عبد الله التعايشي: الفرق بين النسختين

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
لا ملخص تعديل
سطر 45:
[[File:SLATIN(1896) p561 THE KHALIFA INCITING HIS TROOPS TO ATTACK KASSALA.jpg|تصغير|250بك|الخليفة عبدالله التعايشي<p></p>]]
 
'''عبد الله التعايشي بن محمد التقي الجهني '''الشهير ب'''عبد الله تورشين''' ، هو خليفة [[محمد أحمد المهدي]] زعيم [[الثورة المهدية]] في [[السودان]] و قد أعقب المهدي في حكم السودان بعد وفاته في 22 [[يونيو]] / [[حزيران]] [[1885]] وحتى تاريخ مقتله في [[معركة أم دبيكرات]] يوم الجمعة 24 [[نوفمبر]] / [[تشرين الثاني]] [[1899]]. ساند المهدي وشجعه للخروج و<nowiki/>[[الثورة المهدية|إعلان ثورته]].
 
'''عبد الله التعايشي بن محمد التقي الجهني '''الشهير ب'''عبد الله تورشين''' ، هو خليفة [[محمد أحمد المهدي]] زعيم [[الثورة المهدية]] في [[السودان]] و قد أعقب المهدي في حكم السودان بعد وفاته في 22 [[يونيو]] / [[حزيران]] [[1885]] وحتى تاريخ مقتله في [[معركة أم دبيكرات]] يوم الجمعة 24 [[نوفمبر]] / [[تشرين الثاني]] [[1899]]. ساند المهدي وشجعه للخروج و<nowiki/>[[الثورة المهدية|إعلان ثورته]].
 
== مولده ونشأته ==
ينتمي الخليفة عبد الله لقبيلة [[جهينة (قبيلة)|التعايشة]] الجهنية وهي من فروع [[بقارة (أفريقيا)|البقارة]] المتواجدون في [[دارفور]]. تذكر مخطوطة آل الخليفة عبد الله التعايشي أن عبد الله هو حفيد محمد المعطي الداري. أمه هي أم نعيم من فرع الجابرات أم صرة وينتهي نسبها للعباس بن عبد المطلب.<ref>ياجي فيفان: الخليفة عبد الله وحياته وسياسته، ( في الأصل بحث أعد لرسالة دكتوراة في التاريخ ) (2011) كلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية، جامعة مونبلييه الثالثة، فرنسا، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور مكي بشير.
</ref>
 
السطر 56 ⟵ 55:
حفظ عبد الله القرآن على طريقة [[خلوة|الخلاوي]]، ودرس العلوم الدينية و [[الفقه]] و [[اللغة العربية]] مع إخوانه على يد والده، وأمضى حياته الأولى كبقية الأطفال في ذاك المسجد الذي كان قبلة لطلاب القرآن والعلوم الدينية في دارفور.
 
وعلى إثر الاضطرابات التي حدثت في [[دارفور ]] حوالي عام [[1877]] م، نزح السيد محمد وأسرته مهاجرين إلى [[الأراضي المقدسة]] حتى وصلوا أبوركبة في دار الجمع فنزلوا عند الشيخ عساكر أبو كلام. وهناك تعرفوا على الشيخ محمد ود مضوي، شيخ [[الطريقة السمانية]] وكان يتردد عليه [[محمد أحمد المهدي]] كثيراً، قبل الإعلان عن مهديته، وذلك ليساعده في [[خلوة|خلاويه]] [[جزيرة أبا| بالجزيرة أبا]] وهناك تعرف محمد أحمد المهدي على [[علي ود حلو]] وعلم بوصول أسرة التعايشي ومكانة محمد التقي فبعث إليه بخطاب يخبره برغبته في تبادل الزيارات معه لكن محمد التقي توفي قبل وصول الرسالة. وبعد أن تم رفع المأتم كلفت الأسرة إبنها الأكبر عبدالله بالذهاب إلى الشيخ محمد أحمد استجابة لخطابه. غادر عبدالله أسرته التي تركها عند الشيخ عساكر واتجه نحو مناطق [[النيل الأبيض]] وسمع وهو في الطريق عن [[صوفية|كرامات]] الشيخ [[محمد أحمد المهدي|المهدي]]، أي أفعاله الخارقة للعادة، وكان أهل السودان في ذلك الوقت بما فيهم عبدالله يتوقعون ظهور [[المهدي المنتظر]] خاصة وأن والد عبدالله كان قد أوعز إلى ابنه بظهور المهدي في جهة البحر (أي النيل) وأنه سيكون خليفته. فكان عبدالله وغيره من الناس كلما رأوا رجلا ذو دراية كبيرة بعلوم الدين والورع ظنوه أنه هو المهدي المنتظر. <ref> جورجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الأول/ مؤسسة كتاب، بيروت (2012) صفحة 238 </ref>
 
ولما وصل عبدالله إلى [[جزيرة أبا|الجزيرة أبا]] لم يجد الشيخ محمد أحمد وعلم إنه ذهب إلى قرية طيبة القريبة من مدينة [[الحصاحيصا (مدينة)| الحصاحيصا]] لبناء ضريح للشيخ القرشي ود الزين فذهب إليه هناك والتقى به وكان ذلك في أواخر عام [[1880]] م. أبدى محمد أحمد إهتماماُ بعبدالله ورافقه في رحلة عودته إلى الجزيرة أبا. وهناك سأل عبدالله الشيخ محمد أحمد فيما إذا كان هو المهدي المنتظر فأجابه بالإيجاب وطلب منه عبدالله أن يعلن عن ذلك صراحة وخرج محمد أحمد ليعلن أنه هو المهدي وأن خليفته الأول هو عبدالله حسب ما أشير إليه في [[الحضرات الخمسة|الحضرة النبوية]]. وكان أول من [[بيعة|بايعه]] هو عبدالله واسماه خليفة [[أبوبكر الصديق|أبي بكر الصديق]].
 
==اسرته==
ذكرت الباحثة الفرنسية الدكتورة فيفيان في كتابها «الخليفة عبد الله وحياته وسياسته» إن الخليفة ينتمي من جهة أمه لمجموعة قبائل [[البقارة]] [[دارفور|بدارفور]] وينحدر من عشيرة أولاد أم صرة من بطن الجبارات من [[قبيلة التعايشة]] البقارية وهي قبيلة بدوية كانت تعتمد على رعي الماشية وصيد النعام والأفيال، قدم أسلافه من جهة أبيه من تونس وهم ينتمون [[أهل البيت|لآل البيت]]<ref>ياجي فيفان: الخليفة عبد الله وحياته وسياسته، ( في الأصل بحث أعد لرسالة دكتوراة في التاريخ) (2011) كلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية، جامعة مونبلييه الثالثة، فرنسا، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور مكي بشير. </ref> وتضيف الكاتبة أنها أدرجت شجرة نسب عائلة الخليفة حسبما جاءتها من عائلته وأمه هي أم نعيم بنت الحسن ،الحسن، وكان لعشيرة أولاد أم الصرة التي ينتمي إليها عبد الله من جهتي أبيه وأمه مكانة خاصة في قبيلة التعايشة. <ref>
https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-63817.htm
</ref><ref>ياجي فيفان: الخليفة عبد الله وحياته وسياسته، ( في الأصل بحث أعد لرسالة دكتوراة في التاريخ) (2011) كلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية، جامعة مونبلييه الثالثة، فرنسا، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور مكي بشير.
</ref> وتحدثت الكاتبة عن السيد محمد القطبي الواوي جد الخليفة من ناحية أبيه ووصفته بأنه كان شيخا جليلا وكذلك ذكرت أن للشيخ موسي ثلاثة أبناء هم عمر وعثمان وعلي الكرار والد الخليفة، وله ثلاث أبناء هم محمد وأحمد وحامد وثلاث بنات هن زهراء وحواء وخادم الغني، وكان الشيخ موسى جد الخليفة شيخ من شيوخ [[الطريقة السمانية]] قرر أن يذهب إلى دارفور ويستقر بجانب أتباع عشيرة أولاد أم صرة وأستقر وسطهم في دار التعايشة وورد ذكرهم في «كتاب تشحيذ الأذهان في بلاد العرب والسودان»، ،لكاتبهلكاتبه [[محمد التونسي]] بأنهم جماعة من [[جهينة]] أتوا من ناحية [[تونس]].
 
