضي القصر كما سائر بُيُوت الخدم، فخرج جميع أفراد الحاشية من القصر الرئيسي لِإخماد الحريق وخرج معهم الإمبراطور وخدمه لمُتابعة ما يجري، وفي تلك الأثناء وضعت كاترين طفلها بِسلام، لِيكون طفلها اللاشرعيّ الوحيد،<ref group="ْ">{{مرجع ويب |الأخير=Marek |الأول=Miroslav |المسار=http://genealogy.euweb.cz/ascania/ascan13.html |العنوان= Genealogy.euweb.cz |الناشر= Genealogy EU}}</ref> وأُطلق عليه اسم «إسكندر بوبرينسكي».<ref>«Дворянские роды» гр. А. Бобринского, см. т. II, стр. 507—8</ref>
[[ملف:Christ the Savior Cathedral Moscow.jpg|تصغير|أعلن بُطرس الثالث بُعيد تربُّعه على العرش عن نيَّته إجراء إصلاحاتٍ دينيَّةٍ وكنسيَّةٍ شاملةٍ في البلاد، مما كان سببًا رئيسيًّارئيسيًا في زيادة النقمة عليه.]]
بعد تربُّعه على العرش بِبضعة شُهُور، انتهج بُطرس الثالث سياساتٍ غريبة الأطوار أثارت عليه حقد كِبار قادة الجيش. من تلك السياسات اتباع أساليب جديدة وديَّة في التعامل مع البروسيين نظرًا لِلإعجاب الكبير الذي كان يكنَّهُ شخصيًّاشخصيًا لِلملك فردريك الثاني، فأبرم مع بروسيا مُعاهدةً تصب في صالحها عوض الصالح الروسي عُرفت باسم «صُلح بُطرسبرغ» مُنهيًا بِذلك حرب السنوات السبع بين روسيا وبروسيا، على الرُغم من أنَّ الجيش الروسي كان مُتقدمًا على نظيره البروسي وهزمه في عدَّة وقعات حتَّى بلغ مشارف برلين، فأطلق البروسيُّون على هذا الصُلح اسم «[[معجزة آل براندنبورغ|مُعجزة آل براندنبورگ]] {{ألمانية|Mirakel des Hauses Brandenburg}}.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان= The Revolutions of Europe |الأخير= Koch |الأول= Christopher W |الأخير2= Koch |الأول2= Christophe Guillaumede |السنة= 1839 |الناشر= Whiltaker and Co |الصفحة= 147 |المسار= http://books.google.co.uk/books?id=TACbHW0TYWYC}}</ref> وبِمُقتضى هذا الصُلح أعاد الإمبراطور الروسي إلى بروسيا جميع الأراضي التي استولى عليها الروس خِلال الحرب،<ref group="ْ">{{cite journal|العنوان=Seven Years' War|التاريخ=1 July 2010|المسار=http://web.ebscohost.com/ehost/detail?sid=69cd734a-137b-43b7-842a-2ad2c0563e52@sessionmgr113&vid=2&hid=122&bdata=JnNpdGU9ZWhvc3QtbGl2ZSZzY29wZT1zaXRl#db=a9h&AN=39031634|تاريخ الوصول=17 أيلول (سپتمبر) 2011}}</ref> ضاربًا بِعرض الحائط كُل الاعتبارات المنطقيَّة التي كانت تفرض عليه مُواصلة التقدُّم في البلاد الألمانيَّة، وراميًا خلف ظهره كُل التضحيات التي قدمها الضُبَّاط والقادة العسكريين والجُنُود الروس في الحرب. وقد هدف الإمبراطور الروسي من وراء هذه المُعاهدة إلى التحالف مع بروسيا لِحرب [[الدنمارك-النرويج|الدنمارك]] لِتحقيق مصالح شخصيَّة، وهي استعادة بعض أقسام [[دوقية شلسفيغ|دوقيَّة شلسڤيگ]] وإعادة ضمِّها إلى دوقيَّته، ولمَّا هددت الدنمارك باجتياح [[دولة مدينة|دُويلة]] [[هامبورغ|هامبورگ]] في شمال ألمانيا لِلاستفادة من مواردها الماليَّة في دعم جيشها ترقُبًا لِأي حربٍ مع روسيا، اعتبر بُطرس ذلك إعلانًا صريحًا بِالحرب المفتوحة.<ref group="ْ">{{citation | الأخير = Dull | الأول = Jonathan R | العنوان = The French Navy and the Seven Years' War | الناشر = University of Nebraska | السنة = 2005}}.</ref> وفي سبيل اكتساب بروسيا إلى جانبه بشكلٍ أكبر، أعلن عن نيَّته بِالتفاوض مع الملك البروسي بشأن [[تقاسم بولندا|تقاسم بولونيا]]، مما ساهم بِتراجع شعبيَّته أكثر بين أصحاب السُلطة في روسيا.
 
أضف إلى ذلك، أقدم بُطرس على عدَّة خُطوات كانت بِمثابة القشَّة التي قصمت ظهر البعير، فصادر مُمتلكات الكنيسة الروسيَّة، وألغى الامتيازات الاقطاعيَّة الممنوحة لِلأديرة، وأعلن لِبعض المُقربين منه نيَّته إجراء إصلاحاتٍ دينيَّةٍ شاملةٍ في طول البلاد وعرضها. عند هذه المرحلة، رأى أغلب النُبلاء والعسكريين ورجال الدين أنَّ بُطرسًا غير مُؤهَّل لِلحُكم، واتهموه بالجهالة والعته وكره روسيا والميل لِأعداء البلاد، ولمع أمامهم نجم زوجته كاترين البالغة من العُمر 33 سنة، فرأوها أكثر شخصٍ مُؤهَّلٍ لِلحُكم، إذ بانت عليها ملامح الذكاء والثقافة وسعة الحيلة وقُوَّة الشخصيَّة. أخذ الأعيان بِهذا يُعدُّون العدَّة لانقلابٍ يُطيحُ بِالإمبراطور وحاشيته المُقرَّبة، وصارحوا كاترين بِالأمر وبِرغبتهم تنصيبها على العرش بِمُجرَّد نجاح الخطَّة. ولمَّا كانت كاترين قد ضاقت ذرعًا بِزوجها وكرهته أشد الكُره وطمعت بِالسُلطة إلى حدٍ كبير فقد وافقت على المُشاركة بالانقلاب. وشرع داعموها وفي مُقدمتهم گريگوري أورلوڤ وگریگوريوگريگوري پوتمکینپوتمكين وتُيُودور خيتروڤو بِإعداد دعايةً لها ونشرها في صُفوف الحرس الإمبراطوري وإقناع قادتهم بالانضمام إلى جماعة الانقلاب. يقول المُؤرِّخان [[هنري ترويا]] وكازيميرز ڤاليزڤسكي أنَّ كاترين ومن معها حصلوا على بعض الدعم الماليّ الخارجيّ أيضًا لِتنفيذ خطَّتهم القاضية بِالإطاحة بِبُطرس الثالث، وأنَّ كاترين طلبت من فرنسا وبريطانيا إقراضها 60 ألف روبل مُلمِّحةً إلى ما سيقع من أحداث، فرفض الفرنسيُّون هذا الطلب مُعتقدين أنَّ مُخطط الانقلاب غير جدّي، أمَّا البريطانيين فوافقوا على الفور وأقرضوا الانقلابيين وقائدتهم 100 ألف روبل، ولعلَّ هذا الأمر كان له أثَّرٌ لاحقًا في المُستقبل على علاقات كاترين مع كُلٍ من فرنسا وبريطانيا.<ref>Труайя А. Екатерина Великая. Москва, 2007, с.165</ref><ref>Казимир Валишевский. Екатерина Великая (Роман императрицы), кн.1, ч. 2, гл. 2, III</ref>
[[ملف:Екатерина на балконе.jpg|تصغير|320بك|يمين|كاترين الثانية تطل من إحدى شُرفات قصر الشتاء بعد تمام الانقلاب على الإمبراطور بُطرس الثالث، حيثُ يُحييها الحرس والعساكر والشعب.]]
خِلال شهر تمُّوز (يوليو) 1762م، غادر بُطرس عاصمة مُلكه واصطحب معه أفراد حاشيته الهولشتاينيين في إجازةٍ إلى أورانينباوم وترك زوجته في بطرسبرغ، ولم يكن قد مضى على تولِّيه العرش غير شُهورٍ ستَّة. وفي ليلة 8 تمُّوز (يوليو) 1762م، المُوافق فيه 27 حُزيران (يونيو) 1762م من التقويم اليولياني، وصلت كاترين أنباءً مفادها أنَّ زوجها أمر باعتقال أحد القادة العسكريين المُتآمرين معها على خلعه، وأنَّ عليهم التحرُّك فورًا دون تردُّد لِتنفيذ خطَّتهم.<ref group="ْ">{{مرجع ويب|المسار=http://www.history.co.uk/biographies/catherine-the-great|العنوان=Catherine The Great |الناشر=HISTORY channel |التاريخ= |تاريخ الوصول=2015-03-11}}</ref> فغادرت القصر وتوجَّهت إلى ثكنة الحرس الإمبراطوري حيثُ خطبت بِالقادة والجُنود خطابًا حماسيًّاحماسيًا حثَّتهم فيه على الوُقوف إلى جانبها والدفاع عن بلادهم وأُمَّتهم ضدَّ الحُكم الرديء لِلإمبراطور الذي استهان بِالبلاد والعِباد وبِكرامتهم أجمعين. ثُمَّ توجَّهت إلى ثكنات الفُرسان الخيَّالة حيثُ كان الكهنة والبطاركة بانتظارها لِمُبايعتها إمبراطورةً على عرش روسيا. بعد ذلك أمرت كاترين الحرس الإمبراطوري بالتوجُّه فورًا إلى مصيف زوجها واعتقاله، فتوجَّهت قُوَّة عسكريَّة إلى أورانينباوم وأبلغت الإمبراطور بِما حصل، ولمَّا رأى أنَّ لا فائدةً تُرجى من المُقاومة استسلم وعاد معهم إلى بُطرسبرغ حيثُ أرغمته زوجته على توقيع ميثاق تنازُلٍ عن العرش لِقاء ضمان سلامته، وهكذا لم يبقَ لها من مُنافسٍ على تولِّي هذا المنصب.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأخير=Alexander|الأول=John|العنوان=Catherine the Great: Life and Legend|السنة=1989|الناشر=Oxford University Press|المكان=New York, New York}}</ref><ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأخير=Erickson|الأول=Carolly|العنوان=Great Catherine: The life of Catherine the Great, Empress of Russia|السنة=1994|الناشر=Crown Publishers, Inc.|المكان=New York, New York}}</ref> وفي يوم 17 تمُّوز (يوليو) 1762م، أي بعد ثمانية أيَّامٍ فقط من [[انقلاب عسكري|الانقلاب]]، توفي بُطرس الثالث في مقر إقامته بِقصر روپشا وسط ظُروفٍ غامضة، إذ قال البعض أنَّ وفاته جاءت طبيعيَّة نتيجة إصابته [[مغص كلوي|بِالمغص الكلوي]] الحاد مُنذ ما قبل الانقلاب، كما أشارت زوجته كاترين بنفسها، وقال آخرون أنَّهُ قُتل على يد إسكندر أورلوڤ شقيق گريگوري أورلوڤ، على أنَّ المُؤرخين لم يجدوا أي دليلٍ يدُل على تواطؤ كاترين بِهذه الجريمة إن صحَّت هذه الفرضيَّة.<ref group="ْ">{{harvard citation no brackets|Rounding|2006}}</ref><ref group="ْ">{{مرجع ويب|المسار=http://russiapedia.rt.com/prominent-russians/the-romanov-dynasty/catherine-ii-the-great/ |العنوان=Catherine II the Great – The Romanov dynasty |الناشر=Russiapedia |التاريخ= |تاريخ الوصول=2015-03-11}}</ref> وبجميع الأحوال فإنَّ كاترين طلبت من الأطباء إجراء تشريحٍ لِلجُثَّة لِتحديد سبب الوفاة والقضاء على الشُكوك التي انتشرت وكانت تقول بأنها أمرت بِتسميم زوجها، وجاءت نتيجة التشريح تقول بأنَّ معدة الإمبراطور الراحل كانت نظيفة تمامًا، مما يستبعد فرضيَّة موته مسمومًا. يقول المُؤرِّخ الروسي «نِقولا پاڤلنكو» أنَّ موت الإمبراطور اغتيالًا أمرٌ لا يحتمل التأويل وتؤكده عدَّة مصادر موثوقة أبرزها ما ورد في رسائل كاترين ڤورونتسوڤا-داشكوڤا شقيقة مُحظيته.<ref name=autogenerated12>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 50</ref> كما يعتبر أنَّ هُناك من الدلائل ما يُشير إلى أنَّ الإمبراطورة الجديدة كانت المُخططة الرئيسيَّة لاغتيال زوجها، ففي يوم 4 تمُّوز (يوليو) أي قبل وفاة الإمبراطور السابق بِيومين، أرسلت إليه كاترين طبيبها مُحمَّلًا بِالأدوات الجراحيَّة عوض الأدوية - وفقًا لِپاڤلنكو - مما يعني أنها كانت مُتأكدة من موته قريبًا، وتستعد لِإبعاد الشُبهات حول تورُّطها في قتله، مما يُفيد بِالتالي أنها خططت لِهذا الأمر.<ref name=autogenerated12/>
 
