معركة إفراغة: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر 40:
 
 
==قبل المعركة==
 
لما عاد ألفونسو المحارب إلى استئناف نشاطه ضد المسلمين، كان أهم ما يشغله هو الاستيلاء على ما بقي من قواعد [[الثغر الأعلى]]، وإجلاء المسلمين عنها. وكانت هذه القواعد، تنحصر أولا في [[لاردة]] و[[إفراغة]] و[[مكناسة]] الواقعة، في المثلث الواقع بين نهري [[نهر سنكا|سنكا]] و[[نهر سجرى|سجرى]] فرعي [[نهر إبرة]] (الإيبرو)، وثانياً في [[ثغر طرطوشة]] الواقع على [[البحر المتوسط]] عند مصب إبرة. وكان ثغر طرطوشة كما قدمنا بالأخص هدف ملك أراجون، إذ كان الاستيلاء عليه، يحقق له الاستيلاء على ما بقي من مجرى نهر إبرة، ويضمن له سلامة الملاحة في هذا النهر العظيم، ويصل ما بين مملكته وبين البحر. ومن ثم فقد وضع ألفونسو مشروعه الكبير من شقين، يتضمن الأول الاستيلاء على القواعد الإسلامية، الواقعة في مثلث نهري سنكا وسجرى، ثم يتبعها بالشق الثاني وهو الاستيلاء على طرطوشة. وأعد ألفونسو حملة جديدة قوية للبدء في تنفيذ مشروعه، واشترك في هذه الحملة كثير من الأشراف والفرسان الفرنسيين، على غرار ما حدث في حملة سرقسطة، وبدأ ألفونسو بالزحف على مدينة (مكننسة) مكناسة الواقعة عند ملتقى نهري سجرى وإبرة، وهي قاعدة حصينة، ولكن الدفاع عنها لم يكن ميسوراً لوقوعها في السهل المكشوف، فهاجمها النصارى بشدة، واضطرت إلى التسليم بعد مقاومة عنيفة، وذلك في يونيه سنة [[1133]] (أواخر سنة [[527 هـ]]).<ref>عنان، محمد عبد الله (1997). دولة الإسلام في الأندلس. مكتبة الخانجي، القاهرة. ISBN 977-505-082-4. ج3 ص121</ref>
سطر 47:
 
وكانوا مذ وقفوا على حركات ألفونسو وأهباته، لافتتاح قواعد الثغر الباقية، قد رأوا من باب التحوط والاستعداد، أن يعقدوا التفاهم والسلم مع أمير [[برشلونة]] [[رامون برنجير الثالث]]، وذلك خشية أن ينتهز الفرصة فيهاجمهم من جانبه، ويضطر المرابطون إلى القتال في جبهتين، فاتفقوا على أن يؤدوا له جزية سنوية قدرها اثنا عشر ألف دينار، وذلك عن أمر علي بن يوسف وتوجيهه، فغضب لذلك ألفونسو، وأقسم بأنه سوف ينتزع تلك البلاد التي تؤدي عنها الجزية، ويقطع بذلك منفعتها عن الطرفين الخصيمين.<ref>ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف الذكر).</ref> ومن ثم فإنه ما كادت مكناسة تسقط في يد العدو، حتى بادر المرابطون في الثغر، وفي وسط [[شرقي الأندلس]]، إلى التأهب للدفاع عن إفراغة ولاردة، وهرع [[الزبير بن عمرو اللمتوني]] من [[قرطبة]] إلى [[الثغر الأعلى]]، في 2,000 فارس، ومعه مقادير وفيرة من المؤن. وهرع إليه الأمير [[أبو زكريا يحيى بن غانية]] والي بلنسية ومرسية، في قوة تقدرها الرواية 500 فارس، وكان من أعظم وأشجع القادة المرابطين. وكذلك حشد [[عبد الله بن عياض]] والي لاردة قواته. وكان أهل إفراغة حينما ضيق عليهم ألفونسو الحصار، وأخذت مواردهم في النضوب، قد كتبوا إلى يحيى بن غانية باعتباره عميد القادة المرابطين، بطلب الإنجاد والأقوات، وأنذروه في كتابهم، بأنه إن لم يفعل خضعوا لألفونسو، وسلموه المدينة. ولكن ابن غانية لم يكن في حاجة إلى مثل هذا النذير، وكانت مهمة إنجاد إفراغة وإنقاذها تلقي لديه، ولدى سائر القادة المرابطين منذ البداية منتهى الغيرة والاهتمام.<ref>ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السالف الذكر).</ref>
 
==المعركة==
 
وفي تلك الأثناء كان ألفونسو قد وصل بقواته إلى إفراغة، وضرب حولها الحصار، فقاومته حاميتها وأهلها بقيادة واليها [[سعد بن محمد بن مردنيش]] أشد مقاومة، واضطر أن يرفع الحصار غير مرة، ثم يعود إليه، وحملته هذه المقاومة ذاتها، على مضاعفة جهوده في التضييق على المدينة المحصورة، والتصميم على أخذها. وأقسم ألفونسو تحت أسوار إفراغة، كما أقسم أبوه [[سانشو راميريث]] قبل ذلك بأربعين عاماً، تحت أسوار [[وشقة]]. أن يفتتح إفراغة أو يموت دونها، وأقسم معه عشرون من سادته، وأمر ألفونسو كذلك أن يؤتى برفات القديسين إلى المعسكر إذكاء لحماسة الجند، وأن يتولى الأساقفة والرهبان قيادة الصفوف أسوة بالقوامس (الكونتات). وهنا تختلف الروايتان الإسلامية والنصرانية في تصوير الوقائع، وبينما تقول الرواية الإسلامية إنه ما كادت الجيوش المرابطية تصل إلى إفراغة، حتى نشبت الموقعة الحاسمة بين المسلمين والنصارى، إذا بالرواية النصرانية تقدم إلينا تفصيلا آخر، وهو أنه ما كادت القوات المرابطية تصل إلى ظاهر إفراغة، وتتقدم إلى إنجادها، حتى وقعت بينها وبين النصارى معركتين متواليتين، وهزم المرابطون في الموقعتين، ولجأوا إلى الفرار، وعندئذ دب اليأس إلى أهل المدينة وعرضوا التسليم ببعض الشروط، فرفض ألفونسو كل عرض للتسليم، وصمم على اقتحام المدينة بالسيف، فانقلب المحصورون إلى مقاومة اليأس، ونظم المرابطون قواتهم، وعادوا إلى محاولة إنقاذ المدينة، ودبروا كميناً جذبوا إليه الأرجونيين، على يد قافلة من المؤن. وهنا نشب القتال واضطرمت الموقعة.
 
