صالون أدبي: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ZkBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت التصانیف المعادلة (25) +ترتيب+تنظيف (۸.۶): + تصنيف:اجتماعات
JarBot (نقاش | مساهمات)
ط بوت: إزالة التشكيل
سطر 23:
ذكر [[أنطوان غالون]] ([[1646]]–[[1715]]) في [[ترجمة]] له علاقة المسلمين مع [[القهوة]] و[[الشاي]] و[[الشوكولاته]]. وروى غالون أنه أُخبر من قبل السيد [[دي لا كروكس]]، مترجم الملك [[لويس السادس عشر]]، أن [[القهوة]] جلبت إلى [[باريس]] عن طريق السيد [[تيفونث]] الذي انتقل إلى الشرق، وفي طريق عودته إلى المدينة عام [[1657]] أعطى تيفونث بعض الحبوب لأصدقائه وكان السيد دي لا كروكس واحداً منهم.
 
ولم تظهر "الصالونات الأدبية" بلفظتها هذه في فرنسا قبل حكم الملك الفرنسي [[لويس الرابع عشر]] ([[1638]]-[[1715]]). ولا يعني هذا عدم وجود مجموعات أدبية نذكر أنّها ظهرت قبيل هذا التاريخ مثل مجموعة الشاعر الفرنسي [[فرونسوا دو ماليرب]] ([[1555]]-[[1628]]). وكان يطلق على هذه الاجتماعات عدة تسميات مثل ruelle (ممر بين سرير وجدار)، reduit (زاوية)، cabinet (حجيرة)، و alcôve (مخدع للنوم)، وكانت جميعها تتكون من صالونات صغيرة يجتمع فيه المفكرون للتناقش وترعاها عادةً عددٌ من أميرات أوروبا الغربية مثل: [[مارغريتا دو ناڤرّاناڤرا]] ([[1492]]-[[1549]])، [[ماريا دو ميديسي]] ([[1575]]-[[1642]])، [[مارغريتا دو ڤالوا]] ([[1553]]-[[1615]]) من بين غيرهم.<ref name="ReferenceA"/>
 
أما المصادر تذكر بأنّ أول "صالونٍ أدبي" فرنسي بدأ نسائياً عام [[1608]]، وكان يُعقد في فندق [[مدام كاترين دو رومبوييه]] واستمر حتى وفاتها عام [[1659]]، ثم صالون السيدة [[مادلين دو سكوديري]] ([[1607]]-[[1701]]).
سطر 31:
== زيارة السفير العثماني ==
 
قرر الملك [[لويس الرابع عشر]] دفع العلاقات المتوترة مع [[الدولة العثمانية]] نحو الانفراج من خلال إقامة [[علاقات دبلوماسية]]، وعليه قرر [[السلطان العثماني]] [[محمد الرابع]] إرسال سفيره [[سليمان آغا]] في [[يوليو]] عام [[1669]]، لتكون الزيارة الأولى من نوعها التي يصل فيها [[مبعوثٌمبعوث]] دبلوماسي عثماني إلى [[أوروبا]].
 
في عام [[1669]] وصل [[سليمان آغا]] [[سفير]] السلطان [[محمد الرابع]] إلى باريس في رحلة بحرية حاملاً معه كمية كبيرة من حبوب [[القهوة]] لاستخدامه الشخصي، وكان مشروبا لم يعرفه الفرنسيون من قبل. أقام سليمان آغا في دارٍ فرنسيةٍ للضيافة، وقرّر أن يجهّزها بصالة استقبالٍ خيالية.
 
ولم يقم السفير وأتباعه فقط بتقديم القهوة كمشروب لضيوفهم الفرنسيين والأوروبيين بل قاموا بإهداء بعضاً منها للبلاط الملكي الفرنسي. تلاها أن اصدر السفير بين عامي [[1669]] [[و1670]] أمراً بجعل شرب القهوة تقليداً بين الفرنسيين. وتدافع الباريسيون، مسلوبي اللب والعقل بكل مظاهر الحياة الشرقية والعثمانية على باب السفير الذي اعتقدوه خطأ [[السلطان العثماني]]. ولم يبخل السفير على ضيوفه بحسن الضيافة التي شُبّهت فخامتُها بأجواء [[ألف ليلة وليلة]] بما امتلأت به من خدمٍ وحشمٍ قدّم معها السفير لضيوفه الفرنسيين القهوة بالسّكر في فناجين صينية من [[البورسلين]] الفاخر.<ref>Arvieux, Mémoires du chevalier http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/bpt6k104927d</ref> ويصف إسحاق ديسرائيلي في مؤلفه Curiosities of Literature أجواء مجلس القهوة العثماني الفاخر الذي كان يركع فيه العبيد السود أمام السفير العثماني، في أفخم أزياء شرقية، يقدمون أفضل [[قهوة]] [[مُخامخا]] منتقاة بعناية في فناجين نصف بيضوية مصنوعة من البورسلين، على صحون قهوة ذهبيةٍ وفضية، موضوعة على [[مطرزاتٍمطرزات]] حريرية مهدبة بالذهب، تسكب عبقةً ساخنةً لسيدات الطبقة المخملية وهن يرفرفرن بمراوحهن بتجهمٍ ويحنين وجوههن المزينة باللون الأحمر والبودرة فوق بخار المشروب.
 
