اختناق بغاز خامل

الاختناق بالغاز الخامل، هو الاختناق الناجم عن استنشاق غاز خامل فسيولوجيًا في ظل غياب الأكسجين أو بوجود كمية قليلة منه، عوضًا من استنشاق الهواء الجوي (الذي يحوي كميات كبيرة من النيتروجين والأكسجين). سبب كل من الآرغون والهيليوم والنيتروجين والميثان الموت العرضي أو المتعمد عبر هذه الآلية. يستخدم المصطلح خامل فسيولوجيًا للإشارة إلى الغازات التي لا تمتلك خصائص سامة أو مخدرة ولا تؤثر على القلب أو الهيموغلوبين. مع ذلك، تعمل الغازات الخاملة على تقليل تركيز الأكسجين في الهواء المستنشق والدم ليصل إلى مستويات منخفضة بشكل كبير، وهذا سيحرم جميع خلايا الجسم من الأكسجين في نهاية المطاف.[1]

صرح مجلس التحقيق في السلامة الكيميائية والمخاطر في الولايات المتحدة بما يلي: «قد يؤدي استنشاق البشر لهواء يحوي كمية قليلة من الأكسجين إلى آثار خطيرة وفورية، وهذا يصل لدرجة فقدان الوعي بعد استنشاق نفس واحد أو اثنين فقط. لا يتلقى الشخص المتأثر أي تحذير ولا يستطيع الشعور بانخفاض مستوى الأكسجين». توفي نحو 80 شخص في الولايات المتحدة بسبب الاختناق العرضي بالنيتروجين بين عامي 1992 و2002. درس الباحثون وأثبتوا مخاطر الغازات الخاملة والاختناق بشكل جيد.[2]

سببت غازات الهيليوم والنيتروجين والميثان والآرغون بعض حالات الموت العرضي لدى البشر، واستخدمت كوسيلة للانتحار. دعا مؤيدو الموت الرحيم إلى استخدام الغازات الخاملة لتحقيق ذلك عبر ما يسميه العامة بحقيبة الانتحار، وهي كيس بلاستيكي يحوي غاز خامل.

اقترح البعض الاختناق بالنيتروجين كطريقة جديدة لتنفيذ عقوبة الإعدام. وقعت حاكمة أوكلاهوما ماري فالين في عام 2015 مشروع قانون يسمح باستخدام الإعدام بالنيتروجين، وذلك باعتباره طريقة إعدام بديلة تستخدم عند عدم توفر الحقنة المميتة، وهي الوسيلة الأساسية للإعدام في الولاية. أعلن المدعي العام في أوكلاهوما مايك هنتر ومدير الإصلاحيات جو ألبو في مارس 2018 عن خططهم لتنفيذ عمليات الإعدام بالنيتروجين. مع ذلك، أعلنت الولاية في فبراير 2020 أنها تخلت عن المشروع وستستأنف عمليات الإعدام بالحقنة المميتة بعد عملها لسنوات عديدة على تصميم بروتوكول الإعدام بالنيتروجين.[3][4][5][6]

الآلية

عدل

يطرح الإنسان غاز ثنائي أكسيد الكربون دون إعادة تزويد مخازنه من الأكسجين عند استنشاقه لغاز خانق كالنيتروجين النقي أو الهيليوم أو النيون أو الآرغون أو الميثان أو أي غاز آخر خامل فسيولوجيًا. لا تملك الغازات الخاملة عمومًا رائحة أو طعم وليس لها من الناحية الفسيولوجية أي تأثير سام، وجل ما تقوم به هو تقليل مستوى الأكسجين المستنشق لا أكثر. لهذا، سيشعر الإنسان المتعرض لهذه الغازات باختلاف بسيط عند انخفاض مستويات الأكسجين. يؤدي ذلك إلى الاختناق (الموت بسبب نقص الأكسجين) دون الأحاسيس المؤلمة والمؤذية المرافقة للاختناق (فهذه الاستجابة تحدث عند ارتفاع مستويات ثنائي أكسيد الكربون) أو الآثار الجانبية للتسمم. تترافق حوادث الغوص باستخدام جهاز إعادة التنفس بشعور ضئيل بالاختناق. ومع ذلك، يسبب الانخفاض البطيء في مستوى الأكسجين الذي يتنفسه المرء تأثيرات متنوعة. على النقيض من ذلك، يؤدي استنشاق الغازات الخاملة النقية إلى انخفاض مفاجئ في مستويات الأكسجين في الدم بشكل حاد، وهذا قد يؤدي إلى فقدان الوعي بعد استنشاق بضعة أنفاس فقط دون أي أعراض على الإطلاق.[7] [8]

تكتشف بعض أنواع الحيوانات نقص الأكسجين بشكل أفضل من البشر، وتكون أقل ارتياحًا في الأجواء العابقة بالغازات الخاملة. ومع ذلك، يبقى تأثير الغازات الخاملة أقل إزعاجًا من التعرض لثنائي أكسيد الكربون.[9]

