الفتح الإسلامي للغال: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:تدقيق إملائي (تجريبي)
سطر 46:
[[ملف:Charles martel St Denis gaignières.jpg|تصغير|270بك|قارلة مارتل (واسمه الفعلي شارل أو كارل مارتل)، ناظر العرش الإفرنجي زمن الفتح الإسلامي لِلغال.]]
[[ملف:فتح الأندلس 92هـ - 711م.jpg|تصغير|270بك|مسار فُتُوحات المُسلمين بِقيادة [[موسى بن نصير|مُوسى بن نُصير]] و[[طارق بن زياد]] عبر [[شبه الجزيرة الأيبيرية|شبه الجزيرة الأيبيريَّة]] قُبيل التقدُّم نحو الغال.]]
نتيجة ضعف المُلُوك وتراجع سُلطانهم، برزت في تلك الفترة سُلطة سياسيَّة جديدة في البلاط الإفرنجي هي سُلطة الحاجب، الذي عُرف باسم «مُحافظ القصر» أو «ناظر العرش» {{لات|Maior domus}}، وكان هذا المنصب في المبدأ مُتواضعًا، ليست له أية صفة سياسيَّة أو إداريَّة، تقتصر مهامُه على النظر في شُؤون القصر المنزليَّة، ولكنَّهُ غدا منذ أوائل [[القرن 7|القرن السابع الميلاديّ]]، منصبًا هامًّا، يتولاه رجالٌ أقوياء يتطلَّعون إلى السُلطة، وأصبح بمضيِّ الزمن أهم مناصب المملكة الإفرنجيَّة السياسيَّة والإداريَّة، يستأثر صاحبه بِكُل السُلطات الحقيقيَّة، وإليه مُنتهى الأمر في أخطر شُؤون الدولة، يُباشرُها باسم العرش ومن ورائه، ولا يُباشر الملك إلى جانبه غير رُسوم المُلك الإسميَّة، ويلتف حوله الزُعماء والأكابر، ويُباشر في مُعظم الأحيان سُلطة الملك الحقيقيَّة، خُصوصًا إذا كان الملك طفلًا قاصرًا، فهو عندئذٍ يغدو الملك الحقيقي باسم الوصي أو النائب.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية2" /> كانت [[كارولنجيون|الأُسرة القارليَّة (الكارولنجيَّة)]] القويَّة قد اختصت بهذا المنصب الخطير، منذُ عهد الملك داگوبرت،<ref>{{cite EB1911|wstitle=Carolingians}}</ref> وأخذت تُهدد بِنُفُوذُها وقُوَّتها مصير الأُسرة الميروڤنجيَّة الملكيَّة. وكان القارليُّون أقوى بُطون الإفرنج في [[أوستراسيا|أوستراسيا (إفرنجية الشرقيَّة)]]، فامتلكوا ضياعًا شاسعةً ما بين نهري الرَّاين والموزل وتزعَّموا جماعة النُبلاء، وتولُّوا منصب رُعاة الكنيسة، ومُنح زعيمهم مُحافظ القصر لقب «دوق الإفرنج» تنويهًا بِرياسته وسُلطانه، الذي أصبح فوق سُلطان العرش.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية2" /> وكان انحلال الأُسرة الميروڤنجيَّة وانهيار سُلطانها سببًا في تفرُّق كلمة الفرنجة وانحلال المملكة الإفرنجيَّة الشاسعة، وتطلُّع الزُعماء إلى الاستقلال والرياسة، أُسوةً بما انتهى إليه مُحافظ القصر؛ فأُضرمت نيران الحرب الأهلية حينًا بين الإفرنج في أوستراسيا والإفرنج في [[نيوستريا|نيوستريا (إفرنجية الغربيَّة)]]، وأسفر هذا الصراع عن استقلال ولاية أقطانية في غالة الجنوبيَّة، وكذلك استقلال مُعظم الولايات الجرمانيَّة، ِبرياسة طائفة من الأُمراء الأقوياء.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية2" /> آل منصب المُحافظ في أواخر القرن السابع الميلاديّ إلى أميرٍ مقدامٍ جريءٍ من الأُسرة القارليَّة، هو پپين الهرشتالي {{فرن|Pépin d'Héristal}}، فحارب الخارجين عن طاعته في [[فريزيا]] و[[سكسونيا]] وباڤاريا وأخضعهم، ولبث مُحافظًا لِلقصر يحكم مملكة الفرنجة في الشرق والغرب بِقُوَّةٍ وعزمٍ، مدى سبعةٍ وعشرين عامًا، ثُمَّ تُوفي سنة [[715]]م موصيًا بِمنصبه لحفيده الطفل تودفالد، ولد ابنه گريمولد الذي قُتل قبل وفاته.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية3">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 80|السنة= [[1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-77#page-80|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وكان لِپپين الهرشتالي ولدٌ آخر من زوجته «ألفايده»، وهو [[شارل مارتيل|قارلة (كارل أو شارل) مارتل]]،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|author1-last=Joch|author1-first=Waltraud|العنوان=Legitimität und Integration: Untersuchungen zu den Anfängen Karl Martells|date=1999|الناشر=Matthiesen Verlag|المكان=Husum, Germany}}</ref><ref group="ْ">{{استشهاد بخبر|author1-last=Gerberding|author1-first=Richard A.|العنوان=Review of ''Legitimität und Integration: Untersuchungen zu den Anfängen Karl Martells'' by Waltraud Joch|التاريخ=أكتوبر 2002|journal=Speculum|volume=77|number=4|الصفحات=1322–1323}}</ref><ref group="ْ">{{مرجع كتاب|العنوان=World military leaders: a biographical dictionary|السنة=2007|الناشر=Facts on File|isbn=978-0-8160-4732-1|الصفحة=63|المسار=https://books.google.com/books?id=QSJoaugn2h8C&lpg=PA63&dq=Charles%20Martel%20born%20Herstal&pg=PA63#v=onepage&q=Charles%20Martel%20born%20Herstal&f=false|المؤلف=Mark Grossman|تاريخ الوصول=2 حُزيران (يونيو) 2011}}</ref> تركه أبوه فتًى قويًّا في نحو الثلاثين من عُمره، وكان من الطبيعي أن يكون هو مُحافظ القصر بعد وفاة أخويه الكبيرين گريمولد ودروگو. ولكنَّ پپين تأثَّر بِتحريض زوجه الأولى «بلكترود» وأوصى بِالمنصب لِحفيده، فكان مُحافظ القصر طفلًا هو تودفالد، يحكم مكان الملك الميروڤنجي وهو طفلٌ أيضًا، بِواسطة بلكترود التي عُيِّنت وصيَّة على حفيدها.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية3" /> وكان أوَّل ما فعلت بلكترود أن قبضت على قارلة، وزجَّتهُ إلى السجن لتأمن شرَّه ومُنافسته. ولكنَّ أشراف إفرنجية الشرقيَّة ساءهم أن تتولَّى الحُكم امرأة. فثاروا ونادوا بأحد زعمائهم «راگنفرد» مُحافظًا لِلقصر،<ref group="ْ">Strauss, Gustave Louis M. (1854) ''Moslem and Frank; or, Charles Martel and the rescue of Europe,'' Oxford, GBR:Oxford University Press, see [https://books.google.com/books?id=Z4YBAAAAQAAJ], accessed 2 August 2015.</ref> ونشبت الحرب بين الفريقين، وهُزم حزب بلكترود، فارتدَّت مع حفيدها إلى [[كولونيا|كلونية]]، وقبض راگنفرد على زمام الحُكم. وفي تلك الأثناء فرَّ قارلة من سجنه، والتف حولهُ جماعة من أنصار أبيه، وحارب الفرنجة الشرقيين، فاستغاث راگنفرد بالدوق أودو أمير أقطانية القوي، فلم يُغنه ذلك شيئًا،شيءًا، وانتهى قارلة بأن هزمه ومزَّق قُوَّاته، واضطره إلى التسليم والصُلح. أما بلكترود فقد عقدت الصُلح أيضًا، وتنازلت عن كُل حقوقها. وغدا قارلة مارتل مُنذ سنة 720م مُحافظًا لِلقصر لا يُنازعه مُنازع، يحكم جميع الفرنجة في القسمين الشرقي والغربي من المملكة، وعند هذه النُقطة كان المُسلمون قد فرغوا من فتح الأندلُس وطرقوا باب الغال.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية3" />
 
