أدب المدينة الفاضلة: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:صيانة 4.V2، أزال بذرة
ط تدقيق إملائي
سطر 16:
'''الطوباوية في العصر الحديث'''
 
يمكن القول إن المخيلة الدينية في العصر الحديث كانت بديلاً من المشروعات الطوباوية التي تحدث عنها القدماء؛ إذ لم يعد الناس في فترة انتشار المسيحية في أورباأوروبا يفكرون بأمكنة الرخاء على الأرض، وإنما بجنات تقع في العالم الآخر تكون جزاءً للمؤمنين المتعبدين تعوّضهم عن الحياة الأرضية القاسية المليئة بالحروب. لم يمنع ذلك ظهور بعض القصص الخرافية التي انبثقت من الحكايات الدينية لتصور بلاد النعيم Pays de Cocagne كنموذج لجنة الله على الأرض، وكتلك البلاد التي روى القديس برندان Brendan أنها تحتوي على «كاتدرائيات من الزجاج». كما أن بعض المواكب الصاخبة والكرنڤالات وأعياد المجانين التي درج الاحتفال بها في القرون الوسطى كانت تصور العالم مقلوباً، إذ إن التنكر وادعاء الجنون كانا وسيلتين ناجعتين لانتقاد المؤسسات القائمة، ولوصف ما ينبثق من المخيلة من أشكال الحياة السعيدة. ولاشك في أن مؤلَف إراسموسErasme «مديح الجنون»    (1511) Eloge de la folie كان أحد تداعيات هذه الفكرة التي تصور عالم الجنون بديلاً من العالم الواقعي.
 
ما كان لفكرة اليوتوبيا التي أطلقها توماس مور أن تُحْدِثَ ذلك التأثير كلَّه لو لم تكن تلك الحقبة مرحلة تغيرات جذرية. فقد كان للاكتشافات الجغرافية دورها في قلب مفاهيم مركزية الغرب الأوربي، ولنظريات كوبرنيكوس Copernic وغاليليوGalilée في كروية الأرض تأثيرها في زعزعة القناعة بثبات الكوكب وتسطحه، إضافة إلى أن الحروب الدينية التي تولدت عن الإصلاح الديني فرضت إعادة النظر في طبيعة الممارسات الدينية وجوهرها. وعلى الصُّعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أيضا كان لانهيار النظام الإقطاعي وصعود البرجوازية دورهما في فسح المجال أمام ظهور قوى جديدة غيَّرت موازين القوى كثيراً؛ إذ قام كتَّاب ومفكرو تلك الفترة المضطربة بوضع صيغ جديدة للعيش؛ ففي فرنسا، وأمام وعود الملك فرانسوا الأولFrançois 1er بالتسامح الديني وصف فرانسوا رابليه François Rabelais مكاناً مُتخيلاً هو دير تيليم L’abbaye de Thélèmeالذي يحكمه تنظيم حكيم يسهّل العلاقات الاجتماعية في إطار طبيعي يقوم على الانسجام، لكن رابليه سرعان ما عبّر عن تشاؤمه من إمكانيات التغيير ذاته أمام قسوة الواقع وتصاعد التعصب الديني من جديد ومشاهد العنف المرعبة التي صارت جزءاً من العيش اليومي منذ عام 1540.
سطر 22:
أما في إنكلترا فقد كان الوضع مختلفاً، فبعد أن ظهر مؤلف فرانسيس بيكون Francis Bacon عن الاطنلطس الجديدةNouvelle Atlantide عام 1627، وكتاب صمويل هارتليب Samuel Hartlib عن مملكة ماكاريا Macarie في 1641، ثم كتاب صمويل غوت Samuel Gott عن سوليما الجديدة La Nouvelle Solyme في 1648؛ بدأ المفكرون والكتّاب يصبُّون اهتمامهم على الواقع ومحاولة تغييره بدلاً من الهروب بالتفكير إلى أمكنة بعيدة، ويمكن تفسير ذلك بتأثير أفكار كرومويل Cromwell الذي كان له أثرًٌ أساسيًٌ في تغيير بنية الحكم والتقنيات العسكرية، وكان وراء اندلاع الثورة البرجوازية الكبيرة التي جعلت من إنكلترا قوة تجارية واستعمارية كبيرة. ولذلك ظهرت في تلك الفترة مؤلفات تناقش روحية القوانين مثل كتابي «قانون العدالة الجديد»(1649) La Nouvelle loi de justice و«قانون الحرية» (1625) La Loi de liberté لجيرارد وينستانلي Gerrard Winstanley، وكتاب «لوياثان» Léviathan لهوبز (1651) Hobbes الذي عرض فيه أفكاره ونظريته الفلسفية والسياسية حول عَقْدٍ اجتماعي يتخلى بموجبه الناس عن حقوقهم الطبيعية لصالح المجتمع، وكتاب «أوسيانا» Oceana لجيمس هارينغتون James Harringtonالذي نشره في عام 1656 وأهداه لكرومويل، وطرح فيه مشروعه لإعادة تنظيم المجتمع ليجعله مثالياً.
 
