حرب التحالف الخامس

تصف حرب التحالف الخامس الصراع الأوروبي الذي اندلع في 1809 كجزء من الحروب النابليونية وحروب التحالف. وقعت الأحداث العظام للصراع في أوروبا الوسطى بين الإمبراطورية النمساوية في عهد فرانتس الثاني والإمبراطورية الفرنسية الأولى التي أنشأها نابليون بونابرت. حارب إلى جانب فرنسا دولها العميلة: مملكة إيطاليا واتحاد الراين ودوقية وارسو، بينما حارب إلى جانب النمسا التحالف الخامس المكون من المملكة المتحدة والبرتغال وإسبانيا ومملكة سردينيا ومملكة صقلية، وإن لم تشارك الأخرتان في أي من أعمال القتال. كان قوام الجيش الفرنسي منشغلا في حرب الاستقلال الإسبانية ضد بريطانيا وإسبانيا والبرتغال في مطلع عام 1809، ومع احتدام القتال سحبت فرنسا 108000 جندي من ألمانيا إلى إسبانيا. رأت النمسا الفرصة مواتية فهاجمت فرنسا سعيًا لاسترداد الأراضي التي خسرتها في حرب التحالف الثالث. أمل النمساويون أن تحارب بروسيا إلى جانبهم بعد أن تجرعوا الهزيمة على يد فرنسا، لكن بروسيا آثرت البقاء على الحياد.

حرب التحالف الخامس
جزء من الحروب النابليونية، وحروب التحالف
War of the 5th coalitionمعركة أبنسبورغمعركة لاندسهوتمعركة إكمولمعركة راتسبونمعركة أسبيرن-إيسلينجمعركة فاغرام
War of the 5th coalition
ترتبط كل صورة بالمعركة التي تمثلها
من أعلى لأسفل ومن اليسار لليمين
معارك أبنسبورغ، لاندسهوت، إكمول، راتسبون، أسبيرن-إيسلينج، فاغرام
معلومات عامة
التاريخ 10 أبريل – 14 أكتوبر 1809
الموقع هولندا، إيطاليا، وأوروبا الوسطى
النتيجة انتصار فرنسي حاسم.
تغييرات
حدودية
خسارة النمسا لأراضٍ شاسعة:
المتحاربون
التحالف الخامس:

 النمسا

 المملكة المتحدة
 إسبانيا
مملكة الصقليتين صقلية
 مملكة سردينيا
البرنزويكيون السود

الامبراطورية الفرنسية
القادة
القوة
الإمبراطورية النمساوية 340,000 نمساوي،[1]

المملكة المتحدة 85,000 بريطاني،[2]

275,000 [3]
الخسائر
100,000+ 90,000+
ملاحظات
أ في تمرد ضد بافاريا.

عبرت القوات النمساوية حدود بافاريا –إحدي دول فرنسا التابعة- تحت قيادة الأرشيدوق كارل في العاشر من أبريل 1809، فكان الرد الفرنسي بقيادة لويس ألكسندر برتييه بأمر من نابليون عند وصوله في السابع عشر من أبريل. قاد نابليون قواته إلى لاندسهوت في محاولة للالتفاف حول النمساويين والإجهاز على مؤخرة جيشهم. عبر كارل الدانوب قرب ريغنسبورغ لينسحب شرقا، لكنه فشل في الوصول إلى العاصمة النمساوية فيينا قبل الفرنسيين. نجح النمساويون في دفع هجوم فرنسي عبر الدانوب في 21-22 مايو في معركة أسبيرن-إيسلينج، لكنهم فشلوا في دفع هجوم آخر في يوليو. حقق نابليون انتصارًا كبيرًا في معركة فاغرام في السادس من يوليو، وأجبر النمساويين على توقيع معاهدة زنايم في الثاني عشر من يوليو. باءت محاولات النمساويين في غزو دوقية وارسو ومملكة ساكسونيا بالفشل ودُفعوا خارج أراضيهم في إيطاليا. نجحت البريطانيون في إنزال قواتهم في فالشيرين في المملكة الهولندية –إحدى دول فرنسا التابعة- لكنهم فشلوا في تحقيق هدف الحملة بالاستيلاء على أنتويرب فانسحبوا لاحقا.