ووالده هو محمد الملقب بـ «تور شين»، وهو اللقب نفسه الذي تلقب به عبدالله، ويعني الثور القوي الصعب أو [[الجاموس]] البري المعروف يشدة بأسه، وليس الشائن القبيح دلالة على دمامة وجهه كما زعم المؤرخ [[نعوم شقير]] <ref>
نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان، تقديم محمد إبراهيم سليم، دار الجيل، بيروت، (1981)</ref> في كتابه تاريخ وجغرافية السودان ولكن بسبب قوته الجسدية وشجاعته وقد كان شيخاَ معروفاَ من شيوخ [[الطريقة السمانية]]، إحدى [[صوفية|الطرق الصوفية]] السائدة في السودان، وعالماً من علماء علوم القرآن و [[اللغة العربية]] قام بتدريس القرآن و [[الفقه]] والحديث للعديد من أبناء قبائل دارفور وكردفان وورث عن أبوه زعامة [[الطريقة السمانية]]، وأما الطريقة الصوفية التي كانت الأولى في دارفور هي [[الطريقة التيجانية]]، وفي كردفان [[إسماعيل الولي|الطريقة الإسماعيلية]].
 
==أوصافه==
السطر 73 ⟵ 72:
كان الخليفة مربع القامة أسمر لون البشرة أشيب الشعر دقيق الملامح خفيف الشاربين بلحية مستديرة وخفيفة وعلى وجهه آثار جدري قديم، أقنى الأنف <ref>
الأقنى من الأنوف هو الذي ارتفع أعلاه واحدودب وسطه وضاق منخراه
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A3%D9%82%D9%86%D9%80%D9%89أقنـى/
</ref>قصير الشفتين تبرز من بينها اسنانه و ملامح وجهه أميل إلى الإبتسام. وكان جم النشاط وعلى الإجمال يشبه المهدي ولكنه اقصر منه قامة وأقل سمرة وأضيق جبهة وأصغر لحية وكان نحيفاً في سنواته الأولى بالمهدية ثم صار بديناً فيما بعد. وكان لباسه مثل لباس [[محمد أحمد المهدي|المهدي]] فقد كان يرتدي جبة [[الدراويش]] السودانيين المرقعة فوق سروال من قماش الدمور المعروف محليا بـ «القنجة» ويلف حول رأسه عمامة مفلجة أي غير مستقيمة الثنايا فوق عباءة مكاوية وتتدلى من العمامة على كتفه اليسرى قطعة منها طويلة تسمى محلياَ «عذبة» ويتمنطق بمرفعة حول خصره وكتفه اليسرى ويتلثم برداء من القماش [[شاش|الشاش]] الرفيع فوق العمامة بحيث لا يظهر من تحته إلا دائرة وجهه ويلف حول عنقه [[مسبحة]] كبيرة ويضع قدميه داخل [[خف]] أصفر في حذاء أصفر اللون. ويخلع الحذاء ويُبقِي الخف إذا جلس [[القرفصاء]] متربعاً فوق سرير منخفض يعرف [[عنقريب|بالعنقريب]] فوقه [[فرو|فروة]] من جلد [[الضأن]] وهي التي يصلي عليها وفوقها أيضاً لفظ انفاسه الأخيرة في أرض معركة الدبيكرات. <ref>عبدالله حسن: السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، الجزء الأول، أكتوبر، (1935)، صفحة 298</ref>
[[File:Mahdist in the Khalifa's house, Omdurman, Sudan.png|تصغير|جبة الدراويش المرقعة يرتديها حاجب ببيت الخليفة وعلى رأسه العمامة ذات العذبة]]
وكان الخليفة يحب النظافة والاعتناء بالبدن ويتطيب بالعطور والروائح الطيبة يضع سيفه على يساره وعلى يمينه رمح قصير هدندوي الصنع. وكان إذا مشى يعرج خفيفاً ويرجع ذلك إلى كسر في ساقه تعرض له عند سقوطه من جواده أثناء القتال في [[معركة الأبيض|معركة فتح الأبيض]]. وفي تجواله يمشي خلفه فتيان من الأحباش يطلق عليهم الملازمين أحدهم اسمه سليمان والآخر ابراهيم <ref>مذكرات يوسف ميخائيل: التركية والمهدية والحكم الثنائي في السودان ،السودان، تقديم وتوثيق د. أحمد ابراهيم أبوشوك، مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، طبعة ثالثة، الدوحة (2016) ص 158 </ref> وكان الخليفة يقيم في منزل مبني من الطين بالقرب من ضريح المهدي، قام بتشييده حمد عبد النور وهو واحد من [[الأنصار]] ووضع خريطته معماري إيطالي يُدعَى بيترو في عام [[1887]]، ويشكل بيت الخليفة سكناً له وفيه أيضاً ديوان حكمه ومقر عمله، كما كان الخليفة يقابل فيه الأمراء والكتّاب وكبار مساعديه وسفراء الدول الأجنبية كسفير أمبراطور [[الحبشة]]. واصبح المبنى منذ عام [[1928]] [[متحف بيت الخليفة (أمدرمان)|متحفاً]] لآثار الدولة المهدية.<ref>
http://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2016/11/22/%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%81متحف-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D9%81%D8%A9الخليفة-%D8%B9%D8%A8%D8%AFعبد-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87الله-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%8A%D8%B4%D9%8Aالتعايشي-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D8%A9تحفة-%D8%A3%D8%AB%D8%B1%D9%8A%D8%A9أثرية-%D8%A8%D8%A3%D9%85بأم-%D8%AF%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%86درمان
</ref>
 
==إبنائه==
وللخليفة أربع نساء منهن زهرة التعايشية زوجته الأولى (والدة الأمير [[عثمان شيخ الدين]]) وأم كلثوم بنت [[محمد أحمد المهدي|المهدي]]. وقد بلغ عدد أولاده منهن 21 ذكرا و11 انثي. وتقول بعض الروايات كان لديه عدد كبير من الجواري. <ref>عبدالله حسن: السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية ،المصرية، الجزء الأول ، أكتوبرالأول، ،أكتوبر، 1935 صفحة 298
</ref>
ومن أبنائه الأمير [[عثمان شيخ الدين]] ، قائد قوات الملازمين (والد كل من خالد وعمر وسليمان وعلي وداؤود) وعبدالسلام الخليفة، وعبدالرحمن، ويعقوب، وعبد الصمد، ويحيي، وعمر، ومحمد الأمين، ومحمد المهديالمهدي، ،ومحمدومحمد الطاهر، وإبراهيم ،وإبراهيم، وحمزة، والطيب، وفضل، وعبدالرحيم، ومحمد السيد، وحسن، وسليمان، وسليمان ،وداود،وداود، (وهو والد كل من محمد داؤود الخليفة عضو [[مجلس السيادة]] السابق والدكتور مأمون داؤود الخليفة) وعبدالمجيد، وإسماعيل، وعبد السلام وآدم، ويوسف، وعلي.
 
أما بناته فهن: الرضية الخليفة، وخديجة (التي تزوجها البشرى ابن الإمام المهدي) وحليمة السعدية (زوجة الأمير إسماعيل أحمد) ومريم (زوجة عبدالمجيد ابن الأمير يعقوب) ، نور الشام (زوجة أحمد يعقوب محمد)، وحواء (زوجة عمر يعقوب محمد) والطاهرة، (زوجة موسى ابن الخليفة [[علي ود حلو]]) وصافية، (زوجة يعقوب الخليفة علي ود الحلو) ونفيسة زوجة (محمد ابن الأمير [[محمود ود أحمد]]) ورابعة، وزهرة، وآمنة، وأم نعيم وخادم الله. ويعيش معظمهنَّ في [[أحياء أم درمان|حي الأمراء]] [[أم درمان| بأم درمان]].
 
