تاج الدين السبكي: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
سطر 490:
 
=== نبذه للتعصب المذهبي ===
رغم تمذهب التاج السبكي على فقه [[الإمام الشافعي]]، واعتباره مذهبه هو المذهب الحق، وأنّ من عانده فقد عاند الحق، ورغم عظيم حبه للإمام الشافعي، وأتباعه من السادة العلماء الذين دفعه حبه لهم إلى جمع أشتاتهم وتتبع أخبارهم في كتاب خاص بأئمة الفقهاء الشافعيةال[[شافعية]]. رغم كل ذلك إلا أنّه كان ينبذ التعصب المذهبي والجمود على أقوال الأئمة، بحيث تُجعَل الفروع المروية عن الأئمة أصولاً، بحيث يعادي بعضهم بعضا لأجلها ويُبدّع بعضهم الآخر بسببها، ويرى التاج السبكي أنّ هذا التعصب الممقوت لا يرضى به أحد ولو كان الأئمة الفقهاء أحياء لشددوا النكير على أمثال هؤلاء، ويقول: («ومنهم من تأخذه في الفروع الحمية لبعض المذاهب ويركب الصعب والذلول في العصبية، وهذا من أسوأ أخلاقه، ولقد رأيت في طوائف المذاهب من يبالغ في التعصب بحيث يمتنع بعضهم من الصلاة خلف بعض إلى غير ذلك مما يُستَقبح ذكره، ويا ويح هؤلاء! أين هم من الله تعالى! ولو كان الشافعي وأبوو[[أبو حنيفة]] رحمهما الله تعالى حَيّين لشددوا النكير على هذه الطائفة)».<ref>التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 74.</ref>
 
ويضيف التاج السبكي أنّ على العلماء أن يتجاوزوا هذه الفروع التي للخلاف فيها مدخل وللاجتهاد فيها باب واسع، وكل مجتهد مأجور وإن أخطأ، وعليهم أن يشتغلوا بما هو أهم من ذلك؛ كالرد على أهل البدع والأهواء الذين يُفسِدون على الناس دينهم وعقائدهم، ويقول: («وليت شعري لم لا تركوا أمر هذه الفروع التي العلماء فيها على قولين، من قائل: كل مجتهد مصيب، وقائل: المصيب واحد، ولكن المخطئ يؤجر، واشتغلوا بالرد على أهل البدع والأهواء. . . ثم قال: فقل لهؤلاء المتعصبين في الفروع وَيْحكم: ذروا التعصب، ودعوا عنكم هذه الأَهْويَة، ودافعوا عن دين الإسلام، وشَمّروا عن ساق الاجتهاد في حَسْمِ مادة من يسبّ الشيخين [[أبا بكر]] وعمرو[[عمر]] رضي الله عنهما)».<ref>التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 74.</ref>
 
ويَعيبُ التاج على هؤلاء الفقهاء الذين شغلوا أنفسهم بالفروع ونسوا أنّ بين ظهرانيهم يعيش [[أهل الذمة]]، ولا تجد فقيهاً يجالس ذمياً يبيّن له هذا الدين ويدعوه إليه فيقول: («بل هؤلاء أهل الذمة في البلاد الإسلامية تتركونهم هَمَلاً... ولا نرى منكم فقيهاً يجلس مع ذمي ساعة واحدة، يبحث معه في [[أصول الدين]]... إلى أن قال: فيا أيها العلماء في مثل هذا فاجتهدوا، وتعصبوا، وأما تعصبكم في فروع الدين، وحملكم الناس على مذهب واحد؛ فهو الذي لا يقبله الله منكم ولا يحملكم عليه إلا محض التعصب والتحاسد)».<ref>التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 75.</ref>
 
والمصيبة الكبرى التي يراها التاج السبكي، أن ترى من الفقهاء من يُشدّد النّكير على المسائل الفرعية، ويترك الإنكار على المسائل الأصلية القطعية، فلا تجدهم ينكرون على تارك الصلاة، ولا على كثير من المحرمات المجمع عليها ويضيف: («فَلَعَمْرُ الله لا أحصي من رأيته يُشمّر عن ساعد الاجتهاد في الإنكار على شافعي يذبح ولا يسمي... وهو يرى من العوام ما لا يُحصي عدده إلا الله تعالى يتركون الصلاة التي جزاء من تركها عند [[الشافعي]] ومالكو[[مالك]] وأحمدو[[أحمد]] ضرب العنق، ولا ينكرون عليه، بل لو دخل الواحد منهم بيته لرأى كثيراً من نسائه يتركن الصلاة، وهو ساكت عنهن، فيالله وللمسلمين! أهذا فقيه على الحقيقة! قبح الله مثل هذا الفقيه، ثم ما بالكم تنكرون مثل هذه الفروع، ولا تنكرون المكوس والمحرمات المجمع عليها، ولا تأخذكم الغيرة لله تعالى فيها! وإنّما تأخذكم الغيرة للشافعي، و[[أبي حنيفة]]، والمدارس المزخرفة)».<ref>التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 76.</ref>
 
وقد كان الإمام تاج الدين السبكي ذا بعد نظر، وفكر ثاقب؛ فهو يريد أن يجتمع العلماء على كلمة واحدة، ولا يريد للأمّة أن تفترق فيما بينها وتذهب هيبتها، فقد كان يدعو العلماء إلى توحيد الكلمة ورصّ الصفوف ويرى أنّ افتراق العلماء هو سبب هلاك الأمّة فيقول: («فيؤدي ذلك إلى افتراق كلمتكم وتَسلّط الجهال عليكم، وسقوط هيبتكم عند العامّة، وقول السفهاء في أعراضكم ما لا ينبغي، فتهلكون السفهاء بكلامهم فيكم؛ لأنّ لحومكم مسمومة على كل حال، لأنّكم علماء، وتهلكون أنفسكم بما ترتكبونه من العظائم)».<ref>التاج السبكي، معيد النعم ومبيد النقم ص: 77.</ref>
 
=== اعتداده بنفسه وبمؤلفاته ===