يحيى حقي: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
الرجوع عن 3 تعديلات معلقة من 41.137.70.181 و 195.39.168.225 إلى نسخة 15201427 من Jobas.
ZkBot (نقاش | مساهمات)
ط تنظيف باستخدام أوب (11758)
سطر 58:
أُقِيلَ من العمل الديبلوماسي عام [[1954]] عندما تزوج (في 22/9/1953م) من أجنبية وهي رسَّامة ومثَّالة فرنسية تدعي ( جان ميري جيهو )، وعاد إلى مصر ليستقر بها؛ فعين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة ؛ ثم أنشئت مصلحة الفنون سنة [[1955]] فكان "أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة [[1958]] "، فنقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة أي عام [[1959]] قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام [[1962]] رئيساً لتحرير [[مجلة المجلة المصرية]] التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة [[1970]] <ref>يحيى حقي (أشجان عضو منتسب) من ص 47 إلى ص 48</ref>
 
== مجلة المجلة - سجل الثقافة الرفيعة ==
 
تولى [[يحيى حقى]] رئاسة التحرير من مايو 1962 وحتى نهاية عام 1970، وهي أطول فترة يقضيها رئيس تحرير للمجلة في تاريخها.. لذا ارتبط اسم "[[مجلة المجلة المصرية|المجلة]]" باسم [[يحيى حقى]]، حتى لقد كان شائعاً أن يقول الناس: "مجلة يحيى حقى" واستطاع الرجل العملاق أن يحافظ على شخصيتها كمنبر للمعرفة، والعقل محولاً إياها إلى معمل تفريخ للمواهب الحقيقية.. يكتشفها ويرعاها، ويدفعها للأمام.. وفتح صفحاتها للأجيال الشابة من المبدعين، في القصة والشعر والنقد والفكر ليصنع نجوم جيل الستينيات في "شرفة المجلة" بشارع عبد الخالق ثروت هذه "الشرفة" التي كان يحاور فيها هذا الجيل القادم من الريف بنصوصه الأولى يناقشهم ويحاورهم ويطور من ثقافتهم.. وينشر لهم جنباً إلى جنب الرواد والراسخين في الفكر والعلم.. وما زال دور [[يحيى حقى]] في تقديم، واكتشاف هؤلاء مجهولاً ولم يدرس بعد،
سطر 149:
=== مَلامحٌ نَقْدِيّةٌ في ثَنايا الكِتَاب.. ===
حَرَصَ يَحْيى حَقّى على هَدْمِ الزَّعْمِ الشائعِ أن هناكَ كاتبًا يكتُبُ لنفسه دونَ التفاتٍ لجَمَاهيرٍ تَتَرَدّدُ، في نفوسها، أصداءُ قلمه. فأبانَ أن أسمى ما يَأمَلُه الكاتبُ أن يحوزَ طَائفتين من الجماهير؛ أولهما جُموعُ الكُتَّاب باختلاف أزمانهم فيتخذُ المبدعٌ لذاته مكانًا في حَضْرَتهم ويَسْتَشِفُّ انضمَامَه عُضوًا في ديوانهم. يُخاطِبُهُم بكلماته فيسمو لذَوْقَهم ويَسْتَرْشِدُ بهَدْيهم، وثانيهما قومه الجامعُ لمَعْدِنِ التراث الأصيل ووجه الزمانِ المُتَغَيِّر. فالكاتبُ الحَقٌّ هو مَنْ يربِط التراثَ الرُوحى المُوَحِّد للإنسانية بما يُخالطُ مُجْتَمَعَه من هُمومٍ طارئةٍ وقضايا راهنةٍ فيلتقى إسهامُه الحديثُ وجذورَ الفن وتَتَحَقّقُ له المُشاركَةُ الوجدانية التي دونها لا يَرْسَخُ للكاتبِ أَثَرٌبالأذهان.<br/>
كما مَيّز حَقّى بين كتابات الناشئة فأشارَ لتنوّعها ما بين إنتاجٍ سَطحىّ، لا يَرْبطه بالدلالة إلا خيوطٌ واهيةٌ لا تحتملُ ثِقَلَ عقلية القارئ، يسعى للإمتاعِ ببَخْسِ الجَهْدِ والمَضمون فالفن منه بِرَاء. وآخر يَعنى بالتعمّق حتى أنه في متاهة الرمز سَها عن الدلالة فبرغم احترامه لعقلية المُتلقِّى فهو يستنفدُ قواه ويُجهد ذهنه دون أن يُفضى به إلى شىء. ونصٌ شَغلَ ببريقِ الألفاظ عن المعنى المراد فلم يَتَعَدَّ الزخرفة اللفظية خاوية المضمون أما ما نالَ استحسَانَه منهم فهو فنٌ بسيطٌ لا تَكْمُنُ قيمتُه فيما يَرويه وإنما فيما يَنُمُّ عنه إذ يَنْفُذُ للقلبِ والذهن مباشرةً دون حواجز فيَدَعُ، بنفسِ القارىء، بصمةَ الفن المعهودة؛ نشوةَ الكَشْفِ.<br/>
 
