مملكة بيت المقدس: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
استبدال الملف Near_East_1135_ar.png بالملف Map_Crusader_states_1135-ar.png
اصلاح وسائط قالب:مرجع كتاب
سطر 51:
== التاريخ ==
=== الحملة الصليبية الأولى وتأسيس المملكة ===
{{مقال تفصيليمفصلة|الحملة الصليبية الأولى}}
في عام 1095 انعقد مجمع كليرمونت بناءً على دعوة البابا [[أوربان الثاني]] وذلك بهدف مساعدة [[الإمبراطورية البيزنطية]] في صد هجمات [[الدولة السلجوقية|السلاجقة]]، الذين فتحوا قسطًا وافرًا من مدن الإمبراطورية في [[الأناضول]]، كذلك كان من بين الأهداف أسباب مختلفة دينية وسياسية واقتصاديّة أيضًا؛<ref>سيد أمير علي، مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي، ص279، منقولة عن "إدوارد غيبون"، [[القاهرة]] - [[مصر]]، [[1938|1938م]].</ref> وقد أجمع المؤتمرون على أهمية "تحرير الأراضي المقدسة". انطلاق [[الحملة الصليبية الأولى]] تمّ عام 1098 واستطاعت هزيمة السلاجقة والسيطرة على [[الرها]] ثم [[أنطاكية]] وتابعت طريقها محاذية الساحل الشامي نحو الجنوب حتى وصلت [[القدس]] من [[الرملة]] في 7 يونيو 1099 وضربت حصارًا حول المدينة من جميع نواحيها؛<ref name="حصار">[http://www.islamstory.com/سقوط-بيت-المقدس الصليبيون في بيت المقدس]، قصة الإسلام، 26 تموز 2011.</ref> ووصلت تعزيزات قادمة من [[جنوة]] للمحاصرين عبر [[يافا]] في 15 يونيو 1099؛ وبعد أكثر من شهر على الحصار تمكّن المحاصرون من [[حصار القدس (1099)|اقتحام المدينة]] في 15 يوليو 1099، قبيل وصول جيش [[الخلافة الفاطمية]] من [[مصر]] بهدف تخفيف الضغط عن المدينة؛ وقد جرت عمليات قتل جماعي وسلب ونهب ذهب ضحيته سبعون ألفًا من سكان المدينة كما نقل مؤرخو العصور السالفة،<ref name="حصار"/> وقال البعض عشرين ألفًا،<ref>الاستيطان الصليبي في القدس: مملكة بيت المقدس اللاتينية، يوشع براور، ترجمة عبد الحافظ البنا، دار عين للنشر والدراسات، الزقازيق 2001، ص.29</ref> ومن المؤرخين الذين ذكروا تلك الحوادث [[وليم الصوري]]، المؤرخ الصليبي، الذي قال أن مجزرة رهيبة وقعت لدى اقتحام الصليبيين للمدينة.<ref name="حصار"/>
 
سطر 78:
 
=== طور الاستقرار: الحملة الصليبية الثانية ===
{{مقال تفصيليمفصلة|الحملة الصليبية الثانية}}
[[ملف:Melisende and Fulk of Jerusalem.jpg|يمين|190بك|thumb|[[أسقف]] يبارك زواج [[فولك]] و[[ميليسندا]] ملك وملكة القدس ([[1131]] - [[1143]]).]]
كان [[فولك]] من مخضرمي الفرسان ذوي الخبرة، وصل إلى المملكة مع مجموعة الحجاج إلى [[القدس]] عام 1120، وينحدر في نسبه من الأسرة المالكة في [[إنكلترا]]؛ رتب له الزواج من الكونتيسة ماتليدا ليشارك في حكم القدس مستقبلاً، الأمر الذي أثار الاعتراض في [[أنطاكية]] و[[طرابلس]] و[[الرها]]، وهو ما أدى عام [[1132]] إلى ما يشبه الحرب الأهلية المصغرة انتهت بانتصار فولك في معركة طرابلس، ما ضمن تثبيت حكمه.<ref>Mayer, pp. 83–85</ref> في عام 1134 ثار هيو الثاني بارون يافا ضد حكم فولك متحالفًا مع عسقلان التي عادت إلى حكم الفاطميين ومكثت في يدهم حتى عام 1153، وقد جرت محاكمة لهيو الثاني بتهمة الخيانة، ومن ثم توسط بطريرك القدس لتسوية الصراع، لكن هيو اغتيل بعد فترة وجيزة وقيل أن أوساط القصر قامت بتنفيذ عملية الاغتيال؛ سمح الجدل الذي أثير حول اغتيال هيو الثاني، [[ميليسندا|للملكة ميليسندا]] وأنصارها داخل القصر وفي مجلس البارونات بلعب دور أوسع في إدارة المملكة وسياستها تمامًا كما كان والدها ينوي، على عكس ما كان الوضع في بداية عهدهما المشترك، حيث تفرّد فولك بالإدارة،<ref>Mayer, pp. 83–84.
سطر 105:
</ref> شهدت العلاقة بين نور الدين ومملكة بيت المقدس، تفاوتًا كبيرًا في ظل التنافس على تمدد الرقعة الجغرافية لكلاهما، إلى جانب الحروب، أبرمت عدة هدن غالبًا ما كانت قصيرة بين الطرفين، أولها كان عام 1155 ولمدة عام وفي العام التالي، تجددت الهدنة فتم إرسال قطيعة للصليبيين قدرها ثمانية آلاف من الدنانير الصورية، وانتهت المعاهدة بخرقها من قبل بالدوين الثالث عند مهاجمته مراعي بانياس، كذلك فقد عقدت معاهدة بين الطرفين لمدة عامين في 1160، وعلى أثر الزلازل التي اجتاحت بلاد الشام عام 1170 اتجه نور الدين إلى عقد هدنة مع [[عموري الأول|الملك آمالريك]] ويضاف إلى ذلك أنه تم عقد هدنة قصيرة مدتها ثلاثة أشهر عام 1173.<ref>الدولة الزنكية ونجاح المشروع الإسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والصليبي. د علي الصلابي. صفحة482.</ref>
 
