محمد بن طغج الإخشيد: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
وسمان: تحرير من المحمول تعديل ويب محمول
وسمان: تحرير من المحمول تعديل ويب محمول
سطر 163:
كان الدُخول إلى مصر يتطلَّب تخطيطًا سليمًا نظرًا لِصُعوبته بِفعل تمسُّك أحمد بن كيغلغ بِمنصبه وحرص الماذرائيين على المُحافظة على مُكتسباتهم، لِذلك عقد مُحمَّد بن طُغج اجتماعًا سريًا مع الفضل بن جعفر في دمشق اتفقا في نهايته على أن يتم الدُخُول إلى مصر من محورين برّي وبحري، واتخذا الحيطة والحذر كي لا تتسرَّب أخبار اجتماعهما إلى أنصار الماذرائيين الكُثر في دمشق.<ref name="ReferenceA">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 158|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وحرص مُحمَّد بن طُغج، قبل اللُجوء إلى استعمال القُوَّة المُسلَّحة، إلى الدُخول سلمًا إلى مصر، فكتب إلى مُحمَّد بن علي الماذرائي، صاحب السُلطة الفعليَّة فيها، يطلب منهُ التخلّي عن موقفه العدائي منه ويُخلِّي بينه وبين دُخول مصر مُقابل أن يظلَّ لهُ الإشراف المالي والإداري في البلاد، فرفض الاستجابة لِطلبه مُدركًا أنَّ هذا الوالي الجديد يختلف عن الوُلاة السابقين من حيث القُوَّة والطُموح، وأنَّهُ لن يكون لهُ من النُفوذ كما كان لهُ مع غيره، وبالتالي لا مقام له معه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= كاشف، سيِّدة إسماعيل|العنوان= مصر في عصر الإخشيديين|الصفحة= 71|السنة= [[1989]]|الناشر= الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> دفع هذا الرفض مُحمَّد بن طُغج إلى تعبئة قُوَّاته، فحشد القادة والجُنُود الذين رافقوه والذين وفدوا عليه من الشَّام والعراق و[[بادية الشام|البادية]]، وسار بهم باتجاه مصر. وعندما علم أحمد بن كيغلغ بِزحفه اتخذ التدابير الضروريَّة بِالتعاون مع حليفه مُحمَّد بن علي الماذرائي لِمنعه من الدُخول، بِالإضافة لِعرقلة إجراءات الوزير الفضل بن جعفر الإداريَّة. تقدَّم مُحمَّد بن طُغج على رأس جيشه باتجاه الداخل المصري، وفي المُقابل خرج أحمد بن كيغلغ من الفسطاط على رأس ثلاثين ألف جُندي تُسانده القُوَّة المغربيَّة في مصر، فاصطدم بِمُقدمة جيش مُحمَّد بن طُغج ومُني بِهزيمةٍ فادحة. ونزل مُحمَّد بن طُغج بعد انتصاره في منية الأصبغ شمالي [[القاهرة]] المُعاصرة وانتظر وُصول أُسطوله البحري بِقيادة صاعدة بن كلملم، وكان قد استولى على [[دمياط|دُمياط]] و[[تنيس]]، واصطدم بِأُسطول ولاية مصر بِقيادة علي بن بدر بِالقُرب من [[سمنود]] وانتصر عليه ودمَّره، وتابع إبحاره إلى [[جزيرة الروضة]] وهي خط الدفاع عن الفسطاط، ولكنَّ هذا الأُسطول انسحب فجأة وعاد إلى [[دلتا النيل|الدلتا]]، ويبدو أنَّهُ تعرَّض لِضغطٍ عسكريّ بريّ، بِدليل أنَّ أحمد بن كيغلغ والماذرائي أسرعا، بعد انسحابه، إلى شحن الجزيرة بِالرجال والسلاح لِلدفاع عن الفسطاط.<ref name="ReferenceA"/> أعاد مُحمَّد بن طُغج تنظيم صُفُوف قُوَّاته البحريَّة وجدَّد هُجومه البحري على جزيرة الروضة ونجح في الاستيلاء عليها وأسر من فيها من الجُنُود، لكنَّ هذه القُوَّة البحريَّة لم تتمكَّن من دُخُول الفسطاط بِفعل شدَّة المُقاومة.