وقع بين الفريقين قتال شديد مروع، وأبدى المسلمون يقيادة ابن غانية ضروباً رائعة من البراعة والبسالة، وقاتل الأرجونيون كذلك بفيض من الشجاعة، وكان ملكهم يقود المعركة بنفسه، وخرج أهل إفراغة، فانقضوا على النصارى من الخلف، فاشتد الأمر على النصارى، وكثر القتل فيهم، وهلكت منهم عدة كبيرة من القادة والأكابر، ومزقت صفوفهم تمزيقاً، وأصيبوا بهزيمة ساحقة، لم يصبهم مثلها منذ موقعتي [[معركة الزلاقة|الزلاّقة]] و[[معركة أقليش|أقليش]].
وعلى أي حال، فقد نشبت بين المرابطين وبين النصارى تحت أسوار إفراغة، موقعة من أشد وأعنف، مما عرف في تاريخ المعارك الحاسمة في الثغر الأعلى.
 
==بعد المعركة==
 
استولى المسلمون على محلتهم وعتادهم وسلاحهم، وكان ذلك في اليوم السابع عشر من يوليه سنة 1134 م (23 رمضان سنة 528 هـ). <ref>تختلف الرواية العربية في تاريخ الموقعة فيضعه ابن عذارى في سنة 528 هـ (الأوراق المخطوطة السالفة الذكر - هسبيرس ص 100). ويقول لنا ابن القطان إنها وقعت في سنة 529 هـ ويقول في موضع آخر إنها وقعت سنة 528 هـ (المخطوط السابق ذكره) ويضعها ابن الأثير في سنة 529 هـ (ج 11 ص 13). ويقول لنا صاحب الروض المعطار إنها وقعت في رمضان سنة 525 هـ (صفة جزيرة الأندلس ص 24). ولكن الرواية لنصرانية تحدد لنا تاريخها تحديداً دقيقاً واضحاً، وهو يوليه سنة 1134، الموافق لرمضان سنة 528 هـ.</ref> وتختلف الرواية اختلافاً بيناً في مصير ألفونسو المحارب. ومعظم الروايات النصرانية على أنه سقط خلال الموقعة. ويؤيد هذه الرواية صاحب " الأخبار الطليطلية "، [[وردريك الطليطلي]]، وثوريتا، وغيرهم. ولكن الذي يثير ريباً حولها، هو أن جثة ألفونسو المحارب لم توجد قط بين ضحايا الموقعة. <ref>يراجع في ذلك M. Lafuente: ibid ; Vol. III. p. 243، والهامش حيث يعدد الروايات النصرانية المؤيدة لسقوط ألفونسو في الموقعة. وراجع أيضاً: F. Codera: Decadencia y Disparicion de los Almoravides, p. 269-272</ref> وأما الرواية الأخرى، فهي أن ألفونسو توفي بعد الموقعة بأيام قلائل، ويروى مؤرخ قطلوني معاصر في وصفه للمعركة، أنه حين تمت الهزيمة الساحقة على النصارى، عمد ألفونسو إلى الفرار بصحبة فارسين فقط، ولجأ إلى دير القديس " [[خوان دي لابنيا]] " في [[سرقسطة]]، وهنالك توفي غماً ويأساً، لثمانية أيام فقط من الموقعة، وذلك في [[25 يوليه]] سنة [[1134]].
 
وقد كان لنصر المرابطن في إفراغة، صدى عميق في سائر أرجاء [[الأندلس]]، وفي [[إسبانيا]] النصرانية بنوع خاص، وعادت سمعة المرابطين العسكرية، إلى سابق مكانتها في شبه الجزيرة، وذاع صيت يحيى بن غانية، قائد المرابطين في ذلك اليوم المشهود.
 
وقد نظم الشاعر [[أبو جعفر بن وضاح المرسى]]، في واقعة إفراغة، ومديح ابن غانية قصيدة يقول فيها:<ref>عنان، محمد عبد الله (1997). دولة الإسلام في الأندلس. مكتبة الخانجي، القاهرة. ISBN 977-505-082-4. ج3 ص125</ref>
 
{{بداية قصيدة}}
{{بيت|شمرت برديك لما أسبل الواني|وشب منك الأعادي نار غيان}}
{{بيت|دلفت في غاية الخَطِّىّ نحوهم|كالعين يهفو عليها وطف أجفان}}
{{بيت|عقرتهم بسيوف الهند مصلتة|كأنما شربوا منها بغدوان}}
{{بيت|هون عليك سوى نفس قتلتهم|من يكسر النبع لم يعجز عن البان}}
{{بيت|وقفت والجيش عقدٌ منك منتثرا|إلا فرائد أشياخ وشبان}}
{{بيت|والخيل تنحط من وقر الرماح بها|كأن نصالها ترجيع ألحان}}
{{نهاية قصيدة}}
 
==مراجع==