توفي بالدوين الثالث عام 1162، وآل الحكم إلى [[عموري الأول|أمالريك الأول]] شقيقه الذي سار على سياسته في طلب التحالف مع [[القسطنطينية]]؛<ref>[http://historymedren.about.com/od/aentries/a/11_amalrickings.htm آمالريك]، تاريخ القرون الوسطى {{en}}، 12 آب 2011.</ref><ref name="الكامل 574">{{citeمرجع bookكتاب|lastالأخير= ابن الأثير|firstالأول= |authorlinkوصلة المؤلف= ابن الأثير|titleالعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 574 هـ|yearسنة= 2008|publisherالناشر= دار التوفيقية للطباعة|locationمكان= القاهرة|pagesالصفحات= ص 372}}</ref> وساهمت حالة الفوضى في مصر التي اندلعت عام 1163 ثم رفض [[القاهرة]] دفع الجزية السنوية المقررة إلى القدس، واستدعاء وزرائها لجند نور الدين للمساعدة في معاركهم الداخلية، في غزو أمالريك لمصر، غير أن الجيش حقق تقدمًا حتى [[بلبيس]] ثم توقف بعدها بسبب فيضان [[نهر النيل]]، ولم يستطع مواصلة التقدم.<ref name="مصر">Mayer, pg. 118–119</ref>
 
[[ملف:Capturing Damiate.jpg|يمين|400بك|thumb|أسطول بيزنطة وأسطول المملكة يحاصر [[دمياط]].]]
سطر 113:
تطورات الوضع في أنطاكية وبانياس الشام لم تثن عزم الزنكيين والصليبيين في صراعهم على مصر، فأرسل نور الدين جيشه مرة ثانية عام 1166 [[خلاف سني شيعي|لأسباب طائفية]]،<ref>،ستيفن رنيسمان(1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 429، 570.</ref> فتحالف شاور إثر ذاك مع مملكة بيت المقدس على الدولة الزنكية.
 
تحصن الجيش الزنكي في [[الإسكندرية]] وضرب المصريون والصليبيون الحصار حولها، واضطر [[أسد الدين شيركوه|أسد الدين]] مع استحالة الحسم للانسحاب من مصر، وكذلك فعل الجيش الصليبي مع بقاء حامية صليبية في [[القاهرة]].<ref name="مصر"/> في عام 1167 تزوج آمالريك من ماريا كومنا ابنة الإمبراطور مانويل، وأرسلت سفارة برئاسة [[وليم الصوري]] من [[صور]] إلى [[القسطنطينية]] للتفاوض حول حملة عسكرية مشتركة على مصر؛ في عام [[1168]] مع شيوع نبأ تحالف [[شاور]] مع الزنكيين مجددًا وخرقه المعاهدة مع مملكة بيت المقدس، وقبل التوصل لاتفاق مع البيزنطيين، دخل جيش المملكة إلى [[بلبيس]] وقام بنهبها، ثم اتجه بعدها نحو [[الفسطاط]] فأمر شاور بإحراقها كي لا يجد الصليبيون ما يسيطرون عليه.<ref>ستيفن رنيسمان(1997). تاريخ الحروب الصليبية ج2 صفحة 436، 570.</ref> حريق الفسطاط دفع الخليفة العاضد لطلب النجدة الزنكية فدخل جيش نور الدين بقيادة أسد الدين شيركوه مصر للمرة الثالثة. في هذه المرة قتل شاور بعد فترة وجيزة بناءً على طلب العاضد وأحيل أمر وزارة مصر إلى [[أسد الدين شيركوه|شيركوه]] إلا أنه توفي بعد فترة وجيزة أيضًا، فخلع العاضد مهام الوزارة على ابن أخي شيركوه يوسف والمعروف باسم [[صلاح الدين الأيوبي]].<ref>* {{citeمرجع bookكتاب|last1الأخير1= Lyons |first1الأول1= M. C. |last2الأخير2= Jackson |first2الأول2= D.E.P. |yearسنة= 1982 |titleالعنوان= Saladin: the Politics of the Holy War |publisherالناشر= Cambridge University Press |isbnالرقم المعياري= 978-0-521-31739-9 |urlمسار= http://books.google.com/books?id=hGR5M0druJIC |ref= CITEREFLyonsJackson1982}}
p>25</ref> مع تسارع أحداث مصر، أرسل الإمبراطور مانويل متحالفًا مع جيش مملكة بيت المقدس أسطولاً كبيرًا من حوالي 300 سفينة، وحوصرت [[دمياط]]، ويضع المؤرخون التنازع بين الصليبيين والبيزنطيين كعامل أساسي في إخفاق حملتهما، وانسحب الأسطول البيزنطي بعد ثلاث أشهر مع قرب نفاذ مؤنه.<ref>Mayer, pp. 119–120.
</ref>
سطر 162:
 
=== خسارة القدس والحملة الصليبية الثالثة ===
{{مقال تفصيليمفصلة|الحملة الصليبية الثالثة}}
[[ملف:Ajlun Castle Steps.jpg|تصغير|يمين|200بك|[[قلعة الربض]] في [[عجلون]]، [[الأردن]]. بناها المسلمون عام 1184 لصد هجمات [[صليبيون|الصليبيين]].]]
تحالف ريموند صاحب طرابلس مع صلاح الدين الأيوبي، وأراد من خلال تحالفه مساعدة السلطان في إسقاط غي،<ref name="الكامل 582">{{citeمرجع bookكتاب|lastالأخير= ابن الأثير|firstالأول= |authorlinkوصلة المؤلف= ابن الأثير|titleالعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 582 هـ|yearسنة= 2008|publisherالناشر= دار التوفيقية للطباعة|locationمكان= القاهرة|pagesالصفحات= ص 142-145}}</ref> ويشير المؤرخون إلى أن الوضع في مختلف أنحاء [[الخلافة العباسية|الدولة العباسية]] كان هادئًا، وبالتالي فإن السلطان لم يكن ينوي تجديد الهدنة المنعقدة ومملكة بيت المقدس عندما يحين أجلها عام 1187، وعمومًا فإن هذا الرأي يظل تخمينًا نظرًا لأن من أسقط الهدنة فعليًا هو رينو دو شاتيون صاحب الكرك والشوبك وجميع ما وراء الأردن، وأحد أهمّ داعمي غي في مجلس البارونات، حين هاجمت قواته قوافل مسلمة. ربما أراد رينو دي شاتيون أن يشن حربًا على طرابلس للقضاء على ريموند الثالث، ولكنّ ثقل هذا الأخير في مجلس البارونات وأهمية بقاء المجلس موحدًا ربما دفعه لتأخير خطته والاستعاضة عنها بمناوشة صلاح الدين.
 
