تاريخ مناقشة قانون الإجهاض

لم يعتبر الإجهاض فئة عامة من الجرائم في المصادر المكتوبة الأولى. ولكن حُرّمت أنواع معينة منه لأسباب اجتماعية وسياسية مختلفة. قد يصعب إدراك مدى نفاذ الأمر القضائي الديني كقانون مدني في النصوص الأولى. أما في النصوص اللاحقة، فيمكن البحث عن الأساس المنطقي لقوانين الإجهاض في مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الفلسفة والدين والفقه القانوني. لم تُدرج هذه الأسس المنطقية دائمًا في صياغة القوانين الفعلية.

المصادر القديمة عدل

تمكنت الشعوب القبلية في الأوقات الأكثر حداثة من الوصول إلى العديد من المجهضات العشبية والمُطمثات ووسائل منع الحمل،[1][2] التي كانت لها درجات متفاوتة من الفعالية. وبعض هذه الوسائل مذكور في المؤلفات الأدبية الأولى للعالم القديم، غير أن الاستشهادات المتعلقة بالإجهاض نادرة في النصوص المكتوبة الأولى.

الاعتبارات الاجتماعية عدل

كانت المناقشات حول الحد من النسل في العالم القديم، سواء من خلال وسائل منع الحمل، أو الإجهاض، أو وأد المواليد، تُستلزم في مناقشات مراقبة السكان،[3] وحقوق الملكية الأبوية،[4] وتنظيم النساء اللاتي يمارسن الجنس غير المشروع.[5] يشرح شيشرون:

«أتذكر حالة وقعت عندما كنت في آسيا: كيف حكم بالإعدام على امرأة من ميليتوس، قبلت رشوة من الورثة البديلين وأجهضت بنفسها بتناول العقاقير، لأنها احتالت على الوالد في آماله، والاسم في استمراريته، وأسرته، ومنزله من وريثه، وعلى الجمهورية بمواطن كان منتظرًا».[6]

لدى العائلات الغنية أو الفقيرة أسباب مختلفة للحد من النسل. قد يكون الأثرياء قلقين بشأن تقسيم الميراث الكبير إلى أجزاء عديدة صغيرة للعديد من الورثة. وقد تكون الأسرة الفقيرة غير قادرة على إطعام عدد كبير من الأطفال.[7] وقد يدفع الفقر المدقع أحيانًا البعض إلى أكل لحوم البشر.

أعرب أرسطو عن مخاوفه التي تندرج اليوم تحت عنوان تحسين النسل. يرى أن الإجهاض ووأد المواليد مسموح بهما عندما يمنحان رفاهية للدولة. ودعا إلى التخلي الإلزامي عن الأطفال المولودين بتشوهات، واعتبر الإجهاض أمراً مستحسناً عندما يتجاوز الزوجان حصتهما من الأطفال، أو عندما يتخطى الزوجان سن الإنجاب الأمثل، واعتقد أن رفاهية الفرد تتشابك مع رفاهية الدولة.[8][9] كان لأفلاطون وجهات نظر مماثلة لأرسطو.

في الكتب المقدسة الهندوسية، يُفسَّر الأمر كانعكاس لاهتمام الحفاظ على بذرة الذكور للطبقات «النقية» الثلاثة، بكلمة واحدة مرتبطة بالإجهاض، وهي كلمة بروناهان، بمعنى «قاتل برامين المتعلم». يسهل تقييد النسل الاستقرار المالي للأسر ذات النفوذ، ويحافظ على النظام الاجتماعي، ويتوجب على الذكور من هذه الطبقات أداء طقوس دينية مهمة.[10] رغم إدانة الاختلاط الطبقي بشدة، ولكن لم يُوصى بالإجهاض، ووضعت النصوص مجموعة معقدة من القواعد للإدماج الاجتماعي للأشخاص المولودين من هذه الاتحادات.

وما أثار القلق في كل هذه المناقشات هو قدرة المرأة على إخفاء حملها في المراحل المبكرة، وإنهاء الحمل غير المرغوب فيه باستخدام الأعشاب، أو نادرًا بإجراء جراحة. بما أن الحيض قد ينقطع بسبب ظروف طبية غير الحمل، لا يمكن اتهام المرأة التي تتناول المطمث بمحاولة الإجهاض، حتى لو فقدت الجنين بسبب توقف الحيض. لذلك، لا يمكن أن تكون ممارسة الرقابة الاجتماعية على الولادة، وهي ضرورية للحفاظ على النظام الاجتماعي، فعالة إلا بعد الارتكاض، أي تأكيد حركة الجنين الأولى.[11]

