يا قوم وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين. أدعوكم إلى تناسي الاساءات والأحقاد، وما جناه الآباء والأجداد. فقد كفى ما فعل ذلك على أيدي المثيرين وأجلّكم من أن لا تهتدوا لوسائل الاتحاد وأنتم المتنورون السابقون. فهذه أمم أوستريا وأمريكا قد هداها العلم لطرائق الاتحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري. فما بالنا نحن لا نفتكر في أن نتبع إحدى تلك الطرائق أو شبهها، فيقول عقلاؤنا لمثيري الشحناء من الأعاجم، دعونا يا هؤلاء نحن ندبر شأننا نتفاهم بالفحصاء ونتراحم بالإخاء ونتواسى في الضراء ونتساوى في السراء، دعونا ندبر حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى فقط. دعونا نجتمع على كلمات سواء، ألا وهي: فلتحيا الأمة، فليحيا الوطن، فلنحيا طلقاء أعزاء.
هذه الفترة التي انتقل فيها العربي من الجاهلية إلى الإسلام، من حياة سجينة في قيم المجموع وتقاليده إلى حياة تتحقق فيها الحرية الفردية والمساواة بين الأفراد كانت قصيرة جدًا لم يلبث العرب بعدها أن غرقوا في بحر لا نهاية له من الشعوب الغريبة المختلفة. ومنذ أن فقدوا بعد سنوات معدودة شعورهم بوحدتهم القومية وغرقوا في تلك اللجة المتباينة المتماوجة من الشعوب، عادوا إلى عصبيتهم الجاهلية وإلى صراع القبائل وتنافسها، فعندما لا تتوافر الحياة القومية على شكلها الصحيح تعود الأنانية الضيقة والنظرة المحدودة. ولقد تلت هذا عصور الضعف، وتبدأ منذ أن فقد العرب هذا التجانس القومي وخير من يمثل هذه العصور هو المتنبي. قد يرى في هذا مفارقة لأن المتنبي شاعر القوة غير أنه في الحقيقة رد فعل لعصر الضعف، لذلك فهو يمثله تمثيلا صادقا.
كما لا يحق لنا أن ننتظر من الأقلية العربية أن تتخلى عن نصرانيتها حتى تصبح قومية، كذلك لا يحق لنا أن ننتظر من الأكثرية أن تتخلى عن إسلامها حتى تصبح أهلا لحمل لواء الفكرة القومية.
وكانت دمشق تؤوي عددا كبيرا من الزعماء السياسيين وضباط الجيش والطلاب من فلسطين والعراق ومن جميع أنحاء سورية نفسها. وهم في مجموعهم يمثلون الآراء والمشاعر لدى الغالبية العظمى في تلك البلاد حول الأمرين الكبيرين: الوحدة والاستقلال.
1. فلسطين هي سورية الجنوبية وجزء لا يتجزأ من سورية. 2. الاستقلال التام لسورية جميعها بلا حماية ولا وصاية ولا احتلال وضمن الوحدة العربية. 3. رفض وعد بلفور ورفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين ورفض كل دعوى لليهود فيها.
عندما وضعت أنا وتلاميذي أسس حزب البعث العـربي صدرناه بهاتين الجملتين: وكنا نقصد من هاتين الجملتين الرد على على السياسة الاستعمارية التي وزعت أبناء أمتنا على شعوب وقسمت وطننا على أقاليم: لقد أنشأنا اليوم حزبا عربيا جديدا ... لقد أسسنا حزب البعث العربي
فالفكرة القومية المجردة في الغرب منطقية إذ تقرر انفصال القومية عن الدين. لأن الدين دخل على أوروبا من الخارج فهو أجنبي عن طبيعتها وتاريخها، وهو خلاصة من العقيدة الأخروية والأخلاق، لم ينزل بلغاتهم القومية، ولا أفصح عن حاجات بيئتهم، ولا امتزج بتاريخهم، في حين أن الإسلام بالنسبة إلى العرب ليس عقيدة أخروية فحسب، ولا هو أخلاق مجردة، بل هو أجلى مفصح عن شعورهم الكوني ونظرتهم إلى الحياة، وأقوى تعبير عن وحدة شخصيتهم التي يندمج فيها اللفظ بالشعور والفكر، والتأمل بالعمل، والنفس بالقدر. وهو فوق ذلك كله أروع صورة للغتهم وآدابهم، وأضخم قطعة من تاريخهم القومي، فلا نستطيع أن نتغنى ببطل من أبطالنا الخالدين بصفته عربيا ونهمله أو ننفر منه بصفته مسلما. قوميتنا كائن حي متشابك الأعضاء، وكل تشريح لجسمها وفصل بين اعضائها يهددها بالقتل فعلاقة الإسلام بالعروبة ليست إذن كعلاقة أي دين بأية قومية. وسوف يعرف المسيحيون العرب، عندما تستيقظ فيهم قوميتهم يقظتها التامة ويسترجعون طبعهم الأصيل، أن الإسلام هو لهم ثقافة قومية يجب أن يتشبعوا بها حتى يفهموها ويحبوها فيحرصوا على الإسلام حرصهم على أثمن شيء في عروبتهم. وإذا كان الواقع لا يزال بعيدا عن هذه الأمنية، فإن على الجيل الجديد من المسيحيين العرب مهمة تحقيقها بجرأة وتجرد، مضحين في سبيل ذلك بالكبرياء والمنافع، إذ لا شيء يعدل العروبة وشرف الانتساب إليها