غلاة: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
تنقيح، استبدل: صلى الله عليه وسلم ← {{ص}} (17) باستخدام أوب
سطر 25:
=== أولاً: النهي عن الغلو في الذوات والأشخاص ===
 
أخذ موضوع الغلو في الأشخاص من الأنبياء والصالحين مجالا كبيرا في خطاب النبي (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) لأصحابه. ونجده في ذلك يبدأ بنفسه (صلى الله عليه{{ص}} وسلم) حيث قال لأصحابه مرة: ((لا تُطروني كما أطرى النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله))<ref name="أخرجه البخاري برقم 3445">أخرجه البخاري برقم (3445).</ref>. والإطراء المقصود هو المديح بالباطل، وقيل هو مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه<ref name="ReferenceA"/>.
 
كان ينهاهم عن إطرائه، وهو يذكّرهم بقوله لهم: ((إياكم والغلو؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين))<ref>أخرجه [[أحمد بن حنبل|أحمد]] برقم (3248) وقال محقق المسند شعيب الأرناؤوط: إسناده على شرط مسلم.</ref>. لذا ذكر أنس بن مالك أن رجلا قال للنبي (صلى{{ص}} الله عليه وسلم): يا سيدنا، وابن سيدنا، ويا خيرنا، وابن خيرنا، فقال النبي (صلى الله عليه{{ص}} وسلم): ((يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، ورسول الله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق ما رفعني الله))<ref>أخرجه أحمد برقم (13529) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (1572).</ref>.
وورد أن أعرابيًّا قال للنبي (صلى{{ص}} الله عليه وسلم): جهدت الأنفس وجاع العيال وهلك المال فادع لنا فإنا نستشفع بك على الله وبالله عليك، فسبح رسول الله حتى عرف ذلك في وجه أصحابه فقال (صلى الله عليه{{ص}} وسلم): ((ويحك أتدري ما الله، إن شأن الله أعظم من ذلك إنه لا يستشفع بالله على أحد))<ref>أخرجه أبو داود سننه برقم (4726).</ref>.
 
=== ثانيا: النهي عن أعمال تؤدي إلى الغلو ===
 
جاء في السنة عدة أحداث تبين مدى حرص النبي (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) على سلامة المجتمع من الغلو في البشر. لذا نجده يقول مرة: ((اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))<ref>أخرجه أحمد في مسنده برقم (7358) من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه). قال محقق المسند شعيب الأرنؤوط وآخرون: إسناده قوي.</ref>.
ولذا مرة جاءت أم حبيبة وأم سلمة وذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا ذلك للنبي (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) فقال: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجدا وصورا، فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة))<ref>أخرجه البخاري برقم (427) و مسلم برقم (427) من حديث عائشة رضي الله عنها.</ref>.
ثم في آخر رمق من حياته عندما جاءته المنية قدم تنبيها لأمته بقوله: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))<ref>أخرجه البخاري برقم (1330) ومسلم برقم (529) من حديث عائشة رضي الله عنها.</ref>.
قال [[النووي]]: قال العلماء: "إنما نهى (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) عن اتخاذ قبره، وقبر غيره مسجدا؛ خوفا من المبالغة في تعظيمه والافتتان به، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية"<ref>شرح النووي على مسلم 5/13.</ref>.
فهذه الأحاديث مرتبطة بسلوك تعظيم قبور الأنبياء والصالحين مما قد يؤدي للغلو فيهم، ولذا قال الإمام المهلب -فيما نقله عنه الإمام ابن بطال الشافعي- أن هذا النهى من باب قطع الذريعة، لئلا يعبد قبره الجهال كما فعلت اليهود والنصارى بقبور أنبيائها<ref>شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/311.</ref>.
 
== مفاسد الغلو ==
 
ومن مفاسد الغلو؛ الهلاك في الدين والدنيا، ويدل على هذا ماجاء عند الإمام أحمد في مسنده<ref>برقم (3248) وقال محقق المسند شعيب الأرناؤوط: إسناده على شرط مسلم.</ref>، أن ابن عباس قال، قال رسول الله (صلى{{ص}} الله عليه وسلم): ((إياكم والغلو؛ فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)).
وجاء عند مسلم<ref>أخرجه مسلم برقم (4608).</ref> عن ابن مسعود، أن رسول الله قال: ((هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون)).
قال النووي: "المتنطعون هم المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم"<ref>شرح النووي على مسلم 16/220.</ref>.
سطر 54:
== مفهوم الغلو عند المدرسة السلفية ==
 
