كاترين الثانية: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 269:
كان الفلَّاحون الأقنان يُباعون ويُشترون ويُعاملون كالمتاع أو البضائع التجاريَّة، فيُعرضون في الأسواق أمام الناس، وكانت الجرائد والصُحف تنشر إعلانات عن عُروضات بيع أقنان يتقدم بها بعض الإقطاعيين؛ كما كان من الشائع أن يُبادل الإقطاعي إحدى أقنانه بِقنٍّ أو قِنَّةٍ لِإقطاعيٍّ آخر، حتَّى أنَّ بعضهم كان يتبرِّع بِقنٍّ أو أكثر لِإقطاعيٍّ آخر دون مُقابل أو كبادرة حُسن نيَّة، وكثيرًا ما كان الفلَّاحون الأقنان يُزوَّجون رُغمًا عنهم. كذلك، لم يكن يُسمح لِلفلَّاح أن يترك القرية أو الضيعة التي يسكنها إلَّا لِمسافة 30 ميلًا، أمَّا إذا رغب بِالذهاب لِمكانٍ أبعد من ذلك فكان عليه أن يستحصل على إذنٍ مكتوب من سيِّده ومن السُلطات المحليَّة حتَّى يتمكن من التنقُّل بِحُريَّة. وفق القانون الكاتريني، لم يكن يحق لِلفلَّاح القِن أن يمثل أمام القضاء كي يُعاقب أو يُنصف من تُهمةٍ مُلصقة به، بل كان يُحاكم على يد سيِّده، وبالتالي كان يحق لِأي إقطاعي أن يُعذِّب قِنَّه حتَّى يُجبره على الاعتراف بِذنبٍ يُنسب إليه، وكثيرًا ما كان الإقطاعيُّون يُعذبون أحد أقنانهم عذابًا شديدًا حتَّى الموت، بل كان لِبعض الإقطاعيين حظائر خاصَّة يقومون فيها بِضرب وسحل القِن حتَّى يموت، ووُصفت بعض تلك الحظائر بأنها كانت أشبه بِالمسالخ حيثُ تُذبح المواشي.<ref group="ْ">Blum J. Lord and Peasant in Russia. From the Ninth to the Nineteenth Century. New York, 1964, p. 441</ref> سعت كاترين الثانية في وقتٍ لاحقٍ إلى تحسين أوضاع الفلَّاحين في بلادها، فسنَّت قوانين جديدة تمنع أساءة السيِّد الإقطاعي لِأيِّ قنٍّ من أقنانه، وأصدرت قانونًا يُجبر الإقطاعيين على مُساعدة أقنانهم والوُقوف بجانبهم في أوقات الشدَّة، كما في حالة حُدوت مجاعة، بحيثُ أُجبر جميع الإقطاعيين على تخزين نسبة من محاصيلهم تسد حاجة جميع أقنانهم وتوزيعها عليهم بِالتساوي، على أنَّ أغلب الإقطاعيين أهمل تطبيق هذا القانون وترك أقنانه لِبؤسهم،<ref group="ْ">David Moon. "The Abolition of Serfdom in Russia". Harlow: Pearson Education Limited, 2001. Page 39 - 40</ref> كما أنَّ مُعظم الإقطاعيين الذين استمرُّوا يُسيئون مُعاملة أقنانهم لم يُحاكموا، باستثناء فئة قليلة منهم.<ref group="ْ">Blum J. Lord and Peasant in Russia. From the Ninth to the Nineteenth Century. New York, 1964, p. 439</ref>
 
عادت كاترين ومنحت الفلَّاحين الأقنان حقًا جديدًا في وقتٍ لاحقٍ هو إمكانيَّة رفع شكوى إليها مُباشرةً بِحال أساء الإقطاعيُّ مُعاملتهم، على أنها أكَّدت على أن لا تكون صلة الأقنان معها مُباشرةً، بل تدرُّجيَّة وفق التُراتُبيَّة الإداريَّة المُتعارف عليها، وبِذلك ضمنت أن لا تتعرَّض لِإلحاحاتهم على الدوام وبِنفس الوقت ضمنت عدم حُدوث أيَّة ثورة عليها وعلى النظام الإقطاعي من قِبلهم.<ref group="ْ">Isabel de Madriaga, “Catherine II and the Serfs: A Reconsideration of Some Problems”, The Slavonic and East European Review, Vol. 52, No. 126 (Jan., 1974), 48–51</ref> مُنح الأقنان - بِواسطة هذا الحق - وضعًا بيروقراطيًّا شرعيًّا لم يكن لهم من قبل<ref group="ْ">Witschafter, “Legal Identity”, 563–564</ref> - عن غير قصد - فاستغلَّهُ بعضهم لِلحُصول على حُريَّته من خِلال رفع عرائض اعتراض على مُلكيَّتهم من قِبل بعض الأشخاص من غير طبقة النُبلاء (التي لم يكن يُسمح لِأفرادها بامتلاك الأقنان أساسًا)، أو عبر الادعاء أنَّ شرائهم لم يتم بِطريقةٍ شرعيَّةٍ أو لم يتم على الإطلاق، إذ وُهبوا إلى إقطاعيٍّ آخر في حين أنَّ أعراف وقوانين القِنانة تنص على وُجوب ارتباطهم بِالأرض التي يعملون فيها، وقد استمع بعضُ الساسة المسؤولين إلى تلك الشكاوى، فحصل أصحابها على حُريَّتهم، على أنَّ تلك الحالات بقيت نادرة.<ref group="ْ">Witschafter, “Legal Identity”, 565–567</ref> كما أصدرت قانونًا في 17 آذار (مارس) 17751775م يمنع أي إقطاعي من إعادة استغلال أي فلاحٍ حصل على حُريَّته وفق نظام القنانة مُجددًا.<ref group="ْ">Madriaga, “Catherine II”, 35</ref> بِالمُقابل، أصدرت كاترين الثانية عدَّة قوانين وقرارات خِلال فترة حُكمها كان من نتيجتها أن ساءت أوضاع الفلَّاحين الأقنان أكثر وتدهورت، ومن تلك القوانين:
:* قانون سنة 17631763م الذي سمح بِتدخُّل الجيش لِقمع أي انتفاضة أو ثورة يُشعلها الفلَّاحون.
