علم النفس الديني

علم النفس الديني : هو علم يبحث في السلوك البشري رجوعا لمعرفة الدوافع النفسيه الشعورية واللاشعورية من خلال النصوص المقدسة في القرآن الكريم.[1]

مكونات النفس في القرآن الكريم وقاعدة النظرية النفسية في الإسلام عدل

قال تعالى: ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سوى ٰها ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وتقۡوى ٰها ٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زكى ٰها ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دسى ٰها ١٠﴾ [الشمس، 7-10].

يقول سيد قطب إن هذه الآية ستقودنا إلى معالم هامة في التعرف على النفس البشرية، ذلك أنها «تُمثِل قاعِدة النِّظرِية النَّفسِية لِلإِسْلام»[1].

إن هذه الآية الكريمة تتكلم عن القاعدة العامة والمنطلق الرئيسي للمكون النفسي للإنسان في القرآن الكريم، فالله سبحانه هو من نسق النفس وألهمها فجورها وتقواها، وقد أعطى القوة والتحكم التي تفصل بينهم (الإرادة) من ميول ونزوغ وصراع ذكرها بآية العزم، وهي ليست صفات النفس ولا حالتها إلا بعد سيطرة جزء على باقي الأجزاء، فإنها تغلب على النفس.

فكلمة (سواها) معناها أن النفس تُسوى وتُنسَق حتى تَصِل إلى درجة التوازن، إن النفس أو الروح الموجودة في المخلوقات الحيَّة سرّ عظيم وأمر ليس مفهوما بوضوح، واختلط على البعض فهمها، فالآية تتحدث عن النفس، وأن الله ألهمها، أي غرس فيها الفجور، وغرس فيها التقوى، وهما متصارعان، وعلى الإنسان أن يزكيها، ويخسر من لا يزكيها ويخيب.

والتسوية بمعنى الخلق كما جاء بكتب التفسير، أو كما يجتهد الباحث، بقوله إنها تسوية بمعنى التنسيق والترتيب وهندسة الشيء، كما أنها تتم على مرحلتين:

المرحلة الأولى: تسوية الجسد في الخلق عدل

الله يقول: ﴿فَإِذَا سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُۥ سَٰجِدِينَ ٢٩﴾ [الحجر، 29].

وهي عندما خلق الله آدم من طين لازب، صنعه بيديه، وتركه أربعين ليلة جسدا دون حياة مكونا من طين؛ فتسوّية الجسد خلقه في أحسن تقويم. أي أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصور من الجواهر المذوبة في أمثلتها، وقيل: المسنون المنتن، وقيل: الأملس"[2]

المرحلة الثانية: تسوية النفس عدل

قال تعالى: ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سوى ٰها ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وتقۡوى ٰها ٨﴾ [الشمس، 7-8].

وهي بعد نفخ الروح في الجسد، فأصبحت نفساً سوَّاها الله كنفس داخلية، مكونة من أنساق وأجزاء، هي (الفجور، التقوى، العزم)، والمرحلة الثانية من التسوية هي المقصودة في الآية.

وقيل: النفس هنا بمعنى القوى المفكرة المدركة، مناط الرغبة والاختيار، وتسويتها في استواء خلقتها وتركيب أعضائها، كما أودعها القوى المدركة والمفكرة والمقدرة للأمور التي لها الاختيار ككيان عالم مستقل، فهذه النفس في تسويتها تلقي معاني الخير والشر، واستقبال الإلهام الإلهي للفجور والتقوى، كأعظم دلالة على القدرة من تلك الجمادات التي لا تبدي ولا تعيد، والتي لا تملك سلباً ولا إيجاباً.[3]

قال تعالى: ﴿فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وتقۡوى ٰها ٨﴾ [الشمس، 8]

يقول العالم اللغوي أحمد بن فارس: الإلهام، كأنه شيء ألقي في الروع فالتهمه[4] ، والتهم الفصيل ما في ضرع أمه: أي استوفاه، أي أن ما يسمى الفجور والتقوى في النفس غُرست غَرساً وأنها مفطُورةٌ فيها، فالنفس ستكتسب بعد إلهامها الفجور والتقوى، استعدادا لصفات وطبائع سَتُنسق تبعاً لطبيعة تلك الأجزاء.

إذن في علم النفس الإسلامي الذي يُخبر الله عنه، هناك مكونات ثلاثة للنفس الإنسانية، هي: (الفجور والتقوى والعَزّم)، وسنفصل القول فيها:

أ‌- الفجُور: هو الجزء الأول من مكونات النفس، وهو مستودع الغرائز والشهوات، وما نسميه بالنفس الأمَّارة بالسوء، حينما يكون جزء الفجور هو من يقود النفس والشخصية، وهو نسق القرين الذي يوسوس للإنسان، والخبرات الإنسانية القديمة والذاكرة المكبوتة والمنسية.