ما أن وصلت أنباء هذا الاستقبال إلى الملك [[لويس الرابع عشر]]، المقيم في [[قصر فرساي]]، حتى دفعه الفضول إلى الموافقة على استقبال السفير العثماني في قصره. غير أنّ هذا الأخير ما لبث أن أظهر غروراً وتسفيهاً فاحشين للبلاط الفرنسي ولمستوى الضيافة الذي قوبل به في فرساي. وقام سليمان آغا بإهداء الملك لويس الرابع عشر جزءاً من القهوة، لكن القهوة واجهت قبولاً قليلاً في البلاط الملكي، ورغم ذلك أصبحت كل باريس خلال ستة أشهر، تتحدث عن فوائد القهوة التي جلبها سفير السلطان محمد الرابع إلى البلاط الملك لويس الرابع عشر.
سطر 47:
قام رجل [[أرميني]] الأصل يدعى [[باسكال]] ببيع القهوة للمرة الأولى للعامة في باريس عام [[1672]]. وتقول بعض المصادر أنه جاء [[فرنسا]] رفقة السفير العثماني سليمان آغا، وباشر عمله في تقديم القهوة في خيمةٍ منصوبة في [[شارع سان جيرمن]]، وهو ما يمثل [[النموذج الأول]] للمقاهي في باريس. قام بتزويد الخيمة بعددٍ من الصبية الأتراك لخدمة العامة، وكان الصبية يديرون القهوة في فناجين مقدمة على صوانٍ في المعرض المؤقت الذي تقيمه باريس في أشهر [[الربيع]] الأولى قريباً من [[الحي اللاتيني]]. جذبت رائحة القهوة العبقة المنبعثة من صواني الصبية، الذين كانوا يتنقلون بين مرتادي المعرض، المزيد من الزبائن الذين سرعان ما تعلموا أن يبحثوا في هذا المعرض عن "[[الصغير الأسود]]" وهو اسم ما زالت فرنسا تعرفه عن القهوة حتى يومنا هذا. بعد انتهاء الموسم، افتتح باسكال محل قهوة صغير في Quai de l’Ecole قريباً من Pont Neuf على [[نهر السين]]، غير أن أكثر مرتاديه كانوا من محبي [[النبيذ]] و[[البيرة]]، فلجأ باسكال إلى توزيع صبيته على شوارع باريس ينادون بتقديم خدمة القهوة على كل باب، حتى أصبح هذا المشروب مرحباً به في المنازل التي كان يصلها الصبية، غير أنّ باسكال قرر أن ينتقل إلى لندن حيث كانت المقاهي قد بدأت بالانتشار بشكلٍ واسعٍ بين عامة الشعب.
 
في عام [[1672]]، افتتح [[ماليبان]]، أحد التجار الأرمن، [[مقهىًمقهى]] في في [[شارع بوسي]]. وقدم إلى جانب القهوة [[الدخان]]، غير أنه رحل بعدها إلى [[هولندا]] مخلفاً وراءه خادمه وشريكه [[جريجوري]]، [[الفارسي]]، ليديرا المقهى. فقام هذا الأخير بنقل المقهى إلى [[شارع مزارين]]، ليكون قريباً من المسرح الفرنسي الشهير Comédie Française. ثم خلفه في إدارة المقهى فارسي آخر يدعى [[مكارا]]، الذي قرر العودة إلى [[أصبهان]]، تاركاً الإدارة بيد شخصٍ يدعى [[لو جانتوا]]، من [[لييج]].
 
