لينشيا: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
سطر 42:
 
==قالو فيها==
 
يقول [[جمال الدين فالح الكيلاني]] في زيارته لها : غادرنا مدينة لانتشو عاصمة قانسو، وانطلقت بنا السيارة باتجاه الغرب. عبرنا جبال تشينلينغ، ومع تقدم المسير، كان اللون الأخضر على جانبي الطريق يقل شيئا فشيئا، ليحل اللون الأصفر محله. بعد أكثر من ثلاث ساعات وصلنا لينشيا، فدهشت لما رأيت في هذه المدينة الإسلامية: على جانبي الطريق مساجد مشيدة على الطراز المعماري الصيني التقليدي، يفصل بين الواحد منها والآخر نحو مائة متر. وبعض المساجد الجديدة هنا يتكون من ستة طوابق ويتسع للآلاف من المصلين. وأينما وليت وجهي وقعت عيناي على أبناء لينشيا الذين يرتدي الرجل منهم قبعة بيضاء وله لحية طويلة، بينما ترتدي المرأة حجابا أبيض. وعندما يرتفع الأذان تراهم يقصدون، زرافات وفرادى، لأقرب مسجد، بعضهم يركض ركضا حتى لا يتأخر عن الصلاة. ولعل أكثر ما أثار انتباهي اللوحات المعلقة على أبواب المحلات كتب عليها: باللغة العربية اسماء هذه المحلات واختصاصها مما يجعلك تعيش اجواء عربية خالصة . ذلك بالإضافة إلى زخارف الشارع الإسلامية باللون الأخضر ولوحات البسملة، وهي كلها رموز تجعلك تشعر بأنك في منطقة إسلامية<ref>[[جمال الدين فالح الكيلاني]] كتاب عين على الصين ، دار المصطفى ، القاهرة ، 2014 ، ص 24</ref>.
 
تلعب المساجد في لينشيا دورا لا غنى عنه في حياة المسلمين. حسب تقاليدهم، يسكن معظم مسلمي لينشيا في دور مستقلة عن بعضها. لا يكون المسجد مكان الصلاة لأهله فقط بل مركز حياتهم واقعيا وروحيا. عندما يرتفع آذان الفجر، ينهضون جميعا من نومهم لأداء الصلاة، ويحرصون على أداء الصلوات الخمس في المسجد. في المساء، تقام في المسجد دورات لتعليم الإسلام، فالشباب، بعد انتهاء عملهم في النهار، يدرسون فيها ويرفعون مستواهم في قراءة القرآن وتجويده وحفظه، أما ربات البيوت، فيأخذن دروسا إضافية حول علوم الإسلامية الأساسية. وقد نجحت كثير من المسنات في لينشيا في تعلم كيفية الصلاة وتصحيح قراءة القرآن. وفي مناسبات الزفاف ينظم مكتب إدارة المسجد فريق التهنئة، ويقدم أدوات المائدة لأسرة العروسين كي تقيم مائدة الزفاف. قبل التحاقهم بالمدرسة الابتدائية، يدرس الأطفال في المسجد قراءة القرآن كل يوم، ويؤدون الصلاة تحت إرشاد الكبار. وقد رأينا ابن شقيق هان تشي، الذي يبلغ عمره خمس سنوات، يعود إلى بيته كل يوم بعد تعلم القرآن في المسجد. يكون أول شيء يفعله بعد دخول البيت، هو الضوء وارتداء القبعة الصغيرة ثم قراءة آية من القرآن للجميع.
 
نصحنا أهل لينشيا بزيارة حي با فانغ السكني. في هذا الحي كثير من المسلمين يقيمون حول مساجد قديمة مشيدة على الطراز المعماري العربي، حيث المآذن عالية فوق مساحة فسيحة من البيوت الرباعية المشيدة على الطراز الصيني التقليدي وتجمع بين سمات البنايات القوطية والبنايات الحديثة. سرنا بين الشوارع، حائرين، لا نعرف طريقا ولا اتجاها، وهنا تذكرت ما قاله شاعر صيني قديم في وصف شعور الغريب: "كمثل المسافر المنهك القوى يئس من اكتشاف الطريق، وإذ بقرية تزخر بظلال الصفصاف والازدهار أنواع وأشكال تظهر أمامه."
 