الاعتبارات الدينية والفلسفية عدل

لم يتضمن النص الديني استكشافًا للمزيد من المفاهيم الفلسفية حتى العصر المحوري، وغالبًا ما شملت هذه المفاهيم اعتبارات تتعلق بطبيعة الإنسان، والتي بدورها تضمنت اعتبارات تتعلق بطبيعة الروح. وتوجد ثلاثة آراء رئيسة كان لها تأثيرات مختلفة على مسألة الإجهاض: الاعتقاد بأن هذا العالم المادي يرافقه عالم روحي والاعتقاد بأن المادة وهم وكل شيء غير روحي، والاعتقاد بأن كل شيء، بما في ذلك الروح، مادة جوهرية في الطبيعة. كتب المصريون القدماء نسخة معقدة من خمسة أجزاء لطبيعة الإنسان، تضمنت روحًا تشبه تعريف الشبح الحديث، وروحًا تشبه الوعي البوذي. اعتنق الأدب الفيدي اللاحق، أثارفافيدا وأوبانيشاد، مذهب روح العالم والروح المتجسدة الخالدة التي تدخل الجسم المادي عند الحمل.[12] واعتُقد في بعض الأحيان أن هذين النوعين من الروح من نفس المادة. آمن العديد من اليونانيين بالروح الشاملة (أن كل الأشياء لها روح فردية)،[13] في حين اعتقد آخرون أن الأفراد ينبثعون من روح العالم، المصنوعة من مواد مختلفة. ومن المحتمل أن أفلاطون آمن بعناصر من الفكرتين.[14]

كان للمؤمنين بتقمُّص الأرواح آراء متباينة. رفضت البوذية المفهوم الهندوسي للروح الأبدية أتمان، وطرحت مفهوم «تيار الوعي» سريع الزوال الذي يدخل الجسم المادي عند الحمل. درّست اليهودية والإسلام أشكالًا مختلفة من الوجود المسبق للروح التي خلقها الله، لكنهم آمنوا بتجسد دنيوي واحد فحسب، وأن الروح تدخل الجسد عند الحمل. اعتقد أفلاطون أن الروح السابقة تدخل الجسد عند أول نفس.

اعتبر الرواقيون أن الجنين جزء من جسم المرأة وأن الروح (النوما) تدخل الجسم عندما يأخذ المولود الجديد أنفاسه الأولى. ورغم ذلك، اعتقد الرواقيون أن الطفل لا يصبح كائنًا عقلانيًا أو عاملًا أخلاقيًا حتى سن 14 عامًا. اقترح أرسطو نظرية التخلّص التدريجي، قائلا أن الجنين يكتسب أولًا روحًا نباتية، ثم روحًا حيوانية، ثم روحًا عقلانية، ويقدم الذكر «الروح العقلانية» التي تُحرك الجنين بعد 40 يومًا بعد الحمل.[15] اختلفت الآراء في العالم الإسلامي حول ما إذا كانت الروح «تُنفخ» في الجنين بعد 40 أو 120 يومًا. ونصت النصوص الطبية الأنجلوسكسونية أن الجنين يبقى «إنسانًا دون روح» حتى بعد الشهر الثالث.[16]

ارتبطت مسألة أخلاقيات الإجهاض عمومًا بمسألة طبيعة «المبدأ المُحفز»، الذي يطلق عليه عادة «الروح العقلانية»، عندما يدخل المبدأ المُحفز الجسم، فقد يكون جزءًا لا يتجزأ من الشكل الجسدي والجوهري، أو قد يكون موجودًا سابقًا ويخضع للتقمص، أي أن الروح المتقمصة تعاني نتيجة للإجهاض. على هذه الأسس، سمحت بعض المجتمعات بقتل الأطفال حديثي الولادة قبل استنشاق أنفاسهم الأولى (الرواقية) أو قبل أول إطعام (القبائل الجرمانية)، وكان لدى البعض قوانين مختلفة للإجهاض اعتمادًا على ما إذا كان الارتكاض حدث أم لا.

قسم أبقراط الطبي عدل

قسم أبقراط هو مدونة لقواعد السلوك المهني يمكن مقارنتها بمجموعة من المراسيم المماثلة التي وضعها كونفوشيوس.[17] وكثيراً ما استشهد به كدليل على مواقف الإجهاض في اليونان القديمة.

وفي قضية رو ضد وايد، شككت المحكمة العليا في الولايات المتحدة في صحة هذا المصدر، مشيرةً إلى أن «القسم نشأ في مجموعة تمثل شريحة صغيرة من الرأي اليوناني فقط، ومن المؤكد أنه لم يكن مقبولًا لدى جميع الأطباء القدامى».[18]

شُكك في الشرط الذي يشير إلى الإجهاض على أساس عدد من الأسباب. وشُكك في تأليف هذا القسم وغيره من الأقسام لأن اللغة تعكس تأثير فيثاغورس؛ واقتُرح أنه حدد عدم أعطاء دواء مجهض للمرأة لأن ذلك سيلغي صلاحيات الزوج في المسألة،[19] وأنه يتعارض مع سلوك أبقراط عندما طلبت منه صديقته أن يجهض جاريتها التي استخدمها أقربائها كبغي. وشرحه لنوع المجهض الذي وصفه، وعدم تسجيله لأي إشارة إلى رأيه في مهنة الجارية.[20] وويعطي تعليمات في مواضع أخرى حول كيفية التسبب في الإجهاض عن طريق إراقة الدماء.