انتهت الحرب بتوقيع معاهدة شونبرون التي كانت قاسية على النمسا، إذ خسرت موانئها على المتوسط وعشرين بالمائة من سكانها. ورغم انتصار فرنسا في الحرب، فقد أثبتت هزيمة نابليون في أسبيرن-إيسلينج إمكانية هزيمة نابليون في الميدان. أدت الحرب إلى ثورة تايرول وثورة غوتشير وثورات أخرى في إيطاليا والتي تنبأت –رغم قمعها- بظهور المزيد من الثورات القومية المعادية لفرنسا. بتوقيع معاهدة شونبرون أصبحت النمسا حليفة لفرنسا، وتأكد ذلك بزواج نابليون من أميرة النمسا ماري لويز.

خلفية عدل

تورطت أوروبا في الحرب عام 1809، مما وضع فرنسا الثورية ضد سلسلة من التحالفات في حروب التحالف بشكل مستمر منذ عام 1792. أعقب معاهدة أميان المبرمة في مارس عام 1802 سلامًا قصيرًا قبل تدهور العلاقات البريطانية الفرنسية، مما أدى إلى حرب التحالف الثالث في مايو من عام 1803.[4] انضمت السويد إلى بريطانيا في تحالفها عام 1804 وروسيا والنمسا عام 1805.[5][6] غزا الجيش الكبير الفرنسي في أغسطس من عام ،1805 ألمانيا بقوة بلغت 200.000 رجل، على أمل هزيمة النمسا قبل أن تتدخل القوات الروسية.[7][8] نجح الإمبراطور الفرنسي نابليون في تحريك جيشه إلى الخلف النمساوي وهزمهم في معركة أولم، التي دارت رحاها في الفترة بين 15 وحتى 20 أكتوبر.[8] استُولي على العاصمة النمساوية فيينا وهُزم الجيش الروسي النمساوي بشكل حاسم في 2 ديسمبر في معركة أوسترليتز.[9][10] انتهى صلح برسبورغ الذي وُقع بعد ذلك بفترة بمشاركة نمسا في الحرب.[11]

تسبب معركة أوسترليتز بتحول كبير في ميزان القوى الأوروبي. شعرت بروسيا بأنها مهددة في المنطقة، فأعلنت الحرب ضد فرنسا إلى جانب روسيا في حرب التحالف الرابع عام 1806.[12] بعد الانتصارات الفرنسية في معركة يينا ومعركة أورشتات في 14 أكتوبر، احتلت فرنسا العاصمة البروسية برلين.[13] غزت فرنسا بولندا في نوفمبر، إذ تمركزت القوات الروسية واحتلت وارسو.[14] تحاربت الجيوش الروسية والفرنسية في فبراير من عام 1807، في معركة آيلاو العنيفة وغير الحاسمة.[15] بلغ الحراك ذروته في بولندا في 14 يونيو من عام 1807 عندما هزم الفرنسيون الروس في معركة فريدلند.[16] جعلت معاهدات تيليست في يوليو، من فرنسا قوة مهيمنة في أوروبا الغربية، مع العديد من الدول العميلة مثل دوقية وارسو.[17]

حرب الاستقلال الإسبانية عدل

حاولت فرنسا في عام 1807 إجبار البرتغال الانضمام إلى النظام القاري، وهو حظر تجاري ضد بريطانيا.[18][19] عندما رفض الأمير البرتغالي جواو الانضمام، أرسل نابليون الجنرال جونو لغزو البرتغال في عام 1807، مما أدى إلى حرب شبه الجزيرة التي استمرت 6 سنوات. أضعفت الحرب جيش الإمبراطورية الفرنسية، لا سيما بعد أن تمردت القوات الاسبانية والمدنيين ضد فرنسا[20] بعد إطاحة نابليون بالملك الاسباني.[21] بعد الهزيمة الفرنسية في معركة بايلن، تولى نابليون قيادة القوات الفرنسية، وهزم الجيوش الاسبانية قبل أن يعود إلى فرنسا.[22][23] قاد جان دو ديو سول البريطانيين من اسبانيا في معركة كورونا في يناير من عام 1809.[23]