== جُلوسها على العرش ==
[[ملف:Catherine_II_by_Alexey_Antropov_(18th_c,_Tver_gallery).jpg|270بك|تصغير|يمين|كاترين الثانية وعلى يمينها التاج الإمبراطوري. بِريشة إسكندر أنتروپوڤ حوالي سنة 1765م.]]
[[ملف:Brockhaus and Efron Encyclopedic Dictionary b31 322-3.jpg|تصغير|حفل تتويج كاترين الثانية إمبراطورةً على عرش روسيا.]]
تُوِّجت كاترين على عرش الإمبراطوريَّة الروسيَّة بِصُورةٍ رسميَّةٍ يوم [[22 سبتمبر|22 أيلول (سپتمبر)]] 1762م المُوافق فيه [[3 أكتوبر|3 تشرين الأوَّل (أكتوبر)]] من ذات السنة وفق التقويم اليولياني، في مدينة [[موسكو]]،<ref>{{مرجع ويب|المسار=http://mikv1.narod.ru/text/OpisKor_RS93t80n12.htm |العنوان=Описание коронации, миропомазания и причащения императрицы Екатерины II-й |الناشر=Русская старина, 1893. – Т. 80. – № 12. – С. 487–496. – В ст.: Труворов А. ''Коронация императрицы Екатерины Второй'' – Сетевая версия – М. Вознесенский |السنة=2006 |تاريخ الوصول=2015-03-11}}</ref> واتخذت لِنفسها لقب «كاترين الثانية». وبعد تتويجها، أصدرت بيانًا رسميًّارسميًا تحاملت فيه على زوجها السابق قائلةً أنَّهُ كان عاقد العزم على تغيير المذهب الرسمي لِلدولة من الأرثوذكسيَّة إلى الپروتستانتيَّة بسبب ميله إلى البروسيين، وأنَّهُ كان يُريد السلام معهم بعد أن طمعوا في البلاد وسعوا في خرابها من خلال الدسائس والتجسُّس، كما سمَّت ابنها بولس وليًّاوليًا لِلعهد.<ref>[http://www.runivers.ru/lib/anons.php?ID=462097&IBLOCK_ID=157 Манифест «О вступлении на престол Императрицы Екатерины II».] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160304131816/http://www.runivers.ru/lib/anons.php?ID=462097&IBLOCK_ID=157 |date=04 مارس 2016}}</ref> أدَّى صُعُود كاترين إلى السُلطة عن طريق انقلاب إلى ظُهور بعض الجدال بين بعض القادة والنُبلاء بشأن اعتبارها حاكمةً شرعيَّةً أم مُغتصبة لِلحُكم، لا سيَّما وأنها ليست من آل رومانوڤ القياصرة، بحيثُ لا يُمكن اعتبار فترة حُكمها شرعيَّة إلَّا عند تزامنها مع فترة وصايتها على ابنها بولس حتَّى يبلغ سن الرُشد ويخلف والده. وقد بلغ الأمر ببعض النُبلاء (منهم [[نيكيتيا بانين|نيكيتا پانين]] وآخرون) أن اقترحوا لاحقًا على بُولس القيام بانقلابٍ آخر لِلإطاحة بِوالدته وتنصيبه إمبراطورًا شرعيًّاشرعيًا على عرش آبائه وأجداده، على أنَّهم رغبوا بِتقييد سُلطته وتحويلها إلى ما يُشبه [[ملكية دستورية|الملكيَّة الدُستوريَّة]]، لكنَّ شيئًا من هذا بم يحصل، واستمرَّت كاترين تحكم البلاد حتَّى مماتها.<ref group="ْ">Memoirs of [[:en:Decembrist revolt|Decembrist]] Michael Fonvizin (nephew of writer [[:en:Denis Fonvizin|Denis Fonvizin]], who belonged to the constitutionalists' circle in the 1770s); see: Fonvizin, M.A.: ''Works and letters'', volume 2. Irkutsk:1982, page 123</ref>
 
أمرت كاترين بعد تربُّعها على العرش بِصناعة دُرَّة المُجوهرات الإمبراطوريَّة لِآل رومانوڤ، ألا وهو التاج الإمبراطوري الروسي الذي تناقله خُلفائها من بعدها وتُوجوا به جميعًا حتَّى عهد آخر الأباطرة الروس [[نيقولا الثاني|نِقولا الثاني]]، الذي كان آخر من تُوِّج به.<ref group="ْ">[http://www.crownminiatures.com/European%20Crowns/Russia/russia-imperialc.html The Imperial Crown of Russia (1763)], accessed 2007-06-18.</ref> صُمِّم التاج الجديد على يد الصائغ الفرنسي السويسري إرميَّا پوزيه {{فرن|Jérémie Pauzié}} مُستلهمًا شكله من تصاميم التيجان البيزنطيَّة، فجعله من نصفين شبه كُرويين يُمثلُ أحدهما [[الإمبراطورية الرومانية الغربية|الإمبراطورية الرومانيَّة الغربيَّة]] والآخر يُمثِّل [[الإمبراطورية البيزنطية|الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الشرقيَّة (البيزنطيَّة)]]، يفصلُ بينهما إكليلٌ ورقيّ الشكل، وثبَّت الأقسام الثلاثة هذه بِواسطة طوقٍ سُفليّ. رُصِّع التاج بِخمسةٍ وسبعين [[لؤلؤ]]ة و4,936 ألماسةٍ هنديَّةٍ على شكل ورق الغار والسنديان، وهي من رُموز العظمة والسُلطة عند الرومان والإغريق القُدماء، وعلاه [[ياقوت]]ة زنتها 398.62 قيراط من مجموعة الإمبراطورة الخاصَّة، إلى جانب صليبٍ ألماسيّ. وقد استغرقت فترة العمل على هذا التاج شهران فقط، وبلغت زنته عند الانتهاء تمامًا منه 2.3 كيلوگرامات.<ref group="ْ">{{مرجع ويب|المسار=http://famousdiamonds.tripod.com/russiancrownjewels.html |العنوان=The Russian Crown Jewels |الناشر=Famousdiamonds.tripod.com |التاريخ= |تاريخ الوصول=2014-06-11 |وصلة مكسورة=yes |مسار الأرشيف=https://web.archive.org/web/20140627113746/http://famousdiamonds.tripod.com:80/russiancrownjewels.html |تاريخ الأرشيف=27 حُزيران (يونيو) 2014}}</ref>
سطر 174:
{{أيضا|ناكاز كاترين الثانية}}
[[ملف:Catherine 2 nakaz.JPG|تصغير|300بك|يمين|كاترين الثانية في طور كتابة وثيقتها المشهورة باسم «الناكاز».]]
يوم [[14 ديسمبر|14 كانون الأوَّل (ديسمبر)]] [[1766]]م، أصدرت كاترين الثانية بيانًا رسميًّارسميًا دعت فيه كِبار المُفكرين والفلاسفة والساسة والقانونيين إلى تشكيل لجنةٍ تشريعيَّةٍ يكون هدفها صياغة قوانين جديدة لِلبلاد واستبدال القانون المسكوبي الموضوع مُنذ سنة 1649م بِشريعةٍ قانونيَّةٍ أُخرى تتوافق مع مُتطلبات العصر ومعرفة حاجات الشعب ومُتطلباته في سبيل القيام بِإصلاحاتٍ شاملة على مُستوى الإمبراطوريَّة، ولِدعم السُلطة الملكيَّة في البلاد في الوقت ذاته.<ref group="ْ">Geoffrey Hosking, Russia: People and Empire(Harvard, 1997) p.98</ref> ودعت كاترين في بيانها الأهالي والأعيان إلى انتخاب مندوبين عن مُقاطعاتهم ومُدنهم على الشكل التالي: ينتخب النُبلاء مندوبًا واحدًا عن المُفاطعة، فيما ينتخب العامَّة مندوبًا واحدًا عن المدينة التي يسكنوها. بلغ عدد المندوبين المُنتخبين أكثر من 600 مندوب، 33% منهم انتُخبوا من قِبل النُبلاء، و36% منهم انتخبهم العوام (مُتضمنين النُبلاء أيضًا)، و20% منهم انتُخبوا من قِبل أهالي الأرياف بما فيهم الفلَّاحين والمُزارعين. أمَّا رجال الدين الأرثوذكس فقد انتخبوا أحد كهنة المجمع المُقدَّس لِيُمثلهم في اللجنة. أعدَّت الإمبراطورة وثيقةً تضمَّنت بضع إرشاداتٍ عُرفت باسم «[[ناكاز كاترين الثانية]]» هدفت من خِلالها إلى توجيه اللجنة التشريعيَّة نحو اعتماد القيم التنويريَّة الغربيَّة والمُصادقة على حُكمها [[حكم مطلق مستنير|كحُكمٍ مُطلقٍ مُستنير]]. يقول المُؤرِّخ الروسي إيڤان طومسينوڤ أنَّ كاترين الثانية يُمكن تصنيفها مع كِبار المُشرعين القانونيين لِلنصف الثاني من القرن الثامن عشر بِفضل وثيقتها الإرشاديَّة التي أدَّت إلى إصلاح الوضع القانوني التشريعي لِلبلاد الروسيَّة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=Томсинов В.А.|chapter=Императрица Екатерина II (1729-1796)|العنوان=Российские правоведы XVIII-XX веков: Очерки жизни и творчества. В 2-х томах|الإصدار=Зерцало|المكان=М.|السنة=2007|volume=1|series="Русское юридическое наследие"|الصفحات=63, 672|الرقم المعياري=978-5-8078-0144-9}}</ref> بينما قال آخرون أنَّ هذا لا يصح لأنَّ إرشادات كاترين الثانية ليست من تأليفها أو إبداعها، بل هي مُجرَّد حصر وتجميع لِآراء وأفكار رجال قانون مُعاصرين وسابقين عليها، وجل ما فعلته كان تكييفها بحيثُ أصبحت تتلائم مع رؤيتها ومع مُتطلبات روسيا.<ref>Казимир Валишевский. Екатерина Великая (Роман императрицы), кн.2, ч. 1, гл. 2, I</ref> وأشار آخرون إلى اعتراف كاترين بنفسها في مُذكراتها أنها اقتبست الكثير من الأفكار من مُؤلَّف مونتسكيو الشهير حامل عنوان «[[روح القوانين]]»، ومُؤلَّف [[سيزاري بيكاريا]] حامل عنوان «حول الجريمة والعِقاب». وفي سنة 1767م، وبعد الانتهاء من إعداد الوثيقة، أرسلت كاترين نسخة ألمانيَّة منها إلى ملك بروسيا فردريك الثاني، وأرسلت نسخة فرنسيَّة إلى العلَّامة الفرنسي ڤولتير تقول فيها: {{اقتباس مضمن|في سبيل تحقيق صالح إمبراطوريتي، سمحت لِنفسي أن أسلب أفكار المُعلِّم مونتسكيو، دون أن أذكر اسمهُ في النص المأخوذ. أتمنى بحال اطَّلع على عملي أن يغفر لي هذه السرقة الأدبيَّة، التي ما أقدمت عليها لولا أنني وضعتُ نصب عينيّ مصلحة 20 مليون مُواطن. لقد أحبَّ مونتسكيو البشريَّة حُبًا جمًّاجمًا لا يُمكِّنهُ من الشُعور بالاستياء جرَّاء فعلتي؛ إنَّ [[روح القوانين|مُؤلَّفهُ]] كان مصدر قُوَّتي وإلهامي}}.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 114</ref><ref name=autogenerated29>Ключевский В. Курс русской истории. Лекция LXXVII</ref>
[[ملف:Матвей Марков. Екатерининская комиссия 1767 г..jpg|تصغير|اللجنة التشريعيَّة الروسيَّة في إحدى اجتماعاتها.]]
عقدت اللجنة التشريعيَّة أولى اجتماعاتها في قصر الوجاهة بِمدينة موسكو، ثُمَّ انتقلت إلى بُطرسبرغ. استمرَّت الاجتماعات والمُناقشات تتوالى طيلة سنة ونصف قبل أن يتم حل اللجنة وإقصائها بحُجَّة رغبة المندوبين إعلان الحرب على [[الدولة العثمانية|الدولة العُثمانيَّة]] ومُعارضة الإمبراطورة لِهذه الخطوة التي اعتبرتها ومُستشاريها غير ضروريَّة. يقول بعض المُؤرخين المُعاصرين، إلى جانب آخرين عاصروا عهد كاترين الثانية، أنَّ إنشاء اللجنة التشريعيَّة لم يكن سوى دعاية سياسيَّة ومُناورة بارعة من الإمبراطورة بِهدف تجميل صورتها أمام رعياها وأمام الغرب وإظهارها بِمظهر راعية المُواطنين وحُقوقهم ومُتطلباتهم الحياتيَّة والقانونيَّة.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 129, 131</ref> قيل أيضًا أنَّ الاجتماعات الأولى لِلجنة لم يجرِ فيها أيُّ شيءٍ مُهم على صعيد الإمبراطوريَّة، بل خُصصت فقط لِتمجيد الإمبراطورة وشُكرها على دعوتها لِإنشاء اللجنة التشريعيَّة، كما خُصِّصت بعض الجلسات لاختيار لقبٍ لها فقط، فعُرضت ألقاب مثل: {{ط|الحكيمة}}، و{{ط|والدة بلاد الأجداد}}، إلخ، إلى أن تمَّ الاستقرار على لقبها الذي اشتهرت فيه بِالتاريخ، وهو «الكبيرة» أو «العظيمة».<ref>Труайя А. Екатерина Великая. Москва, 2007, с. 242</ref>
سطر 188:
شكَّل [[قوزاق|القوزاق]] في المناطق الواقعة على الضفة الغربيَّة من [[نهر الدانوب|نهر الطونة (الدانوب)]] في [[أوكرانيا]] المعروفة باسم «زاپوروجيا»، إمارة مُستقلَّة مُنذ القرن الخامس عشر، وحالفوا القيصريَّة في روسيا مُنذ سنة 1654م بعد إبرام مُعاهدة پيرياسلاڤ التي أصبحت بِموجبها أوكرانيا ولاية خاضعة لِروسيا. وفي عهد كاترين الثانية أخذ بعض كِبار القادة والساسة يرون ضرورة القضاء على الامتيازات التي منحها القياصرة الروس قديمًا لِلقوزاق في سبيل دمجهم دمجًا تامًا مع سائر السُكَّان في المنطقة، كما كان أُسلُوب حياة القوزاق كثيرًا ما يُدخلهم في مشاكل ونزاعات مع الحُكومة الروسيَّة بِسبب ميلهم نحو الحرب والقِتال. وكان هؤلاء القوزاق قد شرعوا قُبيل العهد الكاتريني بِتوطين الأقنان الروس والبولونيين الهاربين في أراضيهم بِزاپوروجيا تحسُبًا لِأي هُجومٍ روسيٍّ مُحتمل على بلادهم، فجعلوا منهم فلَّاحين أحرار مُقابل الحُصول على ولائهم الكامل واستعدادهم لِلقتال إلى جانبهم في حالة أي غزوةٍ روسيَّةٍ مُستقبليَّة، وقد أدَّى هذا الأمر إلى وُصُول عدد الفلَّاحين في زاپوروجيا سنة 1762م إلى 150,000 فلَّاح مُقابل 33,700 قوزاقي.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |الأخير=Magocsi|الأول=Paul Robert|author-link=:en:Paul Robert Magocsi |date=2010 |العنوان=History of Ukraine - 2nd, Revised Edition: The Land and Its Peoples |المسار=https://books.google.com.lb/books?id=Z0mKRsElYNkC&redir_esc=y&hl=en |الناشر=University of Toronto Press |الرقم المعياري=978-1-4426-9879-6}}</ref> من الأساليب التي انتهجتها كاترين الثانية في حل المُشكلة القوزاقيَّة كان دمج كِبار القادة العسكريين منهم في طبقة النُبلاء الروسيَّة وإغراقهم بِالأموال والهدايا والامتيازات في سبيل الحُصُول على ولائهم الكامل، أمَّا القادة الأصغر فجُعلوا من طبقة الفلَّاحين، فما كان منهم إلَّا أن استمرّوا في إيواء الأقنان الهاربين من روسيا وبولونيا بمن فيهم أتباع الثائر على الإمبراطوريَّة [[إميليان بوغاتشيف|إميليان پوگاچيڤ]]، مما جعل عدد هؤلاء القادمين من [[هتمانات القوزاق|الهتمانيَّة]] وحدها يصل إلى 100,000 شخص، الأمر الذي أثار غضب الإمبراطورة على هذه الفئة من القوزاق التي أعلنت من خِلال حركتها هذه تحديها لِكاترين وشقها لِعصا الطاعة.
[[ملف:22. Kozak z golovoju tatarina.jpg|تصغير|يمين|«قوزاقي يحملُ رأس تتري».]]
من الأسباب التي دفعت الروس قبل العهد الكاتريني، وخِلال السنوات الأولى من هذا العهد، إلى تقبُّل نمط حياة القوزاق المُثير لِلمتاعب، هو العداء الكبير الذي كان قائمًا بين الإمبراطوريَّة الروسيَّة و[[الدولة العثمانية|الدولة العُثمانيَّة]]، وخوف الروس المُستمر من غارات وحملات العُثمانيين على السواحل الشماليَّة لِلبحر الأسود، ودعمهم المُستمر [[خانية القرم|لِخانيَّة القرم التتريَّة]] المُسلمة كي تصمد في وجه روسيا، فكان دور القوزاق في هذا المجال أشبه بِدور حرس الحُدود لِصد الهجمات العُثمانيَّة والتتريَّة. لكن لمَّا أُبرمت [[معاهدة كيتشوك كاينارجي|مُعاهدة كُچُك قينارجه]] بين الدولة العُثمانيَّة والإمبراطوريَّة الروسيَّة في سنة 1774م، والتي انتهت بِمُقتضاها [[الحرب الروسية التركية (1768-1774)|الحرب بين الدولتين]]،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان=Ord. Prof. Ömer Lütfi Barkan'a armağan |المؤلف=Ömer Lütfi Barkan |الناشر=Istanbul University |السنة=1985 |الصفحة=48 |اللغة=التركية}}</ref> وضُمَّت خانيَّة القرم بِمُوجبها إلى روسيا، لم يعد لِلروس حاجة في إقامة خُطوط دفاع جنوبيَّة لِلبلاد، فاستغنت الحُكومة عن خدمات القوزاق، وأمرت الإمبراطورة باستحداث حاكميَّة جديدة أُطلق عليها تسمية «روسيا الجديدة» تضم القرم وقسمًا من جنوب أوكرانيا بِمُحاذاة زاپوروجيا، وأخذ المُستوطنون يتوافدون عليها ويُشيدون المُستعمرات فيها، ومن أبرز تلك المُستعمرات مُستعمرة «صربيا الجديدة»، التي أسسها مُستوطنون صرب هاربون من تُخُوم [[ملكية هابسبورغ|مملكة هابسبورگ النمساويَّة]]. وكانت تلك المُستعمرة مُلاصقة لِزاپوروجيا القوزاقيَّة، ممَّا أدَّى إلى دُخول الصرب والقوزاق في نزاعاتٍ عنيفةٍ حول ملكيَّة الأراضي.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأخير=Subtelny|الأول=Orest|وصلة المؤلف=:en:Orest Subtelny|العنوان=Ukraine: A History|المسار=http://books.google.com/books?id=l5uiWHgRphQC|السنة=2000|الصفحات=187-188|الناشر=University of Toronto Press|الرقم المعياري=978-0-8020-8390-6}}</ref> بعد تفاقم النزاعات والاقتتالات بين المُستوطنين الجُدد والقوزاق، وبعد اقتناع الإمبراطورة بِعدم حاجة روسيا إلى هذه الفئة بعد الآن، اجتمعت كاترين الثانية بِمُستشاريها الذين أيَّدوا رأيها، وأصدروا بيانًا بِضرورة إنهاء استقلال القوزاق والقضاء عليهم، وذلك يوم [[7 مايو|7 أيَّار (مايو)]] [[1775]]م. بناءً على هذا، أُعطيت الأوامر إلى القائد بُطرس تيكلي لِلتقدُّم على رأس قُوَّةٍ عسكريَّةٍ لاحتلال الحصن الرئيسي (حصن السيچ) لِلقوزاق في زاپوروجيا وتسويته بِالأرض، وأُبقي هذا القرار سريًّاسريًا على العساكر الروسيَّة العائدة من حربها مع العُثمانيين، حيثُ حُرِّك 31 فوجًا منها (65,000 جُندي) مُباشرةً نحو البلاد القوزاقيَّة. وفي يوم 15 أيَّار (مايو)، أعطى گریگوريگريگوري پوتمکینپوتمكين (الذي كان بدوره قوزاقيًّاقوزاقيًا شرفيًّاشرفيًا قبل بضع سنوات) أوامره إلى القائد بُطرس تيكلي بِبدء الهُجوم.<ref group="ْ">NG.ru, Whose Knights were Zaporozhians by Alexander Shirokorad, June 8, 2007 [http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:FegUNISUOHMJ:nvo.ng.ru/notes/2007-06-08/8_zapor.html+Грицко+Нечеса+Потемкин&hl=en&ct=clnk&cd=2&gl=uk Retrieved October 17, 2007]</ref> بِدوره، كان پوتمکینپوتمكين قد تلقَّى أوامره من الإمبراطورة كاترين لِتصفية القوزاق تمامًا، وهو ما ذكرته بنفسها في بيانها المُوجَّه لِلشعب يوم 8 آب (أغسطس) 1775م:
{{اقتباس خاص|لِيكُن معلومًا بِهذا البيان المُوجَّه لِإمبراطوريَّتنا ورعايانا المُخلصين أنَّ حصن السيچ الزاپوروجي قد دُمِّر وانتهى أمره، وأنَّ القوزاق الزاپوروجيين لم يعد لهم وُجودٌ أيضًا، وأنَّ أيُّ ذِكرٍ لِهؤلاء القوم لن يُعتبر أقل من إهانةٍ إلى سُدَّتنا المُلوكيَّة، بِسبب أفعالهم وعصيانهم وامتناعهم عن إطاعة أوامر جلالتنا الملكيَّة.<ref group="ْ">Magazine Museums of Ukraine [http://www.museum-ukraine.org.ua/index.php?go=News&file=print&id=1418 Manifesto of Catherine II on Destruction of Zaporozhian Sich] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20120209084917/http://www.museum-ukraine.org.ua/index.php?go=News&file=print&id=1418 |date=09 فبراير 2012}}</ref>}}
يوم 5 حُزيران (يونيو) 1775م، قسَّم بُطرس تيكلي قُوَّاته إلى خمسة كتائب وحاصر الحصن الرئيسي لِلقوازق بِالمُشاة والمدفعيَّة. ولم يكن القوزاق قادرين على صد الهُجوم الروسي بعد أن ضعُفت قُدراتهم القتاليَّة بسبب فترة السلام الطويلة نسبيًّانسبيًا التي عاشوها بعد توقُّف الأعمال الحربيَّة مع العُثمانيين، ولمَّا رأوا الروس قد ضربوا الحصار عليهم تأكدوا من أنَّ هؤلاء عازمين على إفنائهم. أرسل القائد الروسي إلى زعيم القوزاق بُطرس كالنيشڤيسكي يُعطيه مهلة ساعتين فقط لِيرُد على [[بلاغ نهائي|البلاغ النهائي]] لِلإمبراطورة، فإمَّا الطاعة أو الفناء، وفي غُضون ذلك تمكَّن حوالي خمسة آلاف قوزاقي (حوالي 30% من القوزاق الزاپوروجيّون)<ref group="ْ">Taras Chukhlib ''Alexander Suvorov in Ukrainian history'', Pravda.org.ua [http://knsuvorov.narod.ru/text/ukr.html Retrieved on 21 April] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20090825220103/http://knsuvorov.narod.ru:80/text/ukr.html |date=25 أغسطس 2009}}</ref> من الهرب ناحية [[دلتا الدانوب|دلتا الطونة (الدانوب)]] حيثُ دخلوا في طاعة الدولة العُثمانيَّة. ولمَّا عرف القائد الروسي بِهذا الأمر هاجم من تبقَّى من القوزاق في الحصن ودكَّه دكًا، وقُتل في هذا الهجوم خلقٌ كثير واستسلم آخرون، فنُفي زُعماء القوزاق وكبار قادتهم إلى أماكن مُختلفة، فيما سُمح لِصغار القادة والجُنود بالانضمام إلى وحدتيّ الهوصار والخيَّالة في [[الجيش الإمبراطوري الروسي|الجيش الروسي]]. وبهذا، شرعت روسيا خِلال الفترة المُمتدة بين سنتيّ 1783 و1785م بِتطبيق الإصلاحات الإداريَّة في المناطق التي كان القوزاق يقطنوها.
 
