العرائش: الفرق بين النسختين

[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 65:
{{قسم فارغ}}
==== الاستعمار الإسباني ====
في احتلال إسبانيا للعرائش من 20 نونبر 1610 إلى 1 نونبر1689 ، تسعة وسبعون سنة من العمل الجاد والدؤوب لتنصير معالم المدينة وفصلها عن ماضيها الإسلامي . ويعلم أغلب المهتمين بالتاريخ المغربي كيف سقطت المدينة في قبضة الإسبان بخيانة عظمى ، والضجة التي أحدثها هذا الصنيع في عموم الشعب المغربي كادت ان تفتت لحمته . وهدا العمل التنصيري ليس غريبا عن الإحتلال في الفترة التي حددناها سلفا لأنها تتزامن وحدث طرد المسلمين من الأندلس والهجمة الشرسة على الثغور المغربية التي كانت وراءها الكنيسة وبمباركة منها . مصير المغرب كان ينتظره مصير الأندلس لولا لطف الله ولولا الجهاد الذي نادى به العلماء وأطرته الزوايا . احتلال الشواطئ المغربية كان مقدمة لما بعده ، لتحقيق مطالب الرهبان والقساوسة المسيحيين في نشر دينهم بقوة السلاح في كل تراب المملكة خوفا من فتح مغربي جديد لشبه الجزيرة الإيبيرية .
{{قسم فارغ}}
 
كان احتلال العرائش ضمن الحملة هذه ، وله هدف خاص للإسبان وبشرعية عقد مكتوب مع سلطة مغربية لها شرعية الحكم ، وسابقة خطيرة هو بيع قطعة من تراب الوطن لا تخاذها قاعدة حربية في بلاد المغرب . وبالفعل قبل أن تطأه أقدامهم حتى ظهر المخطط . فمن بين الشروط التي ألزم بها الشيخ المامون لتسلم العرائش هو إخلاؤها من سكانها المسلمين والتي تعتبر مظهر من مظاهر التنصير ونمودج تطبيقه بالاندلس ليس ببعيد . يتحدث المؤرخون عن هذه النكبة يوم جاء قائدي المامون الى العرائش لتنفيذ ما وعد به سيدهم : القائد محمد الكرني وقائد العرائش منصور بن يحي ، يراودان أهلها بالخروج لكن العرائشيين يرفضون ، ثم ينكلان بهم ، ويقاتلانهم حتى ” قتل منهم عدة وخرج منها الباقون تخفق على رؤوسهم ألوية الذل والصغار وهم يبكون “(1) يحكي الوفراني .ولمزيد من التدقيق في وصف المأساة ، يصف المؤرخ المجهول المشهد بقوله : ” فبادر قواد الشيخ بخروج النساء والأولاد ورجعوا إلى شيء من المتاع وكانت الناس توادع أولادها واسلافها الميتين وتبكي على مقابرها والنصارى يبولون على المقابر والمسلمون والنصارى يعملون المفرحات …”(2)السيناريو نفسه طبق بالأندلس . هناك طرد جماعي للمسلمين من مدينتهم وإخراجهم بالقوة من بيوتاتهم قتل منهم من قاوم واجبر الأحياء منهم على المغادرة في صور من الإذلال والمهانة والخزي والعار في مدة لم تتعد 4 أيام . ثم يعودون ، بعد تمكن الإسبان من المدينة وتسليمها لهم ، لأخذ حاجياتهم وأمتعتهم وتوديع موتاهم وهم يبكون فيلقون الإذلال نفسه من طرف النصارى بابشع صوره ومظاهره وبالإعتداء على حرمة المسلمين بتدنيس مقابرهم بالتبول فوقها بنوع من الإستهزاء والسخرية والفرحة .
 
المظهر الثاني تجلى في تغيير اسماء معالم المدينة الإسلامية وسلخها من هويتها الأصلية منذ اليوم الثاني من احتلالهم لها حيث أصبح حصن النصر يحمل إسم احد القديسات المسماة نوسترا سنيورة دي أروبا والذي صادف يوم تسميته يوم حفل تقديمها أي يوم الأحد 21 نونبر وسان انطونيو يحمله حصن الفتح القديس من اوصى باحتلال المدينة حتى إسمها لم يسلم من هذا التنصير فاستبدل بدوره باسم سان أنطونيو دي لراشي . كما أن بعض الإماكن كالمنخفضات المحيطة بالمدينة عرفت أسماء نصرانية كمنخفض سان خوان ومنخفض سان فليبي . وفي تصميم هندسي للمدينة لسنة 1688 ، يوجد في كتاب “العرائش “لطوماس كارسيا فيغراس وكارلوس رودريكس سان سير ، لا يرى في مكان مسجد القصبة الأنوار حاليا إلا دير يسمى سان فرانسيسكو ومكان المسجد الأعظم حاليا إلا على منسك نويسترا سنيورا دي لا كبيسة . وما هما إلا المسجدين التي أشارت إليهما المصادر التاريخية بوجودهما بالعرائش قبل الإحتلال ، أحدهما بناه المرينيين في القرن 13 الميلادي . أما المرسى سميت بسان خيم وحي بالمدينة بدييغو دوفيرا وأسماء أخرى لأماكن أغلبها أسماء مسيحية لرجال دين . وهذا له أكثر من دلالة على العمل التنصيري . (3)
 
