التواتر المبهمي يشير إلى نشاط العصب المبهم، وهو العصب القحفي العاشر ومكون أساسي للفرع اللاودي من الجهاز العصبي الذاتي. لا يكون هذا الفرع من الجهاز العصبي تحت سيطرة واعية، وهو مسؤول إلى حد كبير عن تنظيم العديد من عمليات الجسم أثناء الراحة. يؤدي النشاط المبهمي إلى تأثيرات مختلفة، بما في ذلك: خفض معدل ضربات القلب، وتوسع/انقباض الأوعية، والنشاط الغدي في القلب، والرئتين، والجهاز الهضمي، فضلًا عن التحكم في حساسية الجهاز الهضمي وحركته والتهاباته.[1]

في هذا السياق، يشير التواتر بالتحديد إلى الطبيعة المستمرة للنشاط القاعدي اللاودي الذي يبديه العصب المبهم. في حين أن المدخلات المبهمية القاعدية ثابتة، لكن يعتمد تنظيم درجة النشاط الذي يعمل به على توازن المدخلات الودية واللاودية في الجهاز العصبي الذاتي، مع سيطرة النشاط اللاودي بشكل عام. كثيرًا ما يُستخدم التواتر المبهمي لتقييم وظائف القلب، وهو مفيد أيضًا في تقييم التنظيم العاطفي وغيره من العمليات التي تؤثر أو تتأثر بتغيرات النشاط اللاودي.[2][3]

يمكن قياس التواتر المبهمي بواسطة إجراءات باضعة أو غير باضعة. الإجراءات الباضعة هي الأقلية وتشمل تحفيز العصب المبهم بتقنيات يدوية أو كهربائية. تعتمد التقنيات غير الباضعة بشكل أساسي على فحص سرعة القلب وتباين سرعته.[4][5][6]

القياس غير الباضع للتواتر المبهمي

عدل

في معظم الحالات، لا يقاس التواتر المبهمي مباشرةً. بدلًا من ذلك، تُقاس العمليات التي تتأثر بالعصب المبهم -وتحديدًا سرعة القلب وتباين سرعة القلب- وتُستخدم كبديل عن التواتر المبهمي. ترتبط الزيادة في التواتر المبهمي (وبالتالي النشاط المبهمي) بشكل عام بانخفاض في سرعة القلب وتباينها. ومع ذلك، أثناء اختبار الميل في هبوط الضغط الانتصابي المتدرج، يعد استرجاع التواتر المبهمي مؤشرًا غير مباشر على اللياقة القلبية الوعائية.[7]

التعصيب المبهمي للقلب

عدل

يتم التحكم بشكل كبير في سرعة القلب عبر نشاط ناظم الخُطى (منظم ضربات القلب) الداخلي. في القلب السليم، يكون ناظم الخطى الرئيسي عبارة عن مجموعة من الخلايا على حدود الأذينة والوريد الأجوف تسمى العقدة الجيبية الأذينية. تعمل خلايا القلب أوتوماتيكيًا، إذ تملك القدرة على توليد دفعة كهربائية دون محفز خارجي. تحدد الدفعة الكهربائية التي تولدها العقدة الجيبية الأذينية تلقائيًا سرعة بقية القلب.

في حال غياب المحفزات الخارجية، تحافظ النظم الجيبية الأذينية بشكل عام على سرعة القلب في حدود 60 إلى 100 نبضة في الدقيقة. يعمل فرعا الجهاز العصبي الذاتي معًا لزيادة أو إبطاء سرعة القلب. يعمل العصب المبهم على العقدة الجيبية الأذينية، ويبطئ توصيله ويعدل التواتر المبهمي، عن طريق الناقل العصبي الأسيتيل كولين وتغيير اتجاه تدفق التيارات الأيونية والكالسيوم لخلايا القلب. بسبب تأثيره على معدل ضربات القلب، يمكن قياس التواتر المبهمي عن طريق قياس تعديل سرعة القلب وتباين سرعة القلب.