=== الأوضاع الاجتماعيَّة ===
[[ملف:Frühmittelalterliches Dorf.jpg|نموذجٌ لِما كان عليه شكلُ القُرى والبلدات في العُصُور الوُسطى المُبكرة في مُختلف البلاد الجرمانيَّة بما فيها المملكة الإفرنجيَّة.|تصغير|يمين]]
كان الشكلُ الأوليّ من نظام [[إقطاعية|الإقطاع]] يسود مُختلف أنحاء المملكة الإفرنجيَّة، وكانت جُمهرة من الأُمراء والدوقات والكونتات تتقاسم السُلطة في مُختلف الولايات والأنحاء، وكُلَّما ضعُف سُلطانُ العرش اشتد نفوذُ أولئك الزُعماء المحليين، كما أُسلف. كما كانت العشائريَّة سائدة بين مُختلف طبقات الشعب، بحيثُ تعصَّب كُلُّ فريقٍ لِجماعته وعشيرته التي يتحدّر منها.<ref name="تأسيس المملكة الإفرنجية" /> وكان حق وراثة الأرض بين الإفرنج موضوعًا حسَّاسًا على المُستوى الاجتماعي، نظرًا لِأنَّ المكانة السياسيَّة والاجتماعيَّة لِلفرد كانت تتوقف عليه، فوفقًا لِحق الوراثة كانت تقل أو تزيد مكانة الإفرنجي بِانتقاص أو ازدياد ما يملكه من أراضٍ وضياع.<ref name="اجتماعيًا">{{مرجع كتاب|المؤلف1= عُمران، محمود سعيد|العنوان= معالم تاريخ أوروبَّا في العُصُور الوُسطى|الطبعة= الثانية|الصفحة= 147 - 148|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربية]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وحقُ وراثة الأرض كان عادة اجتماعيَّة قديمة سادت بين القبائل الجرمانيَّة مُنذُ ما قبل استقرارها وتحضُّرها، فكان زعيمُ العشيرة يُوزِّع الجياد والرِّماح على رفاق السِّلاح قبل أي غزوة، وكان منحُ مثل هذه الأشياء يتم دون تحفُّظ، وكان من يتلقَّاها يحتفظ بها طالما كانت صالحة لِلاستعمال حتَّى ولو ترك خدمة زعيمه. وكان من حق المُحارب أن يُوصي بها عند وفاته لِأيِّ شخصٍ يشاء، ولم يكن هُناك ضررٌ من ذلك لِأنَّ مثل هذه الأشياء يُمكن تعويضها في عمليَّات غزوٍ جديدة. ولكنَّ المُشكلة كانت أنَّ رئيس العشيرة كان يمنح بعض الأراضي بعد الغزو، وليس من السهل تعويض الأرض بِقدر تعويض السلاح، وهُنا أدرك المُلوك ضرورة تحديد وتقييد هباتهم من الأراضي، ومن هذه القُيُود ولاءُ من يحصل على المنحة وأن تكون المنحة طوال حياته فقط ولا تُورَّث من بعده.<ref name="اجتماعيًا" /> وكان من الطبيعي أن يميل النُبلاء إلى التخلُّص من شرط الولاء وعدم التقيُّد بِالمُدَّة وأن يكون من حقِّهم توريث الأرض لِأولادهم. ولمَّا ضعُفت سُلطة العرش الإفرنجي نجحوا بِذلك، على أنَّ بعض المُلُوك الأقوياء أو مُحافظي القصر الذين لاحظوا العجز الناشئ في إيرادات الأراضي نتيجة تملُّص النُبلاء من ولائهم لِلعرش فرضوا بعض الضرائب على النُبلاء لِتعويض هذا العجز، فتمرَّد عليهم هؤلاء، ممَّا ولَّد صراعٌ اجتماعيٌّ دائم بين الحُكَّام وطبقة النُبلاء تمثَّل بِرغبة الأخيرين في تأمين مركزٍ دائمٍ لِأنفُسهم ولِأُسرهم من بعدهم، وبِضرورة تحقيق الحُكومة مُتطلبات المملكة النامية.<ref name="اجتماعيًا" /> أمَّا على صعيد طبقة الفلَّاحين والمُزارعين، فإنَّ الوثائق والمخطوطات بِالكاد تذكر عنها شيئًاشيءًا قبل [[القرن 9|القرن التَّاسع الميلاديّ]]، وجلَّ ما هو معروف عن هذه الطبقة في [[عصور وسطى مبكرة|العُصُور الوُسطى المُبكرة]] يتأتَّى من [[علم الآثار|الاكتشافات الأثريَّة]]. ويبدو من خِلال التدقيق في تلك الاكتشافات، ومُطالعة الوثائق القليلة المُتبعثرة، أنَّ هذه الطبقة كان منها من يخضع بِالكامل لِسُلطة النُبلاء الإقطاعيين، وأنَّ بعضها الآخر كان عبارة عن مُجتمعاتٍ مُصغرة ذاتيَّة الحُكم إلى حدٍ كبير.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |المؤلف=Wickham, Chris |وصلة المؤلف=:en:Christopher Wickham |العنوان=The Inheritance of Rome: Illuminating the Dark Ages 400–1000 |الناشر=Penguin Books |المكان=New York |السنة=2009 |isbn=978-0-14-311742-1|الصفحات=204-210}}</ref> وقد تجمَّع الفلَّاحون في قُرى أو بلدات صغيرة شُيِّدت مُنذُ [[الإمبراطورية الرومانية|العصر الروماني]] ثُمَّ تراجع شأنها بعد انهيار الإمبراطوريَّة، وكان مُعظم تلك التجمُّعات مُحصنًا يتمحور حول سوقٍ محليَّة أو كنيسةٍ كُبرى. وعرفت الزراعة بعض التحسُّن والتطوُّر عن العصر الروماني، فاستعمل الفلَّاحون أنواعًا أكثر تقدُمًا من [[محراث|المحارث]]، واعتمدوا أُسلوب [[تناوب المحاصيل لمدة ثلاث سنوات|تناوُب المحاصيل لِمُدَّة ثلاث سنوات]].<ref group="ْ">Thaër A. von, [1809] 1811. ''Principes raisonnés d’agriculture'', traduction de EVB Crud, tome premier. Paris, Paschoud, ix + 372 p.</ref>
 
=== الأوضاع الاقتصاديَّة ===
سطر 65:
 
=== الأوضاع العسكريَّة ===