«فالله تعالى خلق النفس أولا، ثم سواها على حال تقبل تلقي الإلهام بقسميه: الفجور والتقوى، ثم تسلك إحدى الطريقين»[5]

قال تعالى: ﴿فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٣٠﴾ [المائدة، 30].

(طوّعت) قال المفسرون: سهلت له نفسه قتل أخيه، ومنهم من قال: شجعته، وتحقيق الكلام أن الإنسان يتصوّر القتل العمد عدوانا، لكونه من أعظم الكبائر، فإذا أوردت النفس وساوسها صار هذا الفعل سهلا عليه، فكأن النفس جعلت هذا الفعل كالمُطيع له بعد أن كان كالعاصي المتمرد عليه، وقالوا: لو كان خالق الكل هو الله تعالى لكان ذلك التزيين والتطويع مضافاً إلى الله تعالى لا إلى النفس.[6]

وهنا في هذه الآية يتم الحديث عن قسم الفجور الموجود في النفس، وسميت «النفس»، وقسم الفجور قام بعملية التطوّيع النفسية، لأن من يقود هذه النفس الشريرة هو قسم الفجور، وهنا تصدر النفس بقيادة الفجور-من خلال الحوار الداخلي مع بقية أجزائها- فتوى أو حجّة، ليتم إقناع التقوى والعزم بالإقدام على العمل الظالم أو غير المقبول، فالفجور أو النفس الفاجرة تُقدم قصة مقبولة للجزأين، لكي يتم إقناع العزم بالإقدام على عمل الشيء الذي يرفضه التقوى.

أما جزء التقوى فموجود عند المخلوقات المكلفة التي عليها ألا تتخذ إلهها هواها، بل عليها مقاومة نفسها الأمارة بالسِّوء، بصحوة التقوى في النفس، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا ٧٢﴾ [الأحزاب، 72].

إن التكليف الذي وجهه الله إلى الإنسان أمر عظيم، وهو الأمرُ بخلاف ما في الطبيعة، واعلم أن هذا النوع من التكليف ليس في السماوات ولا في الأرض، وفي الأمانة وجوه كثيرة: الأولى هي: من قال هو التكليف، وسمي أمانة، لأن من قصّر فيه فعليه الغرامة.[7] وما رفضت حمله السموات والأرض، بل أشفقتا على من سيتحمل هذه الأمانة، وطبيعة هذه الأمانة هو أن يُوضع أو يُركب في هذه المخلوقات الفجور الذي تحركه الشهوة والرغبات التي هي المحرك القوي للسلوك، ويعتمد مدى دافعية الفجور الذي هو مخزن الغرائز والرغبات (الغرائز هي حيوانية أوتوماتيكية لا شعورية، والرغبات إنسانية إدراكية تتم بشكل شعوري) في تأثيره على الإنسان، من خلال الضغط على الإرادة التي تسمى في القرآن (العزم) للاستجابة إلى مطالبه، وتلبية حاجاته الشهوانية والرغبات، وكيف للمخلوق أن يحمل الأمانة، ويكون له إرادة، رغم إلحاح الفجور من النفس الأمارة بالسوء والنفس الشهوانية والعدوانية.

والباحث يزعم بدليل من الآيات أن أحد أصل الدوافع هي الشهوة لتحقيق اللَّذة، والعدوان من أجل السيطرة عليها، بينما اللَّذة وحب النفس لذاتها يصبان في حب الذات والشعور بإشباع الرغبات والأمان النفسي، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ ٤﴾ [قريش، 4]، و ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ ١٤﴾ [آل عمران، 14]، وهذه الاتجاهات تصُب في حُبِّ الذات من خلال تلبية حاجاتها الشهوانية والإحساس بالأمان، وأبرز سلوك لتحقيق هذه الغايات هو العدوان، قال تعالى: ﴿وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ ٣٦﴾ [البقرة، 36].

ب‌- التَّقوى: الجزء الثاني من النفس، وتسمى (الفِطُرة) التي فَطر اللهُ الناس عليها، وهي نزعة الاستعداد للخَير والحُب والإخلاص والوفاء، والثقافة والمبادئ التي تكتسب في التنشِئة الاجتماعية والقِيم المستمدة من المحيطين بالطفل، مثل الأب والأم والمجتمع بشكل عام.

