اقتصاد مؤسسي: الفرق بين النسختين

[نسخة منشورة][نسخة منشورة]
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
مصادر
سطر 10:
اتجه الفكر الإقتصادي منذ التقليديين إلى البحث عن القوانين الاقتصادية المجردة والتي تكاد تتجاهل الظروف التاريخية والأوضاع الاجتماعية التي يتم فيها النشاط الإقتصادي. وقد برز هذا الإتجاه على وجه الخصوص منذ نهاية القرن الماضي مع النظرية التقليدية الحديثة (النيوكلاسيك). وقد انعكس ذلك في محاولة صياغة القوانين الإقتصادية في شكل رياضي. وإذا كان التقليديون- وبخاصة آدم سميث- قد حرصوا على الإهتمام بدراسة الأوضاع الإجتماعية السائدة ومحاولة تطويرها بما يتفق مع اعتبارات الكفاءة الإقتصادية، فإن هذا الإهتمم ما لبث أن بدأ يتلاشى تدريجياً حتى ظهرت [[النظرية الإقتصادية]] كما لو كانت نماذج مجردة للسلوك الإقتصادي الرشيد، بصرف النظر عن البيئة الإجتماعية والمؤسسية السائدة.
 
وقد خرج [[كارل ماركس]] عن هذا التقليد، وكانت أفكاره الإقتصادية جزءاً من النقد العام للمجتمع وأوضاعه، ومن ثم فقد جاءت أفكاره ذات طابع اجتماعي ومؤسسي. وكذلك الحال على معظم منتقدي النظام الرأسمالي من المفكريين [[الاشتراكية|الإشتراكيين]] بدرجاتهم المتفاوتة. وفي هذا السياق نفسه جاءت أفكار المدرسة المؤسسية أو الاقتصاد المؤسسي. ويمكن القول بأن المدرسة المؤسسية تجد بذورها في [[ألمانيا]] مع المدرسة التاريخية الألمانية، ثم مع الفكر الإجتماعي ل[[ماكس فيبر]]. وقد ازدهرت هذه المدرسة بوجه خاص في [[الولايات المتحدة الأمريكية]] منذ نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي. وإذا كانت الولايات المتحدة قد ظلت في أمور النظرية الإقتصادية تابعة للفكر الإنجليزي والأوروبي بشكل عام حتى نهاية [[الحرب العالمية الثانية]]، فإن المساهمة الأمريكية الأصلية قبل ذلك اقتصرت على هذا الإقتصاد المؤسسي، وخاصة مع [[ثورستين فيبلين]]. <ref>د. [[حازم الببلاوي،الببلاوي]]، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الإقتصادي، الفصل السابع: الاتجاهات المعاصرة للفكر الإقتصادي، ص160</ref>
 
==المدرسة المؤسسية==
سطر 22:
* '''المرحلة الأولى'''، كانت المدرسة المؤسسية تمثل نقداً ومعارضة للفكر الاقتصادي السائد، فمحور الاهتمام ليس السوق والأسعار وإنما هو المؤسسات وأشكال تطورها. وتضم هذه المرحلة أسماء مهمة منها ثوريستين فيبلن والذي يمثل المرحلة الأولى للمؤسسة الراديكالية والمعارضة للتيار الرئيسي للفكر الإقتصادي السائد.
 
* '''المرحلة الثانية'''، تميزت بأن بدأت المدرسة المؤسسية باستخدام أدوات التحليل الإقتصادي لدراسة مختلف المؤسسات الإجتماعية. ف'''المدرسة المؤسسية الحديثة''' لا تستبعد الأدوات الأساسية للتحليل الاقتصادي وفي مقدمتها المقارنة بين العائد والتكلفة، واختيار السلوك الرشيد وتعظيم العائد أو تخفيض التكلفة والأعباء. والجديد أنها لا تُقصر في استخدام هذه الأدوات الإقتصادية على السوق والأسعار، بل إنها تعممها لتفسير العديد من الظواهر الإجتماعية الأخرى مثل مدى [[حقوق الملكية]] واحترام [[حقوق الجوار]]، وأحكام القضاء في المسئولية، وتفسير [[الجريمة]]، والتمييز العنصري، بل وتفسير نشاط السلطة. فهذه الظواهر الإجتماعية والقانونية تجد تفسيراً لها في التحليل الاقتصادي الذي يعتمد على فكرة '''العائد/التكلفة'''. ولذلك فلم يكن غريباً أن ازدهرت هذه المدرسة الحديثة ضمن كليات [[الحقوق]] [[القانون]]، التي رأت في أدوات التحليل الإقتصادي تفسيراً مناسباً للعديد من تلك الظواهر. <ref>د. [[حازم الببلاوي]]، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الإقتصادي، الفصل السابع: الاتجاهات المعاصرة للفكر الإقتصادي، ص161،162</ref>
 