علم وظائف الأعضاء

عدل

يتنفس الإنسان العادي ما بين 12 و20 مرة في الدقيقة بمعدل يعتمد على تركيز ثنائي أكسيد الكربون -وبالتالي الرقم الهيدروجيني- في الدم. يتبدل مع كل نفس نحو 0.6 لتر من حجم الرئة الفعال (الحجم الجاري + السعة الوظيفية المتبقية) الذي يقدر بنحو 3 لتر. يتكون الغلاف الجوي الطبيعي للأرض من 78% نيتروجين و21% أكسجين و1% آرغون وثنائي أكسيد الكربون وغازات أخرى. سينخفض مستوى الأكسجين في الرئتين بعد استنشاق نفسين أو ثلاثة أنفاس فقط من النيتروجين، وهذا سيؤدي إلى طرح الأكسجين الذي يحمله الدم مع هواء الزفير.

قد يحدث فقدان الوعي في حالات الاختناق العرضي خلال دقيقة واحدة. ينجم فقدان الوعي عن نقص الأكسجة الشديد، وذلك عندما يصبح تشبع الشرايين بالأكسجين أقل من 60%. سيفقد الإنسان الوعي خلال 40 ثانية وسيموت في غضون بضع دقائق عندما يصبح تركيز الأكسجين [في الهواء] بين 4 و6%. يمكن للفرد العادي أداء مهام الطيران بكفاءة لمدة 9 إلى 12 ثانية فقط بدون مكملات الأكسجين عندما يصبح على ارتفاع يزيد عن 43000 قدم (13000 م)، حيث يكون تركيز الأكسجين المحيط مكافئ لما يساوي 3.6% عند مستوى سطح البحر. تدرب القوات الجوية الأمريكية فرقها على معرفة العلامات الشخصية التي تبديها أجسادهم عند الاقتراب من نقص الأكسجة. قد يعاني بعض الأفراد من الصداع والدوخة والتعب والغثيان والغبطة، وقد يفقد بعضهم الوعي دون سابق إنذار.[10]

قد يترافق فقدان الوعي بالاختلاج ويتلو ذلك حدوث زرقة وتوقف قلب. تموت خلايا جذع الدماغ بعد حرمانها من الأكسجين مدة 7 دقائق.

أجرى معهد طب الطيران التابع لسلاح الجو الملكي دراسة طلب فيها من الأشخاص زيادة عدد مرات التنفس في وسط مزود بالنيتروجين. تضمنت بعض النتائج ما يلي: «أبلغ أحد المشاركين عن حدوث تشوش عابر في الرؤية عندما تجاوزت مدة استنشاق النيتروجين 8- 10 ثوان. بينما عانى أحدهم من تغيم عام للوعي مع اضطراب في الرؤية عندما كانت مدة استنشاق النيتروجين 15- 16 ثانية. سجل الباحثون أثناء إجراء هذه التجارب حدوث فقد مؤقت للرؤية بشكل متكرر. حدث فقد الوعي الكامل لدى المشاركين الذي استنشقوا النيتروجين مدة 17- 20 ثانية، وقد ترافق ذلك باختلاجات معممة في معظم الحالات. كانت الفترة الفاصلة بين بدء الاستنشاق السريع للنيتروجين وظهور الأعراض 12- 14 ثانية عمومًا». لم تذكر الدراسة مقدار الانزعاج الذي شعر به المشاركون.[11]

الوفيات والإصابات العرضية

عدل

الاختناق العرضي بالنيتروجين هو خطر محتمل في الأماكن التي تستهلك النيتروجين بكميات كبيرة. يسبب النيتروجين سنويًا العديد من الوفيات في الولايات المتحدة، وذلك أكثر من أي غاز صناعي آخر. وقعت إحدى الحوادث في عام 1981 قبل وقت قصير من إطلاق أول رحلة من برنامج مكوك الفضاء الأمريكي، حين فقد خمسة تقنيين وعيهم وتوفي اثنان منهم بعد دخولهم الحجرة الخلفية للمكوك. استخدم النيتروجين حينها لطرد الأكسجين من الحجرة كإجراء وقائي ضد الحريق، ولم يستخدم التقنيون العبوات الهوائية بسبب تغير إجراءات السلامة في اللحظة الأخيرة.[12][13]

وقعت حادثة أخرى خلال إحدى حفلات المسابح في المكسيك في عام 2013، حيث فقد ثمانية من رواد الحفل وعيهم ودخل شاب يبلغ من العمر 21 عام في غيبوبة نتيجة سكب نيتروجين سائل في المسبح.[14][15]