هاجم السلطان الكرك مرة أخرى، وحاصرها في أبريل ومايو 1187؛ في غضون ذلك كان ملك القدس غي يحاول إبرام الصلح مع ريموند الثالث واستطاع إقناعه بوجوب التوحّد ضد صلاح الدين، على أن تكون [[طبريا]] موقع الاشتباك معه، عمومًا فإن الخلافات داخل المعسكر الفرنجي ظلّت موجودة إذ لم يتمكن الطرفان من وضع خطة موحدة للهجوم؛ كان ريموند الثالث يرى أنه من الواجب تجنب معركة ضارية ومباشرة مع الجيش الأيوبي في حين خالفه الملك ذلك، أخيرًا تم الاتفاق على أن تسير الجيوش مباشرة للقاء صلاح الدين في طبريا إثر محاصرة السلطان لها. في 4 يوليو 1187 التقى الطرفان في [[معركة حطين]] التي أفضت لانتصار ساحق لجيش صلاح الدين وهزيمة جيش مملكة القدس ووقوع ملكها [[غي دي لوزينيان|غي دو لوزنيان]] أسيرًا نُقل بعدها إلى [[دمشق]] ثم أطلق سراحه، وكان من نتائج المعركة أيضًا إعدام [[أرناط|رينو دي شاتيون]] الذي توعد صلاح الدين بقتله في حال الظفر به،<ref name="يا بيروت">[http://yabeyrouth.net/content/view/832/41/ يا بيروت: رجال خالدون، صلاح الدين الأيوبي]</ref> إضافة إلى مقتل عدد كبير من جنود المملكة وفرسانها ووقوع عدد آخر منهم في الأسر، أما [[ريموند الثالث]] فكان قد انسحب قبيل الهزيمة من [[معركة حطين]] عائدًا إلى معقله [[طرابلس]]، ولم يتدخل عسكريًا في الأحداث التالية.<ref name="الكامل 582"/>
سطر 171:
ارتأى صلاح الدين أهمية خاصّة لفتح مدن الساحل قبل التوجه نحو القدس، وخلال الأشهر القليلة التالية لمعركة حطين، تمكن صلاح الدين من فتح أغلب مدن وأمصار مملكة بيت المقدس باستثناء [[صور]] التي ظلّت عصيّة، ففتح السلطان [[عكا]] ذات الأهمية الخاصة لكونها الميناء الصليبي الأول مع [[أوروبا]] ثم [[نابلس]] و[[حيفا]] و[[الناصرة]] و[[قيسارية]] و[[صفورية]] بعد أن أخلاها معظم فرسانها ومقاتليها إما لوقوعهم في الأسر أو مقتلهم خلال معركة حطين وما تلاها أو لانسحابهم خوفًا من الجيش الأيوبي، كذلك فقد فتح الأيوبيون [[بيروت]] و[[جبيل]] و[[تبنين]]، وخلصوها من تبعية مملكة بيت المقدس.<ref name="يا بيروت"/><ref name="الكامل 583"/>
 
كان ذروة ما حصل عليه صلاح الدين فتح القدس عاصمة المملكة، وصلها وضرب الحصار حولها في 20 سبتمبر 1187 من جهة [[عين سلوان]] ليكون الماء قريبًا من جيشه. لم يكن في المدينة جيشًا كبيرًا لحمايتها وقدر عدد الجند النظاميين بحوالي 1400 جندي فقط، أما الباقون فكانوا من الفقراء والأهالي الذين لا خبرة لهم في القتال، وقد ترأس الدفاع عن المدينة [[باليان|باليان الأبليني]] وصاحب [[الرملة]] منذ أن غادرها الملك غي بحكم الأمر الواقع.<ref name="الكامل 583">{{citeمرجع bookكتاب|lastالأخير= ابن الأثير|firstالأول= |authorlinkوصلة المؤلف= ابن الأثير|titleالعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 583 هـ|yearسنة= 2008|publisherالناشر= دار التوفيقية للطباعة|locationمكان= القاهرة|pagesالصفحات= ص 146-169}}</ref><ref>[http://fmg.ac/Projects/MedLands/JERUSALEM%20NOBILITY.htm#BalianIbelinNablusdied1193B Foundation for Medieval Genealogy on Balian de Ibelin, Lord of Nablus]
</ref> كان خوف باليان الأكبر أن يقتل المسلمين جميع مسيحيي القدس عند دخولهم كما فعل الصليبيون عندما فتحوا المدينة عام 1099 فحث السكان أن يدافعوا عن حياتهم ومقدساتهم حتى الرمق الأخير، وعندما أرسل له صلاح الدين أن يسلم المدينة ويطلب الأمان لم يفعل، وأصرّ على القتال واستمر في الحرب لمدة 14 يومًا.<ref name="استرجاع القدس">المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، [[منير البعلبكي]]، [[بهيج عثمان]]، [[دار العلم للملايين]]، [[بيروت]]. [[أيوبيون|الأيوبيون]]، صفحة: 80</ref>
 
ولما رأى صلاح الدين أن الحرب ستكون شديدة ولم يقدر على احتلال مدينة القدس، وبعد أن هدد باليان بقتل الرهائن المسلمين، والذين يُقدّر عددهم بأربعة الآف مسلم، وتدمير الأماكن الإسلامية المقدسة، أي [[قبة الصخرة]] و[[المسجد القبلي]]، استشار [[صلاح الدين الأيوبي]] مجلسه وقبل شروط باليان بتسليم المدينة مقابل أمان نفوسها وممتلكاتهم، على أن يتم دفع فدية على كل من فيها مقدارها عشرة دنانير عن كل رجل وخمسة دنانير عن كل امرأة ودينارين عن كل صبي وكل صبية لم يبلغا سن الرشد، فمن أدى ما عليه في المهلة التي قدرها أربعين يومًا، صار حرًا.<ref name="الكامل 583"/> ثم سمح صلاح الدين بعد أن انقضت المهلة لمن لم يستطع الدفع منهم بالمغادرة دون فدية،<ref>Runciman (1990), p 465.</ref><ref>{{citeمرجع bookكتاب|urlمسار=http://books.google.com/books?id=7CP7fYghBFQC&pg=PA1101&dq=saladin+balian+jerusalem+siege+-wikipedia+-"Kingdom+of+Heaven"+destroy+temple+mount&sig=lu0RI7bOVMyPYmxqHXVUiaWTkkw|titleالعنوان=E. J. Brill's First Encyclopaedia of Islam, 1913–1936 | isbnالرقم المعياري=9789004097902 | yearسنة=1993 | publisherالناشر=Brill}}</ref> ولكن تم بيع معظم المقاتلة منهم عبيدًا.<ref name="Saladin">[http://www.britannica.com/EBchecked/topic/144695/Crusades/25607/The-Crusader-states-to-1187 The era of the Second and Third Crusades » The Crusader states to 1187], Encyclopædia Britannica</ref>
 
[[ملف:Conrad-Picot.jpg|يمين|190بك|thumb|[[كونراد من مونفيراتو|كونراد الأول]]، [[ملوك مملكة بيت المقدس|ملك القدس الثالث عشر]] <br/> (1190 - 1192).]]
كان دخول صلاح الدين للمدينة في 2 أكتوبر 1187، وشكّل ذلك صدمة لأوروبا حشدت على إثرها [[الحملة الصليبية الثالثة]] بناءً على طلب البابا [[غريغوري الثامن]] وتحت قيادة [[ريتشارد قلب الأسد]] ملك [[إنكلترا]] و[[فيليب أوغست|فيليب أغسطس]] ملك [[فرنسا]]، وقد تم تمويل الحملة من ضريبة خاصة عرفت باسم [[عشور صلاح الدين]].
 