تُشيرُ الدلائل والمُكتشفات إلى أنَّ الجُيُوش الإفرنجيَّة كانت تعتمد أساليب وتقنيَّات الحصار والتطويق المُتوارثة عن الرومان في معاركها وحُروبها، إلى جانب اعتمادها على سلاح المُشاة والفُرسان. وكان يُعتقدُ بِأنَّ الإفرنج كانوا يعتمدون على الخيَّالةالخيَّآلة الثقيلة المُدججة بِالدُروع لِاقتحام صُفوف أعدائهم وكسر خُطُوط دفاعهم، وأنَّ هذا الأُسلوب اتبعه قارلة في حربه مع المُسلمين،<ref group="ْ">Bowlus, Charles R. [https://books.google.com/books?id=0XBtVwukIogC&pg=PA49 ''The Battle of Lechfeld and its Aftermath, August 955: The End of the Age of Migrations in the Latin West''] Ashgate Publishing, Ltd., 2006, pg. 49 ISBN 0-7546-5470-2, ISBN 978-0-7546-5470-4</ref> غير أنَّ المُؤرخين المُعاصرين يتفقون على أنَّ [[ركاب (فروسية)|الركَّاب]] الذي يُربطُ بِالسرج، ويسمح لِلفارس أن يثبُت على صهوة جواده أثناء إمساكه بِرمحه الخشبيّ الثقيل، لم يعرفه الإفرنج إلَّا عند نهاية القرن الثامن الميلاديّ، ولعلَّهم أخذوه عن المُسلمين،<ref group="ْ">Hooper, Nicholas / Bennett, Matthew. [https://books.google.com/books?id=Sf8UIynR0koC&pg=PA12 ''The Cambridge Illustrated Atlas of Warfare: the Middle Ages''] Cambridge University Press, 1996, pp. 12–13 ISBN 0-521-44049-1, ISBN 978-0-521-44049-3</ref> وبالتالي فإنَّ الخيَّالةالخيَّآلة الثقيلة لم يكن لها وُجودٌ آنذاك. وكان لدى المُلُوك والنُبلاء والأُمراء الإفرنج حاشيةٌ من الجُنُود شكَّلت أساس الجُيُوش الإفرنجيَّة على الدوام، وقد أطلق المُؤرخون على هذه الفئة من الجُند تسمية «الإقطاعة» {{لات|Comitatus}} بدايةً من [[القرن 19|القرن التاسع عشر الميلاديّ]] أُسوةً بِالمُؤرِّخ الروماني [[تاسيتس]] الذي استعمل ذات التسمية في مُؤلَّفاته العائدة إلى [[القرن 2|القرن الثاني الميلادي]].<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان=A Dictionary of Medieval Terms & Phrases |الأخير=Coredon |الأول=Christopher |السنة=2007 |الطبعة=المُعاد نشرُها|الناشر=D. S. Brewer |المكان=Woodbridge, UK |isbn=978-1-84384-138-8|الصفحة=80}}</ref> كانت هذه الحاشية تتكوَّن من جماعةٍ من الشباب الأصحَّاء الأقوياء الذين يُقسمون يمين الولاء والطاعة لِسيِّدهم أو ملكهم مدى الحياة، فيحلفون أن لا يتخلُّون عنه ويُعاهدونه على القتال حتَّى النصر أو الموت، سواء نجا سيِّدهم من المعركة أو قُتل فيها.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |المؤلف=Geary, Patrick J. |وصلة المؤلف=:en:Patrick J. Geary |العنوان=Before France and Germany: The Creation and Transformation of the Merovingian World |الناشر=Oxford University Press |المكان=Oxford, UK |السنة=1988 |isbn=0-19-504458-4|الصفحات=56–57}}</ref>
 
== دوافع فتح الغال والتمهيدات ==
سطر 95:
واصل السمح بن مالك توغُّله في جنوبيّ الغال باتجاه الشمال الغربي، حيثُ نهرُ الغارون حتَّى وصل إلى مدينة [[تولوز|طولوشة (تولوز)]] عاصمة مُقاطعة [[أقطانية]]، وحطَّم أثناء زحفه المُقاومة التي اعترضته من جانب [[باسك|البشكنس]] والغسكونيين، سُكَّان هذه الأنحاء.<ref name="عنان أقطانية">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 81|السنة= [[1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-81 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> كانت مُقاطعة أقطانية تحت حُكم الدوق [[أودو دوق أقطانيا|أودو الكبير]]، الذي استقلَّ بها أثناء مرحلة النزاع الميروڤنجي الداخلي في عهد أحفاد كلوڤيس. وكان أودو المذكور ينتمي إلى السُلالة الميروڤنجيَّة، ومن أجل ذلك كان يحقد على قارلة مارتل مُحافظ القصر لاستئثاره بِالسُلطة من دون أقربائه الشرعيين، وكان قد سبق واصطدم به قبل ذلك، لِذا عمل، بعد انفصاله عن السُلطة المركزيَّة في المملكة الإفرنجيَّة، على توسيع رقعة أراضيه في جنوبي بلاد الغال على حساب أُمرائها الإقطاعيين المُنهمكين في التنازع على الأراضي والامتيازات، وساندهُ القوط والبشكنس.<ref name="ReferenceA"/> وكان أودو يُراقب عن كثب تطوُّر الأوضاع السياسيَّة في مُقاطعة سپتمانية تمهيدًا لِلانقضاض عليها وضمِّها إلى أملاكه، وذلك بِهدف الاستفادة من مواردها وتقوية مركزه، لِمُواجهة قارلة وانتزاع مُلك الإفرنج منه، وكان هذا قد بدأ بِدوره يُخطط لِلاستيلاء على هذه المُقاطعة وما يُجاورها من بلاد، وقد أزعجهُ فتح المُسلمين لها، لِذلك نهض لاستعادتها منهم.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان= Histoire de France depuis les origines jusqu’à la Révolution|الأخير=Lavisse|الأول=Ernest|وصلة المؤلف=إرنست لافيس|السنة= 1901|المكان= France|isbn= |الصفحة=45}}</ref> كما يبدو أنَّ النشاط الإسلامي روَّع أهل أقطانية، فكان هذا دافعٌ آخر استغلَّهُ الدوق أودو لِإعلان الحرب على المُسلمين.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 245|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> وسُرعان من استرعت استعدادت الدوق أودو انتباه السمح بن مالك، فأسرع بِالزحف نحو العاصمة طولوشة لِفتحها قبل وُصُول الدوق إليها. ضرب المُسلمون الحصار على المدينة وبدأوا في استخدام آلات الحرب التي أحضروها معهم، وبِواسطة مراجمهم أخذوا يدفعون بِالجُنُود الإفرنج الذين كانوا فوق التحصينات إلى الداخل، فكانت المدينة على وشك السُقُوط في أيديهم حينما وصل أودو إلى ظاهرها.<ref name="رينو">{{مرجع كتاب|المؤلف1=رينو، جوزيف|المؤلف2=تعريب د. إسماعيل العربي|العنوان= الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا في القرون الثامن والتاسع والعاشر الميلادي|الطبعة= الأولى|الصفحة= 51|السنة= [[1984]]|الناشر= دار الحداثة|المكان= [[الجزائر (مدينة)|الجزائر العاصمة]] - [[الجزائر]]}}</ref>
 
