مستخدم:منصورالواقدي/ملعب: الفرق بين النسختين

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إزالة محتوى نسخة سابقة أهل السنة والجماعة = (مسودة).
تفريغ الصفحة (نصوص تعريف السنة..)
وسم: استبدل
سطر 1:
==[[أهل السنة والجماعة#التاريخ|التاريخ]]==
{{أخضر|اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم، ماشاء الله كان ومالم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شئ قدير، وأن اللة قد أحاط بكل شئ علما وأحصى كل شئ عددا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دآبة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم}}
{{لون خلفية مقالة}}
[[أهل السنة والجماعة|★]] [[نقاش:أهل السنة والجماعة|ن]] [[ويكيبيديا:ترشيحاتمراجعة المقالات المختارةالزملاء/الصومأهل فيالسنة الإسلاموالجماعة|ت.صم]] [[ويكيبيديا:ترشيحات المقالات المختارة/أهل السنة والجماعة|ت.أ]]
 
=[[سنةأهل (إسلام)السنة والجماعة|☆]]=
<!-- ==مقدمة==
 
'''السُنَّة''' في [[تعريف لغوي|اللغة]]: الطريقة المسلوكة والسيرة والمثال المتبع والإمام المؤتم به، ولفظ السُنَّة يدل على معان متعددة، ويختلف تعريفها بالمعنى الشرعي عند علماء الشريعة بحسب مجال استخدامها:
* عند [[علم الحديث|المحدثين]] السنة هي: «كل ما أثر عن [[محمد بن عبد الله|النبي]] {{صلى الله عليه وسلم}} من قول أو فعل أو تقرير أو سيرة أو صفة خَلقية أو خُلقية، سواء أكان ذلك قبل البعثة أم بعدها». راجع [[حديث نبوي|الحديث النبوي]].
* عند علماء [[أصول الفقه]] السنة هي: الأصل الثاني من أصول أدلة الأحكام الشرعية، وهي: {{مض|ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو، ولا هو معجز ولا داخل في المعجز}}، وهذا النوع هو المقصود بالبيان في علم [[أصول الفقه]]. قال سيف الدين الآمدي: {{مض|ويدخل في ذلك أقوال النبي عليه السلام، وأفعاله وتقاريره}}. والأقوال تشمل ال[[أمر]] وال[[نهي]] والتخيير والخبر وجهات دلالتها ضمن الأدلة المنقولة الشرعية.<ref name="الإحكام"/>
* في [[علم مصطلح الحديث]] السنة هي: «ما أضيف إلى [[محمد بن عبد الله|النبي]] {{صلى الله عليه وسلم}} من قول أو فعل أو تقرير».
* عند [[فقه|الفقهاء]] السنة هي: «ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي عليه السلام»، وتطلق تارة على [[المندوب]] أو المستحب الذي يقابل [[الفرض]] وغيره من الأحكام الخمسة.
* عند علماء [[علم الكلام|العقيدة]]؛ السنة هي: «هدي [[محمد بن عبد الله|النبي]] {{صلى الله عليه وسلم}} في أصول الدين، وما كان عليه هو وأصحابه والخلفاء الراشدون من الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، وما شرعه أو أقره مقابل [[بدعة|البدع]] والمحدثات في الدين». وقد تطلق السنة أيضا بمعنى الدين كله.
 
==[[سنة (إسلام)|☆]]==
===سنة الله===
وسَنَّة الله: أحكامه وأمره ونهيه كما ذكر عن اللحياني، وسننها الله للناس: بينها. وسن الله سنة أي: بين طريقا قويما، قال الله تعالى: {{قرآن|سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}}. ﴿الأحزاب: ٦٢﴾، نصب سنة الله على إرادة الفعل أي: سن الله ذلك في الذين نافقوا الأنبياء وأرجفوا بهم أن يقتلوا أين ثقفوا أي وجدوا.<ref name="ابن منظور"/>
 
===السنة بمعنى السيرة===
تكون كلمة: السَنَّة أيضا بمعنى: السيرة، حسنة كانت أو قبيحة، قال خالد بن عتبة الهذلي:
{{قصيدة|فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها|فأول راض سنة من يسيرها}}
ويقال: سننتها سننَّا، وسننتها بمعنى: سرتها، و{{قرآن|سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}}: سيرتهم وفي القرآن: {{قرآن|وَمَا مَنَعَ الْنَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا}}. ﴿الكهف: ٥٥﴾
قال الزجاج: سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب فطلب المشركون أن قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.
ويقال: سننت لكم سنة فاتبعوها أي: سيروا عليها.<ref name="ابن منظور"/>
 
==كلمة: السنة في القرآن الكريم==
جاء في القرآن الكريم ذكر كلمة سنة وما تصرف منها في مواضع متعددة،
 
قال الله تعالى: {{قرآن|قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}}. ﴿الأنفال: ٣٨﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ}}. ﴿الحجر: ١٣﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}}. ﴿الإسراء: ٧٧﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|وَمَا مَنَعَ الْنَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا}}. ﴿الكهف: ٥٥﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن| فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۚ }} ﴿الأحزاب: ٣٨﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}}. ﴿الأحزاب: ٦٢﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً}}. ﴿فاطر: ٤٣﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}}. ﴿غافر: ٨٥﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}} ﴿الفتح: ٢٣﴾
 
قال الله تعالى: {{قرآن|قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}} ﴿آل عمران: ١٣٧﴾
 
قال الله تعالى:{{قرآن|يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}} ﴿النساء: ٢٦﴾
 
===الأنفال===
 
سَنَّة الله أوامره ونواهيه وأحكامه، وجاء في نصوص القرآن ذكر كلمة: سَنَّة وسَنَّة الله وسَنَّة الرسل وأممهم وسنة الأولين أي: سيرتهم وبمعنى: سَنَّة الله في الأولين،
 
قال الله تعالى: {{قرآن|قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}}. ﴿الأنفال: ٣٨﴾
وهذه الآية نزلت في كفار مكة أن ينتهوا عما هم عليه من كفرهم بالله ورسوله ومحاربة الرسول والمؤمنين؛ يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا إلى ماهم عليه؛ فقد خلت أي: مضت سنة الله في الأولين منهم بما وقع بهم [[غزوة بدر|ببدر]] وما وقع فيمن قبلهم من سالف الأمم الذين كذبوا الرسل وطغوا في الأرض وكانت سنة الله فيهم بتعجيل نقمة الله عليهم،
قال أبو جعفر: {{مض|يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {{قرآن|قل}}: يا محمد: {{قرآن|للذين كفروا}}: من مشركي قومك: {{قرآن|إن ينتهوا}}: عما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ورسوله وقتالك وقتال المؤمنين فينيبوا إلى الإيمان؛ يغفر الله لهم ما قد خلا ومضى من ذنوبهم قبل إيمانهم وإنابتهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله بإيمانهم وتوبتهم، {{قرآن|وإن يعودوا}} يقول: وإن يعد هؤلاء المشركون لقتالك بعد الوقعة التي أوقعتها بهم يوم بدر؛ فقد مضت سنتي في الأولين منهم ببدر، ومن غيرهم من القرون الخالية إذ طغوا وكذبوا رسلي ولم يقبلوا نصحهم، من إحلال عاجل النِّقَم بهم، فأحلّ بهؤلاء إن عادوا لحربك وقتالك، مثل الذي أحللت بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل}}.<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة الأنفال، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ}}. ﴿الأنفال: ٣٨﴾. ج13 ص536.</ref>
 
وقال الله تعالى: {{قرآن|كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ}} ﴿الحجر: ١٢﴾ {{قرآن|لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ}} ﴿الحجر: ١٣﴾
أي: أن الذين سلك الله في قلوبهم التكذيب لا يؤمنون بالقرآن حتى يروا العذاب الأليم، وقد مضت سنة الله فيمن كان قبلهم ممن كذب الرسل حتى وقعت عليهم وقائع سخط الله فهلكوا،
قال ابن جرير الطبري: وقوله: {{قرآن|وقد خلت سنة الأولين}} يقول تعالى ذكره: لا يؤمن بهذا القرآن قومك الذين سلكت في قلوبهم التكذيب {{قرآن|حتى يروا العذاب الأليم}} أخذا منهم سنة أسلافهم من المشركين قبلهم من قوم عاد وثمود وضربائهم من الأمم التي كذبت رسلها، فلم تؤمن بما جاءها من عند الله حتى حل بها سخط الله فهلكت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. روى ابن جرير عن قتادة: قوله: {{قرآن|كذلك نسلكه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين}} وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم.<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة الحجر، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|كذلك نسلكه في قلوب المجرمين...}}، ج17 ص71.</ref>
 
وقال الله تعالى: {{قرآن|وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}} ﴿الإسراء: ٧٦﴾ {{قرآن|سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا}} ﴿الإسراء: ٧٧﴾
أي: لو أخرجوك لأهلكناهم، سنة الله فيمن أرسل من الرسل من قبل بإهلاك الأمم التي أخرجت رسلها،
قال أبو جعفر الطبري: {{مض|يقول تعالى ذكره: لو أخرجوك لم يلبثوا خلافك إلا قليلا ولأهلكناهم بعذاب من عندنا، سنتنا فيمن قد أرسلنا قبلك من رسلنا، فإنا كذلك كنا نفعل بالأمم إذا أخرجت رسلها من بين أظهرهم، ونصبت السنة على الخروج من معنى قوله: {{قرآن|لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قليلاً}} لأن معنى ذلك: لعذّبناهم بعد قليل كسنتنا في أمم من أرسلنا قبلك من رسلنا، ولا تجد لسنتنا تحويلا عما جرت به}}.
وروى ابن جرير عن قتادة، قوله: {{قرآن|سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا}}: أي: سنة الأمم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذبوا رسلهم وأخرجوهم، لم يناظروا أن الله أنزل عليهم عذابه.<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة الإسراء، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}} ﴿الإسراء: ٧٦﴾ ص290.</ref>
 
وفي [[سورة فاطر]] أيضا: قال الله تعالى: {{قرآن|اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً}}. ﴿فاطر: ٤٣﴾
 
وفي [[سورة غافر]]: قال الله تعالى: {{قرآن| فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}}. ﴿غافر: ٨٥﴾
أي: أنه لا ينفع الإيمان عند معاينة العذاب، وقد مضى حكم الله في سابق علمه أنه لا يقبل توبة من تاب بعد نزول العذاب،
قال ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكره: فلم يك ينفعهم تصديقهم في الدنيا بتوحيد الله عند معاينة عقابه قد نزل، وعذابه قد حل؛ لأنهم صدقوا حين لا ينفع التصديق مصدقا، إذ كان قد مضى حكم الله في السابق من علمه: أن من تاب بعد نزول العذاب من الله على تكذيبه لم تنفعه توبته<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة غافر، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا..}}، الجزء الحادي والعشرون، ص424، دار المعارف.</ref>
 
===رسم كلمة: سُنَّت===
ورد في القرآن الكريم ذكر كلمة: سُنَّة بضم السين المهملة أولها وفتح النون مشددة،<ref group="°">ورد في القرآن الكريم أيضا ذكر كلمة: سنة بفتح السين المهملة وفتح النون مخففة بعدها بمعنى: الفترة الزمنية، وقد تكون بكسر أولها وفتح النون مخففة بمعنى: النعاس.</ref> ووقع في المصحف كتابة هذه الكلمة: سُنَّة بالهاء في مواضع، وكتابتها: سُنَّت بالتاء في مواضع، وقد ذكر ابن الجزري ذلك في منظومة المقدمة بقوله:
{{قصيدة|شجرت الدخان {{أخضر|سُنَّت فاطر}}|{{أخضر|كلا والانفال وأخرى غافر}}}}
والمعنى: أن كلمة: سُنَّت وقع رسمها بالتاء في مواضع:
* الأول: [[سورة فاطر]]: ﴿٤٣﴾، في قول الله تعالى: {{قرآن|اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً}}. ﴿فاطر: ٤٣﴾، ذكرت هذه الكلمة ثلاث مرات في نفس الآية ورسمت بالتاء في كل موضع من المواضع الثلاثة في هذه الآية وهي:
** {{قرآن|سُنَّتَ الأَوَّلِينَ}}.
** {{قرآن|فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً}}.
** {{قرآن|وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً}}.
* الثاني: سورة الأنفال: ﴿٣٨﴾ في قوله تعالى: {{قرآن|وَإِن يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ}}.
* الثالث: سورة غافر: ﴿٨٥﴾ في قوله تعالى: {{قرآن|سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ}}، في آخر آية من السورة.<ref>متن منظومة: المقدمة الجزرية: (مقدمة ابن الجزري)، وتسمى: المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه، باب التاءات، محمد ابن الجزري.</ref>
 
فكلمة: سُنَّت رسمت بالتاء في هذه المواضع ويوقف عليها بالتاء، وما عدا هذه المواضع فرسمت بهاء التأنيث: سُنَّة، وتظهر فائدة هذا في القراءة، فما رسم بالتاء ينطق بالتاء في الوصل والوقف، وما رسم بالهاء ينطق تاء في الوصل، وينطق هاء في الوقف عليه.
 
===السنة بمعنى: المثال المتبع===
تكون السنة أيضا بمعنى: المثال المتبع والإمام المؤتم به، وقد جاء في القرآن الكريم ذكر كلمة: السنن وهو جمع سنة بمعنى: المثلات،
قال الله تعالى: {{قرآن|قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}} ﴿آل عمران: ١٣٧﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره: {{قرآن|قد خلت من قبلكم سنن}}، مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم، يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وقوم لوط، وغيرهم من سلاف الأمم قبلكم، {{قرآن|سنن}} يعني: مثلات سير بها فيهم وفيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم بإمهالي أهل التكذيب بهم واستدراجي إياهم، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم، ثم أحللت بهم عقوبتي وأنزلت بساحتهم نقمي، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا. قال ابن زيد: سنن أي: أمثال.<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة آل عمران: ﴿١٣٧﴾، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}}، الجزء السابع، ص228 وما بعدها، دار المعارف.</ref>
 
قال أبو جعفر: وأما "السنن" فإنها جمع "سنة"، "والسنة" هي: المثال المتبع والإمام المؤتم به. يقال منه: "سن فلان فينا سنة حسنة، وسن سنة سيئة"، إذا عمل عملا اتبع عليه من خير وشر، ومنه قول لبيد بن ربيعة:
{{قصيدة|من معشر سنت لهم آباؤهم|ولكل قوم سنة وإمامها}}
وقول سليمان بن قتة:
{{قصيدة|وإن الألى بالطف من آل هاشم|تآسوا فسنوا للكرام التآسيا.<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة آل عمران، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين}}، الجزء السابع، ص231 و232، دار المعارف.</ref>}}
 
[http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=1068&idto=1068&bk_no=50&ID=1074]
 
===النساء===
وتكون السنة أيضا بمعنى: الطريق والسبيل، قال الله تعالى: {{قرآن|يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}} ﴿النساء: ٢٦﴾
 
يعني: سبل من قبلكم من أهل الإيمان بالله وأنبيائه، ومناهجهم فيما حرم عليكم من نكاح الأمهات والبنات والأخوات وسائر ما حرم عليكم في الآيتين اللتين بين فيهما ما حرم من النساء.<ref>تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة آل عمران، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}} النساء (٢٦)، ج8، ص209.</ref>
 
===قسم===
 
== تعريف السنة ==
=== في اللغة ===
السُنَّة في [[تعريف لغوي|اللغة]] الطريقة المسلوكة والمثال المتبع الذي يقتدى به والسيرة المتبعة‏، والعادة المستمرة الدائمة، وعرفها ابن جرير الطبري بمعنى: {{مض|المثال المتبع والإمام المؤتم به}}. قال لبيد:
{{قصيدة|من معشر سنت لهم آباؤهم|ولكل قوم سنة وإمامها.<ref>تفسير ابن جرير الطبري، ج4 ص65</ref>}}
وسَنَّة الله: أحكامه وأمره ونهيه كما ذكر عن اللحياني، وسننها الله للناس: بينها. وسن الله سنة أي: بين طريقا قويما، قال الله تعالى: {{قرآن|سنة الله في الذين خلوا من قبل..}}، نصب سنة الله على إرادة الفعل أي: سن الله ذلك في الذين نافقوا الأنبياء وأرجفوا بهم أن يقتلوا أين ثقفوا أي وجدوا.<ref name="ابن منظور">{{مرجع كتاب|المؤلف1=أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور|وصلة المؤلف1=ابن منظور|العنوان=لسان العرب، ج7 حرف السين (سنن)|الناشر=دار صادر|سنة=2003م|الصفحة=280 و281|المسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=4032&idto=4032&bk_no=122&ID=4039|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
والسَنَّة أيضا بمعنى: السيرة، حسنة كانت أو قبيحة، قال خالد بن عتبة الهذلي:
{{قصيدة|فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها|فأول راض سنة من يسيرها}}
ويقال: سننتها سننَّا، وسننتها بمعنى: سرتها، وسنة الأولين سيرتهم وفي القرآن: {{قرآن|وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا}}
 