== الدعوة المهدية ==
السطر 96 ⟵ 95:
 
==مبايعته خليفة للمهدي==
عقب وفاة المهدي مباشرة صعد الخليفة عبدالله المنبر وخاطب [[الأنصار]] متسائلاَ: «أيها المؤمنون أين سيد المرسلين أين حبيب رب العالمين . وهذا ما وعد الله آمنوا بالله ورسوله . ولقد حانت ساعته وهذا ما علمنا له الأمام المهدي بوضوح. إن كنتم تعبدون المهدي فإن المهدي قد مات ورحل ،ورحل، وإن كنتم تعبدون الله فإن الله حي لا يموت. ولا شك ان جميع الناس سوف يشربون من كأس الموت قولوا إنا لله وإنا إليه راجعون هكذا قاله سلفكم الصالح ،الصالح، واستحقوا بذلك صلوات الله ورحمته عليه أولئك هم المهتدون .» وواضح إن هذه الخطبة شبيهة بخطبة أبي بكر الصديق خليفة النبي محمد بعد وفاة النبي مباشرة. <ref>
https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-63817.htm
</ref>
 
وما ان انتهت مراسيم دفن المهدي، حتى قام الأشراف اقرباء المهدي مطالبين بالخلافة، إلا أن الخليفة [[علي ود حلو]]، أحد الخلفاء الذين عينهم المهدي، وقاضى الاسلام أحمد علي وأخرين قالوا لهم بأن الخلافة يجب أن تكون من حق الخليفة عبد الله حسب أوامر المهدي وأعادوا إلى أذهانهم إعلان المهدي ومنشوره بعد فتح [[الأبيض (مدينة)|الأبيض]] الذي أعلن فيه للجميع بأن الخليفة عبد الله هو منه.وأخذ الناس يتجاوبون مع هذا الكلام يومئون برؤوسهم موافقين بينما ظل الخليفة صامتاً حتى قام الفكي الداداري وهو من قبيلة [[الفلاتة]] وبادر برفع يد الخليفة عبد الله قائلاَ: «بايعناك يا خليفة المهدي» <ref>
http://dspace.iua.edu.sd/bitstream/123456789/1455/1/%D8%A8%D9%8A%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%84%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%AC%D8%B1بين النيل والنيجر.pdf
</ref>ثم قام أحمد شرفي، كبير الأشراف أقارب المهدي وصهر المهدي، فأخذ سيف المهدي وعمامته و سلمها للخليفة عبد الله مردداَ بايعناك يا خليفة المهدي ثم جاء بعده الخليفة علي ود حلو والسيد المكي و [[بيعة|بايعاه]] وتبعهم بقية الحاضرين بما فيهم الخليفة شريف.
وبعد [[البيعة]] ألقى الخليفة خطاباً قال فيه: «أعلموا أن الضعيف عندي قوي حتى آخذ له حقه من القوي وأن القوي فيكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه للضعيف.» ثم أصدر أول منشور له أمر بتوزيعه في كل مكان وتضمن الإعلان الرسمي عن وفاة المهدي وفيه ترحم الخليفة على روح المهدي الذي توفي يوم الاثنين 8 [[رمضان]] [[1302]] هـ وقت الضحى ودفن بعد صلاة الفجر داخل بيته بأم درمان في المكان الذي أقيم عليه ضريحه لاحقاَ. ثم كتب الخليفة إلى مشايخ السودان بالحضور إليه كافة إلى [[أم درمان]] لتجديد البيعة وزيارة ضريح المهدي. أمتنع عن الحضور صالح الكباشي زعيم [[الكبابيش]] وموسى مادبو شيخ [[الرزيقات]] وعوض الكريم ابوسن باشا شيخ [[الشكرية]] ومحمود ود زايد شيخ [[الضباينة]] الذي عفا عنه الخليفة لاحقاً بخلاف الممتنعين الآخرين الذين عاقبهم بالسجن<ref> عبدالله حسن: السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، الجزء الأول، أكتوبر، 1935 صفحة 298</ref>
 
==تمرد الأشراف عليه==
كان الأشراف أقرباء المهدي بزعامة الخليفة شريف يرون بأنهم أحق بالخلافة من عبدالله تور شين وأوعزو ذلك إلى المهدي لكنه رفض طلبهم. وبعد وفاته بايعوا الخليفة عبدالله ولكن على مضض ثم جاء موت محمود عبدالقادر عامل الغرب في قتال مع [[النوبة]] وكان من الأشراف، . فعقد الأشراف اجتماعاً فيما بينهم للنظر في إمكانية أن يتولى أحدهم المنصب، وبلغ الخبر الخليفة الذي قام بسرعة بتعيين شخص يثق فيه. وأدرك نواياهم في توسيع نفوذهم فظل يعمل بصمت في استغلال أية سانحة تمكنه من تجريدهم من الأسلحة والنفوذ وسحب راياتهم وقطع المرتبات المالية عنهم وتم له ذلك، فساءت العلاقة بينه وبينهم وسادت الشائعات لتحل محل المصارحة والتشاور حتى سرت شائعة تقول بأن الخليفة عبدالله ينوي القبض على زعيمهم الخليفة شريف. عقد الأشراف مجددا اجتماعاً في [[نوفمبر]] / [[تشرين الثاني]] عام [[1891]]، قرروا فيه الإطاحة بالخليفة قسراً والقبض على ناصية الأمور في البلاد. أعد الخليفة شريف الخطة سراً مع اثنين من أبناء المهدي الصغار.<ref>
سلاطين باشا: السيف والنار في السودان، تعريب جريدة البلاغ، (1930). ص. 214 </ref> وقاموا بكسر أبواب أحد مخازن السلاح واستولوا على اسلحة ثم تجمهرت اعداد كبيرة منهم حول قبة المهدي التي تواجه بيت الخليفة. علم الخليفة بما حدث فأصدر أوامره لمواجهة التمرد بإعلان حالة التأهب وسط قوات الملازمين وهي بمثابة حرس رئاسي، وقوات الجهادية المسلحة بأسلحة نارية وقوات الراية الزرقاء وأمر أخاه الأمير [[يعقوب محمد جراب الرأي]] باحتلال المسجد، وهو ساحة كبيرة مجاورة لبيت الخليفة. حدث تراشق طفيف بالنيران انتهى في وقت قصير وقدرت الخسارة بخمس قتلى، <ref>سلاطين باشا: السيف والنار في السودان، تعريب جريدة البلاغ، (1930). ص. 214 </ref> إلا أن الخليفة عبدالله لم يكن يرغب في تصعيد الأمر لبلوغ مواجهة عسكرية شاملة قد تحث فوضى في العاصمة يصعب السيطرة عليها وتقوم جماعات البقارة الوافدة بنهب المدينة والعودة إلى ديارها، فأرسل إلى الأمير علي ود حلو يدعوه إلى التوسط لحل الأزمة وأن يطلب من الخليفة شريف تقديم طلباته وشروطه. وتم الاتفاق علي أن يقوم الخليفة عبدالله برد الاعتبار للخليفة محمد شريف وإعادة رايته إليه وأن يجعله من أهل المشورة ،المشورة، ويمنحه معاشا شهرياَ هو وأبناء وأرامل المهدي ثم اصدار عفو عام على من حملوا السلاح ضده. وفي المقابل، يقوم الأشراف بتسليم أسلحتهم ويعلنون خضوعهم لسلطة الخليفة. <ref>
http://www.sudanile.com/index.php?option=com_content&view=article&id=35124:aB@@2Aa&catid=265&Itemid=55
</ref> وكان الخليفة شريف قد اشترط ايضاً عزل كل من الأمير يعقوب محمد وقاضي الإسلام أحمد علي واطلاق سراح الأمير [[خالد زقل]] وهي الشروط التي تم التنازل عنها ولكنها زادت من حنق الأمير يعقوب والقاضي أحمد علي على الخليفة شريف والأشراف.
 
أصر القاضي أحمد علي الذي كان يحمل ضغينة ضد الخليفة محمد شريف على محاكمة المتمردين بذريعة أنه لا يُؤمَن جانبهم وحتى يكون عقابهم ردعاً لمن يفكر في إحداث فتنة وحاول إقناع الخليفة بأنه في حلِّ مما وعد به. وجمع مجلسه القضائي وحكم على زعماء وقادة الاشراف الذين شاركوا فيما وصفه بالفتنة بقطع رؤوسهم وقطع أرجل وأيادي الباقين من خلاف. لم يوافق الخليفة على ذلك وكذلك اعترض السيد المكي اسماعيل المولى وهو دنقلاوي من كردفان ومن اوائل الذين بايعوا الخليفة، مقترحاً نفيهم إذا كان الغرض من المحاكمة هو اتقاء شرهم. وبعد جدل وأخذ وعطاء تم الاتفاق في نهاية المطاف على نفي قادة المحاولة وهم أحمد ود سليمان أمين بيت المال و فوزي محمود وشقيقه حمدي كاتبا الخليفة ،الخليفة، وأحمد النور كاتب الخليفة محمد شريف، وكل من أحمد محمد خير و صالح ود سوار الذهب وسعيد محمد فرح أحد زعماء القبائل في [[دنقلا]] إلى [[فشودة]] في [[جنوب السودان]] ، لكن ما حدث هو أن تم قتلهم هناك فقد عقد القاضي أحمد جلسة أخرى غيابية وقضى باعدامهم. وكان من الطبيعي أن يبدي الخليفة شريف سخطه على ما جرى ويعبّر عن استيائه فانقطع عن صلاة الجمعة والجماعة مع الخليفة وكان ذلك بمثابة عصيان أدى بالخليفة إلى عقد مجلس محاسبة يضم 46 عضوا من الأمراء والقضاة في 2 [[مارس]] / [[آذار]] [[1892]]، أدانوا فيه الخليفة شريف الذي قابلهم عند اللقاء به بالجفاء وأقبح الألفاظ فقرروا سجنه وهكذا ظل الخليفة شريف في السجن حتى وردت انباء تحركات الجيش المصري الإنجليزي في الحدود فتم إطلاق سراحه لتوحيد [[الجبهة الداخلية]] ضد الغزو وبعد [[معركة كرري]] تم القاء القبض عليه ونقل إلى سجن [[رشيد]] [[مصر|بمصر]] وبقي فيه حتى مماته.<ref> مكي شبيكة:تاريخ شعوب وادي النيل في القرن التاسع عشر الميلادي، دار الثقافة بيروت (1980). ص ص 701 و703 </ref>
 
