روفائيل بطي: الفرق بين النسختين

[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 6:
[[تصنيف:صحفيون عراقيون]]
[[تصنيف:عرب مسيحيون]]
رفائيــــل بطـــــي
(1901- 1956م)
ولد رفائيل بطي في الموصل عام 1901، في أسرة متواضعة مسالمة، وكان والده يعمل في الحياكة يعاني قسوة الحياة، وقد وجد والده في وجه ولده رفائيل بوادر الخير ترتسم أمام ناظريه وكان يتمنى ان تجلب هذه البوادر إليه رزقاً موفوراً لكنه توفي ورفائيل في الخامسة عشرة من عمره وهو بعد في مراحله الدراسية الأولى. درس رفائيل في مدارس ابتدائية كنسية الطابع، وتخرج في مدرسة الآباء الدومنيكان العالية سنة 1914، وعين بعدها معلماً في مدرسة (مار توما) وهي مدرسة تابعة للسريان الارثوذكس، وكان في أوقات العطل المدرسية يدرس اللغة السريانية على قسس أفاضل آباء، وكان من طموح والده وعائلته ان يزج برفائيل في الدراسة الكنسية حتى يصل إلى اعلي مراتبها، لكن قدره كان يمشي في الضفة الأخرى من التاريخ..! وعندما كان في الثانوية تزعم رفاقه واصدر جريدة باسم (البراعة) تكتب باليد وتعلق على الجدران، وكان يومئذ في السادسة عشرة من عمره.. وبعد سنتين نجده يتسلق شهرة محلية في مدينة الموصل العريقة أدباً وتراثاً وينشر في صحفها مقالات لا تناسب عمره ويذيلها بأسماء مستعارة لكنها من أسمائه التي يعرفها الآباء المسيحيون او أصحاب تلك الصحف. وترك الموصل ليجدد دراسته في دار المعلمين الابتدائية ببغداد وتخرج فيها سنة 1921 وعين بعدها مدرساً في مدرسة اللاتين يدرس فيها الأدب العربي.. وفي هذه الأثناء تعرف علي الأب انستاس ماري الكرملي بعد نشره مقالة في جريدته (دار السلام) وكان الكرملي يدير أغني مجلس للأدب والتاريخ في بغداد كما يصدر أغنى مجلة (لغة العرب) للأبحاث اللغوية والتاريخية، وكان تعارفهما تعارفاً ندياً، كلُ يجادل الآخر بحسب معطياته، وظل رفائيل متردداً على الكرملي كل جمعة، في مجلسه او على مكتبته التي هي على عهده أضخم مكتبة خاصة في العراق أفاد منها رفائيل كثيرا ولاسيما في كتبها عن الرحالة والرحلات الأجنبية عن وادي الرافدين، وكان بين عدد وآخر يكتب في مجلة (لغة العرب) دون ان تخضع مقالاته لعين الرقيب الكرملي، لان رفائيل لا يخطى في لسان او سياسة. وكان الكرملي يوصيه بدراسة القانون لان القانون (يجنب الصحفي المزالق ويمهد له الطريق لكشف الحقيقة) فأخذ بهذه الوصية وانتمى إلى كلية الحقوق سنة 1924 وتخرج فيها سنة 1929، لكنه لم يحترف المحاماة إلا في حالتين، حينما يقدم رئيس تحرير إلى المحكمة ليفند التهمة على ضوء قانون المطبوعات العثمانية وكان ذلك في مرحلة الثلاثينات، وفي الحالة الثانية حينما شعر بفراغ بعد خروجه من وزارة الجمالي في مطلع الخمسينات.
أبو الصحافة العراقية كما وصفه جيله، وعميد الصحافة في وثائق النخب السياسية على عهد الملكية (1921 حتى وفاته) وكانت جريدته (البــــلاد) المدرسة الصحفية الكبيرة التي تخرجت فيها ثلاثة أجيال.. جيل أتقن وطنية القلم، وجيل رفع شعار الملك المؤسس فيصل الأول: (خذ وطالب) أما الجيل الثالث فقد علمه رفائيل: (أن يفتح عيناً ويغلق أخرى) وكان يعني بذلك ان يتحلى الصحفي بالمناورة.. مرة يبطش حيث يراد للبطش ان يقوم المعوج، ومرة يتعالى حين يمتدح رجلاً أو سلطة في موضع من مواضع الخير والجمال والوفرة.