<ref name="استسلام">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[أبو عمرو الكندي|الكِندي، أبو عُمر مُحمَّد بن يُوسُف بن يعقوب الكِندي المصري]]|المؤلف2= تحقيق: مُحمَّد حسن مُحمَّد حسن إسماعيل، وأحمد فريد المزيدي|العنوان= كتاب الوُلاة وكتاب القُضاة|الإصدار= الأولى|الصفحة= 207|السنة= [[1424هـ]] - [[2003]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وما جرى آنذاك من استياء أحمد بن كيغلغ، الذي كره استبداد مُحمَّد بن علي الماذرائي بِالأُمور السياسيَّة والإداريَّة وثقل عليه أمره وأمر أولاده وشعر بِأنَّهُ ليس له معهم أمرٌ ولا نهي، وانضمام كثيرٌ من جُنُوده إلى جيش مُحمَّد بن طُغج؛ أن مال إلى التفاهم مع هذا الأخير، وبِخاصَّةً بعد أن أرسل إليه مُحمَّد بن طُغج كتاب الخليفة الراضي بالله بِتكليفه ولاية مصر، وهدَّده بِالشكاية أمامه. والواقع أنَّ ابن كيغلغ كان قد عزم على الاستسلام إلى مُحمَّد بن طُغج قبل ذلك، إلَّا أنَّهُ اصطدم بِرفض مُحمَّد بن علي الماذرائي.<ref name="استسلام"/> وفعلًا أقدم أحمد بن كيغلغ على تسليم البلاد لِمُحمَّد بن طُغج، واعتذر إليه بِأنَّ زمام الأُمور كان قد أُفلت من يده، وأنَّ المُقاومة التي تعرَّض لها لم تكن بِإرادته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 244|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ونتيجةً لِذلك التفاهُم دخل مُحمَّد بن طُغج الفسطاط في [[23 رمضان]] المُوافق فيه [[26 أغسطس|26 آب (أغسطس)]] فاستقبله أحمد بن كيغلغ مُستسلمًا في حين فرَّ مُحمَّد بن علي الماذرائي، واضطرَّ إلى الاختباء. ونهبت العساكر الداخلة المدينة مُدَّة يومين، ولم تتوقف عن النهب إلَّا بعد أن هددهم مُحمَّد بن طُغج بِالقتل، ثُمَّ هدأت الأوضاع وبدأت الحياة العامَّة تعود إلى طبيعتها، فاطمأنَّ السُكَّان الذين كانوا قد غادروها وعادوا إلى دورهم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة= 155|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
==الإخشيد في مصر==
==أحداث المعركة الإخشيدية==
عندما تولى محمد بن طغج الإخشيد واجه العديد من المشاكل وقام بحلها، وتتلخص في الآتي:
وكان [[محمد بن رائق|ابن رائق]] قد هزم محمد الإخشيدى في بداية الأمر، وانشغل جنود [[محمد بن رائق|ابن رائق]] بجمع الأسلاب والغنائم، فخرج كمين لابن الإخشيد عليهم، فهزمهم، وفرَّقهم. وتفرغ الإخشيد بعد هزيمة قائد الخليفة إلى الداخل، فنجح في القضاء على الفتن والقلاقل الداخلية، وراح يعمل على دراسة أحوال العالم العربي المجاور ل[[مصر]] لحماية [[الدولة الإخشيدية]].
==== القضاء على المُتمردين ====
وأخذ يفكر في وحدة تقف في وجه العدوان الخارجي من قبل الروم.
[[ملف:Mapa dos Assentamento de Faium-ar.gif|تصغير|خارطة إقليم الفيُّوم التي اعتصم فيها المُتمردون على الإخشيديين.]]
وبعد سنتين من قيام [[الدولة الإخشيدية]] ضم الإخشيد إليه [[الشام]] بعد موت [[محمد بن رائق|ابن رائق]] سنة [[330 هـ]]؛ ليعيد القوة إلى الشرق العربي، وليتسنى له الوقوف في وجه الروم البيزنطيين. وهنا خاف ملوك الروم وأسرعوا يخطبون وُدَّه كما فعلوا مع '''[[أحمد بن طولون]]'''. وفي العام التالي لهذه الوحدة ([[331 هـ]])، مد الإخشيد نفوذه إلى [[مكة]] و[[المدينة المنورة|المدينة]]، وراح يتولى أمر إقليمي [[الحجاز]] و[[تهامة]] ويشرف على الحرمين الشريفين [[البيت الحرام|المكي]] و[[المسجد النبوي|المدني]].