سيطرت المملكة الاسبانية العميلة لفرنسا في بداية عام 1809، التي حكمها جوزيف بونابرت شقيق نابليون، على جزء كبير من اسبانيا وشمال البرتغال.[24] شنت القوات البريطانية والبرتغالية بقيادة آرثر ويلسلي هجمات جديدة منذ ربيع عام 1809. واصلت الجيوش النظامية الاسبانية بما في ذلك تلك التي يقودها الجنرالان ميغيل ريكاردو دي ألافا وخواكين بليك، القتال ونشاط العصابات في الريف مما جعل العمليات الفرنسية خطرة.[25][26] ظل هناك وجود فرنسي كبير يصل عدده إلى 250000 مقاتل في يونيو من عام 1809، في شبه الجزيرة على مدى فترة حرب التحالف الخامس.[27]

أقنع الاحتلال النابليوني لحليفة فرنسا اسبانيا، الكثيرين في النمسا أن نابليون لا يمكن الوثوق به، وان إعلان الحرب هي الطريقة الوحيدة لمنعه من تدمير ملكية هابسبورغ. ألهم الفدائيون الاسبان المقاومة الشعبية ضد نابليون، وامل النمساويون أن الانشغال الفرنسي باسبانيا سيجعل من السهل هزيمة فرنسا.[28]

خطط نمسا للحرب عدل

بعد هزيمة النمسا في الحرب عام 1805، أمضت الدولة ثلاث سنوات لإصلاح جيشها.[29][30] بتشجيع من الأحداث في اسبانيا، سعت النمسا إلى مواجهة أخرى مع فرنسا للانتقام لهزائمها واستعادة الأراضي المفقودة والسلطة.[31][32] افتقرت النمسا إلى الحلفاء في أوروبا الوسطى، وعقدت روسيا، حليفها الرئيسي في عام 1805، السلام مع نابليون في تيلسيت ودخلت في حروب مع حلفاء سابقين مثل بريطانيا في الحرب الإنجليزية الروسية (1807-1812)، والسويد في الحرب الفنلندية والدولة العثمانية في الحرب الروسية التركية (1806-1812).[32] حصل الوزير النمساوي يوهان فيليب باساديون في أوائل عام 1809، على موافقة القيصر الروسي ألكسندر الأول على أن يتحرك الروس ببطء و«تجنب كل تصادم وكل عمل عدائي» خلال أي تقدم إلى النمسا.[33] في الوقت نفسه، نصح الوزير الفرنسي شارل موريس تاليران الإسكندر سرًا بمقاومة فرنسا.[31]  خلال حرب التحالف الخامس، ظلت روسيا محايدة على الرغم من أنها حليفة فرنسا.[34]

كانت النمسا تأمل أن تساعدها بروسيا في الحرب مع فرنسا ولكن عملاء فرنسيين اعترضوا رسالة من الوزير البارون فون شتاين، يناقش فيها المفاوضات ونُشرت في الجريدة الرسمية لو مونيتور أونيفرسيل في 8 سيبتمبر.[35] صادر نابليون مقتنيات شتاين في وستفاليا وضغط على فريديرك لطرده، ففر شتاين إلى المنفى في النمسا.[35] في نفس اليوم الذي اكتُشف فيه شتاين، وافقت اتفاقية باريس على جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من بروسيا، حيث كانت الحاميات الفرنسية موجودة منذ نهاية حرب التحالف الرابع. كان الانسحاب مرهونًا بدفع تعويضات ثقيلة بلغ مجموعها 140 مليون فرنك على مدى 30 شهرًا. كان الجيش البروسي محدود الحجم فقد وصل عدده إلى 42000 رجل، أي سدس مجموعه ما قبل الحرب. قيدت الاتفاقية بشدة قدرة الدولة البروسية على شن الحرب.[32][36] على الرغم من هذه النكسة، أمل ستاديون أن تغير بروسيا رأيها، وأن يؤدي التقدم النمساوي إلى اتحاد الراين الذي تسيطر عليه فرنسا في ألمانيا إلى انتفاضات شعبية من شأنها أن تشتت الفرنسيين.[37]