=== السياسة الاقتصاديَّة ===
سطر 200:
بِالإجمال، فإنَّ نسبة الصادرات الروسيَّة إلى الدُول الأوروپيَّة الغربيَّة ارتفعت بشكلٍ ملحوظ خِلال هذه الفترة، وتخصصت بعض تلك الدُول باستيراد كميَّات كبيرة من بضائع مُحددة، فقد استأثرت بريطانيا بِحصَّة الأسد من صادرات [[قماش|الأقمشة]] والأنسجة الروسيَّة، بينما تصدَّر [[حديد|الحديد الخام]] و[[حديد زهر|الحديد الزهر]] قائمة الصادرات الروسيَّة إلى بُلدانٍ أُخرى، كما ارتفعت نسبة الطلب على الحديد في الأسواق المحليَّة بشكلٍ كبير.<ref name="ev">Бердышев С. Н. Екатерина Великая. — М.: Мир книги, 2007. — 240 с.</ref> أضف إلى ذلك، لوحظ ارتفاعٌ واضحٌ في نسبة الصادرات من المواد الأوليَّة، ومنها: الأخشاب (تضاعفت 5 مرَّات)، و[[قنب|القنَّب]]، وشعر المواشي وأصوافها، وغير ذلك من المواد، إلى جانب [[حنطة|الحنطة]].<ref>Рожков Н. Русская история в сравнительно-историческом освещении (основы социальной динамики) Ленинград — Москва, 1928, т. 7, с. 41</ref> وبِحُلول سنة 1790م كان حجم الصادرات الروسيَّة قد بلغ 39.6 ملايين روبل، مُقارنةً بِحوالي 13.9 ملايين روبل سنة 1760م.<ref name=autogenerated17>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 304—305</ref> كان العداء الروسي العُثماني إحدى أسباب إغلاق العُثمانيين لِمضيقيّ [[البوسفور]] و[[الدردنيل]] أمام الروس لِمنعهم من العُبور إلى [[البحر المتوسط|البحر المُتوسِّط]] وحرمانهم من مُمارسة الأعمال التجاريَّة فيه، أمَّا بعد إبرام الصُلح بين الدولتين، تمكَّنت روسيا من أن تنفذ إلى البحر سالِف الذِكر،<ref name="ev"/> على أنَّ عدد سُفنها فيه كان قليلًا جدًا بِالمُقارنة مع سُفنها في بِحار الشمال، فقد شكَّلت 7% فقط من إجمالي السُفن التجاريَّة الروسيَّة في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل التاسع عشر؛ لكن بِالمُقابل شهد العهد الكاتريني ارتفاع عدد السُفن التجاريَّة الأجنبيَّة المُبحرة في المُتوسِّط تحت الراية الروسيَّة، أو المأجورة من قِبل المرافئ الروسيَّة، من 1340 سفينة إلى 2430 سفينة.<ref group="ْ">Russie a la fin du 19e siecle, sous dir. de M.Kowalevsky. Paris, 1900, pp. 687, 691</ref>
 