اضطراب النظم الجيبي التنفسي

عدل

عادةً ما يكون اضطراب النظم الجيبي التنفسي من الاختلافات الطبيعية الحميدة في سرعة القلب التي تحدث أثناء كل دورة تنفّس: تزداد سرعة القلب عند الشهيق وتتناقص عند الزفير. عُرف اضطراب النظم الجيبي التنفسي لأول مرة من قبل كارل لودفيغ في عام 1847 ولكنه ما زال غير مفهومًا بصورة كاملة. لوحظ لدى البشر من بدايات الحياة حتى سن البلوغ، ويوجد في العديد من الأنواع المختلفة. أثناء الشهيق، ينخفض الضغط داخل الصدر بسبب تقلص عضلة الحجاب الحاجز ونزولها وتوسع تجويف الصدر. وينخفض الضغط الأذيني كنتيجة لذلك، ما يؤدي إلى زيادة تدفق الدم إلى القلب، ما يؤدي بدوره إلى تنشيط مستقبلات الضغط التي تعمل على تقليل التواتر المبهمي. هذا يسبب زيادة في سرعة القلب.[8][9][10][11][12][13]

أثناء الزفير، يسترخي الحجاب الحاجز، ويتحرك نحو الأعلى، ويقلل من حجم تجويف الصدر، ما يسبب زيادة في الضغط داخل الصدر. تعيق هذه الزيادة في الضغط العائد الوريدي للقلب ما يؤدي إلى انخفاض الضغط الأذيني وتقليل تنشيط المستقبلات. هذا يخفف من تثبيط التواتر المبهمي ويؤدي إلى نقصان سرعة القلب.

اضطراب النظم الجيبي التنفسي كمقياس للتواتر المبهمي

عدل

كثيرًا ما يُستخدم اضطراب النظم الجيبي التنفسي كوسيلة غير باضعة لقياس التواتر المبهمي، في الدراسات الفيزيولوجية والسلوكية والعديد من الدراسات السريرية. يمكن تحقيق ذلك باستخدام تسجيل تخطيط كهربائية القلب، على الرغم من تطوير طرائق أخرى تستفيد من العلاقات بين تخطيط كهربائية القلب والتنفس. يجب تفسير قياسات اضطراب النظم الجيبي التنفسي بحذر، لأن العديد من العوامل بما في ذلك الاختلافات بين الأفراد يمكن أن تغير العلاقة بين اضطراب النظم الجيبي التنفسي والتواتر المبهمي.[14][15][16][17][18][19][20]

رؤى في علم النفس والأمراض

عدل

يقدم قياس التواتر المبهمي نظرة ثاقبة في السلوك الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية وعلم النفس البشري. تركز الكثير من هذه الدراسات على الرضع والأطفال. يمكن استخدام التواتر المبهمي القاعدي إما كمؤشر محتمل للسلوك أو كإشارة على الصحة العقلية (خاصةً تنظيم الانفعالات والقلق والاضطرابات الداخلية والخارجية).[21][22][23]

يُستخدم اضطراب النظم الجيبي التنفسي والتواتر المبهمي كمؤشرات تساعد في تحديد شدة اضطرابات النمو العصبي مثل اضطرابات طيف التوحد. أظهر الأطفال الذين لديهم ارتباطات أكثر أمانًا بأمهاتهم استجابة عاطفية أكبر، وانغلاقًا اجتماعيًا أقل، وتواترًا مبهميًا أعلى.[24][25][26]