سحبت فرنسا 108000 جندي من ألمانيا، أي أكثر من نصف قوتها هناك، لتعزيز الجيوش الفرنسية في اسبانيا في أكتوبر من عام 1808. دعم هذا ستاديون المؤيد للحرب والذي كان فصيل في المحكمة النمساوية. استدعى ستاديون سفيره كليمنس فون مترنيش في باريس لإقناع الآخرين بدعم خطته وبحلول ديسمبر من عام 1808، أقنع الإمبراطور فرانسيس الأول بدعم الحرب.[37] كان دعم فرانسيس مبدئيًا واتخذ قرار المضي في اجتماع 8 فبراير من عام 1809 الذي ضم كلًا من الإمبراطور والأرشيدوق كارل وستاديون. إن الوضع المالي الرديء الذي تعيشه الإمبراطورية (إذ لم يكن بوسعها سوى الإبقاء على جيشها على أرض الوطن حتى أواخر الربيع) سببًا في إلحاح القرار. اعترض شارل على احتمالات النجاح ولكنه قبل قرار فرانسيس بالاستعداد للحرب وحشد الجيش.[38][39]

طلبت النمسا وبروسيا أن تمول بريطانيا حملاتها العسكرية وطلبت بعثة عسكرية بريطانية إلى ألمانيا. قدمت الخزانة البريطانية في أبريل من عام 1809، 20 ألف جنيه إسترليني كقرض لبروسيا، ووعدتها بأموال إضافية إذا بدأت بروسيا القتال مع فرنسا. تلقت النمسا 250000 جنيه إسترليني من الفضة، مع 1 مليون جنيه إسترليني كوعد للنفقات المستقبلية. رفضت بريطانيا إرسال قوات إلى ألمانيا لكنها وعدت برحلة استكشافية إلى البلدان المنخفضة وتجديد حملتها في اسبانيا.[40] بعد أن قررت بروسيا ضد الحرب، تألف التحالف الخامس رسميًا من النمسا وبريطانيا والبرتغال واسبانيا وصقلية وسردينيا، على الرغم من أن النمسا شكلت غالبية الجهود القتالية.[40][41]

الجيش النمساوي والاستراتيجية عدل

بنت النمسا أضخم جيش في تاريخ البلاد، على الرغم من أن قدرته القتالية كانت قد أعاقتها عوامل عديدة.[29][30] جُند الرجال في كافة أرجاء الإمبراطورية النمساوية وكان من بينهم نمساويون وهنغاريون وتشيكيون وبولنديون وكرواتيون وصرب، وبعضهم، من بينهم الهنغاريون، لم يكونوا مؤيدين متحمسين لحكامهم النمساويين. تركز التجنيد ضمن الطبقات الدنيى من المجتمع والجنود الخاصين، وكان معظم ضباط الصف، والعديد من الضباط الصغار أميين. كان الجيش مدربًا ضمن تشكيلات فيالق مجمعة أثبتت فاعلية ضد قوات الفرسان إلا أنها كانت عرضة لنيران المدفعية، الأمر الذي أعاق تقدم الجيش في بعض معارك الحملة. كان هناك اعتقاد أن قوات المشاة النظامية كانت أقل حنكة بكثير من أن تنال تدريبها خلال المناوشات، وهذا الدور كانت تشغله في الأحوال العادية وحدات المشاة الصغيرة الغرينزر، إلا أن قدرتهم انخفضت منذ أن انتهت النزاعات المحتملة مع الإمبراطورية العثمانية. عولج هذا النقص بشكل جزئي فقط عبر وحدات ياغر التطوعية التي كانت قد أنشئت حديثًا.[34]