يقول المُؤرِّخ الاقتصادي الروسي نِقولا روسخوڤ أنَّ غالبيَّة الصادرات الروسيَّة في العهد الكاتريني كانت عبارة عن موادٍ أوليَّةٍ أو مُنتجاتٍ شبه جاهزة، أمَّا المُنتجات الصادرة الكاملة فكانت معدومة أو شبه معدومة، وأنَّ ما بين 80 و90% من المُنتجات الجاهزة في روسيا كانت في واقع الأمر مُستوردة من أوروپَّا الغربيَّة،<ref>Рожков Н. А. Русская история в сравнительно-историческом освещении (основы социальной динамики) Ленинград — Москва, 1928, т. 7, с. 41</ref> ممَّا يعني أنَّ كميَّة الواردات كانت تفوق كميَّة البضائع المُصنَّعة محليًّامحليًا بشكلٍ كبيرٍ جدًا. ويُضيف، أنَّهُ بناءً على هذه المُعطيات يُمكن القول بأنَّ حجم الصناعات الروسيَّة المحليَّة في سنة 1773م كان هو نفسه حجم سنة 1765م، عندما تولَّت كاترين العرش، أي كان يصل إلى 2.9 ملايين روبل، بينما كانت كميَّة الواردات خِلال هذه السنوات تُقدَّر بِحوالي 10 ملايين روبل.<ref>Чечулин Н. Д. Очерки по истории русских финансов в царствование Екатерины II. С-Петербург, 1906, с. 222</ref> يقولُ روسخوڤ أيضًا أنَّ الصناعة في روسيا استمرَّت بدائيَّة ويدويَّة في العهد الكاتريني،<ref>Струмилин С. Г. Очерки экономической истории России. М. 1960, с. 399—400</ref> عكس ما كان يحصل في الدُول الأوروپيَّة التي كانت تتحوَّل تدريجيًّاتدريجيًا إلى استخدام الآلات لِإنتاج أعدادٍ أكبر من البضائع، أمَّا روسيا فبالكاد عرفت استخدام الآلات الصناعيَّة، الأمر الذي أدَّى إلى عدم مقدرة المصانع والورش على تلبية كامل احتياجات السوق من المُنتجات المُختلفة، فعلى سبيل المِثال كانت حاجة الجيش الهائلة لِلأقمشة تستوجب على الدولة شراءها من الخارج نظرًا لِعدم قُدرة ورش الخياطة الروسيَّة على تغطية هذا الطلب سنة وراء أُخرى، كما أنَّ الأقمشة الروسيَّة كانت غالبًا من نوعيَّةٍ رديئةٍ مما جعل العامَّة والخاصَّة يُحبذون شراء الأقمشة الأوروپيَّة.<ref>Туган-Барановский М. Русская фабрика. М.-Л., 1934, с. 60-62</ref> ويبدو أنَّ كاترين نفسها لم تكن على درايةٍ بِأهميَّة وضرورة الثورة الصناعيَّة الدائرة في الغرب، فلم تسعَ إلى دعم المُخترعين الروس كونها اعتبرت حُلول الآلات مكان الأيدي العاملة مُضرٌّ لِلإمبراطوريَّة كونه يتسبب بِبطالة الكثير من الناس.<ref name=autogenerated17/> يُضيف روسخوڤ قائلًا أنَّ أعظم الصادرات الروسيَّة في عهد كاترين، وهي الأنسجة والحديد الزهر، كانت تُصنَّع باستخدام الطُرق البدائيَّة القديمة دون أي استخدامٍ لِلآلات كما كان يحصل في الغرب، ممَّا جعل كميَّة المُنتجات محدودة، وأدَّى بِالتالي إلى أزمةٍ كبيرةٍ دبَّت في كِلا الصناعتين بعد وفاة كاترين مُباشرةً.<ref>Туган-Барановский М. Русская фабрика. М.-Л., 1934, с. 59</ref><ref group="ْ">Wallerstein I. The Modern World-System III. The Second Era of Great Expansion of the Capitalist World-Economy, 1730-1840s. San Diego, 1989, p.142</ref>
[[ملف:Gerbv.png|تصغير|شِعار الجمعيَّة الاقتصاديَّة الحُرَّة التي أسستها كاترين الثانية في سبيل نشر ودعم الأفكار التجاريَّة الليبراليَّة.]]
يُلاحظُ أنَّ سياسة كاترين الثانية الاقتصاديَّة تحوَّلت تدريجيًّاتدريجيًا من [[حمائية|حمائيَّة]]، كما كان الأمر على عهد الإمبراطورة أليصابت بِهدف تثبيط الواردات، إلى [[ليبرالية اقتصادية|ليبراليَّة]] مُطلقة تدعم التجارة الحُرَّة والتنافُس، ويعتبرُ بعض المُؤرخين أنَّ سبب هذه النقلة النوعيَّة هو تأثُّر كاترين بِأفكار أصحاب [[فيزيوقراطية|المذهب الطبيعي (الفيزيوقراطي)]]<ref>Туган-Барановский М. Русская фабрика. М.-Л., 1934, с. 37</ref> الذين قالوا بِحُريَّة الصناعة والتجارة وبأنَّ الأرض هي مصدر الثروة كُلَّها.<ref group="ْ">{{مرجع ويب|العنوان=physiocrat|المسار=http://www.oxforddictionaries.com/definition/english/physiocrat?q=physiocracy#physiocrat__5|العمل=Oxford Dictionaries|الناشر=Oxford University Press|تاريخ الوصول=27 October 2013}}</ref> فقد أقدمت الإمبراطورة الروسيَّة في بداية عهدها على إبطال حظر تصدير الغِلال والحنطة إلى الخارج، فأخذ تصديرُها مُنذ ذلك الحين ينمو شيئًا فشيئًا، كما أزالت الحواجز والقُيُود التي كانت مفروضة على التُجَّار الأجانب في سبيل تشجيع المُنافسة وإرغام التُجَّار والصناعيين والحرفيين الروس على تحسين مُستوى إنتاجيَّتهم. وفي سنة 1765م أقدمت على تأسيس «الجمعيَّة الاقتصاديَّة الحُرَّة» التي كانت تنشر الأفكار والمبادئ التجاريَّة الليبراليَّة في دوريَّتها الشهريَّة. وفي سنة 1766م أصدرت كاترين تعريفة جُمرُكيَّة جديدة أقل قيمةً من التعريفة الحمائيَّة القديمة الصادرة 1757م، والتي كانت تتراوح بين 60% و100% من ثمن البضائع المُستوردة، كما عاودت سنة 1782م تخفيض تلك التعريفة مُجددًا حتَّى وصلت إلى 10% من ثمن البضائع، مُقارنةَ بِالتعريفة الحمائيَّة «الوسطيَّة» لِسنة 1766م والتي كانت تبلغ 30% من ثمن البضائع المُستوردة.<ref>Чечулин Н. Д. Очерки по истории русских финансов в царствование Екатерины II. С-Петербург, 1906, с. 208, 211, 215</ref>
[[ملف:Russia 1771 Sestroretsk Rouble.jpg|تصغير|يمين|275بك|روبل نُحاسي صافٍ ضُرب في عهد كاترين الثانية (سنة 1771م) بِقطرٍ يبلغ {{حول|77|mm|in|frac=100}} وسماكةٍ تصلُ إلى {{حول|26|mm|in|frac=100}} وزنتة {{حول|1.022|kg|lb|abbr=on}}. لِيكون بِهذا أكبر وأثقل سكَّةٍ نُحاسيَّة صدرت عبر التاريخ.<ref group="ْ">{{Citation | العنوان = Catherine II. Novodel Sestroretsk Rouble 1771|الناشر =Heritage Auctions| المسار = http://coins.ha.com/itm/russia/russia-catherine-ii-novodel-sestroretsk-rouble-1771-romanov-eagle-with-date-on-breast-within-wreath-crown-over-value-in-two-line/a/410-14564.s?type=| تاريخ الوصول = 1 September 2015}}</ref>]]
ازدهرت الزراعة في العهد الكاتريني وارتفعت نسبة المُنتجات الزراعيَّة بشكلٍ ملحوظ، ومردُّ ذلك هو اكتساب الإمبراطوريَّة المزيد من الأراضي والبلاد ذات التُربة الخصبة والمُناخ المُعتدل نسبيًّا،نسبيًا، من خِلال توسُعاتها وحملاتها العسكريَّة. وقد حاولت كاترين من خِلال الجمعيَّة الاقتصاديَّة الحُرَّة تشجيع المُزارعين والفلَّاحين على اعتماد طُرق وأساليب زراعيَّة جديدة من شأنها تكثيف الانتاج الزراعي، لكنَّ هذه المُحاولة لم تلقَ نجاحًا كبيرًا، وبقي أغلب المُزارعين يعتمدون على طُرُقهم البدائيَّة.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 295</ref> عانت روسيا خِلال السنوات الأولى من العهد الكاتريني من مجاعة اشتدَّت وظهر أثرها بشكلٍ جليٍّ في الأرياف خاصَّةً، وقيل بأنَّ سببها كان هلاك المحاصيل واختفاء الغلال من الأسواق، إلَّا أنَّ المُؤرِّخ المُعاصر ميخائيل پوكروڤسكي يربط بين بدايات المجاعة وازدياد نسبة الصادرات الزراعيَّة الروسيَّة - وخُصوصًا الحنطة - نحو أوروپَّا، وبالتالي، لعلَّ حُصُول المجاعة مردُّه التصدير المُكثَّف لِلمحاصيل بحيثُ لم يبقَ ما يكفي لِسد حاجات الشعب الروسي الغذائيَّة. تسببت المجاعة بِهجرة الكثير من الفلَّاحين من أراضيهم ومزارعهم ناحية المُدن الكُبرى في وسط القسم الأوروپي من روسيا، مثل [[موسكو]] و[[سمولينسك]] و[[كالوغا|كالوگا]]، وأدَّى هذا بِدوره إلى ازدياد نسبة الفُقر والبُؤس، وارتفعت أسعار الخُبز ارتفاعًا فاحشًا، فبعد أن كانت تصلُ إلى 86 كوبيل في سنة 1760م، أصبحت بِحُلول سنة 1773م 2.19 روبل، وعاودت الارتفاع مُجددًا حتَّى أصبحت بِحُلول سنة 1788م تصلُ إلى 7 روبلات، أي ازدادت بِحوالي 8 مرَّات.<ref>Покровский М. Н. Русская история с древнейших времен. При участии Н.Никольского и В.Сторожева. Москва, 1911, т. 4, с. 91-92, 106—113</ref>
[[ملف:25 rublej 1769 goda..jpg|تصغير|عملة ورقيَّة روسيَّة من فئة 25 روبل صدرت سنة 1769م.]]
سنة 1768م أمرت كاترين بِإنشاء مصرفٍ خاصٍ بِالدولة مُهمَّتهُ إصدار نقدٍ ورقيٍّ لِلتداول به عوض النقد المعدنيّ. فافتُتح في السنة التالية (1769م) في بطرسبرغ وموسكو، ثُمَّ افتُتحت في السنوات التالية عدَّة فُروع لِهذا المصرف في البلدات والمُدن الرئيسيَّة عبر مُختلف أنحاء الإمبراطوريَّة. وقد أصدر المصرف أوراقًا ماليَّة بِقيمة 100 و75 و50 و25 روبل، كانت تُمنح لِلناس عند إيداعهم مبالغ مُماثلة بِالقطع النقديَّة النُحاسيَّة.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |الأخير1=Cuhaj |الأول1=George S. |السنة=2010|العنوان=Paper Money General Issues 1368-1960|work= |volume= |issue= |الصفحة =1017 |الناشر=Krause Publications |doi= |المسار= http://books.google.com/books/about/Standard_Catalog_Of_World_Paper_Money_Ge.html?id=BuNA39dnuHsC |تاريخ الوصول=|الإصدار=13|الرقم المعياري=978-1-4402-1293-2}}</ref> أمَّا سبب اعتماد النقد الورقي في روسيا في ذلك الوقت فكان بِسبب صرف الحُكومة مبالغ طائلة على سلاح وعتاد الجيش الذي كان يخوض حربًا ضدَّ العُثمانيين، ممَّا أدَّى إلى حُصول نقصٍ في مخزون الدولة من الفضَّة.<ref>Чечулин Н. Д. Очерки по истории русских финансов в царствование Екатерины II. С-Петербург, 1906, с. 323, 373, 364, 87</ref> وقد أدَّى تناقص النُقود الفضيَّة ونُدرتها في الأسواق وكثرة النُقود النُحاسيَّة إلى صُعوبة دفع المبالغ الضخمة المُستحقة لِأصحابها وشراء البضائع، بِسبب صُعوبة جمع تلك المبالغ بما هو موجود من العُملات النحُاسيَّة، لِذا رأت الإمبراطورة أنَّهُ لا بُد من إصدار صُكوكٍ مُعيَّنة تُغطي قيمة المُعاملات الاقتصاديَّة الكبيرة. على أنَّ رأسمال المصرف سالِف الذكر لم يتجاوز مليون روبل نُحاسيَّة في فرعيه بِموسكو وبُطرسبرغ، ممَّا جعل قيمة الصُكوك الصادرة محصورة بِمليون روبل فقط.
سطر 210:
=== الفساد والمحسوبيَّات ===
حين تربَّعت كاترين الثانية على عرش روسيا، كان مبدأ رِشوة الموظفين العُموميين والسياسيين قد تجذَّر في نُفوس الناس، بحيثُ أصبحت مصالحهم الإداريَّة لا تنقضي إلَّا من خِلال هذا الأُسلوب، كما تجذَّر الفساد في نُفوس هؤلاء المُوظفين والساسة، وأصبح التلاعب بِالقوانين والالتفاف حولها وسيلة حياةٍ طبيعيَّةٍ بالنسبة لهم، وهو ما أشارت له كاترين في مُذكراتها. وبِتاريخ 18 تمُّوز (يوليو) 1762م، أي بعد ثلاثة أسابيع فقط من تربُّعها على العرش، أصدرت كاترين بيانًا أشارت فيه إلى استغلال بعض الموظفين والسياسيين لِمناصبهم في سبيل ابتزاز الناس وتحقيق مصالحهم الشخصيَّة، وأنَّها قد عقدت العزم على مُحاربة هذه الفئة واستئصالها من الإدارات الحُكوميَّة. يقُولُ المُؤرِّخ الروسي ڤاسيلي بيلباسوڤ أنَّ كاترين أقنعت نفسها لاحقًا بِغض البصر عن هذه القضيَّة لِأنَّ استئصال هذه المشاكل من جسم الحُكومة الروسيَّة لا يقتصر فقط على إصدار البيانات ووُجود نيَّة قويَّة بِالتغيير، بل لا بُد من إصلاحٍ شاملٍ لِكُل النظام السياسي في الإمبراطوريَّة، وهو أمرٌ لم يكن في نيَّتها فعله حينها ولا حتَّى لاحقًا، في سبيل تثبيت نُفوذها المُطلق في البلاد.<ref>Бильбасов В. А. История Екатерины Второй. Берлин, 1900, т 2, с. 208, 212</ref> من الأمثلة المعروفة عن الفساد السياسي والإداري في العهد الكاتريني: قيام الحاكم العسكري وعُضو مجلس الشُيُوخ إسكندر إيڤانوڤيچ اگليبوڤ بِمُصادرة أفضل أنواع النبيذ من أصحاب المخامر ومُزارعي الكُروم وإعادة بيعها إليهم عند ارتفاع الطلب عليها أو بعد مُرور فترة إضافيَّة عليها بحيثُ تكون قد تخمَّرت وارتفعت جودتها وأثمانها. أيضًا، كانت بعض كتائب الحرس القوزاقيَّة تفرض على التُجَّار خُوَّات مُعيَّنة لِقاء حمايتهم وأرزاقهم من اللُصوص، وكان الحرس القوزاقيُّون كثيرًا ما يعتدون على التُجَّار ويسلبونهم أموالهم بِالقُوَّة بِحال رفضوا دفع الخُوَّة المُستحقة عليهم، ووصل الأمر ببعضهم إلى سبي نساء وبنات بعض التُجَّار بدلًا من الانتظار لِلحُصول على مالهم.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 82-86</ref>
[[ملف:Rostopchin Fyodor Vasilyevich.jpg|تصغير|الكونت تُيُودور راستوپشين الذي تحدَّث عن المفاسد والمحسوبيَّات في الحُكومة والإدارات الروسيَّة خِلال عهد كاترين الثانية.<br /> بريشة الرسَّام الإيطالي سلڤاتور تونسي.]]
تُشيرُ بعض المراجع إلى ضُلوع گریگوريگريگوري پوتمکینپوتمكين - خليل كاترين الثانية - في عدَّة قضايا فساد، فقد ورد في تقريرٍ لِلسفير البريطاني في روسيا آنذاك أنَّ پوتمکینپوتمكين دفع بعض المُستحقات الحُكوميَّة على شكل براميل من النبيذ الفاخر مُخالفًا بِذلك إرادة مجلس الشُيوخ الذي نصَّ على عدم جواز ذلك.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 365</ref> وخِلال الفترة المُمتدَّة بين سنتيّ 1785 و1786م، أقدم خليلٌ آخر لِكاترين، وهو إسكندر يرمولوڤ المُعاون السابق لِپوتمکین،لِپوتمكين، أقدم على اختلاس الأموال المُخصصة لِتنمية بلاد [[روسيا البيضاء]]، وقد اعتذر پوتمکینپوتمكين نيابةً عنه إلى الإمبراطورة قائلًا أنَّ مُعاونه لم يفعل شيئًا سوى «اقتراض» تلك الأموال من خزينة الدولة.<ref>Труайя А. Екатерина Великая. Москва, 2007, с. 355</ref> كذلك، يُشير المُؤرِّخ الألماني تُيودور گريسنجر أنَّ پوتمکینپوتمكين تلقَّى رشاوى وهدايا قيِّمة كثيرة من [[يسوعيون|الرهبنة اليسوعيَّة]] حتَّى سمح لِليسوعيين بِإقامة مركزٍ لهم في روسيا، بعد أن كانت رهبنتهم قد حُظرت في جميع أنحاء أوروپَّا.<ref>Гризингер Т. Иезуиты. Полная история их явных и тайных деяний от основания ордена до настоящего времени. Минск, 2004, с.487</ref> يقول المُؤرِّخ نِقولا پاڤلنكو أنَّ كاترين الثانية أظهرت لينًا كبيرًا بل مُبالغًا فيه عند التعامل مع حاشيتها المُقرَّبة منها المُتورِّطة بِقضايا فساد، فلم يقتصر تعامُلها بِاللين مع خِلَّانها وعُشَّاقها فقط، بل تخطَّتهم إلى كِبار المسؤولين في الإمبراطوريَّة. فعلى سبيل المثال، اكتفت الإمبراطورة بِعزل الحاكم العسكري إسكندر إيڤانوڤيچ اگليبوڤ من منصبه سنة 1764م دون أن يُقدَّم لِلمُحاكمة أو لِلتحقيق، على الرُغم من وُجود العديد من الشكاوى والعرائض المرفوعة ضدَّه. ومن الأمثلة على ذلك أيضًا أنَّ حاكم موسكو الضابط سيرگاي صالتيكوڤ (وهو أحد عُشَّاق الإمبراطورة كذلك) فرَّ هاربًا من المدينة بعد شُيُوع أعمال الشغب والخراب فيها نتيجة انتشار [[طاعون دبلي|الطاعون الدبلي]] في رُبوعها سنة 1771م، بدل أن يعمل على ضبط الأهالي ومُكافحة الوباء القاتل، فكتبت إليه الإمبراطورة تعزله من منصبه فحسب بناءً على طلبه دون أن تأمر بِمُعاقبته لِعدم أدائه واجبه، ففرَّ إلى الأرياف المُحيطة بِالمدينة تاركًا إيَّاها تحت رحمة الغوغاء.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 332</ref> وبِهذا، يُمكن القول أنَّهُ على الرُغم من كُل المبالغ والجُهود التي بذلتها كاترين الثانية لِإصلاح النظام البيروقراطي بِالإمبراطوريَّة فإنَّ الفساد الإداري استمرَّ قائمًا طيلة عهدها ولم تتراجع نسبته. وقُبيل وفاتها بِبضعة شُهور، وصف الكونت تُيُودور راستوپشين أوضاع البيروقراطيين الروس في مُذكراته، فقال: {{اقتباس مضمن|إنَّ هذه الفئة لم تكن يومًا بِهذا الانحطاط، إذ بلغت بهم الوقاحة حُدودًا غير مسبوقة، وهم يتمتعون بِحصانةٍ تامَّة فلا يقدر أحد على مسِّهم. مُنذ ثلاثة أيَّامٍ فقط عُيِّن الأمين العام لِلجنة العسكريَّة المدعو كوڤالينسكي حاكمًا على [[ريازان]]، وهو رجلٌ مُرتشٍ ومُختلس، لكنَّ تعيينه جاء كون شقيقه، وهو حقيرٌ مثله، صديقٌ مُقرَّبٌ من أدريان اگريبوڤسكي مُدير مكتب پلاتون زوبوڤ عشيق الإمبراطورة}}. كذلك أضاف قائلًا أنَّ القائد العسكري المُبجَّل في روسيا لانتصاراته على العُثمانيين يُوسُف ديريباس، كان يختلس من الدولة 500,000 روبل سنويًّاسنويًا.<ref>Казимир Валишевский. Екатерина Великая (Роман императрицы), кн.3, ч.1, гл.3, IV</ref>
 
