انتقال التعلق عبر الأجيال وطوال الحياة

توجد العديد من العواقب المرتبطة بأنماط التعلق المختلفة التي تتشكل خلال تنشئة الطفل. يستكشف هذا المقال الطريقة التي يتم تشكيل أنماط التعلق بواسطتها، وكيف ينقل الوالدان أنماط التعلق، والنتائج طويلة الأمد لأنماط التعلق، بالإضافة إلى أنماط التعلق عبر الثقافات.

أصول التعلق عدل

يمكن فهم أصول تعلق الرضيع على عدة محاور مختلفة: مستوى الحساسية في تفاعلات الأم مع طفلها، ودرجة رفض الأم في تفاعلاتها مع طفلها، ومستوى النشاط في تفاعلات الأم مع طفلها. تشير مجموعة الأبحاث الحالية المرتبطة بنظرية التعلق إلى لعب هذه الجوانب المحددة لسلوك الأم دوراً مهماً في تحديد التعلق المتشكل بين الأم وطفلها في مرحلة مبكرة من نموه، مع الوقت عموماً. تنبأت مقاييس هذه الخصائص بنوع ودرجة تعلق الطفل الرضيع المتشكل.

قد تؤدي المستويات الأعلى من الحساسية في سلوك الأم -المحدد بسرعة اكتشاف واستجابة الأم للإشارات أو التغيرات الطفيفة في سلوك رضيعها أو بيئتها- إلى تكوين تعلق آمن.

تبين تحليلات التفاعلات التي لوحظت وقيست على عدة مراحل خلال فترة ممتدة من تنشئة الرضيع (شهر واحد، وأربعة أشهر، وتسعة أشهر) أن استجابة أمهات الرضع ذوي التعلق الآمن في جميع المراحل تتمتع بحساسية أكبر من أمهات الرضع ذوي التعلق غير الآمن، فقد أظهر النوع الثاني من الأمهات أدنى مستويات الحساسية الملاحظة في تنشئة أزواج «الأم والرضيع» أثناء تطوير تعلق مقاوم لعدم الأمان بشكل خاص.

قد تؤدي المستويات المرتفعة من سلوك الرفض، المحدد بدرجة تفاعل الأم مع طفلها بمودة، إلى تكوين أنماط تعلق غير آمنة بين الأم والرضيع. في جميع الأعمار الثلاثة المقاسة، قد يكون أطفال الأمهات اللواتي يظهرن الرفض في تفاعلاتهن مع أطفالهن لمدة عام واحد مقاومين لعدم الأمان؛ ولكن من المرجح أن يظهر أطفال الأمهات اللواتي يظهرن الرفض بشدة خلال تسعة أشهر التجنب في تجربة «إينسوورثس سترينج سيتيويشن».

قد تؤدي المستويات العالية من نشاط الأمهات في تفاعلاتهن مع الرضيع طوال السنة الأولى للتنشئة إلى تكوين تعلق آمن. [1]

تبين أنه من بين هذه العوامل، تُعتبر حساسية الأمهات العامل الأكثر أهمية في تحديد جودة التعلق بين الأم والرضيع. كانت الأمهات اللواتي أظهرن أعلى مستويات الحساسية الكلية خلال السنة الأولى من تنشئة الطفل أكثر عرضة لتحقيق تعلق آمن في عمر السنة، في حين أظهرن مستويات منخفضة من المقاومة والتجنب في «إجراء الموقف الغريب».[2]

نظرية التعلق عبر الأجيال عدل

يُظهر أسلوب التعلق الخاص بالفرد آثاره على جوانب مختلفة من حياته، بما في ذلك أسلوب التعلق بأطفاله. تشير نظرية التعلق بين الأجيال إلى أن تمثيل الأم للتعلق السابق قد يؤثر على تطور تعلق طفلها بها. نظرياً، من المتوقع أن ينتهي الأمر بالوالد -الذي حظي بتعلق آمن- على الأرجح إلى إنجاب طفل بتعلق آمن أيضاً.[3]

كان بولبي مهتماً بأساليب الارتباط بين الأجيال بشكل خاص؛ وقد ذكر في كتابه «الفصل» أن الأفراد الذين لديهم آباء مساندون، يكبرون ليصبحوا مستقرين ومعتمدين على أنفسهم.[4]

ومع ذلك، أظهرت الأبحاث أيضاً أن إدراك أسلوب الوالد السابق للتعلق أكثر أهمية من التعلق نفسه. تعتبر الطرق التي تدفع الأم لأخذ علاقتها التاريخية مع مقدم الرعاية الأساسي لها بعين الاعتبار، أمراً أساسياً في تطوير تعلق طفلها (إينسوورث وبولبي، 1991؛ الدراسة الرئيسية، 1990).[5]