سرنا هكذا، ووصلنا مسجد نانقوان، الذي بني في فترة أسرة يوان (1271-1368)، ويعد أقدم مسجد في لينشيا ومن أقدم المساجد في منطقة مجرى النهر الأصفر وأدرج ضمن أشهر مائة مسجد في الصين. هذا المسجد الذي خُرب في فترة الثورة الثقافية (1966-1976) وكاد ينهار تماما. تم تجديده وترميمه في عام 1979 بتبرعات من المسلمين. يتكون المسجد ذو الهيكل الخشبي، من القاعة الأمامية وقاعة الصلاة التي يبلغ ارتفاعها ثمانية أمتار محمولة على 30 عمودا رخاميا. للمسجد ثلاث مآذن؛ منها مئذنة كبيرة ارتفاعها حوالي 22 مترا، تحمل اسم "وانغيوه لوه" (بناية مشاهدة القمر). يجمع مسجد نانقوان بين طراز العمارة العربية وطراز العمارة الصينية، ويعتبر نموذجا رائعا لاندماج الحضارتين الصينية والعربية.
 
القباب مشهد آخر مميز في لينشيا. القبة التي تسمى في الصينية "قونغبي"عبارة عن مجموعة من قبور لشخصيات إسلامية محلية وقبور طلابهم وأتباعهم والبنايات التابعة حسب المذاهب الدينية، حيث ينتمي مسلمو لينشيا إلى المذاهب الأربعة: الحنفي والحنبلي والمالكي والشافعي، ويقيمون نشاطاتهم الدينية في القبة الخاصة بمذهبهم. تتميز قباب لينشيا بسمات تقليدية خاصة، فتتكون غالبا من الغرفة الرئيسية بلون الذهب وقاعة الصلاة والقبور التابعة. والقبة الرئيسية مبنية بهيكل خشبي من طابقين أو ثلاثة طوابق. فأكبر القباب هي قبة لينشيا الكبرى.
 
بعد صلاة الجمعة، التقينا بالشيخ محمد عثمان السالاري قال لنا إن أصل القبة الكبرى هو قبة الشيخ تشي جينغ يي، وهو عالم حنبلي ولد في عام 1655 وتوفى عام 1719. وقد اشتهر تشي جينغ يي في تاريخ الإسلام في الصين بفضل نشره تعاليم الإسلام وإقبال عدد كبير من الطلاب المسلمين عليه، وهو معروف لدى المسلمين الصينيين لإتقانه اللغتين العربية والفارسية. بنيت قبته في عام 1720، الذي صادف العام التاسع والخمسين من عهد الإمبراطور كانغ شي بأسرة تشينغ. في ذلك الوقت كانت قبة مشهورة على مستوى لينشيا بل على مستوى الدولة لضخامتها ووجود عدة نسخ من القرآن المكتوب على جلد الغنم والبقر بها. مع مرور الزمان أضيفت إليها قبور كثيرة، وتوسعت، حتى بلغت مساحتها ذروتها في فترة أسرة مينغ، فكانت عشرة هكتارات ونصف وكان بها 107 غرف. لكن القبة نتيجة للإهمال وعدم الترميم منذ أكثر من مائة سنة تعرضت لتلف شديد خلال فترة الثورة الثقافية، حتى كادت أن تنهار قبل عدة سنوات، حيث كان المطر يتسرب من السقف ويفسد الهيكل الخشبي. بعد تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، قام مسلمو لينشيا بتجديدها بتبرعات منهم. من أجل حل مشكلة نقص التمويل، بذل قادة الجمعية الإسلامية بمدينة لينشيا ومجلس إدارة القبة جهودا كبيرة. فبعد تطبيق الصين سياسة التنمية الكبرى للمناطق الغربية في عام 2000، حصل مجلس إدارة القبة على مساعدات مالية حكومية وشعبية ووضعت خطة تجديد القبة خلال عشر سنوات، ومن المتوقع إنجاز التجديد والترميم بنهاية عام 2010 لتتألق قبة لينشيا الكبرى بماضيها العريق إن شاء الله.
 