يقول المُؤرِّخ نِقولا پاڤلنكو أنَّ كُل السرقات والرشاوى والاختلاسات التي تلقاها أو قام بها المُقربون من كاترين زعموا بِأنها كانت لِصالح الدولة أو لِخدمة الصالح العام وتحقيق منفعة مُحددة، إلَّا أنَّه من الواضح جدًا أنَّ هذا لم يكن صحيحًا، وأنَّ كُل تلك الفئة ما كانت لِتتردد أن تختلس أو تنهب خزينة الدولة وأموال الشعب الروسي طالما كان ذلك يُحقق مصلحةً لها.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 355</ref> بعضُ مظاهر الفساد في العهد الكاتريني لم تكن قاصرة على الاختلاس ونهب الأموال العامَّة، بل تمثَّلت بالتبذير المُبالغ فيه، حتَّى وُصفت مصاريف عُشَّاقها والمُقربين منها بأنها أقرب إلى مصاريف المُؤسسات العامَّة وليس الأفراد،<ref>Казимир Валишевский. Екатерина Великая (Роман императрицы), кн.3, ч.2, гл.3, I</ref> وقد قدَّر بعض المُعاصرين لِعهد كاترين المصاريف الخاصَّة والأموال المدفوعة لِأحد عشر مُقربًا منها فقط بِحوالي 92 مليون و820 ألف روبل،<ref>Труайя А. Екатерина Великая. Москва, 2007, с. 409</ref><ref name=autogenerated19>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 389</ref> أي أنَّها فاقت الميزانيَّة السنويَّة لِلإمبراطوريَّة بِعدَّة أضعاف، وقورن هذا المبلغ بِمجموع الدُيون الداخليَّة والخارجيَّة التي ترتبت على عاتق الإمبراطوريَّة في أواخر العهد الكاتريني. وصف نِقولا پاڤلنكو هذا الأمر بِأنَّ كاترين كانت «تشتري حُب وإخلاص المُقرَّبين منها»، وبأنَّ هذا الأمر كُلُّه كان عِبارة عن «لُعبةٍ غراميَّة» كلَّفت روسيا غاليًا.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 389, 371</ref> أضف إلى ذلك، لم يقتصر الفساد والمحسوبيَّات على الماديَّات من المُكافآت، بل تخطاه إلى المعنويَّات منها، إذ ترفَّع الكثير من الضُبَّاط والقادة العسكريين في مراكزهم دون أن يكونوا أهلًا لِذلك، مما ترك صُورة وانطباعًا سلبيًّاسلبيًا عن الجيش الروسي وقلَّل من كفائته وقُدراته العسكريَّة والاستراتيجيَّة. من أبرز الأمثلة على ذلك أنَّ أحد العُشَّاق الشباب لِلإمبراطورة، المدعو إسكندر لانسكوي، حصل - بعد أن أمضى معها ما بين 3 إلى 4 سنوات من المُغامرات العاطفيَّة - على نيشان فُرسان القديس إسكندر نيڤيتسكي، ونيشان فُرسان القديسة حنَّة، وعلى رُتبة [[فريق (رتبة عسكرية)|فريق]] في الجيش ثُمَّ ترقَّى وأصبح قائدًا عامًّا،عامًا، كما حصل على نيشان فُرسان العُقاب الأبيض البولوني، ونيشان نجمة الشمال السُويدي، وجمع 7 ملايين روبل، مع العلم أنَّهُ كان عديم الخبرة في المجال العسكري ولم يقم بِأي نشاطٍ يستوجب حُصوله على أي تقديرٍ من الحُكومة.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 376</ref> ذكرت إحدى الدبلوماسيَّات الفرنسيَّات في مُذكراتها أنَّ پلاتون زوبوڤ عشيق الإمبراطورة سالِف الذِكر كان قد تقلَّد الكثير من الجوائز والتقديرات بحيثُ كان عندما يتقلَّدها يبدو لِلناظر إليه وكأنَّهُ «بائعُ أوسمة ونياشين وأشرطة».<ref>Труайя А. Екатерина Великая. Москва, 2007, с. 430</ref>
[[ملف:Election of Stanisław August Poniatowski in 1764 (detail).PNG|تصغير|حفل انتخاب ستانيسواڤ أغسطس پونياتوڤسكي ملكًا على بولونيا سنة 1764م، بعد أن حصل على كامل الدعم من كاترين الثانية.]]
كانت كاترين شديدة البذخ والعطاء مع الأشخاص المُفضلين لديها، حتَّى قيل أنَّ كرمها معهم لم يكن يعرفُ حُدودًا، وقد امتدَّ بذخها هذا في بعض الأحيان إلى أشخاصٍ مُقربين من البلاط الروسي وإلى عائلاتهم وأقربائهم أيضًا، إلى جانب بعض الأرستقراطيين الأجانب. فعلى سبيل المِثال، يُعرف أنَّ الإمبراطورة هذه منحت حوالي 800 من الأقنان إلى المُقربين منها طيلة عهدها، وخصصت راتبًا سنويًّاسنويًا لابنة أخت گریگوريگريگوري پوتمکینپوتمكين يصلُ إلى 100 ألف روبل، ولمَّا تزوَّجت هذه الأخيرة أنعمت عليها وعلى زوجها بِمليون روبل.<ref>Казимир Валишевский. Екатерина Великая (Роман императрицы), кн.3, ч.1, гл.1, III</ref> وكان بعضُ أفراد البلاط الفرنسي والطبقة الأرستقراطيَّة الفرنسيَّة دائمي الحُضُور في البلاط الروسي لِيحصلوا على ما خصصته الإمبراطورة لهم من الأموال والهدايا، حتَّى قيل بأنَّ حُضورهم كان أشبه بِالموعد الدائم، ومن أبرز هؤلاء: لويس أغسطس بارون بروتاي، و[[عائلة ناساو - فيلبيورخ|أمير ناساو]]، ومارك ماري مركيز بومبل، والسياسي شارل إسكندر دي كالون، وأمير أسترازي، وكونت سان پري، وغيرهم. ومن الأمثلة على ما كان يتلقاه هؤلاء من الهدايا المبلغ الذي كان يأخذه أمير أسترازي والمُقدَّر بِمليونيّ روبل.<ref>Казимир Валишевский. Екатерина Великая (Роман императрицы), кн. 2, ч. 2, гл. 3, III</ref> إلى جانب هؤلاء، خصَّصت كاترين مبالغ طائلة من المال إلى النُبلاء البولونيين والأُسرة الحاكمة في بولونيا، بمن فيهم الملك [[ستانيسواف أغسطس بونياتوفسكي|ستانيسواڤ أغسطس پونياتوڤسكي]] (الذي كان عشيقًا سابقًا لها أيضًا)، ووصف البعض هذا الفعل بِأنَّهُ «زرع» الملك سالِف الذِكر زرعًا على العرش البولوني، إذ يُعرف أنَّهُ بعد وفاة الملك السابق أغسطس الثالث، ألقت كاترين بِكامل ثقلها ونُفوذها في بولونيا لِضمان انتخاب عشيقها خلفًا لِلملك الراحل، وما كان ذلك لِيحصل لولا إغداقها الأموال والهدايا على النُبلاء البولونيين أصحاب الحل والربط في البلاد،<ref name=autogenerated27>Ключевский В. О. Курс русской истории. Лекция LXXVI</ref> وكانت هذه السياسة نفسها هي التي ضمنت لها رضى وقُبول هذه الطبقة باقتسام بلادها لاحقًا.<ref name=autogenerated5>Грабеньский В. История польского народа. Минск, 2006, с. 496</ref>
 
=== العلم والتعليم والطبابة ===
كانت كاترين تطمح بِتطبيق نُظم التعليم الأوروپيَّة الغربيَّة في روسيا، وأن تُحيط نفسها بِثُلَّةٍ من العُلماء والمُفكرين أصحاب الفكر التنويري الغربي،<ref group="ْ">Max, "If these walls....Smolny's Repreated Roles in History," Russian Life (2006) : 19–24.</ref> وآمنت أنَّ «فئةً جديدةً من البشر» ستنشأ بِحال تربَّى الأطفال الروس على المبادئ والقيم الأوروپيَّة وتلقوا تعليمًا أوروپيًّاأوروپيًا. واعتقدت بِأنَّ هذا الشكل من التعليم من شأنه أن يُصلح نُفوس وعُقول الشعب الروسي ويسيرُ به نحو التقدُّم والازدهار. وكان هذا الأمر يعني تطوير الأجيال الصاعدة خُصوصًا على الصعيدين الذهني والأخلاقي، وتلقينهم المعارف الضروريَّة وإنشاءهم تنشأة مدنيَّة صالحة بحيثُ يُخلق لديهم الحس الوطني والمسؤوليَّة القوميَّة السليمان.<ref group="ْ">Nicholas V. Riasanovsky, A History of Russia (New York: Oxford University Press, 2011).</ref>
[[ملف:Wiki Moscow Orphanage, Moskvoretskaya Embankment.jpg|تصغير|يمين|الدار التأسيسيَّة المسكوبيَّة، أو ميتم موسكو.]]
عيَّنت كاترين «إيڤان بتسكوي» مُستشارًا لها في شؤون التعليم،<ref group="ْ">Isabel De Madariaga, "The Foundation of the Russian Educational System by Catherine II", Slavonic and East European Review (1979) : 369–395.</ref> وتمكَّنت من خِلال مُساعدته من تجميع الكثير من المعلومات المُتعلقة بِالمُؤسسات التعليميَّة في روسيا وخارجها. كما أسَّست جمعيَّة تتكوَّن من عدَّة عُلماء ومُربين روس وألمان في سبيل صياغة نظام تعليمي راقٍ لِأبناء الشعب الروسي، كما استشارت بعض رُوَّاد التعليم البريطانيين، ومن أبرزهم: الكاهن دانييل دومارسق والدكتور جون براون،<ref group="ْ">N. Hans, "Dumaresq, Brown and Some Early Educational Projects of Catherine II", Slavonic and East European Review (1961) : 229–235.</ref> ففي سنة 1764م أرسلت بِطلب دومارسق وعيَّنتهُ عُضوًا في الجمعيَّة سالفة الذِكر بِمُجرَّد وُصوله إلى روسيا. درست الجمعيَّة المُقترحات الإصلاحيَّة التعليميَّة التي قدَّمها المُفكِّر والمُصلح إيڤان شوڤالوڤ في زمن الإمبراطورة أليصابت ومن بعدها بُطرس الثالث، فأجرى أعضائها بعض التعديلات عليها ثُمَّ قدَّموا توصيتهم بإنشاء نظام تعليمي شامل لِجميع الروس المسيحيين الأرثوذكس اللذين تتراوح أعمارُهم بين 5 و18 سنة، باستثناء الأقنان منهم.<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation”, 374.</ref> لكن على الرُغم من عمل اللجنة وتوصياتها، إلَّا أنَّ شيئًا من مُقترحاتها لم يُؤخذ، بسبب قيام كاترين بِحل اللجنة التشريعيَّة التي يُناط بها بِطبيعة الحال وضع قوانين لِلبلاد بِما فيها قانون التعليم الذي يُشرِّع أو يرفض التوصيات المُقدَّمة أو بعضُها. في شهر تمُّوز (يوليو) سنة 1765م، كتب دومارسق إلى الدكتور جون براون يشرح لهُ الصُعوبات التي تُواجه اللجنة التعليميَّة، فتلقَّى منهُ جوابًا طويلًا يتضمَّن اقتراحات عامَّة جدًا وشاملة هادفة لِلإصلاح التعليمي والاجتماعي في روسيا. وأشار براون في جوابة إلى أنَّهُ في الدُول الديمُقراطيَّة تتولَّى الدولة الإشراف على النظام التعليمي وتُحدد مساره وفق ما ينص عليه قانون التعليم المُعتمد في البلاد. وأضاف في رسالته إلى ضرورة اعتماد نظام تعليمي سليم وفعَّال لِلإناث؛ هذا وكانت كاترين قد لجأت قبل سنتين إلى إيڤان بتسكوي كي يضع برنامجًا عامًّاعامًا مُخصصًا لِتعليم الأطفال الروس من كِلا الجنسين.<ref group="ْ">Hans, “Dumaresq”, 233.</ref> هدفت كاترين من خلال مسعاها هذا إلى تنشئة «نوعٌ جديد» من الناس يعيشون بِمعزلٍ عن التأثير المُدمِّر لِلبيئة الاجتماعيَّة الروسيَّة المُتخلِّفة،<ref group="ْ">{{harvard citation no brackets|Dixon|2009|p=130}}</ref> وشكَّل أمرها بِإنشاء الدار التأسيسيَّة المسكوبيَّة (ميتم موسكو) أولى مُحاولاتها نحو تحقيق هذه الغاية. أُنيط بِتلك الدار مُهمَّة تجميع الأطفال الفُقراء والمعوزين والمُشرَّدين واللُقطاء وإخضاعم لِبرنامجٍ تعليميٍّ وفق ما تراه الدولة مُناسبًا. ونظرًا لِأنَّ الدار التأسيسيَّة المسكوبيَّة لم تكن تعتمد على التمويل الحُكومي، فقد كان بالإمكان إخضاع الطُلَّاب فيها لِنظريَّاتٍ تعليميَّةٍ مُختلفةٍ في مُحاولةٍ لِتحديد أيُّ تلك النظريَّات يُلائمهم ويُلائم الإمبراطوريَّة أكثر. على أنَّ تجربة هذه الدار أثبتت فشلها بعد حين، نظرًا لِنسبة الوفيَّات المُرتفعة جدًا بين الأطفال الذين أُدخلوا إليها، فلم يتخرَّج منها العدد الكافي من الرعايا المُتنورين الذين رغبت بهم الإمبراطورة واعتبرتهم ضروريين لِإحداث تغيير في المُجتمع الروسي.<ref group="ْ">Catherine Evtuhov, A History of Russia: Peoples, Legends, Events, Forces (Boston: Houghton Mifflin, 2004).</ref>
[[ملف:Galaktionov Smolny institute 1823.jpg|تصغير|مؤسسة سمولني لِلنبيلات، أوَّل مُؤسسة تعلميَّة روسيَّة لِلفتيات النبيلات وأوَّل مُؤسسة تعليم عالي أوروپيَّة رسميَّة (حُكوميَّة) مُخصصة لِتعليم الإناث حصرًا.]]
بعد فترةٍ قصيرةٍ من إغلاق الدار التأسيسيَّة المسكوبيَّة، أمرت كاترين بِإنشاء «مؤسسة سمولني لِلنبيلات» المُخصصة لِتعليم وتثقيف الإناث. كانت تلك المُؤسسة الأولى من نوعها في روسيا، وفي بداياتها لم يندرج فيها سوى البنات الصغيرات المُنتميات إلى طبقة النُبلاء العُليا، ثُمَّ أخذت ترتادها فتيات الطبقة [[برجوازية|البُرجوازيَّة]] الصغيرة نسبيًّانسبيًا.<ref group="ْ">Max, “If these walls”, 20.</ref> كثيرًا ما قيل بأنَّ الفتيات اللواتي دخلن هذه المُؤسسة كُنَّ غافلات تمامًا عمَّا يجري من أحداثٍ على أرض الواقع خارج أسوارها، وأنَّهُنَّ عُشن في عالمهنَّ الخاص المعزول عن سائر الشعب. وكُنَّ يتعلَّمن اللُغة الفرنسيَّة الصرفة، وتذوُّق وعزف الموسيقى، والرقص، والطَّاعة التامَّة والولاء الخالص لِلبلاط الإمبراطوري. كانت فلسفة المُؤسسة تدور حول الانضباط الصارم، فكانت الفتيات ممنوعات من الركض أو مُمارسة الرياضة أو اللعب، كما أُبقي المبنى باردًا واستُبعدت منه وسائل التدفئة، نظرًا للاعتقاد السائد آنذاك بأنَّ كثرة الدفء من شأنها الإضرار بِصحَّة أجسام الأحداث النامية، شأنهُ في ذلك شأن اللعب واللهو الفائض والزائد عن حدِّه.<ref group="ْ">Max, “If these walls”, 21.</ref>
 