== إدارة الدولة ==
السطر 119 ⟵ 118:
أدار الخليفة عبد الله الدولة السودانية خلال 14 عاماً. حيث بدأ حكمه يوم وفاة المهدي في [[22 يونيو]] / [[حزيران]] [[1885|1885م]] وحتى تاريخ وفاته بأم دبيكرات يوم الجمعة [[24 نوفمبر]] / [[تشرين الثاني]] [[1899|1899م]]، تمددت فيها الدولة المركزية، وعاصمتها [[أم درمان]]، بين [[دارفور]] في الغرب وإلى [[البحر الأحمر]] شرقاً، ومن [[نيمولي]] في أقاصى الجنوب إلى [[دنقلا (مدينة)|دنقلا]] عند أدنى الشمال، لكنه واجه صعوبات داخلية جمة منها خلافاته مع الأشراف الذين جاهروا له العداء وأظهروا عدم طاعتهم له ولحكومته وتحديات خارجية كأطماع القوى الإستعمارية المحدقة بدولته وأخطار الغزو الخارجي من جهة الشمال.
 
ترك المهدي لخليفته تركة مثقلة بالمشاكل الداخلية والمسؤوليات الجسام فكثير من اتباع المهدية واركان دولتها سلموا لها كرهاً وخوفاً على رقابهم وأموالهم وكثير منهم لم ينه ولائه لشيوخ طريقته [[طرق صوفية|الصوفية]]. ووفقا للمؤرخ السوداني مكي شبيكة فإن المهدي ذكر أن هناك ستة من البشر لا يرضون بأمره وهم: «العالم والظالم و الأتراك و ربائبهم الذين تربوا في كنفهم وأهل الشأن وأهل البرهان الذين يريدون ادلة على مهدية المهدي» . وبعض هؤلاء شغل وظائف إدارية وتبوأ مناصب تنفيذية و اضطلع بمهام قضائية في الدولة فكان فيهم المحاسبين والإداريين والقضاة والكتبة والمترجمين <ref>مكي شبيكة:تاريخ شعوب وادي النيل في القرن التاسع عشر الميلادي ،الميلادي، دار الثقافة بيروت (1980). ص ص 692 و693
</ref>
 
وبوفاة المهدي بدأت هذه العناصر في الجهر برفضها وعصيانها للمهدية، وقابل الخليفة ذلك بتدابير احترازية وإجراءات ردعية تارة باللين وتارة بالحيلة وتارة ثالثة بالقسوة وكان أولها هو أن يحيط نفسه بمن يثق فيهم. فعين أخاه الأمير [[يعقوب محمد جراب الرأي]] مساعداً له يشرف على الجيش وعلى [[بيت المال]] ويعني بشؤون محطات الحدود والعبور و بأمور العاصمة [[أم درمان]]. كذلك أراد الخليفة أن يسند مركزه بقبائل البقارة التي ينتمي إليها وبالأخص عشيرته التعايشة، فأوعز برحيل جزء كبير منها إلى أم درمان تحت حجة زيارة ضريح الأمام المهدي والإقامة بجواره. ولما أدرك معارضوه مغزى سياسته هذه وتبين لهم إنه يريد اقصائهم عن شؤون الحكم والإدارة ويستبدلهم بأنصاره وأبناء عشيرته وذويه أبدوا تذمرهم علناً خاصة الأشراف أقرباء المهدي الذين اصطدموا معه عسكرياُ أكثر من مرة.<ref>مكي شبيكة:تاريخ شعوب وادي النيل في القرن التاسع عشر الميلادي، دار الثقافة بيروت (1980)، ص 701
</ref>
 
واجه الخليفة عبد الله مصاعب أخرى وتحديات منها مسألة تنظيم الدولة والإدارة والنهوض بها من انقاض [[التركية السابقة]] التي قضي الأنصار على ما تبقى منها عند فتحهم الخرطوم، ومسألة الخلافات الداخلية بين أمراء وقادة جيوشه وعصيان بعض القبائل وتمردها عليه والتهديدات الخارجية بما فيها التهديدات [[انجلترا|الانجليزية]] في جهة [[دنقلا]] شمالاَ و[[إيطاليا|الإيطالية]] بجهة [[كسلا]] و [[القلابات]] والحروب مع [[الحبشة]] ووجود جيوب جيوش أجنبية في منطقة الإستوائية ([[جنوب السودان|بجنوب السودان]] حالياً)، وآثار المجاعة التي ضربت أطنابها بالبلاد وغير ذلك من المشاكل الأخرى المتنوعة. ووفقاَ للمؤرخ نعوم شقير أنه لولا الدهاء والحزم الذي فُطِر عليهما عبد الله التعايشي لتصدعت أركان الدولة المهدية وعمت الفوضى السودان.<ref>نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان، تقديم محمد ابراهيم سليم، دار الجيل، بيروت، (1981). ص 641</ref>بينما وصفه الكاتب البريطاني ليفيرينغ بأنه كان ورعاً، ذكياً، وقائداً عسكريا وإدارياً مقتدراً، ولكنه لم يتمكن من التغلب على الإنشقاقات القبيلية وإضطر إلى توظيف المصريين لتوفير الكادر الفني المدرب للحفاظ على دولة الخلافة الإسلامية التي أعلنها<ref>
Lewis, David Levering (1987). "Khalifa, Khedive, and Kitchener". The Race for Fashoda. New York: Weidenfeld & Nicolson
</ref>
 
تبنى الخليفة سياسة ارتكزت على ثلاث دعامات:
#الحفاظ على شعائر المهدية إذ لا شيء يربطه بأنصاره سواها ولا شرعية أو حجية له في الحكم إلا بها،
#مراقبة المناوئين لحكمه والرافضين لخلافته والمنافسين له على السلطة وذلك بالتنكيل بهم ونفيهم أو سجنهم أو حتى تدبير قتلهم متى سنحت فرصة ارتكابهم خطأ فادحاً مميتاً.
#حصر المناصب العليا في أهله التعايشة ومريديه من الجماعات الأخرى<ref>نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان، تقديم محمد ابراهيم سليم، دار الجيل، بيروت، (1981)
</ref>
 
السطر 138 ⟵ 137:
[[File:09. Idris-es-Saier.png|تصغير|يمين|ادريس الساير رئيس سجن الساير في أم درمان]]
[[File:SLATIN(1896) p587 THE KHALIFA AND CADIS IN COUNCIL.jpg|تصغير|قاضي الإسلام في إحدى جلسات محكمته]]
قسم الخليفة السودان إدارياً إلى ثمان [[عمالة|عمالات]] هي: الجزيرة، وشرق النيل الأكبر، وغرب النيل الأكبر، وجبال ادريس ،ادريس، وغرب بحر ابيض، وشات، والبادية الغربية، والبادية الشرقية، إلى جانب عمالة الشلك والدينكا ومديرية فشودة بالجنوب. وكان لكل عمالة [[عامل]] يرأسها وينفذ ما يصدر إليه من أوامر و قرارات ومنشورات تصدر من العاصمة أم درمان وخزانة خاصة بها تتمثل في [[بيت مال]] العمالة وقاضي ونائب قاضي. <ref>جورجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الأول/ مؤسسة كتاب، بيروت (2012) </ref> .وأوكل القضاء العالي في الدولة إلى قاضي الإسلام باعتباره أعلى سلطة قضائية وهي الوظيفة التي تولاها أول مرة القاضي أحمد علي تلاه [[حسين ود زهرة]] من قبيلة [[الجعليين]] وكان خريجا في [[الأزهر الشريف]] [[مصر|بمصر]]. ويلي قاضي الإسلام في الترتيب قضاة محاكم العمالات وقاضي الملازمين بأم درمان وهو أشبه [[شرطة عسكرية|بالشرطة العسكرية الحالية]] الذي يعني بضبط سلوك افراد القوات العسكرية ومحاسبتهم. كما كان هناك قاضيان لبيت المال يفصلان في القضايا ذات الصلة بالمال العام. <ref> جورجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الأول/ مؤسسة كتاب، بيروت (2012) ص 149</ref> وكانت [[الشريعة الإسلامية]] هي المصدر الأساسي للحكم إلى جانب تعاليم المهدي. ويودع المحكوم عليهم بعقوبة السجن في سجن الساير بأم درمان (دار الرياضة حالياً) الذي اطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى رئيسه إدريس الساير. <ref>عبدالله حسن: السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية ،المصرية، الجزء الأول، أكتوبر 1935 ص 149</ref>وعرف نظام العقوبات في دولة المهدية ممارسات التعذيب والإعدامات والنفي.
 
