تاج الدين السبكي: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 500:
وقد كان الإمام تاج الدين السبكي ذا بعد نظر، وفكر ثاقب؛ فهو يريد أن يجتمع العلماء على كلمة واحدة، ولا يريد للأمّة أن تفترق فيما بينها وتذهب هيبتها، فقد كان يدعو العلماء إلى توحيد الكلمة ورصّ الصفوف ويرى أنّ افتراق العلماء هو سبب هلاك الأمّة فيقول: «فيؤدي ذلك إلى افتراق كلمتكم وتَسلّط الجهال عليكم، وسقوط هيبتكم عند العامّة، وقول السفهاء في أعراضكم ما لا ينبغي، فتهلكون السفهاء بكلامهم فيكم؛ لأنّ لحومكم مسمومة على كل حال، لأنّكم علماء، وتهلكون أنفسكم بما ترتكبونه من العظائم».<ref>التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 77.</ref>
 
=== اعتدادهاعتزازه بنفسه وبمؤلفاته ===
كان التاج السبكي كثير الاعتزاز بنفسه، فهو يقول عن نفسه: («وأنا اليوم مجتهد الدنيا على الإطلاق لا يقدر أحد يرد عليّ هذه الكلمة)» فانظر إلى مدى هذا الاعتزاز وهذه الثقة بالنفس والتي جعلته يتفوه بمثل هذه الكلمة، في زمن كان العلماء يقفون فيه سداً منيعاً أمام من يدعى [[الاجتهاد]] ولم يكن قد تأهل له بعد.
 
ولا يرى التاج السبكي حرجاً بالتحدث عن مؤلفاته ومزاياها، فهو لا يترك فرصة إلا ويشيد بمؤلفاته ويرفع منها، بعبارات تفوح منها رائحة العزّة والأنَفَة فهو يقول عن كتابه الطبقات: («ومن نظر كتابي هذا علم كيف كان البدر يغيب وأنا شاهد، وتيقن أنّه وظيفة عمر رجل ناقد؛ فلقد اشتمل على بحر زاخر من غرائب المسائل، وقدر وافر من عجائب الأقوال والأوجه والدلائل وغيث هامع من العلم تتقاصر عنه الأنوا (أي جمع نوء وهو النجم المنازل في الغرب وكانت العرب تضيف إليه المطر والرياح)، وغدير جامع تلقى عنده الدلا (أي جمع دلو وهو ما يستقى به الماء))».<ref>التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 209).</ref>
 
ويضيف: («إنّ هذا المجموع شمس عوارف المعارف، وقمر لطائف الظرائف، ونجم سماء العلم، والناس تِلقاءَ حرمه بين عاكف وطائف، من شاهده قال: هكذا هكذا، وإلا فلا لا، ومن أنفق من خزانة علمه لم يخش من ذي العرش إقلالاً، ومن تأمله منصفاً جبن عن معارضته وأنشد: ..أهابك إجلالاإجلالاً...)».<ref>التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 214).</ref>
 
ولاوهو ينبغييؤكد لمنصف أن يرى في ذلك نقيصة منه، ذلك أنّ التاج بنفسه يؤكدعلى أنّ إشادته بمصنفاته ليس للسمعة والفخر، وإنّما من باب ''"وأما بنعمة ربك فحدث''" ويهدف من ذلك إلى تشويق القارئ وحضه على مطالعته. ومع ذلك كان يرجع ويتواضع، فهو فيه عزة و[[تواضع]] معاً، فبعد أن يمدح ويستطرد في المدح يقول: («وأنا مع وصفي هذا الكتاب، ما أبرئ كتابي ولا نفسي من شك ولا ريب، ولا أبيعه بشرط البراءة من كل عيب، ولا أدعي فيه كمال الاستقامّة، ولا أقول: بأنّ الطبقات جمع سلامّة، بل إذا دار في خلدي ذكر هذه الطبقات اعترفت بالقصور، وسألت الله الصفح الجميل عما جرى به القلم، فكم جرى بهذه السطور، وقلم اللوح المحفوظ والكتاب المسطور، ورجوت مسامحة ناظريه، فهم أهلوها، وأملت جميلهم فهم أحسن الناس وجوهاً وأنضرهموها)».<ref>التاج السبكي، طبقات الشافعية (1/ 215).</ref>
 
=== صبره وتحمله الأذى ===