في عام 1189 وصلت الحملة إلى المشرق، وحاصرت جيوشها [[عكا]]، واستمر الحصار حتى نجاح الحملة في دخول المدينة عام 1191.<ref name="الكامل 587">{{citeمرجع bookكتاب|lastالأخير= ابن الأثير|firstالأول= |authorlinkوصلة المؤلف= ابن الأثير|titleالعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 587 هـ|yearسنة= 2008|publisherالناشر= دار التوفيقية للطباعة|locationمكان= القاهرة|pagesالصفحات= ص 206-217}}</ref> كانت سبيلا ملكة القدس قد توفيت عام 1190 وبالتالي فقد غي أي حق في مطالبة قانونية بالعرش وفق قوانين المملكة؛ الحل المقترح كان تمرير التاج إلى إيزابيلا الأخت غير الشقيقة لسبيلا ولكن [[كونراد من مونفيراتو|كونراد المونفيرتي]] صاحب [[صور]] وكذلك آل إيبلين بينوا عدم شرعية زواج إيزابيلا من همفري (لكونه قد خانها عام 1186) وسوى ذلك فقد كانت دون السن القانونية. إثر إلغاء زواجهما لم يعد من حق إيزابيلا المطالبة بالعرش، وبالتالي آل الحكم إلى [[كونراد من مونفيراتو|كونراد المونفيرتي]] نفسه لكونه أقرب أنساب الملك [[بلدوين الخامس]] من ناحية الذكور، كما أنه قد أثبت نفسه كقائد عسكري، وبالتالي فقد غدا ملك القدس، أما غي فقد رفض التنازل عن التاج وظلّ يطالب بالحكم حتى وفاته عام 1194، علمًا أنه وبعد انتخاب كونراد الرسمي عام 1192 ملكًا لبيت المقدس، منح غي لقب ملك قبرص.
 
لعب [[ريتشارد قلب الأسد]] و[[فيليب أوغست|فيليب السابع]] عام 1191 دورًا هامًا في حسم قضية وراثة العرش، كان ريتشارد يدعم غي في طموحه لاستعادة المملكة، في حين أيد [[فيليب أوغست|فيليب السابع]] [[كونراد من مونفيراتو|كونراد]] وهو ابن عم والده الراحل [[لويس السابع]]. بعد إعادة السيطرة على [[عكا]] عام 1191 انسحب [[فيليب أوغست|فيليب السابع]] من الحملة بسبب مرضه، أما ريتشارد فقط استطاع الانتصار على صلاح الدين في [[معركة أرسوف]] عام 1191، ثم معركة [[يافا]] عام 1192 وبسط سيطرة مملكة بيت المقدس من جديد على معظم الساحل الفلسطيني، لكنه عجز عن استرداد [[القدس]] أو أغلب المدن والأراضي الداخلية للمملكة. في أبريل عام 1192 انتخب مجلس البارونات كونراد ملكًا على القدس بشكل شرعي، لكنه اغتيل من قبل [[حشاشين|الحشاشين]] بعد فترة وجيزة. كانت إيزابيلا حينها قد تزوجت من هنري الثاني ابن شقيق [[ريتشارد قلب الأسد|ريتشارد]]، فآل الحكم إليها.
 
نهاية [[الحملة الصليبية الثالثة]] كانت سلمية، بتوقيع اتفاق الرملة عام 1192 مع [[صلاح الدين الأيوبي]]، الذي سمح [[مسيحية غربية|للمسيحيين الغربيين]] بالحج إلى المدينة وخدمة المواقع المسيحية المقدسة فيها؛ وإثر ذاك انسحبت الحملة نحو [[أوروبا]]،<ref name="الكامل 588">{{citeمرجع bookكتاب|lastالأخير= ابن الأثير|firstالأول= |authorlinkوصلة المؤلف= ابن الأثير|titleالعنوان= [[الكامل في التاريخ]]، الجزء العاشر، أحداث 588 هـ|yearسنة= 2008|publisherالناشر= دار التوفيقية للطباعة|locationمكان= القاهرة|pagesالصفحات= ص 218-228}}</ref> أما بارونات المملكة فقد انصرفوا حول تقسيم جديد للإقطاعات والأراضي في [[عكا]] وغيرها من المدن الساحلية. بعد فترة وجيزة من انسحاب الحملة الصليبية الثالثة توفي صلاح الدين عام 1193،<ref name="إسلام ويب">[http://www.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?id=5347 إسلام ويب: الناصر صلاح الدين الأيوبي]</ref> وسقطت مملكته في [[حرب أهلية]] بين أبنائه.<ref>المصور في التاريخ، الجزء السادس. تأليف: شفيق جحا، [[منير البعلبكي]]، [[بهيج عثمان]]، [[دار العلم للملايين]]، [[بيروت]]. ضعف الدولة الأيوبية، صفحة: 95</ref>
 
=== مملكة عكا وخواتم الدولة ===
سطر 191:
في عام 1204 وصلت [[الحملة الصليبية الرابعة]] إلى الشرق، وكان من المقرر أن تقوم هذه الحملة باستعادة [[القدس]] عن طريق [[مصر]] غير أن قادتها غيروا من خططها، واحتلوا [[القسطنطينية]] عاصمة [[الإمبراطورية البيزنطية]] مؤسسين "الإمبراطورية اللاتينية في القسطنطينية". أثار تغيير خطط الحملة سُخط أوروبا وتم الحشد [[الحملة الصليبية الخامسة|للحملة الخامسة]] التي وصلت [[مصر]] عام 1217 وشاركت بها جيوش مملكة بيت المقدس تحت قيادة الملك جون الأول، غير أن الفشل التام كان من نصيب هذه الحملة.
 