كان الهدف من إنشاء الميليشيات النمساوية، اللاندفير، أن تكون قوة دفاع محلية، إلا أنها حُركت لتقاتل إلى جانب الجيش الميداني. كانت تلك القوة مجهزة بأسلحة من الصف الثاني وضعيفة التدريب وكان محظورًا عليها قبول الضباط من الطبقات المالكة للأراضي، الأمر الذي أفضى إلى قيادة ضعيفة. وقد استخدمت في وقت لاحق في الحرب كعتاد للمدافع لحرف النيران الفرنسية. كانت قوات الفرسان النمساوية تتمتع بقدرات جيدة، على الرغم من إعاقة تقدمهم في العام 1809 نظرًا إلى أن عددًا كبيرًا من الخيول لم تكن مدربة سوى بشكل جزئي. لم تكن المدفعية فعالة كما كانت مدفعيات بعض الجيوش المعاصرة، وقد وضعت تحت تصرف قادة قوة المشاة في الميدان وكانت تفتقر إلى مدفعية الأحصنة الملائمة للقيام بمناورات سريعة. كان من المفترض أن يحصل الجيش النمساوي على إمدادات من قبل قافلة خيل ضخمة، وهو ما قيد قدرة الجيش على المناورة. وكان تعيين الضباط الكبار في الجيش يستند إلى خلفياتهم الأرستقراطية وأقدميتهم لا استنادًا إلى قدراتهم، وقد تسبب ذلك بوجود جنرالات متقدمين في السن، بمتوسط عمر يبلغ 63 سنة. ولم يكن القائد الميداني، الأرشيدوق تشارلز، قادرًا على تسريح أي من ضباطه. كان يفضل العقيدة على المرونة وكان يتوقع من جنرالاته أن يتبعوا دليلًا كان قد نشره في العام 1806.[37]

كان هناك انقسام بين تشارلز ومجلس أوليك حول الاستراتيجية الأفضل للحرب المقبلة، فضل تشارلز شن هجوم من بوهيميا حيث كانت تتمركز القوات النمساوية وأن هجومًا قد يعزل الفرنسيين في شمالي ألمانيا بسرعة. لم يوافق مجلس أوليك على ذلك لأن نهر الدانوب كان سيفصل قوات تشارلز وشقيقه الأرشيدوق يوحنا النمساوي. واقترح المجلس أنه ينبغي شن الهجوم الرئيسي من جنوب نهر الدانوب للحفاظ على اتصال أكثر أمانًا بفيينا. في نهاية الأمر سادت مشيئة المجلس، إلا أن الخلاف أخّر تحضيرات النمساويين لشهر. كانت الخطة النمساوية تنص على أن يشن الفيلق الأول، الذي كان تعداده يبلغ 38 ألف جندي، تحت قيادة هيرنيش غراف فون بيليغارد والفيلق الثاني البالغ عدده 20 ألف جنديًا تحت قيادة جوهان كولورات، هجومًا على ريغينسبورغ (راتيسبون) من جبال بوهيميا مرورًا بمقاطعة شام. وكان ينبغي أن تتقدم قوات الوسط وقوات الاحتياط النمساوية، التي كانت يبلغ عددها 66 ألف مقاتل من فيلق هوهنزوليرن الثالث وفيلق روسنبيرغ الرابع وفيلق ليشتنشتاين الاحتياطي، نحو الهدف نفسه مرورًا بشاردينغ. وسيتحرك الجناح اليساري، الذي كان يتألف من الفيلق الخامس للأرشيدوق لويس والفيلق السادس لهيلر وفيلق كينماير الثاني الاحتياطي، وكان مجموع تعداده يبلغ 61 ألف رجل، باتجاه لاندسهوت لحماية خاصرة الجيش. وسيفتتح مسرحان آخران أيضًا في بولندا وإيطاليا. اعتبر المؤرخ ستيفن إينغلوند أن النمسا «لربما كانت ستنتصر في الحملة» لو صبت البلاد تركيزها على ألمانيا. [37]