قال الزجاج: سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب فطلب المشركون أن قالوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء.
ويقال: سننت لكم سنة فاتبعوها أي: سيروا عليها، وفي الحديث: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة..» يريد من عملها ليقتدى به فيها، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده، قيل: هو الذي سنه، قال نصيب:
{{قصيدة|كأني سننت الحب أول عاشق|من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي}}
وقد تكرر في [[الحديث]] ذكر كلمة: «السنة» وما تصرف منها، والأصل فيه أنها بمعنى: الطريقة والسيرة، وقال [[ابن منظور]]: «وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي {{صلى الله عليه وسلم}}، ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز؛ ولهذا يقال: في أدلة الشرع: الكتاب والسنة أي: القرآن والحديث».<ref name="ابن منظور"/> ومما يدل على هذا حديث: «إنما أنسى لأسن» أي: إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان، قال: ويجوز أن يكون من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها، وفي الحديث: «أنه نزل المحصب ولم يسنه» أي: لم يجعله سنة يعمل بها، قال: وقد يفعل الشيء لسبب خاص فلا يعم غيره، وقد يفعل لمعنى فيزول ذلك المعنى ويبقى الفعل على حاله متبعا كقصر الصلاة في السفر للخوف، ثم استمر القصر مع عدم الخوف، ومنه حديث [[ابن عباس]]: «رمل رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وليس بسنة» أي: أنه لم يسن فعله لكافة الأمة، ولكن لسبب خاص، وهو أن يري المشركين قوة أصحابه، وهذا مذهب ابن عباس، وأما غيره؛ فيرى أن الرمل في طواف القدوم سنة، وفي حديث محلم بن جثامة: «أسنن اليوم وغير غدا».<ref>[http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=60&ID=6335 سير أعلام النبلاء للذهبي ج27 ص101] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170217144057/http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=60&ID=6335 |date=17 فبراير 2017}}</ref> أي: اعمل بسنتك التي سننتها في القصاص، ثم بعد ذلك إذا شئت أن تغير فغير أي: تغير ما سننت، وقيل: تغير، من أخذ الغير وهي الدية، وفي الحديث: «إن أكبر الكبائر أن تقاتل أهل صفقتك وتبدل سنتك»: أراد بتبديل السنة: أن يرجع أعرابيا بعد هجرته، وفي حديث المجوس: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» أي: خذوهم على طريقتهم وأجروهم في قبول الجزية مجراهم. وفي الحديث: «لا ينقض عهدهم عن سنة ماحل» أي: لا ينقض بسعي ساع بالنميمة والإفساد، كما يقال: لا أفسد ما بيني وبينك بمذاهب الأشرار وطرقهم في الفساد، والسنة الطريقة والسنن أيضا، وفي الحديث: «ألا رجل يرد عنا من سنن هؤلاء».
 
قال في التهذيب: السنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة، معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذة من السنن وهو الطريق.
{{تحديد|ويقال للخط الأسود على متن الحمار: سنة. السنة الطبيعة، وبه فسر بعضهم قول الأعشى:
{{قصيدة|كريم شمائله من بني|معاوية الأكرمين السنن}}
وامض على سننك أي وجهك وقصدك. وللطريق سنن أيضا، وسنن الطريق وسننه وسننه وسننه: نهجه. يقال: خدعك سنن الطريق وسنته، والسنة أيضا: سنة الوجه، وقال اللحياني: ترك فلان لك سنن الطريق وسننه وسننه أي جهته، قال ابن سيده: ولا أعرف سننا عن غير اللحياني، وعن شمر بن حمدويه: السنة في الأصل سنة الطريق، وهو طريق سنه أوائل الناس فصار مسلكا لمن بعدهم. وسن فلان طريقا من الخير يسنه إذا ابتدأ أمرا من البر لم يعرفه قومه فاستسنوا به وسلكوه، وهو سنين. ويقال: سن الطريق سنا وسننا، فالسن المصدر، والسنن: الاسم بمعنى المسنون، ويقال: تنح عن سنن الطريق وسننه وسننه، ثلاث لغات.
 
قال أبو عبيد: سنن الطريق وسننه محجته، وتنح عن سنن الجبل أي عن وجهه، الجوهري: السنن الطريقة يقال: استقام فلان على سنن واحد، ويقال: امض على سننك وسننك أي: على وجهك، والمسنسن: الطريق المسلوك. وفي التهذيب: طريق يسلك. وتسنن الرجل في عدوه واستن مضى على وجهه، وقول جرير:
{{قصيدة|ظللنا بمستن الحرور كأننا|لدى فرس مستقبل الريح صائم}}
عنى بمستنها موضع جري السراب، وقيل: موضع اشتداد حرها كأنها تستن فيه عدوا وقد يجوز أن يكون مخرج الريح؛ قال ابن سيده: وهو عندي أحسن إلا أن الأول قول المتقدمين، والاسم منه السنن. أبو زيد: استنت الدابة على وجه الأرض}}
 
== بالمعنى الشرعي ==
تستعمل كلمة: «السُنَّة» وما تصرف منها بالمعنى الشرعي لمعان متعددة عند علماء الشريعة الإسلامية على اختلاف مجالات العلوم الشرعية بحسب المقصود منها في كل علم، قال الشافعي: {{مض|إطلاق السنة يتناول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم}}.<ref>أصول السرخسي ص113 و114.</ref> فتطلق في [[علم أصول الفقه]] بمعنى الدليل الشرعي، ويبحث فيه من حيث كونه دليلا ويضع القواعد والشروط التي يتوصل منها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية، وتطلق عند المحدثين بمعنى: الحديث من حيث النقل والرواية،
 
 
=== السنة في علم أصول الفقه ===
 
السنة في [[علم أصول الفقه]] بمعنى: الدليل الشرعي وهو الأصل الثاني من أصول [[أدلة الفقه]]، وهو: {{مض|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وفعله وإقراره}}، قال تقي الدين الفتوحي في تعريف السنة في اصطلاح علماء أصول الفقه هي: {{مض|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} غير الوحي أي: غير القرآن}}.<ref name="الفتوحي"/> والسنة في اصطلاح علماء أصول الفقه هي: {{مض|ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو، ولا هو معجز ولا داخل في المعجز}}، وهذا النوع هو المقصود بالبيان في علم [[أصول الفقه]]. قال سيف الدين الآمدي: {{مض|ويدخل في ذلك أقوال النبي عليه السلام، وأفعاله وتقاريره}}. والأقوال تشمل ال[[أمر]] وال[[نهي]] والتخيير والخبر وجهات دلالتها ضمن الأدلة المنقولة الشرعية.<ref name="الإحكام">{{مرجع كتاب|المؤلف=سيف الدين الآمدي|العنوان=كتاب الإحكام في أصول الأحكام القاعدة الثانية في بيان الدليل الشرعي وأقسامه وما يتعلق به من أحكامه القسم الأول فيما يجب العمل به مما يسمى دليلا شرعيا، الأصل الثاني في السنة، الجزء الأول|الصفحة=169}}</ref>
 
قال تقي الدين الفتوحي: {{مض|السنة شرعا واصطلاحا: قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وفعله وإقراره على الشيء، يقال أو يفعل، فإذا سمع النبي {{صلى الله عليه وسلم}} إنسانا يقول شيئا، أو رآه يفعل شيئا فأقره عليه فهو من السنة قطعا}}، وقال أيضا: {{مض|والمراد من أقوال النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وأفعاله: ما لم يكن على وجه الإعجاز}}.<ref name="الفتوحي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=تقي الدين أبو البقاء الفتوحي|العنوان=شرح الكوكب المنير، باب في السنة|الناشر=مطبعة السنة المحمدية|الإصدار=د.ط د.ت|الصفحة=210 إلى 212|تاريخ الوصول=27/ [[المحرم]]/ 1437 هـ}}</ref>
 
السنة في [[علم أصول الفقه]] يراد بها غير القرآن، حيث تعد الأصل الثاني من أصول [[أدلة الفقه]]، قال [[ابن منظور]]: {{مض|وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي {{صلى الله عليه وسلم}}، ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به [[القرآن الكريم|الكتاب العزيز]]؛ ولهذا يقال: في أدلة الشرع: الكتاب والسنة أي: القرآن والحديث}}. قال الشاطبي: {{مض|يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} على الخصوص، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز، بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلاة والسلام، كان بيانا لما في الكتاب أو لا}}.<ref name="الموافقات">{{مرجع كتاب|المؤلف=الشاطبي|العنوان=الموافقات، الدليل الثاني: (السنة)، ج4|الصفحات=289 وما بعدها|الناشر=|السنة=1412 هـ/ 1992م}}</ref>
 
ومن الأحكام الشرعية ما ثبت بنص الكتاب، ومنها ما ثبت بنص الحديث، وفي الحديث: {{حديث|ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه}} أي: السنة، ومن الأحكام الشرعية ما ثبت بالسنة ولم يكن مذكورا في الكتاب، مثل: عدد ركعات الصلوات الخمس وكيفية الصلاة ومواقيتها وأحكامها، و[[زكاة الفطر]] و[[صلاة النفل]] و[[صوم التطوع]]، وغير ذلك مما لم يعلم إلا بطريق السنه النبوية. وقد أمر الله بطاعته وطاعة رسوله، وألزم عباده بطاعة رسوله فطاعته من طاعة الله قال تعالى: {{قرآن|من يطع الرسول فقد أطاع الله ..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 80|الآية]]}} وقال الله تعالى: {{قرآن|وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}} وقال تعالى: {{قرآن|فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}} وقال تعالى: {{قرآن|وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}} وقال تعالى: {{قرآن|ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}} وقال تعالى: {{قرآن|يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 59|الآية]]}}، وقال تعالى: {{قرآن|ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 83|الآية]]}}، وقال تعالى: {{قرآن|إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا}}، وقال الله تعالى: {{قرآن|وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ..[[قالب:قرآن-سورة 33 آية 36|الآية]]}}، والآيات في هذا كثيرة. وفي الحديث: {{حديث|لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به}}.
 
وقد ذكر أئمة أهل السنة أن الخوارج ومن سلك مسلكهم أخذوا بظواهر نصوص القرآن ولم يأخذوا بالحديث ومن ثم أطلقوا على أنفسهم أهل القرآن، ثم اختلفت أهواؤهم في إهمال الحديث، فمنهم من أنكره إجمالا ومنهم من لا يأخذ منه إلا ما وافق هواه، ومن أمثلة ذلك: أنكار [[حد الرجم في الإسلام|حد الرجم]] بحجة أنه لا نص عليه في القرآن، أو بحجة أن العقل يأباه فقدموا العقل ونبذوا نصوص الحديث ورآء ظهورهم، وأيضا مثل: الخروج على ولاة الأمر، فإن الخارجي أو المعت زلي يؤمن بطاعة ولاة الأمر ويقولون بعدم جواز الخروج على الحكام، وإذا ما رأت عقولهم أن يخرجوا على حكامهم عملوا بأهوائهم فاستباحوا الخروج وتركوا النصوص المتواترة في تحريم الخروج، وللتخلص مما فعلوه يتأولون النصوص بما يوافق أهوائهم،
وجاء في الحديث: «عن المقدام بن معدي كرب عن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} أنه قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السبع ولا لقطة معاهد إلا أن يستغني عنها صاحبها ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه».<ref name="عون٢">{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد شمس الحق العظيم آبادي|العنوان=عون المعبود، كتاب السنة، باب لزوم السنة حديث رقم: (٤٦٠٤)|الصفحات=٢٧٧ وما بعدها|الناشر=دار الفكر|السنة=١٤١٥ هـ/ ١٩٩٥م}}</ref>
قوله: «رجل شبعان»: هو كناية عن البلادة وسوء الفهم الناشئ عن الشبع أو عن الحماقة اللازمة للتنعم والغرور بالمال والجاه. «على أريكته»: أي سريره المزين بالحلل والأثواب، وأراد بهذه الصفة أصحاب الترفه والدعة الذين لزموا البيوت ولم يطلبوا العلم من مظانه. قال الخطابي: «في الحديث دليل على أن لا حاجة بالحديث أن يعرض على الكتاب وأنه مهما ثبت عن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} شيء كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه قال إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فخذوه فإنه حديث باطل لا أصل له». وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال هذا حديث وضعته الزنادقة.<ref name="عون"/> وفي رواية: «عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه».<ref name="عون">{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد شمس الحق العظيم آبادي|العنوان=عون المعبود، كتاب السنة، باب لزوم السنة حديث رقم: (٤٦٠٥)|الصفحات=٢٧٨ وما بعدها|الناشر=دار الفكر|السنة=١٤١٥ هـ/ ١٩٩٥م}}</ref>
 
قال تعالى: {{قرآن|لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ..[[قالب:قرآن-سورة 33 آية 21|الآية]]}}. أي: أن تتأسوا به وتكونوا معه حيث كان، ولا تتخلفوا عنه. قال ابن جرير: «وهذا عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وعسكره بالمدينة من المؤمنين به، فإن من يرجو ثواب الله ورحمته في الآخرة لا يرغب بنفسه ولا عن مكان هو به، ولكنه تكون له به أسوة في أن يكون معه حيث يكون هو.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن جرير الطبري|وصلة المؤلف=ابن جرير الطبري|العنوان= تفسير الطبري تفسير سورة الأحزاب، آية: (21) القول في تأويل قوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» الجزء العشرون|الصفحة=235 و236|الإصدار=دار المعارف}}</ref>
وعن أم سلمة: أن الزبير بن العوام خاصم رجلا فقضى رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} للزبير، فقال الرجل: إنما قضى له أنه ابن عمته، فأنزل الله تعالى: {{قرآن|فلا وربك لا يؤمنون ..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 65|الآية]]}}.<ref>الأحزاب 65 والحديث بتمامه في الصحيحين.</ref> والمعنى: لا يصدقون بي وبك وبما أنزل إليك حتى يجعلوك حكما فيما اختلط بينهم من أمورهم، ولا يكون في أنفسهم شك مما حكمت به، ويسلموا لحكمك تسليما لا شك فيه.<ref>تفسير الطبري محمد بن جرير الطبري، تفسير سورة الأحزاب الآية: (65)، ج8 ص518</ref>
 
{{تحديد|==== اتباع الرسول ====
اتباع الرسول وطاعته واحترامه فذلك هو من الدين، وقد أمر الله الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية واحترام؛ لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده لا شريك له، وهذه التحية تدل على امتثال الأمر لمن استخلفه الله. فالدين طاعة لله ولمن أمر الله بطاعته، وقد رفع الله شأن نبيه حيث صلى عليه هو وملائكته وأمر المؤمنين بالصلاة والسلام عليه، وجعله أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وقال تعالى: {{قرآن|ورفعنا لك ذكرك}}، وأثنى عليه بقوله تعالى: {{قرآن|وإنك لعلى خلق عظيم}}، وكل ما هو من هذه النصوص إنما يدل على تأكيد محبة رسوله وحسن المتابعة له والتأسي به، كما أن الاتباع لا يكون إلا باحترام رسول الله والتأدب معه حيا وميتا، قال تعالى: {{قرآن|يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}}.<ref>[[سورة الحجرات]] آية: (2)</ref>. قال الطبري في تفسير الآية: يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت رسول الله تتجهمونه بالكلام وتغلظون له في الخطاب، ولا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا، فذلك محبط للعمل، ولا تنادوه نداء، ولكن قولا لينا: يا رسول الله.<ref>تفسير الطبري، تفسير سورة الحجرات، القول في تأويل قوله تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" ج22 ص277</ref> فالاحترام للرسول طاعة لله، وقد نهى الله عن مناداته بصوت مرتفع وضجيج، وهكذا يكون الحال بالتأدب وترك الضجيج عند سماع حديثه.
 