أضاف الشيخ محمد قائلا إن مزيدا من شباب لينشيا اليوم يغادرون بلدهم ليدرسوا ويعملوا في المدن الكبيرة، وبعد أن يجمعوا ثروات كثيرة يعودون لمسقط رأسهم ويتبرعون لترميم مساجد كثيرة تعبيرا عن شكرهم وشعورهم وامتنانهم لبلدهم ودينهم، وبعض الأغنياء يتبرعون لبناء المدارس الابتدائية ورياض الأطفال وغيرها من أعمال الخير.
 
وقال الشيخ: "برغم كثرة التبرعات يوما بعد يوم، لم يحدث فساد قط في عملنا الخيري، فنحن نؤمن بأن الله يرانا، لذا علينا أن نقدم المال للمحتاجين والمرضى. في عام 2004، تعرضت المحافظة الذاتية الحكم لقومية دونغشيانغ التابعة للينشيا لفيضان خطير أدى إلى خسائر فادحة، فتبرع مجلس إدارة قبة لينشيا الكبرى لإنقاذ المنكوبين فور اطلاعنا على الأمر، الحمد لله، لم يمت أي واحد منهم."
 
وذكر الشيخ السالاري طفولته قائلا: من قبل، كان مسلمو لينشيا يعيشون رئيسيا على الزراعة، وقد توارثوا الفقر جيلا بعد جيل. قبل تأسيس الصين الجديدة، كان المسلمون الفقراء بلينشيا يموتون جوعا. بعد تأسيس جمهور الصين الجديدة في عام 1949، بفضل سياسات الصين الصحيحة تجاه القوميات والأديان، بدأ مسلمو لينشيا في العصر الجديد مزاولة تربية الحيوانات الداجنة، فارتفع مستوى معيشتهم كثيرا، وقد حققوا الاكتفاء في الغذاء والكساء. واليوم، يعمل الناس في سبيل تحقيق الحياة الرغيدة، حيث يتعاونون في تدبير الأموال لإنشاء المصانع، وقد بلغ إجمالي رأسمال بعض المصانع ملايين الدولارات الأمريكية، لعلها تحقق منجزات فعالة في المستقبل. وأنا بصفتي إمام مسجد هونغيوان، أتحدث دائما عن سياسة الدولة الصحيحة وحب الوطن وحب الدين في خطبي وعندما أعلم الطلاب دروس العلوم الإسلامية."
 
وما زال الشيخ محمد عثمان السالاري ، وهو عالم مسلم من قومية سالار ، يتذكر النزاعات العنيفة بين مسلمي لينشيا التي وقعت في ثلاثينات القرن الماضي، قال متأثرا: " منذ بداية انتشار الإسلام في لينشيا، ظهرت اختلافات بين السكان، واشتدت في بداية القرن الماضي. مع تعمق وعي المسلمين بالإسلام الحقيقي، زالت هذه الاختلافات تدريجيا، وحل محلها تعاون متزايد. واليوم يتمتع كل مسلمي لينشيا بجو إسلامي متناغم، وأبرز مثال على ذلك اجتماع كل مسلمي لينشيا في العام الماضي في ميدان بوسط لينشيا لأداء صلاة العيد، كنت وقتذاك متأثرا جدا بهذا المشهد العظيم، ليس المهم أن يرفع المسلم يده مرة أو ثلاث مرات أثناء الصلاة وليس المهم أن يحرك الإصبع أم لا، المهم أن الإسلام يوحد كل المؤمنين!".<ref>[[جمال الدين فالح الكيلاني]] كتاب عين على الصين ، دار المصطفى ، القاهرة ، 2014 ، ص 24</ref>.
 
== تاريخ ==