غادر الفسطاط، على أثر دُخُول مُحمَّد بن طُغج، بعض القادة الذين ناهضوه واشتركوا في قتاله، أمثال حبشي بن أحمد قائد القُوَّة المغربيَّة، وعلي بن بدر قائد أُسطول أحمد بن كيغلغ وتوجهوا نحو [[الشرقية (محافظة)|الشرقيَّة]]، ثُمَّ يمَّموا وجههم صوب [[الفيوم|الفيُّوم]]،<ref name="ابن سعيد159">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 159|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وقد تجنَّبوا الذهاب إلى الحُدود الشرقيَّة باتجاه فلسطين ظنًا منهم أنَّهم لن ينجوا من أعوان مُحمَّد بن طُغج في هذه البلاد، واختاروا الذهاب إلى الفيُّوم بِفعل عاملين: عدم امتداد سُلطان مُحمَّد بن طُغج إلى هذه المنطقة بعد، والطبيعة الجُغرافيَّة لِتلك المنطقة التي تُشكِّلُ حائلًا أمام أي هُجومٍ قد تتعرَّض له.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= كاشف، سيِّدة إسماعيل|العنوان= مصر في عصر الإخشيديين|الصفحة= 74 - 75|السنة= [[1989]]|الناشر= الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> والواقع أنَّ والي مصر الجديد لم يشأ أن يتركهم حتَّى تستفحل حركتهم، وأراد أن يقضي عليها في مهدها، فأرسل إليهم قُوَّة عسكريَّة بحريَّة بِقيادة صاعد بن كلملم. ويبدو أنَّ المراكب لم تستطع أن تُبحر في الترعة الموصلة إلى الفيُّوم، ما أعطى المُتمرِّدين الفُرصة لِلتصدي لها، وتمكَّنوا من الاستيلاء عليها وأسر قائد الحملة وقتله، وأبحروا إلى دار صناعة السُفن في جزيرة الروضة وأحرقوا المراكب الراسية فيها، ثُمَّ واصلوا السير إلى الإسكندريَّة، ومنها رحلوا إلى [[برقة]]، وكتبوا إلى الخليفة الفاطمي [[القائم بأمر الله الفاطمي|مُحمَّد بن عُبيد الله القائم بِأمر الله]] يستأذنوه ويدعونه لِغزو مصر، وهوَّنوا عليه أمرها، ووعدوه بِأخذها، وطلبوا منه مُساندتهم بِقُوَّةٍ عسكريَّة، فاستجاب لهم.<ref name="استسلام"/> كان من الطبيعي أن يتوجَّس مُحمَّد بن طُغج خيفةً من تمادي المُتمردين وبِخاصَّةً بعد اتصالهم بِالفاطميين، فجهَّز حملةً عسكريَّةً كبيرة أسند قيادتها إلى أخيه عُبيد الله، وأمر بِمُطاردتهم والقضاء عليهم، ويبدو أنهم عجزوا عن مُواجهته، واضطرّوا إلى مُغادرة مصر إلى رمادة بين برقة والإسكندريَّة، ومرض حبشي بن أحمد وتُوفي فيها في سنة 324هـ المُوافقة لِسنة 936م قبل وُصوُل المُساعدة الفاطميَّة.<ref name="ابن سعيد159"/> وهكذا خلُصت مصر لِمُحمَّد بن طُغج بِفضل جُهُوده الشخصيَّة.
 
=== فُقدان الشَّام ===
[[ملف:Syria in the 9th century-ar2.png|تصغير|الأجناد والثُغور الشَّاميَّة التي فقدها الإخشيديُّون لِصالح الوالي مُحمَّد بن رائق.]]