أشارت بعض المصادر التاريخيَّة إلى أنَّ الجيش الإفرنجي كان كبيرًا لِدرجة أنَّ الغُبار الذي كان يتصاعد تحت أقدام الجُنُود كان من الكثافة بِحيثُ غطَّى ضوء النهار عن أعيُن المُسلمين،<ref name="رينو" /> فاضطربوا لِذلك، لكنَّ السمح جعل يسيرُ بين صُفوف الجُند يحُثهم فيها على الثبات عند اللقاء ويقرأ عليهم الآية المائة والستين من [[سورة آل عمران|سُورة آل عمران]]: {{قرآن|إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}}،<ref name="رينو" /> وانقضَّ الجيشان على بعضهما «كالسيل العارم النَّازل من جبل»، وفق الوصف الوارد في بعض المصادر الإسلاميَّة، ودارت بين الطرفين [[معركة تولوز|معركة كبيرة حامية الوطيس]] يوم [[9 ذو الحجة|9 ذي الحجة]] [[102هـ]] المُوافق فيه [[9 يونيو|9 حُزيران (يونيو]]) [[721]]م، أظهر فيها السمح شجاعة نادرة، فكان يظهر في كُلِّ مكانٍ من ميدان القتال يُنظِّمُ الصُفُوف ويبُثُّ الحماس في نُفُوس الجُند، ويقولون إنَّ الجُنُود كانوا يتعرَّفون على الممر الذي سلك بِأثر الدماء التي تجري فيه والتي تركها سيفه. ولكنَّهُ بينما كان يُقاتلُ في قلب المعركة أصابه رمح وأسقطه عن فرسه،<ref name="رينو" /><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن عذاري|ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثالثة|الصفحة= 26|السنة= [[1983]]م|الناشر= دار الثقافة|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-11782#page-334 |تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref> ولم يكن من السهل تفادي تلك الخسارة نظرًا لاختلال التوازن العسكري بين القُوَّتين، كما أنَّ مقتله قضى نهائيَّا على معنويَّات المُقاتلين، فتخاذلوا وتبعثرت صُفُوفهم، واختاروا أحد كِبار الجُند، وهو [[عبد الرحمن الغافقي|عبدُ الرحمٰن الغافقي]]، لِتولِّي القيادة العامَّة، وكان نائب السمح بن مالك. لم يستطع الغافقي أن يفعل شيئًاشيءًا سوى تنظيم عمليَّة الانسحاب وإنقاذ من تبقَّى من الجُند والعودة إلى أربونة.<ref name="عنان أقطانية"/><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن عذاري|ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد]]|العنوان= البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب لابن عذاري|volume= الجُزء الثاني|الطبعة= الثالثة|الصفحة= 26|السنة= [[1983]]م|الناشر= دار الثقافة|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-11782#page-335 |تاريخ الوصول= [[29 أبريل|29 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref> خسر المُسلمون جرَّاء هذه الهزيمة بعض المُدن وأبرزها قرقشونة، كما سقط في هذه المعركة كثيرٌ من أعلام المُسلمين، وبعضهم ممن شاركوا في الفُتُوحات السَّابقة. طبعت معركة طولوشة هذه المرحلة من التوسُّع الإسلامي في الغال بِطابعٍ جهاديّ خاص وسُميت بِـ«سنوات المد الإسلامي باتجاه أوروپَّا»، وشكَّل مقتل السمح بن مالك نُقطة ارتكاز وانتشار في تلك المُقاطعات في ذلك الوقت، وبناء إدارة إسلاميَّة فيها.<ref name="ReferenceB">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 118|السنة= [[1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
=== التوغُّل الإسلامي في عُمق إفرنجية ===
سطر 108:
بوفاة عنبسة، شهدت الأندلُس اضطرابات جديدة نتج عنها توالي عدد من الوُلاة في فترة زمنية قصيرة، بالإضافة إلى تمرُّد بعض حُكَّام المناطق وأبرزهم الزعيم [[أمازيغ|البربري]] [[منوسة]] حاكم [[سيردانيا|شرطانية]] الذي تحالف وتصاهر مع أودو دوق أقطانية، فتزوَّج ابنته «لامبيجيا». واحتمى الدوق بِهذه المُصاهرة من بطش المُسلمين بِدليل أنَّ عنبسة بن سُحيم عدل، أثناء توغله في عُمق الأراضي الإفرنجيَّة، عن اجتياح مُقاطعة أقطانية وذلك تحت تأثير منوسة كما يبدو.<ref group="ْ">[http://www.saudiaramcoworld.com/issue/199302/the.arabs.in.occitania.htm Meadows, Ian. "The Arabs in Occitania", Saudi Aramco World: Arab and Islamic Culture and Connections]</ref> ومنوسة هذا - بحسب رواية إيزيدور الباجي - كان وُلِّي أُمور شرطانية بُعيد فتحها، وترامت إليه من حُدود إفريقية أخبارٌ مفادُها تعرُّض البربر إلى الظُلم على يد العرب في هذه البلاد بِسبب ما جرى من خِلافات آنذاك بين جناحيّ المُسلمين في تلك الأنحاء، فملأ هذا الأمر قلب منوسة حقدًا على العرب بِعامَّة، وزاد الدوق أودو من هذا الحقد في قلب صهره لِيتخذه درعًا يقيه الضربات الإسلاميَّة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 122|السنة= [[1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فانفصل منوسة عن عامَّة المُسلمين وصالح الفرنجة وأخذ يعمل على إيذاء العرب، ووثب بهم بِالفعل وأصبح في حربٍ دائمةٍ معهم، رُغم أنَّ أنصاره كانوا في خِلافٍ مُتَّصلٍ معه، وقد حاول الوالي الجديد عذرة بن عبدُ الله الفهري القضاء على حركة منوسة، فأرسل نحوه حوالي عشر حملات عادت كُلها مهزومة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 251|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> ظلت تلك الاضطرابات سائدة حتى جاءت ولاية [[الهيثم بن عبيد الكناني|الهيثم بن عُبيد الكناني]] الذي عبر البرتات في سنة [[112هـ]] المُوافقة لِسنة [[730]]م، واخترق سپتمانية إلى وادي الرون، وغزا لوطون وماسون وشالون الواقعة على نهر السون، واستولى على أوتون وبون، وعاث في أراضي بورغندية الجنوبيَّة. لكن أدى اختلاف القبائل وتمرُّد البربر في الأندلُس إلى تفكُّك جيشه، وتخلّيه عن تلك المُدن المفتوحة، وعاد جنوبًا،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 84|السنة= [[1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-84|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولم يلبث أن تُوفي في سنة 112هـ المُوافقة لِسنة 730م بعد أن أمضى سنتين في ولايته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن خلدون|ابن خلدون، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد]]|العنوان= ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر|volume= الجُزء الرابع|الطبعة= الثانية|الصفحة= 152|السنة= [[1408هـ]] - [[1988]]م|الناشر= دار الفكر|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-12320#page-2259|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان]]}}</ref>