وأورد المؤرخ مكي شبيكة عمالات [[بربر]] و [[دنقلا]] والغرب و [[كسلا]] كعمالات كبرى تخضع للرقابة المباشرة للسلطة المركزية في أم درمان أي للخليفة، وإن العامل يتولى الإدارة وقيادة الجيش في عمالته. أما الأمراء فهم يتركزون في [[حامية عسكرية|حاميات]] حدودية لحماية المنافذ التي عرفت باسم البوغازات ويخضعون لعمال العمالات.<ref> شبيكة: ص. 707 </ref>
 
وتمثل [[بيت المال]] خزينة الدولة ومصادرها [[الزكاة]] والغنائم و نظام ضريبي يشمل العشور الجمركية وخراج [[الصمغ العربي]] وغلة الأرض وجباية القوارب وقروض من التجار واتاوات العبور وحصة الحكومة المركزية في أم درمان من بيوت أموال العمالات بالأقاليم <ref> جورجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الأول، مؤسسة كتاب، بيروت (2012). ص 144
</ref> كما قام الخليقة بضرب نقود فضية منها «ريال المهدي» و«المقبول» «وأبو بدر» «وأبو كيس» الذي كان يحمل رسم رمحين متقاطعين .<ref>عبدالله حسن: السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية ،المصرية، الجزء الأول، أكتوبر 1935 ص 149
</ref>
 
السطر 149 ⟵ 148:
والحسابات والادارة الحكومية ومن بينهم المسيحي القبطي [[يوسف ميخائيل]] الذي كان يستشيره الخليفة أحيانا في بعض الأمور الخارجية <ref>
https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-63817.htm
</ref> كما كان بعض التلاميذ يلتحقون ببيت المال للتدريب والعمل فيها بعد إكمال دراستهم الأولية في المساجد. وفيما يتعلق بالتجارة فإنها حسب رأي سلاطين باشا قد ازدهرت بعد كساد أصابها لفترة، خاصة بعد قيام بعض التجار السودانيين بتهريب الحلى الفضية والذهبية، بعد سقوط الخرطوم إلى [[أسوان]] بكميات كبيرة «فأصدر الخليفة أوامر متشددة للتجار بعدم حمل الذهب والفضة معهم إلى مصر مهما كانت حاجتهم لها هناك وسمح فقط بمقدار من المال تحدده بيت المال حتى لا تضيع أموال الشعب السوداني في إنفاق غير مشروع في نظر الخليفة الذي لم يكتف بذلك بل جعل العملة التي يحملونها من الطراز القديم على أن تحدد قيمتها في جواز سفر التاجر».<ref> سلاطين باشا:السيف والنار في السودان، الهيئة المصرية للكتاب (1999)</ref>، ولكن من ناحية أخرى أهمل الخليفة قطاع الزراعة وتركها للمزارعين التقليديين وركز على صناعة الأسلحة والمراكب ولكنه أبقى على الترسانة وخط التلغراف وانشأ معملاً لصناعة الصابون <ref> عبدالله حسن: السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية، الجزء الأولالأول، ، اكتوبر ،اكتوبر، 1935 ص ص 298-299
</ref>
 
السطر 157 ⟵ 156:
[[File:Images from Sudan.jpg|تصغير|مدفع ببيت الخليفة]]
[[File:عربة الخليفة عبد الله-.jpg|تصغير|احدى المركبات التي غنمها الأنصار عند سقوط الخرطوم وقد استخدمها الخليفة اثناء استعراضه الدوري لجيشه قبل عن يقلع عن ذلك نهائيا ويستخدم الخيل أو الجمال بدلا عنها]]
بلغ عدد أفراد قواته 150 ألف منهم 46 ألف من [[المشاة]] حملة السيوف والرماح والسهام و66 ألف من فرسان الخيالة و36 ألف من الجهادية المسلحين بالأسلحة النارية ويتضاعف عدد القوات عندما ينضم اليها متطوعي القبائل و هناك حوالي 60 الى 70 ألف من هجانة البريد راكبو الجمال. وأما ترسانته العسكرية فكانت تتكون من 74 مدفعا منها 6 مدافع من طراز [[w:Krupp gun|كروب]] ذات الفوهة الواسعة و حوالي 40350 قطعة من البنادق المختلفة نصفها تقريبا من طراز [[أسلحة ريمينغتون|ريمنجتون]]<ref>جورجي زيدان: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الأول، مؤسسة كتاب، بيروت (2012). ص 143
</ref> وقد توسعت الدولة في عهده فزادت [[حامية عسكرية|حاميات]] المدن الحدودية كما في مناطق [[كسلا]] و[[القلابات]] و [[وادي حلفا]] وحتى في أقصى الجنوب كما في [[فشودة]]. وكان الجيش كله تحت قيادة [[يعقوب محمد جراب الرأي|الأمير يعقوب]]، شقيق الخليفة.
 
وينقسم الجيش إلى 6 أقسام الجهادية وهي قوات نظامية مسلحة بأسلحة نارية وقائدها جاموس النوبي والملازمين وهي حرس الخليفة وقائدهم الأمير [[عثمان شيخ الدين]]، إبن الخليفة، والكارة بقيادة إبراهيم الخليل، الراية الزرقاء بقيادة الأمير يعقوب، والراية الصفراء بقيادة الخليفة [[محمد شريف]] والراية الخضراء بقيادة الخليفة [[علي ود حلو]].
 
وتعتبر فرقة الملازمين وهي الأكثر تنظيماً وتسليحاً وهي بمثابة الحرس الخاص بالخليفة وتتكون من [[الجهادية السود]] وأولاد العرب وقائدهم هو الأمير شيخ الدين. وقد حافظ الخليفة على نظم التدريب والفنون الحربية التي كانت في عهد التركية مع تغيير بطبيعة الحال في العقيدة العسكرية والمسميات والمصطلحات العسكرية (فمثلاً تحولت كلمة صفدن التركية إلى اليمين دور ،دور، وصلدن إلى شمالك وكلمة حاز دور إاى اللهم أنصر راح دور إلى اللهم أستر)<ref> شبيكة:ص 708</ref>.
 
و [[سرية (وحدة عسكرية)|السرية]] هي الوحدة الرئيسية في التنظيم الحربي في جيش الخليفة وتتكون من مائة مقاتل بقيادة رأس المية وتحت قيادته خمسة مقاديم (المفرد مقدم) على رأس الفصائل وكل فصيل مكون من 20 مقاتل. ويقود الجيوش الأمراء.
 
وكان الخليفة في بداية عهده يستعرض جيشه اسبوعياً كل يوم جمعة في ساحة العرضة غرب أم درمان ([[العرضة (أم درمان)|حي العرضة]] حالياُ)، ثم اصبح العرض العسكري ينظم 4 مرات في العام خلال احتفالات [[عيد الفطر ]] و [[عيد الأضحى]] و [[المولد النبوي]] و[[عاشوراء]] وتشارك فيه فرق عسكرية من خارج أم درمان تعرض فنونها القتالية وجاهزيتها ولياقتها البدنية واسلحتها.<ref>محمد ابراهيم سليم: تاريخ الخرطوم، ص 110</ref>
 
===السياسة الخارجية===
[[File:SLATIN(1896) p279 A DERVISH EMIR.jpg|تصغير|يمين|أمير من أمراء المهدية في كامل حلته]]
تركزت سياسة الخليفة الخارجية على نشر الدعوة للمهدية عن طريق فتح الأمصار استمرارا لسياسة خَلَفَه المهدي ولذلك أرسل رسائل تنطوي على تحذير وترغيب إلى كل من [[الخديوي توفيق]] خديوي مصر و[[الملكة فيكتوريا]] ملكة [[بريطانيا]] العظمى و [[السلطان عبد الحميد الثاني]] [[خليفة المسلمين]] وسلطان [[الدولة العثمانية]] كما كتب إلى قبائل [[الحجاز]] وأهل [[المدينة المنورة]] و [[محمد السنوسي]] في [[ليبيا]] والسلطان محمد يوسف سلطان [[سلطنة وداي|وداي]] والسلطان حياتو بن محمد بلو سلطان [[خلافة صكتو|سوكوتو]] (في [[نيجيريا]] الحالية) و الإمبراطور [[منليك الثاني]] إمبراطور [[الحبشة]]. ورابح الزبير ابن [[الزبير باشا رحمة]] أحد كبار زعماء المناطق المتهمون [[نخاسة|بالنخاسة]] والذي فر إلى الغرب الأوسط الأفريقي مستخدما راية المهدية.
<ref>نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان، تقديم محمد ابراهيم سليم، دار الجيل، بيروت، (1981) ص.642</ref>
 