بعد إقرار مُحمَّد بن طُغج الإخشيد على ولاية مصر والشَّام، أخذت الخِلافة العبَّاسيَّة تعمل على إنعاش نفسها وإنقاذ هذا المقام من الهوان والضُعف الذي حلَّ به نتيجة استبداد القادة التُرك بالأمر مُنذُ حوالي رُبع قرن، فأُجريت بضعة تعديلات إداريَّة تناولت مركز الخِلافة والوزارة ووضع القادة التُرك، وانتهت بِظُهور منصب «أمير الأُمراء» الذي سيطر مُتقلِّدُه على مقاليد الحُكم وامتدَّت صلاحيَّاته إلى الضرائب والإدارة، فهيمن على الخِلافة وأزال نُفوذ الوُزراء وتوقَّف الصراع بين الخِلافة والقادة التُرك الذي شغل جانبًا كبيرًا من العصر العبَّاسي الثاني. وكان أوَّل من تقلَّد هذا المنصب هو أمير [[واسط]] و[[البصرة]] مُحمَّد بن رائق الذي بدا في حينه أقوى شخصيَّة عسكريَّة. لكن لم تمضِ بضعة أشهر على تولِّيه هذا المنصب حتَّى خرج عليه أحد قادته التُرك ويُدعى «بجكم»، وحلَّ محلَّهُ في إمرة الأُمراء بعد أن هزمه، ما دفع مُحمَّد بن رائق إلى التفكير في البحث عن ولايةٍ تخضع له، وقد أدَّى الوزير أبو الفتح بن الفُرات دورًا هامًا في توجيهه إلى الشَّام ومصر لِيُعوِّض بهما عن خسارته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدار= الأولى|الصفحة= 69 - 70|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي نفس الوقت كانت الخِلافة غير مُطمئنَّة إلى وُجود الإخشيد في أهم ولايتين [[المشرق العربي|بِالمشرق]]، وكانت مصلحة الدولة العبَّاسيَّة العُليا تقوم على التفرقة بين القادة الوُلاة وعدم السماح بِبُروز أيَّة قُوَّة في مصر والشَّام يُمكن أن تستقل بهما وتُهدد مصلحة الدولة ووحدة [[العالم الإسلامي]]، تمامًا كما حصل زمن [[الدولة الطولونية|الدولة الطولونيَّة]]، على الرُغم من الموقف الواضح لِلإخشيد في هاتين الولايتين والتي تخدم مصلحة العباسيين العُليا. لِذلك، أرسل الخليفة مُحمَّد بن رائق إلى الشَّام لِيُنافس الإخشيد ويحُد من أطماعه ويستخدمه ورقة ضغط عند الضرورة ضدَّ أي نشاطٍ مُعادٍ لِسياسته قد يُقدم عليه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= زيود، مُحمَّد أحمد|العنوان= العلاقات بين الشَّام ومصر في العهدين الطولوني والإخشيدي 254 - 358هـ|الإصدار= الأولى|الصفحة= 293 - 294|السنة= [[1409هـ]] - [[1989]]م|الناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر|المكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref> وُلِّي مُحمَّد بن رائق على [[حلب]] وأعمالها،<ref name="ReferenceB">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|المؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|العنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|الإصدار= الأولى|الصفحة= 103|السنة= [[1417هـ]] - [[1996]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> لكنَّهُ سُرعان ما طمع بالشَّام كُلُّها، فراح يُهدِّد الإخشيد ويُطالبه بِالأموال كجزية عن المُمتلكات الإخشيديَّة في الشَّام ما أدَّى إلى قلقه واستيائه من هذا الوضع، ونصحهُ مُستشاروه باسترضائه بِالأموال حتَّى يتجنَّب أذاه، فاقتنع بِهذه النصيحة وأرسل إليه الحسن بن طاهر بن يحيى العلوي، وكلَّفهُ باسترضائه.