سقوط حلب (962): الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 56:
[[ملف:Akropolis anazarbos.jpg|تصغير|أطلال عين زربة على متن الجبل.]]
[[ملف:Anavarza Castle.jpg|تصغير|أسوار عين زربة.]]
بعد انتصار ليو فوقاس في مغارة الكُحل وعودته إلى القُسطنطينيَّة، عُيِّن أخاه نقفور دمستقًا في الشرق، وعُهد إليه نقل الحرب إلى قلب الدولة الحمدانيَّة. أوَّل ما هاجمه نقفور من المُدن الإسلاميَّة كان [[عين زربة]]، بِفعل ضعف حاميتها، فضلًا عن صُعُوبة قُدُوم الإمدادات لِنجدتها، كما أنها تقع على الطريق المُباشر القصير الذي يمتد من [[قيصرية|قيصريَّة]] إلى حلب التي هي الهدف الأسمى له. واحتشدت العساكر القادمة من القُسطنطينيَّة ومن ثُغُور آسيا الصُغرى في قيصريَّة [[كبادوكيا|بِقباذق (كبادوكيا)]]، وقد بلغ عديدُها مائة وستين ألف جُندي، مُدعَّمين بِالدبَّابات وأدوات الحصار. تحرَّكت هذه الجحافل باتجاه عين زربة سالكةً الطريق المُباشر الذي يربطها بِقيصريَّة، وعندما وصلت إليها ضربت حصارًا مُركزًا عليها، فتصدَّى لها رشيق النسيمي حاكم طرسوس، إلَّا أنَّهُ تعرَّض لِلهزيمة وفقد نحو خمسة آلاف قتيل وأربعة آلاف أسير.<ref name="الأنطاكي">{{مرجع كتاب|المؤلف1= الأنطاكي، يحيى بن سعيد|العنوان= تاريخ الأنطاكي|الصفحة= 96|السنة= 1990|المكان= [[طرابلس (لبنان)|طرابُلس]]، [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والواقع أنَّ المدينة جرى تشييدها في موقعٍ منيعٍ في سفح جبلٍ شديد الانحدار يُحيطُ بها سورٍ ذو حائطٍ مُزدوج، وتتوقَّف استدارته عند الجهة المُلاصقة بِالجبل، وتطُل قمَّته على المدينة، وأنَّ كُل من يستولي عليها يُصبح باستطاعته الدُخُول إلى المدينة بِسُهولة، فأرسل نقفور قُوَّةً عسكريَّةً من الفُرسان ارتقت القمَّة واحتلَّتها. وتعرَّضت أسوار المدينة لِقذائف المجانيق، فأحدثت بها ثغرة. ولمَّا رأى سُكَّانُ المدينة ما حدث من احتلال البيزنطيين لِلجبل، وأنَّ نقفور قد ضيَّق عليهم ومعهُ الدبَّابات، وقد وصل إلى السُور وشرع في النقب؛ طلبوا الأمان، وقبلوا أن يُسلِّموا المدينة مُقابل الإبقاء على حياتهم، فأمَّنهم نقفور، وفتحوا له باب المدينة فدخلها في شهر مُحرَّم سنة 351هـ المُوافق فيه شهر شُباط (فبراير) سنة 962م، وكان جُنده الذين في الجبل قد سبقوه إليها، فندم على منح السُكَّان الأمان حيثُ كان باستطاعة جُنده الاستيلاء على المدينة في يُسرٍ وسُهولةٍ، فنقض عهده، وأصدر أوامره إلى سُكَّانها بِأن يجتمعوا بِالمسجد الجامع، ومن تأخَّر في منزله قُتل، فخرج من أمكنهُ الخُروج، فلمَّا أصبح أنفذ رجاله إلى المدينة، وكانوا ستِّين ألفًا، وأمرهم بِقتل من يجدوه في منزله، فتعرَّض لِلقتل كُل ما صادفه الجُند بِشوارع المدينة ودُورها، ثُمَّ جمع السلاح وأمر من في المسجد بِأن يخرجُوا من المدينة إلى حيثُ يشاؤون، وهدَّد من يبقى بِالقتل، غير أنَّ عددًا كبيرًا منهم لقي حتفه بِسبب شدَّة الزُحام والبرد والجُوع، ومن نجا منهم لجأ إلى طرسوس، وتعرَّضت المدينة لِلنهب ودمَّر البيزنطيُّون الدُور والأسوار.<ref name="عين زربة">{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن مسكويه|ابن مسكويه، أبو علي أحمد بن مُحمَّد بن يعقوب]]|المؤلف2= تحقيق: سيِّد كسروي حسن|العنوان= تجارب الأُمم وتعاقب الهمم، الجُزء الثاني|الطبعة= الأولى|الصفحة= 190|سنة= [[1424هـ]] - [[2003]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]|مسار=http://ia802605.us.archive.org/28/items/waq77671/02_77672.pdf}}</ref>
[[ملف:View of Nur Mountains.jpg|تصغير|يمين|جانب من جبال الآمانوس التي كان على نقفور فوقاس الاستيلاء عليها كي يعبر إلى حلب ويُجابه سيف الدولة على أرضه.]]