وهو في مخاض تحرير (العراق) اصدر مجلة (الحرية) ورأس تحريرها وكانت فاتحة المجلات الأدبية الشهرية في العراق والتي صدر عددها الأول في آب 1924 ، وكانت ميداناً للأدب العراقي تبارى فيه النقد مع الشعر والقصة، ودامت المجلة علي مدى سنتين، اثبت رفائيل فيها قدرته علي صياغة الخطاب الأدبي والفكري، وأهم ما كان يميزها ان رفائيل نشر فيها مجموعة قصائد نثر عدها النقاد ريادية في هذا اللون الشعري الجديد، ثم انه جعل المجلة تتسع لنشر أهم الأسماء الأدبية العربية ومنهم: سلامة موسي وابراهيم عبد القادر المازني وعيسي اسكندر المعلوف ورشيد سليم الخوري وغيرهم، وكذلك ظهر علي صفحاتها رواد العراق: محمد رضا الشبيبي والزهاوي والرصافي وعلي الشرقي ومحمد حبيب العبيدي وغيرهم، وأصدرت المجلة كتبا ومؤلفات هي بعض نتاج ما نشر في المجلة، وهي بعد ذلك مجلة الاتجاه القومي الذي كان سائداً في تلك الأوقات.
ووضع كل ثقله الأدبي والفكري في جريدته (البـــلاد) التي أصدرها سنة 1929 واستمرت في الصدور قرابة الثلاثين عاماً، ولنهجها المعارض مرة والمشاكس لمدرسة نوري السعيد عطلت غير مرة من قبل مديرية الشرطة، وعندما تعطل الجريدة يصدر بديلاً لها، فأصدر (التقدم) ثم أبدل اسمها الي (الجهاد) وعطلت الجهاد فأصدر (الشعب) ثم عطلت واصدر بديلاً عنها (صوت العراق) وتكرر تعطيلها فأصدر (الأخبار) وبين تعطيل جريدة وجريدة تصدر البلاد، وعندما يعود بها يعود أكثر جدلا وعنادا لنقد الانتداب البريطاني، واستمرت على الصدور حتى بعد وفاته بسنوات، حتى عام 1963 وهو عام إلغاء الصحف العراقية. ويشير مؤرخو الأكاديمية بان (البلاد) أضحت في مقاييس زمانها مدرسة الصحافة العراقية لأنها أبدعت في نمط الكتابة الصحفية وأسهمت بنشر الأدب على صفحات متخصصة، وكان من كتب فيها يعد (نموذجاً) يقلده جيل اثر جيل، ومن كتابها البارزين: فهمي المدرس وابراهيم صالح شكر ويوسف رجيب ومصطفي علي ومحمد رضا الشبيبي ومعروف الرصافي، وكل اسم من هذا الرعيل يكفي لإغراء القارئ بمطالعة الجريدة، ونشر الكرملي في مجلة (لغة العرب) قائلا: يعرف كتاب العربية الكاتب المقدام رفائيل بطي فقد استحسن في بغداد جريدة سماها البلاد وقد لاقت إقبالا عظيما من العراقيين وغيرهم. حتى يمكن أن يقال عنها إنها توافق جميع الأحزاب والمذاهب والآراء والأديان من غير ان يعرف لها شيء خاص بها.
فقد كان رائداً في انجازه الصحفي ويدلنا على ذلك من خلال ما يمكن تلخيصه بالآتي:
• أسلوبه الخاص به، الذي هو مزيج الوحي الصحفي والوحي الأدبي، قال عنه أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب) سنة 1929: لرفائيل أسلوب في الإنشاء سهل منسجم جلي، لا تكلف فيه ولا إغراب وله في معالجة المواضيع ميزة مستحبة هي انه يقف عند حد بين الإسهاب والاقتضاب، فلا يطولها على نفسه فيمل ولا يقصرها على القارئ فيضل.
• كان مؤرخاً للصحافة العراقية بنزاهة وموضوعية من العهد العثماني وحتى أواخر العهد الملكي، وأصدر عدة كتب ودراسات في هذا المجال، وهو هنا لا يذكر اسم الصحيفة وصاحبها فقط كما فعل آخرون بل حلل وأبان عن فلسفة كل جريدة ودوافع إصدارها.
• وكان رائداً في زج الأدب في أبواب السياسة على خلاف صحف زمانه التي أهملت نشر الأدب إهمالا صادراً عن جهل في دور الأدب في تحريك عقل القارئ العراقي.
• هو في طليعة من فتح أبواب جرائده للكتابة عن المرأة ومظلوميتها في التاريخ العراقي.
