محمد بن طغج الإخشيد: الفرق بين النسختين

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
وسمان: تحرير من المحمول تعديل ويب محمول
وسمان: تحرير من المحمول تعديل ويب محمول
سطر 151:
==استقلاله بمصر==
{{تاريخ مصر}}
===ظهوره بمصر===
ظلت الأمور على ما يرام بين محمد بن طغج الإخشيد والخلافة العباسية حتى جاء اليوم الذي أرسل فيه الخليفة الراضى جيشاً بقيادة '''[[محمد بن رائق]]''' إلى [[الشام]] لانتزاع [[مصر]] من الإخشيد سنة [[328 هـ]] / [[940|940 م]].
كان مُحمَّد بن طُغج قد اتصل بعد خُروجه من العراق إلى الشَّام بِأبي العبَّاس أحمد بن بسطام عامل الخِراج فيها، وظلَّ معهُ يخدمهُ في صيده، ويجمع لهُ [[جوارح|الجوارح]] حتَّى عُرف باسم «بازيار بن بسطام»، أي «صاحب الباز بن بسطام»، وهو الذي يحملُ [[باز|البيزان]] و[[صقريات|الصُقُور]] المُعدَّة لِلصيد.<ref name="ابن سعيد1">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 152 - 153|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وعندما تقلَّد ابن بسطام خراج مصر سنة 296هـ المُوافقة لِسنة 909م، صحبهُ مُحمَّد بن طُغج إليها، واستمرَّ في خدمته إلى أن تُوفي في السنة التالية، فالتحق بِخدمة ابنه أبي القاسم علي بن أحمد بن بسطام الذي خلفهُ على خِراج مصر، وظلَّ في خدمته حتَّى تمَّ عزله سنة [[300 هـ]] ([[912]] - [[913]]م)، فاتصل بِأبي المنصور تكين والي مصر، واشترك مع القُوَّات العبَّاسيَّة في التصدي لِلغزو الفاطمي على مصر، وبِخاصَّةٍ الحملة التي قادها حباسة سنة 302هـ المُوافقة لِسنة 914م، وأبلى فيها بلاءً حسنًا ما لفت نظر تكين، فقرَّبهُ إليه ووثَّق صلته به حتَّى أضحى منهُ بِمثابة الابن.<ref name="ابن سعيد1"/> وعندما عُزل تكين عن ولاية مصر وأُسندت إليه ولاية دمشق رافقهُ مُحمَّد بن طُغج، فولَّاهُ تكين [[عمان (مدينة)|عمَّان]] و[[جبال الشراة]] نيابةً عنه، وسنحت لهُ الظُروف أن يُظهر مواهبه العسكريَّة وإخلاصه لِلخلافة عندما أنقذ قافلة [[الحج في الإسلام|حُجَّاج]] قادمةٍ من العراق والشَّام من غارةٍ نفذها [[بدو|أعرابٌ]] من [[لخم]] و[[جذام (قبيلة)|جذام]]، فشكرهُ الحُجَّاج وأسهبوا في الحديث عن شجاعته في بغداد ما لفت نظر الخليفة، فخلع عليه وزاد في رزقه.<ref name="ابن خلكان1">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن خلكان|ابن خلِّكان، أبو العبَّاس شمسُ الدين أحمد بن مُحمَّد بن إبراهيم بن أبي بكر البرمكي الإربلي]]|المؤلف2= تحقيق: [[إحسان عباس|إحسان عبَّاس]]|العنوان= [[وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان|وفيَّات الأعيان وأنباء أبناء الزمان]]، الجُزء الخامس|الصفحة= 57 - 58|السنة= [[1977]]|الناشر= دار صادر|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وعندما أُعيد تكين إلى ولاية مصر في سنة 307هـ المُوافقة لِسنة 919م، صحبهُ مُحمَّد بن طُغج، فولَّاهُ على الإسكندريَّة، وظلَّ مُقيمًا فيها إلى أن غزاها الفاطميُّون مرَّة ثانية بِقيادة القائم، فأبدى شجاعةً في القتال وأدَّى دورًا فاعلًا في هزيمتهم وإجبارهم على العودة إلى المغرب.<ref name="ابن سعيد1"/> استغلَّ مُحمَّد بن طُغج وضعهُ المُتقدِّم فوثَّق علاقته بِكبار رجال الدولة في بغداد ومصر، فأنعم عليه مؤنس الخادم بِأن قلَّدهُ الحوفين الشرقي والغربي بِأمرٍ من الخليفة، كما اتصل بِأفراد الأُسرة الماذرائيَّة في مصر وحصل منهم على معلوماتٍ مُفيدة عن أوضاع مصر الاقتصاديَّة وعن المُمتلكات الماذرائيَّة. وما جرى آنذاك من إقدام مُحمَّد بن طُغج على مُصادرة أموال الناس في مصر واستيلائه على دار القاضي الحُسين بن حرب وعلى تركة أحمد بن صالح حاكم الإسكندريَّة، أن دبَّ الخِلاف بينه وبين تكين الذي أزعجهُ هذا التصرُّف ولم يرضَ عنه.<ref name="ابن سعيد1"/>
وعندئذ، ألغى الإخشيد اسم الخليفة العباسي من الخطبة وأعلن استقلاله ب[[مصر]] ودخول [[الدولة الإخشيدية]] قائمة الدول المستقلة واستطاع هزيمة القائد [[محمد بن رائق|ابن رائق]] والاحتفاظ بملكه سليماً.