وقوله تعالى: (فألهمها فجورها وتقواها) إن كان ألهمها بمعنى هداها وبين لها، فهو كما في قوله: (وهديناه النجدين) وقوله: (إنا هديناه السبيل)، وهو محمول على الهداية العامة، التي بمعنى الدلالة والبيان، وإن كان بمعنى التيسير والإلزام، ففيه إشكال القدر في الخير والاختيار[8]، والوجه الأول كلام صحيح، لأنه لو ثبت عكس ذلك لكان تفسير الآية ينحو للجبرية وعدم الاختيار.

ومن الممكن أن هذه الفطرة أو جزء التقوى في تكوين النفس، هي تفسير الآية الكريمة التي تقول: ﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ فَقَالَ أَنۢبِ‍ُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٣١﴾ [البقرة، 31] وهذا رد الله U على سبب خلق آدم حينما سألته الملائكة.

والملائكة سألت عن وجه الحكمة في خلق آدم وذريته، وإسكانه تعالى إياهم في الأرض، فأخبر الله تعالى عن وجه الحكمة في ذلك على سبيل الإجمال، بقوله تعالى (إني أعلم ما لا تعلمون) أراد تعالى أن يزيدهم بيانا ويفصل، فبين تعالى لهم فضل آدم عليه السلام ما لم يكن من ذلك معلوماً لهم، وذلك بأن علم آدم الأسماء كلها، ثم عرضها عليهم، ليظهر بذلك كمال فضله وقصورهم عنه في العلم، فيتأكد ذلك الجواب الإجمالي بهذا الجواب التفصيلي[9].

وعلاقة هذا بالتقوى بيان الله عز وجل قدرة آدم وعلمه، وإمكانية استخلافه في الأرض، لأنه ملهم بالتقوى والعلم، فعرفت الملائكة أن الله خلق آدم، ووضع فيه فطرة الإسلام والإيمان والعلم والتوحيد، ووضع فيه الضّد، وأخذ على آدم وذريته العهد والميثاق بأن لا يُشْرِكوا بِه شيئاً، وهذا جانب رئيسي من المكون النفسي في الإنسان، وهو التقوى، وللتقوى أكثر من منبع ومصدر، ولكن فِطرة الإيمان تكاد تكون هي الطاغية وهي الأهم.

قال تعالى: ﴿ وَلَآ  أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ ٢﴾ [القيامة، 2].

الله تعالى يقسم بالنفس التي تسيطر عليها (التّقوى) بحيث توجهها وتقودها وتُندِّمها على عمل قد اقترفته، وباقي الأجزاء النفسية في حالة ندم واعتراف بِالخطأ، وهي مرحلة ما قبل التوبة، فسميت بالمجمل بالنفس اللوّامة، التي تلعب دور الضمير، وقسم العزم يعترف، ويسمح لها بأن تُندِمه على ما فعل واقترف.

ث-العزم: هو الجزء الثالث من مكونات النفس (الإرادة)، قال تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زكى ٰها ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دسى ٰها ١٠﴾  [الشمس، 9-10]. وقد اختلف في مرجع الضمير في زكاها ودساها، وهو يرجع إلى اختلافهم في ﴿ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وتقۡوى ٰها ٨ ﴾ [الشمس، 8] فهل يعود على الله كما في ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سوى ٰها ٧﴾ [الشمس، 7] أم يعود على العبد، ويمكن أن يستدل لكل قول ببعض النصوص، فما يستدل به للقول الثاني قوله تعالى: ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ ١٥﴾ [الأعلى، 14-15] ، ﴿وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّىٰٓ ٣﴾ [عبس، 3] وكلها كما ترى محتملة[10]، إذن الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، يعود على الإنسان، كما يفهم من الآية الكريمة.

وهذا القسم من النفس (الإرادة)، وهي القوة التي يتم الاختيار بناءً عليها، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦ ﴾ [الذاريات، 56] (يعبدون) اختلفت كتب التفسير في معناها، وحملت على معنى العبادة من خضوع وتذلل، ولكنها تحمل معنى التكليف أي (يكلفون)، وهو الاختيار بين الباطل والحق قال ابن عباس: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون): إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها[11]».

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا ١١٥﴾ [طه، 115]، فالعزم هو قوة النفس في الإرادة، فهنا يدل على أن عزم آدم قد ضعف أمام الإغراءات وأمام طبيعته التي تتميز بالنسيان وقلة التحمل والصبر. العزم: المحافظة على ما أمره الله تبارك وتعالى بحفظه والتمسك به. وآخرون قالوا عزماً أي صبراً[12]،

إذن هناك نفس مكونة من أجزاء، وحتى تتحد في جزء واحد مستقر لابد لها من أن التوازن مع بعضها، والحُكم بين هذه الأجزاء الثلاثة في الإنسان العاقل والمتزِن لجزء العزم، إذ يقع على عاتقه وظيفة تلبية رغبات الفجور، مع مراعاة الواقع والمنطق، والمحافظة على التقوى، ليصدر من النفس سلوك مقبول.

