الطب اليوناني القديم: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ZkBot (نقاش | مساهمات)
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت:إضافة وصلة معادلة، أزال وسم وصلات قليلة
سطر 1:
{{وصلات قليلة|تاريخ=أغسطس 2015}}
{{مصدر|تاريخ=أغسطس 2015}}
 
السطر 19 ⟵ 18:
== [[أبقراط]] أعظم أطباء زمانه بلا منازع ==
 
وقد ولد في مدينة كوس في السنة التي ولد فيها [[ديموقريطوس]] (464ق.م)، وأصبح الرجلان صديقين حميمين بالرغم من بعد موطنهما، ولربما كان "للفيلسوف الضاحك" نصيب في توجيه الطب وجهة دنيوية، وكان [[أبوقراط]] ابن طبيب، ونشأ ومارس صناعة الطب بين آلاف المرضى والسُّياح الذين وفدوا على كوس لأخذ الماء من عيونها الساخنة، ووضع له معلمه هيرودكس السلمبري Herodicus الأساس الذي بنى عليه فنَّه بتعويده الاعتماد على نظام التغذية وعلى الرياضة الجسمية أكثر من اعتماده على الأدوية، وذاعت شهرة [[أبوقراط]] حتى كان من بين مرضاه [[بيرديكاس]] ملك [[مقدونية]]، و[[أردشير الأول]] ملك الفرس، وفي عام (430ق.م) استدعته [[أثينا]] ليحاول وقف انتشار الطاعون فيها، ومات أبوقراط في الثالثة والثمانين من عمره.
 
وليس في كل ما كُتب في الطب وفي كل ما يمكن أن يُكتب فيه ما هو أكثر اختلافا وأقل تجانسا من مجموعة الرسائل التي كانت تُعزى في القديم إلى أبوقراط، ففيها كتب مدرسية للأطباء ، ونصائح لغير رجال الطب، ومحاضرات للطلبة، وتقارير وبحوث وملاحظات، وتسجيلات سريرية لحالات طريفة، ومقالات كتبها سفسطائيون ممن يهتمون بالناحيتين العلمية والفلسفية في الطب، وكانت الاثنان والأربعون سجلا سريريا هي السجلات الوحيدة من نوعها في السبعة عشر قرنا التي أعقبت ذلك العهد، وكانت أعلى الأمثلة في الأمانة باعترافها أنّ المرض أو العلاج قد أعقبه الموت في ستين بالمائة من الحالات، وأربعة من هذه المؤلفات هي التي انعقد إجماع المؤرخين على أنها من كتابات أبوقراط وهي: ((الحكم))، ((الأدلة))، ((تنظيم التغذية والعوائد في الأمراض الحادة))، ورسالته في ((جروح الرأس))، أما ما عدا هذه الأربعة من المؤلفات المعزوة إلى أبوقراط فمن وضع مؤلفين مختلفين عاشوا في أوقات مختلفة بين القرنين الخامس والثاني قبل الميلاد، يقول ول ديورانت: ((وفي هذه المجموعة قدر غير قليل من السخف والهذيان، ولكن أكبر الظن أنه ليس أكثر مما سيجده علماء المستقبل في رسائل هذه الأيام وتواريخها، وكثير من المعلومات التي في هذه الكتب والرسائل شذرات متفرقة، موضوعة في صورة حكم وقواعد مفككة تقترب بين الفينة والفينة من الغموض الذي يلازم كتابات الفيلسوف هيروقليطس، ومن بين حكم أبوقراط تلك العبارة الذائعة الصيت: الفن طويل ولكن الوقت يمر مرَّ السحاب)).
 