<ref name="ReferenceC">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 174|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> والواقع أنَّ مُحمَّد بن رائق اتخذ من المال ذريعةً لِتحقيق تطلُّعاته، ولم يُخف نواياه في التوسُّع على حساب الإخشيديين، فتوغَّل في عُمق الشَّام، فاستولى على [[حمص|حِمص]] ثُمَّ زحف إلى [[دمشق]]، فهزم واليها عُبيد الله بن طُغج واستولى عليها وطرده منها، وعيَّن مُحمَّد بن يزداد الشهرزوري حاكمًا عليها، ثُمَّ سار إلى مدينة [[الرملة]] ودخلها في أواخر ذي الحجَّة 327هـ وأوائل مُحرَّم 328هـ المُوافق فيه شهريّ أيلول (سپتمبر) وتشرين الأوَّل (أكتوبر) 939م، وانسحبت منها القُوَّات الإخشيديَّة من دون قتال، وتابع سيره إلى [[العريش]] وهو يُريد الديار المصريَّة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدار= الأولى|الصفحة= 86|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
=== النزاع مع ابن رائق ===
كان لِلنجاح الذي حقَّقه مُحمَّد بن رائق في الشَّام أثرٌ على سياق الأحداث في مصر. فقد شعر الإخشيد بِضغط هذا الرجُل والجُهود المُضنية اللازمة لِوقفه عند حدِّه، وعلم بِأنَّهُ قُلِّد ولاية الشَّام، فأراد أن يستطلع رأي الخليفة والقائمين على السُلطة في بغداد، ويتعرَّف على مواقفهم من الأحداث الجارية في الشَّام، فكتب إلى مُمثله في عاصمة الخلافة علي بن أحمد العجمي يطلب منهُ إعلام الخليفة بِنشاط مُحمَّد بن رائق ومطامعه في الشَّام، وأنَّهُ، أي الإخشيد، حاول عبثًا استرضاءه، وسيلتزم بِقرار الخليفة إذا صحَّ أنَّهُ ولَّاه هذه البلاد، كما أنَّهُ على استعداد لِقتاله وصدِّه عن الشَّام إذا كلَّفهُ الخليفة بذلك.<ref name="ابن رائق">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 176|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> فما كان من الخليفة إلَّا أن ترك القرار لِأمير الأُمراء بجكم الذي قال: {{اقتباس مضمن|مَن ضَرَبَ بِالسَّيفِ وَهَزَمَ صَاحِبُه فَالعَمَلُ لَه}}،<ref name="ابن رائق"/> أي أنَّ القرار متروكٌ لِلسيف ومن ينتصر. وما أن علم الإخشيد بِموقف الخليفة وأمير الأُمراء، ثارت ثائرته وانتابته نوبة عصبيَّة وفكَّر في قطع صلته بِالخلافة العبَّاسيَّة والتقرُّب من الفاطميين بِالمغرب. فاستدعى الخطيب عُمر بن الحسن العبَّاسي وأمرهُ بِإسقاط الدُعاء لِلخليفة العبَّاسي مُحمَّد الراضي بِالله والدُعاء لِلخليفة الفاطمي مُحمَّد القائم بِأمر الله، لكنَّ مُستشاريه نصحوه بِالعُدول عن هذه الفكرة، وبيَّنوا له عاقبتها، إذ قد يلجأ الخليفة العبَّاسي إلى تعيين مُحمَّد بن رائق واليًا على مصر ويمُدُّه بِالمُساعدة الماديَّة لِلتصدِّي له، ما يُؤدي إلى نهاية الحُكم الإخشيدي.<ref name="ابن رائق"/> ويبدو أنَّ الإخشيد اقتنع بِوجهة نظر مُستشاريه مُدركًا أنَّ موقفه مع الدولة الفاطميَّة الفتيَّة سيكون أضعف من مكانته لدى الخِلافة العبَّاسيَّة المُتداعية، وأنَّ مصلحته الخاصَّة تقضي بِالبقاء مع العبَّاسيين، ولِهذا تراجع عن تنفيذ هذه الفكرة،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= زيود، مُحمَّد أحمد|العنوان= العلاقات بين الشَّام ومصر في العهدين الطولوني والإخشيدي 254 - 358هـ|الإصدار= الأولى|الصفحة= 296|السنة= [[1409هـ]] - [[1989]]م|الناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر|المكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref> إلَّا أنَّهُ رأى ضرورة استعمال القُوَّة لِلتصدي لِخصمه الطَّامع في أملاكه، فمضى يتجهَّز لِقتاله، وأعدَّ حملتين من أجل ذلك: بحريَّة أرسلها إلى سواحل الشَّام، وبريَّة قادها بِنفسه. فخرج من الفسطاط في شهر مُحرَّم 328هـ المُوافق فيه شهر تشرين الأوَّل (أكتوبر) 939م، وعسكر في [[الفرما]]، واستخلف أخاه الحسن بن طُغج على مصر، وأرسل طليعة إلى فلسطين لِلوُقوف على استعداد خصمه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[أبو عمرو الكندي|الكِندي، أبو عُمر مُحمَّد بن يُوسُف بن يعقوب الكِندي المصري]]|المؤلف2= تحقيق: مُحمَّد حسن مُحمَّد حسن إسماعيل، وأحمد فريد المزيدي|العنوان= كتاب الوُلاة وكتاب القُضاة|الإصدار= الأولى|الصفحة= 208|السنة= [[1424هـ]] - [[2003]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