التحضيرات الفرنسية عدل

تألف الجيش الفرنسي بشكل رئيسي من مقاتلين قدامى في الحملات الأقدم التي شنها نابليون، ولو أن التجنيدات الأخيرة شكلت أجزاءًا كبيرة ضمن بعض الوحدات، الأمر الذي انعكس سلبًا على قدراتهم القتالية. كان الجيش شديد الحماسة والتطلع إلى القتال بشراسة تحت قيادة نابليون المباشرة. لم يكن نابليون متيقنًا من الخطط والمقاصد النمساوية. فعاد إلى باريس من حملاته في إسبانيا في شتاء العام 1808-1809 وأبلغ القائد الميداني الفرنسي الأول في جنوبي ألمانيا، لويس ألكساندر برتييه، حول الانتشار والتمركزات المخطط لها على هذه الجبهة الثانية المحتملة. اشتملت أفكاره المضطربة حول الحملة القادمة المحتملة قرارًا بجعل وادي الدانوب المسرح الرئيسي للعمليات، كما كان قد فعل في عام 1805، وإيقاف القوات النمساوية التي من المحتمل أن تشن غزوًا في شمالي إيطاليا عبر تمركز بعض قواته الخاصة تحت قيادة يوجين دو بوارنيه وأوغست دو مارمون. أعطت معلومات خاطئة نابليون انطباعًا بأن الهجوم النمساوي الرئيسي سيأتي من شمال الدانوب. في 30 من شهر مارس، كتب نابليون رسالة إلى بيرثيير يشرح له نواياه في حشد 140 ألف جندي بالقرب من ريغينسبورغ في أقصى الشمال حيث كان النمساويون يخططون لشن هجومهم. كان من المتوقع أن إعادة انتشارهم سيستغرق إنجازها حتى منتصف شهر أبريل وأعلم نابليون بيرثيير انه في حال أتى الهجوم قبل منتصف نيسان فعليه أن ينسحب حتى نهر ليخ.[42]

الجبهة النمساوية البافارية عدل

النمسا تهاجم أولًا عدل

كانت أولى مؤشرات هجوم نمساوي رسالة رسمية أرسلت من قبل الأرشيدوق تشارلز إلى المارشال الفرنسي فرانسوا جوزيف يفبفر في 9 أبريل. نصت الرسالة على أن تشارلز وصلته أوامر من فرانسيس لغزو بافاريا، وهي دولة فرنسية تابعة كانت تحت حكم ماكسيمليان الأول يوزف.[42] في الصباح الباكر من يوم 10 أبريل، عبرت العناصر التي كانت تقود الجيش النمساوي نهر إن باتجاه بافاريا، دون أن يكون هناك إعلان رسمي للحرب. تسبب الطرقات السيئة والمطر المتجمد بإبطاء التقدم النمساوي خلال الأسبوع الأول، إلا أن القوات البافارية المعادية التابعة لفيلق ليفيبفر انسحبت بشكل تدريجي. انسحب فيلق دافوت الثالث باتجاه الغرب نحو إنغولشتات، منتظرًا أوامر بالتمركز إلى جانب قوات فرنسية أخرى. وقع الهجوم النمساوي قبل نحو أسبوع من توقعات نابليون، الأمر الذي أفسد الخطط الفرنسية. أمر نابليون بوجوب مواجهة هجوم نمساوي يُشن قبل 15 أبريل بتمركز فرنسي عام في محيط دوناوفورت وأوغسبورغ في الغرب، إلى أن أوامره وصلت بشكل متفرق ودون تسلسل وفُسرت بشكل سيئ من قبل بيرثيير الذي كان معتادًا على واجبات ضباط الأركان أكثر من اعتياده على القيادة الميدانية. ركز بيرثيير على جملة مبهمة تطلب من دافوت مركزة فيلقه الثالث في محيط ريغينسبيرغ «مهما حصل»، ومن المرجح أن نابليون أراد أن ينفذ هذا الأمر فقط في حال شن النمساويون هجومهم بعد 15 أبريل. في 14 أبريل أمر بيرثيير فيلق دافوت، إلى جانب فيلقي ليفيبفر وأودينو، بالتقدم نحو ريغينسبيرغ التي كان دافوت قد أخلاها للتو.