في أعقاب [[الحملة الصليبية الخامسة]]، سافر الملك جون الأول ومعه زوجته إلى أوروبا طالبًا المساعدة، غير أنه لم يلق الدعم إلا في بلاط [[فريدريك الثاني]]، الذي عاد ونكث بوعده بقيادة حملة صليبية جديدة، وقد ساهمت عوامل مختلفة في [[ألمانيا]] من إعاقته في السعي بحملة جديدة، أبرزها خلافه مع [[البابا]] و[[حرمان كنسي|الحُرم]] الذي أنزل به عام 1226، علمًا أنه وفي أعقاب وفاة جون الأول تزوجت إيزابيلا من فريدريك نفسه. في عام 1226 توفيت الملكة إيزابيلا الثانية خلال الولادة أيضًا، وغدا كونراد الثاني ابنها الرضيع ملكًا تحت وصاية [[فريدريك الثاني]] والده، وهنري الأول وزوجته أليس ملك وملكة [[قبرص]]، وقد وُلد ملك مملكة بيت المقدس في أوروبا ولم يزر مملكته قط. بعد عامين، في 1228 وصل فريدريك إلى الشرق ضمن [[الحملة الصليبية السادسة]]، وغدا الحاكم الفعلي للمملكة بيت المقدس.<ref>Edbury, ''Kingdom of Cyprus and the Crusades'', pp. 55-56.</ref>
 
كان الجيش الذي يقوده فريدريك ضخمًا، ونال شهرة في [[بلاد الشام]]، والأبرز من أعماله أنه استطاع استعادة [[القدس]] و[[بيت لحم]] و[[الناصرة]] إضافة إلى عدد من القلاع المحيطة سلمًا دون قتال عام 1228، وذلك بموجب معاهدة معقودة مع السلطان الأيوبي في [[الكرك]] والذي كان يخوض غمار حرب أهلية مع شقيقه سلطان دمشق. حاول فريدريك في أعقاب نجاحه ضم المملكة إلى [[الإمبراطورية الرومانية المقدسة]]، ووقعت عدة معارك بين الأمراء سيّما بين جيشه وجيش صاحب بيروت، كذلك فقد حدثت عدة معارك مع مملكة [[قبرص]]. طويت صفحة الموضوع جزئيًا، بتنازل فريدريك عن طموحه وعودته إلى أوروبا عام 1229، لكنه عاد فأرسل جيشه عام 1231 محتلاً بيروت وصور؛ كرد على ذلك حشد بارونات المملكة جيوشهم في عكا وحازوا دعمًا من [[جنوة]]، واستطاعوا استعادة صور وبيروت عام 1232، غير أن جيش فريدريك استعاد صور عام 1233.<ref>Edbury, ''Kingdom of Cyprus and the Crusades'', pp. 57-64.</ref>
سطر 204:
== نظام الحكم ==
=== الملك والسلطة المركزية ===
تتالى على حكم مملكة بيت المقدس [[ملوك مملكة بيت المقدس|ثلاثة وعشرون ملكًا وملكة]] جميعهم ذوي قرابة [[جودفري|لجودفري]] الذي انتخب ملكًا في أعقاب نجاح [[الحملة الصليبية الأولى]] عام [[1099]]. كانت عملية تتويج الملك تتم في [[كنيسة القيامة]] باستثناء الملك [[بلدوين الأول]] الذي توج في [[كنيسة المهد]] في [[بيت لحم]]؛ وبعد فقدان [[القدس]] باتت مراسم التتويج تعقد في [[صور]] على ساحل المملكة الشمالي، والتي كان [[مطران|رئيس أساقفتها]] يحتل المنصب الديني الثاني بعد بطريرك القدس منذ تأسيس المملكة.
 
[[ملف:Corradino Statue.jpg|يسار|230بك|thumb|نصب للملك كونراد الثالث (1254 - 1268) والذي ولد وعاش ومات في [[أوروبا]]، ولم يزر مملكته في الشرق مطلقًا.]]
خلال حفل التتويج يلبس الملك التاج للمرة الأولى ويوسم جبينه [[سر الميرون|بالزيت المبارك]] حسب العادات المتوارثة من [[العهد القديم]] كما يمسك بصولجان الحكم وكرته، ويقوم بطريرك القدس بمراسم التتويج التي تشمل أيضًا قسم الملك بأن يحكم بالعدل وأن يحترم القوانين والأعراف السائدة في المملكة، وخلال عهد [[عموري الأول|أمالريك الأول]] تمّ إضافة احترام الكنيسة ورجال الدين وحقوق [[بطريرك]] القدس ورعاية الأيتام والأرامل إلى نص القسم؛<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.126</ref> يلي ذلك قسم الفرسان بحياة الملك وبذودهم عن عرشه والمملكة،<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.122</ref> وكذلك قسم البارونات والأمراء والإقطاعيين بالولاء للملك والامتثال لأوامره والدفاع عن المملكة، مقابل نوالهم صكّا من الملك الجديد يثبتهم به في الإقطاعية الخاصة بهم، وقد أعاد أمالريك الأول عام [[1170]] تنظيم مراسم حفل التتويج ومراسم قسم الإقطاعيين، علمًا أنه كان أول من ألزم صغار الإقطاع بالقسم بينما كان الأمر قبلاً مقتصرًا على البارونات وكبار الإقطاع فقط.<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.130</ref> وفي كثير من الأحيان لم يكن للملك وريث مباشر ما يضطر مجلس البارونات لانتخاب الملك الجديد من الأسرة الحاكمة، وفي كثير من الأحيان الأخرى يكون الوريث قاصرًا يحتاج إلى وصي ومجلس وصاية، فيضطلع مجلس البارونات بهذه المهمة، التي كانت تجلب الخلافات والانشقاقات الداخلية، والتي أوجبت في بعض الأحيان انتخاب محكمة عليا ملزمة للنظر في قضايا وراثة العرش والتتويج. وعمومًا فإن [[جودفري]] وشقيقه [[بلدوين الأول]] ثم [[بلدوين الثاني]] انتخبوا انتخابًا، ولم يترسخ نظام الوراثة في المملكة حتى عام [[1131]] مع الملكة [[ميليسندا]].<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.123</ref>
 
لم يكن الحكم يندرج في إطار [[ملكية مطلقة|الملكية المطلقة]] أو الاستبدادية أبدًا،<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.129</ref> بل كانت سلطة الملك المركزية محدودة بمجلس البارونات الذي يشكّل الهيئة التشريعية للملكة من ناحية، وبالإدارة اللامركزية الواسعة الصلاحيات الممنوحة للبارونات وللإقطاعيين الأقل وزنًا في المملكة، حتى في حال نشوب خلاف بين الملك وأحد الإقطاعيين فإن مجلس البارونات كان الجهة المخولة الفصل فيه في أغلب الحالات. علمًا أنّ الملك كان يخضع لحكمه المباشر [[القدس]] و[[بيت لحم]] و[[يافا]] و[[عسقلان]] والأراضي الواقعة بينهما والتي غالبًا ما منحت لأفراد العائلة المالكة المقربين منه، إلى جانب القلاع والحصون المختلفة التي كانت تعود ملكيتها الخاصة للقصر الملكي مباشرة.<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.132</ref> وحتى عهد [[بلدوين الثالث]] كانت الأراضي التابعة للملك مباشرة أكبر من الإقطاعيات الممنوحة للأمراء من حيث المساحة، وحتى تلك الفترة أيضًا كانت الإقطاعية تعود بوفاة أميرها إلى الملك الذي يعيد منحها لمن يجده مناسبًا، ولم تكن وراثة الإقطاعيات [[أوروبا|كأوروبا]] قائمة، ثم أخذ الوضع بالتبدل تدريجيًا ولكن بموافقة ملوك القدس، فمنحت [[الكرك]] و[[الشوبك]] كإقطاعية وراثية عام [[1140]]، وقد تبعتها سائر الإقطاعيات بالتحول نحو نظام الوراثة.<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.133</ref>
 