===ثورستين فيبلن===
كان أول وأشهر أعماله هو كتابه عن "نظرية الطبقة المرفهة" عام 1899 وقد وضع إلى جانب الكتاب عنواناً جانبياً "دراسة اقتصادية للمؤسسات". وقد هاجم فبل في هذا الكتاب النظرية الإقتصادية النيوكلاسيكية. فليس صحيحاً أن الفرد مستهلك رشيد يستلهم رغباته وأولوياته في استقلال عن الآخرين، بل الصحيح أن الفرد كائن اجتماعي يتأثر بمن حوله، ويحاول تقليدهم، ومن ثم فإن استهلاكه يتوقف على استهلاك الآخرين. فالذوق ليس أمراً فردياً بقدر ما هو تأثير اجتماعي ينقاد إليه الفرد في ضوء الضغوط الاجتماعية والرغبة في المسايرة والتقليد. وقد استخدم هذه الفكرة الإقتصادي الأمريكي دونزبري J.Duesenberry فيما أسماه "أثر التقليد".
 
كذلك أوضح فبلن أنه ليس صحيحاً أن الطلب على السلعة يتغير دائماً بشكل عكسي مع الأسعار، فقد تزيد الأسعار ومع ذلك يقبل الأفراد على استهلاك هذه السلعة لأن المقصود هو التفاخر، ومن هنا فقد وجه فبلن النظرة إلى ظاهرة "[[الإستهلاك التفاخري]]". والتي أصبحت أحد الاصطلاحات المستقرة في [[الاقتصاد السياسي]]. وكان رأي فبلن أن الطبقة الغنية المرفهة تسعى إلى المظاهر بأكثر مما تعمل على إنماء ثروتها، ومن هنا جاء اسم كتابه، وهو توصيف لاذع لأحوال هذه الطبقة "'''الأثرياء بالوراثة'''". وإذا كان فبلن لا يرى في الطبقة الغنية المرفهة أي بارقة أمل، فإنه كان يعتقد أن ال[[مهندس]]ين - على العكس- هم أمل المستقبل. فهؤلاء يجدون ذواتهم في ختراع الأشياء وصناعتها، وبالتالي يسعون إلى الإضافة إلى الثروة العامة، بعكس الأغنياء الذين يسعون إلى الثراء ولو على حساب الإنتاج والوفرة باصطناع [[الإحتكار]] مثلاً. ولذلك فإنه يرسم في كتابه "المهندسون ونظام الأثمان" صورة مستقبل زاهر يتقدم المهندسون والفنيون فيه الصفوف. <ref>د. [[حازم الببلاوي]]، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الإقتصادي، الفصل السابع: الاتجاهات المعاصرة للفكر الإقتصادي، ص164،163</ref>
 
===جون كينيث جالبرث===
كان جالبرث غزير الكتابة والأفكار، ومن أول مؤلفاته "'''الرأسمالية الأمريكية'''"، عام 1956م، وناقش فيها فكرة القوة المناهضة، وهي دراسة في اقتصاديات القوة أو السيطرة، والتي كانت دائماً أحد اهتمامات الإقتصاديين من المدرسة المؤسسية. وكانت وجهة نظر جالبث في هذا الصدد أن تجربة [[الولايات المتحدة]] تشير إلى أنه حيث تؤدي قوى [[السوق]] إلى ظهور نوع من التركيز و[[الإحتكار]]، فإن ذلك يخلق بالمقابل قوى معارضة ومناهضة. فنقابات العمال أكثر قوة وتنظيماً حيث تتركز [[الصناعة]]، وعلى العكس فحيث تكون الصناعة موزعة ومبعثرة بين العديد من المشروعات، فإن النقابات العمالية تكون ضعيفة أو غير موجودة. وهكذا يتحقق التوازن في القوى نتيجة التقابل بين القوى المعارضة بما يسمح بتحقق قدر أكبر من [[العدالة]]. كذلك رأى جالبرث في هذا الكتاب أنه وإن كان الإحتكار يعني-نظرياً- التراخي وعدم الكفاءة لضعف المنافسة، فإن التجربة تفيد أن كثيراً من الصناعات التي تعرف تركزاً، فإنها أيضاً الأكثر قدرة على التطور [[التكنولوجيا|التكنولوجي]]. ويرجع ذلك، في نظر جالبرث، إلى أن التقدم التكنولوجي يتطلب بطبيعته وحدات كبيرة تستطيع أن تنفق على التجارب والأبحاث. ومن هنا فإن للتركز ميزة هي تحقيق التقدم التكنولوجي.''' وهنا أيضاً نجد أن جالبرث يُشير إلى أحد الأفكار الرئيسية في فكر المدرسة المؤسسية، وهي فكرة التقدم التكنولوجي.'''
 