خلال الفترة المُمتدة بين سنتيّ 1768 و1774م لم يطرأ أي تقدُّم على مُحاولة إنشاء نظامٍِ مدرسيٍّ على المُستوى الوطنيّ في روسيا،<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation”, 379.</ref> واستمرَّت كاترين تتحرَّى النظريَّة التعليميَّة وتجارب الأُمم الأُخرى في ميدان التعليم، لكنَّها وعلى الرُغم من انعدام النظام الوطنيّ المدرسيّ في بلادها، أجرت عدَّة إصلاحات على الصعيد التعليمي، ففي سنة 1766م أقدمت على إصلاح وإعادة تشكيل نظام فيالق المُجندين العسكريين مُتبعةً في ذلك نهجًا شبيهًا بِالنهج الذي اتبعهُ العُثمانيُّون لِإنشاء وتنمية فيالق [[إنكشارية|الإنكشاريَّة]] في ذُروة مجد وقوَّة [[الدولة العثمانية|الدولة العُثمانيَّة]]، فأمرت بِأخذ الأطفال من سنٍ مُبكرة وتعليمهم وتثقيفهم مُختلف العُلوم والمعارف العسكريَّة إلى أن يبلغوا الحادية والعشرين من عُمرهم. تمَّ توسيع نطاق هذا المنهاج لاحقًا لِيتخطَّى [[علوم عسكرية|العُلوم العسكريَّة]] ويشتمل على [[طبيعيات|العُلوم الطبيعيَّة]]، وال[[فلسفة]]، و[[علم الأخلاق|الأخلاق]]، و[[علم التأريخ|التاريخ]]، و[[قانون دولي|القانون الدولي]]. ثُمَّ نُقل تطبيق هذا النظام من الكُليَّات الحربيَّة إلى الكُليَّات البحريَّة وكُليَّات الهندسة والمدفعيَّة. ولمَّا انتصرت الإمبراطوريَّة على الثُوَّار القُوزاق بِقيادة إميليان پوگاچيڤ وقضت بهذا على جميع المخاطر الداخليَّة، أصدرت كاترين قرارًا يُوجب إنشاء المدارس في جميع الغوبرنيهات (الولايات) الروسيَّة دون استثناء، في مُحاولةٍ لِإقامة نوع من العدالة الاجتماعيَّة في البلاد.<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation,” 380.</ref>
 
سنة 1782م، أعادت كاترين تشكيل لجنة استشاريَّة جديدة لِتتولَّى دراسة المعلومات التي جُمعت عن النُظم التعليميَّة المُختلفة لِعددٍ من الدُول الأوروپيَّة الغربيَّة والمُجاورة.<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation”, 383.</ref> كان أبرز الأنظمة المُقترح تنفيذها في روسيا نظامًا اقترحه عالم الرياضيَّات الألماني [[فرانز أبنوس|فرانز أپنوس]]، الذي مال بِقوَّة إلى اعتماد النظام التعليمي النمساوي ثُلاثيّ المُستويات لِلمدارس البدائيَّة والعاديَّة والملكيَّة في القُرى والبلدات وقصبات الحاكميَّات. وإلى جانب اللجنة الاستشاريَّة، أنشأت كاترين هيئة تمثيليَّة لِلمدارس الوطنيَّة بِزعامة «پيوتر زاڤادوڤسكي» أُنيط بها تشكيل شبكة مدارس على مُستوى الإمبراطوريَّة، وتدريب المُدرسين على كيفيَّة التدريس والتلقين والإلقاء، وتأمين الكُتُب المدرسيَّة لِلتلاميذ. وبِتاريخ 5 آب (أغسطس) 1786م صدر القانون الأساسي لِلتعليم في روسيا،<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation”, 385.</ref> وبِمُقتضى هذا القانون اعتُمد نظامٌ تعلميّ مدرسيّ من مُستويان: ابتدائي وثانوي، في جميع قصبات (عواصم) الحاكميَّات، وخُصص لِجميع طبقات الشعب من الأحرار (غير الأقنان)، كما جُعل مجَّانيًّامجَّانيًا ومُوجهًا لِلذُكور والإناث على حدٍ سواء. نظَّم هذا القانون المواد التي تُلقَّن لِلتلاميذ في كُل مرحلةٍ عُمريَّة، كما حدَّد طريقة وأُسلوب التعليم بِتفصيلٍ كبير. وقامت الهيئة التمثيليَّة بِترجمة العديد من الكُتُب المدرسيَّة الأوروپيَّة إلى اللُغة الروسيَّة، وجمعت عدَّة مبادئ توجيهيَّة وإرشادات في كُتيِّبٍ أسمته «دليل المُعلِّمين»، وأعطته لِجميع الأساتذة لِيتقيَّدوا به، وقُسِّم هذا الكُتيِّب إلى أربعة أقسام تُعنى بِأساليب التعليم، والمواد المُعطاة، وسُلُوك المعلِّمين بِحُضور التلاميذ، وكيفيَّة إدارة الصُفوف والمدرسة ككُل.<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation”, 385.</ref>
 
انتقد مُؤرخو القرن التاسع عشر السياسات التعليميَّة التي انتهجتها كاترين الثانية زاعمين بِأنَّها لم تتمكن من تأمين ما يكفي من الأموال لِدعم برنامجها الإصلاحي في القطاع التعليمي والتربوي.<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation”, 391.</ref> بعد مُرور سنتين على اعتماد النظام الجديد في القطاع التربوي الروسي وفق البرنامج الكاتريني، أقدم عددٌ من أعضاء الهيئة التمثيليَّة لِلمدرس الوطنيَّة على تفقُّد المُؤسسات التعليميَّة التي افتُتحت في طول البلاد وعرضها لِلوُقوف على أوضاعها، فتبيَّن لهم أنَّ تأثيرها لم يكن مُنتظمًا، فعلى الرُغم من أنَّ طبقة النُبلاء ساهمت في إنشاء هذه المدارس من خلال تأمين الأموال اللازمة لِإنشائها، إلَّا أنَّ أغلب النُبلاء استمرَّوا يُفضِّلون إرسال إبنائهم وبناتهم إلى المدارس الخاصَّة الراقية، كما تبيَّن أنَّ كثيرًا من القرويين وأبناء البلدات كرهوا الانتساب إلى هذه المدارس بِسبب أساليب تعليمها التي رأوها غريبةً عنهم وعن عاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم. قُدِّر عدد التلاميذ الذين انتسبوا إلى المدارس الحُكوميَّة الروسيَّة في أواخر عهد كاترين الثانية بِحوالي 62,000 تلميذ مُوزعين على 549 مدرسة، وهو عددٌ ضئيل بِالمُقارنة مع عدد سُكَّان الإمبراطوريَّة الروسيَّة آنذاك.<ref group="ْ">Madariaga, “Foundation”, 394.</ref>
سطر 236:
بعد فرضها سيطرتها على كامل البلاد الروسيَّة والقسم الشرقي من بولونيا وعلى سواحل البحر الأسود، حاولت كاترين الثانية صبغ الإمبراطوريَّة بِلونٍ ثقافيٍّ مُوحَّد، فكان عليها أن تحتك بِحوالي مليون يهودي مُقيمين في هذه المناطق، نظرًا لِأنَّ اليهود كانوا يعيشون في مُجتمعاتٍ شبه مُنغلقة ويتبعون أساليب حياةٍ مُختلفة عن أساليب حياة الروس المسيحيين، فكانت خلفيتهم الثقافيَّة وديانتهم وعاداتهم وتقاليدهم مُختلفة عن خلفيَّة سائر الشعب. وتخوَّفت كاترين وحاشيتها من هجرة اليهود من المناطق التي يقطنوها بعد أن ضُمَّت إلى روسيا إلى المناطق الوُسطى من الإمبراطوريَّة ذات الغالبيَّة المسيحيَّة، فيكون من نتيجة ذلك ولادة بعض المشاكل الطائفيَّة، كما رغبت بربطهم بالأراضي التي يسكنوها لِتسهيل جباية الضرائب المُتوجبة على تلك الأراضي منهم. بناءً على هذا، أصدرت كاترين الثانية أمرًا بِإنشاء إقليمًا خاصًا لِسُكنى اليهود سنة 1791م، بحيثُ لا يُسمح لهم بِمُغادرته والسكن خارجه إلَّا لو تنصروا واعتنقوا المذهب الأرثوذكسي، وضمَّ ذلك الإقليم جميع المُقاطعات البولونيَّة التي كان يسكُنها اليهود قبل ضمِّها إلى روسيا، إلى جانب مناطق السُهوب القريبة من سواحل البحر الأسود، وبعض المناطق قليلة السُكَّان الواقعة شرق نهر الطونة (الدانوب). على الرُغم من أنَّ هذه الخُطوة هدفت كاترين من وراءها إلى صيانة القوميَّة الروسيَّة والحفاظ عليها وتحديد معالمها ومنع دُخول أيَّة تأثيرات أجنبيَّة عليها، إلَّا أنها ساهمت بِنُشوء وتطوير القوميَّة والهويَّة اليهوديَّة في روسيا، بعد أن حصرت اليهود كُلهم في منطقةٍ واحدة وعاملتهم على أُسسٍ عُنصريَّة تُميِّزهم عن سائر مُكوِّنات الشعب.<ref>''[[:ru:Каменский, Александр Борисович|Каменский А. Б.]]'' [http://his.1september.ru/article.php?ID=200400307 «Царство разума» и «еврейский вопрос»: Как Екатерина Вторая вводила черту оседлости в Российской империи] // История. — 2004. — № 3. {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20160304125348/http://his.1september.ru/article.php?ID=200400307 |date=04 مارس 2016}}</ref>
[[ملف:Bundesarchiv Bild 137-000471, Russland, Dorf Streckerau an der Wolga.jpg|يمين|تصغير|إحدى المُستوطنات الألمانيَّة في حوض نهر الڤولغا كما كانت تبدو سنة 1920م.]]
خِلال الفترة المُمتدة بين سنتيّ 1762 و1764م، أصدرت كاترين الثانية بيانًا رسميًّارسميًا ينص على السماح لِجميع الأجانب القادمين إلى روسيا بالاستقرار في أي منطقةٍ أو حاكميَّةٍ يرغبون بها، كما أصدرت بيانًا آخر ينص على منح المُستوطنين الجُدد بضع امتيازاتٍ لِتشجيعهم على الاستقرار في البلاد. اجتذبت تلك البيانات بعض الألمان، فحدثت موجة هجرة كبيرة من ألمانيا باتجاه روسيا استقرَّ على أثرها عددٌ كبير من الألمان في حوض نهر الڤولغا، لِيُعرف أهالي تلك المنطقة مُنذ ذلك الحين بـ«ألمان الڤولغا». كان وُفود المُستوطنين الألمان على روسيا كبيرًا جدًا بحيثُ اضطرَّت كاترين بِحُلول سنة 1766م إلى إيقاف تلك الهجرات لِفترةٍ من وقت لِتنظيم أوضاع المُستوطنين السابقين أولًا. بلغ عدد المُستوطنات الألمانيَّة التي أُنشئت في حوض الڤولغا 12 مُستوطنة سنة 1765م، وارتفعت إلى 21 مُستوطنة سنة 1766م، ثُمَّ إلى 67 مُستوطنة سنة 1767م، و105 مُستوطنات سنة 1769م. ووفق الإحصاء الحُكومي الذي أُجري في تلك السنة، بلغ عدد المُستوطنين الألمان في حوض الڤولغا 23 ألف نسمة مُوزعين على 6500 عائلة، وقد قُدِّر لِهذه الفئة الجديدة من الشعب الروسي أن يكون لها دورًا فاعلًا في مُستقبل الإمبراطوريَّة.<ref>[http://www.pseudology.org/German/Povojie_history.htm Поволжские немцы] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170915054233/http://www.pseudology.org:80/German/Povojie_history.htm |date=15 سبتمبر 2017}}</ref>
 