المراجع عدل

  1. ^ Native American ethnobotany By Daniel E. Moerman نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ Some abortifacient plants used by the tribal people of West Bengal 167 S Mitra and Sobhan Kr Mukherjee, IPC code; Int. cl.8 — A61K 36/00, A61 K 35/78, A61P 15/04 [1] نسخة محفوظة 17 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ The Return of Quetzalcoatl – Chapter 17 نسخة محفوظة 4 أكتوبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ [2] The kindness of strangers: the abandonment of children in Western Europe footnote 21, By John Boswell نسخة محفوظة 20 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ Spivack, Carla, To Bring Down the Flowers: The Cultural Context of Abortion Law in Early Modern England. Available at SSRN: http://ssrn.com/abstract=1132482 نسخة محفوظة 7 مارس 2021 على موقع واي باك مشين.
  6. ^ "In Defence of Cluentius", Cicero as cited in Greek and Roman Attitudes To Abortion at Google Docs
  7. ^ Boswell, "The kindness of strangers: the abandonment of children in Western Europe", pg.14, footnotes 20, 21 [3] نسخة محفوظة 20 أغسطس 2017 على موقع واي باك مشين.
  8. ^ Evangelos Protopapadakis, "Should the baby live? Abortion and infanticide: when ontology overlaps ethics and Peter Singer echoes the Stoics" in Ancient Culture, European and Serbian Heritage, Series: "Antiquity and modern world", Scientific Publications of the Serbian Society for Ancient Studies, Novi Sad 2010, v. IV, pp. 396–407, (ردمك 978-86-910129-4-6). "Archived copy". مؤرشف من الأصل في 2010-06-20. اطلع عليه بتاريخ 2010-10-07.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: الأرشيف كعنوان (link)
  9. ^ Aristotle, "Politics", Book 7, 16, 20, as cited in Greek and Roman Attitudes To Abortion at Google Docs.
  10. ^ ABORTION FROM THE PERSPECTIVE OF EASTERN RELIGIONS: HINDUISM AND BUDDHISM Constantin-Iulian Damian, Romanian Journal of Bioethics, pg. 128, Vol. 8, No. 1, January – March 2010 "Archived copy" (PDF). مؤرشف من الأصل (PDF) في 2012-09-03. اطلع عليه بتاريخ 2012-09-03.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: الأرشيف كعنوان (link)
  11. ^ While the issue of child sacrifice may be included in such discussions, as part of a larger discussion of social attitudes toward children, it is a matter separate from abortion.[وفقًا لِمَن؟] In general, anything sacrificed to the gods is sacrificed precisely because it is valued by society and is therefore deemed an appropriate gift to the gods.[بحاجة لمصدر] In the case of contraception, abortion and exposure of newborns, the prospective child is not valued and is therefore disposable.[بحاجة لمصدر]
  12. ^ Hindus In America Speak out on Abortion Issues - Magazine Web Edition September 1985 - Publications - Hinduism Today Magazine نسخة محفوظة 3 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين.
  13. ^ See الروح عند قدماء المصريين
  14. ^ Panpsychism in the West[وصلة مكسورة] نسخة محفوظة 26 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  15. ^ On the Generation of Animals نسخة محفوظة 17 نوفمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
  16. ^ "Archived copy". مؤرشف من الأصل في 2012-02-27. اطلع عليه بتاريخ 2012-07-11.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: الأرشيف كعنوان (link), Abortion, Tariq Mahmood Hashmi
  17. ^ Principles and Practice of Confucianism in Medicine Today, By Dr. Khong Kok Sun [4] نسخة محفوظة 31 يناير 2016 على موقع واي باك مشين.
  18. ^ Roe v. Wade, 410 U.S. 113 (1972). Findlaw.com. Retrieved 2007-01-26 نسخة محفوظة 14 مارس 2020 على موقع واي باك مشين.
  19. ^ A Commentary and Translation, Prepared by Howard Herrell at نسخة محفوظة 16 مارس 2019 على موقع واي باك مشين.
  20. ^ Hippocrates, "On the Nature of the Child", as cited in Intercourse, conception and pregnancy. Cos, fourth century BC (Hippocrates, On the Generating Seed and the Nature of the Child 4–7, 13, 30.4=VII.474-80, 488–92, 536–8 Littré. Tr. I.M. Lonie. G, available at [5] نسخة محفوظة 8 أغسطس 2018 على موقع واي باك مشين.