[[ملف:Tours, Saint Martin.JPG|تصغير|يمين|كنيسة القديس مارتين كما تبدو اليوم. زعم المُؤرخون الإفرنج أنَّ المُسلمين أحرقوا هذه الكنيسة لمَّا توغَّلوا في الغال وُصولًا إلى مدينة طُرش (تور) لِأوَّل مرَّة. بُني المبنى الحالي ما بين سنتيّ 1886 و1924م بعد أن دُمِّر المبنى الأصلي القُروسطي خِلال أحداث [[الثورة الفرنسية|الثورة الفرنسيَّة]].<ref group="ْ">{{مرجع ويب|العنوان=Historique|اللغة=French|المسار=http://www.basiliquesaintmartin.com/index.php?page=37&lg=1|العمل="Basilique Saint-Martin" (official website)|تاريخ الوصول=2008-09-16}}</ref>]]
خِلال هذه الفترة، شحن المُسلمون كافَّة مُدن مُقاطعة سپتمانية بِالحاميات العسكريَّة لِلدفاع عنها وإقرار السلام بين السُكَّان، وجمع الضرائب التي خففوا مقدارها، وتركوا الأراضي التي فتحوها عنوةً في أيدي أصحابها، على عكس ما اتبعوه في الفُتُوح السَّابقة، وفرضوا على السُّكَّان مُقابل ذلك تقديم حصَّة تتراوح بين ثُلث ورُبع المحصول، فنعموا بِالطمأنينة والأمن في ظل حُكم المُسلمين. ولم يُحاول الدوق أودو، في هذه المرحلة، الخُروج على حُكمهم، كما أنَّ قارلة انهمك في إخماد ثورات الفريزيين التي تجددت في مُقاطعة النورمندي، وردِّ غارات ال[[ساكسون]] على [[نهر الراين]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= العدوي، إبراهيم أحمد|العنوان= المُسلمون والجرمان: الإسلام في غرب البحر المُتوسَّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 184 - 185|السنة= [[1960]]|الناشر= دار المعرفة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> يُلاحظ بِأنَّ الرواية الإسلاميَّة لا تنسب قيام أيَّة أعمال عسكريَّة في الغال خِلال ولاية عذرة بن عبد الله الفهري، ولكنَّ الرواية الإفرنجيَّة تذكر أعمالًا حربيَّة خطيرة قام بها المُسلمون في هذه الفترة بعد مقتل عنبسة مُباشرةً، وحيثُ أنَّ ولاية عذرة دامت سنتين وأشهُرًا فلا بُدَّ أنَّ هذه الأعمال وقعت خلالها، ويُجمل المُؤرِّخ والمُستشرق الفرنسي [[جوزيف توسان رينو]] أخبار هذه الأعمال في قوله أنَّ قادة المُسلمين نهضوا بعد مقتل عنبسة، وقد شجعتهم المُقاومة القليلة التي صادفوها والإمدادات الكبيرة التي تلقُّوها من الأندلُس، فأرسلوا الحملات في كُلِّ وجه، مُقتحمين سپتمانية مرَّة أُخرى، وعادوا إلى حوض الرون وغزوا بلاد الألبيين {{فرن|Les Albegeois}} وإقليم رويرگ {{فرن|Le Rouergue}} وجيڤودان {{فرن|Gévaudan}} وليڤليه {{فرن|Levelay}} ونهبوها نهبًا ذريعًا، حتَّى استنكر الكثير من المُسلمين الإسراف في العُنف.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |الأخير=Reinaud |الأول=Joseph Toussaint |date=1836 |العنوان=Invasions des Sarrazins en France, et de France en Savoie, en Piémont et dans la Suisse |المسار=http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k62027830/f77.image |المكان=Paris |الصفحة=23 |author-link=جوزيف توسان رينو }}</ref> وتُضيف روايات مسيحيَّة أُخرى أنَّ المُسلمين خرَّبوا كنيسة رودس الكبيرة، واستقرُّوا في حصنٍ قريبٍ من موضع روكپريڤ {{فرن|Roqueprive}} الحالي. وانضمَّ إليهم نفرٌ من أهل هذه النواحي وساروا معهم يغزون في كُلِّ وجه. ويغلُب الظن أنَّهُ في خلال هذه الفترة - أي بين سنتيّ 107 و112هـ المُوافقة لِما بين سنتيّ 725 و730م، قام المُسلمون بِالغزوات التي تنسُبها إليهم الروايات المسيحيَّة في أقاليم دوفينيه {{فرن|Dauphiné}} ولوطون (ليون) وبورغندية. ولا تذكر المراجع العربيَّة والإسلاميَّة عن ذلك شيئًاشيءًا على الإطلاق، في حين تختلف المراجع المسيحيَّة فيما بينها اختلافًا بينًا بِشأنها. وحده المُؤرِّخ المُسلم [[أحمد المقري التلمساني|أحمد بن مُحمَّد المُقري التلمساني]] ذكر لمحةً عن تلك المرحلة، فقال: {{اقتباس مضمن|إِنَّ الله أَلقَى الرُّعبَ فِي قُلُوبِ النَّصَارَى، وَلَم يَعُد أَحَدٌ مِنهُم لِيَظهَرَ إِلَّا لِيَستَأمِن. فَاستَولَى العَرَبُ عَلَى البِلَادِ وَمَنَحُوا الأَمَانَ لِمَن أَرَادَ، وَسَارُوا مُصعِدِين حَتَّى وَصَلُوا حَوضَ الرَّدَانَة، وهُنَاكَ ابتَعَدُوا عَن الشَّاطِئ وَتَوَغَّلُوا دَاخِلَ البِلَادِ}}.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 257|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> ولم يذكُر المُقري البلاد التي وصلها المُسلمين حينما توغَّلوا في الغال هذه المرَّة، على أنَّ رينو قال بأنَّ المواقع التي وصلها المُسلمين كانت هي المواقع التي ذكرت المصادر المسيحيَّة خرابها، وهي لوطون وماسون وشالون وبون {{فرن|Beaune}} وأوتون وسوليو {{فرن|Saulieu}} وبيز. كما قال أنَّ هذه الغارات يُحتمل أن تكون قد وصلت أبعد من ذلك وتمَّت دون خطَّة مُقررة من قبل، ومع هذا فإنها لم تلقَ إلَّا مُقاومة ضئيلة جدًا، ممَّا يدُل على الحالة السيئة التي كانت تسود بلاد الفرنجة آنذاك، وعلى عدم وُجُود حُكُومة ترعى شُؤون الناس.<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |الأخير=Reinaud |الأول=Joseph Toussaint |date=1836 |العنوان=Invasions des Sarrazins en France, et de France en Savoie, en Piémont et dans la Suisse |المسار=http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k62027830/f83.image|المكان=Paris |الصفحة=29 - 32|author-link=جوزيف توسان رينو }}</ref>
[[ملف:Abdul Rahman Al Ghafiqi.png|تصغير|رسمٌ خيالي لِعبدُ الرحمٰن الغافقي، أبرز قادة المُسلمين في فُتُوحات الغال.]]