عَمَدَ حَقى، في مقالاته، لإرشاد صغار الكُتّاب إلى أهميّة الإلمام بحّصيلةٍ لُغَويّةٍ ثَريّة طارحًا سؤالًا مَشْروعًا عن العلاقة بين مكانة الكاتبِ ومَخزونه اللُغَوىّ. فقد شاعَ، في كُلِّ عصرٍ، ‘موضة لفظية’، لم يَفْلتْ من بَرَاثنها إلا القليلُ. وهذه الظاهرة تَعكسُ في نظره الفقرَ الذهنىّ والعجزَ التعبيرىّ لكُتّاب تلك الفترة. يؤمنُ حقى أن لكل كاتبٍ لمسةً فنيةً خاصة تُخطرُ عن ذاته وتَهمسُ بحُضُورِه المُمَيَّز عمّن سواه إذا ما تحرّر من قيد المعانى السطحية للألفاظ بمرونة تطويعها اشتقاقيًا فأكسَبَها دلالاتٍ أخرى ووظّفها في سياقاتٍ جديدة تُضفى عليها رُوحَ التطوير دون أن تُجَرّدها من إرثها الثقافى الراسخ فيها، فإن نَطقتْ الألفاظُ بمَدلولٍ لا يُمليه المُعجمُ فقد أثبتَ الكاتبُ سَطوتِه على الكلمات وتَمَلّكه لزمامها يُوجهُها عن فَهْمٍ دون أن ينساقَ لسحرِ إغوائها. وكلما اقتربَ الكاتبُ من عالم الكلمة فأبحر في غِماره ألفَته اللغةُ فأسرّتْ له بأخيلةٍ وصور لم تَقَعْ في خِبْرَتِه ولم تكُنْ يَومًا في حُسبانه فيُعربُ حقى عن الصورة المُثلى للكاتب قائلًا "المثلُ الأعلى في ذهنى للكاتب هو الذي يشعرُ أن جميعَ ألفاظ اللغة تُناديه لتظهرَ للوجود على يديه..لا من قَبيل التَرَف..بل لأن اتساعَ رُقعته الذهنية والرُوحيّة هى التي تتطلبها جميعَها.."<ref>يحيى حقي ( انشودة للبساطة . مقالات في فن اللغة ) الهيئة المصرية العامة للكتاب 1987 م ص 38 .</ref>
 
ويُرجِعُ ناقدُنا، في مَوضعٍ آخرٍ من مقالاتِه، شيوعَ نغمة القنوط واليأس إلى الفقر الذهنىّ والروحىّ وجمودِ القريحة والاغترابِ عن اللغةِ وعشقها فلا "عشقَ للقصةِ والشعر إلا بعشقٍ أهم وأهم هو عشقُ اللغة، العشقُ الأدنى والأعلى مُقلقُ..مؤرّقُ..مُعَذّبُ..لا تَخْمَدُ له نار..فاللغةُ هى مادتهم، كاللون للرسّام والحجر للنحات..لابد للجميع أن يكونوا خُبراء بمَعْدِن هذه المادة التي يعملون بها ويُشكّلون منها تَعبيرَهُم عن ذواتهم".<ref>يحيى حقي ( انشودة للبساطة ) ص 38 .</ref><br/>
 
وإذ يطوفُ بقارئه، في محرابِ الفن، يكشفُ لنا الناقدُ الفَطِنُ عن شُعاع الجوهر المستور فيُخطرُنا أن أبلغَ مديح يمكن أن يصبوَ إليه كاتبٌ لخّصته فتاةٌ ليست بواسعة الثقافة ولكنها مُرهَفةُ الحِسّ ذوّاقةٌ في كلمةٍ قصيرةٍ انْطَلَقَتْ، بعَفويةٍ، من فِيْهَا لأحدِ الأدباء: "إننى حين أقرأُ لك أُحِسُ أننى لا أقرأُ".<ref>يحيى حقي ( انشودة للبساطة ) ص 47 .</ref> اللفظُ والمعنى ماهيةٌ واحدةٌ لا تعرفُ الانفصامَ فمِن العسير أن يَنْهضَ المعنى إذا توارى اللفظُ عن مَنْطِقَة الشعوروانعَدَمَ الحِسُّ به إلا أننا "حينَ نقرأُ لا نُحسُ أننا نقرأُ ألفاظًا بل نتَلَقّى تَعبيرًا مُنْفَصِلًا مُتلاحِمًا كأنه مُنْبَعِثٌ من رُوح الكاتب بلا وسيلةٍ ماديةٍ، كأنه شُعاعُ جَوهَرٍ مَغيب أو مَستور."<ref>يحيى حقي ( انشودة للبساطة ) ص 15 .</ref>