تضمنت الأبحاث التي أجراها بيتر فوناجي وهوارد ستيل وميريام ستيل بحثاً حول هذا الموضوع؛ أجاب الآباء المشاركون في هذا البحث عن أسئلة حول تاريخ تعلقهم في طفولتهم المبكرة بالإجابة من خلال مقابلة عن تعلق البالغين؛ وقد ذكروا أيضاً كيف أثرت أساليب التعلق تلك في علاقتهم مع أطفالهم. أظهرت النتائج أن الآباء والأمهات المستقلين ذاتياً يتمتعون بشكل متماسك للتعلق المبكر، في حين أن الآباء المشغولين ممن أكدوا على ذكريات الطفولة المتعلقة بالنزاعات ورفض الآباء والأمهات بشكل عام، لم يتمكنوا من تحديد ذكرياتهم المتعلقة بتعلقهم في مرحلة الطفولة المبكرة.[5]

عواقب أنماط التعلق في مرحلة الطفولة عدل

يستمر تعلق الأطفال مع والديهم باستمرار نموهم، ليتطور ويلعب أدواراً مختلفة في حياتهم اليومية. تُعتبر الرابطة الوالدية أحد الأمثلة على الارتباط المستمر الذي يتغير على مدار حياة الفرد.

انتقال التعلق عبر الأجيال: داخل الثقافات وفيما بينها عدل

على الرغم من تأكيد العديد من الدراسات التي أجريت في العقود الأخيرة على صحة نظرية التعلق التي صاغها جون بولبي، لكن الكثير من هذه الدراسات تعكس الاتجاهات في ثقافة واحدة فقط.[6]

حددت ماري إينسوورث آليات نظرية بولبي، عندما طورت مفاهيم التعلق الآمن وغير الآمن. بعد رؤية نتائج رد فعل الأطفال الأمريكيين على تجربة «الموقف الغريب» حيث يتم فصل الأطفال ولمّ شملهم مع والديهم، اقترحت إينسوورث أن التعلق الآمن هو الاستجابة المهيمنة وأن التعلق غير الآمن -سواء المتجنب أو المقاوم- هي أقليات استجابية واضحة.

قُبل نوع رابع من التعلق منذ ذلك الحين، وهو غير منظم -كنمط ممكن- على الرغم من أنه نادر. ومع ذلك، فقد أظهرت الدراسات اللاحقة أن هناك اختلافات في توزيع أشكال التعلق عبر الثقافات. على سبيل المثال، من المرجح أن يُصنّف الأطفال الألمان على أنهم متجنبون أكثر من الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية. وبشكل مماثل، فإن الأطفال اليابانيين والإسرائيليين أكثر عرضة للوقوع ضمن فئة التعلق المقاوم لعدم الأمان مقارنة بنظرائهم الأمريكيين. ومع ذلك، فقد جادل الباحثون مؤخراً بأن هذه الاختلافات بين الثقافات ليست أكثر تنوعاً من الاختلافات بين الثقافات الموجودة في المجتمعات المتنوعة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية.[7][8]

تشير إحدى الحجج إلى أنه «بشكل عام، اقترحت المناقشات -بين الثقافات لنظرية التعلق ونتائجها- وجود اختلافات كبيرة بين الثقافات مقارنة بالاختلافات ضمن الثقافة الواحدة؛ ومع ذلك، لم تعالج أي دراسات تجريبية هذه المسألة».

جمع الباحثان مارينوس فان إيزندورن وبيتر كروننبرغ في إحدى الدراسات جميع معدلات الأشكال المختلفة للتعلق، والتي وُجدت في الدراسات التي أجريت في جميع أنحاء العالم، من أجل تشكيل متوسط التوزيع العالمي للأشكال المختلفة من التعلق؛ ووجدوا أن التوزيع في الولايات المتحدة الأمريكية -الذي استكشفه إينسوورث لأول مرة- يمثل التوزيع العالمي. ومع ذلك، من المرجح أن تعكس عينة فردية من مجتمع معين في الولايات المتحدة الأمريكية توزيع أي بلد أجنبي، بقدر ما تمثل عينة نموذجية من الولايات المتحدة الأمريكية.