المراجع

عدل
  1. ^ Berntson GG، Cacioppo JT، Quigley KS (مارس 1993). "Respiratory sinus arrhythmia: autonomic origins, physiological mechanisms, and psychophysiological implications". Psychophysiology. ج. 30 ع. 2: 183–96. DOI:10.1111/j.1469-8986.1993.tb01731.x. PMID:8434081.
  2. ^ Diamond، Lisa M.؛ Fagundes، Christopher P.؛ Butterworth، Molly R. (2011). "Attachment Style, Vagal Tone, and Empathy During Mother-Adolescent Interactions". Journal of Research on Adolescence. ج. 22 ع. 1: 165–184. DOI:10.1111/j.1532-7795.2011.00762.x. {{استشهاد بدورية محكمة}}: الوسيط غير المعروف |name-list-format= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)
  3. ^ Grossman P، Wilhelm FH، Spoerle M (أغسطس 2004). "Respiratory sinus arrhythmia, cardiac vagal control, and daily activity". American Journal of Physiology. Heart and Circulatory Physiology. ج. 287 ع. 2: H728–34. DOI:10.1152/ajpheart.00825.2003. PMID:14751862.
  4. ^ Howland RH (يونيو 2014). "Vagus Nerve Stimulation". Current Behavioral Neuroscience Reports. ج. 1 ع. 2: 64–73. DOI:10.1007/s40473-014-0010-5. PMC:4017164. PMID:24834378.
  5. ^ Porges SW، Doussard-Roosevelt JA، Maiti AK (2008). "Vagal tone and the physiological regulation of emotion". Monographs of the Society for Research in Child Development. ج. 59 ع. 2–3: 167–86. DOI:10.1111/j.1540-5834.1994.tb01283.x. PMID:7984159.
  6. ^ Brock C، Jessen N، Brock B، Jakobsen PE، Hansen TK، Rantanen JM، Riahi S، Dimitrova YK، Dons-Jensen A، Aziz Q، Drewes AM، Farmer AD (أكتوبر 2017). "Cardiac vagal tone, a non-invasive measure of parasympathetic tone, is a clinically relevant tool in Type 1 diabetes mellitus". Diabetic Medicine. ج. 34 ع. 10: 1428–1434. DOI:10.1111/dme.13421. PMID:28703868.
  7. ^ Montano N، Ruscone TG، Porta A، Lombardi F، Pagani M، Malliani A (أكتوبر 1994). "Power spectrum analysis of heart rate variability to assess the changes in sympathovagal balance during graded orthostatic tilt". Circulation. ج. 90 ع. 4: 1826–31. DOI:10.1161/01.CIR.90.4.1826. PMID:7923668.
  8. ^ Myers MM، Fifer W، Haiken J، Stark RI (يونيو 1990). "Relationships between breathing activity and heart rate in fetal baboons". The American Journal of Physiology. ج. 258 ع. 6 Pt 2: R1479–85. DOI:10.1152/ajpregu.1990.258.6.R1479. PMID:2360694.
  9. ^ Hayano J، Yasuma F، Okada A، Mukai S، Fujinami T (أغسطس 1996). "Respiratory sinus arrhythmia. A phenomenon improving pulmonary gas exchange and circulatory efficiency". Circulation. ج. 94 ع. 4: 842–7. DOI:10.1161/01.CIR.94.4.842. PMID:8772709.
  10. ^ Castellini MA، Rea LD، Sanders JL، Castellini JM، Zenteno-Savin T (نوفمبر 1994). "Developmental changes in cardiorespiratory patterns of sleep-associated apnea in northern elephant seals". The American Journal of Physiology. ج. 267 ع. 5 Pt 2: R1294–301. DOI:10.1152/ajpregu.1994.267.5.R1294. PMID:7977857.
  11. ^ De Burgh Daly M (1985)، "Interactions Between Respiration and Circulation"، Comprehensive Physiology، John Wiley & Sons, Inc.، ص. 529–594، DOI:10.1002/cphy.cp030216، ISBN:9780470650714
  12. ^ Ludwig، Carl (1847). "On the influence of respiratory movements on blood flow in the aortic system [in German]". Arch Anat Physiol Leipzig. ج. 13: 242–302. مؤرشف من الأصل في 2020-01-27.
  13. ^ Hathorn MK (أبريل 1987). "Respiratory sinus arrhythmia in new-born infants". The Journal of Physiology. ج. 385: 1–12. DOI:10.1113/jphysiol.1987.sp016480. PMC:1192333. PMID:3656159.
  14. ^ Grossman، Paul؛ Taylor، Edwin W. (2007). "Toward understanding respiratory sinus arrhythmia: relations to cardiac vagal tone, evolution and biobehavioral functions". Biological Psychology. ج. 74 ع. 2: 263–285. DOI:10.1016/j.biopsycho.2005.11.014. ISSN:0301-0511. PMID:17081672.