ففي رسالته إلى الخديوي توفيق يقول: «لو كان قصدي من هذا الأمر ملك الدنيا الزائل (..) لكان في السودان وملحقاتها كفاية كما تعلم من اتساعها وتنوع ثمراتها (..)، ولكن القصد هو إحياء السنة المحمدية والطريقة النبوية». أما رسالته إلى الملكة فيكتوريا فقد ذكر فيها بأنه خليفة المهدي المنتظر القافي أثره. ودعاها إلى الإسلام قائلاً: «إن إسلمتِ واتبعتِ المهدي عليه السلام وأذعنتِ لحكمي فإني ابشرك بالخير والنجاة من عذاب السعير ». وحذرها من مغبة الظن بأن جيوش المهدية تتخاذل عن نصرته ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، « فهذا توهم فاسد وغرور كاسد فرجال المهدية رجال طبعهم الله على حب الموت فصاروا أشداء على الكفار» . وفي رسالته إلى السلطان عبدالحميد خاطبه قائلا: «ومع كونك تدعي إنك سلطان الأسلام القائم بتأييد سنة خير الأنام فمالك معرضاً عن إجابة داعي الله إلى هذا الآن ،الآن، ومقراً رعيتك على محاربة حزب الله وصرفت مجهودك في إعانة أهل الأصنام على هدم أركان الإسلام».<ref> شبيكة. ص ص. 711-712 </ref>
 
وشن الخليفة حروباَ على الحبشة حيث ارسل أولا الأمير [[حمدان أبو عنجة]] ثم الأمير [[الزاكي طمل]] الذي هزم جيش الأحباش وتوغل حتى مدينة [[قوندر|غندار]] بعد مصرع الأمبراطور [[يوحنس الرابع| الامبراطور يوهانس الرابع]]. وحاول الخليفة فتح مصر وارسل حملة بقيادة الأمير [[عبد الرحمن النجومي]] ودخل في مناوشات عسكرية مع الإيطاليين في الحدود الشرقية للسودان <ref>
السطر 179 ⟵ 178:
</ref>
 
وكان الخليفة قد أبرم معاهدة مع الإمبراطور منليك الثاني ملك ملوك الحبشة وبمقتضاها تنازل منليك لحكومة الخليفة عن أراض متاخمة للسودان لكن الخليفة أمر لاحقاً بحرق المعاهدة. ورغم علاقة العداء التي كانت بينه وبين الحبشة بعث منليك بمبعوث إلى الخليفة سلمه راية فرنسية لكي يرفعها في حدود ملكه في [[وادي حلفا]] حتى يكون تحت حماية [[فرنسا]] على غرار حمايتها على [[الحماية الفرنسية على تونس|تونس]] و [[الحماية الفرنسية على المغرب|المغرب]] وبذلك لا تستطيع القوات البريطانية غزو السودان. لكن الخليفة تغاضى عن ذلك <ref> مذكرات يوسف ميخائيل: التركية والمهدية والحكم الثنائي في السودان تقديم وتوثيق د. أحمد ابراهيم أبوشوك، مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، طبعة ثالثة، الدوحة (2016) ص 148 وقد أكد موضوع الراية الفرنسية خالد العمرابي أحد ممثلي الدولة المهدية في الوفد المفاوض مع الأحباش.</ref><ref>محمد سعيد القدال: تاريخ السودان . ص 178-185، انظر أيضا هوامش مذكرات يوسف ميخائيل صفحة 148</ref><ref>مكي شبيكة:تاريخ شعوب وادي النيل في القرن التاسع عشر الميلادي ،الميلادي، دار الثقافة بيروت (1980) </ref>
 
== سياسات التحول الاجتماعي في السودان ==
رغم الفهم الخاطئ الذي لازم تعاطي الأشراف، أقارب المهدي، مع سياساته كتهجير أولاد الغرب، قبائل غرب السودان، فإن ثمة نتائج باهرة تمخضت عن تلك الهجرات فيما بعد. وقد تعمد الخليفة تطبيق ذلك مما أدى إلى ثورة أبناء الغرب ،الغرب، أنفسهم، حيث أبدوا فيما بعد تحفظهم على بعض ما أتاه. لقد لقي الخليفة وهو قادم من أقصى الغرب مدفوعاً بحماس الدعوة للمهدية ونصرتها، متاعب من قبائل كردفان ودارفور مثل الكبابيش و<nowiki/>[[الرزيقات]] و<nowiki/>[[الفور]] والمساليت والميدوب والماهرية والزبادية والهبانية وبني هلبة بدرجة أكثر شدة ومرارة مما شهده من متاعب من قبائل تقيم على النيل. فتمردت قبائل النوبة في الجبال وجاهر زعيم الرزيقات مادبو بعصيانه للخليفة حتى قتل واتصل الشيخ صالح بك زعيم قبيلة الكبابيش بالحكومة المصرية طالبا المعونة العسكرية لمحاربة الخليفة وطالب الأمير يوسف في دار فور بعرش أجداده قبل مقتله وفي دار تامة تزعم الفكي أبو جميزة قبائل فرب دارفور ولقب نفسه بالخليفة الرابع للمهدي وخليفة [[عثمان بن عفان]] قبل أن يموت بوباء [[الجدري]]. <ref> شبيكة: ص ص 713-717</ref>
 
== نجاحات ==
رغم التحديات الخارجية التي تزامنت مع فترة حكم الخليفة عبد الله تورشين كالمطامع من جانب [[إنجلترا]] و[[مصر]] و[[فرنسا]] و [[الحبشة]]، إلا أنه نجح في إدارة دولته والحفاظ على حدودها في كافة الجبهات وأثر في تشكيل خارطة الأنظمة في الإقليم. ففي [[إثيوبيا]] مثلاًاستطاع الخليفة تغيير نظام الحكم بقتل الأمبراطور [[يوحنس الرابع|يوهانس الرابع]] وإنهاء حكم مجموعة [[تغراي|التقراي]] الإثنية في شمال الحبشة وبإتاحة الفرصة [[أمهره|للأمهرا]] لتنصيب كبيرهم منليك ملكاً على ملوك الحبشة. وعلى صعيد تأمين الدولة، أُكمل الخليفة عملية الاستيلاء على [[سنار]] لضمان ولاء المناطق الجنوبية حتى منابع [[فرع النيل الأزرق]] كما عزز تأمين الحدود الشمالية بدعم الموقف في [[دنقلا (مدينة)|دنقلا]]، تحسباً لهجمات الحكومة المصرية. أما في الشرق، ثارت قوات الخليفة بقيادة الأمير [[عثمان دقنة]] ضد الحاميات [[التركية السابقة|التركية]] هناك فحررت [[كسلا]] وأغارت على [[سواكن]] وواصلت نشاطها حتى تمكنت من احتلال [[طوكر]] سنة [[1889]]م.
 
==الخليفة و [[معركة كرري]]==
[[File:Battle of Omdurman-1.JPG|تصغير|معركة كرري]]
واجه الخليفة جيشاً غازياً بقيادة [[سردار|السردار]] [[هربرت كتشنر|كيتشنر]] يتكون من 8,200 جندي [[بريطانيا|بريطاني]] و 17,600 جندي [[مصر|مصري]] و [[السودان|سوداني]]. أي أن قرابة ضعف عدد الجنود [[إنجلترة|الإنجليز]] جاء من المتعاونين مع جيش الغزو من مصر والسودان. وكانت فرق القوات الصديقة لجيش الغزو تتكون من 2,500 جندي بقيادة الميجور ستيوارت ورشلي تسير موازية لجيش الغزو على الضفة الشرقية من نهر [[النيل]]، لتمهد له الطريق ولتتلقى الضربات الأولى. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح يوم الجمعة 2 [[سبتمبر]]/ [[أيلول]] [[1898]]م التقى الجمعان في منطقة كرري الواقعة على بعد 11 كيلومتر (6,14 ميل) شمال [[أم درمان]] وانجلت المعركة بموت 53.610 من [[الأنصار]]، بينما أصيب نحو ذلك العدد بجراح، وووقع حوالي 5 ألف في الأسر.<ref>
https://mod.gov.sd/index.php/section-blog/80-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%83معارك-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9تاريخية/5534-%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7قالوا-%D8%B9%D9%86عن-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9معركة-%D9%83%D8%B1%D8%B1%D9%8Aكرري.html
</ref>تمثل خطأ الخليفة الفادح، كما يجمع كثيرون، في اختياره لمنطقة مواجهة العدو وهي موقع الزريبة عند قرية العجيجة الحالية بين مجري نهر النيل وسفوح تلال كرري وهي منطقة من ناحية التكتيك العسكري تعتبر هدفاً مكشوفاً. وكان بعض قادة الخليفة وأمراء جيوشه قد اشاروا عليه بأن انسب موقع لملاقاة الغزاة هو مضيق شلال السبلوقة حيث يتطلب مرور البواخر عبر صخوره جهداً كبيراً يشغلهم كثيراً ويبدد جهودهم ويجعل بواخرهم الحربية تقترب كثيرا من الممر العميق الضيق قرب الشاطئ الغربي الأمر الذي يسهل عملية ضربهم من فوق التلال الصخرية التي تطل علي النيل مباشرة ومن ثمّ الإنقضاض عليهم مرة واحدة.<ref>
https://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-24784.htm
</ref>
 