 
وظلَّ نقفور واحدًا وعشرين يومًا في المنطقة وحول المدينة، استولى خلالها على أربعةٍ وخمسين حصنًا عنوةً وصُلحًا، وارتكب جُنُودهُ كثيرًا من الأعمال الوحشيَّة والبشعة، وأظهر من الشدَّة والصرامة والقسوة ما اعتقد أنها تُلقي الرُعب في نُفُوس السُكَّان من المُسلمين بِهذه الجهات وعلى الأطراف، فيجلون عنها، فتعرَّض السُكَّانُ لِلقتل والتشريد والعذاب ما أدَّى إلى هلاك عددٍ كبيرٍ منهم، ومن نجا من القتل من الأطفال جرى عليهم [[عبودية|الرِّق]]، ولم تنجُ الأشجار والنباتات من يد التخريب، فأمست المناطق المُجاورة لِعين زربة خرابًا يبابًا.<ref name="عين زربة" /> ولا يبدو أنَّ نقفور فوقاس استولى في هذه الحملة على طرسوس و[[المصيصة]]؛ إذ لم تتعرَّض هاتان المدينتان لِحصار البيزنطيين، والرَّاجح أنَّ ما حدث من انهزام ابن الزيَّات حاكم طرسوس ووفاته، قضى على كُل مُقاومة في هذه الناحية.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= العريني، السيِّد الباز|العنوان= الدولة البيزنطية 323-1081م|الطبعة= الأولى|الصفحة= 451|سنة= [[1982]]|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> والمعروف أنَّ ابن الزيَّات ثار على سيف الدولة إثر هزيمته على يد الروم، فقطع اسمه من الخِطبة في طرسوس وأعمال الثُغُور وأقامها لِلخليفة [[فضل المطيع لله|أبو القاسم الفضل المُطيع لِله]] وحده، ثُمَّ خرج بِنفسه على رأس أربعة آلاف مُقاتل لِمُحاربة البيزنطيين، فهزمه نقفور وقتل أكثر جُنده، كان من بينهم أخٌ له. ولمَّا عاد إلى طرسوس وجد أنَّ السُكَّان أعادوا الخِطبة لِسيف الدولة وراسلوه بِذلك، فصعد إلى روشن في داره [[انتحار|فألقى بِنفسه منهُ]] إلى نهرٍ تحته فغرق، وراسل أهلُ بغراس الدمستق، وبذلوا له مائة ألف درهم، فأقرَّهم وترك مُعارضتهم.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= الأزدي، علي بن ظافر بن الحُسين|المؤلف2= تحقيق: تميمة الروَّاف|العنوان= أخبار الدولة الحمدانيَّة بِالموصل وحلب وديار بكر والثُغور|الطبعة= الأولى|الصفحة= 36 - 37|سنة= [[1405هـ]] - [[1985]]م|الناشر= دار حسَّان|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> بعد هذا، لم يبقَ أمام نقفور سوى أن يُواجه عدوَّهُ سيف الدولة بِكُل قُوَّته، فيُخضع أقاليمه الخصبة، ويُهاجم عاصمته. وتحتَّم عليه من أجل ذلك أن يستولي على ممرَّات [[جبال الأمانوس|جبال الآمانوس]]، ممَّا يُؤمِّن لهُ السيطرة على قيليقية، ويُسهِّل لِلروم النفاذ إلى الشَّام والمسير إلى حلب. وتعود شُهرة هذه الجبال إلى أنَّ جميع الغُزاة والفاتحين اجتازوها، فمنها غزا المُسلمون قيليقية وما يليها من جهات الأناضول، ولا بُدَّ لِنقفور فوقاس أن يجتازها لِيُهاجم سيف الدولة في قلب دولته.<ref name="العريني1">{{مرجع كتاب|المؤلف1= العريني، السيِّد الباز|العنوان= الدولة البيزنطية 323-1081م|الطبعة= الأولى|الصفحة= 452|سنة= [[1982]]|الناشر= [[دار النهضة العربية (بيروت)|دار النهضة العربيَّة]]|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> غير أنَّ فصل الشتاء أقبل، وبدأت الثُلُوج تتساقط لِتسُد الممرَّات الجبليَّة، كما أنَّ موسم [[الصوم في المسيحية|الصوم]] أضحى على الأبواب، ويبدو أنَّ الدمستق فكَّر وقتذاك القيام بانقلابٍ وتسلُّم الحُكم بِفعل ما اشتهر به الإمبراطور [[رومانوس الثاني]] من الخفَّة والطيش، لِذلك كان عليه أن يكون قريبًا من العاصمة والاتصال ببعض العناصر المُؤيِّدة له.<ref name="العريني1" /> ومهما يكن من أمرٍ، فقد قرَّر نقفور فوقاس العودة إلى القُسطنطينيَّة على أن يستأنف حملاته العسكريَّة في الربيع القادم بعد [[عيد القيامة]]، وترك جيشه في قيصريَّة.<ref>{{مرجع كتاب|المؤلف1= [[ابن الأثير|ابن الأثير الجزري، عزُّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم الشيباني]]|المؤلف2= تحقيق: أبو الفداء عبدُ الله القاضي|العنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجُزء السَّابع|الإصدار= الأولى|الصفحة= 237|السنة= [[1407هـ]] - [[1987]]م|الناشر= دار الكُتب العلميَّة|المكان= [[بيروت]] - [[لبنان|لُبنان]]}}</ref> اتاح انسحاب نقفور فوقاس من قيليقية الفُرصة لِسيف الدولة لاستئناف نشاطه الجهادي، فأعاد بناء ما تهدَّم من عين زربة، وأنفق في ذلك ثلاثة ملايين درهم، على أنَّ هذه المدينة فقدت أهميَّتها، بِدليل أنَّ البيزنطيين لم يُقدموا على الاستيلاء عليها مرَّة أُخرى.<ref name="الأنطاكي" />
 
==عسكريًّا==