ومخالفة الرسول سبب للعقاب في الآخرة، روى البخاري في صحيحه: «عن أبي هريرة أن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} قال: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول الله ومن يأبى قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى"».<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|وصلة المؤلف1=ابن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6851)|الصفحة=|السنة= 1407 هـ/ 1986م|الناشر=دار الريان للتراث|المسار=|تاريخ الوصول= 07 ربيع الثاني/ 1436 هـ|اللغة= العربية|العنوان بالعربي=فتح الباري شرح صحيح البخاري}}</ref> ومعنى: «كل أمتي»: جميع الأمة المحمدية، «يدخل الجنة إلا من أبى» أي: امتنع، فقالوا: ومن يأبى من دخول الجنة؟ قال ابن حجر: «فبين لهم أن إسناد الامتناع إليهم عن الدخول مجاز عن الامتناع عن سنته وهو عصيان الرسول {{صلى الله عليه وسلم}}». وفي رواية: «من أطاعني فقد أطاع الله»، وفي رواية: «لتدخلن الجنة إلا من أبى وشرد على الله شراد البعير».<ref>أخرجه أحمد والحاكم من طريق صالح بن كيسان عن الأعرج عن أبي هريرة [[حديث مرفوع|رفعه]]. انظر فتح الباري لابن حجر حديث رقم: (6851)</ref> قال ابن حجر: «والموصوف بالإباء وهو الامتناع إن كان كافرا فهو لا يدخل الجنة أصلا، وإن كان مسلما فالمراد منعه من دخولها مع أول داخل إلا من شاء الله تعالى». وإلى هذا المعنى أشار [[بدر الدين العيني]] فقال: «قوله: «إلا من أبى» أي: امتنع عن قبول الدعوة، أو عن امتثال الأمر، فإن قلت: العاصي يدخل الجنة أيضا إذ لا يبقى مخلدا في النار قلت: يعني لا يدخل في أول الحال أو المراد بالإباء الامتناع عن الإسلام».<ref>عمدة القاري شرح صحيح البخاري، المؤلف: بدر الدين العيني الحنفي، ج35 ص383</ref> فعصيان الرسول قد يكون بمعنى عدم قبول دعوته، وقد يكون بمعنى مخالفته وعصيان أمره، ودخول النار عقوبة فلا تستلزم الخروج عن الملة، وإنما تكون العقوبة في الآخرة لمن خالف طريقة هدي النبوة. عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء: «عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} قال: "أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقال لا تدري مشوا على القهقرى"» قال ابن أبي مليكة اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن.<ref name="البخاري">صحيح البخاري حديث رقم: (6641) نص الترجمة: «بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الفتن باب ما جاء في قول الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وما كان النبي {{صلى الله عليه وسلم}} يحذر من الفتن».</ref> والذي ورد في مثل هذا الحديث محمول على ترك السنة في مقابل اتباع الأهواء المضلة.<ref name="فتح*">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|الناشر=دارالريان للتراث|السنة= 1407 هـ/ 1986م|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب ما جاء في قول الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة حديث رقم: (6641)|الصفحة=5}}</ref>
 
وقد أوجب الله اتباع الرسول فيما حكم به وفيما بينه لأمته من الأحكام والرضى والتسليم به، وفي الصحيحين وغيرهما قول ذي الخويصرة (رأس الخوارج): يا محمد اعدل، وهو اتهام صريح للرسول بأنه لا يعدل في القسمة، وقد استؤذن رسول الله بقتله فلم يفعل؛ تألفا لمن قرب عهده بالإسلام، ودفعا للشبهة فقد بين الرسول سبب الحكم بقوله: إنما أتألفهم، أي: أنه أعطى من أعطى من المال بصفتهم من المؤلفة قلوبهم، وقد أمر الله بإعطائهم، وهذا الاعتراض على حكم رسول الله يمثل نموذجا للخروج عن الحق، ففي الحديث أنه سيخرج من جنس هذا الرجل قوم صفتهم كذا وكذا وهم الخوارج.}}
 
 
 
=== عند المحدثين ===
السنة عند المحدثين هي: {{مض|ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلقية سواء كان قبل البعثة أو بعدها}}.<ref>شرح مختصر ابن الحاجب، عضد الدين الأيجي، ج2 ص290</ref> فهو بمعنى: نقل ورواية ما أثر من الأقوال والأفعال والإقرار والرواية حقيقة أو حكما‏، ويشمل سيرته وصفاتة‏‏ الخلقية والخلقية وحركاته وسكناته في اليقظة وفي المنام‏ قبل البعثة وبعدها‏.
 
=== عند علماء الفقه ===
تطلق السُنَّة عند علماء [[فروع الفقه]] على: «ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي عليه السلام»، وتطلق تارة على [[المندوب]] أو المستحب الذي يقابل [[الفرض]] وغيره من الأحكام الخمسة.
 
=== عند علماء العقيدة ===
تطلق السنة عند علماء العقيدة علي {{مض|هدي النبي صلي الله عليه وسلم في أصول الدين‏ وما كان عليه من العلم والعمل والهدي}}.
 
=== في العرف الشرعي العام ===
السنة في العرف الشرعي العام تطلق على كل ما هو منقول من السنة النبوية أو عن الصحابة والتابعين، قال تقي الدين الفتوحي: «واحترز بقوله: «اصطلاحا» من السنة في العرف الشرعي العام، فإنها تطلق على ما هو أعم من المنقول عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وعن [[الصحابة]] والتابعين؛ لأنها في اصطلاح علماء الأصول: {{مض|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} غير الوحي أي: غير القرآن}}.<ref name="الفتوحي"/>
 
تستعمل كلمة: «السنة» في العرف الشرعي العام بمعنى الطريقة، قال [[ابن حجر العسقلاني|ابن حجر]]: «قوله ‹هذه السنة‏›:‏ أشار إلى طريقة النبي {{صلى الله عليه وسلم}} إشارة نوعية لا شخصية».<ref name="ابن حجر">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: ٦٨٤٧|الصفحة=٢٦٣ وما بعدها}}</ref> قال العيني: السُّنَّة: {{مض|طريقة النبي صلى الله عليه وسلم}}<ref name="العيني">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى|وصلة المؤلف1=بدر الدين العيني|العنوان=عمدة القاري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6847)، ج25|الصفحات=39 و40|الناشر=دار الكتب العلمية|مكان=بيروت لبنان|المسار=https://books.google.com/books?id=KMlHCwAAQBAJ&pg=PT36&lpg=PT36&dq=هذه+السنة+إشارة+إلى+طريقة+النبي+إشارة+نوعية&source=bl&ots=MH8U6yVFlY&sig=AI-pNgh0VWEOu0dHOgDkzoAMiOE&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiFuuW6g5XUAhUBPRoKHZYBBqQQ6AEITjAM#v=onepage&q=%D9%87%D8%B0%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9%20%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9%20%D9%86%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9&f=false|تاريخ الوصول=15/ [[شعبان]]/ [[1439 هـ]]}}</ref> وهذا تعريف للسنة بمعناها الأعم الذي لا يقتصر على الحديث النبوي، فهو بمعنى: الطريقة النبوية والهدي النبوي بعمومه، وما يدخل ضمن ذلك من سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المجتهدين.
وقد تستعمل في العرف الشرعي العام بمعنى الدين كله باعتبار أنه مبلغ الدين عن الله وكل ما جاء بطريق الوحي لا يعلم إلا من جهته، فسنته هديه وطريقته وسبيله إلى الله وهي دعوتة التي دعى إليها والطريقة التي كان عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته.<ref>تفسير ابن جرير الطبري، تفسير سورة يوسف، آية: 108، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}}. (108)، ج16 ص291 و292.</ref>
 
=== عند أئمة أهل السنة المتقدمين من السلف ===
السنة عند أئمة السلف الصالح هي العلم في الدين، قال ابن حجر العسقلاني: قال الأوزاعي: «العلم ما جاء عن أصحاب رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وما لم يجئ عنهم فليس بعلم». وأخرج أبو عبيد ويعقوب بن شيبة عن ابن مسعود قال: «لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد {{صلى الله عليه وسلم}} وأكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا». وقال أبو عبيدة معناه أن كل ما جاء عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث، وما أحدثه من جاء بعدهم هو المذموم، وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي. وعن أحمد: «يؤخذ العلم عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} ثم عن الصحابة، فإن لم يكن فهو في التابعين مخير». وعنه: «ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة وما جاء عن غيرهم من الصحابة ممن قال إنه سنة لم أدفعه». وعن ابن المبارك: «ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر». قال ابن حجر: والحاصل أن الرأي إن كان مستندا للنقل من الكتاب أو السنة فهو محمود وإن تجرد عن علم فهو مذموم، وعليه يدل حديث عبد الله بن عمرو المذكور، فإنه ذكر بعد فقد العلم أن الجهال يفتون برأيهم.<ref name="العسقلاني">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما كان النبي {{صلى الله عليه وسلم}} يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري. حديث رقم: (6879)|الناشر=دارالريان للتراث|السنة= 1407 هـ/ 1986م}}</ref>
 
=== السنة في مقابل البدعة ===
 
 
== السنة السيرة والحديث في الاستخدام القرءاني ==
 
وهناك معني آخر للسنة وهو (الاستعمال) وهذا شائع بوجه عام، وقد يختلف علي حسب المنطقة والمكان - الذي تستخدم فيه- ،ولهذا في [[كتاب الموطأ]] للأمام [[مالك بن أنس]] (رضي الله عنه) تعتبر سنة أهل المدينة جزء رائد في الفقه الإسلامي. و في جميع المراكز حول العالم الإسلامي تحدث المرأ في بدايات القرن الثاني للمسلمين عن مصطلح (السنة عندنا) أو (السنة في رأينا)، دون أن يكون ذالك راجع للسنة النبوية في شيء.<ref>Joseph Schacht (1967), S. 61ff</ref>
 
والمعني المناقض والمضاد للسنة هو [[البدعة]].
وأيضا يظهر في الكتب الإسلامية السالفة مصطلح آخر للسنة وهو ([[السيرة]])، وهذا بمعني السلوك أو أسلوب المعيشة، وكما أشار ( محمد براف مان) -1927- أنهما في كثير من الأحيان علي حد سواء في الاستخدام ،سنة النبي و سيرته. ومن هذه الحالات تعتبر السيرة من حياة الأنبياء كنموذج أدبي ، لكنها تطلق أيضا علي حياة النبي محمد (صلي الله عليه وسلم)، ولقد قام [[ابن إسحاق]] 768م بالتمييز والمقارنة في هذا الموضوع.
وبالإضافة إلي [[القرءان الكريم]] فإن [[السنة النبوية]] تعتبر هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي وفي [[الفقه الإسلامي]]. وقد حدد [[الإمام الشافعي]] (820م) في كتابه أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وهذه السنة تكون من الأحاديث المتصلة بإسنادها للنبي صلي الله عليه وسلم. ولكن كان [[الإمام أحمد بن حنبل]] (855م) أول من حاول ربط السنة كمصدر للتشريع مع نصوص [[القرءان الكريم]] ، وقد استدل علي ذالك بقوله تعالى ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) سورة الأحزاب.
 
== السنة كمصدر ثان للتشريع ==
 
تعتبر سنة النبي كما أوضح [[القرآن]] باعتبارها المصدر الثاني للتشريع، تم التأكيد عليها مرارا وتكرارا في القرءان الكريم.
قال تعالى: {{قرآن|يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولو عنه وأنتم تسمعون}}، وقال تعالى: {{قرآن|وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فإنما علي رسولنا البلاغ المبين}} [[سورة المائدة]]، وقال تعالى: {{قرآن|قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول}} -النور-.
والذي يتبع السنة النبوية يسمي بصاحب السنن، ولذا كان في القرن الاسلامي الثاني (الثامن ميلاديا) بعدما ألفت علوم الحديث كان يسمي بهذا الاسم صاحب السنة والجماعة.
وبالتالي تربط التقاليد الإسلامية القرءان بالسنة والتي يجب اتباع القياس فيها حتي نضمن وحدة المسلمين أجمعين، وخطاب النبي محمد صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع يجمع هذه الأفكار كلها.
يقول (صلي الله عليه وسلم) ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلو بعدي أبدا كتاب الله وسنتي).
 
=== اتباع السنة ===
«عن العرباض بن سارية قال وعظنا رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} يوما بعد [[صلاة الفجر|صلاة الغداة]] موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله! قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»».<ref name="الترمذي1">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عيسى بن سورة الترمذي|وصلة المؤلف1=الترمذي|العنوان=سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الجزء الخامس حديث رقم: (2676)|الناشر= دار الكتب العلمية|الصفحة=43، 44|مسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=2600&idto=2602&bk_no=2&ID=1688|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
وأخرجه الحاكم: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..}}.<ref>[http://library.islamweb.net/Newlibrary/display_book.php?idfrom=312&idto=315&bk_no=74&ID=147 المستدرك على الصحيحين كتاب العلم ج1 ص288 حديث رقم: (334)] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170812062344/http://library.islamweb.net:80/newlibrary/display_book.php?idfrom=312&idto=315&bk_no=74&ID=147 |date=12 أغسطس 2017}}</ref> ورواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وزاد في حديثه: «فقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك». ويدل الحديث على مشرعية الموعظة بين الحين والآخر، وفي الصحيحين عن أبي وائل قال: كان عبد الله بن مسعود يذكرنا كل يوم خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إنا نحب حديثك ونشتهيه ولوددنا أنك حدثتنا كل يوم فقال: «ما يمنعني أن أحدثكم إلا كراهة أن أملكم، إن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا».<ref name="ابن رجب">{{مرجع كتاب|المؤلف1=ابن رجب الحنبلي|وصلة المؤلف1=ابن رجب الحنبلي|العنوان=جامع العلوم والحكم ج2 الحديث رقم: (28)|الناشر=مؤسسة الرسالة|الصفحة=109 إلى 112|سنة=1422 هـ/ 2001م|مسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=137&idto=141&bk_no=81&ID=30|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
ويدل الحديث على وجوب طاعة ولاة الأمر، وعدم جواز الخروج عليهم، قال الخطابي: يريد به طاعة من ولاه الإمام عليكم وإن كان عبدا حبشيا. وقوله: «وإياكم ومحدثات الأمور...»، وفي رواية أبي داود: «وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة». قال ابن رجب: فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله: كل بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة. وما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة هذه، وروي عنه أنه قال: إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، ومن ذلك أذان الجمعة الأول زاده عثمان لحاجة الناس إليه وأقره علي واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن ابن عمر أنه قال: هو بدعة، ولعله أراد ما أراد أبوه في التراويح، انتهى ملخصا. ومعنى الحديث: فمن أدرك ذلك أي: زمن الاختلاف الكثير؛ فعليه بسنتي أي: فليلزم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها قاله القاري.
 
قال ابن رجب: {{مض|وقوله صلى الله عليه وسلم: {{حديث|فمن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ}}: هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بما وقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأقوال والأعمال والاعتقادات، وهذا موافق لما روي عنه من افتراق أمته على بضع وسبعين فرقة، وأنها كلها في النار إلا فرقة واحدة وهي من كان على ما هو عليه وأصحابه، وكذلك في هذا الحديث أمر عند الافتراق والاختلاف بالتمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده}}.<ref name="ابن رجب"/>
 
وقال:{{مض|والسنة هي: الطريقة المسلوكة، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديما لا يطلقون اسم السنة إلا على ما يشمل ذلك كله، وروي معنى ذلك عن الحسن والأوزاعي والفضيل بن عياض وكثير من العلماء المتأخرين يخص اسم السنة بما يتعلق بالاعتقادات؛ لأنها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم}}.<ref name="جامع العلوم">جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم، الحديث الثامن والعشرون أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، الجزء الثاني، ص120، مؤسسة الرسالة، سنة النشر: 1422 هـ/ 2001م</ref>
 
=== اقتباس ===
وقال الشوكاني في الفتح الرباني: «إن أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسفة، والذي ينبغي التعويل عليه والمصير إليه هو العمل بما يدل عليه هذا التركيب بحسب ما تقتضيه لغة العرب، فالسنة هي الطريقة فكأنه قال الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء. وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها. وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله {{صلى الله عليه وسلم}}؛ عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضا من سنته لما دل عليه حديث معاذ لما قال له رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد قال: فبسنة رسول الله قال: فإن لم تجد قال: أجتهد رأيي قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله أو كما قال. وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به وقد أوضحت هذا في بحث مستقل.
فإن قلت: إذا كان ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته لم يبق لقوله "وسنة الخلفاء الراشدين ثمرة"، قلت: ثمرته أن من الناس من لم يدرك زمنه {{صلى الله عليه وسلم}} وأدرك زمن الخلفاء الراشدين أو أدرك زمنه وزمن الخلفاء، ولكنه حدث أمر لم يحدث في زمنه ففعله الخلفاء، فأشار بهذا الإرشاد إلى سنة الخلفاء إلى دفع ما عساه يتردد في بعض النفوس من الشك ويختلج فيها من الظنون. فأقل فوائد الحديث أن ما يصدر عنهم من الرأي وإن كان من سننه كما تقدم ولكنه أولى من رأي غيرهم عند عدم الدليل. وبالجملة فكثيرا ما كان -صلى الله عليه وسلم- ينسب الفعل أو الترك إليه أو إلى أصحابه في حياته مع أنه لا فائدة لنسبته إلى غيره مع نسبته إليه؛ لأنه محل القدوة ومكان الأسوة فهذا ما ظهر لي في تفسير هذا الحديث، ولم أقف عند تحريره على ما يوافقه من كلام أهل العلم فإن كان صوابا فمن الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله العظيم». انتهى كلام الشوكاني.<ref name="الأحوذي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري|وصلة المؤلف1=|العنوان=تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم: (2676)|الناشر=دار الكتب العلمية|الصفحة=366 وما بعدها|مسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=56&ID=5136|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
=== المحدثات ===
{{انظر أيضا|بدعة}}
المحدثات في الدين هي التي تخالف أصول الدين وقواعده، قال [[ابن حجر العسقلاني]]: والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع: «بدعة» وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما، وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد».<ref name="الفتح">{{مرجع كتاب|المؤلف1=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|وصلة المؤلف1=ابن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6849)|الناشر=دار الريان للتراث|الصفحة=266 وما بعدها|سنة= 1407 هـ/ 1986م|مسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=52&ID=4001&idfrom=13310&idto=13333&bookid=52&startno=2|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref> وحديث العرباض في المعنى قريب من حديث [[عائشة]] المشار إليه وهو من جوامع الكلم. يدل على أن المحدث يسمى بدعة، والمراد بقوله: «كل بدعة ضلالة» ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام.<ref name="الفتح"/> وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهو واضح، وثبت عن [[ابن مسعود]] أنه قال: «قد أصبحتم على الفطرة وإنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول».<ref name="الفتح"/>
 