هناك قانون يرجع لعهد الملك [[بلدوين الثالث]] ينصّ على أنه من حق الملك تجريد أي إقطاعي من أملاكه في حال تمرد على الملك أو حفّز الفلاحين وسائر المواطنين على الثورة ضده، شرط أن تنظر القضية محكمة خاصة يعينها مجلس البارونات؛ وكذلك فإن تسليم الحصون والقلاع للمسلمين أو فتح طريق تجاري والمدن الواقعة تحت سلطتهم أو سك وتزييف نقود صليبية دون إذن الملك تعتبر من الأعمال التي يحق للملك تجريد الإقطاعي من أملاكه بسببها، إذ إن القضايا المشار إليها كانت تندرج في إطار الاحتكارات الملكية الخاصة، كذلك فإن الملك هو القائد الأعلى لجيوش المملكة،<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.133-134</ref> والمخول الوحيد فرض الضرائب غير الإقطاعية التي كانت تؤمن نفقات الجيوش والإدارة المركزية. يذكر أنه ومع خواتم عهد المملكة، منح الملك جزءًا من حقوقه للإقطاعيين، كسك النقود ومنح الامتيازات التجارية.
 
كان للملك أيضًا صلاحية خاصة على المؤسسة الدينية باختيار [[أسقف|الأساقفة]] من بين ثلاثة مرشحين للمنصب منتخبين من قبل قدامى الأساقفة، وعمومًا فإن القصر الملكي كان دومًا يضغط في انتخابات الأساقفة وكذلك في انتخابات بطريرك القدس لانتخاب شخصيات مقربة من الملك، ما أدى أيضًا إلى نشوء خلافات داخلية، رُفعت أكثر من مرة إلى [[روما]] التي كان من صلاحياتها الفصل في شرعية عمليات الانتخاب.<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.135</ref>
 
يمكن القول أن سلطة الملك المركزية أخذت بالضعف في أعقاب الحرب الأهلية بين الملكة [[ميليسندا]] وابنها [[بلدوين الثالث]] حين احتاج كلا الطرفين لبارونات المملكة ونبلائها للحسم أو التوصل إلى تسوية، وزاد هذا الضعف في سلطات الملك المركزية خلال حكم [[بلدوين الرابع]] الذي كان مصابًا بالبرص، ثم النزاع الذي أعقب وفاته عام [[1185]] حول الوصاية على العرش، وقد تحوّل هذا الخلاف إلى أزمة سياسية بين حزبين من البارونات أولهما يدعم آغنس دي كورتنيه وابنتها [[سيبيلا ملكة أورشليم|سيبيلا]]، والثاني يدعم [[ريموند الثالث]] أمير [[طرابلس]] ومعه أمير [[الجليل]] وآل إيبيلن أصحاب [[الرملة]] و[[نابلس]]، ولم يفلح الملك الطفل [[بلدوين الخامس]] في كبح طموح النبلاء أو استعادة هيبة ومكانة التاج الملكي التي فقدت كما يقول جيشوا براور؛<ref name="أول">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.35</ref> ولعلّ أحد أبرز الأدلة على ذلك قيام [[أرناط|رينو دي شاتيون]] ومنذ أيام الملك [[بلدوين الرابع]] بخرق الهدنة المعقودة بين الملك و[[صلاح الدين الأيوبي]] باعتداءه المستمر على القوافل التجارية العربية بين [[مصر]] و[[بلاد الشام]]، ثم سماح [[ريموند الثالث]] لفرق من جيش صلاح الدين بالإغارة عبر أراضيه في [[الجليل]] على أملاك خصومه من البارونات.<ref name="أول"/> كما كانت [[معركة حطين]] وما سبقها من صراع حول خطة المعركة بين النبلاء، دليلاً آخر على ضعف قوة الملك حينها،<ref name="أول"/> استمر الوضع على ما هو عليه، من ضعف لسلطات الملك، خلال عهد المملكة الثاني في [[عكا]]، وتتالى على العرش ملكان هما كونراد الثاني وكونراد الثالث ولدا في [[الإمبراطورية الرومانية المقدسة]] وقضيا حياتهما فيها ولم يزورا أملاكهما مطلقًا، كذلك الحال بالنسبة [[فريدريك الثاني|لفريدريك الثاني]] الذي لم يحترم ملك القدس خلال [[الحملة الصليبية السادسة]] وما رافقها، ومجمل القول أن سلطات الملك كانت قوية ومركزية خلال الطور الأول من عمر المملكة، ثم ضعفت وتآكلت منذ أواخر [[القرن الثاني عشر]] وطيلة [[القرن الثالث عشر]]، لتحلّ محلها سلطة النبلاء والمؤسسات العسكرية [[داوية|كالداويّة]] و[[فرسان القديس يوحنا|الإسبتارية]] و[[فرسان الهيكل]] وبعض المؤسسات التجارية كتجار [[البندقية]].<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.136</ref>
سطر 220:
 
=== الإقطاعيات والسلطة اللامركزية ===
{{رئيسيمفصلة|الإقطاعيات في مملكة بيت المقدس}}
النظام الحاكم الذي كان سائدًا في مملكة بيت المقدس هو النظام الإقطاعي موزع ضمن [[فيدرالية|فيدراليات]]،<ref name="خامس">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.140</ref> بحيث تشكل كل إقطاعية ولاية أو منطقة إدارية خاصة، لصاحبها ومعه صغار الإقطاع مطلق الحق في إدارة شؤونها الداخلية وفق رؤيتهم ومصالحهم، مع وجود محكمة ملكية خاصة في [[القدس]] تستطيع نصح الأمير ومجلسه بالطريقة الأمثل لإدارة أملاكه دون أن يكون لقراراتها حيّز الإلزام. على الرغم من أن أوروبا التي استمدت منها المملكة نظام حكمها، كانت تتحول خلال [[القرن الثاني عشر]] ثم [[القرن الثالث عشر|الثالث عشر]] نحو سلطات مركزية ومحولة الألقاب الإقطاعية إلى ألقاب شرفية، إلا أن الوضع في مملكة بيت المقدس ظل على ما هو عليه من سيطرة للإقطاعيين في مناطقهم، وربما يعود السبب في ذلك إلى ضعف السلطة المركزية للملك.<ref name="خامس"/>
 
سطر 236:
=== الحياة العسكرية ===
==== الجيش ====
{{مقال تفصيليمفصلة|فرسان الهيكل|فرسان القديس يوحنا}}
[[ملف:Hospitalers.svg|يسار|200بك|thumb|شعار [[فرسان القديس يوحنا]] المعرفين لدى مؤرخي العرب القدماء "[[فرسان القديس يوحنا|بالإسبتارية]]" أو "فرسان المشفى".]]
كان لكل إقطاعية كبيرة كانت أم صغيرة جيشها الخاص الصغير العدد؛ واجتماع جند الإقطاعيات سوية يعطي الجيش الصليبي تحت قيادة ملك القدس الذي يعطي الأمر بالنفير العام وبإعلان الحرب والسلم بعد استشارة مجلس البارونات.
 