باع رجلٌ آخر جاء من المشرق العربي يدعى يوسف القهوة بطريقة توزيعها على الناس في الشوارع كما فعل باسكال قبله، ثم تطورت تجارته وافتتح عدة مقاهٍ في باريس. ثم افتتح رجلٌ من [[حلب]] يدعى ستيفن مقهىً قريباً من Pont au Change على نهر السين، ثم انتقل إلى شارع [[سان أندريه]] بهدف التوسع.
هكذا بدأت فكرة المقاهي في باريس، ذات طابعٍ شرقيةً بكل ما في الكلمة من معنى، اعتمدت فكرة المقهى الفرنسي على الوصول لعامة الشعب والطبقة الفقيرة الكادحة والسكان أو الزوار الأجانب، لم تكن ترى أبداً [[النبلاء]] و[[البرجوازيين]] يرتادونها، ولكن التجار الفرنسيون استطاعوا اجتذاب هؤلاء إلى نوعٍ جديدٍ من المقاهي، بعد أن تأثروا ب[[المشارقة]]، فقاموا بتأسيسها على درجةٍ كبيرةٍ من الفخامة تتناسب وذوق الرجل الفرنسي النبيل والبرجوازي، فعرفت باريس مقاهٍ ب[[رأسمالٍرأسمال]] وإدارةٍ فرنسيتين، تتميز بالرحابة والاتساع، تلمس فيها طابع الأناقة، مزينة بالسجاد الفاخر والمرايا الكبيرة والصور المعلقة على الجدران، إلى جانب الشموع المضاءة فوق [[شمعدان|شمعداناتٍ]] وأثاث مجهز من الخشب الثمين حيث تقدم القهوة والشاي والشوكولاتة وحلوياتٌ أخرى، وما أن ظهر هذا النوع من المقاهي حتى تزاحمت عليه [[الطبقة المخملية]] والثرية، وأصبحت المقاهي تحظى باحترامٍ منقطع النظير في فرنسا.
 
== مقهى بروكوب ==
[[ملف:Le-Procope.jpg|thumb]]
وبقيت المقاهي إما فرنسية الطابع أو مشرقية الطابع حتى عام [[1689]] حين مزج أحد الإيطاليين الطابع الشرقي مع الفرنسي في مقهى حمل اسمه وهو [[مقهى بروكوب]]. جاء [[فرونسوا بروكوب]] من مدينة [[فلورنس]] الإيطالية، حيث كان يعمل فيها بائعاً ل[[عصير الليمون]]، وحصل على [[تصريحٍتصريح ملكي]] ببيع ال[[بهارات]] و[[المثلجات]] وعصير الليمون وغيرها من [[المرطبات]]، وسرعان ما أضاف القهوة إلى القائمة، ونجح هذا المقهى نجاحاً منقطع النظير حتى ما يزال يعرف لليوم. ومما ساهم في شهرة هذا المقهى افتتاحه قريباً من المسرح الفرنسي Comédie Française، في شارع عُرف لاحقاً باسم [[فوسيه سان جيرمان]]، ويعرف هذا الشارع الآن باسم L’Ancienne Comédie. استطاع بروكوب أن يحقق كل هذا النجاح رغم أن مقهاه بدأ بطابعٍ كئيب مزري كما وصفه أحد كتاب عصره الذي قارنه بمغارة لشدة الظلمة فيه حتى في ذروة ساعات النهار، أما في ساعات المساء فقد كانت إضاءته ضعيفة، وهو الطابع الذي كان يضفيه أولئك الشعراء الذين كانوا يرتادونه بوجوههم الشاحبة وملابسهم الباهتة كما أشباح الظلام.
 
ولأهمية المكان الذي اختاره بروكوب تردد عليه العديد من أشهر الممثلين والمؤلفين وكتاب [[الدراما]] والموسيقيين المعروفين في [[القرن الثامن عشر]]. أخذ المقهىً طابعاً أدبياً صرفاً، وحتى بعد إغلاقه بقرنين قُدّرت قيمة [[الطاولة]] و[[الكرسي]] التي كان يجلس عليها الأديب الفرنسي الشهير [[فولتير]] بمبلغٍ كبير.
سطر 70:
انتشرت هذه [[الظاهرة]] في كل [[أوروبا]]، كما أضافتها كثير من ال[[كباريهات]] والمطاعم على لوائحها في [[فرنسا]]، من بينها مطعم "[[البرج الفضي]]" الشهير الذي افتتح عام [[1582]]. ولتضمن المقاهي نجاحاً في انتشارها وجب اختيار أكثر الأماكن متعةً حيث يفضل الزوار والسياح الجلوس لتناول المشروبات المروحة عن النفس، فنشأت غالب المقاهي قريبة من الحدائق العامة حيث تنتشر المعارض الفنية، فتكاثرت المقاهي في منطقة "[[القصر الملكي]]"، وصف [[ديدرو]] عام [[1760]]، في مؤلفه Rameau’s Nephew، الحياة في "[[مقهي الريجنسي]]" في منطقة القصر الملكي الذي يقع حالياً في [[شارع سان أونوريه]]: "في جميع الأجواء، الباردة واللطيفة، من عادتي أن أتجول حول الساعة الخامسة مساءً في منطقة القصر الملكي (...). فإن كان الجو بارداً أو مبللاً أجلس تحت مظلة في مقهى الريجنسي، حيث أستمتع بالمراقبة بينما يلعب الآخرون لعبة الشطرنج، فليس هناك مكان في العالم يتقنون فيه لعب الشطرنج مثل باريس، ولا يتقنون اللعب في كل باريس مثلما يفعلون في هذا المقهى".
 