قال الشافعي: «البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم».<ref>أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).</ref><ref name="الفتح"/>
 
وقال الشافعي أيضا: «المحدثات ضربان ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة».<ref>أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي نقلا عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).</ref><ref name="الفتح"/>
 
=== السنة الحسنة أو السيئة ===
السنة الحسنة في مفهوم الشرع الإسلامي هي المستحدث على غير مثال سابق، التي تكون موافقة للشرع ولا تخالفه، وفي صحيح مسلم في كتاب العلم: باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة حديث: {{حديث|عن جرير بن عبد الله قال جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} عليهم الصوف فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة فأبطئوا عنه حتى رئي ذلك في وجهه، قال ثم إن رجلا من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء»}}. وفي رواية لمسلم: {{حديث|عن جرير قال خطب رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} فحث على الصدقة..}} بمعنى حديث جرير. وفي رواية: {{حديث|قال جرير بن عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسن عبد سنة صالحة يعمل بها بعده ثم ذكر تمام الحديث}}.<ref name="النووي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=يحيى بن شرف أبو زكريا النووي|وصلة المؤلف1=الإمام النووي|العنوان=شرح النووي على صحيح مسلم، كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة حديث رقم: (1017)|الصفحة=172|الناشر=دار الخير|سنة=1416هـ / 1996م|مسار=http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=7826&idto=7828&bk_no=53&ID=1252}}</ref>
 
ونسبة السنة الحسنة إلى المكلف دون الشارع، فليس المراد من عمل سنة ثابتة في الشرع؛ لأنها ليست على مثال سابق لكنها لا تدخل في البدعة المذمومة بل هي سنة حسنة واستحسانها راجع للشرع من حيث أنها تستند إلى أصل شرعي، وأئمة السلف قد عملوا بما لم يأت به كتاب ولا سنة مما رأوه حسنا وأجمعوا عليه، مثل جمع القرآن <ref>الاعتصام، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد الغرناطي الشاطبي، الاعتصام للإمام الشاطبي، الباب الثالث ذم البدع والمحدثات والرد على شبه المبتدعة، فصل شبه المبتدعة والرد عليهم، الرد على زعمهم أن من سن سنة خير فهو خير والأمة لا تجتمع على ضلالة، الجزء الأول، ص227 وما بعدها، دار ابن عفان، سنة النشر: 1412 هـ/ 1992م.</ref>
 
وقد جاء الحديث بلفظ: {{حديث|من سن سنة حسنة}} و«من سن سنة سيئة..» وفي رواية أخرى لمسلم بلفظ: {{حديث|من دعا إلى الهدى}} و«من دعا إلى الضلالة..». قال النووي: هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة، وأن من سن سنة حسنة؛ كان له مثل أجر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه مثل وزر كل من يعمل بها إلى يوم القيامة، وأن من دعا إلى هدى؛ كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه، أم كان مسبوقا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك.
وقال [[النووي]]: «قوله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|فعمل بها بعده}} معناه: إن سنها سواء كان العمل في حياته أو بعد موته. والله أعلم».<ref name="النووي"/>
 
===استكمال===
===أهل السنة والجماعة===
 
قال أبو سعيد الخادمي: {{مض|أهل السنة أي: أصحاب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: التمسك بها. والجماعة أي: جماعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الأصحاب والتابعون}}.<ref>البريقة المحمودية في شرح الطريقة المحمدية والشريعة النبوية في السيرة الأحمدية المؤلف: محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان، أبو سعيد الخادمى الحنفي (المتوفى: 1156هـ) الباب الثاني في الأمور المهمة في الشريعة المحمدية، الفصل الأول في تصحيح الاعتقاد، الجزء الأول ص١٥٥ و١٥٦، الناشر: مطبعة الحلبي، 1348هـ.</ref>
 
[http://lisaan.net/طريقة-أهل-السّنة/]
===السنة النبوية===
السنة النبوية بمعنى الطريقة النبوية وفسرها العلماء بأنها: {{مض|طريقة [[محمد رسول الله|النبي]] صلى الله عليه وسلم}}، أي: علمه وهديه ونهجه وسلوكه وسيرته وأخلاقه وهديه للناس وتعاليمه وبيانه للدين وما سنه لأمته وحكمه بينهم فيما اختلط عليهم من الأمور، فهو مبلغ الدين عن الله وهادي الناس بأمر الله إلى صراط الله المستقيم ونهجه القويم، وسنته طريقه وسبيل دعوته إلى الله، وقد خاطبه تعالى بقوله: {{قرآن|وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم..}} وهي هداية دلالة وإرشاد، أما حصول الهداية فهي من الله وحده، والدين كله لله وهو مبلغ عنه هذا الدين وقد بلغ الرسالة ونصح الأمة وأكمل الله هذا الدين وأتمه فلا نقصان فيه، والأحكام الفقهية التي استنبطها الأئمة المجتهدون بعد عصر النبوة إنما هي راجعة إلى قواعد الشريعة وكلياتها.
 
«عن [[سعيد بن المسيب]] قال: قال [[أنس بن مالك]]: قال لي رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|يا بني إن قدرت أن تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لأحد فافعل، ثم قال لي: يا بني وذلك من سنتي، ومن أحيا سنتي فقد أحبني ومن أحبني كان معي في الجنة}}. وفي الحديث قصة طويلة».<ref name="سنن الترمذي3">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عيسى بن سورة الترمذي|وصلة المؤلف1=الترمذي|العنوان=سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الجزء الخامس حديث رقم: (2678)|الناشر=دار الكتب العلمية|الصفحة=44 و45|المسار=|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
و«عن كثير بن عبد الله -هو ابن عمرو بن عوف المزني- عن أبيه عن جده أن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} قال لبلال بن الحارث: اعلم، قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: اعلم يا بلال، قال: ما أعلم يا رسول الله؟ قال: إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي؛ فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن ابتدع [[بدعة]] ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزار الناس شيئاً».<ref name="سنن الترمذي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عيسى بن سورة الترمذي|وصلة المؤلف1=الترمذي|العنوان=سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الجزء الخامس حديث رقم: (2677)|الناشر=دار الكتب العلمية|الصفحة=44|المسار=|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
 
==مراجع==
 
{{مراجع}}
 
{{مواضيع الإسلام}}
{{شريط بوابات|الإسلام|محمد}}
{{ضبط استنادي}}
 
[[تصنيف:مصطلحات إسلامية]]
 
 
===العزلة===
==العزلة للخطابي==
 
4 - أخبرنا أبو سليمان قال : حدثنا ابن الأعرابي ، وعمر بن أحمد المستوفي قال : حدثنا أبو مسلم قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا هجرة (1) بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو قال : ثلاث ليال » فالجواب وبالله التوفيق : أن الآي التي تلوها في ذم العزلة والأحاديث التي رووها في التحذير ومفارقة الجماعة لا يعترض شيء منها على المذهب الذي نذهبه في العزلة ولا يناقض تفصيلها جملته لكنها تجري معه على سنن الوفاق وقضية الائتلاف والاتساق وسأوضح لك التوفيق بينهما بما أقسمه لك من بيان وجوهها وترتيب منازلها. انتهى
 
الجماعة التي دلت نصوص الشريعة على لزومها ترجع إلى أمرين أحدهما: يرجع إلى معنى الاجتماع على أمر من الدين اجتمع عليه أئمة الدين حملة الشريعة الذين هم على الهدى فلا يجتمعون على ضلال،
 
 
 
قال الشيخ أبو سليمان فأقول: {{مض|الفرقة فرقتان فرقة الآراء والأديان وفرقة الأشخاص والأبدان، والجماعة جماعتان: جماعة هي الأئمة والأمراء وجماعة هي العامة والدهماء}}،
 
{{مض|فأما الافتراق في الآراء والأديان فإنه محظور في العقول محرم في قضايا الأصول لأنه داعية الضلال وسبب التعطيل والإهمال، ولو ترك الناس متفرقين لتفرقت الآراء والنحل ولكثرت الأديان والملل ولم تكن فائدة في بعثة الرسل وهذا هو الذي عابه الله عز وجل من التفريق في كتابه وذمه في الآي التي تقدم ذكرها، وعلى هذه الوتيرة نجري الأمر أيضا في الافتراق على الأئمة والأمراء فإن في مفارقتهم مفارقة الألفة وزوال العصمة والخروج من كنف الطاعة وظل الأمنة وهو الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه وأراده بقوله: «من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية»، وذلك أن أهل الجاهلية لم يكن لهم إمام يجمعهم على دين ويتألفهم على رأي واحد بل كانوا طوائف شتى وفرقا مختلفين آراؤهم متناقضة وأديانهم متباينة وذلك الذي دعا كثيرا منهم إلى عبادة الأصنام وطاعة الأزلام رأيا فاسدا اعتقدوه في أن عندها خيرا وأنها تملك لهم نفعا أو تدفع عنهم ضرا}}.
 
وأما عزلة الأبدان ومفارقة الجماعة التي هي العوام فإن من حكمها أن تكون تابعة للحاجة وجارية مع المصلحة وذلك أن عظم الفائدة في اجتماع الناس في المدن وتجاورهم في الأمصار إنما هو أن يتظافروا فيتعاونوا ويتوازروا فيها إذ كانت مصالحهم لا تكمل إلا به ومعايشهم لا تزكو إلا عليه.
 
فعلى الإنسان أن يتأمل حال نفسه فينظر في أية طبقة يقع منهم وفي أية جنبة ينحاز من جملتهم فإن كانت أحواله تقتضيه المقام بين ظهراني العامة لما يلزمه من إصلاح المهنة التي لا غنية له به عنها ولا يجد بدا من الاستعانة بهم فيها ولا وجه لمفارقتهم في الدار ومباعدتهم في السكن والجوار فإنه إذا فعل ذلك تضرر بوحدته وأضر بمن وراءه من أهله وأسرته . وإن كانت نفسه بكلها مستقلة وحاله في ذاته وذويه متماسكة فالاختيار له في هذا الزمان اعتزال الناس ومفارقة عوامهم فإن السلامة في مجانبتهم والراحة في التباعد منهم . ولسنا نريد ، رحمك الله ، بهذه العزلة التي نختارها مفارقة الناس في الجماعات والجمعات وترك حقوقهم في العبادات وإفشاء السلام ورد التحيات وما جرى مجراها من وظائف الحقوق الواجبة لهم ووضائع السنن والعادات المستحسنة فيما بينهم فإنها مستثناة بشرائطها جارية على سبلها ما لم يحل دونها حائل شغل ولا يمنع عنها مانع عذر . إنما نريد بالعزلة ترك فضول الصحبة ونبذ الزيادة منها وحط العلاوة التي لا حاجة بك إليها فإن من جرى في صحبة الناس والاستكثار من معرفتهم على ما يدعو إليه شغف النفوس ، وإلف العادات وترك الاقتصاد فيها والاقتصار الذي تدعوه الحاجة إليه كان جديرا ألا يحمده غبه وأن تستوخم عاقبته وكان سبيله في ذلك سبيل من يتناول الطعام في غير أوان جوعه ويأخذ منه فوق قدر حاجته فإن ذلك لا يلبثه أن يقع في أمراض مدنفة وأسقام متلفة وليس من علم كمن جهل ولا من جرب وامتحن كمن باده وخاطر . ولله در أبي الدرداء حيث يقول : وجدت الناس أخبر تقله . قال : أنشدني ابن أبي الدق قال : أنشدنا شكر قال : أنشدني ابن أبي الدنيا : من حمد الناس ولم يبلهم ثم بلاهم ذم من يحمد وصار بالوحدة مستأنسا يوحشه الأقرب والأبعد ولنذكر الآن ما جاء في مدح العزلة وما روي فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمن بعده من الصحابة وعمن وراءهم من أهل العلم والفضل ونخبر عن محلها من الحكمة وموقعها من المصلحة لينظر المرء لدينه ويحسن الارتياد لنفسه ونسأل الله السلامة من شر هذا الزمان وأهله إنه لا خيفة على من حفظه ولا وحشة على من عرفه
__________
(1) الهِجْرة في الأصْل : الاسْم من الهَجْرِ، ضِدّ الوَصْلِ. ثُم غَلَب على الخُرُوج من أرض إلى أرض . والهَجْر : الترك والإعراض والغفلة. والهُجْر: الفحش من الكلام.
(1/7)
 
فراجعه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو سليمان الخطابي|العنوان=العزلة للخطابي|الصفحة=7}}</ref>-->
 
=[[أهل السنة والجماعة|.]]=
==مقدمة==
{{ترشيح مقالة مختارة|9 مايو 2018}}
{{عقيدة دينية
| عقيدة = أهل السنة والجماعة
| صورة =رسم تعبيري للفظ الجلالة ومن يجلهم أهل السنة.png
| تعليق = رسم تعبيري للفظ الجلالة ومن يجلهم أهل السنة والجماعة
| دين = [[إسلام|الإسلام]]
| زعيم = [[محمد]] رسول الله
| تاريخ ظهور =
| مكان ظهور =
| مميزات =
| تفرعت =
| تفرع = '''عقائدياً''': [[أهل الحديث]] (الأثرية)، [[أشعرية|أشاعرة]]، [[ماتريدية]].
'''فقهياً''': [[حنفية]]، [[مالكية]]، [[شافعية]]، [[حنابلة]].
| منطقة = {{العالم الإسلامي}}
|تعداد = 87-90% من المسلمين، 1،4 مليار (تقدير [[2009]])<ref name=PEW2009>{{مرجع ويب|العنوان=Mapping the Global Muslim Population|المسار=http://www.pewforum.org/2009/10/07/mapping-the-global-muslim-population/|تاريخ الوصول=10 December 2014}}</ref><ref>[http://www.bbc.com/news/world-middle-east-25434060 Sunnis and Shia in the Middle East] {{Webarchive|url=http://web.archive.org/web/20170725193623/http://www.bbc.com:80/news/world-middle-east-25434060 |date=25 يوليو 2017}}</ref>
| مؤسس =
| معالم = [[المسجد الحرام]]، [[المسجد النبوي]]، [[المسجد الأقصى]].
| تقارب =
}}
'''أهل السُّنَّة والجماعة''' هم أكبر مجموعة دينية في تاريخ [[الإسلام]]، وينتسب إليهم غالبية المسلمين، ويعرف بهم علماؤهم أنهم هم المجتمعون على منهج السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأصحاب المذاهب الفقهية المعتبرة من فقهاء أهل الرأي وأهل الحديث، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم وأخذ عنهم طريقتهم بالنقل والإسناد المتصل. ولم تكن هذه التسمية مصطلحا متعارفا عليه في بداية [[التاريخ الإسلامي]] حيث لم يكن هناك انقسام ولا تفرق، وإنما ظهرت هذه التسمية تدريجياً بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين تحت مسميات مختلفة، وكان لقب أهل السنة يطلق على أهل العلم من أئمة [[الصحابة]] ومن تبع طريقتهم، حيث ذكر [[ابن سيرين]] أنه لما وقعت الفتنة التي ظهرت في أحداث مقتل الخليفة [[عثمان بن عفان]] أنهم كانوا يأخذون حديث أهل السنة، ولا يأخذون حديث أهل البدعة، حيث جعل السنة في مقابل البدعة، وأهل السنة في مقابل أهل البدعة الذين وصفهم أئمة أهل السنة في ذلك العصر المتقدم بأنهم أهل الأهواء المضلة الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه مما يخالف أصوله وقواعده وخالفوا السنة وتفرقوا ببدعتهم عن جماعة المسلمين.<ref>مقدمة كتاب شرح النووي على مسلم</ref>
وكان اهتمام أئمة أهل السنة منذ وقت مبكر بنقل علم الصحابة والتابعين ورواية الحديث عنهم، ولم تكن مباحثهم في مسائل العقيدة، وإنما كان لهم اجتهادات في [[فروع الفقه|الفروع]] والتي نتج عنها ظهور المذاهب الفقهية، واشتهر منها طريقتان للمنهج الفقهي هما: منهج فقهاء أهل الرأي ومنهج فقهاء أهل الحديث.
بعد ظهور المعتزلة وتغلبهم على الحكم بواسطة الخليفة المأمون العباسي ثم من بعده المعتصم ثم الواثق، وبحسب ما ذكر ابن خلدون وغيره أن المعتزلة توغلوا في مسائل الصفات وتكلموا في النصوص المتشابهة مما أدى إلى ظهور المشبهة الذين صرحوا بالحلول والتجسيم، وأما أهل السنة حينها فكان منهم جماعة مثل: [[أحمد بن حنبل]] و[[داود بن علي الأصفهاني]] وآخرون أخذوا بمنهج المتقدمين عليهم من أصحاب الحديث ك[[مالك بن أنس]] وغيره فقالوا في النصوص المتشابهة: نؤمن بها كما هي ولا نتعرض لتأويلها، وكان جماعة من أهل السنة في عصر السلف أيدوا عقائد السلف بحجج كلامية وبراهين أصولية، ثم جاء من بعدهم [[أبو الحسن الأشعري]] و[[أبو منصور الماتريدي]] فأيدا عقائد أهل السنة والجماعة بالأدلة النقلية والعقلية.<ref>الملل والنحل للشهرستاني، ج1 ص93.</ref><ref name="تاريخ ابن خلدون"/> وكان من خلال هذا تمايز الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام وكشف مقولاتها وجمع العلماء مخالفاتهم ومسمياتهم في كتب الفرق، فكان تصديقا للحديث المأثور في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وجاء في كتاب: الفرق بين الفرق أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الثالثة والسبعون، وهم جماعة واحدة من فقهاء أهل الحديث وفقهاء أهل الرأي، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا عليها وبينوها ودونوها وأخذها عنهم المتأخرون، وإن اختلفوا في [[فروع الفقه|فروع الأحكام]] فذلك لا يفسد للود قضية، ولا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفرق المخالفة لهم في أصول الدين.<ref name="الفرق2">{{مرجع كتاب|المؤلف1=عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي أبو منصور|وصلة المؤلف1=عبد القاهر البغدادي|العنوان=الفرق بين الفرق الباب الثاني من أبواب هذا الكتاب في كيفية افتراق الأمة ثلاثا وسبعين، الفصل الأول: في بيان المعنى الجامع للفرق المختلفة في اسم ملة الإسلام على الجملة|الناشر=دار الآفاق الجديدة|المكان=بيروت|السنة=1977م|الصفحات=19 و20|تاريخ الوصول=27/ [[رجب]]/ [[1439 هـ]]}}</ref>
 