==الخليفة و [[معركة أم دبيكرات]]==
بعد أن أدرك الخليفة هزيمة قواته في كرري قرر الرجوع إلى أم درمان لمنازلة الغزاة مرة أخرى الأمر الذي أزعج قائد الغزو كتشنر كثيراً، الذي أمر باعقب أثار الخليفة وملاحقته. آثر الخليفة الانسحاب غرباً إلى [[جبل قدير]] في [[جنوب كردفان]] بصحبة بعض العوائل سيراً على الأقدام. والتف حوله بعض من نجا من المعركة من أمرائه وأنصاره من بينهم الأمير [[عثمان دقنة]] وأمراء قبيلة المجاذيب من بينهم محمد الطاهر المجذوب وعبد الرحمن المجذوب وأمراء [[الجعليين]] بقيادة الأمير أحمد جمال الدين، والشايقية بقيادة الأمير العطا ود اصول، والبطاحين بقيادة الأمير النائب الفحل وأمراء كنانة وغيرهم من زعماء بعض القبائل بينما انسحبت من أرض المعركة مجموعة أخرى بقيادة الخليفة شريف مع بقية الأسر حتى استقرت في الشكابة قبل تلحق بها قوة مطاردة من جيش الغزو. سار الخليفة ومن معه جنوباً واستطاعوا أن يصدوا محاولات الجيش الغازي لإعاقة مسيرتهم ثلاث مرات، أولاً عند عبورهم [[خور أبوعنجة]] في أم درمان وثانياً في منطقة النيل الأبيض عندما لاحقتهم قوة بقيادة عبد العظيم بك، والثالثة محاولة القضاء عليهم بقوة يقودها كتشنر وهي في كردفان فارتدت منسحبة. وقد انضم إلى الخليفة الأمير الختيم موسى من [[الأبيض (مدينة)|الأبيض]]، والأمير أحمد فضيل قائد منطقة [[القضارف]] في [[نوفمبر]] / [[تشرين الثاني]] [[1898]]م. بعد ذلك اتجه الخليفة إلى جبال قدير وأقأم هنالك فترة من الزمن قرر بعدها العودة إلى أم درمان لمنازلة الغزاة بمباغتتهم بعد انتضارهم عليه، وأرسل قوة بقيادة أحمد فضيل لتأتي للجيش بالمؤن في رحلته إلى [[أم درمان|البقعة]]. وصلت هذه الأخبار إلى كتشنر فأرسل قوة بقيادة [[ريجنالد ونجت]] لمواجهة الخليفة وجيشه قبل وصولهم أم درمان فاتجه ونجت غرباً إلى أن وجد جيش الخليفة معسكراً في قرية أم دبيكرات الواقعة جنوب غرب مدينة [[كوستي]]. وفي فجر يوم 24 [[نوفمبر]] / [[تشرين الثاني]] [[1899]]م اشتبك معه.<ref>
https://mod.gov.sd/index.php/section-blog/80-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D9%83معارك-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9تاريخية/10091-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D9%80%D9%80%D9%80%D8%A9معركـــة-%D8%A3%D9%85أم-%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D9%83%D9%80%D9%80%D9%80%D8%B1%D8%A7%D8%AAدبيكـــرات.html
</ref>
 
السطر 210 ⟵ 209:
</ref>
 
ويصور المؤرخ السوداني عصمت زلفو مشاهد اللحظات الأخيرة في حياة الخليفة فيقول: «عسكر الخليفة في أم دبيكرات . وفي أخر خطبة له وهو يدرك دنو لحظات المواجهة الأخيرة مع العدو أشاد بأنصاره الذين وقفوا معه حتى الرمق الأخير واخبرهم بأنه قرر مقابلة العدو والاستشهاد في ذلك المكان وأذن لمن أراد منهم النجاة بنفسه أن ينسحب. وقال لهم..أنا عافي وراضي عن الجمي.. (أي على الذي على جانبي) ثم جلس يتقبل [[بيعة]] جديدة من الذين ارادوا البقاء إلى جواره حتى آخر لحظة، على ضربات الطبول والنحاس التي كان دويّها يصل إلى آذان [[ونجت]] وهو يتأهب للهجوم من منطقة آبار جديد». وعندما بدأت المعركة وبدأت صفوف الأنصار الأمامية تتساقط بفعل كثافة النيران المعادية، أمر الخليفة امرائه كلهم بالترجل عن جيادهم وافترش هو [[فروة|فروة صلاته]] وجلس عليها ووجهه متجه نحو [[القبلة]] وجلس على يمينه الخليفة [[علي ود حلو ]]وعن يساره الأمير [[أحمد فضيل]] وخلفه بقية ممن كانوا قريبين منه في تلك اللحظة. وعندما وجهت نيران المدافع الرشاشة من أعلى التل وقف أب جُلبة أمام الخليفة محاولاً حمايته من طلقات الرصاص المتطايرة فأصيب وسقط أمام الخليفة فأخذ الخليفة رأسه وضمه إلى صدره وحاول أحمد فضيل ابعاد الجثة من الخليفة إلا أنه منعه قائلاً .. شالني تلتعشر (13) سنة ما أشيله اليوم.. ثم أصابت طلقة ذراع الخليفة الأيسر و بدأ جنود الكتيبة الانجليزية التاسعة في التقدم نحوه. ولم يطق الخليفة علي ود حلو رؤية هذا المشهد فنهض واستل سيفه متأهباً للمواجهة فصاح به الخليفة آمراً إياه بالجلوس. وكانت تلك آخر كلمات نطق بها الخليفة قبل إصابته بثلاث رصاصات في صدره اخترقت احداهن قلبه فسلم الروح. كان ذلك في حوالي الساعة الخامسة من يوم الجمعة 24 [[نوفمبر]] / [[تشرين الثاني]] [[1899]].
<ref>عصمت زلفو: كرري، تحليل عسكري لموقعة أم درمان، الخرطوم (1973) ص ص 566 - 568. </ref>
 
السطر 253 ⟵ 252:
[[File:08. Learning the Mahdi's ratib.png|تصغير|نيوفيلد في جبة الدراويش مكبلاً بالحديد في سجن الخليفة، وهو أحد الذين كتبوا سلبياً عن الخليفة فيما بعد]]
يعترف المدافعون عنه بأنه كان قاسياَ بلا رحمة ولكن إزاء معارضيه. وهو مقارنة بالطغاة أو زعماء الدول الآخرين في عصره لم يكن أكثرھم قسوة. والقبائل التي حاربها الخليفة كانت قد ارتكبت افعالاً تشكل جرائم في أي نظام وتقول الكاتبة الفرنسية فيفان «يجب ألا يُلام على قسوته تجاه قبيلة سودانية كان قد أُدين أفرادها وزعمائها بجريمتين كبيرتين بمقتضى القانونين العسكري والمدني. الفرار من الجيش في وقت الحرب كالذين فروا من جيش الأمير [[عبد الرحمن النجومي]]، فأصبحوا بذلك مدانين بتهمة الفرار أمام العدو وكذلك الفرار من الجهاد. ولدى عودتهم إلى ديارھم، استأنفوا أعمال السلب والنهب واستحقوا لذلك عقوبتي الاعدام والقطع من خلاف. فعقابهم لم يكن رغبة في الانتقام وإنما كان الخليفة يطبق القانون. <ref>
ياجي فيفان: الخليفة عبد الله وحياته وسياسته، (في الأصل بحث أعد لرسالة دكتوراة في التاريخ) (2011) كلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية، جامعة مونبلييه الثالثة، فرنسا، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور مكي بشير.
</ref> وهناك أيضاً من تخابر مع العدو وتعاون معه في إعادة استرداد السودان، أو رفض الوقوف معه ضد العدو. فالأمير [[عبد الله ود سعد]]، رفض الإذعان إلى أوامر الخليفة بإجلاء مدينة المتمة وأعلن تمرده عليه جهرة وتعاون مع الجيش الغازي.<ref>
يوسف ميخائيل: مذكرات التركية والمهدية والحكم الثنائي، تقديم تحقيق د. أحمد إبراهيم أبو شوك، مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، طبعة 3، ص ص 166-167
السطر 259 ⟵ 258:
 