وفي سنة 112هـ المُوافقة لِسنة 730م، عيَّن والي إفريقية [[عبيد الله بن الحبحاب|عُبيد الله بن الحبحاب]] بعد مُوافقة الخليفة [[هشام بن عبد الملك]] القائد عبدُ الرحمٰن الغافقي واليًا على الأندلُس، ولا يُستبعد أن يكون الجيش الإسلامي المُرابط في الأندلُس وراء هذا التعيين بِفعل محبة الجُند لِلغافقي كونه كان فريدًا بين رفاقه من القادة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 77|السنة= [[1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ارتبط ظُهُور عبدُ الرحمٰن الغافقي على مسرح الأحداث السياسيَّة والعسكريَّة في الأندلُس والغال، بِالدور البارز الذي أدَّاه في ميدان الغزو والجهاد من أجل مدِّ راية الإسلام في الأراضي الأوروپيَّة. وكان تسلُّم الغافقي لِلحُكم لِلمرَّة الثانية، بعد أن أبعدتهُ الصراعات القبليَّة نحو عشر سنوات عن المنصب الذي كان أكثر الذين سبقوه تأهيلًا لِحمل مسؤوليَّاته. وسبب ذلك أنَّ الغافقي كان على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءة القياديَّة والعسكريَّة، وتحلَّى بالشجاعة والجُرأة والإقدام، وقضى مُعظم حياته في الجهاد، وكان سليمًا من النزعة القبليَّة التي ابتلى بها غيره من الوُلاة، وقد وضع نُصب عينيه فتح «الأراضي الكبيرة» أي الغال، كما كان يُسميها المُسلمون. كان على الغافقي بدايةً التصدِّي لِمطامع الدوق أودو وإخماد حركة منوسة وإعادة اللُحمة إلى المُسلمين، وكان يرى - بُحُكم خبرته الطويلة ومُتابعته التطوُّرات عن كثب - أنَّ الهدنة التي حرص أودو على استمرارها مع المُسلمين لم تكن إلَّا وسيلة لاتقاء خطرهم حتَّى تنجلي علاقته بِقارلة مارتل.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= العدوي، إبراهيم أحمد|العنوان= المُسلمون والجرمان: الإسلام في غرب البحر المُتوسَّط|الإصدار= الأولى|الصفحة= 185|السنة= [[1960]]|الناشر= دار المعرفة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولم يقبل الغافقي أن تكون المُصاهرة بين منوسة والدوق أودو سببًا يصرف جُهُود المُسلمين عن حماية سپتمانية من أيِّ خطرٍ يتهدَّدُها جرَّاء أطماع الدوق سالف الذِكر، ولِذا أمر بِالقيام بِغاراتٍ على مُقاطعة أقطانية بِوصفها مصدر الخطر على المُسلمين، وأرسل إلى منوسة يدعوه إلى الطاعة والدُخول تحت راية الإسلام مُجددًا وأن لا يكون عقبة في وجه بني قومه ودينه، فرفض منوسة هذا الأمر بحُجَّة أنهُ لا يستطيع مُهاجمة أملاك صهره وأنَّهُ قد هادن الإفرنج وحلَّ نفسهُ من تنفيذ أيِّ أمرٍ عسكريٍّ بِشن الحرب أو الاشتراك في القِتال ضدَّهم، فبادر عبدُ الرحمٰن الغافقي إلى إخماد هذه الحركة الثوريَّة قبل أن تستفحل أكثر من ذلك وتؤدي إلى مزيدٍ من التصدُّع في الجبهة الإسلاميَّة وتُشجِّع أعداء الدولة على مُهاجمة سپتمانية، فجهَّز حملةً عسكريَّةً عهد بِقيادتها إلى ابن زيَّان، وكلَّفهُ بِإخماد الثورة، ونجح هذا القائد في مُهاجمة معاقل منوسة الحصينة ودخل عاصمته، [[ممر رونسفال|باب الشزري]]، وطاردهُ في شِعاب الجبال حتَّى قبض عليه وقتله، وذلك في سنة 113هـ المُوافقة لِسنة 731م،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[إفاريست ليفي بروفنسال|پروڤنسال، إڤاريست ليڤي]]|المؤلف2= ترجمة: علي عبدُ الرءوف البمبي وعلي إبراهيم منوفي والسيِّد عبد الظاهر عبد الله|العنوان= تاريخ أسبانيا الإسلاميَّة من الفتح إلى سُقُوط الخِلافة القُرطُبيَّة|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 75|السنة= 2000|الناشر= المجلس الأعلى لِلثقافة|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]|المسار=http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:117167}}</ref> وبِذلك أضحت ممرات جبال البرتات مفتوحةً أمام زحف الجُيُوش الإسلاميَّة.
سطر 145:
كان أوَّل عمل قام به عبد الملك بن قطن هو أنَّهُ قضى على الثورات التي قامت ضدَّ الحُكم الإسلامي في المناطق الشماليَّة لِلأندلُس، على أثر مقتل عبد الرحمٰن الغافقي وانحلال جيشه، ووصل خلال مُطاردته لِلثائرين، إلى مدينة [[لانغيدوك|لانگدوك]] في الأراضي الإفرنجيَّة، ثُمَّ عمد إلى اتباع سياسة هُجوميَّة - دفاعيَّة جديدة، فبنى سلسلة من القلاع في المناطق الحُدوديَّة، وشحنها بِالمُقاتلين واتخذها قواعد انطلاق لِغزو أراضي الفرنجة، والدفاع عن المناطق الإسلاميَّة، ومُراقبة تحرُّكات العدو. واستمرَّ سُكَّانُ سپتمانية النصارى على ولائهم لِلمُسلمين، وقد خشوا أن يقعوا تحت حُكم قارلة المكروه، كما انضمَّ «[[مورونتوس|مارونت]]»، حاكم [[مارسيليا|مرسيلية]]، إلى المُسلمين، وكان يبغض قارلة ويرغب بالاستقلال بِإقليم پروڤانس.<ref name="بعد الغافقي" /> بعد الانتهاء من إقامة التحصينات والاطمئنان على سلامة الوضع في المناطق الشماليَّة لِجبال البرتات، التفت عبد الملك بن قطن إلى استعادة ما فقده المُسلمون من أراضٍ بعد معركة بلاط الشُهداء وإعادة الحُضُور الإسلامي في مناطق جنوبي الغال، فكلَّّف حاكم أربونة [[يوسف بن عبد الرحمن الفهري|يُوسُف بن عبد الرحمٰن الفهري]] بِمُواصلة الغزو،<ref group="ْ">Fouracre, Paul (2000). ''The Age of Charles Martel''. Pearson Education. ISBN 0-582-06476-7, p. 96.</ref> وفي سنة 116هـ المُوافقة لِسنة 734م واصل المُسلمون غزواتهم في بلاد الغال،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 104|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> فاجتاح الفهري [[آرل]]، ثم [[سانت ريمي دي بروفنس|سانت ريمي]]<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 333|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> و[[أفينيون|أبينيون]].