كان مُحمَّد بن رائق آنذاك يتقدَّم باتجاه مصر، وعسكر في الرملة، فاصطدمت طليعته بِالطليعة الإخشيديَّة في مُناوشاتٍ خفيفة، ثُمَّ سعى الحسن بن طاهر بن يحيى العلوي في الصُلح بين الطرفين، فأرسل الإخشيد كاتبه مُحمَّد بن كلا إلى الرملة لِلتفاوض عنه في شُروط الصُلح حيثُ اتفق الطرفان على اقتسام المنطقة، على أن تكون الرملة لِلإخشيد و[[طبريا|طبريَّا]] وما يليها إلى الشمال من نصيب مُحمَّد بن رائق. وعاد الإخشيد إلى مصر.<ref name="ReferenceC"/> ويبدو أنَّ مُحمدًا بن رائق لم يكن صادقًا، فلم يُحافظ على بُنود الاتفاق مع الإخشيد، إذ ما أن تراجعت القُوَّة الإخشيديَّة باتجاه مصر حتَّى سار على رأس قُوَّة عسكريَّة كبيرة مُتوجهًا إلى الرملة في طريقه إلى مصر. وعندما علم الإخشيد بِزحفه حاول التوصُّل معه إلى اتفاقٍ يحقن دماء المُسلمين إلَّا أنَّهُ لم ينجح في مُحاولته السلميَّة، فقرَّر عندئذٍ التصدِّي له، فخرج على رأس جيشه والتقى بِجيش خصمه في العريش وجرت بينهما رحى معركةٍ ضارية أسفرت عن انهزام الإخشيد، وحتَّى لا يقع في يد خصمه، عزم على الهرب واللحاق [[الإمبراطورية البيزنطية|بِالإمبراطوريَّة البيزنطيَّة]] عن طريق البحر أو التوجُّه إلى المغرب لِلاحتماء بِالفاطميين، لكن ما جرى من انهماك قُوَّات مُحمَّد بن رائق بِالسلب والنهب، دفع الإخشيد إلى إعادة تنظيم صُفُوف قُوَّاته، وكرَّ عليها وأخذها على حين غرَّة وهزمها، وقتل وأسر كثيرًا من أفرادها. وتمكَّن مُحمَّد بن رائق من الفرار والنجاة مع سبعين من أنصاره وتوجَّه إلى دمشق، فأرسل الإخشيد أخاه أبا نصر الحُسين من طُغج على رأس قُوَّةٍ عسكريَّة لِمُطاردته، لكنَّ مُحمَّدًا بن رائق باغته في منطقة [[اللجون|اللُجون]]، على بُعد عشرين كيلومترًا من طبريَّا، فتغلَّب عليه وقتله وأسر بعض مُساعديه، وسار بهم إلى دمشق.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 178|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
 
دفعت هذه التطوُّرات العسكريَّة الطرفين إلى التفاهم مُجددًا، ذلك أنَّ الإخشيد أرسل قُوَّاته بِقيادة كافور إلى شمالي الشَّام، فاستولى على [[حمص|حِمص]] وحلب، وأسر والي حلب مُحمَّد بن يزداد، وعاث في المدينة والمناطق المُجاورة، كما تعرَّض لِلأهالي بِالأذى، وعاد إلى مصر مُنتصرًا بعد أن عيَّن مساور بن مُحمَّد الرومي واليًا على حلب.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|المؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|العنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|الإصدار= الأولى|الصفحة= 105|السنة= [[1417هـ]] - [[1996]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> لكنَّ الإخشيد رأى، على الرُغم من انتصاره، ضرورة التفاهم مع ابن رائق لِسببين: أنَّ ولاية مصر واقعة بين بلاد الفاطميين من الغرب وسائر الولايات العبَّاسيَّة من الشرق، وكان الأوائل لا يملُّون وهُم يُحاولون انتزاع مصر من الدولة العبَّاسيَّة، ويتربصون شرًا بِالإخشيديين، وفي الوقت نفسه كان العبَّاسيين يعملون على زرع بُذور الشقاق بين وُلاة المشرق ويدعمون الفوضى في الشَّام ومصر كي لا يستقل بهما أحد كما حدث مع الطولونيين، وفي نفس الوقت أدرك مُحمَّد بن رائق أنَّ الموقف السياسي في الشَّام يتطلَّب التعقُّل والتفاهم مع الإخشيد لِمُواجهة دسائس العبَّاسيين.