ووصفه أعدائه ومنتقدوا نظامه بالظلم وحب الاستيلاء على ممتلكات الغير، إلا أن هذه التهمة يفندها أنصاره بسرد قصة حادثتان لتأكيد حرصه على العدل ونفي ما يتهم به من ظلم، الأولى هي قصة زعيم العبدلاب، ناصر ود جمعة، وسيفه الشهير بصرامته وحدته. وتقول القصة بأن الخليفة سمع بالسيف وأثار بعض الحساد حفيظته على ناصر. فاستدعاه وطلب منه سيفه. وقال الخليفة عندما رأي السيف هذا سيف يبدو مثل أي سيف آخر فاخبره ناصر بأنه ورث السيف من أبيه وقتل به أكثر من أربعين شخصاً في حرب أبو روف، وهو سيف حاد يقطع من شدة حدته البندقية وحاملها إلى نصفين. أعاد الخليفة السيف الى صاحبه وقال له: «خذ سيفك يا ناصر لأنك رجل أمين ومستقيم». فلو كان الخليفة ظالماَ لما تجرأ رجل من رعاياه على تقديم شكوى ضده ولا انبرى قاضي بإصدار حكم ضده يدينه ويأمره بإعادة الحق لأصحابه. <ref>
ياجي فيفان: الخليفة عبد الله وحياته وسياسته، (في الأصل بحث أعد لرسالة دكتوراة في التاريخ ) (2011) كلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية، جامعة مونبلييه الثالثة، فرنسا، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور مكي بشير. </ref>
 
والقصة الأخرى هي قصة موت الأمير الزاكي طمل، الذي كان الخليفة قد وضعه رهن الإعتقال ريثما يدرس الاتهامات الموجهة ضده. غير أن أوامره تم تجاوزها. وعندما علم الخليفة بموت الزاكي، أمر في الحال أن يزج بقاضي الإسلام، أحمد علي، الذي كان سبباً في ذلك في السجن ويعامل بالطريقة نفسها التي عامل بها الزاكي طمل حتى يموت. <ref>
ياجي فيفان: الخليفة عبد الله وحياته وسياسته، ( في الأصل بحث أعد لرسالة دكتوراة في التاريخ ) (2011) كلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية، جامعة مونبلييه الثالثة، فرنسا، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور مكي بشير.
</ref>
<ref>
مذكرات يوسف ميخائيل: التركية والمهدية والحكم الثنائي في السودان ،السودان، تقديم وتوثيق د. أحمد ابراهيم أبوشوك، مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، طبعة ثالثة، الدوحة (2016) ص 148
</ref>
 
السطر 272 ⟵ 271:
</ref>
 
أما اتهامه بتقريب أهله فهذا أمر طبيعي كما يراه المدافعون عنه بإعتبار أنهم أكثر من يثق بهم في بلد يتربص به أعداؤه من كل جانب، خاصة بعد أن تآمر عليه الأشراف أقارب المهدي منذ أول يوم تلقى فيه البيعة بل أنهم كانوا يريدون الخلافة لنفسهم، رغم أنهم أيضا كانوا يحتكرون جميع الوظائف الهامة ومعهم زعماء قبائل الشمال والجزيرة الأخرين قبل وفاة المهدي، ولا يستثنى من ذلك سوى الخليفة عبد الله الذي أصبح، بعد وفاة شقيق المهدي،القائدالمهدي، القائد العام لجميع جيوش المهدي، وأخيه الأمير [[يعقوب محمد جراب الرأي]] و الأمير [[حمدان أبو عنجة]] و الأمير [[عثمان دقنة]] . كذلك يري المدافعون عنه بأنه كان كثيرا ما يستشير أهل الرأي والمستشارين في الأمور الكبيرة بما فيهم من تبقى من مسؤولي الإدارة[[التركية السابقة]] وكثيرا ما كان يعمل برأي الأغلبية منهم .<ref>
مذكرات يوسف ميخائيل: التركية والمهدية والحكم الثنائي في السودان ،السودان، تقديم وتوثيق د. أحمد ابراهيم أبوشوك، مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، طبعة ثالثة، الدوحة (2016) ص 158</ref>
 
ويرفض الكتاب والمؤرخون المدافعين عن الخليفة القول بأن الصراع بين أبناء غرب السودان وسكان المناطق النيلية هو الذي أدى في النهاية إلى سقوط الدولة المهدية لأن الصراعات التي شهدها عهد الخليفة لم تكن صراعات إثنية بقدر ما كانت صراعات سياسية حول النفوذ والسلطة بين ساسة المهدية وأمرائها و تنافس وطموح شخصي لاحتكار القيادة مثلما حدث في بداية حملة مصر بين الأمير [[عبد الرحمن النجومي]] و محمد الخير عامل [[بربر (مدينة)|بربر]] و [[دنقلا]] عبد الله خوجلي وكلاهما ينتميان لقبيلة واحدة وينضويات تحت راية واحدة هي راية الخليفة شريف فاضطر الخليفة عبد الله للتدخل لفض الخلاف بينهما ففصل العمالتين وجعل على بربر محمد الخير وعلى دنقلا ود النجومي. وهو ما حدث أيضاً بين الأمير [[يونس الدكيم]] وأحمد علي من جانب، ومساعد قيدوم من جانب آخر وثلاثتهم ينضوون تحت الراية الزرقاء وثلاثتهم من قبائل الغرب فتدخل الخليفة وفصل أماكنهم. كما كان الخليفة يضطر في أحيان كثيرة لفض الاشتباك باستدعاء أمير إلى العاصمة أم درمان حتى يتمكن الآخر من أداء المهمة الموكلة إليه كما حدث مع الأميرين يونس الدكيم ومحمد [[محمد أبو قرجة|عثمان أبو قرجة]] حيث استدعى الأول لتمكين الأمير [[حمدان أبو عنجة]] من الإعداد لحملة الحبشة واستدعى الثاني حتى يستطيع الأمير [[عثمان دقنة]] من شن هجوم على القوات الإنجليزية المصرية في [[سواكن]]. <ref>
ياجي فيفان: الخليفة عبد الله وحياته وسياسته، ( في الأصل بحث أعد لرسالة دكتوراة في التاريخ ) (2011) كلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية، جامعة مونبلييه الثالثة، فرنسا، وقام بترجمة الكتاب إلى العربية الدكتور مكي بشير. </ref>
 
ومن التهم التي وجهت للخليفة من قبل معارضيه هو حبه لرغد العيش والرفاهية والملذات وهي التهمة التي وجهت إليه بسبب تعدد زوجاته ولم يكن الخليفة فريد في ذلك، بل أن معظم الزعماء في العالم الاسلامي يسعون إلى كسب ولاء القبائل المحيطة بهم وضمان مكانتهم وسط تلك القبائل بمصاهرة زعمائهم. أما مسكن الخليفة فلم يكن قصراً ملكياًبل كان منزلاً عادياً مشيد بمواد محلية هو أيسط من سكن تجار السودان حتى أن أحد الكتاب الإنجليز وصفه بأنه سكن بسيط أشبه بمنازل الفلاحين في [[صعيد مصر]]، وهو أمر لايحتاج إلى دليل لكل من زار بيت الخليفة الذي تحول إلى متحف. ويُتَهم عبدالله التعايشي بالجهل والأمية رغم أنه جاء من بيت علم وكان أسلافه لعدة أجيال شيوخاً معروفين بعلمهم وورعهم. وأسس جده ووالده مدارس لتعليم القرآن ومساجد. وكان من الطبيعي أن يملي رسائله على كتبته.<ref>
http://www.alnilin.com/754421.htm
</ref>
السطر 284 ⟵ 283:
== مراجع ==
{{مراجع}}
* <small>د. محمد حسن الفضالة,الفضالة، مختصر تاريخ السودان,السودان، أي يونيفرس,يونيفرس، نيويورك, 2004. ISBN 978-0-595-31425-6</small>
 
{{مشاهير أم درمان}}
السطر 290 ⟵ 289:
{{شريط بوابات|السياسة|السودان|أعلام|تاريخ أفريقيا|حرب|مصر|بريطانيا|تركيا|إثيوبيا}}
{{ضبط استنادي}}
 
 
[[تصنيف:أفريقيون في القرن 19]]