مع ظهور تيار الافتتان بما هو غريب Exotisme في القرن الثامن عشر،، ومع الانتشار الواسع لأدب الرحلات الذي تختلط فيه القصص الحقيقية بتلك المتخيلة لبلاد سعيدة، توجَّه الأدب نحو التعبير عن التوق إلى المجهول الذي أظهرته عنوانات الكتب في تلك الفترة مثل مجموعة «رحلات غوليفر» (1726) Les Voyages de Gulliver  لسويفت Swift، و«اكتشاف الجزء الجنوبي من الأرض» (1777ـ1782) La Découverte australe لريستيف دي لا بروتون Restif de la Bretonne، و«أركاديا»(1781) L’Arcadie لبرناردان دي سان بيير Bernardin de Saint Pierre، و«ملحق لرحلة بوغانفيل» (1796) Supplément au Voyage de Bougainville لديدرو Diderot، وكتابيَ سيرانو دي برجراك Cyrano de Bergerac «القصة المضحكة لدول وامبراطوريات القمر» (1657) L’Histoire comique des Etats et empires de la lune، و«دول وامبراطوريات الشمس» (1662)Etats et empires du Soleil. وكان القرن الثامن عشر أيضاً عصر التنوير وأفكار الموسوعيين الجديدة حول دور القانون في التأسيس لمجتمع أفضل، إضافة إلى المفاهيم الجديدة حول المساواة والإخاء والحرية التي مهدت للثورة الفرنسية، ولذلك صارت المشروعات الطوباوية في كل أورباأوروبا حتى القرن التاسع عشر تتناول نمطاً جديداً من الحياة الجماعية التي تنعدم فيها الملكية الفردية. ففي كتاب موريللي Morelly «قانون الطبيعة» (1755) Code de la nature نجد طرحاً لأسس حياة شيوعية بدائية ذات نمط زراعي. كما أن روبرت أوين Robert Owen الذي اهتم بظروف العمال وبتحسين القوانين الاجتماعية للعمل في إنكلترا حاول أن يؤسس مستعمرة شيوعية في الولايات المتحدة أسماها «الانسجام الجديد» New Harmony، لكن مشروعه أخفق، فعاد إلى التنظير، وطرح في مجلة أصدرها بعنوان «العالم الأخلاقي الجديد» (1836ـ1844) The New Moral Worldنظرياته عن الشيوعية الطوباوية. كذلك كتب الألماني فيلهلم فايتلينغ Wilhelm Weitling الذي تأثر بالأفكار الاشتراكية في فرنسا «البشرية كما هي وكما يجب أن تكون» (1838) L’Humanité comme elle est et comme elle devrait être، كما حاول تأسيس رابطة للحرفيين وبناء مستعمرة شيوعية أسماها Communia، لكن مشروعه هذا باء بالإخفاق أيضاً.
 
هذه المشروعات تأثرت كثيراً بأفكار الاشتراكية الطوباوية التي نشرها في فرنسا شارل فورييه Charles Fourier الذي حلم بعالم جديد، وكلود هنري دي سان سيمون Saint-Simon الذي وجه تفكيره نحو تأسيس «المسيحية الجديدة» (1825) Le Nouveau Christianisme، وأعلن عن رغبته في إعادة جنات عدن إلى الأرض. وهناك أيضاً إتيين كابيه Etienne Cabet الذي ألّف «رحلة إلى إيكاريا» Voyage en Icarie في منفاه في لندن، ثم حاول بعد ذلك أن يحوّل إيكاريا المكتوبة على الورق إلى نموذج حقيقي.