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة=165|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> كان مُحمَّد بن رائق السَّبَّاق إلى فتح باب التفاهم، [[تحنيط|فحنَّط]] جُثَّة الحُسين بن طُغج وأرسلها في تابوتٍ إلى الإخشيد مع ابنه مُزاحم بن مُحمَّد بن رائق، وحمَّلهُ رسالة اعتذار عن حادثة القتل عارضًا أن يفديه بابنه مُزاحم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن العديم|ابن العديم، كمالُ الدين عُمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العُقيلي]]|المؤلف2= وضع حواشيه: خليل المنصور|العنوان= زبدة الحلب في تاريخ حلب، الجُزء الأوَّل|الإصدار= الأولى|الصفحة= 104|السنة= [[1417هـ]] - [[1996]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> كان لِهذا الموقف أثرٌ كبيرٌ في نفس الإخشيد، فامتنع عن الأخذ بِثأر أخيه وأكرم غريمه، ورفع منزلته، وردَّهُ إلى أبيه مُعززًا، وكان ذلك من الأسباب التي أدَّت لِلتقارب بين الطرفين، فتمَّ الصُلح على أن يكون لِلإخشيد جميع البلاد المُمتدَّة من الرملة إلى مصر، ويدفع لابن رائق جزية سنويَّة عن الرملة مقدارها مائة وأربعين ألف دينار، ويحتفظ الأخير بِالبلاد الشَّاميَّة الواقعة شمالي الرملة. وتمتَّن هذا الصُلح بالتقارُب الأُسري، فقد زوَّج الإخشيد ابنته فاطمة من مزاحم بن مُحمَّد بن رائق، وتقرَّر أن يبقى عند الإخشيد مُقابل أن يبقى عُبيد الله بن طُغج عند ابن رائق في دمشق.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 253|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
=== استعادة الشَّام ===
{{إسلام}}
قُتل مُحمَّد بن رائق في [[الموصل]] يوم [[21 رجب]] [[330هـ]] المُوافق فيه [[10 أبريل|10 نيسان (أبريل)]] [[932]]م، على يد [[ناصر الدولة الحمداني]]، الذي رمى جُثَّتهُ في [[نهر دجلة]]، وكتب إلى الخليفة يتَّهم ابن رائق بِالتآمر عليه - أي الخليفة - ولهذا تخلَّص منه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّادس|الإصدار= الأولى|الصفحة= 103 - 104|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي واقع الأمر أنَّ ابن رائق كان قد توجَّه إلى العراق بِطلبٍ من الخليفة لِلحد من الاضطرابات التي نجمت عن صراع الأخير مع القادة التُرك. كان الإخشيد يُراقب تطوُّرات الأحداث في العراق والشَّام آنذاك، وعندما علم بِمقتل ابن رائق خرج من مصر إلى الشَّام لِلسيطرة عليها، وعيَّن أخاه أبا المُظفَّر الحسن بن طُغج نائبًا عنهُ في مصر. وعندما وصل إلى دمشق استقبله نائبها مُحمَّد بن يزداد الشهرزوري وسلَّمهُ مقاليد أُمورها، فأصلح شُؤونها وعاد إلى مصر مُصطحبًا معه مُحمَّد بن يزداد الشهرزوري، فعيَّنهُ على شُرطتها، وعمد في آخر ذي القعدة، المُوفق فيه 5 آب (أغسطس) إلى عقد اجتماع لِكبار قادته وأعوانه، تقرَّر فيه استخلاف ابنه أُنوجور من بعده.