أما عن تسليح الجيش وبنيته فقد كان مشابهًا لأغلب الجيوش الأوروبية خلال تلك المرحلة، هناك طبقتان من المحاربين، الفرسان وهم في الأغلب من الإقطاعيين وقد قال جون الأبليني أن عددهم 675 فارسًا فقط حوالي [[1170]]، ورغم أن هذا العدد يبدو قليلاً إلا أن أغلب المعارك في [[الشرق الأوسط]] و[[أوروبا]] على حد سواء كانت تدور بمثل هذه العدد من الفرسان،<ref name="جيش">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.389</ref> والمحاربون العاديون وهم من غير ذوي الخبرة، غالبًا ما يكونوا من الفلاحين والعمال والأقنان العاملين في المدن وفي الإقطاعيات وعمومًا فقد كانوا يدربون على حمل السلاح قبيل المعارك أو عند التهيئة للحرب، بموجب لوائح خاصة يصدرها إقطاعي المنطقة التي يسكنها المحارب بما يشبه [[خدمة عسكرية|الخدمة العسكرية]] في الوقت الراهن.<ref name="جيش"/> وبعض المحاربين كان يدعى "حملة الدروع" وتقتصر مهمتهم على مرافقة الفارس وتقديم مختلف الخدمات له والسهر على راحته التامة،<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.390</ref> ويمكن تقسيم الجيش أيضًا إلى كتائب مرتجلة وكتائب راجلة (أو مشاة) وقد قال جون الأبليني أن عدد غير المشاة في جيش المملكة هو 5025 راكبًا، أما المشاة فقد تجاوز عددهم 10,000 راجل.<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.391</ref> ضمن الخطط التي يذكرها جون الأبيليني في [[القرن الثاني عشر]] فإن المملكة كانت تسعى دومًا لتوسيع حجم الجيش، غير أن ما أعاق فعليًا ما رام إليه [[ملوك مملكة بيت المقدس|ملوك القدس]] هو تضاؤل عدد الوافدين من [[أوروبا]] إلى المملكة منذ النصف الثاني [[القرن الثاني عشر|للقرن الثاني عشر]].
 
إلى جانب جيوش الإقطاعية تألف الجيش الصليبي من فرسان المؤسسات العسكرية التي نشأت خلال فترة [[حملات صليبية|الحملات الصليبية]] ما شكل تجديدًا مؤسساتيًا في بنية الجيش الصليبي وجيوش دول [[أوروبا الغربية]] بشكل عام. هذه المؤسسات العسكرية كانت ذات طابع ديني، ولعل أقواها وأشهرها هما [[فرسان الهيكل]] و[[فرسان القديس يوحنا]] الذين سماهم مؤرخو العرب الإسبتارية والدواية،<ref name="عسكر">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.305</ref> مع وجود عدد من الهيئات الأخرى قليلة الأهمية والتأثير كفرسان السيف وفرسان القديس لورانس وغيرها.<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.335</ref>
 
أقدم هذه الهيئات العسكرية هم [[فرسان الهيكل]] الذين تجمعوا بعد قيام المملكة بفترة وجيزة بطلب من الملك [[جودفري]] تحت اسم "الجنود الفقراء [[مسيح|للمسيح]] و[[هيكل سليمان]]، وكانت أحيائهم تشمل [[المسجد الأقصى]] حاليًا والمناطق المحيطة به؛<ref name="عسكر ثاني"/> السبب الرئيس لإنشائهم كان حماية قوافل الحجاج إلى [[القدس]]،<ref>Martin, Sean (2005). The Knights Templar: The History & Myths of the Legendary Military Order. New York: Thunder's Mouth Press. ISBN 1-56025-645-1.p.47</ref> ثم تأسست جماعة [[فرسان القديس يوحنا]] الذين نذروا النذور الرهبانية وهي الفقر والطاعة والعفّة إلى جانب كونهم مقاتلين، وهدف إنشائهم الرئيسي كان أيضًا حماية قوافل الحجاج وتقديم المساعدات الغذائية والعلاجية لهم، ومن هنا جاءت تسميتهم بفرسان المستشفى أيضًا، وعلى نمطهم سار الدواية الذين تأسسوا على يد هوف البينزي عام [[1118]]، بوصفهم "رهبانًا محاربين" كما جاء في قوانينهم الخاصة التي أعيدت صياغتها عام [[1228]]، وكان من واجبهم حماية قوافل الحجاج التي تقصد [[نهر الأردن]] حيث [[عيد الغطاس|عُمِد يسوع]] وفق [[العهد الجديد]]. ومع توطيد أركان المملكة، وحفظ الأمن بها غداة تطور نظام الشرطة الداخلية التابع للإقطاعية، لم يعد لهذه المؤسسات دورًا فعليًا لتقوم به، لكن نموهم استمرّ باطراد وغدت حماية المملكة برمتها وحماية تاجها مسندة إليهم، ما سبب على أرض الواقع تنامي أدوارها السياسية ما شكل تهديدًا لسلطة الملك ولسلطة الإقطاعيين في الوقت ذاته؛<ref name="عسكر ثاني">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.316</ref> كذلك فقد تنامت أدوارها الاقتصادية مع إتباع إقطاعيات لها وقيامها ببناء عدد من الحصون حتى بلغ عدد الحصون التي يشرف عليها الاستبارية عام [[1244]] 56 حصنًا،<ref>وغالبًا ما كان الملوك أو الأمراء الصليبيون يطلبون مساعدة هذه المؤسسات، فقد أقطع صاحب أنطاكية للإسبتارية عام [[1140]] منطقة [[أفاميا]] برمتها، لوكونها واقعة على حدود إمارته، فقام الإسبتارية بالدفاع عنها والذود عن حدودها. الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.321</ref> فضلاً عن إداراتها عددًا من مصانع الأسلحة وامتلاكها بموجب امتيازات ممنوحة لها من ملك القدس قضاءً مستقلاً خاصة بها، إلى جانب تنامي ثروتها بنتيجة الهبات القادمة من [[أوروبا]] ففي عام [[1113]] منح الإسبتارية أملاكًا واسعة في منطقة سان جيل جنوب [[فرنسا]] حاليًا وفي عام [[1134]] أوصى [[ألفونسو الأول]] ملك آراجون أن يتقاسم الإسبتارية والداوية وفرسان الهيكل مملكته ما أدى إلى تكديس الثروات والأموال لدى هذه المؤسسات التي عملت على تشغيلها بمنحها قروضًا بفوائد؛<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.319</ref> وعمومًا فإن ذلك أدى إلى تأسيس فروع لهذه المؤسسات في [[أوروبا|القارة الأم]] وهو ما ضمن لها استمراريتها بعد زوال الحكم الصليبي من المشرق، وما حوّلها أيضًا إلى مؤسسات لا تخضع لسلطة الدولة وذات امتيازات واسعة فيها، لكنها ساهمت في تعضيد قوة الدولة؛<ref name="عسكر ثاني"/><ref>Martin, Sean (2005). The Knights Templar: The History & Myths of the Legendary Military Order. New York: Thunder's Mouth Press. ISBN 1-56025-645-1.p.48</ref> وقد كتب عن هذه المؤسسات:<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.320</ref>
سطر 263:
 