والسُّنة [[تعريف لغوي|لغةً]] الطريقة والسيرة،<ref name="الصحاح">{{مرجع كتاب|المؤلف=|العنوان=مختار الصحاح حرف السين (سنن)|المسار=http://library.islamweb.net/NewLibrary/display_book.php?idfrom=1511&idto=1511&bk_no=125&ID=1506}}</ref> وتكون بمعنى [[المندوب|المستحب]] أو بمعنى: الحديث النبوي،<ref name="ابن منظور">{{مرجع كتاب|المؤلف1=أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور|وصلة المؤلف1=ابن منظور|العنوان=لسان العرب، ج7 حرف السين (سنن)|الناشر=دار صادر|السنة=2003م|الصفحة=280 و281|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref><ref group="°">قال [[ابن منظور]]: {{مض|وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي {{صلى الله عليه وسلم}}، ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به [[القرآن الكريم|الكتاب العزيز]]؛ ولهذا يقال: في أدلة الشرع: الكتاب والسنة أي: القرآن والحديث}}. قال الشاطبي: {{مض|يطلق لفظ السنة على ما جاء منقولا عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} على الخصوص، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز، بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلاة والسلام، كان بيانا لما في الكتاب أو لا}}،</ref> أو في مقابل البدعة،<ref name="الموافقات">{{مرجع كتاب|المؤلف=الشاطبي|العنوان=الموافقات، الدليل الثاني: (السنة)، ج4|الصفحات=289 وما بعدها|الناشر=|السنة=1412 هـ/ 1992م}}</ref>
والمقصود بالسنة التي دلت نصوص الشرع على لزومها ووجوب اتباعها هي السنة النبوية المشار إليها في النصوص إشارة نوعية لا شخصية،<ref name="ابن حجر">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: ٦٨٤٧|الصفحة=٢٦٣ وما بعدها}}</ref> قال العيني: السُّنَّة: {{مض|طريقة النبي صلى الله عليه وسلم}}<ref name="العيني">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى|وصلة المؤلف1=بدر الدين العيني|العنوان=عمدة القاري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6847)، ج25|الصفحات=39 و40|الناشر=دار الكتب العلمية|مكان=بيروت لبنان|المسار=https://books.google.com/books?id=KMlHCwAAQBAJ&pg=PT36&lpg=PT36&dq=هذه+السنة+إشارة+إلى+طريقة+النبي+إشارة+نوعية&source=bl&ots=MH8U6yVFlY&sig=AI-pNgh0VWEOu0dHOgDkzoAMiOE&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiFuuW6g5XUAhUBPRoKHZYBBqQQ6AEITjAM#v=onepage&q=%D9%87%D8%B0%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9%20%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A%20%D8%A5%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9%20%D9%86%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9&f=false|تاريخ الوصول=15/ [[شعبان]]/ [[1439 هـ]]}}</ref><ref name="عون*">{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد شمس الحق العظيم آبادي|العنوان=عون المعبود، كتاب السنة، باب لزوم السنة حديث رقم: (٤٦12)|الصفحات=286|الناشر=دار الفكر|السنة=١٤١٥ هـ/ ١٩٩٥م}}</ref> وطريقته سبيله إلى الله التي دعى إليها، ومنهجه وهديه الذي كان عليه هو [[الصحابة|وأصحابه]]، وبيانه للدين وحكمه بين الناس فيما اختلط عليهم من الأمور، وما سنه لأمته وعلمهم إياه وأرشدهم إليه فهو إمام الأمة وأولى الناس بأمته ومعلمهم الأول وهاديهم إلى الصراط المستقيم، وسنته منهج للمسلمين جميعا وليست حكرا على مجموعة دون أخرى، بل على المسلمين جميعا أن يستنوا بسنته، وقد كان أئمة الصحابة يفسرون السنة بأنها علم الشريعة والفقه في الدين، وأهل السنة والجماعة يأخذون بالسنة ويفسرها علماؤهم بأنها الطريقة النبوية والمنهج النبوي وما جاء منقولا عن أئمة الصحابة فإنهم أخذوا عنه علم الدين واستنوا بسنته واهتدوا بهديه، وأنهم حملة علم الشريعة وأهل الفقه في الدين، وتشمل السنة أيضا سنة [[الخلفاء الراشدين]] الذين هم أئمة الدين من الصحابة؛ لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهادا مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم؛ فإن إجماعهم إجماع.<ref name="الموافقات"/>
 
ويستدل علماء أهل السنة والجماعة على ذلك بأدلة منها حديث: {{حديث|فعليكم بِسنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين..}} أي: الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين مِن بعدي، واتبعوا نهجهم واسمعوا لهم وأطيعوا فذلك من سُنَّتي، فهم قدوة الأمة المبلغون عنه والحاملون لسنته وهديه، ولا سبيل للوصول إلى الحق إلا باتباع طريقتهم، واتباع سنتهم هو اتباع للسنة النبوية، قال الله تعالى: {{قرآن|من يطع الرسول فقد أطاع الله..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 80|الآية]]}} وقال تعالى: {{قرآن|يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم..[[قالب:قرآن-سورة 4 آية 59|الآية]]}}.
فالسنة عند أئمة أهل السنة والجماعة هي الطريقة الموصلة إلى ملة [[الإسلام]] ونهجه القويم وصراطه المستقيم، وسبيل الاهتداء إلى الله ودليل المعرفة بنهج صراطه المستقيم، الذي دعى إليه وأمر باتباعه وهو الملة الحنيفية السمحة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن جرير الطبري|وصلة المؤلف1=أبو جعفر الطبري|العنوان=تفسير ابن جرير الطبري، سورة الأنعام آية: (153)، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.}}|الناشر=دار المعارف|الصفحات=128 وما بعدها|تاريخ الوصول=27/ [[رجب]]/ [[1439 هـ]]}}</ref> والاتفاق على هذه السنة هو الجماعة.
وقد أمر الله بلزوم الجماعة ونهى عن التنازع والاختلاف المؤدي إلى التفرق في الدين، وثبت في الحديث أنه سيكون في الأمة اختلاف وتفرق في الدين بسبب اتباع الأهواء المضلة، وأن من أدرك شيئا من ذلك فعليه بلزوم الجماعة وإمامهم، ولزوم السنة.
 
والجماعة في هذه التسمة تشير إلى جماعة أهل السنة والجماعة من معنى الاجتماع على هذه السنة، وتطلق السنة على ما يقابل البدعة كقولهم: فلان من أهل السنة.<ref name="الشوكاني">{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن علي بن محمد الشوكاني|العنوان=إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، المقصد الثاني في السنة، البحث الأول: معنى السنة لغة وشرعا، ج1|الصفحة=128 وما بعدها}}</ref>
وقد جاء في الحديث الأمر باتباع السنة واجتناب البدعة، وأهل السنة والجماعة يفسرون البدعة بمعناها الشرعي وهي البدعة في الدين المخالفة لقواعده وأصوله، وهي التي ورد في الشرع ذمها ووصف صاحبها بالضلال عن الصراط المستقيم والموعود عليها بالنار،<ref>سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، ج5 حديث رقم: (2676)</ref> والتي هي استبداد بالرأي في مقابل النص، واتباع الهوى في معارضة الأمر، حتى تصير معتقدا مضادا للجماعة، ومضاهيا للسنة ومعارضا لها، كما أن أهل السنة والجماعة يفسرون البدعة بأنها هي صنوف البدع التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من التاريخ الإسلامي التي ثبت وصفها في حديث تفرق الأمة، الذين تكلموا فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فية، وتحولت أهواؤهم إلى معتقدات كانوا بسببها شِيعا متفرقة لا ينتظم شملهم بالإسلام وإن كانوا من أهله، مثل: بدع الخوارج ومن تبعهم في القول بتكفير الصحابة والطعن فيهم ومنابذتهم والخروج على جماعتهم، ومثل القدرية والمجسمة وغيرهم، وقد بينوا مسميات هذه الفرق ومقولاتها ووجوه المخالفة، وكانت أول [[بدعة]] ظهرت في [[الإسلام]] فتنة الخوارج الذين انشقوا عن جماعة المسلمين وأعلنوا خروجهم عن [[علي بن أبي طالب]]، وغالوا في الوعيد فقالوا بتكفير العصاة وتخليدهم في النار، واتخذوا من تكفير المسلمين مبررا للخروج على ولاة الأمر واستباحوا بذلك دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم بغير حق، وقصروا الإيمان على جماعتهم، وتشعبت منهم فرق كثيرة.
وأهل السنة والجماعة هم السواد الأعظم من أصحاب المذاهب الفقهية عبر التاريخ الإسلامي، وينتمي إليهم الغالبية العظمى من [[المسلمين]]، واستقر عمل الناس في مختلف الأقطار على الأخذ بواحد من [[المذاهب الأربعة]]، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على قول واحد في أصول الاعتقاد، وعلى صحة خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل: [[أبو بكر الصديق|أبو بكر]] [[عمر بن الخطاب|وعمر]] [[عثمان بن عفان|وعثمان]] [[علي بن أبي طالب|وعلي]]، ويؤمنون بعدالة كل ال[[صحابة]]، وبوجوب السكوت عما جرى بين الصحابة، وإثبات أجر الاجتهاد لهم، ولا يكفرون أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه، واتفقوا على عدم جواز الخروج على الحاكم ولو عاصيا، ووجوب طاعة ولاة الأمر ما لم يأمروكم بكفر بواح عندكم من الله فيه برهان.<ref>صحيح البخاري، كتاب الفتن، حديث رقم: (6647)</ref>
 
== التسمية ==
[[ملف:Allah-green.svg|تصغير|يسار|رسم '''لفظ الجلالة'''|مركز]]
أهل السنة والجماعة يدل بعمومه على معنى الاجتماع على السنة، وأصل التسمية قبل أن تكون لقبا متعارفا عليه قد جاءت مرتبطة بالإسلام منذ نشأته، على اعتبار أن الله أرسل رسوله بدين الإسلام وأمر بطاعته واتباعه، وكان تبليغه للدعوة وإرشاده وتعليمه للناس وحكمه بينهم فيما اختلط عليهم من الأمور وبيان القرآن وتفصيل مجمله ورعاية مصالح الأمة وغير ذلك مما هو منقول عنه على الخصوص ولم ينص عليه [[القرآن الكريم|الكتاب العزيز]] هو السنة،<ref name="ابن منظور"/><ref name="الموافقات"/> وكان أئمة الدين هم خلفاؤه من بعده في نقل سنته والقيام بأمر الدين وتعليمه والحكم به بين الناس وهدايتهم إلى الله ورعاية مصالحهم وكانوا مرجعا للأمة، ولم يكن لقب أهل السنة والجماعة اصطلاحا متعارفا عليه في بداية التاريخ الإسلامي، حيث لم يكن هناك تفرق ولا اختلاف في أصول الدين، وكان يطلق على عموم المؤمنين بدين الإسلام اسم: «[[مسلمون|المسلمين]]» أو أهل الإسلام، وكان يطلق على الأئمة منهم أهل العلم أو القراء أي: المتعلمون أو الفقهاء بمعنى علماء الدين، وإنما بدأت التسمية تظهر تدريجيا بسبب ظهور الفرق المنشقة عن جماعة المسلمين، فالأمة الإسلامية أمة واحدة منذ نشأتها وهذا ما أكده الله في القرآن بقوله: {{قرآن|وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون}}،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=القرطبي|العنوان=تفسير القرطبي، سورة المؤمنون، آية: (52)، قوله تعالى: وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون|المسار=http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/qortobi/sura23-aya52.html|تاريخ الوصول=سبتمبر 2017}}</ref> وقوله تعالى: {{قرآن|وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}}. وصراط الله المستقيم طريق دين الإسلام الذي لا اعوجاج فيه، والسبل المتفرقة طرق الضلال.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن جرير الطبري|العنوان=تفسير الطبري سورة الأنعام آية: (153)|المسار=http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura6-aya153.html|تاريخ الوصول=أكتوبر 2017}}</ref> وقوله: {{قرآن|اهدنا الصراط المستقيم..}} وهو تعليم للمسلمين أن يطلبوا من الله الهداية باستمرار، ومعالم الإسلام واضحة ومكتملة، وكان الفارق بين الحق والباطل والهدى والضلال إنما هو بين العلم بالدين والجهل به، وتؤكد نصوص القرآن أن الدين كله لله وأن الناس لم يؤمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين، وأن الضلال الذي وقعت فيه الأمم واتباع الأهواء المضلة كان بسبب مخالفة منهاج الأنبياء وأئمة الدين الذين يهدون الناس إلى الله بأمره، وفيه تحذير للأمة من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم السابقة، فالسنة هي ميراث النبوة يحملها من كل خلف عدوله، وهي علم الدين الذي يشمل السنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وأئمة الدين الفقهاء، والسنة المشتملة على جميع هذه المعاني هي سبيل الاهتداء إلى الله، والاتفاق على هذه السنة هو الجماعة.
 
المسلمون في العصر النبوي وفي زمن خلافة [[أبي بكر الصديق]] و[[عمر بن الخطاب]] وقبل أحداث مقتل الخليفة [[عثمان بن عفان]] كانوا أمة واحدة فلم يكونوا بحاجة لتسمية تميزهم حيث لم يكونوا متفرقين ولا مختلفين في أصول الدين وكلياته، وإن وقع بينهم اختلاف في غير ذلك من المسائل فهو أمر طبيعي غالبا ما كان ينتهي بالإجماع، وكلهم مجتمعين على السنة، ومن خلال هذه الفترات كانت هناك تسميات لها علاقة مباشرة بكلمة السنة، وذلك أن الصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتيا، بل كان مختصا بعلماء الشريعة منهم الذين تخصصوا منذ عصر النبوة للعلم في الدين، وكان يطلق عليهم في صدر الإسلام لقب: القراء أي: المتعلمين، وكان المتعلم منهم يقال له قارئ، وبعد انتشار التعليم أصبح يطلق عليهم: الفقهاء أي: أئمة الدين وعلماء الشريعة، وكانوا يستعملون كلمة: السنة بمعنى العلم في الدين أيضا، فيقولون مثلا: فلان أعلمهم بالسنة، والمقصود من هذا هو العلم بالشريعة، فلم يكن علمهم مقصورا على نقل نصوص القرآن والحديث؛ لأنهم كانوا أهل اللغة أصلا فلم يكونوا بحاجة لمن يفسر لهم هذه النصوص.
 