<ref group="ْ">{{مرجع كتاب|الأخير1= Santosuosso |الأول1= Antonio |وصلة المؤلف1= |العنوان= Barbarians, Marauders, and Infidels |المسار= |archiveurl= |archivedate=|الإصدار= |series= |السنة= 2004 |الناشر= Westview Press |المكان= |الرقم المعياري= 0-8133-9153-9 |oclc= |doi= |ref= harv |bibcode=|p=126}}</ref><ref group="ْ">Riche, Pierre (1993). ''The Carolingians: A Family Who Forged Europe''. University of Pennsylvania Press. ISBN 0-8122-1342-4, p. 45.</ref> ويبدو أنَّ الوالي الجديد استغلَّ انشغال قارلة في قمع الثورات التي قامت ضدَّ حُكمه من جانب الساكسون والفريزيين في الشمال.<ref name="ReferenceC">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 130|السنة= [[1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> واخترق المُسلمون بعد ذلك إقليم [[دوفيني|دوفينه]]، واستولوا على أوسيز وففييه وڤالانس و[[فيين]] ولوطون (ليون) وغيرها، وغزوا بورغندية،<ref name="عنان115">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 115|السنة= [[1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-115|تاريخ الوصول= [[9 أبريل|9 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> فبعث قارلة، وكان قد انتهى من قمع الثورات في الشمال وتفرَّغ لِلمُشكلات مع المُسلمين، أرسل أخاه شلدبراند في جيشٍ ضخم لِمُواجهة المُسلمين، ثُمَّ لحق به جيشٌ آخر، وهاجما أبينيون حتَّى سقطت في أيديهم في ربيع سنة 119هـ المُوافقة لِسنة 737م،<ref group="ْ">Halsall, Guy (2003). ''Warfare and Society in the Barbarian West 450-900''. London: Routledge. ISBN 0-415-23939-7, p. 226.</ref><ref group="ْ">Mastnak, Tomaz (2002). ''Crusading Peace: Christendom, the Muslim World, and Western Political Order''. University of California Press. ISBN 0-520-22635-6, p. 101.</ref> وقتلوا حاميتها المُسلمة، ثُمَّ تحصَّن المُسلمون في أربونة، فسار إليها قارلة، وحاصرها فقاومهُ المُسلمون أشدَّ مُقاومة، ولم يستطع دُخولها.<ref name="عنان115" />
[[ملف:Vasconia wide 740 3 - 80-ar.jpg|تصغير|خريطة توضح مسار العمليَّات العسكريَّة والغزوات والغارات المُتبدالة بين المُسلمين والإفرنج بعد معركة بلاط الشُهداء والأوضاع الجيوسياسيَّة في جنوب غرب الغال آنذاك.]]
أرسل والي الأندلُس الجديد [[عقبة بن الحجاج السلولي|عقبة بن الحجَّاج السلولي]]، الذي خلف عبد الملك بن قطن، جيشًا لِإنقاذ المدينة من جهة البحر، حتَّى أصبح على مقربة من أربونة. فلمَّا علم قارلة بِمقدم هذا الجيش، بادر إلى لِقائه، فوقعت [[معركة وادي بير|معركة كبيرة]] عند نُهير البر بِالقُرب من أربونة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 337|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> انهزم فيها المُسلمون هزيمةً شديدة، وطاردهم الإفرنج حتَّى الشاطىء، وغنموا منهم وسبوا الكثير من الأسرى،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان=The Age of Charles Martel |الأخير=Fouracre |الأول=Paul |وصلة المؤلف= |السنة=2000 |الناشر=Longman |المكان=Harlow |isbn=0-582-06476-7 |الصفحة=97 }}</ref> ولم ينجُ منهم سوى شراذم قليلة لجأت إلى السُفن، وفرَّت إلى أربونة التي لم يُهن ذلك من عزم مقاومتها. ولكن مع أنباء تمرد مارونت في [[مارسيليا|مرسيلية]]،<ref group="ْ">{{مرجع كتاب |العنوان= The Development of Southern French and Catalan Society, 718–1050|الأخير=Lewis |الأول=Archibald R.|المؤلفين المشاركين= |السنة= 1965 |الناشر= University of Texas Press |المكان= Austin |isbn= |الصفحة=23 |الصفحات= |تاريخ الوصول=15 حُزيران (يونيو) 2012|المسار=http://libro.uca.edu/lewis/sfc2.htm}}</ref> ووفاة [[تيودوريك الرابع]] ملك الفرنجة، اضطر قارلة إلى رفع الحصار عنها، واستولى في طريقه على [[بيزييه|بزبيه]] وآجدة وماجلونة و[[نيم]]ة، وخرّب قلاعها.<ref name="عنان115" /> وفي ربيع سنة 120هـ المُوافق لِسنة 738م، عبر [[عقبة بن الحجاج السلولي|عقبة بن الحجَّاج السلولي]] البرتات في جيشٍ كبيرٍ، فاستردّ مدينة آرل، ثم أبينيون، وعدَّة مناطق أُخرى، وبلغ بجيشه [[بييمونتي|بيدمونت]]،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 336|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref> فبعث مارتل أخاه شلدبراند لِقتال المُسلمين، واستغاث بحليفه [[ليوتبراند ملك اللومبارد]]، وتحرك مارتل إلى الرون بجيشٍ ثالث، وهاجموا مواقع المُسلمين في سنة 121هـ المُوافقة لِسنة 739م، فاضطرَّ عقبة إلى الارتداد الىإلى ما وراء الرون، فاستولى الإفرنج على معظم سپتمانية، ولم يبق منها بِيد المُسلمين سوى أربونة، واصطدم عقبة عند عودته عبر البرتات إلى الأندلُس بجماعاتٍ من البشكنس والقوط، فهزمها قبل عودته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد عبد الله عنان|عنَّان، مُحمَّد عبدُ الله]]|العنوان= دولة الإسلام في الأندلُس|volume= الجُزء الأوَّل|الطبعة= الرابعة|الصفحة= 116|السنة= [[1417هـ]] - [[1997]]م|الناشر= مكتبة الخانجي|المسار = http://shamela.ws/browse.php/book-1009/page-116|تاريخ الوصول= [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[2017]]م|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ثُمَّ ظلَّت الأُمور مُستقرَّة على حالها لِسنوات، بعد أن انشغل الطرفان بِشُؤونهما الداخليَّة، فبعد قيام [[ثورة البربر]] في [[إفريقية]] سنة 122هـ المُوافقة لِسنة 740م، انقطعت صلة عقبة بن الحجَّاج السلولي بِالحُكومة المركزيَّة في [[دمشق]]، فثار عليه، [[عبد الملك بن قطن الفهري]]، وخلعه،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤلف مجهول|العنوان= أخبار مجموعة في فتح الأندلس، وذكر أمرائها رحمهم الله، والحروب الواقعة بها بينهم|الطبعة= الثانية|الصفحة= 34-35|السنة= [[1410 هـ]] - [[1989]] م|الناشر= دار الكتاب المصري - دار الكتاب اللبناني|المكان= القاهرة - مصر، بيروت - لبنان}}</ref> ودخلت الأندلُس لِسنواتٍ في صراعاتٍ داخليَّةٍ لم تنته إلَّا مع استقرار المُلك ل[[عبد الرحمن الداخل|عبد الرحمٰن الداخل]]. وعلى الجانب الآخر، تُوفي قارلة، واضطربت أمور الإفرنج بعد تصارُع أبناء مارتل حتَّى استقرار الأُمور لصالح ابنه [[بيبان القصير|پپين القصير]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1=مؤنس، حسين|وصلة المؤلف1=حسين مؤنس|العنوان= فجر الأندلس، دراسة في تاريخ الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية (711-756 م)|الطبعة= الأولى|الصفحة= 340|السنة= [[1423 هـ]] - [[2002]] م|الناشر= دار المناهل|المكان= بيروت - لبنان}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= أرسلان، شكيب|وصلة المؤلف1= شكيب أرسلان|العنوان= تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزائر البحر المتوسط|الطبعة= |الصفحة= 110|السنة= 1933|الناشر= دار الكتب العلمية|المكان= بيروت - لبنان}}</ref>
 
=== خُرُوج المُسلمين من سپتمانية ===
سطر 160:
== أُمورٌ خِلافيَّة ==
* '''التخريبات التي طالت البلاد المسيحيَّة''': يقول المُستشرق جوزيف توسان رينو أنَّ المُسلمين خرَّبوا الكثير من النواحي في غاراتهم وأنَّ الأديرة والكنائس تحوَّلت كُلها إلى خرائب بعد مُرورهم في تلك المناطق، وأشار إلى هذه الروايات في مُؤلَّفه الشهير عن الغزوات الإسلاميَّة في فرنسا مُشيرًا إلى عدَّة مراجع استند إليها. غير أنَّ بعض المُؤرخين العرب والمُسلمين قال بِأنَّ المراجع التي أشار إليها رينو لم تُشر إلى أنَّ المُسلمين هُم الذين خرَّبوا النواحي التي ذكرها كُلَّها، وإنما هو من نسب أغلب تلك الخرائب إلى المُسلمين. ويُشيرُ هؤلاء إلى أنَّ العصر الذي شهد الفُتُوح الإسلاميَّة في الغال كان كُلُّه عصر اضطراب وحُروب بين النصارى فيما بين بعضهم وبعض في هذه الجهات من الغال على وجه الخُصُوص. ومما يدحض رأي رينو - في نظر هؤلاء - أنَّ المُلُوك المسيحيُّون كانوا لا يترددون في إحراق القُرى والكنائس والأديرة عندما يُحاربون بعضهم، وأنَّ كلوڤيس نفسه أنزل بِالكنائس والأديرة في جنوبيّ الغال وفي بورغندية وفي أقطانية من التخريب والأضرار ما فاق كُلَّ وصف. كذلك فإنَّ المُسلمين فتحوا قبل ذلك بلادًا شكَّل المسيحيُّون أغلب أهلها، في الشَّام ومصر والعراق على سبيل المِثال، ولم تُحرق فيها الكنائس، بل أُعطي أهلها عُهود أمان وسلام أن لا يتعرَّض لهم أحد في دينهم ومُقدَّساتهم.<ref name="خلافات">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 258 - 260|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
* '''موقف الفرنجة من المُسلمين''': ذكر رينو أنَّ المُسلمين لم يلقوا ترحيبًا من أهالي البلاد التي افتتحوها، باستثناء بعض الأشخاص «بلا دين أو وطن» على حد تعبيره. بِالمُقابل، ردَّ آخرون على هذا الكلام بِقولهم أنَّ نواحٍ كثيرة من بلاد الإفرنج كان أهلها لا يُدينون بِالمسيحيَّة آنذاك، بل كانوا يعيشون حياةً بدائيَّةً ولمَّا يستقرُّوا على دينٍ بعد ولم يفهموا معنى الوطن، وأنَّ الفرنجة أنفُسهم ما كانوا لِيأخذوا الدين مأخذ الجد أو يشعروا بِشُعورٍ وطنيٍّ نحو الغال كون تلك البلاد كانت ما تزال في طور التكوُّن ولم تُصبح بعد وطنًا يتعصَّب لهُ أحد.<ref name="خلافات" /> ويُضيف البعض أنَّ سُكَّان الغال من ال[[رومان]] رحَّبوا بِالمُسلمين كمُنقذين من الفرنجة، إذ أنَّ هؤلاء كانوا مكروهين من الرومان الذين اعتبروهم دُخلاء على البلاد ومُغتصبين لِلسُلطة التي كانت في يدهم يومًا، كما أنهم دعوا قارلة بِالمُغامر، وأبغضوه وقومه كونهم كانوا بعيدين جدًا عن الحضارة اللاتينيَّة الرومانيَّة التي دان بها سُكَّانُ الغال، ولم يكن الإفرنج يفقهون منها شيئًاشيءًا.<ref name="طقوش127" />
* '''تفاصيل معركة بلاط الشُهداء''': لم تُقدِّم الرواية الإسلاميَّة إلَّا إشاراتٍ عابرةٍ مُبسترةٍ عن هذه الموقعة الفاصلة، في حين بالغ المُؤرخون الأوروپيُّون في تصويرها واعتبارها المعركة الفاصلة التي أنقذت المسيحيَّة و[[حضارة مسيحية|حضارتها]]. واعتبر بعض المُؤرخين أنَّ عدم ذكر المُسلمين لِلكثير من التفاصيل المُتعلِّقة بِهذه المعركة يرجع إلى أنهم اعتبروها غزوة من الغزوات الكثيرة التي قاموا بها في الغال، ولم يُعيروها اهتمامًا كبيرًا لأنَّ الغاية من ورائها لم تكن الاستقرار في البلاد المفتوحة بِقدر ما كانت جس نبض العدو وإنهاكه. بِالمُقابل، قال آخرون أنَّ الإحجام الإسلامي عن الحديث عن هذه المعركة نابعٌ من رغبة الرُواة المُسلمين في إخفاء معالم هذا الحادث لشدَّة كارثيَّته، لكن رُدَّ على هذا القول بِأنَّ التاريخ الإسلامي حافل بِأخبار معارك انهزم فيها المُسلمون هزائم فادحة، ودُوِّنت أخبارها كما كانت، من [[معركة أحد|غزوة أُحد]] إلى [[معركة العقاب|معركة العُقاب]] وما بينها، وبعضُ تلك المعارك كان وقعها على المُسلمين أسوأ من وقع بلاط الشُهداء، فلا يُعلل هذا التفسير الإغفال الغريب لِمسار هذه المعركة تحديدًا.<ref name="طقوش127">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[محمد سهيل طقوش|طقّوش، مُحمَّد سُهيل]]|العنوان= تاريخ المُسلمين في الأندلُس: 91 - 897هـ \ 710 - 1492م|الإصدار= الثالثة|الصفحة= 127|السنة= [[1431هـ]] - [[2010]]م |الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184128|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref><ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[حسين مؤنس|مُؤنس، حُسين]]|العنوان= المُسلمون في حوض البحر الأبيض المُتوسِّط إلى الحُروب الصليبيَّة|الصفحة= 271|السنة= 1951|الناشر= [[كلية الآداب (جامعة القاهرة)|كُليَّة الآداب]] في [[جامعة القاهرة]]|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>