وأكبر الفضل لأبوقراط وخلفائه أنهم حرروا الطب من الدين والفلسفة،وال[[فلسفة]]، نعم إنهم يشيرون في بعض الأحيان بأن يستعين المريض بالصلاة والدعاء كما نرى ذلك في كتاب ((التنظيم)) ولكن النغمة السارية في صفحات المجموعة كلها هي وجوب الاعتماد الكلي على العلاج الطبي، وتهاجم رسالة ((المرض المقدس)) صراحة النظرية القائلة بأنّ الأمراض ترسلها الآلهة، ويقول مؤلفها: إنّ للأمراض جميعها عللا طبيعية بما في ذلك الصرع نفسه الذي يُفسِّره الناس بأنه تقمُّص الشيطان في [[جسم الإنسان،الإنسان]]، وكانت روح العصر البركليزي تتمثل أوضح تمثيل في عقلية أبوقراط، فقد كان واسع الخيال ولكنه واقعي، يكره الخفاء ولا يطيق الأساطير، يعترف بقيمة الدين ولكنه يكافح لفهم العالم على أساس العقل والمنطق، وإنا لنحس بأثر السفسطائيين في الحركة التي تهدف إلى تحرير الطب، وقد أثرت في طرق العلاج اليونانية تأثيرا بلغ من قوته أن قام نزاع بين العلمال[[علم]] والفلسفة كما قام نزاع بين العلم وبين العقبات التي يضعها الفهم الخاطئ للدين في سبيله، وكان أبوقراط يُصر على أنّ النظريات الفلسفية لا شأن لها بالطب ولا موضع لها فيه، وأنّ العلاج يجب أن يقوم على شدة العناية بالملاحظة، وعلى تسجيل كل حالة من الحالات وكل حقيقة من الحقائق تسجيلا دقيقا، ولسنا ننكر أنّ أبوقراط لم يدرك كل الإدراك قيمة التجارب العلمية ولكنه كان يُصر على أن يهتدي في جميع أعماله بالخبرة والتجربة العملية.
 
وفي وسعنا أن نتبيَّن ما تلوث به الطب الأبوقراطي في منشئه من عدوى الفلسفة بالنظر إلى عقيدة [[الأخلاط الأربعة]] المشهورة، يقول أبوقراط: ((إنّ البدن يتكون من الدم، والبلغم، والصفراء، والسوداء، وإنّ الإنسان يستمتع بالصحة الكاملة إذا امتزجت فيه هذه العناصر بنسبها الصحيحة، وإنّ الألم ينشأ من نقص بعض هذه الأخلاط أو زيادتها أو انفصالها عن الأخلاط الأخرى))، وقد بقيت هذه النظرية وعاشت بعد زوال جميع الفروض الطبية القديمة ولم يتخل عنها الناس إلا في القرن الماضي، ولعلها لا تزال باقية في صورة أخرى هي عقيدة الهرمونات أو إفراز الغدد التي يقول بها الأطباء في هذه الأيام، إذ كان اليونان يعتقدون أنّ سير هذه الأخلاط يتأثر بالجو والطعام.
 
وكانت أكثر الأمراض انتشارا في بلاد اليونان هي أمراض البرد (الزكام)، وذات الرئة، والملاريا، وكتب أبوقراط رسالة موجزة في ((الأهوية والمياه والأماكن)) وعلاقتها بالصحة، وفيها يقول: ((في وسع الإنسان أن يُعرِّض نفسه للبرد وهو واثق من أنه لن يصيبه منه سوء إلا إذا فعل ذلك بعد الأكل أو الرياضة، وليس من الخير للجسم أن لا يتعرض لبرد الشتاء)) (قصة الحضارة)، وليس لنا أن نستخف بأقوال أبوقراط وأتباعه لأنّ من واجب الطبيب العلمي أن يدرس الرياح والفصول، وموارد ماء الشرب، وطبيعة الأرض، وأثر هذه العوامل كلها في السكان.
السطر 37 ⟵ 36:
أما الجراحة فكانت ما تزال في معظم الأحوال عملا لا يتخصص فيه الطلاب، ويشتغل فيه كبار الأطباء، وإن كان من الموظفين في الجيوش جراحون، وتصف مؤلفات أبوقراط عمليات تربنة (فتح) الجمجمة، وطرقة معالجة انخلاع الكتف أو انخلاع الفك، وقد وُجدت في هيكل أسكلبيوس بأثينا لوحة نذور نُقشت عليها علبة تحتوي على مباضع ذات أشكال مختلفة، ويحتفظ متحف أثينا الصغير بعدد من الملاقط والمسابر والمباضع والقثاطر والنظارات الطبية القديمة لا تختلف في جوهرها عن أمثالها المستخدمة في هذه الأيام، ويبدو أنّ بعض ما هنالك من تماثيل هي نماذج أعدت لشرح الوسائل التي تتبع لرد الخلع في مفاصل العجز، وفي رسالة أبوقراط ((في الطب)) تعليمات مفصَّلة لتحضير حجرة العمليات الجراحية، وتنظيم ما فيها من ضوء طبيعي وصناعي، وتنظيف اليدين، والعناية بآلات الجراحة وطريقة استخدامها، وموضع المريض، وتضميد الجروح وغير ذلك.
 