وحدث أن تم تعيين مُؤنس الخادم، مُحمَّد بن جعفر القرطي على [[حسبة|الحسبة]] ثُمَّ على الخِراج في مصر، وصرف الماذرائيين عنها وذلك في غُمرة الصراع على السُلطة وحتَّى لا يستأثر هؤلاء بِالمُقدرات الاقتصاديَّة، فتقرَّب إليه مُحمَّد بن طُغج، وتحسَّنت علاقته به، غير أنَّ الماذرائيين لم يتركوا القرطي وشأنه، فاتهموه باختلاس الأموال من خِراج البلاد، فعزله الخليفة [[جعفر المقتدر بالله|أبو الفضل جعفر المُقتدر بِالله]]، واضطرَّ إلى الاختباء عند مُحمَّد بن طُغج حيثُ تمكَّن بِواسطته من التخلُّص من مُلاحقة الماذرائيين، والوُصول آمنًا إلى بغداد.<ref name="ابن سعيد1"/> حفظ القرطي صنيع مُحمَّد بن طُغج، فعمل في بغداد على دعمه وتثبيت مركزه، وحصل لهُ على تقليدٍ من الخليفة بِولاية الرملة في سنة 316هـ المُوافقة لِسنة 928م، وقد اضطرَّ مُحمَّد بن طُغج أن يُغادر مصر بالحيلة خوفًا من غضب الوالي تكين عليه، ممَّا يدُل على الفوضى التي كانت تسود البلاد العبَّاسيَّة في ذلك الوقت.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= كاشف، سيِّدة إسماعيل|العنوان= مصر في عصر الإخشيديين|الصفحة= 64|السنة= [[1989]]|الناشر= الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> تولَّى مُحمَّد بن طُغج ولاية الرملة حتَّى سنة 318هـ المُوافقة لِسنة 931م، عندما أعاد الخليفة تعينه واليًا على دمشق،<ref name="ابن خلكان1"/> والرَّاجح أن صديقه القرطي كان وراء هذا التدبير، فحظي بِتأييده ومُساندة أهل دمشق حيثُ كان محبوبًا عندهم. ونظَّم مُحمَّد بن طُغج وضعهُ الداخلي في دمشق، فشكَّل جيشًا ضمَّ طائفةً كبيرةً من الجُند، كما التفَّ إخوته حوله: عُبيد الله والحسن والحُسين وعليّ، بِالإضافة إلى بني طُغج، فتقوَّى بهم، وكوَّن عِصبةً من الغلمان التصقت به كان أكبرهم بدر الكبير وأصغرهم كافور الذي أضحى خادمه الخاص.<ref name="ابن سعيد1"/> والواقع أنَّ مُحمَّد بن طُغج اقتدى بِ[[أحمد بن طولون]] بعد أن أدرك أنَّ تقليد الخِلافة لهُ يبقى غير ذي قيمة إذا لم يُدعَّم بِالقُوَّة العسكريَّة في ظل الأوضاع السياسيَّة المُضطربة، التي كانت سائدة في عاصمة الخِلافة وفي الأطراف، لِهذا استمرَّ في تجهيز نفسه وإعداد قُوَّاته العسكريَّة بِجمع الأعوان والأنصار حتَّى كثُر رجاله، وعجز عن تموينهم ودفع مُرتباتهم، لِذلك راح يُصادر الأموال لِلإنفاق عليهم وبِخاصَّةٍ أموال الأثرياء واتَّبع مُختلف الوسائل في هذا السبيل. وبعد أن استكمل مُحمَّد بن طُغج استعداداته العسكريَّة، وأنس من نفسه القُوَّة، التفت إلى التمدُّد باتجاه مصر، فراح يُراقب تحرُّكات تكين ويترصَّد أخباره، وهو مُستعد لانتهاز أوَّل فُرصة لِلوُثوب إليها.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة= 152|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
=== تولية مُحمَّد بن طُغج على مصر ===
[[ملف:الدولتان الطولونية والإخشيدية.jpg|تصغير|يمين|حُدود الدولة الإخشيديَّة (البُني والبُرتُقالي والبنفسجي المُظلل) بعد اعتراف الخِلافة العبَّاسيَّة بِضم الشَّام والحجاز ومصر ضمن ولايةٍ واحدة.]]