=== الديانات الأخرى ===
كان من بين رعايا المملكة أعداد كبيرة من [[أرثوذكسية شرقية|الأرثوذكس الشرقيين]] الذين اختلف قادة الصليبيين في الطريقة المثلى للتعامل معهم، غير أن الرأي الذي خلص إليه ومن عشية [[الحملة الصليبية الأولى]] تمخض عن "قبول العيش بسلام مع جميع معتنقي الديانة المسيحية على وجه الخصوص" كما ذكر نارسيس بطريرك [[الأرمن الأرثوذكس]].<ref name="روم">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.261</ref> غير أن الأمور لم تجر بهذه السلاسة، فقد كانت [[القسطنطينية]] تطمح لإعادة السيطرة على [[أنطاكية]] بعد أن فقدتها في [[القرن السابع]] على يد العرب، وفشلت محاولاتها المتكررة في استعادتها، نظرًا لأهميتها الدينية ما أدى إلى رفض [[السريان الأرثوذكس]] على وجه الخصوص لهذه السيطرة لما فيها استعادة للاضطهادات التي وقعت في أعقاب [[مجمع خلقيدونية]]،<ref name="روم ثاني">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.262</ref> وكان [[الأرمن]] يرمون إلى تأسيس دولة مستقلة لهم في [[كيليكيا]] بعيدًا عن مضايقات الأتراك والعرب والفرنجة والبيزنطيين على حد سواء،<ref name="روم"/> و[[الموارنة]] انقسموا حول التحالف مع الصليبيين ووقعوا في حرب أهليّة بين موارنة الساحل ومعهم البطريرك المتحالف مع الصليبيين وموارنة الجبال الرافضين للتدخل الصليبي وتعبيرًا عن رفضهم اغتالوا أمير طرابلس،<ref name="روم ثاني"/> ولم يغر سيطرة مملكة مسيحية على [[القدس]] الطوائف المسيحية البعيدة في [[مصر]] و[[بلاد الشام]] على تنظيم قوافل حج نحو المدينة كما كان حاصلاً أيام الأمويين والعباسيين، وكما حصل في [[أوروبا]] خلال تلك الحقبة، على العكس من ذلك، فإن المملكة قد عزلت جميع الأساقفة والرهبان والكهنة الغير كاثوليك واستبدلتهم بلاتين، وسيطرت على عدد من الأديار الهامة التي كان يديرها أرثوذكس مثل دير مار إلياس في [[جبل الزيتون]] ودير [[مار جرجس]] في [[اللد]]، ما أدى فعليًا إلى "خسارة" الصليبيين التحالف مع المسيحيين الشرقيين، كما ذكر بطريرك السريان الأرثوذكس الذي عاصر تلك الفترة، ميخائيل الكبير.<ref name="روم ثاني"/> باستثناء بعض المراحل التي تحالفت بها القدس والقسطنطينية لدوافع سياسيّة كما حصل عند ترميم [[كنيسة المهد]] وفق فنون "بيزنطية - لاتينية" مشتركة.<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.271</ref>
 
غير أنه بشكل عام، كفل الصليبيون لهذه المجموعات حرية الحركة والعمل والتجارة والتقاضي في محاكم روحيّة خاصة بالطوائف، وقد تعمم الأمر ذاته على مسلمي المملكة ويهودها، غير أنه لم يوجد أحد من هذه المكونات سواءً أكان مسيحيًا شرقيًا أم مسلمًا أم يهوديًا، قد انخرط في سلك الوظائف العاليّة أو كسب عضوية في مجلس البارونات أو المحكمة العليا في المملكة، والتي اقتصرت على نبلاء الأوروبيين الوافدين،<ref name="روم ثاني"/> ومنذ عهد الملك [[عموري الأول|أمالريك الأول]] أخذ ملوك القدس يقلّدون ما كان يفعله الخلفاء سابقًا، من حيث تثبيت بطاركة الطوائف المختلفة بمراسيم تصدر عن الملك، وهو ما فسح في المجال أيضًا إلى تدخل البلاط الملكي بشؤون هذه الكنائس الداخلية أيضًا،<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.276</ref> كما سمح للمسلمين ذكر اسم الخليفة في خطب [[صلاة الجمعة]]، رغم أن هذا فسح في المجال لتناكف بين مسلمين مؤيدين لخلافة بغداد ومسلمين آخرين مؤيدين لخلافة القاهرة،<ref name="إسلام">الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.77</ref> وعمومًا فقد حاول حكام المملكة قدر المستطاع محاباة مسلمي الداخل، نظرًا لثقلهم الديموغرافي إذ قدر عددهم بحوالي 100,000 شخص مقابل 120,000 فرنجي دون احتساب مسيحيي الشرق وهم بين 30,000 - 50,000 شخص؛<ref>الاستيطان الصليبي في فلسطين، مرجع سابق، ص.81</ref> يذكر في هذا الصدد أنّ الصليبيين حين وفدوا للمدينة أغلقوا [[المسجد الأقصى]] ومنحوه [[فرسان الهيكل|لفرسان الهيكل]] للقيام بأعمال تنقيب تحته، كما منحت [[قبة الصخرة]] للرهبنة الأوغسطينية؛ حين أعاد الصليبيون السيطرة على المدينة في [[القرن الثالث عشر]]، نصّ شرط التسليم مع الملك العادل أن يبقى المسجد مسجدًا دون أن يعاث به أو يبدّل من صفته.