وترتبط بدايات مقهى الريجنسي ب[[أسطورة]] [[لوفيفر]]، وهو باريسي بدأ حياته بمنافسة بروكوب ببيع القهوة في الشوارع، بعدها قرر افتتاح مقهىً في منطقة القصر الملكي، بيع لاحقاً لشخصٍ يدعى لوكليرك عام [[1718]] الذي قرر أن يطلق عليه اسم "[[مقهى الريجنسي]]" على شرف حاكم [[أورليانز]]، وهو اسم ما زال معلقاً على لوحة على باب المقهى، وكان أبناء النبلاء يفضلون كثيراً التردد على هذا المقهى. ويرتبط المقهى أيضاً ب[[تاريخ الأدب الفرنسي]]، فقد كان يترد عليه أحد أشهر لاعبي المعروفين في [[القرن الثامن عشر]] [[فيليدور]]، المعروف بإتقانه للعب [[الشطرنج]] أكثر من شهرته ب[[الموسيقى]]. وفي إحدى المرات لعب فيه [[روبيسبير]]، إبان [[الثورة الفرنسية]]، [[الشطرنج]] مع فتاة كانت متنكرة بملابس الرجال مقابل حياة الرجل الذي كانت تحبه، وهناك لمع [[نابليون بونابرت]] في لعب الشطرنج أكثر من شهرته ك[[إمبراطور]] [[فرنسا]]، وتعالت في المقهى جدالات [[جامبيتا]]، كما لعب الشطرنج فيه كل من [[فولتير]] و[[ألفريد دو موسييه]] و[[فكتور هوجو]] و[[تيوفيل جوتيه]] و[[دوق ريشيليو]] و[[مارشال ساكس]] و[[بوفون]] و[[ريفارول وفونتينيل]] [[وفرانكلين]] و[[هنري مورجِرمورجر]]، وذكر [[ديدرو]] في مذكراته أنه كان يحصل على تسعة [[قروش]] ليذهب لتناول القهوة هناك حيث كان يعمل على كتابة [[الموسوعة الفرنسية]].
 
وكانت العربات التي تنقل سيدات [[الطبقة المخملية]] تقف أمام المقاهي حيث كان ال[[ساقي]] يقوم بمناولتهن فناجين القهوة بعد سكبها من أوانٍ فضية ليحتسينها داخل ال[[عربات]]. ويفسر لنا "[[بيير لا كروا]]"، <ref>جيرار جورج لومير، المقاهي الأدبية من القاهرة إلى باريس، ترجمة مي عبد الكريم محمود، دار الأهالي للطباعة والنشر، 114</ref> عام 1878، في دراسة حول [[القرن الثامن عشر]]، أسباب هروب النساء من المقاهي قائلاً: "كانت المقاهي ميداناً مغلقاً على الدوام، ومفتوحاً على الشجار وا[[لمناظرات]] الأدبية بين ال[[شعراء]] وال[[روائيين]] وال[[نقاد]]، كما أدت هذه النقاشات الصاخبة التي كانت في الغالب غير شريفةٍ إلى هروب النساء من المقاهي، مع أنّ فارس هذه النقاشات العام هو (الفارس [[دوماس]]) الذي أقرّ بأنّ حضور هاتيك النساء إلى هذا المكان العام لم يكن مخالفاً لآداب اللياقة، ولم تكن النساء الجميلات والروحانيات يخشين المجيء إلى المقهى جماعاتٍ جماعات، كن يثرثرن، مع أصدقائهن ولكنهن ما لبثن أن تركن المجال للمغرمين ب[[الآداب]].