• هو أول من أسهم بنشر تقارير مؤسس الحزب الشيوعي العراقي (يوسف سلمان يوسف فهد) وكان يرسلها إليه من الناصرية والبصرة وهي تتحدث عن مآسي العمال والفلاحين وعمال البواخر وكابسي التمور.
• هو أول من راسل أدباء العربية في أقطارهم لاستكتابهم إلى جرائده وكل منهم كان رائده في بلده، فأحدث بذلك سمعة طيبة لعراق يتحول.
• هو أول من ابتكر الطرق لتوزيع صحفه في بلدان العرب، بوسيلة البريد الدبلوماسي أو بوسيلة أجهزة الطيران العراقي.
• هو أول من فتح أبواب صحفه للترجمة عن الآداب الأجنبية.
• آمن إن النشر ينطلق من مبدأ حرية الرأي وليس من حرية التحزب، والجريدة هي ملك عام وحق الآخر فيها مصون لذلك رأينا كل المذاهب تصارعت علي صفحات جرائده وان اختلف هو مع اي منها.
إذا كان هناك من اختلاف بين عارفي الأستاذ بطي في مذهبه السياسي فليس هناك من اختلاف في قيمة هذا الرجل الأدبية ومقدار ما أسدى للعراق من خدمات يعرفها له قراء العربية عن طريق الصحافة فهو حارسها نحو ثلاثين عاما. وقد اصدر - برغم جهاده الأكبر في الصحافة- عددا من المؤلفات الأدبية منها: كتاب (سحر الشعر) طبع في القاهرة 1922، وكتاب (الأدب العصري في العراق العربي) وهو جزآن طبع في القاهرة 1923 وكتاب (أمين الريحاني في العراق) 1923 وكتاب (الربيعيات) وهو شعر منثور 1925 وكتاب (فيصل بن الحسين) وقد طبع غفلا من اسم مؤلفه 1945 وكتاب (الصحافة في العراق) طبع في القاهرة 1955، وكانت له كتب خطية معدة وجاهزة للنشر عديدة.
وعن المناصب الرسمية التي شغلها البطي، في أواسط العشرينات عين في الداخلية في مديرية المطبوعات ووصل فيها إلى درجة معاون مدير عام الداخلية ثم تمرد عليها واستقال 1929، وفي عام 1950 عين مديراً عاماً في وزارة الخارجية ونقل منها إلى وظيفة مستشار صحفي في القاهرة حتى سنة 1952.
واستوزر وزيراً في البلاط الملكي في العراق حينما عين وزير دولة (لشؤون الدعاية والصحافة) في وزارة فاضل الجمالي الأولى في 17 أيلول 1953 وهي الوزارة الحادية والخمسون من تاريخ الوزارة العراقية. وكرر تعيينه في وزارة الجمالي الثانية بتاريخ 1954/3/8 والتي استقالت في 1954/4/19.
انتخب نائباً في المجلس النيابي في الدورات الانتخابية التالية: الدورة الانتخابية الخامسة من كانون الأول 1934 إلى آذار 1935 ممثلا عن البصرة وظهر معه من الكتاب الثائرين: محمد رضا الشبيبي واحمد عزت الاعظمي. الدورة الانتخابية السادسة من 8 آب 1935 إلى تشرين الأول 1936 ممثلا عن الموصل وظهر معه كل من باقر الشبيبي ورزوق غنام وامين زكي. الدورة الانتخابية السابعة من شباط 1937 الي آب 1937 ممثلا عن الموصل، وظهر معه كل من: جعفر ابي التمن، ومصطفي علي وصادق كمونة. الدورة الانتخابية التاسعة من حزيران 1939 إلى تشرين الأول 1939 وظهر معه كل من : عبد اللطيف ثنيان وداود السعدي وعبد الغفور البدري. الدورة الانتخابية الثالثة عشرة ممثلا عن بغداد 1953. وملخص بطي في هذه الدورات الانتخابية - كما كشف عنه محاضر البرلمان العراقي- انه رفع شعاره المعروف في كل دورة انتخابية: (الكرامة والخبز والحرية) وكان يقول في كل جلسة ان العراق هو حاصل مجموع الكرامة والخبز والحرية فحذار من التلاعب بهذا الثالوث.. والعراقي مقدس.. العراقي مقدس.. وكان رائده في كل ذلك: الوطن حيث رآه انقي من كل الهويات والمسميات بل كان رائده: العقل الوطني، فحيث ساد، ساد كل شيء في الانتماء إلى وطن الآباء والأجداد.. وقد سجن حبا لمقولاته عن الوطن والوطنية، سجن في سنة 1930 شهرين بتهمة الطعن في الذات العليا، وسجن في سنة 1942 بتهمة التحريض علي احتلال الانكليز للعراق للمرة الثانية، وقدم للتحقيق الجنائي غير مرة بتهمة قذف أذناب الاحتلال، وعندما وضعوا شرطياً يراقب أنفاسه أمام بيته وجريدته هاجر مكرهاً إلى القاهرة 1946.