وفي تفسير الرازي«إن طاعة بني آدم للشيطان وتركهم التحفظ من وساوسه أمر قديم، فإنا قد عهدنا إلى آدم من قبل أي من قبل هؤلاء الذين صرفنا لهم الوعيد، وبالغنا في تنبيهه، حيث قلنا: إن هذا عدو لك ولزوجك، ثم إنه مع ذلك نسي وترك ذلك العهد».[13]

فهنا يدل على أن عزم آدم أو قوة إرادته وصبره ضَعفت أمام الإغراءات من إبليس ونفسه بعد أن نسي العهد مع الله. دلالة على أن آدم حينما أخطأ كان خطؤه مركبا، أي كان نسياناً لتفاصيل الميثاق مع الزمن والإهمال وعدم الِحرص، وأيضاً إغواء إبليس له، وإقناعه بالأمر عقلياً، فأصل كل عِلة تقصير من الداخل (النفس التي في القلب) لاقاه ظرف في الخارج فَهوى، أي سقط الإنسان فيه، والله يقول: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ ٢٦﴾ [ص، 26].

وقد وجد العزم لِبيان دَور الإرادة والعَقل، وسبب استخلاف البشر في الأرض عن سائر المخلوقات، وهو المكون النفسي الإضافي في الإنسان الذي يميزه عن المخلوقات غير المكلفة، ونذكر قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا ٧٢﴾ [الأحزاب، 72].

الأمانة هنا هي الهدف من الخلق، ومن وجودنا في الأرض، بعدما تم إنزالنا من الجَنَّة لخطأ أبوينا (آدم وحواء)، بمعنى آخر الأمانة هي (العقل والتفكير) والقدرة على الاختيار، بينما السموات والأرض والجبال رفضن رفضاً قاطعاً حمل الأمانة.

والأمانة تتضح في قول الله: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ ٥٦﴾ [الذاريات، 56].

يعبدون: أي لكي يكلفهم بالعبادة (التكليف)، فسبب الخَلق هو التكليف الذي لا يكون إلا بالعقل والتفكير، ومعناه القدرة على الاختيار (الإرادة) ومخالفة الحاجة أو الشهوة لمعنى سام، فنحن خلقنا للتكليف (حق الاختيار مع معرفة الصواب من الخطأ أي الإرادة) وبعدما نَحمل التكليف، ومع النِّية الخالصة، تَصير حياتُنا عبادة.

فالعقل هو مناط التكليف، والشرط الذي يجب توفره في الإنسان. كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه: «والعقل المشروط في التكليف لابد أن يكون علوماً يميز بها الإنسان بين ما ينفعه وما يضره، فالمجنون الذي لا يميز بين الدراهم والفلوس، ولا بين أيام الأسبوع، ولا يفقه ما يقال له من الكلام ليس بعاقل، أما من فهم الكلام وميز ما ينفعه وما يضره فهو عاقل»([14]).


[1] قطب، سيد، في ظلال القرآن، دار الشروق، بيروت، ج6، 1980م، ص 3917.

[2] الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، 3\173

[3] انظر، الشنقيطي، محمد الأمبن بن محمد المحتار، تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، على نفقة محمد بن عوض بن لادن، الجزء التاسع والثاني من التتمة، ط2، 1980، ص243-244

[4] ابن فارس، مقاييس اللغة، (5ج/ 217ص)

[5] الشنقيطي، تتمة أضواء البيان، ص9\245

[6] انظر، الرازي، التفسير الكبير، 11\340

[7] انظر، الرازي، التفسير الكبير، المصدر نفسه، 25\187

[8] الشنقيطي، تتمة أضواء البيان، 3\246

[9] الرازي، مفاتيح الغيب، 2\96

[10] انظر، الشنقيطي، تتمة أضواء البيان، 3\247-248

[11] الطبري، جامع البيان في تأليف القرآن، ت: شاكر، مؤسسة الرسالة ط1، 22/444

[12] المصدر نفسه، 18\384

[13] الرازي، مفاتيح الغيب، 22\105

[14] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مرجع سابق، ص 278، ج 9 .

مراجع عدل

  1. ^ الكركي (2021). شادي الكركي (المحرر). أسرار النفس في القران الكريم (ط. الأولى). دار العماد. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط |مؤلف1= و|مؤلف= تكرر أكثر من مرة (مساعدة)