:* قانون سنة 17651765م الذي منح الإقطاعيين الحق في نفي أيِّ قنٍّ عاصٍ أو مُشاغب إلى [[سيبيريا]]، وهي عُقُوبة كانت في الأساس مُخصصة لِلمُجرمين الخطيرين،<ref group="ْ">Madriaga, “Catherine II”, 42–46</ref> أو تعذيبه من خِلال تشغيله بِالأعمال الشاقَّة. كما كان يحق لِلإقطاعي - وفقًا لِهذا القانون - أن يُعيد قِنَّهُ إلى قريته ساعة ما شاء.
:* قانون سنة 17671767م الذي منع الأقنان من رفع شكوى ضدَّ أسيادهم أمام القضاء، ورفعها لِكاترين مُباشرةً عبر المسؤول الإداري في المنطقة التي تقع فيها قرية هذا القِن.<ref group="ْ">Madriaga, “Catherine II”, 48–51</ref>
:* قانون سنة 17831783م الذي سمح بِتطبيق نظام القنانة على الفلَّاحين الأوكرانيين.
:* قانون سنة 17961796م الذي سمح بِتطبيق نظام القنانة على الفلَّاحين في إقليم روسيا الجديدة (في مصب [[نهر الدون]] شمال القوقاز)، وفي المناطق التي ضُمَّت إلى الإمبراطوريَّة الروسيَّة بعد أن فُتت بولونيا (في الضفة اليُمنى من أوكرانيا، وفي روسيا البيضاء وليتوانيا وپولندة المُعاصرة).
يقول المُؤرِّخ نِقولا پاڤلنكو أنَّ نِظام القِنانة تطوَّر وتوسَّع في العهد الكاتريني، رُغم اعتبار صاحبته حاكمة مُستنيرة كان لِإجراءاتها الفضل في تحويل روسيا إلى قوَّةٍ استعماريَّةٍ عُظمى، ممَّا يُشكِّلُ مثالًا صارخًا عن مدى التناقض الذي كان قائمًا في ذلك العهد بين المبادئ التنويريَّة والإجراءات والمُمارسات الحُكوميَّة الهادفة إلى تعزيز السُلطة العدائيَّة لِلنظام الحاكم.<ref>Павленко Н. И. Екатерина Великая. Москва, 2006, с. 225, 298</ref> يُقدَّر عدد الفلَّاحين الذين منحتهم كاترين بنفسها كأقنانٍ إلى كِبار الإقطاعيين طيلة فترة حُكمها بِحوالي 800 ألف شخص، وهو رقمٌ لم يسبقها إليه أحد مُنذ اعتماد نظام القِنانة في روسيا.<ref group="ْ">Blum J. Lord and Peasant in Russia. From the Ninth to the Nineteenth Century. New York, 1964, p. 357</ref> وكان مُعظم هؤلاء الأقنان من غير الروس، بل من البولونيين الذين ضُمَّت أراضيهم إلى الإمبراطوريَّة الروسيَّة بعد تفتيت بولونيا، وانتهى المطاف بِقسمٍ منهم كأقنانٍ خاصين بِالبلاط الروسي، يعملون في حرث وزراعة الأراضي الخاصَّة بِالإمبراطورة وحاشيتها.<ref>''Де Мадриага И.'' Россия в эпоху Екатерины Великой</ref> يُقدِّر المُؤرخون ارتفاع عدد الأقنان في روسيا خِلال العهد الكاتريني من 210 آلاف قِنٍّ سنة 17621762م إلى 312 قنٍ سنة 1796،1796م، ويُقدَّر أنَّ أغلب هؤلاء كانوا قبلًا فلَّاحين أحرار، فاستُعبدوا، وكانوا من أبرز المُشاركين في حرب الفلَّاحين التي اشتعلت نيرانها ما بين سنتيّ 1773 و1775و1775م.<ref>Струмилин С. Г. Очерки экономической истории России. М. 1960, с. 371; Покровский М. Н. Русская история с древнейших времен. При участии Н.Никольского и В.Сторожева. Москва, 1911, т. 4, с. 129—131</ref>
* '''طبقة رجال الدين (الأساقفة والبطاركة)''': فقد رجال الدين المسيحيين وضعهم المُميز واستقلالهم عن الإدارات الحُكوميَّة في العهد الكاتريني، بعد أن أقدمت كاترين الثانية على مُصادرة أراضي الكنيسة الروسيَّة الأرثوذكسيَّة، وجعلت الأشراف على ماليَّة ومصاريف الأديرة والأُسقُفيَّات من مُهمَّة كُليَّة الاقتصاد الروسيَّة الوطنيَّة، ليُصبح رجال الدين بِهذا مسؤولين أمام الحُكومة عن الأموال التي تُبذل إليهم.<ref group="ْ">Raeff, Mark. ''Catherine the Great: A Profile'' (New York: Hill and Wang, 1972), 293.</ref>