ويتضح من هذه الفقرات وغيرها أنّ الطب اليوناني في عهد أبوقراط قد تقدم تقدما ملحوظا من الناحيتين الفنية والاجتماعية، فقد كان الأطباء اليونان قبل أبوقراط ينتقلون من مدينة إلى أخرى كلما دعتهم الحاجة إلى هذا الانتقال، أما في عهده فقد استقروا في مدنهم وافتتحوا مكاتب وأماكن للعلاج Iatreia يعالجون فيها المرضى تارة ويعالجونهم في منازلهم تارة أخرى، وكثرت عندهم الطبيبات، وكن يُستخدمن عادة في علاج أمراض النساء، وقد كتب بعضهن رسائل في العناية بالجلد والشعر تعد حجة في موضوعاتها، ولم تكن الدولة تحتم على من يريد ممارسة الطب أن يُقدم امتحانا عاما ولكنها كانت تطلب إليه أن يقدم أدلة مقنعة على أنه قد تمرَّن أو تتلمذ على طبيب مُعترَف به، ووقفت حكومات المدن بين الطب المؤمم والطب الخاص باستخدام أطباء للعناية بالصحة العامة ولعلاج الفقراء، وكان أكبر أطباء الدولة هؤلاء، أمثال ديموسيدز Democedes، يتقاضون وزنتين في العام، أي: ما قيمته (12000 ريال أمريكي)، وكان عندهم بطبيعة الحال دجالون كثيرون، كما كان عندهم عدد لا يُحصى من الهواة الذين يدَّعون العلم بكل شيء في الطب، وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان، ولقد قاست المهنة في تلك الأيام كما تُقاسي في كل جيل من الأجيال، الأمرَّين من أعمال أقلية فيها خربة الذمة، عاجزة عن القيام بواجبها، وثأر اليونانيونال[[يونانيون]] لأنفسهم كما ثأر غيرهم من الأمم، من عدم وثوقهم بأطبائهم بما كالوه لهم من السخرية والفكاهة اللاذعة.
 
== قَسَم أبوقراط ==
السطر 56 ⟵ 55:
* [[إيراسيستراتوس]] ERASISTRATUS أكبر عالم فيزيولوجيا في العصور القديمة.
 
وقد تقدم الطب بخطى سريعة في ذلك العصر، ولعل سبب تقدُّمه أنه كان لابد له أن يسير بنفس السرعة التي تفشو بها الأمراض الجديدة المتزايدة في حضارة المدن المعقدة، وكانت دراسة اليونان لمعلومات المصريين الطبية باعثا قويا على هذا التقدم، وكان البطالمةال[[بطالمة]] لا يترددون في تقديم أي معلومات يحتاجها علماء الطب، فقد كانوا يجيزون تشريح الحيوانات وجثث الموتى من الآدميين وكذلك كانوا يرسلون بعض المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام لتشريح أجسامهم وهم أحياء، وبفضل هذا التشجيع أصبح التشريح البشري علما وقلَّت إلى حد كبير الأغلاط التي وقع فيها الأطباء قبل ذلك العصر.
 
وفي عام (285ق.م) قام [[هيروفيلوس]] الذي كان يعمل في الإسكندرية بتشريح العين ووصف الشبكية وأعصاب النظر وصفا طبيا دقيقا، وشرح أيضا المخ ووصف مقدم الدماغ والمخيخ والسحايا، وأعاد للمخ مكانته السامية بأن جعله مركز التفكير، وفهم وظيفة الأعصاب وكان البادئ بتقسيمها إلى أعصاب حس وأعصاب حركة، وفصل أعصاب الجمجمة عن أعصاب النخاع الشوكي، وميَّز الشرايين من الأوردة، وحدد وظيفة الشرايين بأنها الأوعية التي تحمل الدم من القلب إلى مختلف أجزاء الجسم، وكشف في واقع الأمر الدورة الدموية قبل أن يكشفها هارفي بتسعة عشر قرنا، وضم جس النبض إلى وسائل تشخيص الأمراض، واستخدم ساعة مائية لقياس عدد ضربات القلب، وشرح المبيض والرحم والحويصلات المنوية وغدة البروستات ووصفها كلها، ودرس الكبد والبنكرياس وسمَّى المعي الإثنى عشري بالاسم الذي يُعرف به اليوم، وبناء على هذه الأعمال نظر المؤرخون إلى هيروفيلوس على أنه أعظم مشرِّح في العصور القديمة.