خلق التقدم والتراجع مسافة فاصلة تبلغ 75 ميلًا بين جناحي الجيش الألماني (121 كم) الذي انضم إليه شريط أمني رفيع من القوات البافارية.[43] في اليوم نفسه، هزم الحرس النمساوي المتقدم البافاريين بالقرب من لاندسهوت وأمّن مكان عبور جيد عبر نهر إيسار بحلول المساء. خطط تشارلز لتدمير فيلقي دافوت وليفيبفر المنفصلين عبر تكتيك الكماشة. في 17 أبريل وصل نابليون إلى دونافورث وتولى القيادة من بيرثيير. وحين أدرك نابليون أن العديد من القوات النمساوية كان قد عبرت نهر إيزار وكانت تزحف نحو الدانوب، أصر على أن ينتشر الجيش الفرنسي بأكمله خلف نهر إيلم في معركة تطويق خلال 48 ساعة. كانت أوامر نابليون هذه غير واقعية لأنه استهان بعدد القوات النمساوية التي كانت تتجه نحو دافوت، واعتقد نابليون أن تشارلز لم يكن يمتلك سوى فيلق واحد على طول نهار إيسار، غير أن النمساويين كانت لديهم خمسة فيالق تتجه ريغينسبورغ، بتعداد يبلغ 80 ألف مقاتل.[44]

مناورة لاندشوت عدل

توقع دافوت مواجهة قوات متفوقة عدديًا بشكل كاسح، فسحب معظم قواته تاركًا 2000 جندي من ريغينسبورغ. واجهت الأرتال النمساوية المتجهة شمالًا في إقليم كلهايمباد أباخ أربعة أرتال من قوات دافوت التي كانت متجهة غربًا نحو نيوشتات في الساعات الأولى من يوم 19 أبريل. كانت الهجمات النمساوية بطيئة وغير منسقة، وصُدت بسهولة من قبل الفيلق الفرنسي الثالث المتمرس في القتال. علم نابليون بوقوع قتال في منطقة دافوت ورسم استراتيجية جديدة لهزيمة النمساويين: بينما يشن النمساويون هجومهم في الشمال، سيشن فيلق أندري ماسينا، المعزز بقوات أودينوت، هجومًا باتجاه الجنوب نحو فرايزينغ ولاندشوت أملًا بتهديد الخاصرة النمساوية وتخفيف الضغط على دافوت.[45]