خطة طرد المسلمين من المدينة ساعد بشكل كبيرعلى هذا التنصير المحكم وبسبب ّذلك أيضا في اعتقادي ، لم تصلنا اليوم أسماء معالم أخرى للمدينة وجزء كبير من تاريخها قبل هذا ، رغم تجدرها في أعماق التاريخ .
 
المظهر الثالث حضور هذا المعطى أي البعد التنصيري للمدينة في شكل طقوس واحتفالات وردود فعل وكتابات لها طابع ديني من خلال الكلمات والعبارات المستعملة في التعبير عن المناسبة . وهذا ماتبين ما ان تحقق الإحتلال وسقطت المدينة ، يعبر كل طرف فيها ما يشعر به . في إسبانيا اقيم احتفال ديني بمناسبة هذا الحدث وطرد الموريسكيين من الأندلس وإقرانهما ، له اكثر من دلالة دينية ولأنهما يتشابهان في طريقة تحقيقهما والغرض منهما . وآخر في العرائش اعتبر أول قداس في المدينة ، أقيم في اليوم الموالي للإحتلال في حصن النصر ، في ابتهاج للنصر الذي تحقق . كما تحركت أقلام تكتب ما يخالج الصدر من الشعور والإحساس بالفرحة والنصر بتحقيق ما يصبو إليه العرش والنبلاء ،كالرسالة التي كتبت يوم النزول على أرض العرائش إلى العاهل الإسباني فليبي الثالث والقصيدة الشعرية المشهورة للشاعر الأسباني كونكورا تحت عنوان “العرائش ذلك الحصن الأفريقي ” . وقصائد أخرى لا سبيل إلى ذكرها لا تخلو كذلك من عبارات وألفاظ لها مقاصد وأهداف دينية(4)
 
أما في الطرف المغربي ، فيحس المغاربة بالأسى والحزن والغضب على ضياع جزء من أرض الإسلام وطرد المسلمين منها ، فالأمر بهذا وصل إلى رحاب القرويين فور وصول الخبر وقد اخذ بعدا دينيا حيث اهتز الجامع لهول الحدث “…وقام الشريف أحمد بن ادريس الحسني ودار على مجالس العلم ونادى بالجهاد والخروج لإغاثة المسلمين بالعرائش…” ووصول القضية إلى القرويين يعني أهميتها وخطورتها على البلاد والعباد ، وأن المغرب حان دوره والإسلام قد بدأ عده العكسي كما انتهى بالأندلس (5).
 
ولنأخذ مقطع من رسالة محمد بن احمد المكلاتي التي يمدح فيها المجاهد العياشي حين سحقت مقاومته إسبان العرائش الذين خرجوا في كمين نصب لهم خلال غزوة العرائش الثانية لنستشهد بما كان عليه المغاربة من التخوفات والتوجسات التي بدأت تظهر عن طرد المسلمين من الاندلس واحتلال العرائش والمعمورة”… واذكروا وذكروا المسلمين كيف كان استيلاؤهم على الجزيرة (ايبيريا) واستيصالهم إياها ـأعادها الله دار إسلام ـ لهذا العهد وكانت أضخم ملكا من هذه العدوة وأكثر عددا وعدة …فلم يزل العدو ينازلها من أطرافها ، ويطاولها من جهاتها … حتى انتظمت في سلكه . فباع رعاعهم الملوك ، وطافوا بهم في قطار الزيادة كما يطاف بالمملوك ، بذلة وامتهان وقهر وافتتان … فكم من طفل بكى فلم يرحم لبكائه ، وكم شيخ خضبوا شيبه بدمائه . وهاهو قد عبر البحر إلينا ، ومد الصليب بهذه السواحل ذراعيه علينا …الله الله في الاسلام ، أدركوه قبل أن يموت ، وخلصوه قبل أن يفوت…”(6)
 