توضح هذه الدراسة أن الاختلافات بين الثقافات في التعلق تعكس العادات المحلية وليس الاختلافات الأوسع بين البلدان. يبدو أن التعلق الآمن هو الشكل المفضل في جميع الثقافات، كما لا تزال أشكال التعلق غير الآمن موجودة. على الرغم من أن مستويات التعلق الآمن قد تختلف في بعض الثقافات، لم يكن هناك أي بيانات تشير إلى عدم صحة عالمية نظرية التعلق.[9]

تلعب الأسرة الدور الحاسم في تحديد نمط التعلق الذي سيطوره الطفل، نظراً إلى أن التباين بين الثقافات في نقل التعلق يحدث على المستوى المحلي. بشكل عام، كلما كان شكل التعلق أكثر دعماً، ازدادت احتمالية تطوير الطفل لتعلق آمن.[10]

بالإضافة إلى ذلك، «يمكن أن تعمل أشكال التعلق الرئيسية بشكل أكثر دعماً عندما تتلقى دعم الآخرين». بشكل عام، تُعدّ الأسرة العامل الأكثر استقراراً في جميع العلاقات الاجتماعية. بالنسبة للأطفال، لا توفر العائلة شكل التعلق الرئيسي فحسب، بل وتقدّم أيضاً تصوراً ثابتاً (للأفضل أو الأسوأ) لكيفية تطور العلاقات. يستفيد الأطفال عندما يكبرون من بناء العلاقات التي أظهرتها أسرهم على مر السنين.[11]

المراجع عدل

  1. ^ Fraley RC, Spieker SJ. A Taxometric Analysis of Strange Situation Behavior.” Developmental Psychology Vol. 39 (May 2003), pp. 387–404
  2. ^ Isabella, Russell A. Child Development Vol. 64, No. 2 (Apr., 1993), pp. 605-621
  3. ^ Shah, P. E., Fonagy, P., & Strathearn, L. (2010). Is Attachment Transmitted Across Generations? The Plot Thickens. Clinical Child Psychology and Psychiatry, 15(3), 329-345.
  4. ^ The Developmental and Evolutionary Psychology of Intergenerational Transmission of Attachment. Belsky, J. Carter, C. S. (Ed); Ahnert, L. (Ed); Grossmann, K. E. (Ed); Hrdy, S. B. (Ed); Lamb, M. E. (Ed); Porges, S. W. (Ed); Sachser, N. (Ed), (2005). Attachment and Bonding: A New Synthesis. pp. 169-198. Cambridge, MA, US: MIT Press, xiv, 493
  5. ^ أ ب Bowlby, J., & Ainsworth, M. (2013). The Origins of Attachment Theory. Attachment Theory: Social, Developmental, and Clinical Perspectives, 45.
  6. ^ Grossmann, K., Grossmann, K. E., Spangler, G., Suess, G., & Unzner, L. (1985). Maternal sensitivity and newborns’ orientation responses as related to the quality of attachment in Northern Germany. In I. Bretherton and E. Waters (Eds.), Growing points of attachment theory and research. Monographs of the Society for Research in Child Development, 50(1-2, Serial No. 209), 233-256.
  7. ^ Sagi, A., Lamb, M. E., Lewkowicz, K. S., Shoham, R., Dvir, R., & Estes, D. (1985). Security of infant-mother, father, and metapelet attachments among kibbutz-reared Israeli children. In I. Bretherton and E. Waters (Eds.), Growing points of attachment theory and research. Monographs of the Society for Research in Child Development, 50(1-2, Serial No. 209), 257-275.
  8. ^ Miyake, K., Chen, S.-J., & Campos, J. J. (1985). Infant temperament, mother’s mode of interaction, and attachment in Japan: An interim report. In I. Bretherton and E. Waters (Eds.), Growing points of attachment theory and research. Monographs of the Society for Research in Child Development, 50(1-2, Serial No. 209), 276-297.
  9. ^ van IJzendoorn, M.H. & Sagi-Schwartz A. (2008). "Cross-Cultural Patterns of Attachment; Universal and Contextual Dimensions". In Cassidy J, Shaver PR. Handbook of Attachment: Theory, Research and Clinical Applications. New York and London: Guilford Press. pp. 880–905.
  10. ^ van Ijzendoorn, M., H. & Kroonenberg, P., M. (1988). Cross-cultural patterns of attachment: A meta-analysis of the strange situation. Child Development, 59 (No. 1), 147-156.
  11. ^ Bretherton, I. (1985). Attachment theory: retrospect and prospect. Growing points of attachment theory and research. Monographs of the Society for Research in Child Development, 50(1-2, Serial No. 209), 26.