رفائيل بطي، مؤرخاً وأديباً وسياسيا ولد في مطلع القرن العشرين وتوفي عام 1956، أدى بقلمه خدمات جلى للثورة العراقية التي أرغمت الانكليز على الاعتراف بحق العراق في الحكم الذاتي ومهدت لانتخاب جلالة الملك فيصل الأول ملكاً للعراق عام 1921 وقد اختار جلالته البطي ليكون مرافقه الصحفي في تنقلاته ورحلاته، في الوقت الذي كان يعمل في صفوف المعارضة كأقوى صحفي ينطق بلسانها ويعبر عن مشاعرها في تلك الأيام كان جلالة الملك فيصل يحرك بيديه من وراء الستار المعارضة ضد حكومته القائمة ويدفع بالاثنين لصف واحد متماسك للوقوف بوجه الانكليز. يعتبر رفائيل بطي من رجال الطليعة في الصحافة العربية وركنا من أركان الأدب العربي الحديث وآثاره التي خلفها وأتحف المكتبة العربية بها تتحدث عن طول باعه في الأنساب والآثار والأدباء العرب، والفترة التي كتب بها البطي منذ بدايات عهده في الكتابة مرورا باعتقالاته المتكررة نتيجة كتاباته الوطنية هي فترة مليئة بالأحداث الجسام عندما كانت الأمة العربية تتصارع لنيل استقلالها، فكان الكُتاب ليس في كتاباتهم السياسية فقط يوثرون في المجتمع المحيط بهم بل حتى في كتاباتهم الأدبية التي تعكس واقعهم آنذاك، ولكي تدرك الأجيال حاضرها لابد من استذكار الماضي بكل ما فيه من أحداث جسام وبالأخص من أناس كانوا يعاصرون ذلك الماضي ويعيشونه عن كثب متأثرين ومؤثرين.
بقيت كتبه ومخطوطاته محفوظة في أضابير لسنين طوال كاد التراب يمحوها ولا يمحو ما تحويه . فيها الكثير من خفايا نصف قرن مضى، ومن هذه الكتب التي لم ترى النور بعد والتي قامت أسرته منذ سنوات بإعدادها وتنقيحها حسب توجيهات وملاحظات البطي على مخطوطاته وضمن المرحلة الأولى نشر كتاب (الملكة عالية والعائلة الهاشمية) إعداد سلوان بطي في عمان 1998 ونشرت مذكراته في كتاب (رفائيل بطي ـ ذاكرة عراقية) بجزئين لنجله د.فائق بطي في سوريا 2000، وضمن المرحلة الثانية من النشر اعتمدت الأسرة سلوان بطي ليتولى إعداد وتنقيح مجموعة من مؤلفات البطي للشروع في نشرها تباعاً والتي تتضمن كتاب (الشريف الحسين بن علي الهاشمي ـ ملك العرب وقائد النهضة العربية) وكتاب ( شهداء العرب ـ الشهداء الذين أعدمهم جمال باشا السفاح أبان الحرب العالمية الأولى) وكتاب (جذور وثمار آل سعود) وكتاب (شخوص عربية ) وكتاب ( الأدب العصري ـ قسم النثر) وكتاب (مراسلات رفائيل بطي ) وكتاب (القضية الفلسطينية وأسرارها الخفية). وغيرها من المخطوطات التي تصنف حاليا ليتم الإعلان عنها مستقبلا.
نحمد الله على أن أتيحت لنا الفرصة لأن نسير في مشوار قد يحتاج إلى جهد ووقت مضنيين ولكن النتيجة واحدة هي خدمة أجيال الأمة العربية بأسرها والوفاء لذكرى هؤلاء الرجال الذين كان لهم دورهم البارز فيما آلت إليه أمور امتنا اليوم، وعرفانا لذكرى رفائيل بطي رحمه الله وطيب ثراه إلى جانب طيب ثراه.
بسم الله الرحمن الرحيم
" وقل اعملــوا فسيــرى الله عملكـــم ورسولـــه والمؤمنــــون "
صدق الله العظيم
 
 
 
أبو فيصـــــل
دبي ـ 2008