على أن الكتاب الذي اهتم فيه جالبرث بقضية التقدم التكنولوجي هو "الدولة الصناعية الجديدة"، 1967، The New Industrial State. وناقش فيه جالبرث خصائص المجتمع التكنولوجي الحديث، وأفرد مكاناً هاماً لطبقة المديرين والفنيين Technostructure. وهو يرى أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور المجتمع الصناعي الجديد. وفي هذا المجتمع يتراجع دور الرأسمالي ليحل محله دور الفنيين والمديرين. فهؤلاء هم الذين يسيطرون-نتيجة لمعرفتهم الفنية- على معظم القرارات في هذا المجتمع الصناعي. فالسلطة الحقيقية هي التي تنتقل في المجتمع الصناعي من طبقة الرأسماليين إلى طبقة الفنيين والمديرين. وهذه هي فكرة انفصال الملكية عن الإدارة، وكان قد أبرزها من قبل عدد من رجال القانون والإقتصاد في أمريكا، وخاصة بيرل ومينز في كتابهما "الشركات الحديثة والملكية الخاصة"، 1932. كما تناول نفس الفكرة، من منطلق ماركسي، المفكر الماركسي الأمريكي جيمس برنهام في كتابه "ثورة المديرين"، 1941. ويرى جالبرث أن بواعث المديرين والفنيين تختلف عن بواعث الراسماليين، فإذا كان هؤلاء يهتمون فقط بالربح المادي، فإن المديرين والفنيين أكثر حساسية لفكرة نمو المشروع وتوسعه، ولذلك فإن همهم الأكبر هو استمرار المشروع وتوسعه بأكثر مما هو البحث عن أقصى أرباح ممكنة. وقد استقرت هذه الفكرة فيما بعد وخاصة مه هربرت سيمون الذي أشار إلى أن المشروعات لا تسعى إلى تحقيق أقصى ربح بقدر ما تسعى لتحقيق الأرباح الكافية. <ref>د. [[حازم الببلاوي]]، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الإقتصادي، الفصل السابع: الاتجاهات المعاصرة للفكر الإقتصادي، ص166،164</ref>
 
==المؤسسية الحديثة==
السطر 43 ⟵ 42:
ومن التطورات التي أدخلتها المدرسة المؤسسية- الإنتقال ببؤرة الإهتمام من مجال الأسعار والإنتاج إلى ميدان التصرفات، مما أدى إلى ظهور ما عرف باقتصاديات التصرفات Transactions economics، وهو يتناول الظروف التي تتم فيها هذه التصرفات وما يرتبط بها من تكاليف وأعباء. وهذا ما يتطلب العناية بالظروف التي تحكم هذه التصرفات من أدوات مستخدمة (حوافز أو رقابة) ومعايير للأداء، ومعلومات متاحة والقوانين التي تحكمها وبخاصة النظام القانوني للعقود. وبالنسبة للنظام القانوني فلا يكفي الاهتمام بالقواعد القانونية القائمة، بل يجب النظر أيضاً إلى مدى تطبيقها واحترامها Law enforcing.
 
وتثير الأوضاع المؤسسية قضية المصداقية Credibility. فالتصرفات الاقتصادية تتوقف إلى حد كبير على الثقة في احترام التعهدات وفي المقدرة على الحصول على الحقوق. ويظهر ذلك بوجه خاص في قضايا الإستثمار. ومن هنا تظهر أهمية سلامة الإطار القانوني والدستوري، باعتباره أساساً للنجاح الافتصادي وحيث يتوقف على عدد من العناصر الأساسية، في مقدمتها؛ المسئولية accountability، والإستقرار، والقدرة على التنبؤ والتوقع. وهي أمور تتحقق عادة في إطار النظم الديمقراطية الدستورية. وهكذا أعادت المؤسسية الحديثة مناقشة الإطار المؤسسي للنظام الإقتصادي. فالسوق لا يعمل في فراغ، وإنما في ظل عدد من المؤسسات المناسبة. <ref>د. [[حازم الببلاوي]]، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الإقتصادي، الفصل السابع: الاتجاهات المعاصرة للفكر الإقتصادي، ص168،166</ref>
 
==مصادر==