سجلت عدة وفيات ناجمة عن استنشاق الهيليوم المباشر من البالونات الصغيرة، ولكنها نادرة جدًا، ويعتقد أن استنشاق بالونات الهيليوم الكبيرة أمر قاتل. سجلت حادثة وقوع مميت لأحد الأشخاص عن شجرة بعد استنشاقه الهيليوم من بالون، ويعتقد أن السقوط وقع نتيجة فقدان ذاك الشخص وعيه أو شعوره بالدوخة.[16][17]

تعرض في عام 2015 فني في منتجع صحي للاختناق أثناء إجراء العلاج بالتبريد مستخدمًا النيتروجين بدون إشراف.[18][19]

مراجع

عدل
  1. ^ European Industrial Gases Association (2009), Hazards of Inert Gases and Oxygen Depletion, IGC Doc 44/09/E نسخة محفوظة 2017-05-17 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ "HAZARDS OF INERT GASES AND OXYGEN DEPLETION". Singapore: Asia Industrial Gases Association.
  3. ^ "Oklahoma Gov. Mary Fallin signs bill allowing nitrogen asphyxiation as alternative execution method". NewsOK.com. مؤرشف من الأصل في 2018-04-23.
  4. ^ "Oklahoma governor signs 'foolproof' nitrogen gas execution method". The Guardian. Associated Press. 18 أبريل 2015. مؤرشف من الأصل في 2021-05-06.
  5. ^ Mark Berman (18 مارس 2018). "Oklahoma says it will begin using nitrogen for all executions in an unprecedented move". Washington Post. مؤرشف من الأصل في 2020-05-31.
  6. ^ "Oklahoma Attorney general says state will resume executions". nypost.com. مؤرشف من الأصل في 2021-03-09. اطلع عليه بتاريخ 2020-03-22.
  7. ^ "Forensic Pathology 2e, Chapter 8: Asphyxia". charlydmiller.com. مؤرشف من الأصل في 2021-02-24.
  8. ^ PETA's Animal Times, UK, Autumn 2005
  9. ^ The Animal Welfare Foundation of Canada article The Disposal of Spent Laying Hens by Jacqueline Wepruk نسخة محفوظة 2012-12-04 على موقع واي باك مشين.
  10. ^ "ALTERNATIVES TO CARBON DIOXIDE EUTHANASIA FOR LABORATORY RATS" (PDF). مؤرشف من الأصل (PDF) في 2013-03-20. اطلع عليه بتاريخ 2012-02-07.
  11. ^ J. ERNSTING (1963). "The effect of brief profound hypoxia upon the arterial and venous oxygen tensions in man". J. Physiol. ج. 169 ع. 2: 292–311. DOI:10.1113/jphysiol.1963.sp007257. PMC:1368754. PMID:14079668.
  12. ^ Chemical Safety Board Bulletin نسخة محفوظة 2016-03-04 على موقع واي باك مشين. This is a government summary of accidental 80 nitrogen inhalation deaths, mostly in occupational circumstances. For a presentation form with additional material, see [1] نسخة محفوظة 2016-03-04 على موقع واي باك مشين.
  13. ^ Austin A، Winskog C، van den Heuvel C، Byard RW (مايو 2011). "Recent trends in suicides utilizing helium". J. Forensic Sci. ج. 56 ع. 3: 649–51. DOI:10.1111/j.1556-4029.2011.01723.x. PMID:21361949. S2CID:30521706.
  14. ^ "Liquid nitrogen at Jägermeister Mexican pool party sickens guests: one man in a coma, eight others ill". NY Daily Times. مؤرشف من الأصل في 2021-01-27. اطلع عليه بتاريخ 2014-11-16.
  15. ^ Bracher، Paul (18 يونيو 2013). "Awful Idea: Liquid Nitrogen at a Pool Party". chembark.com. مؤرشف من الأصل في 2020-02-01.
  16. ^ "2 College Students Found Dead Inside Helium Balloon in Florida". Fox News. 4 يونيو 2006. مؤرشف من الأصل في 2013-06-19.
  17. ^ Lung ruptures and fatal انصمام هوائي have occurred from inhalation from a pressure tank and although this was reported as a helium inhalation death, it differs greatly from the process of inert gas asphyxiation. See gas embolism helium death نسخة محفوظة 2015-09-29 على موقع واي باك مشين.
  18. ^ Saeidi, Mahsa (11 Nov 2015). "Coroner rules cryochamber death due to lack of oxygen". KTNV (بالإنجليزية الأمريكية). Archived from the original on 2016-10-18. Retrieved 2016-10-17.
  19. ^ Mcgee، Kimberley؛ Turkewitz، Julie (26 أكتوبر 2015). "Death of Woman in Tank at a Nevada Cryotherapy Center Raises Questions About Safety". The New York Times. ISSN:0362-4331. مؤرشف من الأصل في 2021-05-16. اطلع عليه بتاريخ 2016-01-26.