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 254|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وفي [[22 رجب]] [[332هـ]] المُوافق فيه [[21 مارس|21 آذار (مارس)]] [[944]]م، غادر الإخشيد مصر مُتجهًا إلى دمشق، ثُمَّ انطلق منها إلى [[الرقة|الرقَّة]] لِلقاء الخليفة، الذي طلب منه المُساعدة ضدَّ أمير الأُمراء الجديد «توزون»، الذي طغى وتحكَّم بالبِلاد والعباد. ولمَّا اجتمع الرجُلان أظهر الإخشيد الطَّاعة التامَّة لِلخليفة وبالغ في إظهار إجلاله، فأُعجب الخليفة به، فخلع عليه وكنَّاه بِأبي القاسم واستخلفهُ على ولايتيّ مصر والشَّام على مدى ثلاثين سنة، واعترف لهُ بِحق توريثها لِأبنائه من بعده. والواقع أنَّ هذا التقليد لم يكن إلَّا اعترافًا بِالأمر الواقع الذي لم يكن باستطاعة الخليفة أن يغض النظر عنه، إذ إنَّ الإخشيد كان قد أخذ البيعة لابنه من كبار قادته قبل لقاء الخليفة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= كاشف، سيِّدة إسماعيل|العنوان= مصر في عصر الإخشيديين|الصفحة= 86|السنة= [[1989]]|الناشر= الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ولم يحصل أي قتال بين الإخشيد وتوزون، إذ عاد الخليفة لِلتفاهم معه، فغدر به توزون وقبض عليه وسمل عينيه، وبايع [[عبد الله المستكفي بالله|أبا القاسم عبد الله بن المُكتفي]] بِالخلافة ولقَّبه بـ«المُستكفي بِالله»،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدار= الأولى|الصفحة= 128 و134|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وعاد الإخشيد إلى مصر بعد أن نظَّم أُمُور الشَّام، فعيَّن الحُسين بن لؤلؤ على دمشق ثُمَّ نقله بعد ستة أشهر إلى حِمص وعيَّن مكانه يانس المُؤنسي، وولَّى أبا الفتح عُثمان بن سعيد الكلابي حلب كما ولَّى أخاه [[أنطاكية]].<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 255|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> استمرَّت العلاقة الجيِّدة بين العبَّاسيين والإخشيديين، وقد أقرَّ المُستكفي الإخشيد على ولايتيّ مصر والشَّام، ودعا الأخير لِلأوَّل على المنابر في جميع أنحاء ولايته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 193|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وحدث في [[22 جمادى الآخرة|22 جُمادى الآخرة]] [[334هـ]] المُوافق فيه 29 كانون الثاني (يناير) 946م، خُلع الخليفة العبَّاسي المُستكفي على يد [[معز الدولة البويهي|مُعز الدولة البُويهي]] المُستبد بِدولة الخِلافة العبَّاسيَّة، وبايع بدلًا منه [[فضل المطيع لله|أبو القاسم الفضل بن المُقتدر]] ولقَّبه بـ«المُطيع لِله»،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدار= الأولى|الصفحة= 158 - 159|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> فثبَّت المُطيع الإخشيد على أعماله وزاد عليها الثُغُور و[[الحرمين الشريفين|الحرمين]] و[[اليمن]]، وخُطب لهُ على منابرها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 326|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والراجح أنَّ هذا التقليد على الحرمين واليمن هو رمزي، إذ إنَّ سُلطان الإخشيد لم يستقر في تلك الأقاليم التي كانت تحت حُكم أُسرات محليَّة رُبما خضع أُمراؤها إسميًا لِلخلافة العبَّاسيَّة، ثُمَّ إنَّ منح الخليفة التقليد على تلك الديار وتنازُله عن سُلطانه ونُفوذه السياسي يُؤكِّد ما وصلت إليه الخِلافة من ضُعف، ويُبرهن على مدى ما وصلت إليه الدولة الإخشيديَّة من الاتساع والقُوَّة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= كاشف، سيِّدة إسماعيل|العنوان= مصر في عصر الإخشيديين|الصفحة= 90 - 91|السنة= [[1989]]|الناشر= الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref>
 
==وفاته==