لم يترُك مُحمَّد بن طُغج وسيلةً لِلحُصُول على ولاية مصر، فنهج أُسلُوب أحمد بن طولون في الاعتماد على الأنصار وشراء الناس، وأرسل كاتبه علي بن مُحمَّد بن كلا إلى الخليفة [[محمد القاهر بالله|أبو منصور مُحمَّد القاهر بِالله]] يلتمس منه ولاية هذه الديار بعد وفاة تكين في سنة 321هـ المُوافقة لِسنة 933م، لكنَّ الخليفة لم يُجبه، وقلَّد مُحمَّد بن تكين ولاية مصر خلفًا لِوالده، ولكنَّهُ لم ييأس وتابع مُحاولاته في ظل تردّي الأوضاع الداخليَّة في هذه الولاية وتغيُّر الوُلاة بِسُرعةٍ لافتة. ويبدو أنَّ الخليفة بدَّل رأيه بعد ذلك، فعيَّنهُ واليًا على مصر في [[7 رمضان]] المُوافق فيه [[31 أغسطس|31 آب (أغسطس)]]، غير أنَّهُ لم يتمكَّن من الذهاب إليها بِسبب اضطراب أوضاعها الداخليَّة، واضطراب الأوضاع في بغداد نفسها بعد خلع الخليفة القاهر بالله، وانتهاج خلفه [[محمد الراضي بالله|أبو العبَّاس مُحمَّد الراضي بِالله]] سياسة أسلافه في الإيقاع بين السُلطات الحاكمة في مصر، فكتب إلى الوالي السَّابق أحمد بن كيغلغ يُقرُّه على ولاية مصر في حين أرسل إلى القائد مُحمَّد الماذرائي يُذكِّره بِأنَّ الأمر له يُقلِّد من يشاء ويصرف من يشاء.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة=145|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ونتيجةً لِلصراع بين مُحمَّد بن تكين، الذي قدم إلى مصر من فلسطين في شهر ربيع الأوَّل 322هـ المُوافق فيه شُباط (فبراير) 934م مُدعيًا أنَّهُ واليها من قِبل الخليفة، وبين الوالي أحمد بن كيغلغ والماذرائيين؛ اضطربت الأُمور أكثر فأكثر، وانقسمت طوائفُ الجُند، ما دفع الخليفة الراضي بِالله إلى إرسال الوزير الفضل بن جعفر إلى مصر لاستطلاع أوضاعها وتدبير أُمورها، ومنحهُ صلاحيَّات مُطلقة في التصرُّف، بناءً على طلبه، فقلَّد هذا مُحمَّد بن طُغج ولاية مصر في سنة 323هـ المُوافقة لِسنة 935م، وضُمَّت إليه الشَّام والحجاز،<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 157|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> ويبدو أنَّ لِذلك علاقةً بِما جرى من التقارب الأُسري. فقد زوَّج مُحمَّد بن طُغج ابنته من الفضل بن جعفر، فاستغلَّ هذا الزواج لِلحُصول على ولاية مصر، وقد وافق الخليفة الراضي بِالله بعد ذلك على هذا التعيين بعد أن أصبح أمرًا واقعًا وعزل أحمد بن كيغلغ.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السابع|الإصدار= الأولى|الصفحة= 56|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والواقع أنَّ الخِلافة كانت مُترددة في حسم الموقف في الشَّام ومصر خشيةً من تكرار تجربة الطولونيين، لِذلك جاءت قراراتها مُتسرِّعة وأوامرها مُرتبكة تنُمُّ عن الضُعف الذي حلَّ بها، وقد استغلَّ مُحمَّد بن طُغج ذلك الارتباك بِذكاء واعتمد على الصلاحيَّات الواسعة المُعطاة لِلوزير العبَّاسي لِتنفيذ رغبته، مُدركًا أنها لن تتحقق وتستقر إلَّا بِجُهوده الشخصيَّة وقُوَّته العسكريَّة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= زيود، مُحمَّد أحمد|العنوان= العلاقات بين الشَّام ومصر في العهدين الطولوني والإخشيدي 254 - 358هـ|الإصدار= الأولى|الصفحة= 280|السنة= [[1409هـ]] - [[1989]]م|الناشر= دار حسَّان للطباعة والنشر|المكان= [[دمشق]] - [[سوريا]]}}</ref>
 
==== دُخُول الإخشيديين إلى مصر ====
[[ملف:Fostat-339-Cropped.png|تصغير|يمين|مدينة [[الفسطاط]]، دخلها الإخشيديُّون يوم 23 رمضان 323هـ المُوافق فيه 26 آب (أغسطس) 935م، بعد إقرار الخِلافة العبَّاسيَّة بِولاية الإخشيد على الديار المصريَّة.]]