 
<!--واتباع السنة باجتماع هذه المعاني هو سبيل الاهتداء إلى الله، في مقابل البدعة الموصوف صاحبها بالضلال وهي التي تخالف أصول الدين وقواعده باستحداث أمر ليس من الدين، وبدء التمييز بين كلمتي السنة والبدعة بعد حدوث الفتنة التي وقع منها مقتل عثمان وظهور الخوارج، وكان بسبب ظهور أهل الأهواء والزيغ الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه من البدع المخالفة للدين الإسلامي بالغلو فيه والخروج عن الوسطية، فحيث دلت الأحاديث النبوية على الاتباع في حديث: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين}} فقد كان الابتداع بين الإفراط والتفريط، فهو بذلك يمثل خروجا عن منهج الوسطية، فمن المعلوم مثلا: أن احترام الأنبياء والعلماء والصالحين من الأمور المتفق عليها شرعا وعرفا، والذي يخرج عن هذا هو الذي يأخذ صفة المغالاة، فقد يكون على وجه الإطراء وهو: وصف الشخص بما لا يستحق، مثل: تأليه المخلوق وقد ذكر في القرآن: أن النصارى بالغوا في تعظيم عيسى ابن مريم حتى وصفوه بصفات الألوهية. وقد ذكر [[ابن خلدون]] في تاريخه أن بعض غلاة الشيعة اعتقدوا في علي ابن أبي طالب مثل اعتقاد النصارى، وقد قاتلهم علي بن أبي طالب.<ref>تاريخ ابن خلدون ج1 ص198</ref> وكمثال آخر للمغالاة من وجه معاكس للمبالغة في صفة البدعة، فقد ذكر في القرآن: أن اليهود شددوا في دينهم حتى قتلوا الأنبياء. وفي تاريخ الفرق الإسلامية ظهرت فرق متشددة فالخوارج مثلا بالغوا في المحافظة على الدين والتمسك به، مما أدى إلى إنكار السنة وتكفير مخالفيهم، وتحقير العلماء والصالحين، كما أنهم اتخذوا من مبدأ التكفير وسيلة للخروج على حكام الدول الإسلامية، واستباحوا دماء مخالفيهم. ووجه المناسبة: أن الخوارج ومن وافقهم ابتدعوا في الدين طريقة الخروج على ولاة الأمر بناء على معتقد تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم، وكان هذا يمثل صورة واضحة للخروج عن جماعة المسلمين وإمامهم، ومن جهة ثانية فإنهم كانوا يسمون أنفسهم: «أهل القرآن» بدلالة واضحة على إنكار الحديث النبوي وإن اختلفوا في كيفية إنكاره.-->
 
لما وقعت الفتنة بعد مقتل [[عمر بن الخطاب]] وحدوث مقتل الخليفة [[عثمان بن عفان]] وظهور الخوارج بدء بسبب ذلك ظهور لقب أهل السنة بمعنى: أئمة علماء الدين وحملة الشريعة، تمييزا لهم عن المخالفين لهم، وكان سبب ذلك أن وقوع تلك الفتنة المشار إليها حمل ظواهر غريبة تمثلت فيمن انتسب إلى علم الشريعة من غير أهلها، وجرى استنكار ذلك ووضع شروط معينة لنقل ورواية الحديث من أهمها الإسناد والعدالة، ففي صحيح مسلم: عن محمد بن سيرين قال: {{مض|إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم}}
عن [[ابن سيرين]] قال: {{مض|لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم}}.<ref>شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، مقدمة الكتاب، باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة،
ج1 ص84، دار الخير، سنة: 1416 هـ/ 1996م.، سنن الدارمي ج1 ص112.</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=شهاب الدين أحمد بن محمد الخطيب القسطلاني|المؤلف2=أبو زكريا يحيى بن شرف النووي|وصلة المؤلف1=شهاب الدين القسطلاني|وصلة المؤلف2=|العنوان=إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج1، بحاشيته كتاب شرح النووي على صحيح مسلم|الصفحة=ص112|المسار=https://books.google.com/books?id=AgNLCwAAQBAJ&pg=PT93&dq=ابن+سيرين+لم+يكونوا+يسألون+عن+الإسناد+شرح+النووي+على+مسلم&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwjatZOSgfzaAhWQa1AKHXpPAdkQ6AEINDAF#v=onepage&q=%D8%A7%D8%A8%D9%86%20%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D9%86%20%D9%84%D9%85%20%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86%D9%88%D8%A7%20%D9%8A%D8%B3%D8%A3%D9%84%D9%88%D9%86%20%D8%B9%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%86%D8%A7%D8%AF%20%D8%B4%D8%B1%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D9%88%D9%8A%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85&f=false|الطبعة=السابعة|الناشر=المطبعة الأميرية الكبرى|المكان=ببولاق مصر المحمية|السنة=1323 هجرية}}</ref>
وفي رواية للترمذي في العلل:
عن ابن سيرين قال: {{مض|كان في الزمان الأول لا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد، لكي يأخذوا حديث أهل السنة، ويدعوا حديث أهل البدع}}.<ref>شرح علل الترمذي، لابن رجب الحنبلي، بدء التفتيش عن الإسناد، ج1 ص122.</ref> روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة يقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {{حديث|يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم}}".<ref>شرح النووي على مسلم، يحيي بن شرف أبو زكريا النووي، مقدمة، باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها، الحديث رقم: (7)، ج1، ص76، دار الخير، سنة النشر: 1416 هـ/ 1996م.</ref> فالسنة هي العلم في الدين رواية ودراية، فالرواية نقل نصوص القرآن والحديث وأقوال الأئمة، والدرية العلم في الدين، فأهل السنة يراد به أهل العلم المشتمل على الرواية والدراية معا، وأهل البدعة يشمل جميع أهل الزيغ والأهواء الذين ابتدعوا في الدين ما ليس منه وخالفوا بذلك السنة، كالخوارج والقدرية وغيرهم، فإنهم أعرضوا عن السنة وطعنوا في الصحابة ولم يتعلموا منهم الشرع بل اتبعوا الأهواء. فالخوارج مثلا بالغوا في المحافظة على الدين والتمسك به، مما أدى إلى إنكار السنة وتكفير مخالفيهم، وتحقير العلماء والصالحين، كما أنهم اتخذوا من مبدأ التكفير وسيلة للخروج على حكام الدول الإسلامية، واستباحوا دماء مخالفيهم. فالخوارج ومن وافقهم ابتدعوا في الدين طريقة الخروج على ولاة الأمر بناء على معتقد تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأعراضهم، وكان هذا يمثل صورة واضحة للخروج عن جماعة المسلمين وإمامهم، ومن جهة ثانية فإنهم كانوا يسمون أنفسهم: «أهل القرآن» بدلالة واضحة على إنكار الحديث النبوي وإن اختلفوا في كيفية إنكاره.
 
من المهم جدا معرفة الألفاظ المستعملة عند أئمة السلف، ففي عبارة ابن سيرين عند قوله: {{مض|حديث أهل السنة}} تفيد أن رواية الحديث لم تكن مقصورة على أهل السنة، بل إن من وصفهم بالبدعة كذلك يروون الحديث، وأن الحديث جزء من تعريف أهل السنة، إذ المراد بهم أهل العلم، وهو ما دلت عليه نصوص أئمة السلف من أنهم لا يقصدون بأهل السنة رواة الحديث، بل يقصدون بذلك أهل العلم المشتمل على رواية الحديث، وهو الذي صار لقبا لأئمة المذاهب الفقهية من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ثم اشتهر من ذلك طريقتان أحدهما طريقة أهل الرأي بالعراق وكان أشهر أعلامها أبو حنيفة وأصحابه من بعده، وطريقة أهل الحديث بالحجاز وكان أشهر أعلامها مالك ابن أنس ثم الشافعي من بعده، ثم إن الإمام الشافعي وضع أصول الفقه في كتابه: الرسالة وجمع بين الطريقتن، والفرق بينهما أن طريقة أهل الرأي أكثر توسعا في مسائل القياس، وهاتان الطريقتان هما اللتان اشتهرتا بعد ذلك عند فقهاء أهل السنة، باعتبار أن منهج فقهي.
 
بعد تمايز الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام وكشف مقولاتها في عصر المتقدمين جمع العلماء مخالفات هذه الفرق وبينوا مسمياتهم ومقولاتهم، وحصروا عدد هذه الفرق ودونوا تواريخها وجمعوها فكان ذلك تصديقا للحديث المأثور في افترق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، وكان أهل السنة والجماعة هم الفرقة الثالثة والسبعون من فريقي [[أهل الرأي|الرأي]] [[أهل الحديث|والحديث]]،<ref group="°">أهل الرأي وأهل الحديث يقصد بهما: الفقهاء من أصحاب الطريقتن.</ref> وكان منهم أئمة القراء والمحدثون والفقهاء وأهل النظر، وكلهم متفقون على قول واحد في أصول الدين، وأئمتهم المتقدمون قد اتفقوا على هذه الأصول وبينوها ودونوها وأخذها عنهم المتأخرون، وإن اختلفوا في [[فروع الفقه|فروع الأحكام]] فذلك لا يفسد للود قضية، ولا يلحق بسببه تفسيق ولا تبديع ولا تكفير، وكانت التسمية تطلق على أهل السنة والجماعة تمييزا لهم عن الخوارج والمعتزلة والمجسمة وفرق التشيع وغيرها من الفرق المخالفة لهم في أصول الدين.<ref name="الفرق2"/>
 
فأهل السُّنة هم المتبعون للسُّنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين وسلف الأمة الإسلامية الآخذين بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، فالسنة هي الطريقة الموصلة إلى الدين، و«الجماعة»: مجموعة المسلمين المجتمعين على هذه السنة، المتفقون على قول واحد في أصول الدين، على اختلاف مناهجهم ومذاهبهم الفقهية الذين اتبعوا الطريقة النبوية والهدي النبوي، واعتصموا بالسنة النبوية والتزموا التأسي بما كان عليه رسول الله هو وأصحابه وما كان عليه الخلفاء الراشدون المشهود لهم بالهدى والرشاد، وما أجمع عليه الصحابة وأجمعت عليه الأمة، ومن تبعهم وسار على طريقتهم واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين، ولم يبتدع في الدين ما ليس منه.
 
 
السنة هي الطريقة والمنهج وهي العلم في الدين المشتمل على نقل نصوص القرآن من حيث أنه منقول بطريق السنة، وما كان وحيا مما ليس بقرآن، وما كان تفسيرا وبيانا للقرآن أو تفصيلا لمجمله أو
 
===قسم===
== [[أهل السنة والجماعة#مفهوم كلمة السنة|مفهوم كلمة السنة]] ==
=== التعريف اللغوي ===
السُنَّة في [[تعريف لغوي|اللغة]] الطريقة المسلوكة والمثال المتبع الذي يقتدى به والسيرة المتبعة‏، والعادة المستمرة الدائمة، وعرفها ابن جرير الطبري بمعنى: {{مض|المثال المتبع والإمام المؤتم به}}. قال لبيد:
{{قصيدة|من معشر سنت لهم آباؤهم|ولكل قوم سنة وإمامها.<ref>تفسير ابن جرير الطبري، ج4 ص65</ref>}}
وسَنَّة الله: أحكامه وأمره ونهيه، وسننها الله للناس: بينها. وسن الله سنة أي: بين طريقا قويما،<ref name="ابن منظور"/> والسُنَّة أيضا بمعنى: السيرة، حسنة كانت أو قبيحة، ويقال: سننتها سننَّا، وسننتها بمعنى: سرتها، وسنة الأولين سيرتهم، ويقال: سننت لكم سنة فاتبعوها أي: سيروا عليها، وفي الحديث: {{حديث|من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ومن سن سنة سيئة..}} يريد من عملها ليقتدى به فيها، وكل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده، قيل: هو الذي سنه، قال نصيب:
{{قصيدة|كأني سننت الحب أول عاشق|من الناس إذ أحببت من بينهم وحدي}}
 
وقد تكرر في [[الحديث]] ذكر كلمة: «السُنَّة» وما تصرف منها، والأصل فيه أنها بمعنى: الطريقة والسيرة، وقال [[ابن منظور]]: «وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبي {{صلى الله عليه وسلم}}، ونهى عنه وندب إليه قولا وفعلا مما لم ينطق به [[القرآن الكريم|الكتاب العزيز]]؛ ولهذا يقال: في أدلة الشرع: الكتاب والسنة أي: القرآن والحديث».<ref name="ابن منظور"/> ومما يدل على هذا حديث: «إنما أنسى لأسن» أي: إنما أدفع إلى النسيان لأسوق الناس بالهداية إلى الطريق المستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان، قال: ويجوز أن يكون من سننت [[جمل|الإبل]] إذا أحسنت رعيتها والقيام عليها، وفي الحديث: «أنه نزل المحصب ولم يسنه» أي: لم يجعله سنة يعمل بها. قال في التهذيب: السنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السنة، معناه: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، وهي مأخوذة من السنن وهو الطريق. قال أبو عبيد: سنن الطريق وسننه محجته، وتنح عن سنن الجبل أي عن وجهه، وقال الجوهري: السنن الطريقة يقال: استقام فلان على سنن واحد.<ref name="ابن منظور"/>
 
قال الآمدي: السنة في اللغة: الطريقة، فسنة كل أحد ما عهدت منه المحافظة عليه والإكثار منه، سواء كان ذلك من الأمور الحميدة أو غيرها.<ref name="الإحكام">{{مرجع كتاب|المؤلف=سيف الدين الآمدي|العنوان=كتاب الإحكام في أصول الأحكام القاعدة الثانية في بيان الدليل الشرعي وأقسامه وما يتعلق به من أحكامه القسم الأول فيما يجب العمل به مما يسمى دليلا شرعيا، الأصل الثاني في السنة، الجزء الأول|الصفحة=169}}</ref> قال في شرح الكوكب المنير: {{مض|ومنه قوله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها..}} الحديث}}. وتسمى بها أيضا: العادة والسيرة، قال في البدر المنير: السنة السيرة حميدة كانت أو ذميمة، وقال في القاموس: السنة السيرة، ومن الله تعالى حكمه وأمره ونهيه.<ref name="الفتوحي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=تقي الدين أبو البقاء الفتوحي|العنوان=شرح الكوكب المنير، باب في السنة|الناشر=مطبعة السنة المحمدية|الإصدار=د.ط د.ت|الصفحة=210 إلى 212|تاريخ الوصول=27/ [[المحرم]]/ 1437 هـ}}</ref>
 
=== بالمعنى الشرعي ===
تستعمل كلمة: «السُنَّة» وما تصرف منها بالمعنى الشرعي لمعان متعددة عند علماء الشريعة الإسلامية على اختلاف مجالات العلوم الشرعية بحسب المقصود منها في كل علم، قال الشافعي: {{مض|إطلاق السنة يتناول سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم}}.<ref>أصول السرخسي ص113 و114.</ref>
 
فتطلق السُنَّة عند علماء الفقه على: «ما كان من العبادات نافلة منقولة عن النبي عليه السلام»، وتطلق تارة على [[المندوب]] أو المستحب الذي يقابل [[الفرض]] وغيره من الأحكام الخمسة.
 
السنة عند المحدثين هي: {{مض|ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية أو خُلقية سواء كان قبل البعثة أو بعدها}}.<ref>شرح مختصر ابن الحاجب، عضد الدين الأيجي، ج2 ص290</ref> فهو بمعنى: نقل ورواية ما أثر من الأقوال والأفعال والإقرار والرواية حقيقة أو حكما‏، ويشمل سيرته وصفاتة‏‏ الخلقية والخلقية وحركاته وسكناته في اليقظة وفي المنام‏ قبل البعثة وبعدها‏.
 
السنة عند علماء [[أصول الفقه]] هي: {{مض|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وفعله وإقراره}}، قال تقي الدين الفتوحي في تعريف السنة في اصطلاح علماء [[أصول الفقه]] هي: {{مض|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} غير الوحي أي: غير القرآن}}.<ref name="الفتوحي"/> أو: {{مض|ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأدلة الشرعية مما ليس بمتلو، ولا هو معجز ولا داخل في المعجز}}، وهذا النوع هو المقصود بالبيان في [[علم أصول الفقه]]. قال سيف الدين الآمدي: {{مض|ويدخل في ذلك أقوال النبي عليه السلام، وأفعاله وتقاريره}}. والأقوال تشمل ال[[أمر]] وال[[نهي]] والتخيير والخبر وجهات دلالتها ضمن الأدلة المنقولة الشرعية.<ref name="الإحكام"/>
 
قال تقي الدين الفتوحي: {{مض|السنة شرعا واصطلاحا: «قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وفعله وإقراره على الشيء»، يقال أو يفعل، فإذا سمع النبي {{صلى الله عليه وسلم}} إنسانا يقول شيئا، أو رآه يفعل شيئا فأقره عليه فهو من السنة قطعا}}، وقال أيضا: {{مض|والمراد من أقوال النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وأفعاله: ما لم يكن على وجه الإعجاز}}.<ref name="الفتوحي"/>
 
وتطلق السنة عند علماء العقيدة علي {{مض|هدي النبي صلي الله عليه وسلم في أصول الدين‏ وما كان عليه من العلم والعمل والهدي}}.
 