  15. ^ Bartsch RP، Schumann AY، Kantelhardt JW، Penzel T، Ivanov PC (يونيو 2012). "Phase transitions in physiologic coupling". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. ج. 109 ع. 26: 10181–6. Bibcode:2012PNAS..10910181B. DOI:10.1073/pnas.1204568109. PMC:3387128. PMID:22691492.
  16. ^ Dick TE، Hsieh YH، Dhingra RR، Baekey DM، Galán RF، Wehrwein E، Morris KF (2014). Cardiorespiratory coupling: common rhythms in cardiac, sympathetic, and respiratory activities. Elsevier. ج. 209. ص. 191–205. DOI:10.1016/b978-0-444-63274-6.00010-2. ISBN:9780444632746. PMC:4052709. PMID:24746049. {{استشهاد بكتاب}}: |صحيفة= تُجوهل (مساعدة)
  17. ^ Grossman P، van Beek J، Wientjes C (نوفمبر 1990). "A comparison of three quantification methods for estimation of respiratory sinus arrhythmia". Psychophysiology. ج. 27 ع. 6: 702–14. DOI:10.1111/j.1469-8986.1990.tb03198.x. PMID:2100356.
  18. ^ Hayano J، Sakakibara Y، Yamada M، Kamiya T، Fujinami T، Yokoyama K، Watanabe Y، Takata K (مارس 1990). "Diurnal variations in vagal and sympathetic cardiac control". The American Journal of Physiology. ج. 258 ع. 3 Pt 2: H642–6. DOI:10.1152/ajpheart.1990.258.3.H642. PMID:2316678.
  19. ^ Porges، Stephen W. (1986)، "Respiratory Sinus Arrhythmia: Physiological Basis, Quantitative Methods, and Clinical Implications"، Cardiorespiratory and Cardiosomatic Psychophysiology، Springer US، ص. 101–115، DOI:10.1007/978-1-4757-0360-3_7، ISBN:9781475703627 {{استشهاد}}: الوسيط غير المعروف |name-list-format= تم تجاهله يقترح استخدام |name-list-style= (مساعدة)
  20. ^ Pagani M، Lombardi F، Guzzetti S، Rimoldi O، Furlan R، Pizzinelli P، Sandrone G، Malfatto G، Dell'Orto S، Piccaluga E (أغسطس 1986). "Power spectral analysis of heart rate and arterial pressure variabilities as a marker of sympatho-vagal interaction in man and conscious dog". Circulation Research. ج. 59 ع. 2: 178–93. DOI:10.1161/01.RES.59.2.178. PMID:2874900.
  21. ^ Graziano P، Derefinko K (سبتمبر 2013). "Cardiac vagal control and children's adaptive functioning: a meta-analysis". Biological Psychology. ج. 94 ع. 1: 22–37. DOI:10.1016/j.biopsycho.2013.04.011. PMC:4074920. PMID:23648264.
  22. ^ Connell AM، Hughes-Scalise A، Klostermann S، Azem T (أكتوبر 2011). "Maternal depression and the heart of parenting: respiratory sinus arrhythmia and affective dynamics during parent-adolescent interactions". Journal of Family Psychology. ج. 25 ع. 5: 653–62. DOI:10.1037/a0025225. PMID:21875198.
  23. ^ Porges، SW؛ Doussard-Roosevelt، JA؛ Maiti، AK (1994). "Vagal tone and the physiological regulation of emotion". Monographs of the Society for Research in Child Development. ج. 59 ع. 2–3: 167–86. DOI:10.1111/j.1540-5834.1994.tb01283.x. ISSN:0037-976X. JSTOR:1166144. PMID:7984159. A review of research indicates that baseline levels of cardiac vagal tone and vagal tone reactivity abilities are associated with behavioral measures of reactivity, the expression of emotion, and self-regulation skills. Thus, we propose that cardiac vagal tone can serve as an index of emotion regulation. Historically, the vagus and other components of the parasympathetic nervous system have not been incorporated in theories of emotion.
  24. ^ Porges SW (يوليو 1995). "Orienting in a defensive world: mammalian modifications of our evolutionary heritage. A Polyvagal Theory". Psychophysiology. ج. 32 ع. 4: 301–18. DOI:10.1111/j.1469-8986.1995.tb01213.x. PMID:7652107.
  25. ^ Porges SW (أغسطس 2003). "The Polyvagal Theory: phylogenetic contributions to social behavior". Physiology & Behavior. ج. 79 ع. 3: 503–13. DOI:10.1016/S0031-9384(03)00156-2. PMID:12954445.
  26. ^ Porges SW (ديسمبر 2003). "Social engagement and attachment: a phylogenetic perspective". Annals of the New York Academy of Sciences. ج. 1008 ع. 1: 31–47. Bibcode:2003NYASA1008...31P. DOI:10.1196/annals.1301.004. PMID:14998870.