في الجانب الآخر تعتقد المدرسة السلفية أن ما يحصل من غلو في الأنبياء والصالحين هو الأمر الذي أدى لعبادتهم كما جاء في عدة آيات في القرآن والسنة، منها النهي عن الإطراء كما أطرت النصارى ابن مريم<ref name="أخرجه البخاري برقم 3445"/>، وغير ذلك من الأحاديث والآيات؛ ولذا يمنع السلفيون من جعل محمدا (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) نورا لا بشرا كما ينقل بعض المتصوفة<ref>مجموعة الرسائل في إثبات كونه (صلى الله عليه{{ص}} وسلم) نورا، لأحمد رضا خان، ص51.</ref>. كما ينكرون على الاتجاهات الشيعية بجعل قطب الدين وأساسه في الإيمان بالأئمة الاثني عشر، وأنهم يعلمون الغيب<ref>راجع: أصول مذهب الشيعة الإمامية، ناصر القفاري 2/615 ، الانتصار لأهل السنة والحديث، عبدالمحسن العباد، ص128.</ref>.
 
ويرفض السلفيون تهمة اعتبار منع الغلو في الأنبياء والصالحين أن ذلك يُعد تقليلا من شأنهم، وازدراء بهم. ويقولون: أن المنع هو من باب حفظ جناب التوحيد، وتعظيم الإله، لا بمن باب ازدراء الأولياء والصالحين؛ ولذا ترفض المدرسة السلفية الخروج عن مقتضى النص الإلهي، والحديث النبوي الصحيح، فمثلا نجدهم يرفضون الاستدلال بحديث: ((أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر)) لأنه حديث موضوع مكذوب<ref>راجع: كتب عبدالله الصديق الغماري، في رسالة بعنوان: "مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر"، وكتب حسن السقاف: إرشاد العاثر لوضع حديث أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر.</ref>، فضلا أنه يخالف نص الآية: ((إنما أنا بشر مثلكم))، والحديث النبوي: ((خلقت الملائكة من نور))<ref>أخرجه مسلم برقم (40).</ref>.
 
كما أن السلفية ترفض إعطاء النبي (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) مزايا إنما هي من صفات الله، لذا يرفضون قول البوصيري في البردة:
وإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم.
ويرون أن هذا أحد مظاهر الغلو في الأنبياء، بإعطاء النبي صفات الرب، وهو الذي قال في القرآن: : {{قرآن مصور|الأعراف|188}} [ [[سورة الأعراف|الأعراف]]:188].، لذا يعقب الإمام الشوكاني بأنه قد وقع في البردة والهمزية شيء كثير من هذا الجنس [الغلو في المدح]، ووقع أيضاً لمن تصدى لمدح نبينا محمد (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) ولمدح الصالحين والأئمة الهادين ما لا يأتي عليه الحصر، ولا يتعلق بالاستكثار منه فائدةٌ فليس المراد إلا التنبيه والتحذير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد<ref>الدر النضيد، محمد علي الشوكاني ص59.</ref>.
 
في هذا الموضوع الجدلي ينبغي العناية بأقوال ابن تيمية كأبرز منظري الاتجاه السلفي في الموقف من الغلو وتطبيقاته. فهو يضع الضابط برفع الشخص لمنزلة التعظيم التي هي لله وحده، فيقول: "وكذلك الغلو في بعض المشايخ. . بل الغلو في علي بن أبي طالب ونحوه؛ بل الغلو في المسيح عليه السلام ونحوه، فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح... وجعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده، أو يقول إذا ذبح شاة: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له، أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني، أو ارزقني، أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي من خصائص الربوبية التي تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل، فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له، ولا نجعل مع الله إلهًا آخر.. فأرسل الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة"<ref>مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/394 - 395.</ref>.
 
فاتجاه علماء أهل السنة والجماعة يرى أن الوقوف على النصوص كاف تماما، والمدح بما ثبت في القرآن والسنة فيه الخير التام، "فالنبي (صلى{{ص}} الله عليه وسلم) يجب علينا أن نحبه حتى يكون أحب إلينا من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا وأهلنا وأموالنا، ونعظمه ونوقره ونطيعه باطناً وظاهراً، ونوالي من يواليه، ونعادي من يعاديه، ونعلم أنه لا طريق إلى الله إلا بمتابعته (صلى{{ص}} الله عليه وسلم)، ولا يكون ولياً لله بل ولا مؤمناً ولا سعيداً ناجياً من العذاب إلا من آمن به واتبعه باطناً وظاهراً. ولا وسيلة يتوسل إلى الله عز وجل بها إلا الإيمان به والنبي (صلى الله عليه{{ص}} وسلم) "<ref>الفتاوى لابن تيمية 27/320.</ref>.
 
== المصادر ==