كان الدُخول إلى مصر يتطلَّب تخطيطًا سليمًا نظرًا لِصُعوبته بِفعل تمسُّك أحمد بن كيغلغ بِمنصبه وحرص الماذرائيين على المُحافظة على مُكتسباتهم، لِذلك عقد مُحمَّد بن طُغج اجتماعًا سريًا مع الفضل بن جعفر في دمشق اتفقا في نهايته على أن يتم الدُخُول إلى مصر من محورين برّي وبحري، واتخذا الحيطة والحذر كي لا تتسرَّب أخبار اجتماعهما إلى أنصار الماذرائيين الكُثر في دمشق.<ref name="ReferenceA">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن سعيد المغربي|ابن سعيد الغرناطي المغربي، نورُ الدين أبو الحسن عليّ بن موسى بن مُحمَّد بن عبد الملك]]|المؤلف2= تحقيق: زكي مُحمَّد حسن، و[[شوقي ضيف]]، وسيِّدة كاشف|العنوان= المُغرِّب في حُلى المغرب، الجُزء الأوَّل، القسم الخاص بِمصر|الإصدار= الأولى|الصفحة= 158|السنة= [[1953]]|الناشر= مطبعة جامعة فؤاد الأوَّل|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> وحرص مُحمَّد بن طُغج، قبل اللُجوء إلى استعمال القُوَّة المُسلَّحة، إلى الدُخول سلمًا إلى مصر، فكتب إلى مُحمَّد بن علي الماذرائي، صاحب السُلطة الفعليَّة فيها، يطلب منهُ التخلّي عن موقفه العدائي منه ويُخلِّي بينه وبين دُخول مصر مُقابل أن يظلَّ لهُ الإشراف المالي والإداري في البلاد، فرفض الاستجابة لِطلبه مُدركًا أنَّ هذا الوالي الجديد يختلف عن الوُلاة السابقين من حيث القُوَّة والطُموح، وأنَّهُ لن يكون لهُ من النُفوذ كما كان لهُ مع غيره، وبالتالي لا مقام له معه.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= كاشف، سيِّدة إسماعيل|العنوان= مصر في عصر الإخشيديين|الصفحة= 71|السنة= [[1989]]|الناشر= الهيئة المصريَّة العامَّة لِلكتاب|المكان= [[القاهرة]] - [[مصر]]}}</ref> دفع هذا الرفض مُحمَّد بن طُغج إلى تعبئة قُوَّاته، فحشد القادة والجُنُود الذين رافقوه والذين وفدوا عليه من الشَّام والعراق و[[بادية الشام|البادية]]، وسار بهم باتجاه مصر. وعندما علم أحمد بن كيغلغ بِزحفه اتخذ التدابير الضروريَّة بِالتعاون مع حليفه مُحمَّد بن علي الماذرائي لِمنعه من الدُخول، بِالإضافة لِعرقلة إجراءات الوزير الفضل بن جعفر الإداريَّة. تقدَّم مُحمَّد بن طُغج على رأس جيشه باتجاه الداخل المصري، وفي المُقابل خرج أحمد بن كيغلغ من الفسطاط على رأس ثلاثين ألف جُندي تُسانده القُوَّة المغربيَّة في مصر، فاصطدم بِمُقدمة جيش مُحمَّد بن طُغج ومُني بِهزيمةٍ فادحة. ونزل مُحمَّد بن طُغج بعد انتصاره في منية الأصبغ شمالي [[القاهرة]] المُعاصرة وانتظر وُصول أُسطوله البحري بِقيادة صاعدة بن كلملم، وكان قد استولى على [[دمياط|دُمياط]] و[[تنيس]]، واصطدم بِأُسطول ولاية مصر بِقيادة علي بن بدر بِالقُرب من [[سمنود]] وانتصر عليه ودمَّره، وتابع إبحاره إلى [[جزيرة الروضة]] وهي خط الدفاع عن الفسطاط، ولكنَّ هذا الأُسطول انسحب فجأة وعاد إلى [[دلتا النيل|الدلتا]]، ويبدو أنَّهُ تعرَّض لِضغطٍ عسكريّ بريّ، بِدليل أنَّ أحمد بن كيغلغ والماذرائي أسرعا، بعد انسحابه، إلى شحن الجزيرة بِالرجال والسلاح لِلدفاع عن الفسطاط.