مراجع عدل

  1. ^ Chandler p. 673. Austria sent about 100,000 troops to attack Italy, 40,000 to protect غاليسيا (أوروبا الوسطى), and held 200,000 men and 500 guns, organized into six line and two reserve corps, around the دانوب for the main operations.
  2. ^ The British Expeditionary Force to Walcheren: 1809 The Napoleon Series, Retrieved 5 September 2006. نسخة محفوظة 08 سبتمبر 2017 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ David G. Chandler, The Campaigns of Napoleon. p. 670.
  4. ^ Chandler 1995، صفحة 304
  5. ^ Chandler 1995، صفحة 328 The Baltic was dominated by Russia, a situation with which Britain was uncomfortable as the region provided valuable commodities like timber, tar, and hemp, crucial supplies to Britain's Empire. Additionally, Britain supported the Ottoman Empire against Russian incursions towards the Mediterranean. Meanwhile, French territorial rearrangements in Germany occurred without Russian consultation and Napoleon's annexations in the Po valley increasingly strained relations between the two.
  6. ^ Chandler 1995، صفحة 331
  7. ^ Brooks 2000، صفحة 108
  8. ^ أ ب Uffindell 2003، صفحة 15
  9. ^ Schneid 2005، صفحة 131
  10. ^ Schneid 2005، صفحات 137–140
  11. ^ Schneid 2005، صفحة 141
  12. ^ Chandler 1995، صفحة 469
  13. ^ Mikaberidze 2020، صفحة 221
  14. ^ Mikaberidze 2020، صفحة 222
  15. ^ Mikaberidze 2020، صفحات 223–224
  16. ^ Mikaberidze 2020، صفحة 225
  17. ^ Mikaberidze 2020، صفحات 225–226
  18. ^ Mikaberidze 2020، صفحات 246–247
  19. ^ Fisher & Fremont-Barnes 2004، صفحة 197
  20. ^ Fisher & Fremont-Barnes 2004، صفحات 198–199
  21. ^ Esdaile 2003، صفحات 34–35
  22. ^ Fisher & Fremont-Barnes 2004، صفحة 205
  23. ^ أ ب Buttery 2016، صفحة 26
  24. ^ Pagnet 2005، صفحة 26.
  25. ^ Bruce 2008، صفحة 60.
  26. ^ Pagnet 2005، صفحات 26–30.
  27. ^ Muir 2013، صفحة 290.
  28. ^ Mikaberidze 2020، صفحة 307.
  29. ^ أ ب Englund 2004، صفحة 345.
  30. ^ أ ب Esdaile 2002، صفحات 52–53.
  31. ^ أ ب Englund 2004، صفحة 344.
  32. ^ أ ب ت Markham 2010، صفحة 179.
  33. ^ Gill 2008a، صفحة 32.
  34. ^ أ ب Mitchell 2018، صفحة 217.
  35. ^ أ ب Mowat 1971، صفحة 233.
  36. ^ Hagemann 2006، صفحات 588–589.
  37. ^ أ ب ت ث Gill 2020، صفحات 29–30.
  38. ^ Gill 2008a، صفحات 35–36.
  39. ^ Gill 2020، صفحة 31.
  40. ^ أ ب Mikaberidze 2020، صفحة 309
  41. ^ Lachouque 1961، صفحة 510
  42. ^ أ ب Neillands 2003، صفحة 79.
  43. ^ Chandler 1995، صفحة 679 At midnight on 16 April, Berthier wrote to Napoleon: "In this position of affairs, I greatly desire the arrival of your Majesty, in order to avoid the orders and countermands which circumstances as well as the directives and instructions of your Majesty necessary entail."
  44. ^ Chandler 1995، صفحة 681
  45. ^ Mikaberidze 2020، صفحة 314

المصادر عدل

  • Brooks, Richard (editor). Atlas of World Military History. London: هاربر كولنز, 2000. ISBN 0-7607-2025-8
  • ديفيد جي. شاندلير The Campaigns of Napoleon. New York: Simon & Schuster, 1995. ISBN 0-02-523660-1
  • Fisher, Todd & Fremont-Barnes, Gregory. The Napoleonic Wars: The Rise and Fall of an Empire. Oxford: Osprey Publishing Ltd., 2004. ISBN 1-84176-831-6
  • Mikaberidze، Alexander (2011). "Non-Belligerent Belligerent Russia and the Franco-Austrian War of 1809". Napoleonica. La Revue. ج. 1 ع. 10: 4–22. مؤرشف من الأصل في 2018-10-13. اطلع عليه بتاريخ 2013-10-21.
  • Petre, F. Loraine  [لغات أخرى]‏. Napoleon and the Archduke Charles, Kessinger Publishing (2003). ISBN 0-7661-7385-2
  • Uffindell, Andrew (2003). Great Generals of the Napoleonic Wars. Spellmount Ltd. ISBN:1-86227-177-1.

وصلات خارجية عدل