مصطفى بدر: الفرق بين النسختين

[مراجعة غير مفحوصة][مراجعة غير مفحوصة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
ZkBot (نقاش | مساهمات)
ط تغيير القوالب: ثبت المراجع
ط اكمال لقصة كراماتة
سطر 24:
يا رب يا رحمن يا سامع الدعا **** يا عالما بالغيب دوما انت حاضر
 
فما إن فرغ من البيت الأخير منها حتى انفتحت الأقفال وتفككت القيود عن باب السجن، وتحرك الباب بمصراعيه منفتحا بقدرة الله تعالى ، سرعان ما تنبّهَ المساجين لهذا الحدث الخطير، وهمّوا لأن يهربوا؛ لكن الشيخ أشار عليهم بالبقاء وعدم البراح، وطمأنهم بأن الفرج قريب بمشيئة المولى عز وجل، فهدأوا وسكنوا. وما كان من السّجّان حتى هرول نحو باب السجن ليعيد إقفاله، ظِـنّـًا منه انه قد نسي الباب بغير قفل، لكنه لم يبتعد عدة خطوات حتى سمع صرير الباب ينفتح من جديد، فاستدار ودخل بين المساجين سائلا ومستغربا عن سبب حدوث مثل هذا الأمر الغريب، فأجابوه بأنهم لا يعلمون سببًا واضحًا سوى أن هذا الشيخ بقي طوال الوقت يقرأ بينه وبين نفسه ما لم نسمع ونفهم. أسرع السجان ليعلم الوالي احمد باشا الجزار، وفي الصباح وصل الأمر إلى الجزار، فثار وهاج، على إهمال الحرس، وعدم تأكدهم من أن الأبواب مقفلة، فعيّن طاقما آخر، ليقوم بتلك المهمة. وفي الليلة التالية أيضاَ، حدث ما حدث بالليلة السابقة. وفي هذه المرة، قام الجزار بنفسه ليقفل الأبواب.
*
أقفل الجزار الأبواب متأكدا أنها لن تفتح. لكنه فوجئ في الصباح، عندما أُخبر أن الأبواب كانت مفتوحة في تلك الليلة أيضاً، وأن الأسرى لا زالوا في أماكنهم، وكأن الأبواب مقفلة.
*
وعندما قام الجزار ليتحقق من الأمر، محاولا كشف السر في تلك اللعبة التي تكررت ثلاث ليالٍ متوالية، قام بسؤال السجناء عن الأمر والتحقيق معهم، فاخبروه أن هناك شيخا قد أُتي به إليهم منذ أيام، ومن ذلك الحين لم يترك هذا الشيخ مكانه، ولم يتفوه بكلمه. وكل ما فعله هو أنه كان يجلس وعباءته فوق رأسه. تقدم الجزار نحو الشيخ وسأله ما الأمر، وما السبب لوجوده بالسجن، فقال الشيخ انه موجود ظلماً وليس هناك أي مجال لتصديق ما قيل عنه.
عندها أدرك الجزار، أن واشٍيا قد رمى بالشيخ لهذا المكان، واتهمه بتهمة علها تكون نهايته من خلالها لغاية في نفس يعقوب. وأيقن الجزار أن السجن لم يفتح إلا بدعاء الشيخ التقي الورع، الذي رُميّ به ظلماً في تلك الحجرة المظلمة.
*
وأما الجزار، ذلك الوالي الظالم، الذي عُرِف ببطشه، فقد شعر بالمهابة والرعب في صدره، وأخذ يتأسف للشيخ طالباً منه العفو والغفران، بسبب ما ألحقه به من مشاق ومتاعب، وطلب الجزار من الشيخ أن يحكم هو بنفسه على الواشي الحاسد، ووعد الجزار أن ينفذ كل ما يقوله الشيخ أو يحكم به. لكن الشيخ لم يرضَ بإيذاء الشخص المخطئ، وسامحه عله يتوب. إلا أن الجزار الحّ على تقديم أي خدمة للشيخ، يكفّر بها عن خطئه. ولكن الشيخ مصطفى لم يكن بحاجة إلى عطايا الجزار ومنحه، لأنه كان يؤمن دوماً، أن رضاء الله هو أثمن العطايا وأكثرها قيمةً.
*
عندما اخبر الجزار شيخنا الجليل بنيته بإطلاق سراحه فورا وبعد اعتذاره، قال شيخنا الجليل: لي طلب عند حضرتكم فقال الجزار:أطلب ما شئت، فقال الشيخ: إن حررتني فأطلب أن تحرر معي باقي السجناء،وإن أبقيتهم فاني باق معهم. وكان جواب الجزار سريعا، فقد حرر الجزار السجناء جميعهم بدون استثناء. وهكذا لقد أطلق سراح الشيخ وجميع السجناء كرامة له، وأعيد للقرية برفقة جنود الجزار، معززاً مكرماً.
*
وبعد أيامٍ قليلة قام الجزار يرافقه أفراد حاشيته ووجهاء المنطقة بزيارة لقرية حرفيش ومنزل الشيخ حيث استقبلهم أفراد العائلة ووجهاء القرية. وقام الشيخ بإعداد وليمة كبيرة إكراما لضيوفه، فتناول الجميع الطعام ولم ينقص أو يقل مما قدّمه الشيخ، بل بقيت الأوعية مليئة تفيض زاداً. وعندها طلب الجنود تقديم الماء لخيولهم، ولكن المشكلة انه ليس هناك ماء يكفي، ولا يتوفر الماء حالاً، بل يجب الذهاب "لعين المزاريب" لإحضار الماء، والعين تبعد عن القرية. وحينها اقترح احد المرافقين، بحفر بئر ماء للشيخ يكون هدية الجزار له. قبِلَ الجزار ذالك الاقتراح، وأيّده على الفور، وحالاً أمر جنوده الموجودين معه في الدار بالشروع بالعمل. فحفر الجنود البئر، وأحضروا لها حجراٍ كبيرا (خرزة البئر) من صفد، وهكذا يكون الجزار قد قدم للشيخ ما يعوضه عن المضايقات التي سببها له.
*
أما الشيخ، رحمه الله، فلم يوافق على الشرب من ماء البئر، حتى ولو قطرة واحدة، وذلك بسبب أن الجنود الذين حفروا البئر،كانوا قد أُجبروا وأرغموا على حفر البئر، وقاموا بعملهم هذا مرغمين، فكان عملهم سخرة، وليس بحلال أن يشرب ماء البئر. وقضى الشيخ بقية عمره، ولم يذق طعم تلك الماء، التي كانت بمتناول يده، وفي صحن الدار، بل تحمل العطش حتى يذهب للعين ويأتي بالماء الذي يسد ظمأه.
 
==المصادر==