وصل عدد السُكَّان الذين دخلوا في تبعيَّة الإمبراطوريَّة الروسيَّة خِلال عهد كاترين الثانية إلى حوالي 7 ملايين نسمة،<ref name=autogenerated3>Ключевский В. Курс русской истории. Лекция LXXVI</ref> نتيجة سيطرة الروس على سواحل البحر الأسود وحوض بحر آزوڤ والقرم وقسمٌ من بولونيا، وهذه كُلَّها بلادٌ وفيرة الخيرات والسُكَّان. نتيجةً هذا التنوُّع العرقي، كتب المُؤرِّخ الروسي ڤاسيلي كليوچڤسكي يقول أنَّ ذلك العهد شهد صراعًا حدًا على المصالح بين مُختلف الشُعُوب القاطنة في الإمبراطوريَّة، كما شهد تمييزًا بِحق بعض تلك الشُعُوب. من الأمثلة على ذلك أن فُرضت ضرائب وتقسيمات إداريَّة مُختلفة على كُل شعبٍ على حدى، فعلى سبيل المِثال كان الألمان معفيُّون من جميع الضرائب ومسموحٌ لهم الإقامة في أي منطقة من مناطق الإمبراطوريَّة، بينما حُددت لِليهود منطقة يُقيمون بها كما أُسلف، كما كان البولونيون معفيُّون بدايةً من الضريبة المفروضة على رؤوس أموالهم، ثُمَّ أُعيد فرضها عليهم بِنسبةٍ وصلت إلى حوالي نصف ما يملكونه من رؤوس الأموال. أدَّت هذه السياسة التي انتهجتها الإمبراطوريَّة إلى قيام عدَّة نزاعات عرقيَّة لاحقًا بين الألمان والبولونيين واليهود والروس في حوض الڤولغا.<ref>Ключевский В. Курс русской истории. Лекция LXXXI</ref>
سطر 246:
# الإعفاء من جميع أشكال الخدمة العسكريَّة والمدنيَّة، في جميع وحدات الجيش.
# الإعفاء من جميع أشكال العقاب البدني بحال ارتكب أحدهم فعلًا يستوجب في العادة مثل هذا العقاب.
# الحق لِكُل نبيلٍ في تملُّك جميع الثروات المعدنيَّة والطبيعيَّة التي تقع في جوف أرضه أو أراضيه، واستغلالها.
# الحق في إنشاء مُنظمات ومُؤسسات مُمثلة لِهذه الفئة وحدها دون غيرها، وابتكار ألقاب تُميزها عن سائر فئات الشعب.
::i. يتم استبدال تسمية «طبقة النُبلاء» بـ«طبقة النُبلاء الأكارم».
سطر 252:
::iii. يحق لِكُل نبيلٍ أن يتملَّك أرضًا أو أراضٍ بِمُفرده، ويكونُ لهُ حقٌ حصريٌّ عليها، على أنَّهُ لا يحق له بناء وتشييد أي حصنٍ أو قلعةٍ فيها كحُصُون وقلاع الدولة.
::iv. لِأعيان القوم وأكابرهم من الأوكرانيين حُقوقٌ مُماثلة لِحُقوق النُبلاء الروس.
:::أ. يحقُّ لِلنُبلاء الأوكرانيين الذين يحملون رُتبة ضابط عسكري الإدلااء بِأصواتهم في أي انتخاباتٍ تُنظَّم.
:::ب. لا يحق سوى لِلنُبلاء الذين يفوق دخل أراضيهم 100 روبل أن يتبوَّأو مناصب إداريَّة عُليا.
[[ملف:091 Description of all the Russian state-dwelling peoples.jpg|تصغير|تاجرٌ روسيّ من سُكَّان بُطرسبرغ سنة 1799م.]]
* '''أهالي المُدن والبلدات''':
# التأكيد على حق التُجَّار الكبار بِعدم دفع الضريبة السنويَّة المُستوجبة على رؤوس أموالهم.
# يدفع كُل شخص من أبناء هذه الطبقة جزية لِلدولة بحال لم يكن راغبًا بالالتحاق بِالخدمة العسكريَّة.
هذا وقسَّمت «رسائل الامتيازات الخاصَّة بِالمُدن» الأهالي سكنة هذه المناطق إلى ستة فئات:
سطر 265:
# أعيان القوم — التُجَّار أصحاب رأس مال لا يقل عن 50 ألف روبل، والمصرفيُّون الأثرياء الذين لا تقل ثروتهم عن 100 ألف روبل، إلى جانب النُخبة المُثقفة من أبناء المدينة، كالمُهندسين والرسَّامين والمُلحنين والعُلماء ومن كان في فئتهم.
# الأهالي الذين لا يمتلكون الكثير في المدينة، وأصحاب المهن البسيطة، مثل صيَّادي الأسماك وصغار الحرفيين.
عُرف أبناء الفئتين الثالثة والسادسة باسم «البورويين»، وهي كلمة مُشتقة من البولونيَّة وغيرها من اللُغات كالإنگليزيَّة، ويُقصد بها حرفيًّاحرفيًا «سكنة المناطق الإداريَّة»، ويُقابلها بِاللُغة العربيَّة «العوام»، وهُم سُكَّان المُدن أو البلدات حصريًّاحصريًا.<ref group="ِ">{{Cite EB1911|wstitle=Burgess|volume=4|page=814}}</ref> أُعفي أعيان القوم والتُجَّار المُنتسبين إلى نقابات المهن التجاريَّة سالِفة الذِكر من العُقوبات الجنائيَّة بِحال ارتكبوا فعلًا يستوجب العقاب في الوضع العادي، ومُنح أبناء الجيل الثالث من الأعيان الحق في تقديم طلب انتساب إلى طبقة النُبلاء. أدَّى هذا التعامل السخيّ مع أبناء الطبفة النبيلة وعِلية القوم من عطاءاتٍ ملكيَّة وإعفاءاتٍ من العُقوبات والواجبات إلى بُروز ظاهرة اجتماعيَّة شاع تناولها والتحدُّث عنها في الأعمال الأدبيَّة الخاصَّة لِتلك الفترة، وفي الخطاب العاميّ، فوُصفت تلك الفئة بأنَّها مجموعة من الغُرباء عن وطنهم الذين يعيشون على أرضه، فكان أفراد هذه الفئة يتعلَّمون الأخلاقيَّات والعادات والتقاليد والأفكار واللُغات الأوروپيَّة الغربيَّة البعيدة كُل البُعد عن الثقافة الروسيَّة وعادات وتقاليد ومفاهيم الشعب الروسي، فلم يكن لهم أي صلة حقيقيَّة مع أفراد الشعب، وعاشت كُلُّ فئةٍ في وادٍ بعيدةً عن الفئة الأُخرى، وقد وصف بعض المُؤرِّخين النظرة الأوروپيَّة إلى هذه الفئة الروسيَّة قائلًا أنها لم تكن «أقل احتقارًا من نظرة الشعب الفقير، فالأوروپيُّون اعتبروهم تترٌ همج يتنكرون بزي الحضارة الغربيَّة، فيما نظر إليهم الشعب الروسي على أنَّهم فرنسيُّون وُلدوا بالخطأ في روسيا».<ref name="autogenerated18">Ключевский В. О. Курс русской истории. Лекция LXXXI</ref>
 
على الرُغم من المنافع الكثيرة التي حازتها طبقة النُبلاء في العهد الكاتريني، إلَّا أنَّهُ يُلاحظ تراجع الأوضاع الماديَّة لِقسمٍ من هؤلاء النُبلاء مُقارنةٍ بِالعُهود السابقة عليها، فوُلدت طبقيَّة داخل الطبقة النبيلة، بحيثُ أصبح هُناك نُبلاء «أغنياء» ونُبلاء «فُقراء». فخلال العهد الكاتريني، وتحديدًا في سنة 1777م، امتلك بعضُ الاقطاعيين أراضٍ زراعيَّة هائلة بِعشرات الآلاف أو حتَّى مئات الآلاف من الأقنان نتيجة ما أُنعم عليهم من عطايا إضافيَّة زادت من ثرائهم ونُفوذهم، فضمُّوا إلى أملاكهم العقارات الصغيرة وهيمنوا على الإنتاج الزراعي. هذا ويُلاحظ أنَّ الإقطاعي الغني قُبيل العهد الكاتريني كان من يملكُ أرضًا بِخمسُمائةٍ من أقنانها فقط؛ بينما امتلك حوالي ثُلثيّ الإقطاعيين أراضٍ أصغر حجمًا بِما لا يزيد عن 30 قنًا من الرجال، وامتلك ثُلثُ الإقطاعيين أقل من 10 أقنان؛ وبلغ من تردّي أوضاع بعض الإقطاعيين الصِغار أنَّهم اضطرّوا إلى الالتحاق بِالجيش على أمل النُهوض بحالهم بعض الشيء، وكان بعضهم غيرُ قادرٍ حتَّى على تأمين ملابس عسكريَّة أو أحذية لائقة،<ref group="ْ">Blum J. Lord and Peasant in Russia. From the Ninth to the Nineteenth Century. New York, 1964, pp.367, 376</ref> كما لم يتمكَّن بعضُ الإقطاعيين من إكمال تعليم أبنائهم في الأكاديميَّة البحريَّة أو في الدار التأسيسيَّة المسكوبيَّة، فُطرد أغلبهم.<ref name=autogenerated18 />
[[ملف:Byrney. Russians.jpg|تصغير|فلَّاحٌ روسيٌّ من الأقنان ينحني أمام سيِّده الإقطاعي.]]
[[ملف:Supplice du Grand Knout.jpg|تصغير|أحدُ الأقنان وهو يُجلد بِالسَّوط عقابًا له.]]
* '''طبقة الفلَّاحين''': شكَّل الفلَّاحون في العصر الكاتريني حوالي 95% من الشعب الروسي، وكانت نسبة الأقنان منهم تصل إلى قُرابة 90%، ولم يكن منهم سوى قلَّة ضئيلة تمتلك أراضيها الخاصَّة تزرعها وتعتاش من خيراتها. ووفق التشريعات التي أصدرتها كاترين، أُعفي مُلَّاك الأراضي ذات التُربة السوداء الخصبة الناتجة عن تراكم طمي الأنهار، أُعفوا من دفع الضرائب السنويَّة المُستوجبة على أراضيهم، على أنَّ ذات التشريعات نصَّت على أنَّ جميع الفلَّاحين قاطني هذه الأراضي يدخلون في عِداد الأقنان. يتجه الرأي العام عند المُؤرخين الغربيين والرُوس إلى اعتبار العهد الكاتريني الأسوأ في التاريخ الروسي بِالنسبة لِلفلَّاحين والطبقات الاجتماعيَّة الدُنيا، ويُقارنهُ البعض بِعهد استعباد [[أمريكيون أفارقة|الزُنوج الأفارقة]] في [[أمريكتان|الأمريكتين]]، إذ أنَّ مُعاملة الطبقات العُليا لِهذه الفئات لم تقل سوءًا عن مُعاملة الأوروپيين لِلعبيد في [[العالم الجديد]].<ref>Покровский М. Н. Русская история с древнейших времен. При участии Н.Никольского и В.Сторожева. Москва, 1911, т. 4, с. 120</ref> يقول بعض المُؤرخين، بالاستناد إلى عددٍ من الوثائق القديمة، أنَّ الإقطاعيين في منطقة «کلایوچڤسکايكلايوچڤسكاي» حوَّلوا القُرى والضياع التي كانوا يتولُّونها إلى مُستوطناتٍ لِلعبيد يصعب تمييزها عن المُستوطنات التي كانت تُقام لِلعبيد الأفارقة في أمريكا الشماليَّة،<ref name=autogenerated11>Ключевский В. О. Курс русской истории. Лекция LXXX</ref> فالقنانة لم تكن سوى وجهٍ آخر من أوجه العُبُوديَّة المُتدثرة بِدثارٍ روسيّ عوض أن يكون غربيّ، وبِحُلول أواخر القرن السابع عشر، كانت جميع المزارع الروسيَّة قائمة على ظُهور أقنانٍ محرومين من أبسط الحُقُوق.<ref group="ْ">Blum J. Lord and Peasant in Russia. From the Ninth to the Nineteenth Century. New York, 1964, p. 422</ref> ويقول هؤلاء أنَّ بعض رسائل كاترين الثانية نفسها وبعض الكتابات التي أرَّخت لها تذكر أقنانها الخاصِّين باسم «العبيد».<ref>Пушкарев С. Обзор русской истории. М., 1991</ref>
 
كان الفلَّاحون الأقنان يُباعون ويُشترون ويُعاملون كالمتاع أو البضائع التجاريَّة، فيُعرضون في الأسواق أمام الناس، وكانت الجرائد والصُحف تنشر إعلانات عن عُروضات بيع أقنان يتقدم بها بعض الإقطاعيين؛ كما كان من الشائع أن يُبادل الإقطاعي إحدى أقنانه بِقنٍّ أو قِنَّةٍ لِإقطاعيٍّ آخر، حتَّى أنَّ بعضهم كان يتبرِّع بِقنٍّ أو أكثر لِإقطاعيٍّ آخر دون مُقابل أو كبادرة حُسن نيَّة، وكثيرًا ما كان الفلَّاحون الأقنان يُزوَّجون رُغمًا عنهم. كذلك، لم يكن يُسمح لِلفلَّاح أن يترك القرية أو الضيعة التي يسكنها إلَّا لِمسافة 30 ميلًا، أمَّا إذا رغب بِالذهاب لِمكانٍ أبعد من ذلك فكان عليه أن يستحصل على إذنٍ مكتوب من سيِّده ومن السُلطات المحليَّة حتَّى يتمكن من التنقُّل بِحُريَّة. وفق القانون الكاتريني، لم يكن يحق لِلفلَّاح القِن أن يمثل أمام القضاء كي يُعاقب أو يُنصف من تُهمةٍ مُلصقة به، بل كان يُحاكم على يد سيِّده، وبالتالي كان يحق لِأي إقطاعي أن يُعذِّب قِنَّه حتَّى يُجبره على الاعتراف بِذنبٍ يُنسب إليه، وكثيرًا ما كان الإقطاعيُّون يُعذبون أحد أقنانهم عذابًا شديدًا حتَّى الموت، بل كان لِبعض الإقطاعيين حظائر خاصَّة يقومون فيها بِضرب وسحل القِن حتَّى يموت، ووُصفت بعض تلك الحظائر بأنها كانت أشبه بِالمسالخ حيثُ تُذبح المواشي.<ref group="ْ">Blum J. Lord and Peasant in Russia. From the Ninth to the Nineteenth Century. New York, 1964, p. 441</ref> سعت كاترين الثانية في وقتٍ لاحقٍ إلى تحسين أوضاع الفلَّاحين في بلادها، فسنَّت قوانين جديدة تمنع أساءة السيِّد الإقطاعي لِأيِّ قنٍّ من أقنانه، وأصدرت قانونًا يُجبر الإقطاعيين على مُساعدة أقنانهم والوُقوف بجانبهم في أوقات الشدَّة، كما في حالة حُدوت مجاعة، بحيثُ أُجبر جميع الإقطاعيين على تخزين نسبة من محاصيلهم تسد حاجة جميع أقنانهم وتوزيعها عليهم بِالتساوي، على أنَّ أغلب الإقطاعيين أهمل تطبيق هذا القانون وترك أقنانه لِبؤسهم،<ref group="ْ">David Moon. "The Abolition of Serfdom in Russia". Harlow: Pearson Education Limited, 2001. Page 39 - 40</ref> كما أنَّ مُعظم الإقطاعيين الذين استمرُّوا يُسيئون مُعاملة أقنانهم لم يُحاكموا، باستثناء فئة قليلة منهم.<ref group="ْ">Blum J. Lord and Peasant in Russia. From the Ninth to the Nineteenth Century. New York, 1964, p. 439</ref>
 