<ref name="ReferenceA"/> أعاد مُحمَّد بن طُغج تنظيم صُفُوف قُوَّاته البحريَّة وجدَّد هُجومه البحري على جزيرة الروضة ونجح في الاستيلاء عليها وأسر من فيها من الجُنُود، لكنَّ هذه القُوَّة البحريَّة لم تتمكَّن من دُخُول الفسطاط بِفعل شدَّة المُقاومة.<ref name="استسلام">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[أبو عمرو الكندي|الكِندي، أبو عُمر مُحمَّد بن يُوسُف بن يعقوب الكِندي المصري]]|المؤلف2= تحقيق: مُحمَّد حسن مُحمَّد حسن إسماعيل، وأحمد فريد المزيدي|العنوان= كتاب الوُلاة وكتاب القُضاة|الإصدار= الأولى|الصفحة= 207|السنة= [[1424هـ]] - [[2003]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> وما جرى آنذاك من استياء أحمد بن كيغلغ، الذي كره استبداد مُحمَّد بن علي الماذرائي بِالأُمور السياسيَّة والإداريَّة وثقل عليه أمره وأمر أولاده وشعر بِأنَّهُ ليس له معهم أمرٌ ولا نهي، وانضمام كثيرٌ من جُنُوده إلى جيش مُحمَّد بن طُغج؛ أن مال إلى التفاهم مع هذا الأخير، وبِخاصَّةً بعد أن أرسل إليه مُحمَّد بن طُغج كتاب الخليفة الراضي بالله بِتكليفه ولاية مصر، وهدَّده بِالشكاية أمامه. والواقع أنَّ ابن كيغلغ كان قد عزم على الاستسلام إلى مُحمَّد بن طُغج قبل ذلك، إلَّا أنَّهُ اصطدم بِرفض مُحمَّد بن علي الماذرائي.<ref name="استسلام"/> وفعلًا أقدم أحمد بن كيغلغ على تسليم البلاد لِمُحمَّد بن طُغج، واعتذر إليه بِأنَّ زمام الأُمور كان قد أُفلت من يده، وأنَّ المُقاومة التي تعرَّض لها لم تكن بِإرادته.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن تغري|ابن تغري بردي، أبو المحاسن جمالُ الدين يُوسُف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي]]|المؤلف2= قدَّم لهُ وعلَّق عليه: مُحمَّد حُسين شمسُ الدين|العنوان= [[النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة|النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة]]، الجُزء الثالث|الإصدار= الأولى|الصفحة= 244|السنة= [[1413هـ]] - [[1992]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> ونتيجةً لِذلك التفاهُم دخل مُحمَّد بن طُغج الفسطاط في [[23 رمضان]] المُوافق فيه [[26 أغسطس|26 آب (أغسطس)]] فاستقبله أحمد بن كيغلغ مُستسلمًا في حين فرَّ مُحمَّد بن علي الماذرائي، واضطرَّ إلى الاختباء. ونهبت العساكر الداخلة المدينة مُدَّة يومين، ولم تتوقف عن النهب إلَّا بعد أن هددهم مُحمَّد بن طُغج بِالقتل، ثُمَّ هدأت الأوضاع وبدأت الحياة العامَّة تعود إلى طبيعتها، فاطمأنَّ السُكَّان الذين كانوا قد غادروها وعادوا إلى دورهم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= طقُّوش، مُحمَّد سُهيل|العنوان= تاريخ الطولونيين والأخشيديين والحمدانيين|الإصدار= الأولى|الصفحة= 155|السنة= [[1429هـ]] - [[2008]]م|الناشر= دار النفائس|الرقم المعياري= 9789953184562|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref>
 
==أحداث المعركة الإخشيدية==