وتطلق السنة في العرف الشرعي العام على كل ما هو منقول من السنة النبوية أو عن الصحابة والتابعين، قال تقي الدين الفتوحي: «واحترز بقوله: «اصطلاحا» من السنة في العرف الشرعي العام، فإنها تطلق على ما هو أعم من المنقول عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وعن [[الصحابة]] والتابعين؛ لأنها في اصطلاح علماء الأصول: {{مض|قول النبي {{صلى الله عليه وسلم}} غير الوحي أي: غير القرآن}}.<ref name="الفتوحي"/>
 
تستعمل كلمة: «السنة» في العرف الشرعي العام بمعنى الطريقة، قال [[ابن حجر العسقلاني|ابن حجر]]: «قوله ‹هذه السنة‏›:‏ أشار إلى طريقة النبي {{صلى الله عليه وسلم}}
إشارة نوعية لا شخصية».<ref name="ابن حجر"/><ref name="العيني"/> وهذا تعريف للسنة بمعناها الأعم الذي لا يقتصر على الحديث النبوي، فهو بمعنى: الطريقة النبوية والهدي النبوي بعمومه، وما يدخل ضمن ذلك من سنة الخلفاء الراشدين والأئمة المجتهدين.
وقد تستعمل في العرف الشرعي العام بمعنى الدين كله باعتبار أنه مبلغ الدين عن الله وكل ما جاء بطريق الوحي لا يعلم إلا من جهته، فسنته هديه وطريقته وسبيله إلى الله وهي دعوتة التي دعى إليها والطريقة التي كان عليها من الدعاء إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له دون الآلهة والأوثان، والانتهاء إلى طاعته وترك معصيته.<ref>تفسير ابن جرير الطبري، تفسير سورة يوسف، آية: 108، القول في تأويل قوله تعالى: {{قرآن|قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين}}. (108)، ج16 ص291 و292.</ref>
 
والسنة عند أئمة السلف الصالح هي العلم في الدين، قال ابن حجر العسقلاني: قال [[الأوزاعي]]: «العلم ما جاء عن أصحاب رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وما لم يجئ عنهم فليس بعلم». وأخرج أبو عبيد ويعقوب بن شيبة عن [[ابن مسعود]] قال: «لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد {{صلى الله عليه وسلم}} وأكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا». وقال أبو عبيدة معناه أن كل ما جاء عن الصحابة وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث، وما أحدثه من جاء بعدهم هو المذموم، وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي. وعن أحمد: «يؤخذ العلم عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} ثم عن الصحابة، فإن لم يكن فهو في التابعين مخير». وعنه: «ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة وما جاء عن غيرهم من الصحابة ممن قال إنه سنة لم أدفعه». وعن [[ابن المبارك]]: «ليكن المعتمد عليه الأثر وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر». قال ابن حجر: والحاصل أن الرأي إن كان مستندا للنقل من الكتاب أو السنة فهو محمود وإن تجرد عن علم فهو مذموم، وعليه يدل حديث عبد الله بن عمرو المذكور، فإنه ذكر بعد فقد العلم أن الجهال يفتون برأيهم.<ref name="العسقلاني">{{مرجع كتاب|المؤلف=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما كان النبي {{صلى الله عليه وسلم}} يسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول لا أدري. حديث رقم: (6879)|الناشر=دارالريان للتراث|السنة= 1407 هـ/ 1986م}}</ref>
 
 
===في العرف الشرعي العام===
السنة في العرف الشرعي العام
 
=== السنة المأمور باتباعها ===
السنة التي دلت نصوص الشرع على الأمر باتباعها هي الطريقة النبوية بمفهومها الأعم عند علماء أهل السنة والجماعة فيدخل فيها سنة أئمة الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، وفسرها أئمة أهل السنة من السلف المتقدمين بمعنى: علم الدين والشريعة المنقول عن أئمة الصحابة وعلمائهم وأئمة التابعين لهم بإحسان، وكانوا يفسرون السنة‏ التي دلت نصوص الشرع على لزوم اتباعها بأنها:‏ {{مض|طريقة النبي صلى الله عليه وسلم}}.<ref name="ابن حجر"/><ref name="العيني"/> أي: هديه ومنهجه وما كان عليه هو وأصحابه من الهدى والعلم والعمل والاعتقاد، بمعنى: الطريقة المسلوكة في الدين التي كان عليها هو وأصحابه وخلفائه الراشدون من بعده ومن تبعهم من أئمة الدين، وهو تفسير للسنة بتمام معناها المتكامل، والكثير من علماء أهل السنة والجماعة المتأخرين يفسرون السنة التي دلت النصوص على الأمر بلزومها بأنها مخصوصة في الاعتقادات من حيث أن الابتداع المخالف فيها على خطر عظيم.<ref name="جامع العلوم"/> وقد كان أئمتهم المتقدمون يقصدون منها علم الدين المنقول بعمومه عن أئمة الصحابة وعلمائهم، فإنهم هم الذين حملوا علم الدين والشريعة وتعلموه وبينوه للناس،
فهو إمامهم ومعلمهم الأول وأولى الناس بإمته، وسنته طريقته في الدين ومنهجه وعلمه وهديه وبيانه للناس وحكمه بينهم فيما اختلط عليهم من الأمور، والصحابة لم يكونوا كلهم أصحاب فتيا، وإنما اختص منهم الذين تعلموا منه وكان منهم أئمة الدين وعلماء الشريعة، فإنهم أخذوا عنه العلم في الدين والأمور التي علمهم إياها وفهموها منه بالمجالسة والصحبة ومعايشة الوقائع، وكل هذا هو المقصود من لفظ السنة التي لا تقتصر على نقل النصوص، وعلمهم يشمل الذي تعلموه وما يضاف إلى ذلك من الأحكام التي فهموها أو بينوها أو استنبطوها أو اجتمعوا عليها،
وقد كان أهل السنة في عصر السلف المتقدمين يفسرون السنة التي دلت نصوص الشرع على الأمر باتباعها بمعنى الفقه في الدين وهو علم الشريعة بعمومه المأخوذ عن أئمة الدين من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، ويجعلون السنة بهذا المعنى في مقابل البدعة المخالفة لأصول الدين وقواعده من بدع الخوارج والقدرية والفرق المتفرعة منهم، ويسمون مقولات هذه الفرق أهواء مضلة، ويقصدون بذلك الذين قالوا في الدين بغير علم وفسروا الدين بأهوائهم وتكلموا فيما نهى الله ورسوله عن الخوض فيه ولم يأخذوا العلم من أئمة الدين حملة الشريعة.
 
وتفسيرهم السنة بمعناها المتكامل بمعنى علم الشريعة بعمومه المأخوذ عن أئمة الصحابة ومن تبعهم بإحسان باعتبار أن أئمة الصحابة كانوا مجتمعين على الهدى، وسنتهم داخلة في السنة النبوية ضمنا، وكان علمهم بالسنة مشتملا على خصائص العلم بالشريعة من جميع الوجوه، فكانوا أعلم الناس باللغة العربية التي تفسر لهم نصوص الشرع، فإنهم لم يكونوا يسئلون عن تفسير الكثير من القرآن؛ لأنه نزل بلغتهم، فلم يكونوا بحاجة إلى من يفسر لهم معاني ألفاظ نصوص القرآن والحديث؛ لأنهم أصحاب اللغة أصلا، وأئمة الصحابة لم يكونوا بحاجة إلى علم قواعد تفسير القرآن والحديث وأصول التفسير ومناهج الاستدلال الفقهي وأصول الفقه وغير ذلك؛ لأن هذه الأمور كانت قريحة وملكة راسخة في أذهانهم، وأهل العلم الذين وضعوا علم التفسير وعلم الفقه وأصول الفقه وغيرها من علوم الشريعة إنما وضعوها نتيجة أخذ علم الصحابة، والمذاهب الفقهية إنما هي محصلة مذاهب فقهاء الصحابة، وأئمة الدين من بعدهم كلهم عالة عليهم في العلم المنقول عنهم.
 
 
قال تعالى: {{قرآن|لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ..[[قالب:قرآن-سورة 33 آية 21|الآية]]}}. أي: أن تتأسوا به وتكونوا معه حيث كان، ولا تتخلفوا عنه. قال ابن جرير: {{مض|وهذا عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وعسكره بالمدينة من المؤمنين به، فإن من يرجو ثواب الله ورحمته في الآخرة لا يرغب بنفسه ولا عن مكان هو به، ولكنه تكون له به أسوة في أن يكون معه حيث يكون هو}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=محمد بن جرير الطبري|وصلة المؤلف=ابن جرير الطبري|العنوان= تفسير الطبري تفسير سورة الأحزاب، آية: (21) القول في تأويل قوله تعالى: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» الجزء العشرون|الصفحة=235 و236|الإصدار=دار المعارف}}</ref>
 
قال [[عمر بن عبد العزيز]] لما سئل عن القدر: {{مض|فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة}}.
 
===السنة في مقابل البدعة===
قد تطلق السنة شرعا على ما يقابل البدعة، وقد جاء في نصوص الشرع الأمر باتباع السنة ولزومها في مقابل النهي عن الابتداع والتحذير من البدع، والسنة المتبعة في مقابل البدع المستحدثة والهدى في مقابل الضلال، وقد كان أئمة السنة من السلف المتقدمين يفسرون السنة [[أهل السنة والجماعة#السنة المأمور باتباعها|بمعناها المتكامل]]، ويجعلونها في مقابل البدعة بمعناها الشرعي وهي: البدعة المستحدثة في الدين المعارضة للسنة والمضادة للشريعة التي تخالف أصول الدين وقواعدة وليس لها أصل في الشريعة وليست من الدين أصلا والموصوف صاحبها بالضلال عن الصراط المستقيم الموعود عليها بالعقوبة في الآخرة، وهي عند أهل السنة والجماعة شاملة لجميع صنوف البدع والأهواء المضلة التي استحدثتها الفرق التي ظهرت في العصور المتقدمة من تاريخ الإسلام والتي كان أولها بدع الخوارج والفرق المتفرعة منها كالقدرية وغيرها، ويستندون في هذا إلى النصوص الشرعية المنقولة في تفرق الأمة وصفات الخوارج ووقوع الفتن.
 
أخرج [[الترمذي]] في سننه: «عن العرباض بن سارية قال وعظنا رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} يوما بعد [[صلاة الفجر|صلاة الغداة]] موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله! قال: {{حديث|أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم؛ ير اختلافا كثيرا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة [[الخلفاء الراشدين]] المهديين عضوا عليها بالنواجذ}}».<ref name="الترمذي1">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عيسى بن سورة الترمذي|وصلة المؤلف1=الترمذي|العنوان=سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، الجزء الخامس حديث رقم: (2676)|الناشر= دار الكتب العلمية|الصفحة=43، 44|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref> وأخرجه الحاكم: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..}}.<ref name="المستدرك"/><ref>ورواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن صحيح، وخرجه الإمام أحمد وابن ماجه، وزاد في حديثه: {{مض|فقد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك}}.</ref> وفي هذا الحديث دلالة على خصائص النبوة بما تضمن من جوامع الكلم، وفيه معجزة دالة على صدق النبوة في الإخبار بما سيكون من الابتداع في الدين المؤدي إلى الاختلاف والتنازع والتفرق، وإخبار الصحابة بأن من يعش منهم؛ فسيرى اختلافا كثيرا في الدين بظهور المحدثات المخالفة لأصول الدين وقواعده وليس لها أصل في الشريعة،
 
وأئمة أهل السنة في عصر السلف المتقدمين يقصدون بهذه البدعة التي دلت على ذمها نصوص الشرع بأنها جميع ما استحدثته الفرق التي ظهرت في سالف العصور الإسلامية من الخوض في المتشابهات التي يحدث بسببها العداوة بين المسلمين والتفرق عن جماعة المسلمين والخروج على الحكام، والاستبداد بالرأي في معارضة النص، والاستئثار باتباع الهوى واختلاف الأهواء المضلة التي يكون الناس بسببها شيعا متفرقة لا ينتظم شملهم بالإسلام، وقد أشار إليها [[الحسن البصري|الحسن]] فقال: {{مض|اتقوا هذه الأهواء فإن جماعها الضلالة وميعادها النار}}.<ref name="الملل٢">{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو الفتح الشهرستاني|العنوان=الملل والنحل|الصفحات=34|المسار=https://books.google.com/books?id=2yscDgAAQBAJ&pg=PA15&lpg=PA15&dq=اتقوا+هذه+الأهواء+التي+جماعها+الضلالة&source=bl&ots=0BbBuPxC_c&sig=YYV1upkhRlWDMv66w3rrapddb7g&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwji4-Pwq4nTAhUsBMAKHUWSCJQQ6AEIIzAD#v=onepage&q=%D8%A7%D8%AA%D9%82%D9%88%D8%A7%20%D9%87%D8%B0%D9%87%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D9%88%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A%20%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%87%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%B6%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9&f=false|تاريخ الوصول=5 يونيو 2017م}}</ref>
وقد تضمن الحديث جملة من التعاليم الدينية منها: الوصية بتقوى الله، والسمع والطاعة لولاة الأمور وعدم الخروج عليهم،
وفي الصحيحين عن [[ابن مسعود]] قال: {{حديث|إن رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} كان يتخولنا بالموعظة كراهة السآمة علينا}}.<ref name="ابن رجب">{{مرجع كتاب|المؤلف1=ابن رجب الحنبلي|وصلة المؤلف1=ابن رجب الحنبلي|العنوان=جامع العلوم والحكم ج2 الحديث رقم: (28)|الناشر=مؤسسة الرسالة|الصفحة=109 إلى 112|السنة=1422 هـ/ 2001م|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
قال [[ابن رجب الحنبلي]]: فيه تحذير للأمة من اتباع الأمور المحدثة المبتدعة وأكد ذلك بقوله: كل بدعة ضلالة، والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة. وما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع؛ فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه في التراويح: نعمت البدعة هذه، وروي عنه أنه قال: إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، ومن ذلك أذان الجمعة الأول زاده [[عثمان بن عفان|عثمان]] لحاجة الناس إليه وأقره [[علي]] واستمر عمل المسلمين عليه، وروي عن [[ابن عمر]] أنه قال: هو بدعة، ولعله أراد ما أراد [[عمر بن الخطاب|أبوه]] في التراويح، انتهى ملخصا. ومعنى الحديث: فمن أدرك منكم زمن الاختلاف الكثير؛ فعليه بسنتي أي: فليلزم سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فإضافة السنة إليهم لكونهم أعلم بها ولاستنباطهم منها واختيارهم إياها. وقد جاء في الحديث الأمر بمتابعة الطريقة التي كان عليها رسول الله هو والصحابة، واتباعها والأخذ بها قولا وعملا واعتقادا، ويدل على ذلك حديث: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي..}}.<ref name="المستدرك">المستدرك على الصحيحين كتاب العلم ج1 ص288 حديث رقم: (334)</ref>
وفي الحديث: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم».<ref>فتح الباري شرح صحيح البخاري حديث رقم: (6673)</ref>
وفي الحديث: «من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا»، وفي رواية: «ستكون أمور تنكرونها»،<ref>صحيح البخاري، كتاب الفتن، حديث رقم: (6644)</ref>
 
وقال [[الشوكاني]]: «فالسنة هي الطريقة فكأنه قال: الزموا طريقتي وطريقة الخلفاء الراشدين، وقد كانت طريقتهم هي نفس طريقته، فإنهم أشد الناس حرصا عليها وعملا بها في كل شيء، وعلى كل حال كانوا يتوقون مخالفته في أصغر الأمور فضلا عن أكبرها، وكانوا إذا أعوزهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله {{صلى الله عليه وسلم}}؛ عملوا بما يظهر لهم من الرأي بعد الفحص والبحث والتشاور والتدبر، وهذا الرأي عند عدم الدليل هو أيضا من سنته لما دل عليه حديث [[معاذ بن جبل|معاذ]] لما قال له رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد قال: فبسنة رسول الله قال: فإن لم تجد قال: أجتهد رأيي قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسوله أو كما قال..».<ref group="°">قال الشوكاني: وهذا الحديث وإن تكلم فيه بعض أهل العلم بما هو معروف فالحق أنه من قسم الحسن لغيره وهو معمول به وقد أوضحت هذا في بحث مستقل.</ref>
فإن ما عملوا فيه بالرأي هو من سنته، وقد حث على اتباعهم؛ تأكيدا لمن بعدهم لئلا يتوهم أحد أنهم مخالفون لهديه، وسنة الخلفاء الراشدين هي نفس السنة النبوية ولا تخرج عنها.<ref name="الأحوذي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري|وصلة المؤلف1=|العنوان=تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي كتاب العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم: (2676)|الناشر=دار الكتب العلمية|الصفحة=366 وما بعدها|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref>
 