كما ينتقد محمد ازيات الوضع المغربي ويهجو صاحب الفعل الشيخ المامون في قصيدة شعرية طويلة يرثي فيها العرائش ننقل منها بيتين :
 
لقد غيرت أيام زهو وسلوة وأصت لنا بكل شجو ونكبة
 
°°°
 
عن الغرب لا تسأل وسل عن حديثه حديث شنيع قد خفاه يجمله(7)
 
وينفجر غضبا ابو محلي في أقصى الجنوب المغربي على ما آلت إليه الأمورإذ يقول :
 
لئن صح ما قد قيل ما عيش عائش إذ أخذ الكفار ثغر العرائش(8)
 
أما إذا انتقلنا للأجواءالإحتفالية بنصر تحرير العرائش ، تؤكد هدا المنحى التنصيري وتجعل هزيمة الأسبان نهاية لما كانت عليه المدينة من تنصير وأسبنة لمعالمها ، حتى أن ذلك الواقع أصبح له تأثير على مغاربة هذا الجيل فلا يذكرونها إلا بعبارة مقرونة بعبارات لها مدلولات نصرانية من قبيل “نصارى العرائش ” و”قصر العرائش” . فنظمت في شأنها قصائد بهذه المناسبة التي لم يسبق لمناسبة مثلها ان حظيت بهذا الحجم من القصائد الاحتفالية مدحا لصاحبها السلطان المولى اسماعيل ، ووصفا للمعركة التي تم بهاالتحرير ، تتضمن ذلك البعد الديني عند المغاربة في تحرير المدينة ، ووصفه بالفتح له مايبرره من الناحية الشرعية في مقابل ماتعرضت له
 
 
.يقول الشعراء المحتفين فيما يتعلق بالموضوع
 
حميتم بيضة الإسلام لما بثغرالحق قد حرس الثغور(9)
 
عبد الواحد البوعناني
 
يا ربنا افتح علينا فتحا تجعله على الدوام وفوزا بالهدى العمم
 
يا ربنا امنح لنا فتح العرائش يا رب العباد ومسدى الخير والنعم
 
وافتح بلادا غدت بالشرك جاحدة لديننا وغدا التوحيد في انخرم
 
أمست من الذكر والقرآن خالية أما النواقيس والصلبان لا ترم
 
***
 
وأمسى الغزاة ببلدتهم فنعم العرائش للمؤمنين
 
أفال به الشرك واندرست كنائس كانت إلى المشركين
 
فنحمد ربي ونشكره فدين الإلاه علا كل دين(10)
 
محمد الرافعي الأندلسي التطواني
 
علا عرش دين الله كل العرائش وهد بنصر الله حصن العرائش
 
***
 
وأسلم للإسلام من بعد كفره لوقع سيوف لا برشوة رائش
 
عبد السلام القادري الحسني(11)
 
ونختم هذه النصوص التاريخية المعاصرة للحدث التي تعكس قيمته الدينية بمقدار ما تعرضت له العرائش من طمس هويتها الإسلامية واقتلاعها من جذورها الوطنية بمقطع من رسالة المولى إسماعيل إلى أهل تومبكتو الذين كانوا قد بايعوه عليهم ، يبشرهم بفتح العرائش وجعل الواقعة من انشغالات الأمة الإستراتيجية وجب الإخبار بها، وإبراز مدى أهمية الثغور الإسلامية في بقاء الدين ومعتنقيه ، موضحا لهم ما كانت عليه من تنصير وما أصبحت عليه اليوم من واقع إسلامي جديد يبتهج به كل مسلم حيث يقول:”… تعين علينا ان نيشركم بما من الله به على المسلمين من فتح مدينة العرائش وها هي اليوم من جملة مدن الإسلام يتلى فيها كلام الله وتقام بها حدود الله ومكن الله عباده المسلمين من جميع ما حتوت عليه … وكان فتحا على المسلمين مبينا… فإن هذا الفتح فرح به كل موحد وحزن له كل جاحد”(12)
 
من خلال هذا السرد لهذه المواد التاريخية التي تتناسب وبحثنا نستشف كيف أضفى المغاربة الطابع الديني على مرحلتي الحدث لما لامسوه من قصد مبيت وواقع تنصيري عاشته المدينة إبان الإحتلال .
 
البعد التنصيري للمدينة إذن كان حاضرا ضمن باقي الأبعاد الأخرى ولم يغب عن المحتلين الإسبان في هذا القرن الذي تميز بالتعصب الديني المسيحي ومأساة الأندلس والأندلسيين تبقى شاهدة على ما نقول ـ والله ولي التوفيق ـ
 
==== مرحلة ما بعد الاستقلال ====
{{قسم فارغ}}