عادت كاترين ومنحت الفلَّاحين الأقنان حقًا جديدًا في وقتٍ لاحقٍ هو إمكانيَّة رفع شكوى إليها مُباشرةً بِحال أساء الإقطاعيُّ مُعاملتهم، على أنها أكَّدت على أن لا تكون صلة الأقنان معها مُباشرةً، بل تدرُّجيَّة وفق التُراتُبيَّة الإداريَّة المُتعارف عليها، وبِذلك ضمنت أن لا تتعرَّض لِإلحاحاتهم على الدوام وبِنفس الوقت ضمنت عدم حُدوث أيَّة ثورة عليها وعلى النظام الإقطاعي من قِبلهم.<ref group="ْ">Isabel de Madriaga, “Catherine II and the Serfs: A Reconsideration of Some Problems”, The Slavonic and East European Review, Vol. 52, No. 126 (Jan., 1974), 48–51</ref> مُنح الأقنان - بِواسطة هذا الحق - وضعًا بيروقراطيًّابيروقراطيًا شرعيًّاشرعيًا لم يكن لهم من قبل<ref group="ْ">Witschafter, “Legal Identity”, 563–564</ref> - عن غير قصد - فاستغلَّهُ بعضهم لِلحُصول على حُريَّته من خِلال رفع عرائض اعتراض على مُلكيَّتهم من قِبل بعض الأشخاص من غير طبقة النُبلاء (التي لم يكن يُسمح لِأفرادها بامتلاك الأقنان أساسًا)، أو عبر الادعاء أنَّ شرائهم لم يتم بِطريقةٍ شرعيَّةٍ أو لم يتم على الإطلاق، إذ وُهبوا إلى إقطاعيٍّ آخر في حين أنَّ أعراف وقوانين القِنانة تنص على وُجوب ارتباطهم بِالأرض التي يعملون فيها، وقد استمع بعضُ الساسة المسؤولين إلى تلك الشكاوى، فحصل أصحابها على حُريَّتهم، على أنَّ تلك الحالات بقيت نادرة.<ref group="ْ">Witschafter, “Legal Identity”, 565–567</ref> كما أصدرت قانونًا في 17 آذار (مارس) 1775م يمنع أي إقطاعي من إعادة استغلال أي فلاحٍ حصل على حُريَّته وفق نظام القنانة مُجددًا.<ref group="ْ">Madriaga, “Catherine II”, 35</ref> بِالمُقابل، أصدرت كاترين الثانية عدَّة قوانين وقرارات خِلال فترة حُكمها كان من نتيجتها أن ساءت أوضاع الفلَّاحين الأقنان أكثر وتدهورت، ومن تلك القوانين:
:* قانون سنة 1763م الذي سمح بِتدخُّل الجيش لِقمع أي انتفاضة أو ثورة يُشعلها الفلَّاحون.
:* قانون سنة 1765م الذي منح الإقطاعيين الحق في نفي أيِّ قنٍّ عاصٍ أو مُشاغب إلى [[سيبيريا]]، وهي عُقُوبة كانت في الأساس مُخصصة لِلمُجرمين الخطيرين،<ref group="ْ">Madriaga, “Catherine II”, 42–46</ref> أو تعذيبه من خِلال تشغيله بِالأعمال الشاقَّة. كما كان يحق لِلإقطاعي - وفقًا لِهذا القانون - أن يُعيد قِنَّهُ إلى قريته ساعة ما شاء.
:* قانون سنة 1767م الذي منع الأقنان من رفع شكوى ضدَّ أسيادهم أمام القضاء، ورفعها لِكاترين مُباشرةً عبر المسؤول الإداري في المنطقة التي تقع فيها قرية هذا القِن.<ref group="ْ">Madriaga, “Catherine II”, 48–51</ref>
:* قانون سنة 1783م الذي سمح بِتطبيق نظام القنانة على الفلَّاحين الأوكرانيين.
سطر 287:
تميَّزت روسيا خِلال العهد الكاتريني بِالتسامُح الديني إجمالًا، إذ أصدرت كاترين الثانية سنة 1773م قانونًا ينص على احترام جميع العقائد والأديان ويمنع الكنيسة الروسيَّة الأرثوذكسيَّة من التدخُّل في شؤون الديانات الأُخرى غير المسيحيَّة،<ref>[http://ng.ru/style/2004-11-03/8_ekaterina.html Муравьева М. Веротерпимая императрица //Независимая газета от 03.11.2004] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20171009223158/http://www.ng.ru/style/2004-11-03/8_ekaterina.html |date=09 أكتوبر 2017}}</ref> كما نصَّ القانون على السماح لِأي طائفةٍ مسيحيَّة غير أرثوذكسيَّة بِإنشاء كنائسها الخاصَّة وإقامة صلواتها وطُقوسها بها.<ref name="humanities.edu.ru">[http://www.humanities.edu.ru/db/msg/25608 Смахтина М. В. Правительственные ограничения предпринимательства старообрядцев в XVIII первой половине XIX в. // Материалы научно-практической конференции «Прохоровские чтения»]</ref> ويبدو أنَّهُ كان لِرغبة كاترين وقابليَّتها الاستغناء عن ثقافتها وخلفيَّتها الألمانيَّة [[بروتستانتية|الپروتستانتيَّة]] [[لوثرية|اللوثريَّة]] وتبنيها لِكُل وجهٍ من أوجه الثقافة والحضارة الروسيَّة (بما فيها [[أرثوذكسية شرقية|المذهب الأرثوذكسي الشرقي]]) دورٌ في جعلها غير مُتعصبة لِدينٍ أو مذهبٍ دون آخر، أو حتَّى غير مُبالية. صادرت كاترين جميع أراضي الكنيسة الأرثوذكسيَّة الروسيَّة، واستغلَّت مردودها المالي لِتمويل النشاط الحربي لِلإمبراطوريَّة، كما أفرغت مُعظم الأديرة وأجبرت الكهنة على العمل كمُزارعين، ولم تسمح لهم بِمُمارسة أيَّة أنشطة كنسيَّة إلَّا تلك البسيطة الخاصَّة بِالأحوال الشخصيَّة، [[تعميد|كتعميد الأطفال]] وما شابه. كان من نتيجة هذه السياسة أن ارتفعت نسبة مُهملي الطُقُوس الدينيَّة المسيحيَّة، وقلَّ عدد النُبلاء الذين كانوا يرتادون الكنائس، وجاهر بعضهم [[إلحاد|بِإلحاده]] وبعضهم الآخر بانشقاقه عن الكنيسة الروسيَّة. وعلى الرُغم من أنَّ كاترين لم تفرض على أحد اتباع مذهبٍ أو دينٍ مُعيَّن وسمحت لِغير الأرثوذكس ببناء كنائسهم وأديرتهم، إلَّا أنَّها ضيَّقت الخِناق على المُنشقين عن الكنيسة الروسيَّة، فلم تسمح لهم ببناء كنائسهم الخاصَّة في سبيل الحِفاظ على الهويَّة الوطنيَّة المُميزة لِروسيا، كما أنها قمعت المُلحدين ومُعارضي الأديان بِقُوَّة عندما نشبت [[الثورة الفرنسية|الثورة الفرنسيَّة]] خوفًا من تأثرهم بِالعلمانيين والمُلحدين الفرنسيين الذين جاهروا بِعداء [[الكنيسة الرومانية الكاثوليكية|الكنيسة الكاثوليكيَّة]] وغيَّروا وجهًا من الأوجه الثقافيَّة المُميزة لِفرنسا.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأول=Isabel De|الأخير=Madariaga|العنوان=Russia in the Age of Catherine the Great|الناشر=Yale University Press|السنة=1981|الصفحة=111-112}}</ref> بعد أن صادرت كاترين الأراضي التابعة لِلكنيسة الأرثوذكسيَّة الروسيَّة وجعلتها تحت إدارة الدولة، أصدرت في شهر شُباط (فبراير) 1764م قرارًا آخر قضى بِتجريد جميع الكهنة ورجال الدين من أراضيهم الزراعيَّة ومنعهم من تملُّك مثل هذه الأراضي، فخسر حوالي مليونيّ كاهن ما كان يمتلكه من أراضٍ لِصالح الحُكومة الروسيَّة، التي تولَّت الإشراف عليها مُمثلةً بِديوان الاقتصاد. وتلى ذلك التحريم في الأراضي الروسيَّة تجريد رجال الدين المسيحيين من الألمان المُهاجرين المُستوطنين في حوض الڤولغا، من مُمتلكاتهم العقاريَّة، وذلك سنة 1786م. وبهذا، أصبحت طبقة رجال الدين خاضعة تمامًا لِلحُكومة الروسيَّة بعد أن أُلغيت امتيازاتها الاقتصاديَّة التي كفلت لها الاكتفاء الذاتي بعيدًا عن الحُكُومة، واضطرَّ رجالُ الدين النصارى إلى الانضواء تحت جناح الدولة الروسيَّة بعد أن فقدوا قُوَّتهم الاقتصاديَّة، واضطرُّوا كذلك إلى الرُضُوخ لِإرادة الإمبراطورة، التي كانت تسعى - كما يبدو - لِضمان حُقُوق الأقليَّات المسيحيَّة في البلاد، وفي مُقدمتها [[بروتستانتية|الپروتستانت]]، الذين كانوا يُعتبرون هراطقة في نظر الكنيسة الأرثوذكسيَّة، وما كانت هذه لِترضى مُعاملتهم على قدم المُساواة مع رعيَّتها من الأرثوذكس فيما لو بقيت سُلطة رجالُ الدين قويَّة. أوقفت كاترين الثانية - خِلال سنوات حُكمها الأولى - اضطهاد أصحاب الإيمان القديم، وهؤلاء طائفة من الروس الأرثوذكس كانوا ما يزالون مُتبعين لِلشعائر والطُقُوس القديمة التي سبقت إصلاحات [[البطريرك نيكون|البطريرك نيكون المسكوبي]] مُنذ ما يزيد عن مائة سنة،<ref group="ْ">Zenkovsky, Serge A.: "The ideology of the Denisov brothers", ''Harvard Slavic Studies'', 1957. III, 49–66</ref> فدعتهم إلى العودة إلى بلادهم التي نُفُوا منها وشملتهم بِالحماية الكاملة، وشجعتهم على استثمار واستغلال الأراضي المهجورة، كونهم اشتهروا بأنهم مُزارعين وحرفيين نشطين،<ref>А. Мыльников: «Сенату предписывалось разработать положение о свободном возвращении староверов, бежавших в преж-ние годы из-за религиозных преследований в Речь Посполитую и другие страны. Возвращавшимся предлагалось по их усмотрению поселяться в Сибири, Барабинской степи и некоторых других местах. …
Круг указов, которыми император обе-щал защитить старообрядцев „от чинимых им обид и притеснений“, был скреплен торжественным манифестом 28 февраля. Бежавшим за рубеж „великороссийским и малороссийским разного звания людям, также раскольникам, купцам, помещичьим крестьянам, дворовым людям и воинским дезертирам“ разрешалось возвращаться до 27 марта (9 апреля) 1900 года „без всякой боязни или страха“» [http://pryahi.indeep.ru/history/mylnikov.html] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170913191907/http://pryahi.indeep.ru:80/history/mylnikov.html |date=13 سبتمبر 2017}}</ref> فعاد أغلبهم إلى موطنهم الأصلي واستقرُّوا مُجددًا،<ref name="humanities.edu.ru"/> ثُمَّ ما لبثت كاترين أن أصدرت مرسومًا يسمح لهم باتخاذ مرجعيَّتهم الخاصَّة دون الرُجُوع إلى البطريركيَّة المسكوبيَّة.<ref>{{ВТ-ЭСБЕ|Беглопоповщина}}</ref><ref>О реформе патриарха Никона Екатерина в 1763 году писала — «Никон-личность возбуждающая во мне отвращение. Счастливее бы была, еслибы не слыхала о его имени… Подчинить себе пытался Никон и государя: он хотел сделаться папой… Никон внёс смуту и разделения в отечественную мирную до него и целостно единю церковь. Триперстие навязано нам греками при помощи проклятий, истязаний и смертельных казней… Никон из Алексея царя-отца сделал тирана и истязателя своего народа»[http://krotov.info/acts/18/2/17630915.html] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170928134504/http://krotov.info:80/acts/18/2/17630915.html |date=28 سبتمبر 2017}}</ref>
 
=== المشاكل السياسيَّة الداخليَّة ===
 
=== حرب الفلَّاحين (1773-1775م) ===
 
=== ظُهُور طائفة الماسونيَّة الروسيَّة ===
 
=== تطوُّر وازدهار الآداب ===
 
== سياستها الخارجيَّة ==
 
=== توسيع حُدُود الإمبراطوريَّة ===
 
=== تفتيت الاتحاد البولوني الليتواني ===
 
=== الحرب مع العُثمانيين والاستيلاء على القرم ===
 
=== العلاقات مع الكرج وفارس ===
 
=== العلاقات مع السُويد ===
 
=== العلاقات مع اليابان ===
 
=== العلاقات مع أوروپَّا الغربيَّة ===
 
== كاترين الثانية بِصفتها صاحبة عصر التنوُّر الروسي ==
 
=== المُؤسسات التربويَّة والتعليميَّة ===
 
=== تطوُّر النثر والشعر الروسيين ===
 
=== النهضة الثقافيَّة والفنيَّة ===
 
=== الدعاية الإعلاميَّة ===
 
== حياتها الشخصيَّة ==
 
=== خلَّانها ===
 
==== پونياتوسكي ====
 
==== أورلوڤ ====
 
==== پوتمکین ====
 
=== أقنانها ===
 
==== حُقوقهم وأوضاعهم ====
 
==== مواقفهم تجاه الإمبراطورة ====
 
== آخر أيَّامها ووفاتها ==
 
== ذُرِّيتها ==
 
== إرثها وذكراها ==
 
== انظر أيضًا ==
 
== المراجع ==
السطر 383 ⟵ 335:
{{شريط بوابات|السياسة|المرأة|أعلام|تاريخ أوروبا|الإمبراطورية الروسية|ملكية}}
{{لا لربط البوابات المعادل}}
 
[[تصنيف:كاترين الثانية|*]]
[[تصنيف:آلكاترين أسكانياالثانية|كاترين الثانية]]
[[تصنيف:أسرة هولشتاين - غوتورب - رومانوف]]
[[تصنيف:أشخاص من حرب الخلافة البافارية]]
[[تصنيف:أشخاص من شتتين]]
[[تصنيف:أعضاء الأكاديمية البروسية للعلوم]]
السطر 393 ⟵ 346:
[[تصنيف:إمبراطورات روسيات]]
[[تصنيف:إمبراطورات صاحبات نهج سائد]]
[[تصنيف:آل أسكانيا]]
[[تصنيف:بروتستانت تحولوا إلى الأرثوذكسية الشرقية]]
[[تصنيف:جامعو فنون روس]]