قال [[ابن حجر العسقلاني]]: والمحدثات بفتح الدال جمع محدثة والمراد بها ما أحدث، وليس له أصل في الشرع ويسمى في عرف الشرع: «بدعة» وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة فإن كل شيء أحدث على غير مثال يسمى بدعة سواء كان محمودا أو مذموما، وكذا القول في المحدثة وفي الأمر المحدث الذي ورد في حديث عائشة: {{حديث|من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد}}.<ref name="الفتح">{{مرجع كتاب|المؤلف1=أحمد بن علي بن حجر العسقلاني|وصلة المؤلف1=ابن حجر العسقلاني|العنوان=فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم: (6849)|الناشر=دار الريان للتراث|الصفحة=266 وما بعدها|السنة= 1407 هـ/ 1986م|تاريخ الوصول=3/ [[ربيع الثاني]]/ [[1438 هـ]]}}</ref> وحديث العرباض في المعنى قريب من حديث [[عائشة]] المشار إليه وهو من جوامع الكلم. يدل على أن المحدث يسمى بدعة، والمراد بقوله: «كل بدعة ضلالة» ما أحدث ولا دليل له من الشرع بطريق خاص ولا عام.<ref name="الفتح"/> وقال ابن حجر أيضا: وقسم بعض العلماء البدعة إلى الأحكام الخمسة وهو واضح، وثبت عن [[ابن مسعود]] أنه قال: {{مض|قد أصبحتم على الفطرة وإنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول}}.<ref name="الفتح"/> قال الشافعي: {{مض|البدعة بدعتان: محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم}}.<ref name="الفتح"/><ref group="°">أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).</ref> وقال الشافعي أيضا: {{مض|المحدثات ضربان: ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهذه بدعة الضلال، وما أحدث من الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهذه محدثة غير مذمومة}}.<ref name="الفتح"/><ref group="°">أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي نقلا عن الشافعي، انظر فتح الباري حديث رقم: (6849).</ref> فمما حدث تدوين الحديث ثم تفسير القرآن ثم تدوين المسائل الفقهية المولدة عن الرأي المحض ثم تدوين ما يتعلق بأعمال القلوب. ومما حدث الخوض في المتشابهات والأغاليط في مسائل العقيدة، وقد اشتد إنكار السلف على ذلك، قال [[ابن حجر العسقلاني]]: {{مض|وثبت عن مالك: أنه لم يكن في عهد النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وأبي بكر وعمر شيء من الأهواء -يعني بدع الخوارج والروافض والقدرية-}}، وقال أيضا: {{مض|واشتد إنكار السلف لذلك كأبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي، وكلامهم في ذم أهل الكلام مشهور، وسببه أنهم تكلموا فيما سكت عنه النبي {{صلى الله عليه وسلم}} وأصحابه}}.<ref name="الفتح"/> وقسم [[العز بن عبد السلام]] البدعة خمسة أقسام: واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ومكروهة.<ref name="الفتح"/>
 
والبدعة التي توصف بكونها ضلالة عند علماء أهل السنة والجماعة هي التي تكون في الدين باستحداث ما ليس منه مثل: ابتداع الخوارج القول بتكفير أهل المعاصي، ومثل: ابتداع المجسمة فتنة التجسيم وغيرها من البدع الموعود مبتدعها بالنار وإن لم يخرج ببدعته عن الملة إذ المقصود العقوبة على البدعة. أما ما كان له أصل من الدين أو ما هو من السنة الحسنة؛ فلا يكون من البدع المنهي عنها فقد ورد في الحديث: {{حديث|من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء}}.<ref name="النووي">{{مرجع كتاب|المؤلف1=يحيى بن شرف أبو زكريا النووي|وصلة المؤلف1=الإمام النووي|العنوان=شرح النووي على صحيح مسلم، كتاب العلم باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة حديث رقم: (1017)|الصفحة=172|الناشر=دار الخير|السنة=1416هـ/ 1996م}}</ref> وفي رواية أخرى لمسلم بلفظ: و«من دعا إلى الهدى..» و«من دعا إلى الضلالة..». قال النووي: هذان الحديثان صريحان في الحث على استحباب سن الأمور الحسنة، وتحريم سن الأمور السيئة. وقال [[النووي]]: {{مض|قوله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|فعمل بها بعده}} معناه: إن سنها سواء كان العمل في حياته أو بعد موته. والله أعلم}}.<ref name="النووي"/>
 
=== اتباع سنة الخلفاء الراشدين ===
[[ملف:93nowy meczet1.jpg|تصغير|أسماء الخلفاء الأربع مكتوبة على سقف [[يني جامع]] في إسطنبول.]]
الخلفاء الراشدون بالمعنى العام هم أئمة المسلمين في الدين أهل الهدى والرشاد، أو من كان منهم خليفة للمسلمين وهم عند أهل السنة والجماعة الخلفاء الأربعة اتفاقا، ونص كثير من الأئمة على أن [[عمر بن عبد العزيز]] خامس الخلفاء الراشدين،<ref name="جامع العلوم"/>
لأنهم جمعوا بين إمامة الدين والدنيا، وكانت لهم ولاية قائمة على منهاج النبوة، وأهل السنة والجماعة متفقون وجوب اتباع سنة الخلفاء، وأنها من السنة التي أمر الشرع باتباعها وأنهم كانوا مجتمعين على الهدى، ويستدلون على ذلك بأدلة منها حديث: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي}} ومعناه إلزموا طريقتي أي: التي كان عليها هو وأصحابه من العلم والعمل والاعتقاد والهدى، والزموا طريقة الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالهدى والرشاد، وهم المقتفون لأثره المتبعون لسنتة المهتدون بهديه، وذلك أنه لما كان رسولا للعالمين وخاتما للأنبياء والمرسلين كان الأئمة في الدين هم المستخلفون من بعده الحاملون لشريعته المبلغون عنه لرسالته الداعون بدعوته الهادون بهديه الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر الوارثون لعلم النبوة من بعده في أخذ العلم عنهم، وفي الحديث: {{حديث|كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي قام بعده نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون}}.<ref>فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني، كتاب الفتن، حديث رقم: (6644)</ref>
 
والمقصود بـالخلفاء في هذا الحديث الأئمة المجتهدون الفقهاء في الدين، الذين اختصوا بعلم الكتاب والسنة رواية ودراية، وهم الخلفاء الأربعة الأوائل [[أبو بكر الصديق]] و[[عمر بن الخطاب]] و[[عثمان بن عفان]] و[[علي بن أبي طالب]]، ويتضمن الأمر باتباع سنة الخلفاء اتباع أئمة الفقهاء في الدين علماء الشريعة من الصحابة ومن تبعهم بإحسان، فإنهم ورثة علم النبوة.
 
{{حديث|عن يحيى بن أبي المطاع قال سمعت العرباض بن سارية يقول: قام فينا رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقيل يا رسول الله وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد فقال: «عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا، وسترون من بعدي اختلافا شديدا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة.»}} في الحديث: الأمر بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كان المولى عليهم عبد حبشي مبالغة في وجوب لزوم الطاعة، وعدم جواز الخروج على ولاة الأمر ما لم يأمروكم بكفر بواح عندكم فيه من الله برهان. وقوله: {{حديث|وسترون من بعدي اختلافا..}} بمنزلة التعليل للوصية بذلك أي: والسمع والطاعة مما يدفع الخلاف الشديد فهو خير وعند ذلك: {{حديث|عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي}} قيل هم الخلفاء الأربعة، وقيل: هم أهل العلم بالكتاب والسنة ومما يدل عليه حديث: «وعن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال: قال رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}}: {{حديث|يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين}}». رواه البيهقي.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=علي بن سلطان محمد القاري|العنوان=مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح كتاب العلم حديث رقم: (248)|الصفحة=322 وما بعدها|الناشر=دار الفكر|السنة=1422 هـ/ 2002م}}</ref> قال السندي: قوله: {{حديث|وسنة الخلفاء إلخ}} قيل: هم الأربعة رضي الله عنهم وقيل: بل هم ومن سار سيرتهم من أئمة الإسلام المجتهدين في الأحكام فإنهم خلفاء الرسول عليه الصلاة والسلام في إعلاء الحق وإحياء الدين وإرشاد الخلق إلى الصراط المستقيم. وقوله: {{حديث|عضوا عليها بالنواجذ}}: بالذال المعجمة وهي الأضراس قيل: أراد به الجد في لزوم السنة كفعل من أمسك الشيء بين أضراسه وعض عليه منعا من أن ينتزع أو الصبر على ما يصيب من التعب في ذات الله كما يفعل المتألم بالوجع يصيبه قوله: {{حديث|والأمور المحدثات}} قيل: أريد بها ما ليس له أصل في الدين، قال السندي: {{مض|وأما الأمور الموافقة لأصول الدين فغير داخلة فيها، وإن أحدثت بعده {{صلى الله عليه وسلم}} قلت: هو الموافق لقوله: {{حديث|وسنة الخلفاء}} فليتأمل}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو الحسن الحنفي الشهير بالسندي|العنوان=حاشية السندي على سنن ابن ماجه كتاب المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، باب من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا وهو يرى أنه كذب. رقم الحديث: (42)|الناشر=دار الجيل|الصفحات=19 وما بعدها}}</ref>
 
والراشدون جمع راشد وهو الذي عرف الحق وعمل به،
وإنما وصف الخلفاء بالراشدين لأنهم عرفوا الحق وقضوا به، والرشاد ضد الغواية، والغاوي من عرف الحق وعمل بخلافه.
وفي رواية: {{حديث|المهديين}} يعني: أن الله يهديهم للحق ولا يضلهم عنه فالأقسام ثلاثة: راشد وغاو وضال فالراشد عرف الحق واتبعه والغاوي: عرفه ولم يتبعه، والضال: لم يعرفه بالكلية، فكل راشد فهو مهتد، وكل مهتد هداية تامة فهو راشد، لأن الهداية إنما تتم بمعرفة الحق والعمل به أيضا.<ref name="جامع العلوم"/>
 
 
«عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول وعظنا رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال: {{حديث|قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد}}».<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو الحسن الحنفي الشهير بالسندي|العنوان=حاشية السندي على سنن ابن ماجه كتاب المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم: (44)|الناشر=دار الجيل|الصفحات=19 وما بعدها}}</ref>
 
قال السندي: قوله: {{حديث|على البيضاء}} أي: الملة والحجة الواضحة التي لا تقبل الشبه أصلا فصار حال إيراد الشبه عليها كحال كشف الشبه عنها ودفعها وإليه الإشارة بقوله: {{حديث|ليلها كنهارها}} قوله: {{حديث|فإنما المؤمن}} أي: شأن المؤمن ترك التكبر والتزام التواضع فيكون كالجمل الأنف ككنف أي بلا مد وكصاحب أي: بالمد والأول أصح وأفصح أي: الذي جعل الزمام في أنفه فيجره من يشاء من صغير وكبير إلى حيث يشاء حيثما قيد أي سيق والله أعلم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف=أبو الحسن الحنفي الشهير بالسندي|العنوان=حاشية السندي على سنن ابن ماجه كتاب المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين حديث رقم: (44)|الناشر=دار الجيل|الصفحات=20 وما بعدها}}</ref>
 
وفيه إخبار صحابته بما سيكون من بعده من الاختلاف الكثير أي: بعد انتشار الإسلام واندماج ثقافات الشعوب المختلفة ووقوع ظواهر جديدة وإشكالات، فبين لهم أن من أدرك زمن هذا الاختلاف فعليه بالرجوع إلى ما علموه من سنته وسنة خلفائه من بعده فالسنة المأمور باتباعها عند أئمة السنة من السلف المتقدمين هي علم الدين بعمومة عن أئمة الصحابة وعلمائهم، {{حديث|وسنة الخلفاء..}} داخلة في عموم معنى السنة، وإنما خصهم بالسنة المضافة إليهم لأن لهم سنة متبعة، ويجب اتباعها والرجوع إليها عند الاختلاف، وسنن الخلفاء التي اجتمع الناس عليها مثل جمع القرآن، وجمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح ووضع الدواوين وغير ذلك،
 
روى أبو نعيم من حديث عرزب الكندي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {{حديث|إنه سيحدث بعدي أشياء فأحبها إلي أن تلزموا ما أحدث عمر}}".<ref name="جامع العلوم"/>
 
وقال مالك: قال عمر بن عبد العزيز: {{مض|سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سننا، الأخذ بها اعتصام بكتاب الله وقوة على دين الله، وليس لأحد تبديلها ولا تغييرها ولا النظر في أمر خالفها، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا}}.<ref name="جامع العلوم"/>
 
وقال خلف بن خليفة: شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو خليفة فقال في خطبته: {{مض|ألا إن ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه فهو وظيفة دين، نأخذ به وننتهي إليه}}.<ref name="جامع العلوم"/>
 
وسنة الخلفاء التي وقع الاجتماع عليها تشمل الأحكام الصادرة عنهم في مستجدات ليس فيها نص شرعي يدل عليها بخصوصها، كقضاء عمر الذي جمع عليه الصحابة في العول وفي مسألتي الغراوين ومثل ما جمع عليه الناس في الطلاق الثلاث، وفي تحريم متعة النساء، وغير ذلك.<ref name="جامع العلوم"/>
وكل ما قضى به أئمة الصحابة أو خلفائهم وحصل الاجتماع عليه فهو عند أهل السنة والجماعة حجة معتبرة وإجماعهم إجماع، أما ما لم يجتمعوا عليه من فروع الأحكام فلا تكون حجة بل هي مذاهب فقهية.
 
قال وكيع: {{مض|إذا اجتمع عمر وعلي على شيء فهو الأمر}}.<ref name="جامع العلوم"/>
 
عن [[ابن مسعود]] أنه كان يحلف بالله: إن الصراط المستقيم هو الذي ثبت عليه عمر حتى دخل الجنة.<ref name="جامع العلوم"/>
 
وكان علي يتبع أحكامه وقضاياه، ويقول: {{مض|إن عمر كان رشيد الأمر}}.<ref name="جامع العلوم"/>
 
وروى أشعث عن الشعبي قال: {{مض|إذا اختلف الناس في شيء فانظر كيف قضى فيه عمر فإنه لم يكن يقضي عمر في أمر لم يقض فيه قبله حتى يشاور}}.<ref name="جامع العلوم"/>
 
وقال مجاهد: {{مض|إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به}}.<ref name="جامع العلوم"/>
 
وقال أيوب عن الشعبي: {{مض|انظروا ما اجتمعت عليه أمة محمد، فإن الله لم يكن ليجمعها على ضلالة، فإذا اختلفت فانظروا ما صنع عمر ابن الخطاب فخذوا به}}.
 
وسئل عكرمة عن أم الولد فقال: تعتق بموت سيدها، فقيل له: بأي شيء تقول؟ قال: بالقرآن قال: بأي القرآن؟ قال: {{قرآن|أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}} (النساء: 59)، وعمر من أولي الأمر.<ref name="جامع العلوم"/>
 
 
قال الأوزاعي: «العلم ما جاء عن أصحاب رسول الله {{صلى الله عليه وسلم}} وما لم يجئ عنهم فليس بعلم».
 
وعن [[ابن مسعود]] قال: «لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد {{صلى الله عليه وسلم}} وأكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم وتفرقت أهواؤهم هلكوا». وقال أبو عبيدة معناه: أن كل ما جاء عن [[الصحابة]] وكبار التابعين لهم بإحسان هو العلم الموروث، وما أحدثه من جاء بعدهم هو المذموم، وكان السلف يفرقون بين العلم والرأي فيقولون للسنة علم ولما عداها رأي. وعن أحمد: «يؤخذ العلم عن النبي {{صلى الله عليه وسلم}} ثم عن الصحابة، فإن لم يكن فهو في التابعين مخير». وعنه: «ما جاء عن الخلفاء الراشدين فهو من السنة وما جاء عن غيرهم من الصحابة ممن قال إنه سنة لم أدفعه». وعن ابن المبارك: «ليكن المعتمد عليه الأثر، وخذوا من الرأي ما يفسر لكم الخبر». قال [[ابن حجر العسقلاني]]: والحاصل: أن الرأي إن كان مستندا للنقل من الكتاب أو السنة فهو محمود، وإن تجرد عن علم فهو مذموم، وعليه يدل حديث عبد الله بن عمرو المذكور، فإنه ذكر بعد فقد العلم أن الجهال يفتون برأيهم.<ref name="العسقلاني"/>